الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024

أبعاد أخرى للتوترات في كوريا الجنوبية - سيد أمين


فيما يبدو أن حركة التمرد والمروق من الحظيرة الأمريكية اتسعت حتى طالت إحدى أعظم حلفائها، وأكثر الديمقراطيات منهجية في العالم، لتدخل كوريا الجنوبية حيز الاضطرابات التي يستقبل بها العالم العام الجديد والولاية الثانية للرئيس الأمريكي الأكثر تطرفا ومعاداة للديمقراطية.

وتابع المندهشون في العالم الثالث في هذه الاضطرابات فصول حدث لم يعهدوه في بلادهم إلا في الثورة أو الانقلاب العسكري أو الاحتلال الخارجي، أما أن تتعقب قوات الجيش والشرطة رئيس البلاد بهدف اعتقاله لاتخاذه إجراءات رأى أنها تحمي البلاد من عدو خارجي، وهذه الإجراءات لم يقتنع بها الشعب وتحرك رافضا لها، دون أن يكون هناك انقلاب أو احتلال خارجي، فهذا أمر عجيب!!

بل إن كيم يونج هيون قائد قوات هذا الجيش الذي حاصر فيما بعد قصر الرئيس قام بمحاولة انتحار فاشلة في مقر الاحتجاز الذي احتجزته فيه قوات إنفاذ القانون، وذلك للهروب من تهم إساءة استخدام السلطة والقيام بأعمال التمرد، وذلك حينما نفذ تعليمات الرئيس الخاصة بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، وقام بنشر الجيش في شوارع سول.

كما أن قائد الشرطة وكبار مسؤوليها واجهوا الاعتقال بنفس عناصر الجهاز الذي يقودونه، وذلك بناء على أوامر من البرلمان ممثل الشعب ومصدر السلطات الذي صوت بأغلبية 210 مقاعد مقابل اعتراض 63 صوتا على محاكمة رئيس البلاد ووزير الدفاع وقائد الشرطة وكل من شاركوا في تنفيذ قرار الأحكام العرفية ونشر الجيش؛ مما يؤكد أن الديمقراطية هي الملاذ الأصدق لحماية البلاد.

أصل الحكاية

بدأت الأحداث بتصريحات الرئيس يون سوك يول زعيم حزب “قوة الشعب” الذي يرمز له بـ “PPP”، حينما أعلن الأحكام العرفية وإغلاق البرلمان، وتوعد من أسماهم بعملاء كوريا الشمالية في المعارضة في إشارة إلى منافس حزبه الرئيسي الحزب الديمقراطي الكوري ذي الميول الاشتراكية ويرمز له بـ”DPK”متهما إياه ضمنيا بممارسة أنشطة معادية للدولة، رغم أنه الحزب الذي فاز في دورتين متتاليتين بأغلبية مقاعد البرلمان.

صحيح أن الشعب أجهض محاولة الانقلاب، ومكن البرلمان من ممارسة مهامه، التي بدأها بإلغاء الأحكام العرفية، إلا أن تصويت البرلمان بأغلبية 204 أصوات من إجمالي 300، لا يزال تنفيذه مرهونًا بحكم المحكمة الدستورية.

وكان التصويت على عزل الرئيس الأسبوع الماضي قد فشل للمرة العاشرة بسبب انسحاب أعضاء حزبه البالغ عددهم 108 من البرلمان في حين تسيطر المعارضة على 198 مقعدا فقط من بينهم 168 مقعدا للحزب الديمقراطي و14 لتابعه الائتلاف الديمقراطي، وهو دون الحد الأدنى لتمرير الإجراء الذي يوجب عليها الحصول على موافقة 200 مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددهم 300 مقعد، وفشلت معه المحاولة العاشرة لعزل الرئيس.

وقتها، وبعدما تيقن الرئيس من أن قراره مرفوض شعبيا خرج عبر الشاشات واعتذر عن إعلانه الأحكام العرفية، لكن حينما وجد قوات إنفاذ القانون تطارده وتسعى لاعتقاله بتهم التمرد على النظام الديمقراطي للبلاد، وربما يكون بعدما راجع حلفاء حزبه الداخليين والخارجيين عاد مجددا للتمسك بقراره بإعلان الأحكام العرفية رغم إلغائه من قبل، بل وخطى خطوات أوسع لاعتبار من يعارضون هذا القرار خونة مواليين لكوريا الشمالية.

ولعل هذا التصريح وما سيحدثه من صدام مباشر مع الإرادة الشعبية جعل عددا من أعضاء حزبه يستشعرون الحرج ويصوتون لصالح عزله فاكتمل بهم النصاب القانوني، وأنقذوا بذلك سمعة الحزب.

أزمة اقتصادية

الفارق الضئيل الذي فاز به يون سوك يول في الانتخابات الرئاسية عام 2022 المقدر بنسبة 1% على منافسه هونغ جون بيو قيد كثيرا من سلطاته وكشف عن عمق الانقسامات السياسية في البلاد، ثم جاءت الانتخابات العامة في إبريل/نيسان 2024 لتخضعه كليا لسيطرة البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المنافس.

ورغم أن شعب كوريا الجنوبية له ميراث كبير من الرفاهية الاقتصادية مقارنة بغيره من الشعوب، فإنه مع تولي يون سوك السلطة بدأت تطفو العديد من الأمراض الاقتصادية على المجتمع، منها ظهور جماعات شبابية تدعو إلى العزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل نفقاته، فضلا عن الشكاوى الشعبية من ارتفاع أسعار الطاقة في هذا البلد الصناعي الكبير.

ورغم أن هذه المشكلات لا تبدو الأكثر إلحاحا للعلاج لكنها في الوقت ذاته غير مسبوقة في كوريا بوجهها الديمقراطي.


أبعاد خارجية

رغم أن أصل المشكلة يعود في ظاهره إلى خلاف على ميزانية العام المقبل، فإن الزج باسم كوريا الشمالية في الأحداث نقل الأزمة من كونها داخلية إلى خارجية تمس العلاقات الملتهبة بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، وقد تتسع لتعطي مدلولات بأنها تأتي في إطار ترتيبات عالمية لاستقبال ولاية ترامب الجديدة الذي عرف بمساعيه للتقرب من زعيم كوريا الشمالية، حيث كان الرئيس الأمريكي والغربي الوحيد الذي زار كوريا الشمالية وذلك عام 2019، والتقى الزعيم الكوري الشمالي مرتين في عام واحد.

يتوازى ذلك مع تحذير أطلقته كوريا الشمالية للولايات المتحدة من اندلاع حرب حقيقية، بسبب نشرها أصولا ومعدات عسكرية في شبه الجزيرة الكورية.

كما عرفت عن الرئيس توجهاته الغربية لدرجة أنه حينما تولى منصبه في مارس 2022 وصف علاقة بلاده مع أمريكا بأنها “تحالف شُكّل بالدم”، وأن البلدين قاتلا الشيوعية من أجل الحرية، كما تبنى سياسة أكثر اقترابا من اليابان فكان الرئيس الياباني هو الرئيس الثاني الذي التقاه.

واستكمالا لدائرة التحالفات العالمية التي انصاع لها الرئيس الكوري الجنوبي وحزبه اتسمت علاقاته بالانتقاد الدائم للمواقف الصينية والروسية، والتشدد في مواقفه من كوريا الشمالية، وهو ما تسبب في العديد من التوترات الحدودية الحادة التي وصلت إلى إطلاق نار عبر الحدود، وإرسال مسيرات تهدد الشماليين وتطالبهم بالثورة، رد عليها الشماليون بإطلاق مناطيد مملؤة بالقمامة تلقي حمولتها في سول، محطما بذلك كل جسور التهدئة الذي دشن لها سابقه مون جيه زعيم الحزب الديمقراطي.

.....

هدأت الأحداث نسبيا لكنها لم تخمد بعد.

 اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3DjoRv2

الأحد، 8 ديسمبر 2024

تساؤلات مخيفة عن معركة الشام - سيد أمين


يمكنك أن تفرح بما يحدث في سوريا بوصفه ثورة ضد الاستبداد، أو أنه نهاية لوجع طال ملايين السوريين اللاجئين في الخارج، ورغم أنه لا توجد مؤشرات في الأفق تشي بنهاية هذا الوجع، إلا أن ما يظهر ويجب عليك أن تتذكره أن ما حدث دمر أعظم إنجازات “طوفان الأقصى” المتمثلة في وحدة ساحات المقاومة العربية والإسلامية سنتها وشيعتها، ودمر أيضا وحدة حواضنها الشعبية، وجعل دماء زهاء خمسين ألف شهيد ارتقوا في غزة ولبنان ثمنا لإحياء هذه القيم النبيلة وكأنه ضاع سدى، بل وصرف الأنظار بعيدا عن عملية الإبادة التي يقوم بها عدو الأمة الأصلي إسرائيل لغزة في وقت هي كانت الأكثر حاجة فيه لتركيز انتباه العالم عليها.

مفاسد العملية

وإن كان ذلك وحده لا يكفي للتدليل على ضرر عملية “ردع العدوان”، فهناك مؤشرات تقودنا إليها، أولها الخاصة بالتوقيت حيث إنها جاءت بعد أيام قلائل من تهديدات نتنياهو لبشار الأسد بأنه يلعب بالنار بعدما قدم أسلحة متطورة لـ(حزب الله)، فضلا عن أن العملية تلت مباشرة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وكل ذلك قدم دلالات قوية بأن العملية جاءت لقطع خطوط الإمداد المارة بسوريا عن (حزب الله) الحليف الكبير لنظام الأسد وللمقاومة الفلسطينية معا، مع تأكيد تنحية النظام السوري عن المشهد تماما.

ثانيها أن العملية خطت رسالة نكران للجميل الذي قدمه الحزب بدمه، قال له مدبروها الأصليون فيها إنك قدمت دمك وأرضك وأمنك لمن لا يستحق، وخضت حربا من أجل تدشين وحدة مع من يضعونك مع الكيان في خندق واحد، ودفعت أثمانا باهظة حيث فقدت معظم قادتك ضمن قرابة 5 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، بالإضافة إلى تركة ثقيلة من مدن منسوفة وبنى تحتية مدمرة وأعباء اقتصادية وسياسية هائلة دون عائد يذكر.
ولعله بعد اندلاع العملية وما طال (حزب الله) في سوريا من سب وتقريع من المهاجمين كفيل وحده بإقناع كثير من حاضنته الشيعية بأنهم ما كان لهم أن يقدموا هذه التضحيات كلها من أجل غزة التي تخلى وتآمر عليها من هم من نفس مذهب شعبها.
وثالثها تخص فقه الأولويات فلو كانت الثورة ضد بشار الأسد هي واجب وطني، لكان الأكثر وطنية ووفاء تأجيلها خاصة أن سوريا الآن هي متنفس (حزب الله) الوحيد، ولو سقط نظام بشار لكان ذلك بمثابة خنق له، فضلا عن أن سوريا على ما فيها من استبداد حاكم، وهوان حكومة هي أيضا واحدة من جبهات المقاومة ضد إسرائيل، ولو سقطت لكان ذلك بمثابة انهيار جبهة المقاومة، لتترك بعدها المقاومة الفلسطينية وحيدة كما قال نتنياهو لتلتهمها إسرائيل ورعاتها.

جميعهم مستبدون

يمكنك أن تدافع عن الحركات المسلحة وتقول إن بشار مستبد، وستجد من يرد نعم هو مستبد، بشار مجرم، نعم هو مجرم، بشار يحكم غصبا عن إرادة شعبه، نعم هو يحكم غصبا عن إرادة شعبه، إنه فاسد، نعم هو فاسد، هو طائفي، نعم هو طائفي، نعم هو كل موبقة وفساد، لكن قل لي بربك كم من حكام العرب والعجم من هو غير ذلك؟
يمكنك أن تتحدث عن ضرورة إخراج إيران من سوريا والعراق ولبنان، وهو قول صواب يتوافق مع قيم الاستقلال، لكن ما هو موقفك إزاء كل هؤلاء الطامحين في التمدد على فراغها، وماذا لو كان البديل إسرائيل الذي وقت نضالك ضدها ستجد نفسك تقف وحيدا أمام الغرب كله بقضه وقضيضه، كما هو الحال في غزة؟
عزيزي الثائر، هذه ليست أبدا دعوة للاستكانة للاستبداد، ولكنها دعوة للحذر من أن يتم استخدامك كحصان طروادة من أجل تنفيذ مخططات صهيونية ستكون أنت القتيل التالي فيها بعد الجندي السوري.
وحذاري من أن يغريك حملك للسلاح ـوهو عمل مذموم وفي غير موضعه- أن ترد الإقصاء بالإقصاء، والثأر بالثأر، فإن سلاحك حتما سينفد، والأعداء الوهميون من بني جلدتك، والأصليون في تل أبيب مصانع أسلحتهم لا تتوقف.

إصلاح النيات

طالما الأمر قد حدث بالفعل وحسنت النيات، فلا بد هنا من استغلال فقه المرحلة، بعدما توافرت فرصة جيدة للعبور من المحنة السورية بسلام، والخروج من المطحنة المصطنعة لصدام تياري الأمة السنة والشيعة في هذا البلد، بما يحافظ على وحدة شطري المقاومة وتقويتها، ويحافظ على استقلال سوريا، بل ويعيدها لدورها الأصلي كقوة ممانعة.
يجب أن تعمل روسيا والوسطاء العرب من الخيرين على تقريب المصالح ووجهات النظر بين الداعم الرئيس للنظام السوري والداعم للفصيل الأكبر من المسلحين.
فدور إيران الأكبر والأهم في سوريا هو الحفاظ على ممر آمن لـ(حزب الله)، بينما الهدف الأساس لتركيا من دورها هناك هو تأمين حدودها وإعادة ملايين اللاجئين السوريين فيها إلى بلادهم بعدما صارت هناك قلاقل في المجتمع التركي بسبب كثرة أعداد اللاجئين.
فلمَ لا يتم العمل على إزاحة بشار الأسد ونظامه بصفته رأس الخلاف، وتحقيق مصالح هؤلاء الوسطاء الإقليميين السابقة، وبدء فترة انتقالية بمجلس منتخب ممثل فيه لكل فئات المجتمع، من أجل اختيار نظام حكم يمثل الجميع ويضمن مصالح الدول والقوى الإسلامية الحليفة.
هناك رائحة مؤامرة كبرى اشتعل فتيلها في الشام، وبحاجة إلى الحكمة لإطفائها.

إقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4ioXZKg

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل خذل الروس والصينيون العرب؟ سيد أمين

 


مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان شهرها الرابع عشر، يسود الأوساط السياسية العربية اعتقاد جازم بأن روسيا والصين خذلتا العرب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليهما حليفتين لهم.

ولعل الأنظمة الرسمية سبقت الهيئات الشعبية في الإيمان بهذا الاعتقاد، مما جعلها تبكر بالانصراف عن خطب ود موسكو أو
بيجين، وتسلك طريق التبعية ​طوعا وكرها لأمريكا، وتتكيف مع مواقفها المتعسفة والجائرة ضد من مرقوا عن حظيرتها، ولو كانت تلك الأنظمة رأت في القطبين الناشئين رغبة وجدية لحماية حلفائهما، ودفع ثمن تلك الريادة، لربما وجدنا من تلك الأنظمة -حتى تلك الأكثر جنوحا للاستظلال بالمظلة الأمريكية- سعيا بصورة أو بأخرى لمد يدها لمن ينتشلها من هذا المستنقع الاستعماري المنحاز كليا ضد الشعوب العربية وقضاياها.

والمشكلة أن أمريكا التي تحمي عادة من يستظل بمظلتها في العالم، وتسعى لرفع مستوى رفاهية شعبها الاستهلاكية كما حدث في كوريا الجنوبية، نجدها في منطقتنا العربية تحوّل حمايتها من حماية الشعب إلى حماية النظام الحاكم، مما شجعه على الاستبداد بشعبه وتركيعه وتجويعه لقبول إجراءاته ورغباته التي هي في الأصل إجراءاتها ورغباتها.

ورغم أن هذه الإجراءات حولت الأنظمة إلى أعداء حقيقيين لشعوبها، وأخضعت وجودها بدرجة كبيرة لقوة العصا التي تستخدمها وليس لحكم الصندوق، فإن تلك الأنظمة الهشة غير المستندة على قاعدة شعبية لم تجد مفرا من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، وجعلها السند، وذلك نظرا لعدم وجود بديل حقيقي أقل تعسفا يمكن الارتكان إليه وقت إظهار الأمريكيين عيونهم الحمراء.

وبدا لها أن الانتقال الصريح من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي والصيني هي مقامرة فاشلة عاقبتها الندم، لأن أقصى دعم يمكن أن يقدّماه لها حينئذ هي عبارات الشجب والتنديد، وفي أحيان أخرى سيجدونهما يقايضان بهم أمريكا من أجل مكاسب اقتصادية أو حماية مراكز نفوذ أخرى في رقعة شطرنج العالم.

تجارب مريرة

وهناك تجارب سابقة مريرة مر بها العرب حينما راحوا يركنون ظهورهم على حوائط موسكو وبيجين في مجابهة أمريكا وحلفائها فوجدوا أنفسهم فرائس سهلة، كما حدث مع صدام العراق وقذافي ليبيا، وبشير السودان الذي سافر إلى موسكو قبل أشهر من إطاحة الجيش به عسى أن يجد لديها الدعم اللازم لوقف التدخل الغربي في بلاده عبر الدعم الاستخباري أو العسكري، لكن فيما يبدو كانت هذه الزيارة وبالا عليه ودافعا لأمريكا إلى زيادة الضغط لسرعة الإطاحة به وسط تخاذل روسي واضح.

ومن المؤسف أن المرة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا لإنقاذ حليف لها في الوطن العربي كان لإنقاذ بشار الأسد من غضبة شعبية قد تكون شرارتها مصنعة غربيا، إلا أن تدخلها العنيف أسهم في تحويل المؤامرة الغربية إلى ثورة مدعومة شعبيا، ثم اقتتال طائفي، بدلا من أن تبحث عن حل وسط يوحد جميع القوى المتصارعة ويرضي مصالحها.

هذا التدخل الروسي العنيف لم يؤد إلى نتائج عكسية فحسب، بل إنه أيضا قضى على كون سوريا قوة إقليمية مقابل الإبقاء على حاكمها الذي لا يحكم إلا أجزاء منها، وترتع الميليشيات المتناحرة والقوات الغربية في الأجزاء الأخرى، وهو ما تشابه في نتيجته النهائية مع السياسة الأمريكية في المنطقة، الخاصة بدعم الحكومات وتحويل وظيفتها إلى مجرد سجان للشعوب.

ومن الحماقة حقا أن تستهدف روسيا فئات نافرة من الحظيرة الأمريكية مثل التيارات الإسلامية والقومية رغم أنهما من الفئات التي تقف مع حلفائها في الخندق نفسه كتيار ممانعة، وكان يجب عليها استقطابهم والتقريب بينهم وبين السلطة، وهو الخطأ الذي أضعف بالإجمال قوة التيار.

الحرب الكاشفة

وكما كشفت حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان الكثير من الدمن التي تعشش في النظام الدولي والعربي، كشفت أيضا أن التعويل على الروس والصينيين في الدعم الفعال لحلفائهما هو أيضا مجرد وهم.

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول الغربية لم تألُ جهدا في دعم إسرائيل بأحدث تقنيات الموت والدمار المتوفرة في ترساناتها العسكرية، فضلا عن الدعم الدبلوماسي غير المحدود الذي فضّل أن يضحي بهيبة مؤسسات العدالة الدولية للحيلولة دون أن تمس إسرائيل بسوء، نجد في المقابل روسيا والصين تشاهد​ان إسرائيل تنكل بلبنان بعدما نكلت بغزة دون أن يجرؤ أي منهما على مجرد التلويح بأنه قد يدعم المقاومة ولو بطلقات خرطوش.

يقال في المثل الشعبي “الغاوي ينقّط بطاقيته”، وإذا كانت روسيا والصين ترغبان في دور بارز في قيادة هذا الكوكب ومنافسة أمريكا، فعليهما دفع الثمن “عربون الفتونة”.

وها هي الفرصة قد جاءت.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4fLZLU8

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

الكوريون وصلوا.. أخطار الحرب النووية تتفاقم - سيد أمين

رغم خفوت ضجيج الإعلام وانصرافه عنها قليلًا بسبب تصدُّر حرب الإبادة في غزة ولبنان المشهد، فإنه في كل يوم يمر دون إتمام أي من طرفي الصراع في أوكرانيا الحسم للمعركة، تبقى احتمالات اشتعال حربية عالمية ثالثة قائمة، مع تزايد القناعة بأنه لا روسيا ولا أمريكا -بوصفهما الخصمين الحقيقيين الفاعلين هناك- سيقبل أي منهما بالانكسار مهما كان الثمن، مما تزداد معه أخطار توسُّع الحرب وصولًا إلى الأسلحة النووية.

والواقع أن المشهد الأوكراني يتضمن كل مهيئات هذه الحرب، إذ تتصارع الأحلاف الدولية الغربية والشرقية فيها، وتتداخل كل أجهزة الاستخبارات، كما تتدفق مئات الأطنان من الأسلحة إليها، والمسلحون يفدون إلى طرفيها من كل حدب وصوب، بينما يزداد رويدًا رويدًا خطر الانفجار في جميع مناطق التماس الأخرى بين المعسكرين الشرقي الموالي لروسيا والغربي الموالي لأمريكا، ولعل الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على العراق وسوريا ولبنان واليمن -وهي كتل تدور في الفلك الايراني الحليف لروسيا- قد تعمل محفزًا مساعدًا لاشتعال هذه الحرب بوصفها مناطق نفوذ، وإن كانت بمفردها لا تقوم بهذا الدور.

ويعزز المخاوف ورود تقارير عن وصول قوات كورية شمالية قوامها 3 آلاف مقاتل إلى روسيا للمشاركة في الحرب، مع توقعات بأن يصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ثم جاءت تصريحات وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هوي أثناء اجتماعها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، الجمعة الماضية في موسكو، لتفتح باب الحديث جديًّا عن أخطار متوقعة لضربة نووية، إذ أكدت تواصل مساعي بلادها لتعزيز قدراتها النووية تحسبًا لضربة نووية انتقامية، في إشارة إلى ما سمَّته مكائد أمريكا المتنامية، وقالت إن بلادها تطور أسلحتها النووية الهجومية و”الجوابية”.

ونقلت رسالة زعيم بلادها كيم جونغ أون التي أكد فيها نصًّا أن “التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتحول الآن إلى تحالف عسكري ذي مكوّن نووي”.

وعلى الأرض تنامت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات بين نظامَي شبه الجزيرة الكورية، التي شملت تفجير الطرق والسكك الحديدية الرابطة بين البلدين، مع تقوية التحصينات العسكرية الحدودية، وتزايدت حدة إطلاقات النار على جانبيها حيث أطلقت سيول مسيَّرات نحو بيونغ يانغ تحمل منشورات تتضمن التهديد والوعيد، قابلتها الأخيرة بإطلاق مناطيد تحمل القمامة.

هذا بخلاف تنامي التوتر بين واشنطن وبيجين فيما يخص تايوان التي تَعُدها الصين جزءًا من أراضيها، وكثيرًا ما قامت طائراتها باقتحام مجالها الجوي، في حين نشرت مؤخرًا 20 طائرة مقاتلة في دوريات حولها بعد حديث عن صفقة أسلحة أمريكية يُنتظر تصديق الكونغرس عليها بقيمة 1.16 مليار دولار تشمل أنظمة مضادة للطائرات وصواريخ، وصفقة أخرى بقيمة 828 مليونًا تضم أنظمة رادار متطورة.

ولعل مثل هذا الصدام سيعطي الصين دافعًا إلى سرعة الانخراط في التحالف مع روسيا، رغم سياستها الثابتة بعدم الانجرار في أحلاف راسخة، لما يمثله ذلك من صدام واسع مع أمريكا والغرب يهدد مصالحها الاقتصادية في العالم.

وإذا كان التكتل الغربي المساند لواشنطن واضح المعالم، فإن الراصد يستطيع أن يرى بوضوح أيضًا المساعي الروسية الحثيثة لبناء تكتل قوي، قد يضم أيضًا كوبا وفيتنام والعديد من الدول الإفريقية والإسلامية الخارجة توًّا من الهيمنة الغربية.

مواصفات الصراع النووي

وإذا اشتعلت تلك الحرب المباشرة بين أقطاب العالم النووية، فحينئذ سينحصر الأمل على اقتصارها على الأسلحة التقليدية، وهو أمل لا محل له من الإعراب، لأن الهدف الأساسي من امتلاك الدول للأسلحة النووية هو الفوز بأي حرب وليس فقط تجنب الهزيمة فيها.

وسيقتصر آنذاك التنافس على من سيكون صاحب الضربة الأولى، ومدى قدرته على امتصاص الضربة المضادة إن حدثت، لأن صاحب الضربة الأولى سيكون فعليًّا قد هزم الخصم، بشرط استهداف المنطقة الصحيحة التي تشل العدو تمامًا وتمنع قدرته على الرد.

فضلًا عن مدى امتلاك هذا المبادر الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية لمسافات بعيدة بسرعة متناهية قبل أن تسقطها مضادات الخصم في غير الموقع المقصود، وكذلك مدى امتلاكه التقنيات التي تكشف له مراكز قوة العدو بدقة لكي يتم استهدافها.

ولقد وفرت التقنيات العسكرية الحديثة حلولًا جذرية لمعضلات المسافة والزمن والدقة، عبر اختراع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الحرارية والذاتية التوجيه.

ولعلنا نتذكر أن معضلة بُعد المسافة دفعت الاتحاد السوفيتي قديمًا إلى شراء جزء من الزمن عبر استئجار قواعد عسكرية في دولة كوبا القريبة من الشواطئ الأمريكية وإمدادها بصواريخ ذات رؤوس نووية، والأمر نفسه فعلته واشنطن في دول أوروبية عدة قريبة من الحدود الروسية، وهو ما أطلق ما يُعرف بالحرب الباردة.

الحرب النووية

جُل المخاوف تنحصر في أن روسيا وأمريكا وحلفاءهما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لتوجيه ضربات نووية ناجحة، فضلًا عن امتلاكهما معًا مساحات أراضٍ واسعة تطل على بحار ومحيطات كبيرة، وهو الأمر الذي سيتيح لأي منهما أيضًا امتصاص الضربة النووية الأولى، ويمكّنهما من توجيه المزيد من الضربات، بما يطيل أمد الحرب.

ورغم أن الساسة في الدولتين العظميين يؤكدون أنه لا مجال لحرب نووية، فإن هناك من يرى أن مثل تلك التصريحات تكتيكات عسكرية فقط، هدفها تخدير الخصم وتحقيق عنصر المباغتة، إذا جد الجد.

أما دول التماس بين روسيا وأوروبا خاصة بولندا وفنلندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، فقد تكون أول ضحايا خروج الصراع العسكري من حدود الحرب التقليدية.

هذه خريطة للصراع الدولي في أوكرانيا إذا خرج عن حدوده التقليدية الحالية نحو حرب عالمية ثالثة، واحتمالات قفزة واسعة ليتحول إلى حرب نووية، وإن كان الأمل معقودًا على أن يكون كل ما يحدث مجرد حرب نفسية أو كما يصفها اللفظ العامي “تهويش”.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3ABC9C0

الأربعاء، 30 أكتوبر 2024

وجه آخر لإرهاب الرجل الأنيق - سيد أمين

 

لم يعد هناك حاجة للاسترسال في سرد تفاصيل كثيرة عن النفاق الغربي الرسمي الذي يمثل الإرهاب في صورته الأكثر تدميرا وتخريبا، والذي كانت خطورته حتى وقت قريب تكمن في تخفيه وامتطائه جواد الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أن إنسانه ليس أبدا كإنساننا، وحقوقه عندهم ليست كحقوقه عندنا.

ولقد كان لتأييد الغرب المطلق الرسمي والمستتر للإبادة في غزة الفضل في نزع ورقة التوت المهترئة التي كان يتعلل بها المتعللون، فظهر جليا أنه بدعمهم السياسي تتعطل إدانة إسرائيل دوليا ولذلك استمرت في غيها، وبأسلحتهم واستخباراتهم أبادت الأبرياء، وبأموالهم استأجرت المرتزقة وبنت المستعمرات، وظهرت الخلاصة في أنها ما هي إلا مجرد منفذ لسياستهم الإرهابية القذرة، قذارة تلك التي نفذوها من قبل في الحقبة الاستعمارية وفي الحربين العالميتين الكبيرتين.

لكن مع ذلك فهذا ليس وجه الإرهاب الوحيد للغرب، فهناك حقائق كثيرة أخرى مختلفة تجب الإشارة إليها حول التوحش الغربي عامة والأمريكي والإسرائيلي خاصة، منها أن من أحرق اليهود هم الغرب ومع ذلك أجبروا العرب على دفع الفاتورة، وأن الغرب وليس الشرق هو من غزا ونهب ثروات شعوب العالم حتى إنه حول البشر فيه إلى بضاعة تباع وتشترى، وهو من خاض الحروب الأكثر بشاعة في التاريخ بعد هجمات المغول والصليبيين، ويكفي القول إنه قتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحدهما قرابة 5% من عدد سكان العالم جلهم من شعوب ليست أصلا طرفا في هذه الحرب، ولكن وضعها المتعاركون عنوة في أتون الحرب ليجنبوها شعوبهم.

أما أمريكا فضحاياها عادة ما يكونون بالملايين، بدءا من ضحايا قنابلها الذرية في اليابان، إلى مليون ونصف مليون قتيل في فيتنام، ومليوني شهيد في العراق حسب إحصائيات منظمات حقوقية فرنسية، ومليون و700 ألف حسب “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”، التي دونت فقط من وصلت جثثهم إلى المشارح المعتمدة، وقرابة 176 ألف شخص في أفغانستان بحسب دراسة أجرتها جامعة براون الألمانية،و هذه مجرد عينة صغيرة لأربعة نماذج فقط من سجل متخم لضحايا كثر لانتهاك أمريكا لحقوق الإنسان.


إرهاب غير مباشر

ما سبق كان مجرد وجه للإرهاب المباشر، وبقي الحديث عن الإرهاب غير المباشر الذي يتلخص في أن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت في علاقاتها مع دول العالم العربي سياسات انتهازية، استطاعت من خلالها تحقيق النجاح الكافي لجعلها صاحب القرار الأهم في هذا الركن من العالم طوال العقود التسعة الماضية، ضاربة بإرادة شعوبه عرض الحائط، وذلك باعتراف قادة عرب بارزين منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي لم يخجل من أن يعلن صراحة أن 99% من أوراق اللعبة في المنطقة العربية بيد أمريكا.

وتتلخص تلك السياسات في تمكنها عبر وسائل عدة معلنة وغير معلنة من التغلغل عميقا في شؤون الدول الداخلية، وإيصال أنصارها فيها إلى أعلى السلطة، مع تدفق دعمها لهم بكافة الطرق العينية والسياسية واللوجستية.

ومع ذلك فإن باب دعمها ذلك ليس مفتوحا على مصراعيه كما هو الحال مع “إسرائيل”، ولكنه يكفي في حده الأدنى منع هذه النظم من السقوط من جانب، ومنعها من أن تتشبع لدرجة تمكنها من الاستغناء عن هذا الدعم مستقبلا من جانب آخر.

ورغم نجاعة تلك السياسة فإنها تقوم بعمل جنوني آخر متمثل في صناعة أو دعم بدائل لهؤلاء الحلفاء وتقديمهم كمعارضة ديمقراطية لهم، قاصدة استيفاء الديكور الخاص بوجود معارضة لكل نظام كما هو الحال في كل النظم التي تدعي الديمقراطية، وكذلك ترويع الحلفاء بقوة ضغط إضافية سعيا وراء مكاسب أكبر، ولتقول إن يدها في البلاد ذات حول وطول، وفي أحيان أخرى تتصرف كذلك فقط لخدمة الحلفاء الأصليين وإظهارهم أمام شعوبهم كحكومات مستقلة تتعرض لمؤامرات خارجية من قبل معارضة غير وطنية.

ولعل الاستعمال الأهم من ذلك كله الاستعاضة بهم عن المعارضة الحقيقية “غير المرغوب فيها” التي سيتم إقصاؤها باتهامات فضفاضة كالإرهاب والتطرف والعمالة للخارج، وكذلك استخدامهم للحيلولة دون وصول مثل هؤلاء المغضوب عليهم لأي سبب غير متوقع كثورة شعبية أو انقلاب عسكري.

تدمير نموذجي

تلك السياسات هي درجة من درجات الإرهاب بما تتضمنه من تخريب الحياة السياسية للأمم، وهو تخريب يتقدمه ويعقبه تخريب أوسع نطاقا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحتى الروحية، وذلك لأنه ببساطة إذا فسد الراعي ووصل السلطة بالاحتيال والدعم الخارجي فسدت معه الرعية وتحولت علاقاتها البينية إلى غابة.

وفيما يبدو أن ما فعله النفوذ الأمريكي والغربي في البناء السياسي للدول العربية، قلدته النظم ذاتها في معارضتها، فأقصت الإسلامي المتمسك بأيديولوجيته ودعمت أحزابا إسلامية هلامية بلا فكر ولا شعبية، وأقصت القومي الذي يرى أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ودعمت أحزابا قومية برنامجها قائم فقط على عداء التيار الإسلامي، وفعلت ذلك مع الاشتراكي المدافع عن حق الفقير والمناضل لتغول الرأسمالية، ودعمت ذلك الذي برنامجه قائم على سحق التيار الإسلامي والقومي.

والأخطر أنها سحقت واقعيا جميع أنواع المعارضة بكل أطيافها، فصارت جميعها مصنعة في معامل السلطة وأجهزتها الأمنية، ويدار هذا وذاك من السفارات الغربية.

هذا وجه آخر أكثر خطورة للإرهاب، لأنه يدمر ولاء ونماء الأمم برمتها، ويقلب حالها فيجعل من شعوبها الأعداء ومن أعدائها الأصدقاء.

هذا هو إرهاب الرجل الأنيق.

إقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3YKkjVN