مشاركة مميزة

المقاومة العربية والإسلامية.. تاريخ من التجرد - سيد أمين

حزمة مقالات سيد أمين حتى عام 2025

 ............................

مقالات عام 2009

............................

الى ايناس الدغيدى ..الى متى هذا العبث؟

نشر بتاريخ  4 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

سيد أمين          

حقيقة عانيت كثيرا قبل كتابة هذا المقال, ولكنني وجدت أنه لا فرار من تلك المعاناة إلا عبر كتابتها وتفريغ جزء يسير من طاقة الغضب المعتملة بداخلى وبداخل ملايين المصريين والعرب جراء ما تقدمه شاشة التلفزيون المصرى من حلقات سقوط متواصلة, سواء عبر برامجها المستفزة والتافهة أو درامتها السطحية المزيفة والتى تحاول جاهدة التكريس لخلق واقع بغيض همجى  ينافى الواقع المصرى الحقيقى المعروف عنه تدينه وتمسكه بثقافته العربية.

بصراحة حينما شاهدت بعض حلقات من برنامج "الجريئة" الذى تقدمه المخرجة "إيناس الدغيدى" صدفة, وجدتني اضرب كفا بكف غير مصدق أنه جاء اليوم الذي يقدم فيه التلفزيون المصري هذا العبث والقبح خاصة أن ذلك التلفزيون  العريق يدفع له المصريون تكاليف ادارته وتشغيله من اموالهم وعبر الضرائب المفروضة عليهم ’ فى حين يقوم هو بدفع راتبا ضخما لإيناس الدغيدى بالعملة الأجنبية حتى تتمكن من أن تنفث سمومها فى المجتمع مبشرة بقدوم عصر جديد تسود فيه قيم الانحطاط والفجور وجهالة المتعلمين والدعارة وتمزيق عباءة الثقافة والدين والاخلاق تمزيقا ’رغم أن مشاهدي التلفزيون المصرى هم أناس أنهكهم الفقر والجوع والمرض والاستبداد وهم فى مسيس الحاجة الى من يرشدهم الى كيفية إشباع الأفواه الجائعة واجتثاث الألأم من الابدان وهم فى حاجة أيضا  الى من يحررهم سياسيا واقتصاديا وعلميا وتعليميا ويصعد بهم من التخلف الى التقدم ’ وهم بحاجة كذلك الى من يمد يده لتحريرهم من الهيمنة الأجنبية والى من يدعم المقاومة العربية فى كل الأقطار مجتمعة.. والسؤال أين تقف ايناس الدغيدى من كل هذه المعضلات ؟ لماذا ترفض الحديث فيها مختصرة القضية كلها فى اسفل جسد المرأة لا اعلاه , لا سيما فى اعضائها التناسلية ؟

لكل ذلك  حينما شرعت في كتابة تلك الخواطر رحت اكظم غيظي بقدر المستطاع حتى لا أقع  تحت طائلة قانون لا يفرق بين ما يجب وما لا يجب ويساوى بين من يحب مصر أو يكرهها ,أخذت أبدل لفظ بلفظ وكلمة فيها قدر من الشجاعة بكلمة ناعمة لا حرارة فيها.

وبادئ ذي بدء ’ رحت اتسائل: من يا ترى الذى أعطاها الحق فى أن تطلق على نفسها لقب "الجريئة" خاصة أن الجرأة تعنى على ما أعتقد الإقدام على فعل صحيح لشيء يحتاجه الناس وهنا تصبح الجرأة ذات معنى وقيمة سامية ونبيلة ترادف قيمة الشجاعة ’أما ما تقوله وتذيعه وتعتقده إيناس الدغيدى فهو بعيد عن الجرأة وقريب إلى الشذوذ والبجاحة ’ وذلك لكونها تعتقد أن كمال الحرية للأسرة المصرية هو أن تمارس الزوجة والابن والأم الدعارة وأن يعمل الزوج والابن والاخ والاب كقوادين ييسرون ويسّيرون لهذه المهمة ’ مختزلة بذلك كل قضايا المجتمع فى أعضاء المرأة التناسلية !!! فهل بعد ذلك هناك إسفاف ؟ وهل يمكن ان يتقدم مجتمع تكون مفكرته ومنظرته إيناس الدغيدى قيد أنملة ؟ طبعا لا.

واتسائل  ايضا:لماذا لا تحث إيناس الدغيدى المرأة المصرية او العربية عامة على ان تتعلم حتى نجد من بينهن عالمة الذرة والنووي والهندسة والفضاء والفيزياء والكيمياء – كما هو الحال عند نساء الغرب الذى تدينين له بالولاء- لا أن نجد بينهن عالمة الصالات والبارات والحانات والغرف الحمراء والمرأة التى تخون زوجها مع ابن الجيران كما تطالبين ؟ بئس تلك الحرية التى تطالبين بها.

ثمة أمر مهم يجب أن نتحدث فيه ’ أليست الحرية أن يفعل المرء ما يحلو له طالما انه لا يضر بمشاعر الآخرين ومعتقداتهم ؟ إذن ألا يعتبر هجومك على الحجاب والمحجبات قمع لحريتهن فى ارتداء ما يشئن ؟

نعم لك الحق فى أن تتبرجي وترتدي ما تشائين وأن تسيري كما يقول المثل "على حل شعرك" - طالما ظل الأمر يخصك بمفردك ولا تفرضينه على الناس عبر شاشات التلفزيون - ولكن ليس لك الحق فى انتقاد حجاب النساء الاخريات وعقابهن على سلوكهن " المعدول" القويم ’ ألا تصبحين انت بذلك الطرف الذى يمارس الديكتاتورية وانت السيدة التى تتفرغين تماما للهجوم المكثف على نحو 85 % من نساء المجتمع وهن اللائى يرتدين الحجاب.. وللعلم يمكنك أن تجرى احصاء بسيطا تكتشفى بعده أن معظم نساء المجتمع المصرى محجبات وذلك من خلال قيامك بحصر سريع للنساء اللائى تشاهديهن اثناء سيرك بسيارتك الفارهة فى اى شارع صغير من شوارع مصر.

نساء مصر قبل رجالها يضقن بك ذرعا يا سيدة ايناس .. وهن يشعرن بالخجل والاهانة من الأحاديث التى تدلين بها باسمهن وهن منا براء ؟ فالمرأة المصرية لا زالت هى الأم الطيبة التى تكافح من أجل تربية أبنائها والأخت التى تحلم بتكوين أسرة مبنية على أساس سليم وليست تلك المرأة التى تبحث عن وكر للدعارة.

وفى النهاية يا سيدتي كان يجب عليك وأنت فى سنك الستين  كأم وكسيدة مرشحة لأن تكون جدة ان توفري طاقتك تلك وما تبقى من اعمارنا القصيرة للحث على الفضيلة ومكارم الأخلاق وصالح الإعمال تحسبا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا  وزير ولا سفير ولا خفير فاسد يزين لك سوء عملك ’ ولن يقف بجوارك شخص يطمع فى دور من أفلامك الساقطة’  واعلمي ان زلزلة الساعة لأمر رهيب وأن عذرائيل لا يعرف الوساطة لأنه مكلف من رب العباد جميعا طيبهم وقبيحهم ,  واعلمى أننا نعيش فى زمن انتشر فيه موت الفجأة والسكتات القلبية والكوارث والأوبئة والأمراض بأنواعها حاصدة الناس حصدا وأننا نعيش فى زمن فيه ايضا انتشرت جهالة المتعلمين وعم فيه الظلم والقمع والفقر وأطلت فيه الامبريالية برأسها البشع علينا من جديد فأعملت فينا  سوط عذاب من قنابل البى 52 شبه النووية واليورانيوم المنضب والمخصب قاتلة ملايين الاطفال والاجنة  فى الأرحام بالاضافة  الى الرجال والنساء مغتصبة الصبيان والرجال قبل النساء وبشكل جماعي ومتكرر – كما هو الحال فى سجون العراق الامريكى الآن- اذن أليس ذلك كان اولى باهتمامك بدلا من ان تهتمى بهتك عرض ما تبقى من نسائنا .

امام الواحد منا وقت قليل حتى يصلح ما افسده طول عمره ولكن رحمة الله بنا انه يقبل التوبة الصادقة  حتى لو كان المرء على فراش الموت.

اقول لك ذلك وربما تتخيلين اننى امام فى مسجد او شيخ فى جامع – وهم فى نظرك بالطبع متطرفين- ولكننى انا لا هذا ولا ذاك ولكننى صحفى وشاعر اؤمن بأن الشرف والعدل والشهامة والشجاعة أهم مميزات وسمات الشخصية العربية عبر التاريخ  ولا يجب ان نحيد عنهم مهما كان الثمن .

اقول لك ذلك حتى لا تكتشفين فى أراذل عمرك أنك أفنيتيه فى ما يضر الناس لا ما ينفعهم ..انك أفنيتيه فى العبث.

وقد كتبت هذا المقال لنيل رضا الله القدير.

............................

مقالات عام 2010

............................

القدرة والطالع.. رؤية تاريخية

نشر بتاريخ  8 حزيران (يونيو) 2010

سيد أمين

أجدني رغم ما يحيط بنا من أحزان قومية اعتدناها جراء مذابح ‘الحريات’ التي ترتكب ضدنا ليل صباح والتي لن يكون آخرها مذبحة قافلة الحرية علي يد الصهيونية الفاشية، أجدني أميل إلي عدم خوضها لأن الجميع قد تحدث فيها وانتحي بقلمي جانباً للحديث في أشياء بعيدة قد لا يبدو للوهلة الأولي الحديث فيها مستساغاً في تلك الأوقات..

 وعلة هذا الميل يرجع إلي أن أقلام الوطن كثيرة وأقلام الإنسانية أكثر ورب كثرة أفقدت الكلمات وحيها فباعدت بين لفظة ‘الجرح’ وآلام ‘المجروح’ وبين مفردة ‘الموت’ وبين ‘رهبته’ وآلام اليتامي، هنا وجدت نفسي أنأي عن تكرار ما ردده غيري وهو واجب عليَّ وعليهم وأدلف للحديث عن ‘الطالع والقدرة’ ولعل..

مسألة ‘الطالع’ توحي أول ما توحي بأن من يؤمن بها أو حتي يرددها هو شخص غيبي ينكر قدرة العقل ويفضل إلقاء اللوم علي المجهول في كل فشل.

وفي الحقيقة، وبقراءة ولو سريعة في التاريخ قد يتأكد لنا أن لـ’الطالع’ دوراً كبيراً في رسم خريطة العالم.

ويرصد نيقولا ميكافيللي - في كتابه الأمير - قصصاً كثيرة لفشل أو نجاح كان لسوء أو حسن الطالع، الدور الأساسي فيها إلا أن ميكافيللي الذي عاني هو نفسه من حسن وسوء الطالع يؤكد أنه لا جدوي للطالع دون القدرة، كما أنه لا جدوي للقدرة والذكاء دون توافر حسن الطالع.

ويضرب ميكافيللي لنا الأمثال عن صانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد، حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً وبعد نهب ثرواتها عادوا أدراجهم، هنا وجد البسطاء أن صانع الفخار هو أكثر السكان شهرة فنصبوه أميراً خاصة لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.

هنا اختلط حسن الطالع بالنسبة لصانع الفخار وليس شعبه، مع القدرة وهي التي جعلت هذا الرجل من أشهر أمراء إيطاليا القديمة ودام حكمه وحكم أسرته بضعة قرون.

وعلي النقيض يضرب ميكافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتيت له كل إمكانات الدوام والبقاء إلا حسن الطالع فهزم في معركة كان يجب أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.

ويقول ميكافيللي أن قدرة بدون حسن طالع تعني فشلاً وأن حسن طالع مع نصف قدرة يعني انتصاراً.

وتأكيداً لهذه الرؤية يؤكد أحمد ميشيل عفلق أنه لا يستطيع أن يصدق أن هذه الأجيال العربية المتعاقبة لم تنتج لنا سوي ابن سينا وابن النفيس والخوارزمي وغيرهم ويشير إلي أن الحياة فرن جبارة احترقت بداخلها ملايين العبقريات والإبداعات وحرمت عالمنا العربي من ثمارهم، وأنه متي هيأنا للمواطن العربي عيشة رغدة جنبنا انصراف جهده إلي تلبية حاجات بيولوجية تحول دونه والإبداع.

ويقصد عفلق أنه ليس بالتأكيد أفضل كتابنا وعلمائنا من هم يطفون علي السطح الآن وأنه لولا سوء الطالع لكان بيننا بدلاً من أحمد زويل ويحيي المشد أو فاروق الباز الآلاف أمثالهم فقط لو تهيأ لهم حسن الطالع من خلال إمكانية في التعليم وتوفير لقمة عيش سهلة وموضوعية في التعيين والتدرج الوظيفي ومناخ عام يساعد علي الإبداع.

وفي التاريخ العربي يلعب حسن الطالع دور الأسد علي مسرح الأحداث، فها هو قطز يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف إلي مصر فيهئ له حسن الطالع كاملاً للقيادة ويصير هذا الفتي المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد فيلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي علي المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب والانقلابيين.

وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً للبلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم امبراطورية عرفتها مصر ودام حكم أسرته نحو القرن ونصف القرن وسار مؤسس مصر الحديثة.

وحتي في تأسيس الجيش المصري الحديث قصة عجيبة فالكولونيل ‘سيف’ وهو جندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلي حياة الحربية وتنامي إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه علي حاكم الاسكندرية الذي أرسله إلي محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري ويكون وزيراً له.

وفي ثورة يوليو المجيدة 1952 يؤكد الضباط الأحرار أنه لو كانوا قد تأخروا يوماً واحداً عن يوم 23 يوليو لكانوا قد أعدموا في المقاصل الملكية بعد افتضاح أمرهم.

وحتي بعد الثورة ما كان للرئيس السادات أن يتصور وهو يعمل ‘حامل أمتعة’ في محطة قطار نجع حمادي في حيلة للتخفي من البوليس السياسي الملكي أن يصير بعد نحو 20 عاماً حاكماً للبلاد.

وحتي الرئيس مبارك ما كان يتصور حينما كان ضابطاً في الكلية الحربية أن يحكم هذه البلاد لولا دوره في حرب أكتوبر.

نعم هناك حسن للطالع ولكن لابد أن يقترن بالقدرة.. فقدرة كبيرة وحسن للطالع تعني خلق زعيم كبير وهو ما حدث مع سايس الخيول خروشوف الذي تحول إلي رئيس للاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم وقواه الضاربة.

نحن لا ننفي القدرة ولكن قدرة بمفردها لا يمكن أن تنجح لولا حسن الطالع الذي هو بالتأكيد التوفيق الرباني، والخلاصة أن حسن الطالع والقدرة التي هيأت للكيان الصهيوني البغيض الولادة في عام 1948 آخذة في الاندثار وأن أياماً مقبلة سيئة الطالع تواجهه ولن تغني عنها قدرتها.

***************************************

نقاط العرب واصفارهم

 نشر بتاريخ 

سيد أمين

رغم أن  العرب كانوا أول من اخترع "النقطة" فى الأبجدية و"الصفر" فى الحساب إلا أنهم لا زالوا حتى الآن لا يجيدون استخدامه على النحو الأمثل , فنجدهم اما يضيفونه فى غير موضعه او يحذفونه دون حاجة للحذف ,  ويصر أحفاد العرب الفاتحين الوقوف دائما عند حد الصفر فى كل مواقفهم.

ومن العجب أن نجد العرب الذين فتح الأقدمون فيهم الدنيا بحالها وبسطوها لثقافتهم بعدما اصطفتهم مشيئة ربهم فى أن يخرج منهم ومن ثقافتهم أعظم برنامج حضاري متكامل متجسدا فى الدين الاسلامى الذى هو فى الأصل نتاجا مهذبا لتلك الثقافة , فضلا عن ان الخالق جل فى علاه اصطفى أرضهم دون غيرهم لتكون مهبطا لكل ديانات السماء , إلا أنهم - اى الأحفاد –

راحوا يخلعون رداء الإعزاز , ودخلوا حلبة الصراع عراة مجردين من كل الأسلحة  , فما هم راوحوا مكانهم , ولا هم تقدموا , بل بدلوا من أخلاقهم فجعلوا التسامح "تماسحا" . و"التناغم" "تناقما" , وحال سبيلهم يقول ما قاله شاعرهم "أسد على وفى الحروب نعامة .. عار عليك ان فعلت عظيم".

 ورغم أن الفرق بين عرب اليوم والغرب مجرد نقطة , إلا أن تلك النقطة كان لها تأثيرا يقلب موازين الحياة ,لاسيما لو ترافق مع هذه الزحزحة تغييرا لموضوع حرف عن مكان , ومع عبثية النماذج التى سأسوقها إلا انه ما من شك انها  تلاقى صحة , بل ودقة فى توضيح الاختلاف الجذري بيننا وبينهم.

فحينما تختلف النظم الحاكمة فى العالم الغربى فى مسألة ما يلجأ الساسة الى أعمال "المحابرات" و"التفسيرات"  لحل الأزمة بينهم وغالبا ما يتوصلون الى اتفاق يحفظ ماء وجه الخصماء , وإذا لم يتوصلوا تطرح "المبادرة" تلو "المبادرة"  حتى يغير احد الخصمين موقفه , إلا أن هذا النموذج فى النظم العربية مختلف تماما فأعمال "المحابرات"و "التفسيرات" تتحول الى أعمال "مخابرات"و" تفجيرات" , فيما يستصعب بعض من أمراء الخليج اللجوء الى أساليب  الإقناع وطرح "المبادرات" وينتهج أسلوبا يراه فعالا وهو أسلوب "المباذرات" وشراء الذمم .

وبدلا من أن يجيد ساستنا ومثقفينا أسلوب "الحوار" بعضهم البعض كما تفعل اى امة متحضرة , نراهم مغرمين حتى الثمالة  بممارسة فن "االخوار" بكل ما يعتريه من "عوار".

وتسعى  النظم الغربية على "تدليك " مواطنيها و"تزبيط" أحوالهم المعيشية والاجتماعية والثقافية , إلا أن النظم العربية قاطبة - ممالك وجمهوريات وراثية -  والتى هى فى الأصل "مندوبيات تعمل لحساب الخارج " تبذل قصارى جهدها من أجل "تذليل" مواطنيها وتركيعهم و"تربيط" الطرق والأبواب فى وجوههم لأكبر فترة زمنية ممكنة.

ويسعى العقل الغربي بما له من نظرة "متعددة " إلى تفضيل استخدام أساليب "الذكاء" و"الدهاء " وبذل "العرق" لمواجهة الأزمات التى تحيق بالمجتمع نجد ان العقل العربي الحديث "المتمدد" أو "المتبدد" يركن عادة للجمود ويواجه الأزمات عادة بصواريخ "الدعاء " تارة أو إسالة "الدماء" تارة أخري فيما تصبح النتيجة دائما هى "الغرق" كبديل عن عدم بذل المزيد من "العرق".

ولأن الغرب تحكمه نظم ديمقراطية , لا تنحاز لفئة دون الاخري , فهم حريصون دوما على إعادة رسم "المسار" الديمقراطي كلما حاد عن جادة الطريق , بما يحفظ للناس أروحهم وحقوقهم وأموالهم , أما فى عالمنا العربي فحكامنا لا يهتمون كثيرا بإصلاح "المسار " ويرون إن إصلاح "المطار" أكثر نفعا وفعالية حيث يستقلون الأموال ويهربون للخارج متى أوشكت السفينة على الغرق.

والمدهش ان الإنسان العربي المحدث وهو فى الغالب يعانى من "أحادية" النظرة , جراء عملية التجهيل المنظم التى تقودها أنظمة الاستبداد الحاكمة , لا يؤمن مطلقا بحق الاختلاف , فكل من يخالفه الرأي إما "كافرا" أو"عميلا" , ومن يؤيده الرأى فهو قطعا إما "كابرا" - من الكبر والسمو – أو "معيلا" أى لديه أولادا كثر يستحقون الرأفة , فيما أن الإنسان الغربى لا يضع مثل تلك الحسابات فى ذهنه مطلقا ,  لأنه يهتم دائما بان يكون "كادرا" من الكوادر الخلاقة فى تخصصه.

............................

مقالات عام 2011

............................

العدل يريد تطهير القضاء

نشر بتاريخ 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

سيد أمين

ونحن نخطو أولي خطواتنا نحو الديمقراطية.. يجب علينا أن نتلمس الطريق الصحيح جيدًا حتي لا نضل في تشعبات الطرق.. ولما كان التحرر من الخوف هو أولي خطوات الطريق إلي الحرية.. يبقي الأجدي والأكثر إلحاحا أن نحطم كل التابوهات المفروضة علينا.. خاصة أنها مفروضة من غير مقدس.. فرضها بشر علي بشر، وأحيانًا دون رضا رب البشر الذي يجب أن ندين له بكل سمع وطاعة.

وإذا كان رسولنا الكريم ومعلمنا الأول يقول جازمًا بأن »قاضيًا في الجنة وقاضيين في النار« فإنه الأولي بنا ونحن بشر لم يوح إلينا كما أوحي إليه أن نسلم بحكمه ونرفع القداسة التي أضفيناها علي بشر مثلنا لم يوح إليهم فهم يخطئون ويصيبون، ولا علاقة لذلك بمذمة فيهم ولا مدح، فما يندرج علي البشر يندرج عليهم.

في الحقيقة، أكاد أجزم بأننا ونحن نعيش هذا الزخم الثوري الهائل سنخوض عما قريب سجالاً في شأن حصانة القضاء، قد يتطور ليمس شخوص بعض القضاة، أنفسهم، وهو إن حدث سيخسر فيه القضاة جزءًا كبيرًا من مهابتهم.

والغريب أن البعض يصر متعمدًا أن يخلط بين مهابة القضاء وأحكامه، وهو خلط لا محل له من الإعراب، فقد يكون الحكم ظالمًا، وهنا تصويبه لا يأتي في إطار انتقاص القضاء أو الحط من شأن القاضي الذي أصدره، فها هو معلمنا عمر بن الخطاب يطلب من رعاياه أن يقوموه لو أعوج عن الطريق السليم.

إن الخلط بين المهابة الواجب توافرها للقاضي وبين أحكامه هو خلط يقصد منه التبرير لكل ما يصدر عن القاضي وإضفاء العصمة عليه رغم أن القاصي والداني يعلم يقينًا أنه لا عصمة إلا لنبي، وأن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

أتصور أن شعار »الشعب يريد تطهير القضاء« سيأخذ زخمًا عما قريب في الشارع وأري أن الأجدي أن يتحول هذا الشعار إلي »العدل يريد تطهير القضاء«. نعم فالعدل والعدالة لا يمكن أن تقبل بأن ينتمي إليها من يرفض التطهير ويكافح الفساد، ولا تقبل بأن تستخدم العدالة لذبح العدالة، بل إنني أتوقع بأن يهب قضاة مصر الشرفاء أنفسهم وهم كثر ليرفعوا هذا الشعار حفاظًا علي مهابتهم ومهابة العدالة وحتي ينضموا إلي طوابير القديسين وذلك لأن القاضي العادل أوتي جزءًا من القداسة الربانية متي حكم بأمر الله.

وأتذكر أنني قرأت ذات يوم خبرًا عن قيام أحد القضاة بإصدار حكم بحبس شاب لمدة ثلاث سنوات لعدم سداد قرض قيمته ٥ آلاف جنيه من أحد البنوك، وأتذكر أيضًا أن سيدة صرخت في اتصال هاتفي بمقدم برنامج تليفزيوني شهير بأن حكمًا بحبس زوجها أضاع مستقبل أطفالها وجعلهم يتسربون من التعليم بعدما عجزت عن دفع مصاريفهم، بل إنهم يتسولون في الشوارع لسد رمقهم وملء بطونهم، والمدهش أن المبلغ الذي حبس عليه الزوج لم يتجاوز سبعة آلاف جنيه كان قد أنشأ بها مشروعًا بقرض من صندوق التنمية الاجتماعي إلا أنه تعثر حتي صدر عليه حكم بالحبس ٤ سنوات أمضي نصفها وتطمح أن يتم العفو عنه في عيد الشرطة.

ولا أخفيكم سرًا أنني تألمت بشدة في بادئ الأمرلسماع وقراءة مثل هذين الخبرين لا سيما أنني أعلم أن المبلغ الذي سجن بسببه الشاب وقضي به علي مستقبله وحرم الأبناء من أبيهم وأذاقهم شظف العيش قد يصرفه طفل من أطفال السادة الحكام في هذا الوقت في يوم واحد دون إكتراث، إلا أنني أقنعت نفسي بأن العدل هو العدل وصرت أقرأ مثل هذه الأخبار دون أن يرجف لي قلب بعدما تجمد وتبلد.

تعالوا نقارنها بالأحكام التي تصدر الآن لمن قتلوا الناس وسرقوا الملايين.. سنكشف أن القضاء يساوي بين من سرق خمسة آلاف جنيه »تحت ضغط الفقر والعوز« ومن سرق خمسة ملايين أو حتي مليارات، الأمر الذي ذكرني بالمثل الإنجليزي الشهير لو اقترضت خمسة آلاف جنيه من البنك وضعك البنك تحت ضروسه ولو اقترضت منه خمسة ملايين وضعت البنك بين ضروسك.

في الواقع، نحن نحترم القضاء ونري ضرورة تهيئة الأجواء اللازمة لكي يحكم القاضي بالعدل، ولكن ليس معني ذلك أن القاضي لا ينطق عن الهوي، فهذا أمر لا يمكن أن يتماشي مع المنطق، خاصة في ظل ظروف كانت سائدة وأظنها مازالت تخضب فيها كل شيء بالفساد حتي القضاء.

وللمصارحة ـ ومع تبديل الكلمة بالكلمة واتخاذ أنمق الألفاظ ـ نتساءل: ألم يمر وقت كان التعيين فيه في النيابة العامة سواء أو مجلس الدولة أو النيابة الإدارية بالواسطة والمجاملة؟ وبتعبير أكثر ثورية وجرأة بل مصارحة ألم يرتكب العديدون من السادة القضاة في مستهل عملهم جريمة الرشوة للتعيين لهذه الوظيفة؟ هل ينكر أحدنا كل في قريته أو شارعه أن »س« أو »ص« دفع رشوة أو قدم مجاملة كبيرة أو وسَّط مسئولاً كبيرًا ليتم تعيينه أو تعيين ابنه ليكون في النيابة العامة؟ أليست هذه جريمة يعاقب عليها القانون؟ وهل يجوز لمن يرتكب مثل هذه الجريمة أن يظل في منصبه أو علي أقل تقدير نضفي عليه القداسة ونقول عنه وعن من عينه إن لا ينطق عن الهوي؟ في ذات يوم قادتني الظروف للذهاب لأداء عمل ما في مكتب الشهر العقاري بمدينة الشروق، تحدث إليَّ الموثق أن أغلب زبائنه من القضاة، يأتون لتوثيق عقود الفيلات والقصور التي اشتروها لهم ولأبنائهم وإخوانهم لدرجة جعلته يجزم بأنه لا يوجد فيلا في مدينة الشروق لم تمر بقاضٍ كمشتر أو بائع، وأن عددًا من القضاة يقومون بشراء أكثر من فيلا بأسماء زوجاتهم.

والأمر المثير للريبة أن تجد أسرة بالكامل يعمل افرادها بالقضاء .. وكأن العدالة خلقت من أجل أن تخصص لهم دون غيرهم .. أليس هذا احتكارا للسلطة ؟!

وداهية الدواهي.. أن تقوم الوزارات بانتداب مستشاري مجلس الدولة للعمل لديها.. الأمر الذي جعل السلطة القضائية تخضع لنفوذ سلطة أقل منها وهي السلطة التنفيذية حيث يتقاضي المستشارون أجورًا خيالية وكبيرة للغاية لو قورنت بأعمالهم، الأمر الذي يشكك في حقيقة دورهم.

نحن لا نسعي لنكأ الجراح القديمة ولكننا يجب أن نغير المفاهيم ونحطم التابوهات، كما أن هذا »الجيتو« المثير للجدل لا بد أن يقنن عبر وضع قواعد واضحة تقضي علي الواسطة والمحسوبية في شغل الوظائف لا سيما لو كانت بمثل تلك الرفعة، فلا يعقل أن نكافئ صاحب التقدير العلمي الأقل لنعينه في القضاء بينما صاحب التقدير الأعلي يبقي محاميًا، يجب أن ننظر لهما كفرعي عدالة وأن نميز بينهما بالعلم ولا شيء سواه اللهم إلا الأخلاق والتي تتضمن فيما تتضمن عدم السعي لأخذ توصية من هذا أو ذاك أو دفع رشوة ليحصل البعض علي حق ليس له.

وتاريخيًا، كان فساد القضاء في أوربا هو واحد من معالم عصور الظلمات فيها، كان الملك يصدر حكما وما علي القاضي إلا النطق به، فاكتوي الناس بالظلم وسادت مظاهر الغبن وفقد الناس الثقة في كل مقدس.

ولو يدري جاليليو أنه سيكون أخلد من القاضي الذي أصدر حكما بإعدامه بناء علي أوامر من الملك وكهنوت الكنيسة لطلب الموت وسعي إليه، فقد مات الملك ومات القاضي ومات كهنة الكنيسة وبقي جاليليو وعلمه خالدين.


**********************************************

فلول الثورة

نشر بتاريخ  15 آب (أغسطس) 2011

 سيد أمين

 أتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة حالة صاخبة من التخوين لنشطاء حقوق الإنسان ممن كان لهم دور كبير فى تفجير ثورة يناير المجيدة.

وأعتقد أن سيلا من المستندات وإغراقًا فى المعلومات والتفاصيل ستخرُّ علينا من كل حدب وصوب فى وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الحاكم، وذلك بهدف تكوين قناعة لدى رجل الشارع البسيط بأن هؤلاء النشطاء الذين يصدعون الرءوس بالحريات هم خونة يعملون لصالح قوى ودول معادية لمصر.

وفى الحقيقة كنت أتوقع حدوث تلك الهجمة ضد الثوار والنشطاء منذ عدة أشهر مضت، وكنت أتلمس بدايات تلك الحملة فى وسائل الإعلام آنذاك وإن كانت قد بدأت على حياء بغية التمهيد لهذا الانقلاب علي الثورة وتهيئة الأذهان له عبر تشكيل قناعة بأن من يطالبون باستكمال الثورة هم يهدفون فى الأساس إلى إسقاط مصر.

وإذا كان المنطق يؤكد أن الحاكم العميل ألصقت به العمالة من خلال ممارساته الموالية للخارج واختياراته المطابقة لإرادة الأعداء ، وأن جميع رجاله هم على شاكلته فانه أمر لا شك فيه لأن رجال مبارك لاسيما فى مؤسسات الدولة الحيوية والمفصلية يسيرون على نفس منواله وإلا فما كان ليختارهم ليكونوا مسانديه طيلة ردح كبير من الزمن.

إن فهما على هذا النحو لما يحدث الآن فى مصر سيجعلنا نقلب الطاولة ونقول إن من يخون الوطن هم من خانوه على مدى سنوات طوال عجاف حكموا فيها البلاد ولا يزالون يحكمونها وليس النشطاء الذين كان لهم دور كبير فى تفجير الثورة والقضاء على رأس دولة الظلم.

وتعالوا نفهم سويا ماذا يحدث فى مصر أو عالمنا العربى – لأن الخطة كبيرة لا تفصل مصر وعالمها العربى - عبر ما أشرت اليه فى عدة مقالات سابقة حملت عناوين "ربيع الشرق الاوسط الكبير " و" فزاعات الثورة .. والدعم الرباني" و"ومبارك يؤيد مبارك ولا عزاء للثورة"و "مخطط تخريب الثورة وتسفيه الثوار" و"انها هى .. نظم بوش المارقة".

لقد خططت الولايات المتحدة الامريكية لإحداث تغييرات جوهرية فى نظم بعض الدول العربية فى خطة أسمتها " خطة الترميم والهدم" وهى خطة تقوم على ترميم النظم الرئاسية الموالية لها بهدف الحيلولة دون سقوطها كما فى مصر وتونس وذلك من  خلال اطلاق ثورة شعبية تتم السيطرة عليها سياسيا ، وهدم النظم المعادية لها بهدف انشاء نظام جديد يدين لها بالولاء كما فى ليبيا وسوريا والسودان والعراق والجزائر واليمن عبر تصنيع ثورة بأيادٍ خارجية سرعان ما تأخذ زخما شعبيا جراء القمع المفرط لها من قبل السلطات.

وتتضمن الخطة فيما تتضمن أن تتولى حركة"الإخوان المسلمون" الحكومات فى كل الدول العربية فيما تنفرد أمريكا وحلفاؤها بالسيطرة على الجيوش العربية والمحافل القضائية على غرار ما تفعله فى تركيا على أن تقوم الاخيرة بتوجيه الحكومات "الاخوانية" والسيطرة عليها من الشطط والمروق واى محاولة للتحرر.

وقد يكون الهدف الابعد بالنسبة لامريكا وصمتها ازاء قيادة "الاخوان" للحكومات العربية أن تستخدمهم – دون قصد منهم – فى اثارة حالة من ململة شعبية لدى جميع الاقليات الدينية والعرقية فى العالم العربي مما ينتج عنه تكريس لحالات انفصالية تتزعمها القوى الغربية وتدعمها عسكريا لاحقا فضلا عن اعطاء صورة عالمية بأن تجربة الديمقراطية فى العالم العربي لم تجلب سوي المتطرفين، الامر الذى يبرر لها – اى لامريكا - مساندتها للنظم الديكتاتورية طيلة العقود الماضية.

وقد يكون هذا الرضا هو محاولة لتشكيل درع اسلامية سنية موازية للتغلغل الايرانى فى المنطقة العربية حال انتهاء لعبة تبادل المصالح بين واشنطن وطهران.

هذا هو المشهد العربى ، ولكن المشهد فى مصر اكثر دهاء ويأتى عن طريق سحب البساط تدريجيا من تحت اقدام الثورة والثوار، ومن ثم اعادة انتاج النظام الذى لم يسقط بعد ، فلقد خططت القوى الغربية بالتعاون مع بقايا نظامه الحاكمة فى مصر الان – بحسب اعتقادي - لانقاذ نفوذها المقبل على الانهيار فى حال سقوط مفاجئ وغير محسوب لنظام مبارك مما يعرضها لفقدان حليف استراتيجي فضلا عن خلق نظام قد يناصبها العداء او يقاسمها المصالح ويخالفها فى التوجهات على غرار ما حدث فى الثورة الايرانية ، لذلك عملت على هدمه واعادة بنائه قناعة بمبدأ بيدى لا بيد عمرو.

وكانت تتضمن الخطة ترك العنان لحدوث ثورة شعبية محدودة مستغلة حالة السخط الشعبى على مبارك وتغييره بعمر سليمان الا أن حالة الغضب الشعبى كانت اكبر من المتوقع فاسقطت سليمان ومن بعده احمد شفيق ولم يتسن اخمادها الا باحتيال المجلس العسكرى عليها ، حيث راح يهادنها ويدعى حمايته لها ، رغم انه يضمر لها العداء ويسعى لتفتيت القوى التى شاركت فيها ، تارة بالاستفتاء على التعديلات الدستورية ، وتارة بالدستور نفسه ، وتارة بالاحزاب ومحاولة ابراز نقاط الاختلاف بينها ، أو بالتخوين وطوابير الجواسيس "المفبركين" ، ومحاولات الاستقطاب ، والعصا والجزرة ، والتلميع والتجهيل ، والاغراق فى التفاصيل والوقائع ، والانفلات الامنى ، والترويع الاقتصادى …الخ.

وانا اتصور ان من خطط لما يحدث فى مصر ، يمتلك حسا دراميا عاليا ، وفعل كما يفعل المؤلف السينمائى البارع الذى راح يربط المشاهد المتنافرة ، ويوجد علاقة بين هذا المشهد الذى ظهر فى اول العرض وذاك الذى يأتى فى منتصفه أو آخره.

ورصد المخططون – ربما قبل اندلاع الثورة – عبر مراكز الاستطلاعات العملاقة التى تنفق فيها ملايين الدولارات القوي الثورية التى سترفض خطة خنق الثورة وستصر على استكمالها ، فراحوا يجهزون لها "عدة" التخوين لفض الناس عنها ، وتم تفصيل التهم وحياكة المستندات لهذا وذاك كلا فيما يناسبه ، فالسلفى يصلح ان يكون عميلا للسعودية والاخوانى يصلح أن يكون عميلا لقطر وتركيا ، والليبرالى عميلا لأمريكا واسرائيل واليساري مناهضا للدين الاسلامى ويتحرك بحقد طبقى ورعونة ، ثم تلوح بتلك الاتهامات فى وجه كل من يرفض النكوص عن الثورة ، فضلا عن الدس ببعض عملائها بينهم وتلميعهم اعلاميا ثم تقوم بكشفهم فى لحظة ما وهو ما يسمى اعلاميا بتكنيك "القطيع" ، وكذلك الزج ببعض عناصرها لتضييع الوقت كما فعل المحامى الذى قام برفع دعوي رد قاضى محاكمة مبارك والذى رفضت دعواه بعد تداول دام اربعة اشهر لسبب بسيط يحمل قدرا من المؤامرة ان هذا المحامى مشطوب من عضوية نقابة المحامين، كل هذا وقد يفاجأ الجميع فى نهاية العرض ان حاميها حراميها.

 وتعالوا نتأمل خبرا نشرته الاهرام فى 23 يناير 2011 وقبيل اشتعال الثورة بيومين مفاده ان عمال قرية البضائع بمطار القاهرة فوجئوا اثناء تحميلهم لطرد مكون من 39 صندوقا بسقوط احدها وتدفقت منه سبائك الذهب ، هنا هرولت قيادات الشرطة وقاموا بحصر محتويات الصندوق واعادتها لمكانها فى طريقه الى السعودية ولم يذكر الخبر من صاحب هذا الطرد .. وتأكد بعد ذلك انه يخص مبارك.

والمتأمل لاسلوب الشرطة فى فض التظاهرات فى الفترة ما بين 25 يناير حتى تنحى مبارك سيلاحظ فيها امرين اثنين ، ان الشرطة قامت بتقطيع الشوارع وحاصرت المتظاهرين من كافة الجهات ولم تترك منفذا ليعودوا منه وهو الامر الذى يعد من ابجديات فض التظاهرات ، بل انها اطلقت الغازات بغزارة غير معهودة وكأنها تحث الناس للخروج من منازلهم للمشاركة فى الثورة.

ولو اضفنا الى ما سبق البطء الشديد فى محاكمة قادة وزارة الداخلية المتهمين بقتل الثوار ، وما تردد عن قيام جهات رسمية بالدولة بمساومة اهالى الضحايا لقبول الدية مقابل التصالح ، يؤكد أن من أمر الضباط بالقتل هو الان يحميهم.

حتى معاملة "العسكر" الرقيقة لمبارك والتقاء قيادات الدولة به فى مشفاه - منتجعه – هو دليل امريكى قاطع بانها لا تفرط فى رجالها ، والمقصود بالقطع ليس مبارك فحسب بل الرئيس القادم.

*******************************

التيار القومي في مصر تحت الحصار

 نشر بتاريخ  21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

سيد أمين

 المتأمل للخارطة الفكرية في مصر الثورة سيكتشف بسهولة حجم الجور الذي يعانيه أصحاب خط الفكر القومي.

ورغم أن القاعدة الشعبية لمعتنقي الفكر القومي في مصر قاعدة عريضة تضم فيمن تضم هذه الطبقات التي عادت إليها بشكل مباشر مردودات الحقبة الناصرية .. كالفلاحين والعمال والصناع والطلاب وعدد لا بأس به من النخبة المثقفة، إلا أن أنصار القومية العربية تم تغييبهم عن عمد في وسائل الإعلام في زمن الثورة.

ولقد ساهم القوميون ـ أو قل الناصريون ـ المصريون بشكل فعال في إشعال أوار ثورة يناير المجيدة وتصدروا مع غيرهم من تيارات فكرية المشهد الثوري من أجل ازاحة نظام مبارك الاستبدادي وبذلوا علي قدم وساق مع غيرهم الدم من أجل الخلاص إلا أن خطابا إعلاميا منظمًا لافتًا للنظر راح يقصيهم تمامًا من المشهد السياسي.

قسم الخطاب الإعلامي المغرض تيارات الفكر في مصر إلي قسمين عريضين إما إسلاميًا وإما ليبراليًا .. وهو تقسيم خاطيء لكونه وضع جميع التفاح في سلة واحدة رغم التباين الشديد في الروئ.

بل ان هذا الخطاب راح يزعم بل ينكر بهذا التقسيم وججود القوميين أساسًا رغم أنهم يشكلون الطريق الثالث بين هذا وذاك ويشاطرون الاسلاميين قاسمًا كبيرًا من ثوابتهم ولكنهم يمزجون رؤاهم بنكهة خليط من التيار اليساري خاصة فيما يتعلق بفكرة العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات تارة ومع التيارات الليبرالية فيما يتعلق بالحريات المسئولة. ومن المثير للعجب أن التيارات اليسارية والاشتراكية بجانب القومية وضعت عن طريق الخطأ في سلة الليبرالية رغم التعارض الكبير معها.

لقد ضرب نظام مبارك حصارًا إعلاميًا صارمًا ضد انصار الفكر الإسلامي والفكر القومي علي حد سواء، وضيق عليهم المنابر الإعلامية وقد تبدلت تلك الصورة عقب ثورة يناير حيث خرج الاسلاميون من دائرة الحصار فيما بقي القوميون داخلها.

وكما اخترقت أجهزة أمن مبارك كافة القوي السياسية المصرية علي تنوعها اخترقت فيما بينها التيارين القومية والناصري من جانب والتيار الإسلامي من جانب آخر.

وفي هذا الصدد راح جهاز أمن مبارك يزج بعناصره بينهما بل ويخلق من بينهما زعامات ومرجعيات واحزابًا من فرط تواطئها وهشاشتها وعدم صعودها لسقف التوقعات والطموحات المرجوة منها انفض الناس عنها واعتبروها أكبر طعنة وجهت إلي هذين التيارين.

ويأمل القوميون في مصر وهم علي اعتاب مرحلة جديدة من الخلاص الوطني، ان تكون تلك المرحلة نموذجًا ديمقراطيًا بحق لا تغلق فيه صحيفة ولا يحجب فيه قلم ولا يقصي فيه صاحب رأي بسبب رأية خاصة أن الجاني حينئذ سيكون هو المجني عليه سابقًا، ولا يصح أخلاقيًا أن يجلد الضحية بذات السوط الذي جلده به الجلادون الغابرون.

وليتذكر الاسلاميون علي اختلاف مشاربهم أن التيار القومي المصري وقف مدافعًا بشدة ضد إقصائهم وراح يساند قضية مظلوميتهم.

ويجب أن يتذكر رفقاء نضالنا من الاسلاميين ان مهلكة التاريخ الحقيقية في لعبة تبادل الأدوار وعمليات الكر والفر وذلك لأن كل انتصار يعقبه انكسار وكل قوة يعقبها ضعف ولولا هذا وذاك لبقي المنتصر الأول منذ بدء الخليقة منتصرًا حتي الآن.

............................

مقالات عام 2012

............................

الناصريون - حقا - والوجهاء الاشرار

نشر بتاريخ  13 كانون الأول (ديسمبر) 2012

اندهش عدد كبير من الرفاق القوميين فى إرجاء وطننا العربي الكبير بتاريخه وأمجاده والقزم بحاضره وهزائمه من تكوين عدد من الشباب القومي داخل مصر - وأنا احسب نفسي منهم - جبهة أطلقوا عليها " ناصريون وقوميون شرفاء ضد المؤامرة " ثم أصدروا بيانا يعلنون فيه احترامهم للمسار الديمقراطي ونتائجه التى انتهت بتنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا للبلاد , وطالبوا

بضرورة توقف كل القوى السياسية الاخري عن وضع العراقيل أمامه بغية إفشاله وعرقلته من ثم عزوف الناس عنه وعن جماعته وعن التيار الاسلامى برمته , فتخلو لهم الساحة للبروز كبدائل رغم تنوع مشاربهم والتناقض الشديد بينهم.

واستنكرنا أيضا ان تتحالف تلك القوي الثورية مع قوي الخصم القديم التابع لنظام مبارك والذين لا زالوا يمتلكون المال والنفوذ والسيطرة ويتحينون الفرصة للقفز من جديد على السلطة.

وكان مصدر اندهاش الرفاق المندهشين لاسيما فى التيار الناصري يعود الى حالة نفسية عائدة من ميراث تاريخى يحمل كثيرا من الصدام بينهم وبين الإخوان المسلمين فى مرحلة معينة من مراحل التاريخ فى الوطن العربي , وان كان فى اغلبه صدام دعائى واعلامى اكثر منه صداما على ارض الواقع.

والحقيقة ان المتأمل للمشهد السياسي المصري الداخلى يمكنه ان يميز بين أربعة اتجاهات محددة ,اتجاه يتوجه نحو الإسلام السياسي واتجاه اخر يميل للعودة الى الوراء ويتزعمه أنصار النظام السابق وأحزاب أخرى متنوعة المشارب تدور فى فلكهم وان كان بعضهم ارتدى بشكل او بأخر رداءا شكليا للثورة , ثم اتجاه ثالث تتزعمه القوى الليبرالية ويمثلها الدكتور محمد البرادعى وحزب الدستور والاتجاه الرابع والأخير تتزعمه ائتلاف متباينة المشارب وتتوحد تحت شعار "اليسار" ومنه التيار الشعبى الذى يتزعمه حمدين صباحى ذو الخلفية الفكرية الناصرية.

ولما كانت الغلبة الانتخابية فى حقيقتها تنحصر بين تيارين رئيسيين هما التيار الاسلامى والفلول فان الثائر الحق لا يمكنه إلا أن ينحاز للإسلاميين ليس فقط لأنهم ونحن رفاق خندق واحد  فى الأحداث المفصلية والحاسمة للثورة ولكن أيضا لأنهم نالوا النصيب الأوفر من المظلومية فى عهد مبارك قتلا وإعداما وسجنا وقهرا , ومعركتهم مع النظام السابق معركة مصير حتى وان بدا الأمر عكس ذلك بعد فوز الدكتور مرسي بالرئاسة إلا أنه يأتي فى إطار عمل سياسي تكتيكي لإدارة المرحلة.

وينطبق شعار "سمك لبن تمر هندي" على ما تسمى نفسها "جبهة الإنقاذ الوطنى" حيث تضم فى بوتقتها تيارات سياسية شديدة التنافر والتناقض بل والعداء بعضها البعض ولم يتوحدوا إلا من اجل مجابهة التيار الاسلامى وهى بذلك وضعت فى ولادتها كبسولة الموت التى حتما ستفجرها من الداخل على اثر تلك التناقضات خاصة مع عدم وضوح الرؤى لها سواء المستقبلية أو الآنية فضلا مع عدم وجودا هدف واحد يجمع مكوناتها إلا إسقاط نظام حكم الرئيس محمد مرسي بما يعنى انه لو تحقق لهم ذلك فحتما ستتفكك تلك التيارات ليتبدل التحالف الى نزاع فيما بين مكوناتها , وإذا لم يحدث ذلك فهذا يعد دليلا قاطعا على عدم اتساق كل مكون فيها بصحيح مرجعيته الفكرية.

وأيضا لما كانت أمريكا كزعيمة كونية لا تألوا جهدا فى محاربة القوميات فى العالم وتصطف معها - أو بالأحرى خلفها - فى نفس الخندق كل بلدان العالم الغربي صاحبة النفوذ الحاسم فى تقرير سياسات حكومات وأنظمة وطننا العربي , فان قيام نظام حكم قومى أو حتى مبنى على ثقافة قومية قطعا فى تلك المرحلة محكوم عليه بالفشل , ولا ادلل على ذلك بان هذا التحالف الذي استطاع التخلص من عبد الناصر وإحداث انقلاب ناعم عليه وعلى نظامه فى ستينيات القرن الماضي استطاع منذ أمد ليس ببعيد – بعد تكوين قاعدة عريضة من الطابور الخامس من النخب والإعلاميين وغيرهم - التخلص من نظام البعث العربي فى العراق واغتيال قيادته القومية وتخريب العراق وترويع العراقيين , وتلاه اغتيال الزعيم الليبى معمر القذافي وتدمير ليبيا من الداخل ,وها هم في سبيلهم الى غزو سوريا وتدميرها وإلحاقها بقائمة بلداننا العربية المدمرة , فان النضال من اجل حكم قومي او ناصري فى مصر يصبح دربا من العبث وسيلاحقه الدمار قبل ان يولد, هذا على افتراض ان القوميين والناصريين فى مصر استطاعوا إزاحة منافسيهم وهم كثر.

وإزاء هذا المشهد بالغ التعقيد يقف النضال القومى أمام خيارات مرة ليقيس بينهم بمقياس من دم , لأن مردود نضاله هنا لا يعود اليه , ولكن من اجل الغير وربما الأعداء , فإما إن يناضل من اجل نقل الحكم الى قوى ليبرالية, تعتبره متطرفا وتعتبر القوميين طغاة ومتخلفين وجب إزاحتهم بحاملات الطائرات والصواريخ وتأديب الشعب الذى انتخبهم , ونزع هويته الثقافية والتراثية والمعرفية العربية , كما هو الحال فى البرادعى.

أو النضال من اجل توصيل عمرو موسي الى كرسي الحكم , وهو الذي لا يختلف كثيرا عن سابقه فى تلك الرؤية فضلا عن ان ذلك سيعطى فرصة عظيمة للأعداء التقليديين للثورة وهم قطاع كبير جدا من الشعب للعودة مجددا للساحة السياسية فيمارسوا بطشا ونهبا منظما وواسعا للبلاد , كما انه شغلهم الشاغل سينصرف الى تأمين أنفسهم وبناء نظام حصين وسد الثغرات التي تسببت فى اندلاع الثورة الاولى دون إحداث تنمية فى البلاد , وهنا يكون النضال معهم خيانة قومية.

ثالثة الخيارات وهم التيارات اليسارية , وهى تيارات تتفق في كثير مع المبادئ القومية خاصة فى الشق الاقتصادي إلا إنها تختلف معهم فى النواحي الثقافية فضلا عن انها تيارات ضعيفة للغاية وأطروحاتها الثقافية مرفوضة شعبيا.

وإزاء هذا المشهد العالمي والمحلى , يصبح من الحكمة على التيار القومي ان يتريث , وان يحدد خطواته بشئ من التأني والتأمل العميق , والا يفكر فى الخطوة القادمة مباشرة طالما لن تكن له,بل عليه ان يعد الخطة للخطوة التى تليها , حتى يصيبها بدقة , ويفعل كما يفعل القناص الماهر الذى يحدد نقطة اعلى من النقطة المراد اقتناصها حتى يتمكن من إصابة الهدف مباشرة , واقول فى ذلك ان التيار الاسلامى قد لا يتطابق كثيرا مع مبادئ وأطروحات التيار القومى فى مصر, ولا ينظر بنفس نظرة القرب التى ينظرها القوميون اليه , إلا إن أهم ما يميز هذا التيار قوميا كونه سيحافظ على ثقافة مصر عربيا وإسلاميا , وهو ما لا يتحقق مع اى تيار أخر, مما يمكننا ان نكون مستقبلا فى حالة منافسة معه , وعلينا تقبل ما لا نهواه من اجل الحفاظ على ما نهواه.

والحقيقة أن اصطفاف "نفر من الناصريين" مع محمد البرادعى وعمرو موسي وأنصارهما  وتكوين قاعدة عريضة قوامها الفلول , هو لا يخدم العمل السياسي على النطاق القومى او المصري , نظرا لأن هؤلاء الناس ظهروا فى المشهد كمجموعة من "الوجهاء الأشرار" الرافضين للديمقراطية وتفعيل إرادة الشعب ,فكيف نصدقهم اذا بعد ما شاهدناه منهم من احتيال؟

قالوا انهم يحتجون على اعلان دستورى اصدره مرسي ودستور سيستفتى عليه الشعب دون توافق وطنى , واذا كان الامر كذلك فلماذا كنتم تخرجون بمظاهرات قبل ان يصدر مرسي هذا الاعلان ويطرح الدستور الجديد على الاستفتاء , ولماذا ايدتم من حرقوا المدارس فى محمد محمود ؟ ولماذا استمر قرابة 50% من اعضاء الجمعية التأسيسية من القوى المدنية فيها ووقعوا على 95 % من الدستور الجديد , وما الداعى لانسحاب بعضهم المفاجئ؟ هل هذا هو العمل السياسي أم الانتهازي؟

وبعيدا عن تكتيكات أو "انتهازية النخبة" تعالوا نتساءل:  لو استطاع أنصار جبهة الإنقاذ إسقاط الرئيس المنتخب من يمكنه بعد ذلك امتلاك شرعية أخري؟ وما حدودها ؟ ومن سيؤمن عدم تكرار هذا التحالف معكوسا ضد الرئيس الجديد, وكم الفاتورة التى سيدفعها الوطن جراء سياسة الفعل ورد الفعل؟ ومن سيحترم من لم يحترم رأى الأغلبية؟ وكيف سيرضى الديمقراطيون بإهدار الديمقراطية؟

انا لا اتحامل على الاستاذ حمدين صباحى بمفرده ولكن على كل عناصر المشهد السياسي المهين الذى تعيشه مصر , وما كنت ارجوه من حمدين صباحى ان يكون على قدر تاريخه الوطنى المحترم فى التعامل مع تلك الازمة , كما ارجو من الاخوة الناصريين وكذلك الاخوان المسلمين ألا يقفزوا لاستحضار الماضى فى كل محاولة تقارب , لأنه لا يجب ان ان نترك ماضينا يقتل حاضرنا ومستقبلنا.

حقا لقد شاهت عوالم الأفكار فى بلداننا , فما عاد الليبرالي ليبرالي , ولا اليساري يساري , وحتى القومى لم يعد قوميا ..كل الافكار بقيت كخيال ظل لافكار اخرى اندثرت وماتت .. ولا يسعنا الا ان نقول : اللعنة ستطالك يا مبارك.

**********************************

ليس دفاعا عن الرئيس

نشر بتاريخ  6 كانون الأول (ديسمبر) 2012

  سيد أمين

قد نختلف مع جماعة الإخوان المسلمين أيديولوجيا ’ قد نرفض أساليبهم فى الإدارة السياسية ’ قد ننتقدهم بشدة على عدم وضوح برنامجهم الفكري فيما يخص قضية العدالة الاجتماعية والتبعية للخارج ’ قد نستكثر عليهم أن يكون رئيس البلاد من ضمن حقيبتهم الانتخابية ’ قد نكره فيهم سعيهم للاستئثار بالحكم - مع ان المتأمل سيجد انهم لم يفعلوا - قد نهاجم فيهم تجاهل الكفاءات واعتمادهم على شخصيات لا كفاءة لها ولا وزن علمى’ وربما يكونون براء من تلك التهمة وتداعيات العمل السياسي فرضت عليهم ذلك كنوع من "التكتيك" ’ قد يكون كل ذلك وهذا ليس عيبا فى حد ذاته بل هو عيب فى أليات الديمقراطية نفسها ’ ولكن ينبغي ان يبقي احترام الطرفين للديمقراطية ثابتا ’ بمعنى ان نساند الرئيس في انجاز دورته الانتخابية وبعدها نحاسبه على ما فعل وما وعد ولم يفعل.

إلا أن بعض الرفاق استخدموا الديمقراطية أسوأ استخدام وحولوها الى معول للهدم والفوضي لا للبناء – على خلاف ما يجب أن تكون – وراحوا يسخرون كل طاقاتهم لعرقلة سير القافلة ’ من خلال "تصيد" الأخطاء وزلات اللسان وغمز العيون وحركات الأصابع للرئيس مرسي ’ وجماعته ’ وانصاره ’ تارة طالبوه بالاستقالة من الجماعة ففعل ’ إلا انه لم يرضهم ذلك ’ فزادوا بانه يجب ان يقنن وضع الجماعة ’ فوعد بذلك ’ فقالوا بأنه سيأتي بخيرت الشاطر رئيسا للوزراء فلم يفعل ’ فقالوا ربما نائبا له فلم يفعل ’ فلما خاب ظنهم قالوا أن الشاطر يرأس الرئيس سرا ’ ولا ادري كيف سيفند مرسي هذا الزعم وليقولوا لى كيف كانوا سيفعلون لو كانوا هم مكان الرئيس!!.

راحوا يجعلون من الهجوم على أصدقائه معولا لضربه والهجوم عليه , وكأنهم يريدون منه ان يتحلي بصفات عدم الوفاء لأصدقاء عمره الذين ساندوه فى السراء والضراء ’ فى السجون والمعتقلات ’ فى انتخابات الحزب ’ وانتخابات الرئاسة ’ ومناصرته ضد كارهيه من الفلول  أو حتى من القوي السياسية المختلفة ’ طالبوه بان يلقي بأصدقاء عمره وذكرياته وتجاربه حلوها ومرها فى سلة مهملات الماضى ’ بل ويتنكر لهم ويستدير عليهم ’ ولو فعل ’ وما اظنه بفاعل ’ لهاجموه على قلة وفائه ’ وأداروا ضده حربا إعلامية أكثر شراسة بوصفه عديم الانسانية.

راحوا يهاجمون مرسي فى شخص التيار الاسلامى وسرعان ما تحول هجومهم رويدا رويدا إلى هجوم على الإسلام ذاته ’ فقد هاجم الإعلام الإسلاميين الذين خرجوا للتظاهر أمام السفارة الأمريكية احتجاجا على الإساءة للرسول الكريم واعتبروا ذلك أسلمة للدولة - مع ان الدولة إسلامية فعلا وشعبها شعب متدين والغضبة كانت من اجل أعظم شخص فى تاريخ امتنا على مر التاريخ - وانتهز البعض الفرصة للزج بالبلطجية بين المتظاهرين من اجل ارتكاب التجاوزات وإلصاقها بهم ’ ولما أدرك الإسلاميون وبينهم مواطنون عاديون الشرك  ’ راحوا ينسحبون وتركوا البلطجية وغيرهم من غير صادقي النوايا بمفردهم هنا راحت الصحف تنتقد الإسلاميين لأنهم لم يغضبوا كباقى الشعب من اجل الرسول الكريم.

راحوا ينتقدون انتشار الحجاب والرجال الملتحين واعتبروه دليلا على سيطرة مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على البلاد ’ مع ان معظم النساء المصريات يرتدين الحجاب او النقاب منذ دخل الإسلام مصر وهن لم يرتدنه حبا أو كرها فى مرسي او غيره بل إيماننا بالإسلام وحبا فى الله ’ وكذلك اعتبروا ان كل رجل ملتحي عدو بوصفه إسلاميا مع ان ليس كل ملتح منضم لجماعة الإخوان المسلمين أو اى فصيل اسلامى أخر كما انه ليس لنا عداء لا مع الملتحين ولا مع الإخوان المسلمين.

بل المدهش ان العديد من القوي اليسارية والليبرالية كانت تهاجم الإخوان المسلمين والتيار الاسلامى عامة فى فترة الانتخابات بوصفهم قوي غير مدنية ’ ثم فوجئنا بانحياز تلك القوي الى صالح المجلس العسكري’ مع ان المنطق يقول ان النقيض الواضح للحكم المدنى هو الحكم العسكري ’ وليس الحكم الدينى فضلا عن التيار الاسلامى وخاصة جماعة الإخوان المسلمين منه لم يعلنوا قط رغبتهم فى الانقلاب على الدولة المدنية واعلان حكما دينيا وتم حسم ذلك فيما بعد فى الدستور المزمع إعداده ’ ومن ابجديات الديمقراطية انه لا يهمنى ابدا ان يحكمنى شيخ او حتى شيخ منصر حسن السمعة ويملك الكفاءة .. طالما انه لا يحيد عن العقد الذى اتفق المجتمع عليه وهو الدستور.

ولما كنا- كقوي وطنية - قبل الثورة نطالب مبارك بفض تحالفه مع امريكا والاتجاه الى الصين وبح صوتنا فى سبيل ذلك دون جدوي وجدنا من ينتقد مرسي لقيامه باتخاذ مثل تلك الخطوة وراح من كانوا يطالبون مبارك بها بالاستداره وادنة مرسي  حينما قام  بها’ بل رأيت بنفسي احد القياديين فى حزب الوفد ويدعى حسن شعبان او رمضان لا ادري ينتقد الرئيس عبر احدى الفضائيات محذرا اياه من محاولة فك ارتباط مصر بامريكا ’ ومشيدا بما اعتبره بطولات لمبارك فى عدم كسره لهذا الارتباط طيلة 30 عاما ’ مثنيا على موقف مصر مما اسماه حماية الدول العربية والتى كان أهم ثمارها مشاركتها في حرب "تحرير الكويت" !! استحلفكم بالله هل هؤلاء وطنيين حقا وهل هذه أحزاب تعبر عن الشعب فعلا.

هاجموا الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة ’ وجعلوها محور إعلامهم ’ بدءا من إشارة الرئيس الضاحكة عن "المانجو" الى قيامه بتهذيب ملابسه فى إحدى اللقاءات الرسمية ’ حتى طريقة سيره وكحته ’ مع ان المنتقدين هم أنفسهم هللوا لمبارك حينما تحدث عن الخيار واعتبروه دليلا على قرب مبارك من الشعب ’ واعتبروا تهريج مبارك بشكل لا يليق مع كونداليزا رايس دليلا على رجولته ’ وكثير من هؤلاء الإعلاميين شاهد وسمع مبارك فى معظم اللقاءات الخاصة يتحدث بشكل خارج عن اللياقة وخادش للحياء ولم ينبسوا ببنت شفة ’ ولكنهم مع مرسي ارتدوا ثوب الفرسان فى معارك هلامية تخرج عن النص وعن حرية التعبير وعن موطن الفروسية فصارت ملابسهم فضفاضة عليهم ’ وغير مقنعة للرأي العام الناضج وحال سبيلهم يقول "اللي يكره ما يحبش".

وراح الصحفيين الشرفاء ينساقون وراء شعارات استغلها بعضهم المغرض حول حرية التعبير وراحوا يكيلون السباب ويطلقون سيلا من الشائعات بسبب وبدون للرئيس بغية تحويله الى "شخشيخة" فى أعين الناس ’ وحينما تتم مطاردتهم قانونيا يعلوا نحيبهم على الحرية الضائعة للصحافة والإعلام ’ مع أنهم أنفسهم أصحاب شعار "هيبة الرئيس من هيبة الدولة " فى زمن الديكتاتور ’نعم نحن مع حرية الصحافة والإعلام وبذلنا عمرنا ننادى بذلك ليكون واقعا ’ ولكن يجب ان يكون إعلاما مسئولا ’ وان لم يكن فمن حق المتضرر اللجؤ الى القضاء.

تباكى المغرضون ضد قيام بعض أنصار الرئيس برفع دعاوي قضائية ضد رئيس تحرير جريدة الدستور ’ واعتبروا ان ذلك  تم  بايعاز من الرئيس ’ وانه تكميم للإعلام ’ يحدث ذلك مع ان ما كتبه محرر الدستور مجرد أساطير الأولين ولا يرقي الى مستوي إعلام ولا يرضاه اى صحفي حر ’ فضلا عن ان الجميع يدرك كيدية ما تنشره لكون هذه الصحيفة كانت قبل الثورة بأشهر قليلة معبرة عن القوي الوطنية المصرية فضاق مبارك بها ذرعا وتمت مساومة رئيس مجلس إدارتها على بيعها لأحد رجال أعمال تابع لمبارك وهو ما حدث وهم من يديرون هذه الصحيفة حتى الآن فضلا عن انها كانت تهاجم الثورة والثوار بضراوة فى فترة ما قبل تنحى مبارك وكان لها السبق فى اختراع فرية ان ثوار التحرير قابضين ويأكلون الكنتاكى.

نكرر اننا لا ندافع عن مرسي ولكن ندافع عن الديمقراطية والمنطق لمجابهة سيل الشائعات التى لا تنقطع ويحتاج الرد عليها الى توافر تنظيم اعلامي متكامل ونشط وفعال ’ يوضح ان ما حدث فى الفترة القليلة الماضية منذ ان تولي مرسي الحكم عملا رائعا ’ الامن استتب بدرجة هائلة وشعر به الناس وشوارع القاهرة صارت انظف واقل ازدحاما مروريا وغيرها من ازمات كنا نعيشها طوال فترة مبارك مثل ازمة ارتفاع الاسعار وازمة السولار والبنزين وازمة رغيف الخبز ’ وهو عمل عملاق فى تلك الفترة القصيرة التى لا يمكن ان تحل خلالها ابسط المشكلات التى يواجهها المصريون نظرا لكون حل مشكلة المرور نهائيا يحتاج الى كباري وانفاق وهو ما يستحيل انجازه فى عامين وليس مائة يوم .

 رسالة الى الرئيس

 احذر يا سيادة الرئيس ’ رجال مبارك يلتفون حولك ويعوقون خطواتك ويقيدون حركتك ويشوهون موقفك ’ حاذر ان تخاف منهم ’ واجههم بقوة وحزم وقتها ستجد الجميع يدافعون عنك وسيكسر الشعب حملتهم الاعلامية ضدك ’اختر من يدافع عن مصر لتدفع به الى الامام ’ ولا تعتمد على تقارير الاجهزة .

سيادة الرئيس ’ ما يحدث فى الشارع الصحفي اكد بما لا يدع مجالا للشك ان رجال امن دولة مبارك هم اصحاب القرار الاول والاخير فى التغييرات الصحفية ’ اكشف حقيقتهم وعريهم واستمع لرأى المخلصين الى الوطن ممن لا ناقة لهم ولا جمل فيما يفضون به اليك .

سيادة الرئيس ’ تم حل مشاكل صحفيين وصحف حزبية لم تصدر قط ’ ولم يكتب اى صحفى منهم خمسة اسطر طيلة تاريخه المهنى ’ ونحن لا نعترض ولكن نطالبك بحل مشكلة صحفيي جريدة الشعب ’ هذه الصحيفة ناضلت فى زمن حالك السواد وكانت لسان حال شعب مصر بأسره ’ حتى اغلقها الديكتاتور بجرة قلم منذ 12 عاما ’ فقد آن الآوان لأن ينقل صحفييها الى الصحف القومية بعدما كبر سنهم ’ بل ان وجب عليك حالا وفورا تكريمهم ’ لانهم هم الاولى بجنى حصاد الثورة بعدما دفعوا ثمن غرسها سجنا واغلاقا وتضييقا على اقواتهم.  

سيادة الرئيس ’حاذر ممن يشيرون لك بخياراتك الاعلامية والصحفية ’ فقطاع كبير ممن تمت ترقيتهم لشغل المناصب القيادية فى الصحف والمرئيات والمجلس الاعلي للصحافة هم من اشد كارهيك وكارهي نجاح برنامجك ’ بل ان بعضهم هم من رجال حملة شفيق الاعلامية ’ ولم يقتصر الامر على القيادات بل انتقل الامر الى شباب ’ فقد تم نقل وتعيين اعداد كبيرة من هؤلاء فى الصحف القومية ’ رغم ان معظمهم ليسوا صحفيين أساسا فى حين أن الصحفيين الثوار الشرفاء لا زالوا يناضلون وتنبذهم الصحف الشائهة.

****************************

تدوينات فى زمن تجار الدم

نشر بتاريخ 7 كانون الأول (ديسمبر) 2012

 سيد أمين

 تدوينات الفيس بوك :

عقب  خطاب الرئيس 7 ديسمبر


لأول مرة فى تاريخ مصر .. نجد الفرعون مظلوما داخل القصر والفراعنة هم من يظلمون خارجه ..وهم لا هو يمتلكون النفوذ والصوت الاعلي ..ويقولون انه يكتم انفاسهم ..ويدعوهم للحوار مائة مرة ويرفضون قائلين لن نجلس معه ..ويؤجرون المسجلين لقتل انصاره او علي الاقل التحرش بهم بدلا من ان يفروا من عساكره ..علامات يوم القيامة!!

اثناء خطاب الرئيس 7 ديسمبر

الطاغية محمد مرسي .. يمد يده لحوار شامل ظهر يوم السبت المقبل .. ونخبة مبارك تستبق خطابه بان الحوار مرفوض ..وتحشد المخدوعين من انصارها لمذبحة جديدة علي يد من تستأجرهم هى ايضا لفعل ذلك!!

قبل  خطاب الرئيس 7 ديسمبر

هيكل فى لقائه مع لميس الحديدى : مرسي يعمل فى اجواء غاية فى الصعوبة .. ومصر بحاجة لقراراته ..واى شخص من معارضيه لو وصل للحكم كان سيلجأ لذلك ..ارجوكم الناصريين مشاهدة اعادتها على قناة cbc

اشتباكات الاتحادية 6 ديسمبر

# الجميع ابناء الوطن ..والف باء الديمقراطية ان نكون مع وحدة الوطن والدفاع عن جميع ابناء الشعب دون استثناء ودون مغالاة ودون تحيز .. فقط نتحيز للحقيقة.

#ارجو من الاخوة الذين يفبركون ويسخنون فى المشهد ويتحدثون عن مجازر ومحارق الهولوكست التى يرتكبها الاخوان لاخوانهم ان يذهبوا لنجدتهم ويفتدونهم بانفسهم او ردعهم عما يفعلونه بدلا من تسخين المشهد ..ام انكم ابطال على الفيس فقط.

# اعلن على الاشهاد تبرئي من الان فصاعدا بفكرة عبد الناصر والفكر الناصري لاننى وجدت ان عدد كبير من المنتسبين اليه نصابين ومخبرين وارزقيه ..واحتفظ باحترامى لفكر البعث العربي الاشتراكى.

#"ناصريون وقوميون شرفاء ضد المؤامرة"بيان تأسيسى لحركة

يدين الموقعون على البيان ادناه من صحفيين واساتذة جامعات ومهنيين فى كافة قطاعات المجتمع ممن ينتمون لفكر التيار القومى والناصري وغيرهم من الشرفاء رفضهم المطلق للمؤامرة على الديمقراطية عبر الاحتيال على ارادة الشعب عن طريق الجريمة المنظمة التى فتحت ميدان التحرير - ميدان الثورة سابقا - على عواصم الامارات والرياض والكويت وتل ابيب وواشنطون ..رافضين نزع الشرعية من رئيس منتخب ومحاولات تطويف المجتمع وتمزيقه عبر احتقار فئة من فئات الشعب ونزع حقوقها السياسية والتحريض ضدها .. واستغلال الاختلاف الايديولوجى بيننا وبين تيار الاسلام السياسى من اجل تحويله الى نزاع سياسي بهدف جر البلاد الى فوضى لا تصب في صالح الوطن وعواقبها لا يعلم مداها الا الله .

اننا رغم اختلافنا الفكري مع التيار الاسلامى الا انه هو الاقرب الينا من بين كافة التيارات الفكرية المختلفة فى وجه الارض نظرا لكون العروبة والاسلام وجهان لعملة احدة .. خاصة ان التيار الاسلامى يقف الان من خلال بنود الدستور المقترح فى صف الحفاظ على هوية البلاد وثقافتها العربية والاسلامية ولغتها العربية ضدمحاولات التغريب والامركة وهو ما يشكل قاسما مشتركا كبيرا بيننا وبين هذا التيار فضلا عن ان الاختلاف الفكرى لا يعنى ابدا ان نخونهم ونشارك فى مؤامرة ضدهم او ضد اى فصيل كان..كما لا يسمح لنفر ممن يلبسون رداء الناصرية الكبير فى استغلاله ضد مصلحة البلاد ومحاولة اعادة عقارب الساعة للوراء عبر تحالفه مع عناصر نظام مبارك الاجرامى الذى باع امتنا العربية قطعة قطعة لاسرائيل .

أمة عربية واحدة ..ذات رسالة خالدة

الموقعون:

دكتور محمد شرف استاذ المواد البشرية بامريكا رئيس جمعية ابطال 25 يناير

دكتور محمود ابو الوفا - الخبير بالجامعة العربية

سيد أمين صحفي- منسق الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك

محمد عبد اللاه - صحفي بجريدة الاسبوع

جمال البشبيشى – صحفي فى العربي الناصري

خالد محمد علي- صحفي بجريدة الاسبوع

حنان عبدالفتاح –نائب رئيس تحرير المساء

اسامة الكرم – نائب رئيس تحرير الاحرار - رئيس تحرير حديث المدينة

اشرف خليل - صحفي بجريدة الشعب

سعيد نصر – مساعد رئيس تحرير النبأ

عبدو المعلم – باحث ومثقف قومى جزائري

مجدى غريب - مديرانتاج

عبد الله عمار – موظف

للانضمام

http://www.facebook.com/groups/549775288369640/edit

5ديسمبر

# عبد الرحمن الكواكبي رحمه الله يقول "العوام هم خطر الامة ومصدر نكستها " اتذكر ذلك واعجب..كيف يساق الثائر لينضم فى صفوف الثورة المضادة؟ ..كيف تنطلي عليه الخدعة ؟ وكيف لا يفكر فى العواقب؟..وكيف يرفض العمل الديمقراطى ويمارس نفس اساليب جلاديه؟

# الى اللاهثين خلف امريكا .. من امثال البرادعى وموسي ..امريكا لن تمنحكم حكم مصر .. انتم فقط لديها كومبارسات وادوات لاضعاف الرئيس مرسي والدوله ولا تصلحوا ان تحلوا محله

# قرار احتجاب 11 صحيفة مصرية مستقلة وحزبية - نصفهم اسبوعى لا يطبع فى يوم الثلاثاء اصلا - اتخذ يوم 20 نوفمبر اى قبل الاعلان الدستوري وقبل الاستفتاء على الدستور كما ان هذا القرار لاعلاقة لنقابة الصحفيين به وتأملوا من هم اصحاب الصحف والقنوات المحتجبة وستعرفون من يقود المؤامرة

# للأسف البعض تأخذهم الحماسة والوطنية ليصيروا وقودا او تروسا فى مؤامرة كبري هم لو فهموها لصاروا ضدها واستشدوا في سبيل منعها .. لكن هل ينفع البكاء على اللبن المسكوب؟

ولأول مرة فى تاريخ مصر تتبدل الاماكن ويصير الفراعنة من هم خارج القصر والضحايا بداخله..انها الديمجوجية "انتهازية النخبة" …نقولها للتاريخ ولا نريد جزاءا ولا شكورا

#الشعب ليس فوضويا ..لكن من هم هناك ليس هم الشعب ..من الشعب ثوار ومثقفين للغاية ضد هذه المهزلة ..وفى اى ديمقراطية الصندوق هو الفيصل .. لايجب ان نقف ضد الديمقراطية يجب ان نحتكم للشعب .. وليقل مايشاء ..تلك الافعال تدخلنا فى حلقة مفرغة ..لان من قد يحكم في مرة قادمة سيخرج عليه الناس بنفس الادوات ايضا

30 نوفمبر

# النخبة الفاسدة فى مصر تستغل الشباب لتحقيق مصالحها الذاتية ..وفجأة سيكتشف هؤلاء الشباب المتحمس وبعد اختفاء بريق الشعارات انهم كانوا ضحايا فى لعبة كبري لا ناقة لهم فيها ولا جمل ..انهم مجموعة من القضاة الفاسدين مع نخبة شائهة تحافظ على مكاسبها وتستخدم الشباب كوقود لتحقيقها..وما ان تصل تلك النخبة للحكم حتى ينفصلوا عمن وقفوا معهم .. وربما جعلوهم اول ضحاياهم .. كما يقول ماتوسي تونج مطلقا على تلك النخبة اسم "الوجهاء الاشرار".

 كما يخطىء من يعتقد ان اسقاط مرسي يعنى الاستقرار بل هى بداية الانهيار .. وبداية الفوضى التى لا تبقي ولا تذر .. انا ناصري ولكن لست من الانتهازيين ولا ادافع عن الاخوان ولكن عن العدالة ومتى حادوا عنها قاومناهم كما قاومناهم منذ عام مضى.

# عمرو موسي خادم مبارك .. السكير العربيد ..الذى اعطى شرعية للاحتلال الامريكى للعراق العظيم عام 2005 حينما ذهب فى طائرات الاحتلال هناك تحرصه دباباته من ابناء شعب العراق ..لا يمكن ان يكون وطنيا ..ساهم فى تدمير ليبيا واشاعات عن تقاضيه 5ملايين جنيه ثمنا لدماء الشعب الليبى …وها هو الان يقود نفس المؤامرة فى مصر بوصفه ثائرا!!!!

# المعركة الان ليست بين اسلاميين وقوى مدنية بل المعركة بين ثوار من بينهم اسلاميين وفلول بينهم نخبة فاسدة

 # 4جهات رقابية وسيادية واستخبارية فى الدولة تصدر تقارير عن تلقي 9 فضائيات يملكها رجال اعمال 6.5 مليارات ونصف المليار من اجل احداث حالة فوضى فى البلاد والتربص بالنظام وقيادة الشعب الى الاقتتال الداخلى .. ومن اهم تلك الفضائيات قنوات دريم والنهار ومودرن والبلد وcbc .. ننشر باقى التفاصيل تباعا

28نوفمبر

لا تتنازل يا سيادة الرئيس الشعب المصري معك

27 نوفمبر

# حينما تجد المنطق مقتولا بين الناس اعلم انها الشياطين او المخابرات

# سنظل ندافع عن الثورة حتى اخر رمق .. حتى لو هتف رجال شفيق المتواجدون فى ميدان التحرير بعودة مبارك ..لن نتزحزح قيد انملة ..نؤمن بالديمقراطية وبالثورة .. ونرفض الانتهازية السياسية التى اختارها حمدين صباحى والبرادعى وتحالفهما مع الفلول لتقويض سلطة منتخبة شرعية حتى لو كنا نختلف معها ايديولوجيا .. ولكن بدفاعنا عنها ندافع عن الديمقراطية وحق تداول السلطة ..لان رفضها باستخدام القوة يعنى فتح الباب لرفض اى جديد ويكرس لفوضى لا قبل لنا بها ..ولا ترتضيها مصر الثورة ..ودعونا نتسائل عمن ادخل الفلول ميدان التحرير .. نعم فلول .. والا ما تطابقت مطالب التحرير معهم فى الدفاع عن رموز القضاء الفاسدين العفنين الذين كووا بنار فسادهم ظهر الشعب ..وصاروا عبيدا لمبارك وحاشيته ينطقون بما يحكم هو به .. هل تنكرون ان تطهير القضاء احد اهم مطالب الثورة ؟ وهل تنكرون ان تطهير الاعلام مطلب الكتلة المثقفة من الشعب ؟ وهل تنكرون انكم طالبتم مرسي باقالة النائب العام واعادة محاكمة قتلة الثوار ؟ ماذاحدث اذن ؟

هل تنكرون ان من اهم رموز مظاهرات اليوم هو مرتضى منصور وتوفيق عكاشة واحمد ابو حامد وان حملة شفيق تكلفت بنقل انصارها من كافة المحافظات الى الميدان ؟ وان الذين كانوا يعارضون الثورة ضد مبارك والمجلس العسكري هم من يروجون لمظاهرات اليوم .. فلينظر احدكم الى اصدقائه وليرجع بذاكرته الى الخلف ليكتشف ان من يؤيدون التظاهرات الان كانوا يرفضونها والشهداء يتساقطون بنيران 777 والمجلس العسكرى ومنقبله مبارك ؟انظروا ربما تخرجون بنتيجة انكم مجرد كوبري لعودة طنطاوي للحكم ويقتل منكم المزيد

26 نوفمبر

# لو قرر الرئيس اليوم الغاء الاعلان الدستوري ستنفجر مصر غضبا على هذا القرار لان من يؤيدون هم الاغلبية الكاسحة فالمؤيدن طبقا لاحصاءات صفحة كلنا خالد سعيد 85 و75 حسب صفحة قناة الجزيرة بل ان 90 من المشتركين في مدونتى يؤيدونه

# هناك450 قاض يتقاضون سنويا 5 مليارات جنيه رواتب ..بمعدل 120 مليون جنيه لكل واحد منهم ..بينما الشعب يموت جوعا وظلما باحكامهم الجائرة ..ثم يتحدث البعض عن العدالة

# يعنى مرسي غلط وخلاص ..يعيد المحاكمات يبقي اعتداء على سلطة القضاء ..ما يحاكمش يبقي متواطئ ..يلغي الاعلان الدستوري يبقي رئيس ضعيف .. يصرعليه يبقي ديكتاتور ..يعدله ..يبقي احتيال ..قصة جحا وحماره

25 نوفمبر

# في جميع المصالح والهيئات بل والجمعيات .. انصار مبارك يعودون للظهور مجددا .. ورجال الحزب الوطنى يؤكدون انهم عائدون خلال شهر من الان ..هذه المعلومات جاءتنى من مصادر متعددة

# اقسم بالله العظيم لو اعرف ان ثورة يناير ستنتهى بما نراه الان فى التحرير وعصف بديمقراطية الانتخاب ما كنت وقفت ضد مبارك .. حينما كدت اموت فى منطقة الاسعاف ظهر جمعة الغضب ..وما طالبت ابدا برحيل مبارك

# فضلات مبارك يقودون اكبر معركة لخيانة مصر مرة اخري

# بعض الزملاء يعتبون علي ان اقف بجانب الشرعية ..ويريدون ان اسير فى دروبهم انشد اغانى ساقطة واري الثلث الفارغ فى الكوب .. وانحاز لفصيل من المفروض انه يحمل قناعاتى وادرك تماما انه قيادة اهذا الفصيل تعانى من امراض الانتهازية وانها اشد طغيانا من المخلوع نفسه. # حتى لانتحول الى دجاج وطبول تردد ما يريد الاخرون ان نردده ..انا لست اخوانى ..ولكننى ادافع عن الحق دائما وابدا

 24نوفمبر

# نتحداك يا حمدين .. ان تثبت اخونة الدولة

جوبلز وزير الدعاية النازى كان يقول انه لكى يصدق الناس الكذبة يجب ان تكون ضخمة للغاية  .. وانا اري ان اكذوبة "أخونة الدولة " تطبيق لفكرة جوبلز من قبل تحالف "الوجهاء الاشرار" الممثلين للقوي السياسية الوهمية "التى عدد انصارها لا يتعدى 50 الف ورغم ذلك ضجيجهم صاخب جدا " بالتعاون مع فلول نظام مبارك وروجت له فضائيات رجال اعمال مبارك ..وللرد عليهم نتحداهم ان يذكروا لنا عشرة صحفيين ينتمون للاخوان يحتلون رئاسة تحرير صحف قومية او حتى فى طاقم ادارتها العليا ؟ او عشرة اعلاميين اخوان يحتلون مواقع كبري فى اعلام الدولة ؟ او عشرة قضاة يحتلون مواقع  مهمة فى القضاء ؟ او عشرة فضائيات اخوانية  خاصة ؟  او حتى 20 صحفيا اخوانيا عاديا ؟ او عشرة رجال اعمال كبار  من الاخوان؟ او عشرة مشروعات او شركات يديرها رجال الاعمال هؤلاء ؟ او عشرة  محافظين ؟ اوعشرة وزراء؟ او 10 اشخاص اخوان ادينوا بقضايا بلطجة ؟  اودعارة ؟ او سرقة مال عام؟ وغيرها الكثير الكثير .. يحدث ذلك مع انه من حقهم ان يكون لهم شأن اكبر من هذا بكثير لسببين الاول انهم فئة مصرية لهم حقوق المصريين ولانه ايضا منهم رئيس البلاد الذى من حقه ان يختار حوله من يثق فيه.

وفي كل الديموقراطيات من حق من يفوز ان يختار من ينفذ له برامجه حتى يحقق بها مطالب الشعب ومن حقه ايضا ان يتخذ التدابير اللازمة لحمايةالبلاد فى اطار الدستور والسلطة التشريعية واذا كانت تلك السلطة غير موجوده فمنحقه ان يشرع بشكل مؤقتفى الظرف الاستثنائية كتلكالظروف التى تمر بها مصر بعد الثورة ..وبعدها نقوم بمحاسبته .. اما ما يحدث الان فى مصر فهو الفوضى تحت زعم الديمقراطية ..فهل رأيتم اعلاما ينام ويستيقظ لبث الشائعات حول اعلى رأس فى البلاد وهو رئيس البلاد ثم نجده -اى هذا الاعلام الذى يموله رجال اعمال مبارك سارقي قوت الشعب ويديره رجال مخابرات مبارك يصرخ بان حرية التعبير في خطر .. قالوا عن الرئيس بانه مريض بالصرع وقالوا انه يرسل اموال الدلة لابنه وقالوا له عبر منابرهم انت احمق وانت فاشل وانت غبي وانت "كافر" - لاحظ لو قالها احد الاخوان لاى منهم وليس للرئيس لانقلبت الدنيا ولم تقعد - وانت عميل وانت جاسوس ..فماذا يريدون قوله ومنعه عنهم مرسي ؟

انها الديمقراطية يا حمدين صباحى التى يجب ان تؤمن بها ولا نحرق البلد من اجل ان تجلس انت على الكرسي.

**********************************

ثورة ضائعة

نشر بتاريخ 25 شباط (فبراير) 2012

سيد أمين

حينما تحدث ثورة فى بلد ما ويتم خلع الديكتاتور الذى خرب الحياة والأخلاق والاقتصاد يصبح تفضلا كبيرا من الثوار أن يحاكموه بطريقة ديمقراطية تضمن له حق الدفاع والتعبير عن رأيه , ولكن حينما نتمادى فى إعطائه هذه الحرية ونفرط فى توفيرها له لدرجة تصل لحد التواطؤ معه ومع دفاعه على حساب شعب من الضحايا, بالقطع نجزم ان هذه الثورة فشلت , خاصة أننا نعامله ورجاله بـ" ليونة" لم نعامل بها أحدا من معارضيه فضلا عن كونه هو ورجاله لم يعاملوهم بها من قبل.

ليت ذلك فحسب بل يتردد ان الهدف وراء تأجيل النطق بالحكم ضده الى 2 يونيو القادم هو محاولة لكسب الوقت حتى يبلغ سن 85 عاما وبالتالى العفو عنه تطبيقا لقانون – وضعه هو – يعفى من بلغ هذا السن من العقوبة .

كل ذلك ولن نتحدث عن هيافة الاتهام , فالرجل الذى فعل فى بلاده ما لم يفعله ألد أعدائها فيها ومفاسده لا تعد ولا تحصى , تركنا كل ذلك ورحنا نحاكمه فى شراء فيلتين بأقل من ثمنهما , وكأننا بذلك نبرئه لا ندينه .

وحينما يقوم رئيس وزراء مصر إبان الثورة بتقنين قرابة 83 ألف فدان فى الطرق الصحراوية لمغتصبيها من رجال الإعمال فى العصر السابق , هنا لا بد ان نقول ان هناك ثورة لم تحدث.

وحينما يقوم وزير داخلية حكومة الثورة بصرف رواتب شهرية لقتلة الثوار من ضباط الشرطة قطعا هذا سيؤكد الزعم السابق , خاصة ان الصرف لم يكن تحت مسمى إعانة إنسانية لآسرهم وإنما جاء تحت مسمى "تقديرا لرسالتهم النبيلة " ولا نعرف اى نبل ذلك الذي يتحدث عنه , والأدهى والأمر ان عددا كبيرا من قتلة الثوار من ضباط الشرطة يحاكمون بينما لا زالوا طلقاء ويمارسون أعمالهم.

وإذا قلنا ان ذلك غبنا للشهداء وأسرهم واستهانة بدمائهم قالوا ان ضباط الشرطة كانوا يمارسون خدمتهم فى حماية أقسام الشرطة من البلطجية مع ان سيل الشهادات الذى لا ينقطع يؤكد ان عددا كبيرا من الشهداء لم يكونوا بجوار أقسام الشرطة أصلا كما حدث فى قسم شرطة بولاق حيث تم قتل الثوار أمام جامعة القاهرة وفى قسم المطرية الشهداء استشهدوا فى بيوتهم .. نعم فى بيوتهم .. فقد هرعت سيدة إلى شرفة المنزل لتستطلع الموقف حينما سمعت طلقات نار فى الشارع ففوجئت بان الطلقة التي سمعت صوتها كانت فى صدر ابنها .. فصرخت طالبة الغوث فعاجلتها هى الأخرى طلقة أخرى فى الرأس وسقطت قتيلة بجوار جثة ابنها.

قطعا لم تحدث فى مصر ثورة ,بدليل ان نحو 90 ضابطا من قيادات جهاز امن الدولة الذي خطط ودبر ونفذ وأوغل فى دم الشعب طيلة عقود مضت تم ترقيتهم بديلا عن الزج بهم فى السجون.

وحينما يصل سعر اسطوانة الغاز الى خمسين جنيها بل سبعين جنيها , فى بلد يعوم على بحيرة من الغاز الطبيعي يصدر جزءا لا بأس به منها الى إسرائيل العدو التاريخى والوحيد لنا بنصف سعره قطعا لم تحدث هناك ثورة.

حينما نتردد فى ان نستغني عن المعونة الأمريكية التى تنتقص من عزتنا , واستقلالنا الوطني ونهرول خلف صندوق النقد لنكبل أنفسنا بمزيد من الديون بينما نغض الطرف عن مئات المليارات التى سرقها مبارك وزبانيته ولا نتخذ إجراءا ثوريا وقويا يخيرهم بين حياتهم وبين أموال الشعب , قطعا لم تحدث بعد ثورة.

وأى ثورة تلك التي تتيح لزوجة الرجل الذي قامت الثورة بخلعه مخاطبة ملوك ورؤساء العالم عبر قيامها بإرسال فاكسات إلى اوباما تطالبه فيها بالحفاظ على حياة زوجها وإلا فإنها ستفضح عملاء أمريكا فى مصر ممن تربوا فى كنفه .. ثم تترك بعد ذلك حرة طليقة , اذن لا توجد هناك ثورة.

وكيف نتحدث عن ثورة قامت من اجل العدالة الاجتماعية بينما هذا البرنامج غائب عن الساحة تماما ,لدرجة لا تجعلنا قادرين على وضع حدين ادني واعلي للأجور رغم ان الحد الأعلى للأجور لن يكلف الدولة مليما واحدا بل سيوفر لها عوائد هائلة, فضلا عن أننا نشاهد الثري يزداد ثراءا والفقير يزداد فقرا ,والباشاوات لا زالوا باشاوات والخدم لا زالوا خدما.

الفقراء فى بلدى دائما متهمون , إذا احتجوا ضد القهر الذى يتعرضون له سنطلق عليهم "دون اكتراث " بلطجية , مع أنهم يقومون برد الفعل وليس هم الفعل ذاته , وإذا استجابوا للقهر ورضخوا له وارتضوا ان يعملوا كإجراء لإثارة الشغب مقابل جنيهات معدودات وعرضوا سلامتهم للخطر , سنطالب بإعدامهم أيضا كبلطجية , مع أنهم هم أيضا ضحايا للجهل والجوع الذي عانوه فحولهم إلى كائنات بيولوجية لا قلب لها.

ومع ان من أسباب تفجر الثورة ,قمع الأخر وتكميم الأفواه الذي مارسه النظام السابق , كان ينبغي للثورة وقد نجحت – بحسب ما يقولون - ان تضمن حرية التعبير السلمي , وحق الاختلاف فى الرأي دون تخوين أو تكفير أو ازدراء أو إقصاء , وان تقبل الرأي مهما كان نزقا او شاردا ,لأن معظم انجازات البشرية كانت أحلاما مخملية تراود أصحابها, رغم كل ذلك إلا ان سياسة الإقصاء زادت وتيرتها واتسعت رقعتها وأصبح كل من يخالفنا الرأي إما عميلا للخارج أو رجعيا أو متخلفا حضاريا , مع ان اللعب على ديدن الفعل ورد الفعل لا يضمن أبدا استقرار لا لحاكم أو محكوم ,بل يزيد من فرص الخداع والتخبئة ولن يكون هناك ضحية بين صراع الأبناء إلا الوطن,وهو الأمر الذي يعيدنا للغرق فى دوامة لا قرار لها وينسخ نظام مبارك ويعيد إنتاجه ,وعلى جميع الأطراف ان تعلم ان الاختلاف فى الأولويات والحاجيات هو احد إفرازات المخ ومن سمات البشر على مر الخليقة.

فى الأسبوع الماضى اطلعت على قرابة أربع شكاوى من أمهات لنشطاء فى الثورة من مناطق مختلفة فى القاهرة يتهمن فيها الشرطة بتلفيق قضايا مخدرات لأبنائهن .. الأمر الذى يطرح تساؤلا مهما للغاية حول الرسالة التى يريدون توصيلها لنا وهى أن ثورة يناير ثورة "حشاشين".

قد يكون الحديث عن أن المجلس العسكرى صادقا فى دعم الثورة صحيحا , ولكن يجب فى ذات الإطار أن نعطى لمن يتهمونه بالتأمر عليها مبررات لهذا الاتهام , خاصة مع تلك الإخفاقات المفزعة التى صاحبت سياساته الأمر الذى فهمه البعض أنه مخطط ممنهج للخداع والتخبئة .

رسالة إلى المشير

سيادة المشير , أمريكا عدو لنا , الجميع يتفق على هذا , هي لا تحبنا ونحن لا نحبها أيضا ولا نحترمها , أوغلت أنصالها فى جسد أمتنا الجريح , استعذبت سرقة ثرواتنا , وتعذيب شعوبنا , والتهاون بأرواح أطفالنا وشرف نسائنا , طعامها دوما مغموس بدم الضحايا , وأموالها مسروقة من حافظتنا , ندعوك بل نتوسل إليك ان ترفض معونتهم , ان تلقى بها فى وجوههم , بل تحت حذائك , قل لهم أن الحرة تموت ولا تموت ولا تأكل بثديها , وقتها ستذوب خلافاتنا وتلتئم جراحنا ,ويظهر معدننا الأصيل ومعدنك , وقتها ستجدنا جميعا توحدنا خلفك , فنحن أمة عريقة لا نأخذ دية صمتنا عن إهانتنا , ونحن امة قال فيها القائل " نشرب ان وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا " , وأنت يا سيادة المشير وزير دفاعنا , والادرى بشرف الجندية , لاسيما فى مصر , خير أجناد الأرض , قل لهم نحن لا نريد معوناتكم , لا نريد ان نرتبط بكم , لا نريد ان نكون تابعين لكم, لأننا دائما السابقون , قل لهم لسنا هنودا حمرا جددا , او دمى تحركونها بخيوطكم , لا تبالى بكل ما سيقولونه و يهدوننا به , تذكر ان الطريق لتحرير القدس يمر عبر القاهرة , وتذكر نابليون بونابرت وهو يوصى رجاله بأن من يسيطر على القاهرة يسيطر على الشرق , افعلها يا سيادة المشير , ارفض معونتهم , وانتقل بمصر الى دول الممانعة , الشعب ومجلسه سيقفون معك , ستجعل من نفسك بطلا قوميا ضن الزمان بمثله. افعلها فنحن لا نرغب فى أمريكا ولا عملائها ولا كل من سار على خطاها.

سيادة المشير سيطلبون منك إرسال قوات الى سوريا بحجة حماية المدنيين السوريين من بطش "الأسد " , نرجوك ونتوسل إليك أن تقول لهم أن جيش مصر لا يمكن أن يحارب جيشه الأول فى سوريا , قل لهم جربنا خداعكم فى عام 1990 ضد العراق ولن نخدع مرة ثانية , قل لهم أننا مع اختيارات الشعب السورى مهما كانت ولكننا أبدا لن نوجه سلاحنا إلى جيشه ورصاصات جيشنا لم تصنع لقتل السوريين, قل لهم أننا نحمل الأمانة ومصر ابدا لن تخون.

**********************

حول موقعة “النائب العام”

نشر بتاريخ  14 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

 سيد أمين

جعلتنا الاحداث التى مرت بها مصر اليومين الماضيين من خلال تبعات قرار المحكمة المختصة بتبرئة جميع المتهمين بارتكاب مجزرة موقعة الجمل وما تلاها من استياء شعبي قد يكون دفع الرئيس الدكتور محمد مرسي لاصدار قرار بتكليف المستشار عبد المجيد محمود النائب العام للعمل كسفير لمصر فى الفاتيكان وذلك بهدف اقصائه - نظرا لانه لا يجوز عزله – وما تلاها من اشتباكات فى ميدان التحرير بين مجموعات غير معروفة الهوية , كل ذلك دفعنا لان نعود مرة اخري للحديث عن حالة التربص التي تتبعها قيادات القوي السياسية وما يساندها من قوي الإعلامية.

والمتابع للمشهد , المتجرد من النزوع نحو الانتصار للانتماء السياسي , الميال للانتصار لقيمتي الحق والحقيقة , يستطيع ان يدين جميع أطراف الأزمة "مؤسسة الرئاسة – الإخوان المسلمين – القضاة – القوى السياسية – الإعلاميين" باعتبار الجميع شركاء فى صناعة تلك الأزمة .

فقد اخطأ الرئيس الدكتور محمد مرسي فى إصدار قرار تكليف النائب العام للعمل كسفير لمصر فى الفاتيكان , وخطأ الرئيس هنا ليس كما يريد البعض ان يصدره للعامة بانه اعتداء على السلطة القضائية , ولكن لان الرئيس- وهو صادق النية- حينما قرر اتخاذ قرار إقصاء النائب العام تلبية لضغط الشارع كان يجب عليه ان يدرس الطريقة والوقت والمكان الملائم لاتخاذه , مع دراسة كافة الاحتمالات الممكنة والشعارات التى يمكن لأنصار النائب العام ترديدها وخداع العامة بها مع اتخاذ السلطات كافة الاحتياطات والاجراءات لتفنيدها , الا ان ما حدث اعطى الفرصة للقوي المضادة للثورة للتوحد حول شخصية رمزية جديدة بعد الفريق احمد شفيق ومن قبله الراحل اللواء عمر سليمان يتخندقون حولها ضد من يحكم مصر لا فرق عندهم بين الاخوان المسلمين او حتى الليبراليين.

واخطأ الإخوان المسلمون ايضا حينما لم يستوعبوا المشهد بشكل كبير وراحوا ينظمون تظاهرات مؤيدة للرئيس , لأنهم بذلك صوروا للمتابع غير المدرك بشكل كامل للأحداث بان التظاهرات ضد او مع الرئيس, وهو فى الحقيقة بعيد عنها, بل أنهم أتاحوا الفرصة للطرف الثالث – او اللهو الخفي – الذى لا هو خفى ولا حاجة – للاندساس بين المتظاهرين من اجل إحداث الوقيعة بين الجميع وبالتالي التغطية على الحدث الأهم وهو تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل , ولو كان الإسلاميون انسحبوا من تلك التظاهرات او أنهم لم يدعوا لها اصلا لانكشفت حقيقة مقاصد ذوي النوايا السيئة من الأطراف الاخري , حيث كانت هذه الأطراف ستواجه لوما شعبيا كبيرا لو انها هتفت ضد الرئيس فى موضع كان يجب عليها فيه ان تهتف ضد تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل نيلا لحقوق الشهداء وتطالب بتطهير القضاء , وحيئئذ سيصبح قرار الرئيس متسقا مع المطالب الشعبية فى حين تأتى مواقف هؤلاء معبرة عن حاجة فى نفوسهم لا علاقة للشعب بها.

كما يجب على قادة عناصر الإخوان المسلمين إلا يظهروا وكأن قرارات الرئيس هى قراراتهم لان ذلك يضعف من موقف الرئيس لا يقويه.

ورغم ان التعميم ليس منطقيا بالمرة , الا انه هناك أزمة لا شك فى البيت القضائي , لدرجة ان مطالب تطهير القضاء خرجت أول ما خرجت من بين القضاة أنفسهم قبل الثورة بسنوات قليلة , ومن مظاهر تلك الأزمة أن عددا كبيرا من القضاة انخرطوا بشكل كامل فى الصراع السياسي , وتنامي لديهم شعور قوي بأنهم شيء مقدس لا يمس ولا ينظر له امرؤ مهما كان إلا بإعزاز وإجلال حتى لو كان مصطنعا , مما خلق انطباعا عند العامة بأنهم عصابة او سوط يجلد به الحاكم من يشاء, بل ان رئيس نادي القضاة المستشار احمد الزند قدم أسوأ الصور التى من الممكن ان يخزنها العقل كصورة نمطية عن القضاة , وظهر فى مواضع عدة كبلطجي وليسا قاضيا يبحث عن الحقيقة ويستوي لديه الناس , كما أن طول عصر الاستبداد والفساد الذي كرث له مبارك وعبرت عنها قوانينه جعلت من القضاة أنصاف آلهة لا ينطقون عن الهوى ولا يعصى لهم أمر , ومهما كانت أحكامهم جائرة وغير موضوعية إلا أنها تعبر عن قدر لا يصح للضحية انتقاده أو حتى التعليق عليه وهو أمر مخالف للمنطق والشرع ولمعايير الدولة المدنية ولحقوق الإنسان فضلا عن أن الكثيرين منا يوقنون تمام اليقين بان الالتحاق بسلك النيابة والقضاء لا يتم فى مصر إلا بإحدى سوئتين "إما رشوة أو واسطة " وكلاهما يجرمه القانون , يضاف الي ذلك ظاهرة توريث القضاء!!

ولابد ان نشير هنا الى ان من رفعوا شعار احترام القضاء واعتبروا قرار مرسي بخصوص النائب العام مجزرة ..لماذا صمتم على قيام رجال شرطة مبارك بتلقين القضاة علقة ساخنة فى عقر نادى القضاة , وكذلك صمتم على قرار اصدره مبارك باقالة قرابة الف قاضي من اعمالهم!!

أما القوي السياسية فقد ابتلعت الطعم وطعنت نفسها , حينما غلبت قياداتها من أقصي اليمين لأقصي اليسار مصالحها السياسية على مصلحة الوطن , وحينما تنكرت لأهداف كانت تنادي بها بالأمس فظهرت للعيان بأنها ليست قوي معنية بقضية الموضوعية بقدر كونها قوي انتهازية.

ورغم انه كان يجب على جميع قوي الثورة بكل أطيافهم بمن فيهم الإسلاميين الخروج للتنديد ببراءة المتهمين فى موقعة الجمل من أجل رد حقوق الشهداء من قتلتهم وهو المطلب الذى لم تتوقف عن المطالبة به منذ خلع مبارك , إلا إننا هنا وجدنا هذا الشعار يغيب لدي التيارات اليمينية واليسارية فى وقت كان الشهداء وأسرهم فيه أحوج ما يكون إليهم , مما آثار شكا ليس فى صدق شعاراتهم عن حقوق الشهداء فحسب ولكن أيضا فى الشعارات الجديدة التى يرفعونها الخاصة بتأسيسية الدستور والمائة يوم وغيرها , خاصة انهم حملوا الرئيس من قبل مسئولية أحكام البراءة لقتلة الثوار .. مما يقودنا فى النهاية لسؤال مهم : ماذا تريدون من الرئيس ان يفعل؟ وكيف؟.

والغريب والشئ العجيب – كما تقول وردة – أن القوى التى خرجت مرارا وتكرارا مطالبة بإقالة النائب العام من مهام منصبه محملة إياه التستر على ملفات الفساد ورموزه وأيضا أحكام البراءة المتتالية لقتلة الثوار مطالبة المجلس العسكري- حينما كان ماسكا بزمام الأمور- بإصدار قرارات استثنائية بإقالته بل ومحاكمته , إلا أنهم راحوا يقلبون ظهر المجن حينما اتخذ الرئيس مرسي قرارا يفهم منه إقالته , وراحوا يتباكون على استباحة استقلال القضاء , واخذوا يعظمون من شأن النائب العام ليحولوه الى بطل على خلاف الحقيقة !!

والملاحظ ان الثوار و القوي المدنية – ومعظمهم من قوى الثورة المضادة – راحوا يعارضون القرار الخاص بالنائب العام بوصفه عملا غير قانونى , مع أن الثورة نفسها أيضا هى عمل غير قانونى , والثوار فى نظر القانون متمردون يتوجب إعدامهم , هذا لو نظرناها بنظرة قانونية , أما لو نظرنا إليها بنظرة ثورية , فالنائب العام هو احد اهم رجال مبارك, والمسئول المباشر عن أحكام البراءة من قتل الثوار بعد الثورة وحماية الفساد قبل الثورة , كما ان القوانين سواء أو الدستور هى من صناعة مبارك , ولا تعبر عن إرادة الشعب الذى هو مصدر السلطات والقوانين.. فعلينا إذن أن نحدد ماذا نريد.. شرعية دستورية ام ثورية .. وإذا ارتضينا واحدة منهما فعلينا إلا نطالب بمطالب تخالف ما ارتضيناه.

أما آخر المتسببين فى الأزمة – وهو فى الحقيقة أولهم – الإعلام , لقد كان الإعلام والإعلاميون غير موضوعيين فى تغطية الأزمة , حيث راحوا يروجون الشائعات ويوجهون الضيوف ويصدرون الإحكام ويركزون بشكل ممل على احد الإطراف ودفوعاته بينما يتجاهلون الأخر حتى لو كان رئيس الجمهورية , لدرجة ان الفائيات لم تبث خطاب الرئيس فى الإسكندرية او حتى تشير إلى انه القي خطابا فى حين تفرغت لنقل كل همزات الزند وعبد المجيد ومن يواليهم , فلم يكن إعلامنا قط محايدا حيث انحازت كل قناة فضائية لمصالح رجل الإعمال الذى أنشأها علي حساب استقرار الوطن الذي كانت تدعو اليه حينما كان مجلس مبارك وشفيق وعمر سليمان قاب قوسين من حكم مصر.

الحقيقة ان ما يحدث فى مصر يكشف عن مؤامرة كبري ليس المقصود منها تجريد الاخوان المسلمين من السلطة التى حصلوا عليها بارادة الشعب ولكن اخشي ما اخشاه ان يكون المقصود هو بث القوضى فى مصر , خاصة ان التظاهرات والاحتجاجات فقدت اى منطق لها وتحولت الى "تلكيك" والسلام.

اقول ذلك وانا واثق تمام الثقة ان "المتلككين" سيعتبروننى قد "تأخونت" وهم لا يعرفون ان الدفاع عن الحق والحقيقة تتجاوز الايديولوجيات".

*****************************

حتى ندعم مصر و برنامج الرئيس

نشر بتاريخ  30 آب (أغسطس) 2012

سيد  أمين

لم تتح لمصر فرصة للتحديث مثل تلك الفرصة التى تحققت لها بعد الثورة , ويشير الخبراء الى أن هناك قصورا متراكما فى البنية الاساسية فى مدن الدولة كافة بلغ مداه فى عدم تحديث تلك البنية منذ ما يقارب عشرة سنوات كاملة مضت , وانها تحتاج فى سبيل النهوض واداء وظيفتها بكفاءة الى مئات المليارات لكى تنفق عليها دون شح او كلل.

ولو اخذنا القاهرة نموذجا , سنجد أن شبكة الصرف الصحى فى منطقة وسط القاهرة – القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية علي سبيل المثال – لم يتم تحديث معظمها منذ انشاء نظام الصرف المغطى فى القاهرة منذ ما يقرب من قرن , الامر الذى تسبب فى ان تعوم تلك المناطق على بحر من المياة الجوفية الملوثة , مما يهدد بكارثة بيئية وصحية محققة قد ينجم عنها سيناريو كارثى وهو سقوط وسط المدينة فى الاعماق وهو ما ظهرت ارهاصاته فى تلك الانخفاضات الارضية المتكررة فى مناطق باب الشعرية والجمالية.

واذا كانت ازمة الاختناق المروري فى القاهرة مشكلة عصية على الحل بسبب كثرة اعداد المركبات التى تعج بها شوارعها, فان المشكلة الاصل تكمن فى ضيق الشوارع وعدم وجود تخطيط عملى او علمى لها يمكنها من استيعاب هذا الكم من المركبات التى يكلف اهدار الطاقة فى ساعات انتظارها الطويلة الدولة مليارات الجنيهات متمثلة فى الطاقة المدعومة المهدرة دون ناتج والتى تتبخر فى الجو للتحول الى قنبلة تلوث مفزعة تهدد صحة سكان القاهرة اجمع لا سيما فى منطقة العتبة ورمسيس والاسعاف وهما الاكثر تلوثا فى مصر اجمعها بحسب دراسة لا زلت اتذكرها.

ويقينا , يعد من الاعجاز أن يستطيع احدا كان مهما أوتى من قوة واخلاص ان يحل تلك المعضلة  ليس فى مائة يوم - بحسب برنامج الرئيس – بل فى مائة شهر, اللهم الا اذا كان يمتلك عصا موسى او فانوس علاء الدين .

ولأننا نعلم أن البرامج الانتخابية قد لا تحقق بالمرة فى بلدان عالمنا النامى الا ان الشروع فى تحقيقها وتكاتف الاجهزة المعنية والطلائع الشعبية والتفافهم حولها كفيل بأن يجعلها قابلة للنجاح بغض النظر عن الوقت الزمنى الذى تستغرقه شريطة اخلاص نوايا الجميع.

ولأن نهوض مصر ورعاية مصالحها هو الشغل الشاغل لجميع المخلصين فاننى اوجه دعوة للخبراء لدراسة تلك المقترحات او العناوين وتأصيلها ووضع الاطر العلمية والعملية لانجاحها خاصة ان تحقيق تلك المقترحات ليس مستحيلا :

1 – توسيع شوارع القاهرة وخلق متنفسات خضراء فيها  من خلال عمليات شق طرق ونزع ملكيات خاصة او عامة  وتعويض المالكين بمساحات اخري قد تكون اكبر او مضاعفة وفى ذات المنطقة من خلال انشاء ابراج عملاقة وكخطوة اولي نبدأ من وسطها وهى مناطق الاكتظاظ الكبري.

ومثالا فلو قمنا بنزع ملكيات منتشرة على قرابة كيلو متر مربع فى المناطق المغلقة والعشوائية من وسط منطقة الجمالية  - وهى منطقة لا تزيد احجام الارتفاعات فيها عن طابقين او ثلاثة باقصى تقدير وقمنا بانشاء برجين او ثلاثة ابراج عملاقة عرضا وارتفاعا على نصف الرقعة المنزوعة وعوضنا كل شخص نزعنا منه ملكيته بضعف المساحة المنزوعة فى تلك الابراج بحسب الية ما – ستكون هذه المنطقة قد كسبت النصف المتبقى من الارض كمساحات خضراء وطرق وستكون خدمات الصيانة والامن والمرافق اكثر فعالية دون الاضرار بجميع اطراف العملية , وبتعميم هذه التجربة يمكننا خلق قاهرة جديدة.

   2 – تفنن نظام مبارك فى انفاق مئات المليارات طيلة هذا العهد البائد فى اشياء لا تفيد الوطن بشكل حقيقى , ومن تلك الاشياء قيامه بانفاق اموال الدولة على زراعة الشوارع باشجار لا تحقق اى وظيفة من وظائف زراعة الاشجار , ومنها شجرة "الفيكس" التى تزرع بها شوارع المدن الجديدة والطرق الطويلة , فلا هى مثمرة ولا هى منتجة للخشب ولا طويلة حتى يستظل بها الناس ولا تؤدى وظيفة بيئية لأن اوراقها صمغية , كما انها داكنة الخضرة توحى بالكأبة .

 لذلك فاننا نقترح اقتراحا باستبدال زراعة تلك الشجرة الكئيبة باشجار اخرى مثمرة تساعد فى سد الفجوة الغذائية لاسيما الزيتون الذى يمكنه ان ينبت فى اشد مناطق الجفاف كما انه يمكن ريه بالمياة المالحة ويمتلك منظرا جماليا افضل .

وكذلك يمكن زراعة تلك الشوارع بشجرة المورينجا , تلك الشجرة الطيبة والتى تصلح اوراقها كغذاء مثلها مثل الملوخية , وتساعد فى علاج 300 مرض بحسب التقارير الطبية المؤكدة وذات اخشاب قوية طويلة ويمكنها النمو فى اعتى الظروف المناخية أو تلك الخاصة بالتربة وتمتلك منظرا جماليا مبهرا, ولا يفوتنا ان نقول ان سعر كيلو الاوراق الخاص بها تتلقفه شركات الادوية بسعر 500 جنيه لتعود تبيعه باكثر من 15000 جنيه فى شكل حبوب ومعجون وخلافه , كما لا ننسى ان مبارك منع زراعة هذه الشجرة فى مصر تحت وطأة ضغوط غربية.

3- يقول خبراء الاقتصاد  انه متى توافر سعران لسلعة واحدة انتعشت السوق السوداء , ولعل تفاوت اسعار الدقيق ما بين مدعم وحر ارهق جهاز شرطة التموين نظرا لابتكار المهربين وسائل متعددة لكى لا يصل الدقيق المدعم الى مستحقيه ويجنون هم ثمار دعم الدولة فى جيوبهم المتضخمة من المال الحرام فضلا عن ان قيمة رغيف الخبز المدعم ساءت لدرجة كبيرة فيقوم الكثيرون بشرائه من اجل استخدامه كعلف للحيوان خاصة انه ارخص بشكل كبير جدا من الاعلاف , الامر الذى ضيع دعم الدولة سدى فى الدعم المباشر للدقيق ودعم الطاقة ودعم عمالة التصنيع .

لذلك ينبغى توحيد سعر الدقيق بشكل كامل  وليرفع سعر الرغيف من 5 قروش الى عشرة قروش مع توفيره فى الاسواق الامر الذى سيوفر على الاغلبية عناء شراء الحر الذى يبلغ 25 قرشا ويشعر الجميع  بان هناك دعما يقدم على تلك السلعة.

4-التفكير فى آلية ان تقوم بعض المصالح بالعمل ليلا كبديل عن الفترة الصباحية مما يساعد فى حل مشكلة التكدس المرورى صباحا او عمل العكس بحيث ترغم المحال والشركات على اغلاق ابوابها من الساعة التاسعة مساء .

هذه مجرد مقترحات عساها تأخذ طريقها للتحقيق بعد دراستها بشكل علمى من قبل المختصين.

*************************

عن قيود مرسي.. وإعلام عكاشة

نشر بتاريخ  3 آب (أغسطس) 2012

 سيد أمين

اعتقد البعض ممن يتابعون ما أدونه - ومنهم أصدقاء بل وأساتذة لا أشك مطلقا فى وطنيتهم وحالتهم الثورية – أنني قد وقعت شيكا على بياض لصالح جماعة الإخوان المسلمين ’ وأننى صرت أبرر كل ما يتخذونه من قرارات حتى لو كانت تخالف مرجعيتي الفكرية ’ واعتبروا ذلك انقلابا منى على الفكر القومي والتجربة الناصرية.

ولعل من يتهمونني بهذا الاتهام لاسيما هؤلاء الرفاق الجادين المخلصين ’ قد فاتهم أنهم ارتكبوا خطأ فادحا بتغليبهم مصالحهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية على إيمانهم بالديمقراطية ’حينما انساقوا وراء مغرضين مخادعين من أزلام مبارك ممن رضعوا الاستبداد وصاروا لا يبصرون الحقيقة إلا من خلال منظاره ’ ورفعوا وهم "أعداء" عبد الناصر صوره وراحوا يتغنون بثورة يوليو وكأنهم كانوا ناسكين فى محرابها ’ وليس من مقوضيها وممن لعنتهم تلك الثورة على تحالفهم مع الفساد والامبريالية حتى أوصلونا لما نحن فيه الآن ’ فأساءوا بمسلكهم ذلك ابلغ إساءة إلى الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر.

دعونا نؤمن بالديمقراطية ’ ونقول أننا نختلف مع الإخوان المسلمين فكريا ولكن مع ذلك نؤمن بحقهم فى اتخاذ القرار الذى يرونه صائبا’ ونؤمن بحق اختلافهم معنا او اختلافنا معهم دون تخوين او ادعاء او تلفيق ’ بمعنى اننا ننادي بوضع قواعد مضمونة وراسخة لتداول السلطة لا يمكن اختراقها او الاحتيال عليها ’ وبعد ذلك نحترم من يختاره الشعب فى انتخابات حرة نزيهة أيا كان’ اعمالا بمقولة الشاعر الفرنسي فولتير " قد أخالفك الرأي.. ولكنني على استعداد لأن أدفع عمري ثمنا لأن تقول رأيك".

قولوا لى بربكم ’ أليس من الديمقراطية ان نعطى الفرصة كاملة للرئيس المنتخب حتى ينجز برنامجه الانتخابي ’ وندعه يختار فريق العمل الذى يختاره ويثق فيه من اجل تحقيق هذا المطلب فى هذه الظروف السياسية الحرجة ؟ أليس من الظلم أن نطلب منه التخلي عن "شخوص" الجماعة التي رشحته ودعمته ليصير اعزلا مجردا من أنصاره الصادقين’ وهو يخوض معركته الناعمة من اجل انجاح برنامجه مع فلول النظام السابق ؟

ودعونا نقولها بصدق ’ من يطالبون مرسي الآن بخلع ردائه الفكري هم يدفعونه دفعا لعقد صفقة مع رموز نظام حكم مبارك الذين يسيطرون على مفاصل الدولة ويعملون بجد لتصدير الأزمات له ’ من ثم الارتضاء باقتسامه السلطة معهم’ وربما هذا الهدف وراء الحملة الإعلامية المسعورة التى تقاد ضد الرجل واستثمار عوائد الضغط المستمر عليه فى صالح الفلول.

ونحن جميعا نرى رئيسا بلا سلطات تجعله يتدخل كمشرط طبيب يستأصل الاورام الخبيثة ’نري رئيسا اختاره الشعب الذي يجب أن نرتكن إلى حكمه جميعا ’ يواجه حربا إعلامية مكشوفة - ندركها نحن كاعلاميين - لتقويض شرعيته ’حربا تعتمد على الأكاذيب وخداع البسطاء ’عبر تكنيك دعائي يعرفه المصريون جيدا يلخصه المثل القائل "العيار اللى ما يصيب يدوش" ’ ونتائجها ليست لصالح الثورة بأي حال من الأحوال ما لم تصب في صالح أعدائها ممن يتربصون بالثورة والثوار.

كنت أتمنى من الرئيس مرسي أن يخرج علينا فى مؤتمر صحفي عالمي ليكاشف الناس بمدلولات تلك الضغوط وأهدافها وإبعادها ’ تلك الضغوط التى جعلته يصدر- على سبيل المثال - بيانا لرثاء عمر سليمان وهم – أى الإسلاميين - أكثر الناس الذين ذاقوا مرارة سجونه ومؤامراته وإجرامه مع غيرهم من أبناء شعبنا المصري بل والعربي عامة ’ وان يقوم بفضحها وتعريتها وتعرية منفذيها ’ فقط وقتها سيجد الناس تلتف حوله من جديد وسيخرج الشعب لإعادة الشرعية للرئيس.

كنت أتمنى من الرئيس ألا يقف مكتوفا إمام الحملة الإعلامية وان تحصر مؤسسة الرئاسة الادعاءات التى يهاجم بها الرئيس وتخرج بمؤتمر صحفي لتفندها فيه ’ والا يستجيب للضغوط التى تجعله يقبل قرارا على غير قناعاته ’ قد يستخدم فيما بعد للهجوم عليه من خلاله ’ ومن نفس هؤلاء الأشخاص الذين مارسوا الضغط عليه.

اعلام توفيق عكاشة:

لقد جعلنى توفيق عكاشة على يقين كامل بقدرة الإعلام الضخمة فى تشكيل أذهان الناس عبر فضائيته التى تصطاد ضحاياها من الاغلبية المسطحة فراح يبنى فى أذهانهم منظومة متكاملة من الأفكار الراسخة المبنية علي الأكاذيب ’ ورحت استرجع تجربة "جوبلز" وزير الدعاية الألماني فى عصر هتلر التى لخصها فى عبارة واحدة " لكى يصدق الناس الكذبة لابد أن تكون ضخمة " .

نحن لم نسمع عن توفيق عكاشة من قبل ثائرا أبدا ’ بل وجدناه شخصا من "الآضيش" جمال مبارك ومداحا فى محرابه ورجلا يعمل فى أجهزته ’ فمنحه فى نهاية التسعينيات خمسة ألاف فدان فى طريق مصر الإسكندرية بمبلغ ستين ألف جنيه فأقام عليها جمعية وهمية تسمي "جمعية الاعلاميين والصحفيين" وقام ببيعها لصحفيين الحزب الوطنى – اعرف عددا منهم - بما يقارب الخمسة ملايين جنيه ’ وهو مبلغ كبير للغاية فى هذا الوقت ’ فضلا عما يتردد عن ان الرجل خصصت له قرابة 150 رخصة استيراد وتصدير قام ببيعها بملايين الجنيهات ’ ثم نجده الان يتحدث عن الشباب ’ ولا ادري عن اى شباب يتحدث وهو واحد ممن سرقهم ’ واغتصب حينما كان عمره لا يتجاوز الثلاثين عاما حقوق الالاف ممن يبحثون عن عشرة أفدنة ليزرعوها ويؤسسون اسرهم البسيطة عليها .

الإجابة ستكون واضحة لو عرفنا ان الحرس العسكرى الذى يحرس بيت عكاشة وبوقه"قناته" قد يفوق الحرس الذى يحرس فيلا الرئيس.

*******************************

جدار مرسي والدستورية

نشر بتاريخ  11 تموز (يوليو) 2012

 بقلم سيد أمين

لو كان يحيط بشقتك جاران , ونشب بينك وبين احدهما نزاع حول ملكية الحد الفاصل بينكما , وكاد الأمر أن يتطور إلى مجزرة لا ناجى منكما منها , فارتضيتما أن تعرضا الأمر على جاركما الثالث لكى يحكم بينكما, على أن يرضى اى منكما بالحكم , ورغم انك تدرك ان هذا الجار يبطن لك العداء ,إلا انك ارتضيت بان يحكم حول ملكية أي منكما للجدار الفاصل بينكما , فراح هذا الجار يخرج عن نطاق الحكم حول الجدار فحكم أن شقتك كلها ليس لك وانها من حق الجار المتنازع معك!!

طبعا أنت اعترضت بشدة , وقلت انك لم تأتى من اجل بيان ملكية الشقة كلها ,  فأنت واثق من ملكيتك لها ومعك حجيتك الدامغة , ولكن فقط جئت من اجل الحكم فى ملكية الجدار , هنا ثارت حفيظة الجار الحكم , ورأى انك حنثت فى وعدك بقبول الحكم مهما كان , ورأى انه يجب عليك ان تترك الشقة  فورا , فسألته عن الأسباب التى دفعته لإصدار هذا الحكم الجائر , فقال انه ثبت ان الجدار ملك لجارك وبناء عليه فالشقة كلها له!!

قلت له إذن كان يجب عليك إن تحكم فقط بملكيته للجدار لا الشقة , فوجدته وخصمك يحتجان بصوت عال ويكابران حتى تجمع الناس في الشارع , وسألوا عن سبب تلك الضجة فاخبراهم أنك وجارك تنازعتما فى أمر ما واحتكمتما  للجار الثالث الذي اصدر حكمه فرفضت تنفيذه , واستغلا ارتفاع صوتهما وأخذا يصمانك بأبشع الصفات وقاما بصحبة بعض من الاهالى الذين لم يفهموا بالضبط حقيقة الصراع بطردك خارج بيتك !!

هنا انتظرت لحين قدوم رئيس اتحاد ملاك العمارة لتشكو له ما حدث , وتحتكم إليه , بصفته صاحب العمارة ويعرف من يملك ماذا , ولما جاء قصصت عليه ما حدث فاقر بحق جارك فى الجدار وحقك أنت فى الشقة , وذهب معك ليمكنك منها مرة ثانية , هنا خرج الجاران يستغلان صوتهما العالي , يتهمانك بأنك تكسر حكما سبق أن صدر بحقك وان تعالى وتتغطرس , وراحا  يشاغلانك ويتهمان صاحب العمارة بالانحياز لك لأنكما تتاجران فى المخدرات ,هنا تناسي الناس اصل المشكلة , لانهم لم يجهدوا ذهنهم لفهمها أصلا , وأخذا ينظران إليك وصاحب العمارة على إنكما محلا للشبهات, وراح ينظران على تعنت جاريك معك على انه بطولة ورفضا لسلوكك "البطال" , وراحوا هم أيضا يتعاملوا معكما بشئ من الجفاء أو "التلكيك", وانذروك ان تترك شقتك فورا والا فسوف ينقضون عليك وعلى صاحب العمارة ويطردونكما منها بالقوة .

ولما وجدت انك غير قادر على توصيل قضيتك بشكل جيد للناس نظرا لعدم وجود عقلاء بينهما يجيدون الاستماع لصوت المنطق, وان وجدوا فلغة المصالح تربطهم بجاريك , هنا طلبت ان تعاد المحاكمة على مسمع من الناس ليعرفوا تفاصيلها ويطلعوا على ما لديك من اوراق , هنا راح جاريك يحرضان الناس ضدك بان تقصد من ذلك المراوغة والبقاء فى الشقة من اجل الاستمرار فى جعلها وكرا لبيع المخدرات .

ولأن جاريك يستعملان معك أسلوب "البلطجة"و"التشويش" واثارة الناس ضدك بكم هائل من الأكاذيب المخلة بالشرف , أثرت السلامة ورحت طالبا منهما ان تبقى فى البيت لحين قيام صاحب العمارة بتدبير شقة ستخلوا بعد اشهر لتنتقل إليها , هنا رفضا وطلبا منك تسليم شقتك فورا لهم ولتسكن فى الشارع لحين تدبير البديل.

هذا هو ما حدث فى مسألة حكم الدستورية بحل مجلس الشعب وما تلاه من قرار الرئيس مرسى بعودته لحين إعداد الدستور , فالمحكمة التى أرسل نظرت الإفتاء بشأن دستورية جزء القوائم من الثلث الفردي فى مجلس الشعب , راحت تصدر حكما منطوقة يقضى بعدم دستورية هذا الجزء من البرلمان , وقفزت لتوصى فى الحيثيات بحل البرلمان بكامله , وزادت وغالت "دون حاجة" واعتبرته انه والعدم سواء , بل واستعانت بالمجلس العسكرى فى العمارة المقابلة لتنفيذ الحكم دون الرجوع لصاحب العمارة او حتى انتظار عودته , رغم انه ليس من حقها تنفيذ مثل هذا الحكم , بل هو من حق الرئيس صاحب العمارة الذى لم يحضر بعد , ولما جاء الرئيس وراح يستخدم صلاحياته فى الفصل فى نزاعات سكان العمارة , راحوا يطالبون بطرده هو نفسه من العمارة.

الغريب ان حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب صدر قرب الساعة الثانية عشر ظهر يوم 14 يونيو 2012 بينما تردد انه تم إرسال الحكم لطباعته فى الجريدة الرسمية فى العاشرة صباح ذات اليوم , اى إن الحكم كان قد صدر مسبقا عن الجلسة ,كما ان الاغرب قيام المحكمة الدستورية بأخذ الأمر على عاتقها بإظهار الخصومة  التى لا يجب ان تتوافر فى القاضى العادل وكشفت تصريحات أعضائها المتداولة عبر الصحف قبيل النطق بالحكم عن ان حكمها سيكون حكما ثأريا لا أكثر, وما زاد الطين بلة تلك التصريحات الهمجية التى أطلقها احمد الزند رئيس نادى القضاة ممهلا رئيس البلاد 36 ساعة للعدول عن قراره دعوة مجلس الشعب للانعقاد , مع انه من المفترض لا علاقة له ولا لناديه بهذا الأمر, وكان قد الزند قد شن قبيل إصدار الدستورية حكمها بحل المجلس هجوما عنيفا غلبت عليه روح "البلطجة" اثر قيام المجلس بالدعوة لمناقشة قانون تنظيم السلطة القضائية , وهو القانون الذى كان يطالب به الثوار على اختلاف مشاربهم الفكرية تطهيرا للقضاء من قضاة مبارك الفاسدين وعلى رأسهم الزند , وكان حال سبيل يقول "اللى على رأسه بطحة".

لقد كشفت الأزمة التى تعيشها البلاد حاليا عن وجود ضرورة ملحة لتطهير القضاء , الذين خلطوا بين العمل السياسى بالقضائي , والمصلحة العامة بالخاصة , وأساءوا للقضاء المصري برمته الذى يشرف بأن فيه من هم أمثال المستشارين الوطنيين المخلصين زكريا عبد العزيز ومحمود الخضيري واحمد مكى وغيرهم .

**********************

أيها الناصريون .. عبد الناصر منكم برئ

نشر بتاريخ  3 تموز (يوليو) 2012

 سيد أمين

كانت المواقف الصادرة عن "بعض" الشخصيات "النخبوية" التى تنسب نفسها إلى التيار القومى عامة والناصرية خاصة فى مصر مخيبا للآمال فيما يخص الانتخابات الرئاسية سواء قبل جولة الإعادة أو بعد إعلان النتائج , وانحيازهم الى دولة الاستبداد اللاوطنية واللاقومية واللاديمقراطية فى وجه دولة الثورة الثورة وخياراتها ونتائجها,وبرهنت مواقفهم تلك بشكل ثابت على أن الكثيرين منهم فى الحقيقة لا يؤمنون بالديمقراطية ولا الحرية واحترام حق الاختلاف فضلا عما حمله ذلك من إساءة الى الفكر القومى الذى يسعى الى توحيد الأمة العربية والرضاء برغبتها مهما كانت , بل والتعبير عنها وحمايتها.

ورغم اننى أبرئ الفكر القومى وأبرئ الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر من مسلك تلك الطفيليات التى أساءت إليهما وتاجرت باسمهما , واراهن انه  لو كان عبد الناصر موجودا الآن بيننا لوبخهم عليه بشدة , ولاعتبرهم خونة للثورة بانحيازهم للثورة المضادة التى جثم مرشحها الذى انحازوا إليه عشرات السنين حاكما وتلميذا مطيعا لزعيم العصابة التى جثمت على صدر البلاد والعباد .

ومصدر تأكدى من أن عبد الناصر كان حتما سيسلك هذا المسلك انه هو نفسه لم ينحاز الى صف الملك حينما تولى اللواء محمد نجيب المنتمى الى الإخوان المسلمين الحكم , ولا اعتقد أن اللواء نجيب كان سيسلك هذا المسلك كرد فعل عن إقصاءه من الحكم , هذه هى الحقيقة , وهذا هو عبد الناصر يا من تتمسحون به .

يجب عليكم أن تعوا ما وعاه هو , ان عداء الثوار للثورة المضادة هو عداء تاريخى , أما اختلاف رؤى الثوار فيما بينهم فهو أمر حتمي ومبرر ومغفور , وان هذا الاختلاف يمكن ان نحوله إلى مصالحة وتفاهم لا الى دخول فى دوامة الفعل ورد الفعل.

ونظرا لاننى اعتبر نفسى واحدا من اكثر المحبين للرموز التاريخية للقومية العربية مثل الشهيد البطل صدام حسين , والزعيم الراحل جمال عبد الناصر , ومواقفهما الداعية للتحرر واحترام إرادة الشعوب وتضحياتها وحمايتها من كل مظاهر الاختراق , فقد صدمت بشدة من مواقف عدد من المحسوبين معى فى ذات الخندق ممن لم نراهم أبدا من قبل يعارضون مبارك حليف الصهيونية والماسونية والامبريالية وهو ينتهك الحرية ويحولها الى حق فى البكاء , ويحبس العدالة , ويقتل الكرامة القومية التى من المفترض انهم – اى الناصريون والقوميون – يدافعون عنها حينما ساند غزو العراق وضرب غزة وواحتلال جنوب لبنان وضربه عام 2006 وتضامن مع جنوب السودان ضد شماله العربي حتى تم الانفصال , وفرض الحصار على ليبيا والعراق وفتح سجونه لتعذيب المقاومين العراقيين وانتزاع الاعترافات منهم لتقديمه للامريكان – بحسب وثائق ويكيليكس -  وفتح سماءه لاستقبال الطائرات الأمريكية محملة بجرحى الأمريكان ليلقوا الرعاية فى المركز الطبي العالى ومستشفى السلام الدولى بينما يموت ملايين الأطفال والإباء والنساء فى العراق نزفا وحرقا وردما وقتلا وإعداما ونزفا , كل ذلك ولم نجد منكم من يرفع صوته ضد الرئيس مدينا تصرفه , ما لم يذهب الكثيرون منكم لإبراء ساحته والدفاع عنه , تارة بالصمت وتارة بمهاجمة "اللهو الخفي" وتارة بمعارضة تشبه التأييد هدفها امتصاص غضب الناس عليه , فأين عبد الناصر منكم ايها الناصريون؟

كيف تساندون مرشح المستبد المخلوع واحد ابرز رجال حاشيته , مرشح الثورة المضادة فى وجه مرشح احد فصائل الثورة؟ كيف ابدلتم مواقفكم وعداءكم , فانحزتم لعدو مؤكد فى وجه عدو محتمل؟  عدو تاريخى فى وجه عدو مؤقت ؟ كيف ساندتم الفاشية اللافكرية واللا أخلاقية اللصوصية المؤيدة لأمريكا وإسرائيل فى وجه من يختلف معكم فى الطريق ؟ اى سقطة تلك سقطتموها ؟ فانتم لم تستوعبوا بعد عبد الناصر ولم تفهموه حق فهمه ؟ وهذا هو ما ارجو ان تكونوا عليه حتى تتجنبوا الوقوع فى الخيار الخاص بأنكم لا ناصريون ولا قوميون وأنكم صنائع ومكائر أجهزة امن الديكتاتور المخلوع التى زج بها فى معارضته الشكلية؟

وهناك ما يعزز الاحتمال الأخير في أن العديدين منكم انحازوا منذ البداية لصالح الثورة المضادة فى وجه ثوار ميادين التحرير التى تعج بالقوميين والناصريين والشيوعيين والليبراليين والإخوان المسلمين وكل المصريين, بل ان الكثيرين منكم لم ينحز الى حمدين صباحى مرشح التيار الناصري, وقمتم باختلاق الاكاذيب حوله , فضلا عن الكثيرين منكم كانوا رافضين الثورة على المخلوع أساسا , فاى قومية تلك التى تتحدثون عنها واى ثورة تلك تنتقدون وناصر هو زعيم الثوار؟

انصحكم بأن تتطهروا ان كنتم وطنيين فعلا وناصريين فعلا , بان تنحازوا للثورة وتركبوا ركب الثوار , وتدعموا من ارتضاه الشعب رئيسا فى اول انتخابات حقيقية حدثت فى مصر منذ 7 الاف عاما , ادعوكم ان تكفوا عن الاساءة لناصر وتثبتوا للعالم كله ان عبد الناصر لم يكن ديكتاتورا ولكنه كان خيارا شعبيا , ومعبرا عن جموع الشعب , وانه يحترم ارادته مهما كانت .

ارحموا ناصر فهو منكم برئ.

****************************

الاعلام المصري .. وحرب الأجهزة الأمنية

نشر بتاريخ 28 حزيران (يونيو) 2012

سيد أمين

الآن اتضحت الصورة جيدا , وكشفت جزءا – واكرر جزءا - من مسببات تفجير ثورة 25 يناير المجيدة , انكشف الأمر من خلال تصرفات مجموعة من الإعلاميين الفاسدين , أدعياء البطولات الزائفة الذين كانوا يتصارعون دفاعا عن مصالحهم او مصلحة الأجهزة التى يعملون لحسابها , وراح كل فصيل منهم يحاول خداع الناس وجرهم للاصطفاف للقتال فى خندقه ضد الطرف الأخر أو بالاحري الجهاز الأخر , واهمين الناس بان دموعهم تلك ما هى إلا لأنهم  بأن يتباكون دفاعا عن الوطنية.

وفى أرجح الظن , ان ثمة حربا خفية كانت تدور رحاها بين طرفين اثنين ساهمت- بجوار عوامل أخري داخلية وخارجية -  فى تفجير الثورة , الطرف الأول يمثله الرئيس المخلوع متخذا من جهاز أمن الدولة , ذراعا الباطشة ومنفذه لأجندته بالإضافة إلى بعض الإعلاميين , وقد تضخمت قوة هذا الجهاز وراحت تمتلك أطنان الأوراق من أدلة الإدانة ضد عناصر الطرف الأخر , فى حين كان يتزعم الطرف الثانى اللواء عمر سليمان وعناصر مؤثرة من المجلس العسكري واليتهما الباطشة فى ذلك جهاز المخابرات والشرطة العسكرية وعدد كبير من كبار الإعلاميين فضلا عن قدرته على التفكير الاستراتيجي.

وفى الغالب إن الصراع بين الطرفين قد بدأ حينما استشعر الطرف الثانى حجم الغضب الشعبي الذى قد ينجم جراء سعى الطرف الأول بقيادة مبارك توريث جمال الحكم , مما يقضى على حالة الاستقرار الوهمية التي تعيشها مصر.

ويلاحظ هنا أن الطرف الثانى غير معترض على التوريث ولكنه يخشى على عدم امكانية إتمامه بالأمان اللازم , ويخشى فقط من هول الغضب الشعبى الذى قد يسقط النظام برمته ويفجر ثورة عارمة غير محسوبة التوجهات والتبعات.

استغل الطرف الثاني التوجه الامريكى لإقامة الشرق الأوسط الجديد فى الوطن العربي بزعامة  واجهتها الإسلامية "تركيا " والتى ترتبط ارتباطا وثيقا بحليفها الأصلي "إسرائيل" , وراحت تنفذ مخطط الانقلاب على نظام مبارك وجهازه الامنى , مدعومة فى ذلك برغبة شعبية عارمة للخلاص  من كل نظام مبارك وان كانت هى فى الأصل – اى الطرف الثاني - فعلت ما فعلته ليس من اجل الخلاص من النظام ولكن من اجل الحفاظ عليه , وإنها هدمت الجدار المعوج الأيل للسقوط  ليس من اجل إسقاطه كما توهم الناس ولكن من اجل إعادة بناءه ليكون أقوى وامتن.

وحتى لا يأخذنا الكلام  عن الهدف الاساسى , وهو الإعلام والإعلاميين , فقد صار عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين كمجرد  أدوات يسجل بها كل فصيل نقاطا فى سلة الأخر , وأحيانا لكمات وجهه , ذلك كان قبيل احداث الثورة لحين سقوط مبارك الذى سقط معه عناصر الطرف الاول وتمت تعريتهم جميعا فيما فضل بعضهم البحث عن رعاة جدد حتى لو كانوا الطرف الثانى.

راح الطرف الثاني يجند إعلامييه لتزعم تيار المقاومة , وابتلع جميع الشعب الطعم , فظنهم جميعا ينتمون لفصيل أصيل من المعبرين عنه , وحتى عندما راح مبارك يقاضي بعضهم ويسجنهم كما حدث فى قضية "صحة الرئيس ", راح التيار الثانى يعمل على كسب مزيدا من الأهداف مما حدا بمبارك أن يقوم بمحاولة إخراج كراتهم خارج الملعب عبر الإفراج عنهم إلا أن ما ناله وما ارتكبه من خطايا جعلت الجماهير لا تتحمس للعبته الجيدة .

ورغم ان قضية صحة الرئيس كانت تضم "أربعة شخصيات" ثلاثة منهم يعملون لحساب الطرف الثانى فيما يمثل الرابع وهو الدكتور عبد الحليم قنديل الفصيل الوطنى إلا أن عادل حمودة وإبراهيم عيسي كانوا أكثر النماذج وضوحا لتنفيذ تلك الأجندة من بين الصحفيين , ولميس الحديدي وهالة سرحان وتوفيق عكاشة من الإعلاميين.

فقد ذهب الجميع يحرضون بكل وقاحة وافتقاد للذوق ضد الرئيس الدكتور محمد مرسي  الذى جاء دون رضاء الأجهزة التى يعملون لحسابها بعدما استنفدت كل الحيل للحيلولة دون وصوله للحكم , لدرجة تجعل عادل حمودة يطلق على الرئيس لفظ "الفاحش" , فهل هذه هى الصحافة وامانة القلم التى تستخدمونها ضد رجل تعرفون تماما انه محاصر ومشلول الارادة بفعل من تعملون لحسابهم , بل تعلمون ان الحرس الجمهوري المكلف بحمايته هو فى الواقع يحاصره فى قصره ويتجسس عليه.

المدهش أن هؤلاء الإعلاميين الذين يحرضون على الثورة – اقصد الثورة على الثورة - ضد الرئيس الذى لم يجلس على كرسيه بعد , ويتهمونه باتهامات لا تليق بان توجه على الهواء مباشرة وعبر صفحات الجرائد السيارة للرئيس , وهو ما لم يفعلونه من قبل مع مبارك بحيث كانوا يتحسسون الكلمات ويهاجمونه بمنطق "الطبطبة" , المدهش ان دعاة الثورة الآن هم أنفسهم كانوا قبيل أيام من إعلان نتيجة الانتخابات يدعون لانتخاب منافسه الفريق احمد شفيق بحجة الاستقرار والعبور من أزمات الثورة وإننا "عاوزين نستريح ونفوق من المظاهرات والعجلة تمشى".

أقول لزملائي الصحفيين والإعلاميين انه يجب علينا ان نؤمن بالديمقراطية حتى لو أتت بمن يخالفنا الفكر , لأنه لو دامت لمبارك ما وصلت لمرسي , ولو دامت لمرسى فلن تصل الينا , فلطالما ارتضينا قواعد اللعبة فيجب أن نؤمن بنتائجها طالما اتسمت كل حلقاتها بالنزاهة.

أقول لزملائي اخرجوا من لعبة التربيطات واتفاقات الغرف المظلمة , نريد أن نتحرر ونتقدم ونستقل , لماذا تريدون أن يكون هناك أوصياء علينا , لماذا نكون رعايا لهذا أو ذاك بينما نحن مواطنون , فالثورة حولتنا من رعايا الى مواطنين وهذا اول درج التقدم.

أقول لهم انظروا حولكم , هناك أمم كانت تتلقى مساعدات مصرية علمية واقتصادية فى زمن ما , لكنها هى تقدمت بينما نحن نهبط لأسفل , فالهند لم تتقدم الا بالديمقراطية , وكذلك اليابان , واندونيسيا وماليزيا وتركيا وحتى ايران , كل تلك الأمم ارتضت قواعد اللعبة فيجب ان نرتضى بها نحن وننحى مصالحنا الشخصية جانبا .

**************************

محاكمة مبارك .. فضيحة القرن

نشر بتاريخ  2 حزيران (يونيو) 2012

سيد أمين

الآن اتضحت الصورة جيدا , وظهر جليا لمن تشرفت بمتابعتهم لكتاباتي طيلة أربعة عشر شهرا من عمر" الثورة المصرية" صحتها ,ها هو مبارك يحصل على حكم البراءة , براءة لبست ثوب الإدانة , براءة سيحكم بها فى أول جلسة أمام محكمة النقض , لأنه إذا كانت المحكمة "الوهمية" قد حكمت بالبراءة على جميع مساعدي وزير الداخلية ونجلى مبارك  من تهم قتل المتظاهرين , فبالقطع ستحكم بالبراءة على مبارك والعادلى , لأنه لا يعقل أن يكون الرجلين العجوزين قد خرجا بنفسيهما وقتلا ألاف المتظاهرين .

هو حكم سياسي من الدرجة الأولي , لم تراع فيه ابسط قواعد العدالة او حتى المنطق , سبقته شواهد تدل علي طبيعته قبل خمسة أيام من النطق به , أهمها جاءت من خلال تسريبات صحفية متعمدة نشرتها احدي الصحف المصرية الكبري الخاصة علي لسان إحدى الصحفيات وثيقات الصلة بجهاز امني حساس بضلوع جمال وعلاء مبارك فى عمليات تربح وفساد , ثم بعد يوم او يومين وجدنا النائب العام يحيل تلك الوقائع الى محكمة الجنايات , وكان الهدف استخدام تلك القضية لإبقاء المتهمين الاثنين قيد الحبس الاحتياطى المؤقت لحين امتصاص الغضب الشعبى جراء حكم البراءة فى قتل المتظاهرين , وبالقطع من ينجو من أحكام بقتل ألاف المتظاهرين سينجو من أحكام إهدار المال العام!!

ثانية المشاهد , أحكام البراءة التى استمرت فى الصدور فى كل محاكم مصر تجاه قتلة الثوار , الامر الذى يضع تساؤلا كبيرا : اذا كان هؤلاء جميعا براء من قتلة الثوار , فهل تري هناك فضائيون هبطوا من السماء شاهدهم العالم عبر الفضائيات .. هم من قتلوهم ؟

كما ان اختيار المستشار أحمد رفعت يضع تساؤلا اهم خاصة ان شقيقه عصام رفعت رئيس تحرير الاهرام الاقتصادي كان صديقا مقربا للغاية من مبارك واسرته , وانه ايضا كان مشرفا على صفقة تصدير الغاز لاسرائيل.

أظن ان الصورة الآن قد صارت واضحة تتماشى مع ما قلته سابقا , قلت أن ما يحدث فى عالمنا العربي يأتي فى أطار مخطط كوني واحد , مخطط "يرمم" النظم العميلة لأمريكا و"يهدم" النظم المعادية ويستبدلها بآخري موالية له , قلنا أن "ربيعنا العربي" هو استكمال لخطة بوش فى القضاء على " النظم المارقة".

وفى مصر ,هذا البلد الأحق والأولى بالثورة , قلت ان ثورته كلها مسرحية هزلية من أجل ترميم نظام مبارك لا هدمه , من اجل تقويته وتحصينه من اى انهيار مفاجئ غير محسوب العواقب , من أجل إطالة أمد الهيمنة الأمريكية على مصر ,واستمرار ذات العصابة الداخلية والخارجية فى استنزاف مواردها وتحويلها الى الخارج أولا بأول , فضلا عن تجهيل شعبها وتسطيح وعيه  من أجل أن يستمر تخلف مصر عن القيام بدورها العربي والاقليمى والعالمي وتستمر سوطا  يجلد  الراغبين فى الفرار من الحظيرة الأمريكية.

لكنها مسرحية مأساوية وقودها دم الأبرياء الذين اندمجوا فى العرض وصدقوا أن إرادتهم هي التي خلعت وثبتت , وأنها هي التى تغير وتفعل , فراحوا يندفعون داخل المشهد , بينما يتلقفهم محرك "عرائس الماريونت" من خلف ستار ليجعلهم جزءا من عرضه المبهر , تارة أبطالا وتارة كومبارسات , تارة ضحايا وتارة جناة , تارة مظلومين وتارة ظالمين وفى كل الأحوال هم لا يغيرون شيئا , لأن كلمة النهاية كتبت قبل ان يبدأ العرض أصلا.

 لم يحدث فى التاريخ أن ثار شعب من الشعوب الحية على نظام حكم فاسد ثم عاد ليختاره مجددا , اللهم إلا إذا كان ذلك من شطحات المؤلف "الفاسد" للعرض واستعراضا لقدراته الخارقة وتمكنه من أدواته , ومن تنفيذ بنات أفكاره "الجهنمية" , التى تجعله يجري انتخابات لمجلس شعب لم يعترض عليها أحد ليأخذها حجة على نزاهة انتخابات مزورة للرئاسة, ومن خلال الصناديق وبديمقراطية "شكلية" كاملة ونزيهة , وان كانت جوهريا هى مزورة بشكل غير مسبوق , من خلال إضافة أصوات الملايين فى كشوف الناخبين على خلاف الحقيقة .

ورغم ان أصوات الأغلبية ذهبت لتأييد مرشحى الثورة إلا أن تمكن المؤلف من أدواته جعله يسمح بان تكون للانتخابات جولة إعادة بين أقليتين , أحلاهما مر , إما مرشحه وإما مرشح الإخوان المسلمين , وبذلك يكون قد أهدر الثورة وأصوات الثوار.

وأنا فى الحقيقة اعتبر انه من الجور الشديد أن نسوي بين مرشح نظام مبارك ومرشح الإخوان المسلمين , فنحن جميعا ومن بيننا الإخوان ضحايا لهذا النظام , ومن المفروض على الثورى الحق ألا يؤدى عملا يزكى به شفيق على مرسى , فشفيق هو مرشح النظام الذى يعد العدو الأول للثورة , أما مرسى فهو ابن تنظيم يعد مكونا رئيسيا من قوى التغيير فى مصر , حتى لو اختلفنا معه إيديولوجيا , كما ان ثورتنا لم تقم فى الاصل ضد الاخوان المسلمين بل قامت ضد الحزب الوطنى ولجنة السياسات اللتان ينتمى إليهما شفيق.

ولو هدانا رشدنا لعمل الأصوب, فى تلك اللحظات الفاصلة فى تاريخ مصر , والتى تعود بها الى اجواء النكسة 1967 .. لقدم كافة المرشحون الثوريون الذين لم يسمح "المؤلف" بفوز اى منهم ومعهم أيضا الدكتور محمد مرسى اعتذارا للشعب عن خوضهم تلك الانتخابات الرئاسية ومشاركتهم فى تمثيل دور الكومبارس والمحلل لتوصيل تلميذ مبارك النجيب أحمد شفيق الى كرسى الحكم , فى انتخابات لا نزاهة فيها , ولا سلطة لأصوات الشعب عليها .

حال سبيلنا حينئذ كمن يتساءل " إذا كان مبارك الطيار قد حكم مصر أكثر من 30 عاما بالظلم والقهر فتري فكم من السنين وبأى وسائل من القهر سيحكمنا الفريق شفيق الذى بنى المطار نفسه ؟".

الثورة الحقيقية يجب ان تبدأ الآن , فقد انحرفت عن مسارها منذ عام ونصف العام , تكبدنا خلالها الدم والجهد والعرق وفقدان الأمن ويجب ان نستقر بالخلاص النهائي.

لفتة :

بينما كنت اقلب اوراقى القديمة , وقعت يدى على قصاصة ورق تتضمن ابيات شعر كتبتها فىعام 2009 أثناء تصاعد حملة التوريث , ابيات لم تكن مضبوطة جيدا لكننى ارتأيت ان انشرها لكم لكونها تجسد ما يحدث فى مصر الأن .. واعذرونى على عنف الفاظها :

شالوا الملك ..

جابوا الملك.

متورثة ..

وتملى ماشية بزمبلك

متسخرة ومحكومة من برة ..

 بريموت.

واى كلب شوقه يركب ..

 يركبك.

والخلق عايشة ورب العزة ..

عيشة موت.

ورغم ده مملوكة دايما ..

لم تمتلك.

قال أهرامات وحضارة ..

سابقة الكون.

ونسيوا إن إحنا كمان..

بلاد فرعون.

بلاد تاريخها كله ..

مقصلة وخوازيق.

وناس تنفرم لجل غيرها..

يترسم بالذوق.

*************************************

الثورة .. وأرض النفاق

نشر بتاريخ  16 نيسان (إبريل) 2012

سيد أمين

هل قرأتم قصة " أرض النفاق" للرائع يوسف السباعي والتى تم انتاجها فيما بعد فى عمل درامى قد لا يرقى لدرجة ما تتضمنه تلك القصة من مدلولات عميقة من خلال الغوص فى النفس البشرية وما يعتمل داخل الادمغة والنفوس من صراعات بين الخير والشر وتقديم البعض مصلحتهم الشخصية على مصلحة المجتمع بل والاقدام على تحطيم المجتمع كله ان كان الامر سينتقص ولو جزءا يسيرا من طموحاتهم.

لا أدرى لماذا لا تبارح تلك القصة مخيلتى طوال الاشهر السابقة  بل وتحديدا منذ قيام الثورة فقد تعري الجميع ولم تعد تنفعهم أدوات الخداع التى كانوا يتدثرون بها طوال سنوات طويلة مضت ونزعوا دونما دراية اقنعتهم وصار الجميع عراة دون خجل ولا حياء  وكأن طول خداعهم لمن حولهم جعلهم هم انفسهم صدقوا ما يكذبون به علي الناس.

مع بداية الثورة ظهر جمال الجميل وقبح القبيح حينما تجرد البسطاء من ذواتهم وراحوا يفدون وطنهم بأرواحهم مظهرين جمالا كان مطمورا فى دواخلهم تحت وطأة الظلم والفقر والاستبداد وفى المقابل كشف من يسعى الاعلام تسويقهم كوجهاء عن نفاقهم وانتهازيتهم وخيانتهم للشعب وانحيازهم السافر لمصلحتهم الخاصة فأدرك الشعب ان هؤلاء "الوجهاء الأشرار" من قادة احزاب وهمية أو كرتونية واعلاميين فسدة وفنانين جهلة ساهموا فى الانحطاط بوعى الناس وتغييبهم وبرلمانيين وصلوا للكراسى بتزوير ارادة الشعب ما هم الا وجها اخرا من وجوه الاستبداد التى كان يحكمنا بها المستبد الاكبر الذى خلع غير مأسوف عليه.

ولما انتهت مرحلة خلع الطاغية وظن هؤلاء الوجهاء الاشرار ان ولى امرهم صار فى ذمة التاريخ راحوا يهرولون خلف الثورة بل صاروا اكثر ثورية منهم عل وعسى أن تستمر اقنعتهم فى اداء وظيفتها القديمة لخداع الناس لكن هيهات فاجمل واعظم ما احدثته الثورة انها أعطبت كل أدوات الخداع وصار الناس يميزون من أول وهلة وأول كلمة بين المخادع والصادق الاجير والوطنى الانتهازي والايثاري على النفس.

 حبوب "الحقيقة" التى تجرعها الشعب بعد الثورة جعلتهم قادرون على كشف كل مراحل وأطراف ورجالات الخداع والانتهازية فادركوا بفطرتهم الذكية دور المجلس العسكرى فى قيادة  الثورة المضادة وجهوده الحثيثة والمدروسة للعبث بكل مراحل التطور الديمقراطى وتشويه كل ما يمت للثورة من ثوار وافكار وتقسيمهم الى كتلتين كبيرتين عبر استفتاء دستورى " ثبت فيما بعد انه غير دستورى" ثم تقسيم المقسم الى عشرات الكيانات المجهرية أسماها أحزابا دس بينها رجالاته  واستخدم البعض للهجوم على البعض أعقبها تصنيع ازمات طاحنة فى لقمة العيش والسولار والاسمدة وغيرها ثم تلاها تصنيع حالة انفلات امنى اراقت من دماء الشعب اكثر مما اريق فى احداث الثورة أو ربما فى عهد مبارك كله.

 وكشفت تلك الحبوب عن انتهازية ابداها بعض اصحاب تيارات الاسلام السياسى حينما تركوا الثوار لمفرمة المجلس وتفرغوا هم لجنى المكاسب السياسية للثورة واستجابوا بشكل كبير لدعايات التخوين التى أطلقت تجاه الصادقين من أبناء الحركة الثورية ولكن لا يحيق المكر السئ الا بأهله حينما أدار المجلس العسكرى الذى يتحكم فى الجميع كعرائس الماريونت ظهر المجن لهم فراحوا يسعون للم الشمل مجددا واخذ بعضهم يتطهر من تلك الانتهازية وراح الاخرون يعذرون  بجهلهم السياسى.     

كشفت الاحداث ان حركات مثل "6 ابريل"و"كفاية" و" الوطنية للتغيير" و"الثوريون الاشتراكيون "  كانوا ولا زالوا من اعظم الحركات الثورية فى تاريخ مصر وانهم الوحداء الذين تجاوزوا حدود المصلحة الشخصية الى مصلحة الوطن وان رؤى بعضهم - مع تحفظنا على بعض منها - كانت الاصوب والاصدق رغم ما تعرضوا له من حملات اعلامية تهدف لتخوينهم وتنفير الناس منهم , خاصة ان تلك الحركات لم تغير جلدها قط لا قبل الثورة ولا بعدها فصاروا بحق دليلا على كفاح الشعب المصري من اجل الخلاص من كل معوقات التحرر.

ادرك الناس انه لا يعنى ان يكون الدكتور محمد البرادعى ليبراليا انه عميلا لامريكا فهذا ظلم شديد للرجل الذى ظل يقاوم عملاء امريكا فى اوج قوتهم وفتح بانحيازه الى الشعب ثغرة كبيرة فى جدار الاستبداد الذى شيده وحصنة مبارك وزبانيته , وكذلك لا يعنى ان يكون المهندس الدكتور ممدوح حمزة الاستشارى العالمى منحازا لرؤية ناصرية راديكالية اشتراكية انه محرضا على بلاده فهذه وجهة نظر مقبولة ومعذورة لا سيما انها تأتى عقب استبداد نظام متعفن ومتجذر منذ عشرات السنين وكذلك لا يعنى ان يخلص الدكتور علاء الاسوانى او الدكتور عمار على حسن او الاعلامى القدير يسري فودة والدكتورعبد الحليم قنديل وامثالهم الكثيرون للثورة انهم عملاء فهم يقومون بدورهم الاجتماعى فى تنوير الناس وتحليل المشهد السياسى لهم وان كان ثمة عيب فهو ليس فيهم ولكن فى هذا المشهد السياسي , لقد كان لهؤلاء وتلكم الحركات الثورية الفضل الاول فى احداث تلك الثورة حينما ناضل جلهم - ليس كما فعل المتحولون- فى اعتى عصور مبارك اجراما وليس بعد زواله.             

وكانت أكثر مشاهد الفترة الانتقالية او بالاحرى الانتقامية اثارة حينما زج المجلس العسكرى بالرجل الذى خدم مبارك 22 عاما كوزير للمخابرات اللواء عمر سليمان فى مشهد السباق للرئاسة , هنا بدأ الناس يربطون بين المشهد لا سيما تلك التى جائت مبتورة فى اول الفيلم مثل المادة 28 من الاعلان الدستورى التى تحصن لجنة الاشراف على انتخابات الرئاسة من  الطعن على قراراتها وكذلك المواد التى تحصن القضاء وميزانية الجيش وتحد من سلطات البرلمان لتجعله مكلمة , وتفسر كذلك تلكؤه فى اصدار قانون "العزل السياسى " طوال الفترة الماضية من عمر  الثورة وغيرها الكثير والكثير ليبدو للجميع ان المجلس العسكرى ادار المشاهد كمؤلف سينمائى بارع يتحكم فى الجميع كعرائس الماريونت ومن خرج عن طوعه منهم فهو قطعا خائن وجب تشويهه وتعريض حياته للخطر.. لقد قلت مرارا وتكرارا فى مقالات سابقة  ان تلك  الثورة تحولت الى  ترميم لنظام مبارك وليس هدما له , بطلها المجلس العسكرى يعاونه فى ذلك بعضا من المعارضين المزيفين والنخبويين الشائهين الذين عرفهم الشعب ولفظهم بوصفهم رجالا لكل العصور.

*****************************

لهذه الأسباب .. عمر سليمان يساوى انتخابات مزورة

نشر بتاريخ  11 نيسان (إبريل) 2012


 سيد أمين

قبل كل كلام نقول ان اللواء عمر سليمان لا زال يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات ولا صحة بأنه استقال منه حيث يتردد على مكتبه يوميا.. هذه واحدة .. اما ترشحه للرئاسة فيعنى ان الناس ستنتخب من تحب ان تصوت له .. وكمبيوتر وزارة الداخلية سيصوت لصالح سليمان .. بمعنى انه لو وفرت الداخلية قرابة الفي شخص فقط فى كل محافظة من محافظات مصر السبعة والعشرين ..سيكون الاجمالى 54 الف شخص  .. ناهيك عن إمكانية زيادة هذا العدد .. وقامت بتكرار كل اسم منهم فقط مائة مرة فى الكشوف عبر لجان كل دائرة  .. سيصبح اجمالى أصواتهم نحو خمسة ملايين و 400 ألف صوت .

ولو أضفنا إلى ما سبق احتمال تكرار ذات الأمر فى أصوات المصريين فى الخارج فقد يحصل على مليون صوت ليصبح الاجمالى ستة ملايين و400 ألف صوت.

ولو أضفنا اسر مجندي الداخلية والشرطة والذين يقدرون بنحو مليونيين ونصف المليون شخص وافترضنا ان لكل فرد أسرة مكونة من أربعة أفراد سيكون اجمالى أصواتهم نحو عشرة ملايين صوت ستذهب بالأمر المباشر إلى سليمان .. ومع إضافتهم إلى ما سبق سيكون اجمالى ما يحصل عليه سليمان 16 مليون صوت و400 ألف صوت .

ومع حالة التفتيت التى تجرى للأصوات ستكون كتلة أصوات سليمان هى الأكبر بين المرشحين.

والحلول تتمثل فى الإصرار على تفعيل قانون  العزل السياسى مع توحيد القوى الثورية فى كيان واحد إن أمكن و المطالبة بمراجعة كشوف الناخبين ومضاهاتها بما سيتم التصويت عليه فعليا والاستمرار فى حالة التظاهر والعمل الثورى.

وفى حال تمكن التيار الثورى من التغلب على الصعاب السابق ذكرها وتفويت الفرصة على الفلول من الالتفاف على الثورة .. من المتوقع حينئذ أن تشهد البلاد حالة من "مفتعلة" من الاضطراب الامنى والسياسي  يصبح لزاما على المجلس العسكرى وقتها إلغاء مجلسى الشعب والشورى والانتخابات الرئاسية ولجنة الدستور والدعوة لإدارة البلاد عسكريا لفترة انتقالية أطول يكون الهدف منها تهيئة المناخ لاستمرار نظام مبارك ولا يستبعد أن يدفع المجلس العسكري بافتعال حرب " وهمية " مع إسرائيل ودفعها لإعادة احتلال المنطقة "ج" فى سيناء, وبالتالى يدعو الشعب للتوحد خلفه لإدارة المعركة التى لن تحدث.

ومن شواهد الدفع إزاء هذا المشهد .. افتعال حادث إطلاق نار من مجهولين ضد مؤيدي عمر سليمان فى العباسية .. وتناولت وسائل الإعلام  ذلك بشيء من الإسهاب بل وقاموا بذكر أعداد للمصابين جراءه .. إلا أن شهود عيان –  من الصحفيين  - أكدوا انه لم يحدث مطلقا اى إطلاق للنار .. بل كانت مجرد العاب نارية .

البعض اعتقد إن تلك الهدف وراء تلك الأكذوبة خلق انطباع بأن هناك قوى من نظام مبارك تعادى "عمر سليمان" وبالتالى تسويقه كرجل ثورة .. ولكن الحقيقة وهى ما أخشاها أن يكون الأمر تصنيعا للهو الخفى .. الذى إذا فشل فى قتل سليمان هذه المرة .. فقد ينجح فى قتل اى من مرشحى الرئاسة فى المرة القادمة لاسيما حازم صلاح أبو إسماعيل أو أبو الفتوح أو حتى حمدين صباحى او عصام سلطان .

ومما يؤكد هذا الاتجاه قيام عمر سليمان باتهام جماعة الإخوان المسلمين بأنها تحاول اغتياله .. وبالتالي فان اى عمل ضد هذه الجماعة سيصبح مبررا , فضلا عن انتشار انباء عن عمليات تسليح تجرى فى عدد من المحافظات لأنصار عمر سليمان.. لاسيما فى قنا  والجيزة .

**********************

الاحتمالات الأربعة لما يحدث فى مصر الأن

نشر بتاريخ  28 آذار (مارس) 2012

سيد أمين

ما يحدث في مصر الآن وصراع العسكري مع الإخوان المسلمين  لا يتعدى أن يكون واحدا من أربعة احتمالات:

الاحتمال الأول  أن يكون الأمر مجرد  مخطط لإعادة " تحشيد القوي " والاستقطاب  وإعادة الثقة الشعبية بقدرة المجلس العسكرى سواء أو الإخوان كل فيما يخصه على حشد الجماهير المنفضة عنهما مجددا لصالح اى منهما  وان اى قرار لأى منهما لم يعد مبنيا لصالح الفئة الأخرى كما كان .. وهو بالطبع ما يعود بالفائدة على الطرفين.. حيث ستلجأ القوى المدنية "مجبرة" بالوقوف مع صف العسكرى رغم إنها صاحبة النزاع الأطول معه.

الاحتمال الثاني أن يكون الأمر "انقلابا ناعما " من قبل المجلس العسكرى على الثورة مستفيدا فى ذلك من لعبة "ضرب القوى بعضها البعض" وإنهاكها وفض عامة الشعب من حولهم وهى اللعبة  التي قام من خلالها باستعمال التيار الاسلامى لفترة طويلة منذ اندلاع الثورة عبر انحيازه السافر لها فى ضرب القوى المدنية "قوميين ويساريين وليبراليين " وحينما تحقق الحنق الكبير ضد تلك القوي , راح يقلب يديه ويستعملها ضد الإسلاميين وبالقطع وجد التيارات المدنية تقف معه.

الاحتمال الثالث أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد غيرت سياستها فى المنطقة العربية وتوقفت عن إنشاء التكتل الاسلامى "المؤقت" فى مواجهة التكتل الشيعى فى الخليج وإيران.

خاصة ان الولايات المتحدة كانت تبغى من إقامة هذا التكتل عمل حائط صد يحول دون التغلغل الايرانى فى المنطقة العربية لحين قيامها بتدمير النظام الايرانى ضمن مسرحية "الربيع العربي" وبالتالي تعود مجددا لتدمير تلك النظم الإسلامية عبر استعمالها كذرائع لإثارة النزعات الطائفية والدينية مما يتيح للقوى الغربى التدخل العسكري لضرب الإسلاميين  وتقسيم العالم العربي.

ولعل الغرب عدل من خطته تلك اثر عدم وثوقه في نوايا الإسلاميين من ناحية او بعد تأكده إن الحلف الذي يجمع بين سوريا وإيران ولبنان عصى على الانهيار مع الصمود الروسي والصيني معهم وهو الحلف الأهم المراد تدميره فى عالمنا العربي .. وكذلك بعدما دعت قوى دولية مناوئة لأمريكا إلى إنشاء دولة كردستان المستقلة  الأمر الذي بالقطع سيضير"تركيا" الحليف الاستراتيجي.

إزاء كل ذلك فكان يجب تعديل المخطط وهو بالقطع ما انعكس على موقف العسكري من الإسلاميين بشكل مفاجئ فى مصر, وما يعزز تلك الرؤية ان فرنسا رفضت دخول القرضاوي إليها وتلاه قيام  دولة الإمارات العربية بشن حملة عدائية ضخمة ضده وضد الإخوان وهو بالقطع موقف حصل على الإشارة الأمريكية الخضراء.

الاحتمال الرابع أن يكون هناك اختلافا بين العسكري والإسلاميين فى مصر على مرشح الرئاسة نجم عنه تخوف الإسلاميين من قيام حكومة الجنزورى بتزوير الانتخابات "عبر حاسوب وزارة الداخلية " لصالح المرشح الرئاسي المدعوم من العسكري وبالقطع سيقوم هذا المرشح بعد فترة من توليه السلطة بحل البرلمان والعمل على منع الإسلاميين من دخوله مجددا بعدما استعملهم العسكري في تفتيت وحدة الثوار طوال العام المنصرم ولما تسنى له ذلك حان الوقت  له يعلمهم درسا من دروس "سنمار" ويلقى بهم فى سلة المهملات.

هذه هى الاحتمالات الاربعة لما يحدث فى مصر الان .. ولكن علينا ان نتأكد من ان المجلس العسكرى لن يترك بأى حال من الاحوال الفرصة لأي مرشح رئاسي غير الذي يرضاه هو بالحصول على هذا المنصب وانه إذا تأكد له صعوبة حدوث ذلك قد يلجأ الى افتعال مشاحنات حدودية مع إسرائيل ينجم عنها اكتساح اسرائيلى لمناطق على الحدود المصرية وبالتالي يقوم المجلس بإلغاء الانتخابات الرئاسية وفرض الأحكام العسكرية وحل مجلس الشعب تحت زعم حماية الوحدة الوطنية وإتاحة الفرصة لمنع الاختلاف والصراع السياسي الداخلي.. وهنا سنصل إلى المشهد الأخير من مشاهد الثورة المصرية التي تم إجهاضها .. حيث سيتم تبرئة جميع المتهمين من رجال مبارك وستلفق التهم لجميع الثوار والنشطاء وهنا سنصل الى المشهد الأخير من مشاهد مسرحية "ترميم نظام مبارك "ولكن بدون مبارك.

ولانقاذ الموقف : فاذا كان الإسلاميون جادون فى مسعاهم الأخير فعليهم ان يتنازلوا عن خطة الإقصاء للاخر , وقتها سنقول عفا الله عما سلف وتبدأ جميع القوى من أول السطر لاستكمال الثورة التى عصفت بها الريح فى حرب القبائل والشيع والاحزاب.

**********************

الشيعة .. ضحايا التاريخ

نشر بتاريخ  9 آذار (مارس) 2012

سيد أمين

كنت قد فرغت لتوي من قراءة كتاب ثري بالأفكار بل المواقف الدينية والتاريخية الإسلامية والعروبية التى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس بين الشيعة العرب وأبناء السنة غير الذي بين الشقيق وشقيقه , ولعل عمق اقتناع المؤلف بهذا الاستنتاج جعله يضع تلك العبارة ملحقة بعنوان الكتاب نفسه.

يحمل الكتاب عنوان "ضحايا التاريخ " وهو عنوان شديد التوفيق لكونه يعكس مضمون الحالة التى تناولها المؤلف والتى نجح من خلالها لحد كبير فى إقناع القارئ بصدقية طرحه .

وما يلفت الانتباه بشدة فى هذا الكتاب الرائع أمرين اثنين , أولهما مؤلف الكتاب وهو الشاعر العراقى "أسعد الغريري" ذلك الرجل دمث الأخلاق , رقيق المشاعر , الذى دائما ما ذوبت أشعاره قلوب العاشقين حينما انشدها المطربون لاسيما القيصر "كاظم الساهر" , والذى كانت أحاسيسه متسقة مع مبادئه الثابتة حينما اتشحت العراق بالسواد وسال دم أبنائها الطاهر ليخضب طرقات بغداد وما تلاها من أحدث فى ليبيا وسوريا وغيرها من بلاد "الثورات العربية"  فراح يكتب أروع أشعار المقاومة  انحيازا للمشروع الوطنى والقومى العربى فى مواجهة المشروع الصهيوأمريكى – الصفوى , ومن ثم عبرت المواقف عن تلك القناعات فراح يرفض العودة الى العراق "المحتل إيرانيا بعد الجلاء الاسمي للاحتلال الأمريكي " حتى لو كان المنصب وزيرا للثقافة.

وثانية المفلتات – وان كنا لم نعطه حقه فى وصف الملفتة الأولى – أن الكتاب لم يستقى معلوماته من مراجع خاصة بخصوم " المذهب الشيعى" ولكنها معلومات مستقاة من كتب عبرت عن قناعات "المراجع الحقيقيين " للشيعة العرب والتى تؤكد أنه لا خلاف فى الأصول بينهم وبين السنة ولكن الاختلاف وضع وضعا فقط على يد علماء المشروع الصفوى الفارسى لخدمة إغراض السياسة وهى ما يستنكرها علماء الشيعة العرب وكل شيعتهم.

ولما كان العراق والعراقيون قد دفعوا ثمنا باهظا من دمائهم وأموالهم وأمنهم جراء صراعات الساسة ومن يدور فى فلكهم من رجل الدين شيعة وسنة ’ راح المؤلف يضع اهداءا معبرا ( إلى كل أولئك الذين يقفون الآن على أبواب جهنم (من الإحياء والأموات) وممن أركبتهم كتب التاريخ الشوهاء صهوة جواد الشطط فقرؤوا وتعصبوا ودعوا "مبنى للمجهول" ولم يستجيبوا فضلوا طريق الحق وانتهت بهم رحلة التيه الى ما هم عليه الآن ..ولات ساعة مندم ).

استهل الغريري كتابه بحديث الإمام على "كرم الله وجهه" : لقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء الا عن علة تحتمل تموية الجهلاء أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم , فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علة .

الكتاب يتضمن عشرة  مباحث او فصول وبابين , فى المبحث الأول " محاكمة الخبر ومقاضاة الأثر " استعرض المؤلف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتفق عليها فى المذهبين مضيفا إليهما أقوال الإمام على عن خشيته من تحريف مواقفه وتأويلها على غير مقصده من بعده , ونلفت هنا الى أن الكاتب نجح من الوهلة الأولى عبر الدلائل العقلية والنقلية الثابتة فى تأصيل طرحه تاريخيا عن ان الخلاف بين أنصار المذهبين مصطنع.

وتحت عنوان " الإمامة " رصد المؤلف حرص علماء الطائفة الصفوية على تأصيل "الإمامة وجعلها ركنا من أركان الدين مثلها مثل التشهد بالله ورسوله وإيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والحج وذلك خلافا لما يؤمن به شيعة العرب الذين يرون ى ذلك غلوا.

وفى المبحث الثالث " حقيقة ما جري " راح المؤلف يروي تفاصيل المؤامرة التى تعرضت لها وحدة المسلمين على يد المشروع الصفوي عبر التاريخ , مرصعا شهادته تلك بأحاديث وأقوال كبار علماء الدين الشيعة العرب المعتبرين كالصفار والشريف الرضى والنوبختى والشهرستانى والأشعري وغيرهم وهى شهادات حاسمة تنفى الولاية "الإمامة " وتنسب نشأتها الى عبد الله بن سبأ  اليهودى الموتور الذي تنكر فى الإسلام , بل ويشهدون - اى هؤلاء العلماء الكبار - بابي بكر وعمر بن الخطاب وسائر صحابة الرسول.

ورابعة المباحث "مظلومية الزهراء" استعرض فيها الكاتب رؤية "الطائفة الصفوية" حول مظلومية الزهراء وزوجها الإمام على والتى خلص فيها إلى أن الطائفة جهدت فيها الى تبرير الهجوم على صحابة الرسول الكريم , وهنا استعرض الكاتب رؤية تاريخية ودينية معمقة  تؤكد تحريف تلك الروايات والغريب ان هذه الرؤية مستقاة كتب الطائفة الصفوية نفسها فضلا عن كتب عموم الشيعة.

وما جري من تصويب لرؤية الطائفة الصفوية حول مظلومية الزهراء جري أيضا فى تصويب البيعة فى المبحث الخامس "البيعة" وما جري فيها فاصلا الصادق من الكاذب , مذكرا بمئات  الأحاديث التى وردت على لسان علماء الشيعة حول الصحابة ومنها ما جاء فى عيون الرضا لابن بابوية القمى ص313 - الجزء الأول أن الإمام على قال ان أبا بكر منى بمنزلة السمع وان منزلة عمر منى بمنزلة البصر ,وكذلك ما رواه المجلسى فى 2/ 621 من حياة القلوب عن على قال لأصحابه "أوصيكم فى أصحاب رسول الله ,لا تسبوهم , فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا فى الدين شيئا ولم يوقروا صاحب بدعة , نعم أوصاني رسول الله بهؤلاء , وكذلك ما ورد عن الإمام محمد الباقر نقلا عن الاحتجاج للطوسى انه قال "لست بمنكر فضل ابى بكر ولست بمنكر فضل عمر ولكن أبا بكر أفضل من عمر".

وفى المبحث السادس "إنما المؤمنون إخوة" عرج المؤلف إلى عشرات بل مئات الأحاديث التي أوردها علماء الشيعة والسنة  الكبار التي تحث على وحدة المؤمنين وحرمة دمهم بعضهم البعض سنة وشيعة , خالصا ان الطائفة الصفوية فقط لا غير هى التي تناصب السنة العداء.

وفى المبحث السابع "إساءات المؤسسة الصفوية لأل بيت النبى" استعرض مواقف تلك الطائفة من أل البيت ولم تكف إساءاتهم حتى الرسول الكريم نفسه فضلا عن الإمام على الذي لقبوه بوليد الكعبة حيث اتهموا والدته بأنها استغاثت بأصنام الكعبة لتسهيل ولادته وغير ذلك من خزعبلات طالت بيت النبى.

وفى المبحث الثامن والأخير "العداء الفارسى للعرب" وهنا استحضر الكاتب حزمة كبيرة من المأثورات الفارسية بل ومن أحاديث علماء الطائفة الصفوية حيث تفوح أحاديثهم برائحة كراهية غير متوقعة وغير معقولة للعرب فها هو المجلسى يقول فى كتابه بحار الأنوار 5/333 اتق شر العرب فان لهم خبر سؤ وقال فى نفس المرجع 52/349 "ما بقى بيننا وبين العرب الا الذبح .

كما امعنوا فى الاساءة الى مصر "60/211 من نفس المرجع " وقالوا انتحوا مصر ولا تطلبوا المكث فيها لأنه يورث الدياثة " وفى 60/208 قال ان ابناء مصر لعنوا على لسان داود فجعل الله منهم القردة والخنازير , وجاء فى تفسير العياى 1/304 "ما غضب الله على بنى اسرائيل الا وادخلهم مصر وما رضى عنهم الا واخرجهم منها الى غيرها.

وفى المبحثين الاخرين استرسل الغريرى فى الحديث عن الدولة الصفوية ومأخذها ومروياتها وامجادها التى بنيت على البغضاء والغل الموجه ضد العرب ونبيهم وسادة حكمهم .

اما الباب الثانى فقد ناقش الكاتب عقائد الشيعة الصفويين والخرافات التى تروج لها ورؤية الشيعة فى  عقيدة التجسيم وربوبية الامام على والولاية التكوينية وتحريف القرأن وعلم الغيب والعصمة والبداء ونور فاطمة وعقيد الطيتة وفدك والمتعة وولاية الفقيه وتعطيل عقيدة الجهاد والقضاء والقدر والخمس وظهور المهدى واحزان عاشوراء والتطبير وغيرها متناولا لها بشىء من التحليل والنقد الذهنى الذى يفضى بعدم عقلانيتها.

دافع "الغريري" لكتابة هذا الكتاب المهم نبع من حالة إيمانية عميقة تجذرت بداخله إعمالا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إذا ظهرت البدع ولعن أخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره , فان كاتم العلم يومئذ ككاتم ما انزل الله على محمد " ويأتي مع حالة البحث عن خلاص من هذا التيه الذى يعانيه عالمنا الاسلامى كافة والذي تجلت أبشع صوره فى حمام الدم العراقى المتواصل بعد سقوط دولته الوطنية عام 2003 , وانتهاج ساسته الجدد أساليب المغالبة وهى بالقطع أساليب لا تضمن أبدا الاستقرار ولا ينتج عنها الا مزيدا من الكر والفر.

**************************

هى لك .. سيادة البلطجي

نشر بتاريخ  6 آذار (مارس) 2012

سيد أمين

الآن صرت على ثقة أن الثورة المصرية فشلت, لعن الله من أفشلها , واقتلع معها أحلام البسطاء فى العيش كبشر لهم ادني الحقوق التى كرم الله عز وجل الإنسان بها ,  الفساد فى الأجهزة الحكومية عاد اشد شراسة وتجاوزا وقسوة , واستأثر البلطجية والمسجلون بحكم مصر , حيث توارت دولة القانون وغابت مراكز الحماية , وتسيدت شريعة الغاب .

أنا فى الحقيقة متأثر بشدة بعدة وقائع عايشتها الأيام القليلة الماضية , وقائع لا تخص النخبة وهؤلاء الذين يبرزون فوق سطح المياه المصرية إلى تبدو صافية وحالمة ورقيقة وتنشد دولة العدالة  والقانون , إنما هى وقائع تدركها بسهولة بمجرد الغوص في عمق تلك المياه , ستجدها مياه أسنة بل عفنة , لا يصلح معها كلام أولئك الذين يتحدثون عن الحلم الثوري فقط ولكن ينبغى ان يتم التخلص منها جملة وتفصيلا وهذه نبذ لنماذج من تلك الوقائع.

هى فوضى

"أم إبراهيم" سيدة تبلغ من العمر نحو الستين عاما , لديها ابنين صغيرين وثلاثة بنات إحداهم مريضة بالسرطان , كانوا جميعا يقطن في إحدى المناطق الشعبية فى حلوان , شاء حظهم العاثر أن يكون جارهم احد أمناء الشرطة , بل بلطجي , راح يتقدم للزواج من ابنتها  الكبرى  , ولما  رفضت تلك الزيجة وراحت تتزوج من احد أقاربها , هنا بدأ "الشايب"- وهذا اسمه-  يعيد تكرار فيلم "هى فوضى" بكل حذافيره ,من تعرض بالضرب لها ولأبنائها , وشكاوى كيدية بالاعتداء على "مسجل خطر" أرسله مع آخرين لترويعهم فى مسكنهم - لاحظ سيدات يعتدين على بلطجى - وتلي ذلك شهود زور بالجملة يشهدن بصحة الواقعة رغم أن كل من يقطنون فى الحارة يؤكدون زيف الاتهام , والأنكى محامون يرفضون الترافع عنها وعن أولادها لأن كل المحامين فى الدائرة يعملون حسابا لأمين الشرطة لكونه يقوم بتوريد الزبائن إليهم من أصدقائه تجار المخدرات .

قامت السيدة بترك بيتها وسكنت فى مدينة 15 مايو القريبة إلا أنها لم تسلم من بطش "الشايب " حيث راح يتعقبهم هناك مستعينا بار تال من المسجلين والبلطجية , ولما ذهبت السيدة لتشكو الى قسم الشرطة فوجئت بهم يقبضون عليها , نظرا لان رئيس المباحث صديق السهرات الحمراء التى يديرها "الشايب" وأصدقاؤه , الذي راح هو يساوم البنت الكبرى على شرفها  نظير أن يكف أذى أمين الشرطة وشقيقة المحامى " المتهم فى عدة قضايا ابتزاز  مجلة بنقابة المحامين" عنها وعن أسرتها .

لما رفضت , صدرت أحكام غيابية بحبس البنت الكبرى سنة مع الشغل , والابن الأكبر سنتين ونصف مع الشغل والأصغر سنة ونصف , والابنة الوسطى المريضة بالسرطان سنة , وأختهم الثالثة  ستة أشهر, كل تلك الإحكام المشددة  صدرت فى قضية مفبركة عن ضربهم لـ "مسجل خطر" رغم ان من قاموا بعمليات قتل تهاون معهم القضاء ولم يصدر ضدهم مثل تلك الأحكام الشنيعة .

ولم تتوقف فصول المأساة إلى هذا الحد بل أن شرطة تنفيذ الأحكام تركت تنفيذ قرابة مليون حكم لم تنفذ فى مصر منذ عدة سنوات , بل تركت  البلطجية والمسجلين الذين يقتلون الناس ويسرقون حاجياتهم , وتفرغت للقبض على تلك السيدة البائسة وأسرتها بعد يوم من صدور الأحكام .

وفى إطار تجسيدي لفيلم "هى فوضى" راح "الشايب" يتصل بالبنت الكبري ويقول لها " اللى ما يحبش الشايب يبقى ما يحبش مصر" , فعلا هى فوضى.

التفاوض مع البلطجى

وفى واقعة أخرى , سرقت الأسبوع الماضي السيارة ماركة "هونداى إكسيل" المملوكة لوالد زوجتي من أمام ثكنات الأمن المركزي بالدراسة , وذهبنا إلى قسم الجمالية للإبلاغ عن الواقعة , ورغم أننا حددنا المشتبه به فى الواقعة وهو حارس السيارات فى هذا المكان إلا أن الشرطة لم تسع لاستجوابه بحجة ان المتهم "بلطجى" ينحدر من أسرة "عريقة " - كلهم مسجلون جرائم نفس ومخدرات وسرقات – ولما سألنا الى من نذهب ليحرر لنا سيارتنا , وجدنا ضباط الشرطة يؤكدون لنا انه لا محالة من التفاوض مع السارق ودفع مبلغ من المال له ليفرج عنها!!

من يحكم من؟

إزاء إنكار حارس السيارات سرقته للسيارة ,  ورفض الشرطة التحرك للتأكد من صحة شكوكنا وطلبها منا التفاوض مع المشتبه به , لجأنا إلى الالتقاء مع نفر من هؤلاء المسجلين ليدلنا على طريق السيارة مع دفع "الدية" والتى تقدر فى قانون البلطجية بربع قيمة المسروقات , راح السيد اليلطجى يحكى لنا تجربته مع الشرطة مؤكدا انه لا يوجد رئيس مباحث واحد فى مصر يستطيع ان يخرج  عن قوانينهم , فللبلطجى حق فى ارتكاب عدد محدد من الجرائم شهريا دون ان يتم القبض عليه , وان تم القبض عليه"لزوم المنظرة"  فيجب على الضابط أن يدمر أدلة الإدانة فى القضية حتى يتم تبرئة المتهم ,  والضابط الذى يخالف ذلك سيقتل على الفور.

من يتجسس على من؟

وحكى سيادة البلطجى المسجل كـ"هجام" أن احد زملائه اللصوص المارقين عن قوانين المهنة تحدى ضابط مباحث إحدى أقسام الشرطة وقام بسرقة سيارته , وبعد رحلة دؤبة وفاشلة قام بها الضابط فى البحث عنها , أسأت له بين زملائه بشدة  , اكتشف أن البلطجية يحيطون علما بكل حركة يتحركها وهنا تأكد له أن من بين رجاله من الأمناء والعساكر من يخبر البلطجى سارق السيارة بكل حملة يتم تجريدها  , فسارع ذات  مرة باستدعاء الأمناء والعساكر إلى مكتبه وقام بمصادرة الهواتف المحمولة حوزتهم , وخرج بهم فى حملة مفاجئة , وقتها استطاع إحضار السيارة واعتقال الجانى.

الجميع يعرف إلا.. الشرطة

من العجائب التى تكشفت لنا أثناء رحلة البحث عن السيارة أن حراس السيارات , وتجارها , والبلطجية , وأمناء الشرطة , بل والشعب بأكمله  يعلم أن ألاف السيارات التى تسرق من شوارع القاهرة أسبوعيا ليس لها مخزن إلا ثلاثة مناطق فى مصر , أما المناطق الجبلية المحيطة بمركز الصف فى محافظة الجيزة أو مدينة النهضة شرق القاهرة , أو يتم تقطيعها وتذهب لتاجر خردة كبير معلوم الاسم فى وكالة البلح , وقليلا ما تذهب تلك السيارات إلى منطقة "عرب الحصار " في حلوان.

الغريب أن من يذهب إلى تلك المناطق يكتشف سوقا كبيرا ورائجا يحج له الناس من اقاصى مصر للتعرف على سيارتهم المسروقة ومن ثم دفع الدية وإعادتها ثانية , كل ذلك والشرطة لم تكلف نفسها بمهاجمة تلك الأوكار حتى ولو باستخدام المروحيات .

ضنا للبيع

ونشرت الصحف يوم 6 مارس الجاري خبرا عن قيام سيدة ببيع رضيعتها بمبلغ 50 الف جنيه , فقط من اجل قتل الجوع الذى الذى عانته ’ هى بالقطع سيدة مجرمة , ولكن الاكثر اجراما هو ذلك المجتمع الذى لا يرحم ’ وتلك العدالة التى جعلت من البشر سلعا تباع وتشترى , العيب فى مصر التى أكلت اولادها , وعرضتهم فى سوق النخاسة للاثرياء ورجال الاعمال والاجانب من كل حدب وصوب , وهؤلاء النخب حكاما ومحكومين الذين تفرغوا للفضائيات وتزيين الوجه القبيح , اننا بحاجة ماسة الى ثورة , ثورة حقيقية تعيد العدالة وتزرع البسمة  فى شفاه حرمت منها منذ ولادتها , ونخلع هؤلاء الذين توهموا انهم انصاف الهة لا يحيدون عن الصواب , من رجال قضاء ورجال دولة .

الهروب الكبير .. والقضاء الفاسد

القاع مليء بعشرات الحواديت التى تكفى عمل مائة فيلم على شاكلة "حين ميسرة" و"هى فوضى" وهو بالقطع ما انعكس أيضا إلى المشهد العلوي بكل مساوئه, لأن العالم يحكمه مجموعة من البلطجية , بلطجية افراد وبلطجية حكام , وبلطجة دول , فخروج المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الاجنبى بتلك الطريقة التى حدثت يؤكد أن فى مصر قضاء "فشنك" وأننا لا زلنا بحاجة إلى ثورة على الثورة , ثورة تطهر القضاء الذى صار القاصى والداني يعرف كم هو فاسد وعفن , وبدلا من أن يكون قضاء يدافع عن الشعب صار سوطا "طائفيا" يلهب ظهورهم ويدافع عن مصالحه الذاتية ويقنن جرائم السياسيين وسط حالة نفاق رخيص من بعض النخبويين , إن تلك الواقعة جعلتنا نجهر بما كنا نعرفه ونخفيه خشية الاتهام بسبب القضاة والتشكيك فى نزاهتهم , مع الرسل الموحى إليهم من السماء يشكك الناس فيهم , بل أن الله عز وجل الذى خلق وسوى والموسوم بالعدل والقدرة لا زال نصف سكان الكرة الأرضية يشككون في وجوده أو عدالته جل وعلا , فكيف يريد القانون البشرى أن يجعلنا نؤمن بعدالة  أشخاص وان نصفهم بأنهم لا ينطقون عن الهوي , مع أن الرسول الكريم يقول "قاضى فى الجنة وقاضيان فى النار".

******************************

رسالة الشعب إلى نوابه

نشر بتاريخ  29 كانون الثاني (يناير) 2012

سيد أمين

 هذه رسالة الشعب إلى نواب الشعب، رسالة الشهداء وأمهات الشهداء، رسالة عيون فقئت، وأرجل بترت، رسالة استغرقت كتابتها واحد وثلاثين عامًا لكى يوجهها الشعب إلى نوابه الحقيقيين الذين اختارهم فى أول انتخابات حقيقية فى تاريخ مصر.. هى رسالة أم شهيد قضى نحبه فى السجون أو اقتطف القناصة زهرة حياتها، رسالة أب مكلوم قصم سوط الظلم ظهره، وردم الاستبداد ينبوع يقينه بإنسانيته، رسالة أبناء قتلت أو سحلت الماسونية أباهم فى هذا الركن النائى فى صعيد مصر أو دلتاها:

احملوا الأمانة فهى ثقيلة وليس لها إلا الأوفياء، كونوا على قدر المسئولية بألا تساوموا، فقد خان من ساوم على حق، ولا تهادنوا فقد ظلم من هادن ظالمًا، وركن فى وقت المعركة إلى الدعة والراحة، لا تلبسوا رداء الدبلوماسية فقد أفسدت أخلاق من قبلكم، وأوردتهم مهالك التاريخ لا سيما لو كانت البضاعة دمًا.

اعلموا أن شرعيتكم ما كانت لولا دماء البواسل، وأنها مهما سمت فهى أقل من شرعية ساحة الميدان الذى ألبسكم أرديتكم وأقعدكم مقاعدكم، وهو القادر الوحيد على نزعكم منها أو تثبيتكم عليها.

لا تتفرقوا، فالذئب لا يفترس إلا شاهًا شاردة، ولا تبتعدوا عن شعبكم فتنفصلوا عنه، وتذكروا أن من طار فعلا تبدد فى السماء، ثم سقط على الأرض.

لا تغرنكم المقاعد، فما دامت لمن قبلكم، ولا دامت لكم أو لمن بعدكم، وضعوا نصب أعينكم سير الأولين الذين لم يبغوا عرض الدنيا.

اختاروا بين أن يخلدكم التاريخ أو يلعنكم، بين أن يحفر أسماءكم فى ذاكرته بحبر من ذهب إذا ما انحزتم إلى شعبكم وبين أن يسطركم فى قوائم العار إذا انحزتم إلى سلطانكم ومنافعكم وتذكروا أن ما نما من سحت فالنار أولى به.

مصر الآن فى مفترق طرق، إما جنة وإما نار، إما عدل وحرية وتقدم وإما استبداد وعمالة وتخلف، وهذه فرصتنا التاريخية لصناعة دولة المساواة، دولة تقف على قدم وساق مع دول العالم المتقدم، لا تابعة لهم، دولة العلم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، اختاروا لمصر مكانة تستحقها والتاريخ لا ينسى.

وتذكروا أيضًا أن آية الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وإنكم إن أحتكمتم إلى من جاء بكم فقد احتكمتم إلى سلاح أمضى من دبدبة الدبابات وأزيز الطائرات وقرقعة البنادق، ومن رضى عنه شعبه نام قرير العين هادئ البال مرضيًا رب الشعب، كما نام الفاروق من قبلكم آمنًا.

لا تكونوا سوطًا تجلد به العدالة ولا صوتًا يزيف الحقائق، دماء الشهداء لا زالت تسيل والمجرمون ما زالوا طلقاء دون قصاص، وتأكدوا أن المجرمين ليس هم فقط من قتلوا، ولكنهم أيضًا هم من حرضوا ومن كتموا الشهادة ومن صمتوا ومن زيفوا الحقائق ومن فتتوا وحدة الناس الذين قال فيهم الرسول الكريم: «لا تجتمع أمتى على ضلالة»

وكذلك تذكروا قول الله تعالى: «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا» وقوله أيضًا: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب».

يا نوابنا فى البرلمان، نحن لا نريد منكم سوى العدل ولا رجاء فيكم دون العدل، ولا مهلكة لكم سوى ضياع العدل، فقد قدمه الخالق على الإحسان، وجعله اسمًا من أسمائه وصفه من صفاته.

أيها النواب.. ما سالت دماء ولا خربت بيوت ولا ثكلت أمهات أبناءها من أجل مجد شخصى لكم ولكن الضريبة الغالية دفعت من أجل مصر، ومن لا يعمل من أجلها بتجرد وإخلاص هلك ونال سوء المآل.

تمسكوا بالشعب تفوزوا.. تمسكوا بالشعب تفوزوا..

.........................................................................................

مقالات عام النكبة المصرية 2013

.........................................................................................


 الثلاثاء، 24 ديسمبر، 2013

سيد أمين يكتب عن : ثقافة الفساد الاحمر

اعتدت منذ سنوات طويلة بحكم عملى الذى يقع في منطقة وسط القاهرة ان أسير جيئة وذهابا في واحد من اعرق واقدم شوارعها , بل ان هذا الشارع اقترن تاريخا باشهر مذبحة حدثت فى تاريخ مصر قبل ان تحل مجازر اخري محلها الأن وهى تلك الخاصة بمذابح الحكم العسكرى فى ميدانى الشرف والعز "رابعة" و"النهضة".

هو شارع الدرب الأحمر والذى كان فى الاصل يسمى بالدم الاحمر

نسبة الى دماء ضحايا مجزرة القلعة التى قام بها محمد على للتخلص من خصومه المماليك, لكن تم تجميل الاسم ليكون الدرب الاحمر رغم ان اسمه الاصلى قبل المذبحة هو شارع البيبانى.

وبقدر ما كان يستهوينى اثناء سيري بسيارات النقل العام تذكر التاريخ المزدحم بالصراعات والنضالات والخيانات لهذا الشارع , وقيام نابليون بونابرتا بضربه وضرب رملة بولاق بالقنابر من اعلى جبل المقطم لاخماد الثورة الشعبية اثناء الحملة الفرنسية , وكذا اعدام المجاهد الشامى سليمان الحلبي على الخازوق , ومن قبل ذلك نجد السلطان العثمانى سليم الاول يقبض على الحاكم المملوكى قنصوة الغوري ويعدمه بشكل شنيع ويعلقه على باب زويلة , كان يستهوينى ايضا البحث فى تصرفات الناس عسانى اجد شيئا يفسر لى لماذا اكتظ هذا الشارع بكل هذه الصراعات لدرجة تجعله بمثابة معجما لكل تاريخ مصر.

المدهش ان التكوينة السيكولوجية لسكان مثل تلك الشوارع العتيقة التى تكتظ بالتاريخ او بالدماء " كلاهما واحد فتاريخنا جله دماء" والذين عانوا لفترة طويلة اما القهر السياسي والاقتصادى أو سلطة الفتوات واخيرا سلطة البلطجية والشبيحة والحشاشين , انهم صاروا يبررون للقهر ويعتبرونه جزءا من حياتهم الطبيعية وكأنه لكى يعيش الانسان لابد من ان يكون واحدا من اثنين لا ثالث لهما اما جانى يفوح اجراما او مجنى عليه يطفح استكانة وخنوع, وان هذا هو الامر الطبيعى في الحياة , وما عدا ذلك فهو خروج عن التقاليد.

ومن أشد ما لفت انتباهى , وربما انتباه كل من اعتادوا المرور او حتى العيش فى هذا الشارع , تلك التصرفات التى اعتاد ان يقوم بها احد السكان الميسورين اقتصاديا منذ سنوات طويلة لدرجة انه لما كبر ورثها لابنه ايمانا بفائدته على ما يبدو , وهى النفاق.

فحينما كانت القلوب تغلى وتستشيط غضبا قبيل ثورة يناير 2011 الموئودة كان الرجل يملأ هذا الشارع بل والشوارع المحيطة به بيافطات فخمة كتب عليها عبارات من قبيل"شعب مصر العظيم يبايع بكل فخر واعزاز البطل جمال مبارك زعيما للبلاد لاستكمال مسيرة النهضة..مع تحيات الحاج ابو راندا" ويرفق مع اليافطات صورة كبيرة لمبارك في الوسط وعلى اليمين صورة اصغر منها لجمال مبارك وصورة ثالثة اصغر له, وكان يقيم يافطات عملاقة بحجم واجهات البناية الضخمة التى يسكن بها لصورة جمال مبارك وكتب تحتها اخترناك.

وكان المارة لا يلقون لها بالا , حيث اعتادوا على قيام عناصر الحزب الوطنى وهم اهل رشوة وفساد ومحسوبية فضلا عن يد باطشة لا تنصر الا الظالم ولا تظلم الا المظلوم بفعل ذلك , وان كان الكثيرون من الناس يصدقون مثل تلك الدعايات ويعتبرونها حملات مشروعة.

المهم ان الثورة تفجرت " بفعل المخابرات التى كانت ترفض التوريث" وظهر حنق الناس ضد مبارك وسقط بعضا من شهداء الثورة فى الشارع وبدا حكم مبارك أيل للسقوط فراح الرجل ينزع صور مبارك ونجله من الشارع , ولما تنحى الرئيس مبارك فوجئ الجميع بأن الرجل عاد يهنئ اللواء عمر سليمان بنجاح ثورة يناير عبر صور عملاقة للرجل وضعها في ذات الاماكن التى كانت فيها تلكم اليافطات القديمة , وحينما دشنت وسائل الاعلام ان تلك الثورة ثورة للشباب , راح الرجل يتواري للخلف في اليافطات التى ينشرها , وراح يبارك ثورة الشباب ولكن هذه المرة ليس بشخصه بل ظهر ابنه للمرة الاولى فى المشهد بصفته احد الشباب الذين فجروا ثورة يناير.

وبعد مصرع عمر سليمان نشر الرجل صور مبايعة وتأييد لاحمد شفيق ولما أفل بايع من بعده طنطاوى وعنان ولما فاز الدكتور محمد مرسي فلم نجده يتقدم بأية تهنئة له , بل راح يهنئ عمرو موسي ولما اعلن موسي عدم رغبته فى الترشح للرئاسة احتار الرجل اشد حيرة فاتجه الى الهدف مباشرة وراح يهنئ وزير الداخلية , فوزير الداخلية هو الشخص المهم فى اى حكومة بالنسبة لمثل هذا الرجل , الى ان اتته نجدة السماء وحدث انقلاب 3 يوليو 2013 وهنا برز السيسي فى الشاشات وامتلأ شارع الدرب الاحمر حتى الثمالة بيافطات البطل الذى حرر مصر!!!

ما يدهشنى ان بعضا من الناس التى شاهدت الرجل يدافع عن مبارك صدقت انه من ثوار يناير وانه يدافع عن حامى ثورة يناير عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الذى عينه مبارك.

هذا الرجل فى الحقيقة ليس حالة فريدة بل هو ظاهرة جماعية تعيشها بعض المناطق لا سيما فى القاهرة , حيث لا يصبح هناك اى مصدر للمعرفة وتكوين الثقافة والشخصية بل والرأى العام سوى شاشات الفضائيات المسيطرة على السوق الاعلامى فى مصر وهى فى الغالب قرابة 35 فضائية يملكها خمسة رجال اعمال ينتمون للحزب الوطنى واثروا ثراء شديدا من وراء الفساد.

بل الاغرب ان شبكة الفساد فى مصر جعلت بسطاء يدافعون عنه ويعتبرون التطهير امرا ممقوتا , وذلك لان تلك الشبكةتعمل بشكل متسلسل من حيث القوة وعنقودى من حيث الانتشار , فهناك من فسد ويسرق المليارات وهناك من فسد ويسرق جنيها واحدا او حتى رغيف خبز , وكل يدافع عن فساده.

*****************

الثلاثاء، 17 ديسمبر، 2013

سيد أمين يكتب : على جمعة ..الشيخ المنقوع فى دماء المسلمين

بعد ان قال ان الله يؤيد السيسي .. سمعت المهرج على جمعة "خريج تجارة عين شمس" يقول ان الله يؤيد هذا الدستور "يقصد دستور الشواذ والحشاشين" ولا نعرف كيف عرف ان الله يؤيده .. فهل كلمه الله بذلك كما كلم سيدنا موسي مثلا فيصبح على جمعة كليم الله ؟

ام ان الله ارسل عليه وحيا اخبره بذلك فيصبح على جمعة نبي الله .. وحينئذ لا يكون سيدنا محمد اخر الانبياء؟

ام أن على جمعة صاحب "منامات" ومكشوف عنه الحجاب مثل سيده ومولاه السيسي فأتاه الله فى المنام وقال له انا اؤيد السيسي ودستوره .. يصبح هنا لازما علينا ان نعتبر ان على جمعة قريب الشبه بسيدنا يوسف صاحب الرؤي والمنامات ويجب على المصريين الاستفتاء فى الدستور نائمين.

أم ان على جمعة والذى عينه مبارك مفتيا للديار سابقا رجل مرفوع عنه الحساب لقلة فى العقل والدين وبالتالى يصبح شخصا "هتاشا نتاشا" وبالتالى يجب على دار الافتاء الاعتذار للمصريين وللعالم على توليه هذا المنصب الرفيع وتعتبر كل فتاويه السابقة باطلة شرعا.

واننى أسأل على جمعة : هل كلف الله السيدة الفاضلة "المحترمة "و"الشريفة العفيفة" الهام شاهين بكتابة دستور يؤيده برفقة "العلامة" خالد يوسف و"المفكر" محمود بانجو؟

وهل ارتضى الله دستورا اخرا غير القرآن الكريم ليؤيده .. فأنزل الإلهام على أعضاء لجنة الخمسين وخصهم بما خص به الحواريين والصحابة الافاضل حينما انزل القرآن والانجيل.

فى الحقيقة لا انا ولا معظم شعب مصر يفهمك يا شيخ .. فالله جل فى علاه وضع للناس دينا واحدا هو الاسلام ودستورا واحدا هو القرآن لكنك انت تقول ان الله سبحانه يؤيد السيسي ويؤيد دستوره اللهم الا اذا كان دستور السيسي هو القرآن ونحن لا نعلم فنكون من الجاهلين .. ولا نعرف كيف تتقول على الله دون علم وانت كنت مفتيا للديار .. ففتاويك تجاوزت فى الشطط والاجرام بما ليس لا يتفق مع رجل دين فحسب , بل ما لا يتفق مع انسان اصلا , أنت أفتيت بقتل الاف الابرياء فى رابعة والنهضة وقلت عنهم ان رائحتهم وحشة, وأنهم اوباش , فهل هذه كلمات تخرج من فم رجل يسبح باسم الله ؟ هل اباح الله قتل النفس بهذه السهولة والمشاع أم ان الرسول قال لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم أمرئ مسلم.

نراك دائما منحازا للسلطان ولمن يملك السيف والسوط , مع ان الحديث يقول ان أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر , ولم نراك تفتى بمعاقبة بمن قتل الناس فى التحرير ومحمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء لكنك اكتفيت بالصمت وحينما نطقت رحت تدافع عن مبارك وزبانيته انذاك.

لم نراك من قبل قد افتيت بقتل من يغتصبون المسجد الاقصى ثالث الحرمين او حتى الجهاد ضدهم مع انك الاولى باصدار تلك الفتوي؟

نصيحة خذها من واحد يصغرك سنا ولكن يقدر للأمور اقدارها ..ان كنت كبرت فخرفت .. فاستقل من الخطابة ولا تجعلهم يحملونك ما لا تطيق, ولا تجعل من نفسك مطية لهم يمتطونها فوق جثث عباد الله ولعبروا بها بحار دماء المسلمين التى اراقوها , ننصحك بعدم التقول على الله بما ليس لك به علم وان تتقي الله ربك ان كنت من المؤمنين.

لقد نقعت نفسك في الغي , والافتاء باراقة دماء المسلمين , ولا نعرف بماذا تسبح الله وانت تصلى او ماذا تقول له حينما يسألك عن فتاوى اصدرتها تجيز قتل الابرياء , ام انك يا شيخ ليس من الخاشعين؟.

يقولون انه لا دين فى السياسة , والمدهش انك انت تدعى ذلك, ولكننا نراك دائما لا تتحدث إلا في السياسة وانت رجل دين بل كنت المفتى الرسمى للديار المصرية , فاذا كنت محبا للسياسة فاعتزل الكلام فى الدين وتوقف التقول على الله وإلتحق بأى حزب سياسي من تلك الاحزاب التى انشأتها امن الدولة وهى كثيرة وهى كلها تسبح بحمد السيسي ونعمته عليها كما تفعل انت, ثم تحدث في السياسة حتى الثمالة فلن يعاتبك احد , يجب ان تحفظ لدار الافتاء وقارها فى القلوب والعقول ولا تلقي بها الى محافل المهرجين والهوي.

ورغم ان الازهر الشريف كان منارة العلم وقلعة المقاومة على مر التاريخ الا انه في بعض الاحيان كان هناك شيوخا يذكروننى بما هرولت انت اليه , فها هو احدهم يهب ابنته لنابليون بونابرتا واخر يدعو المسلمين للجهاد ضد الاتراك ونصرة جيش الانجليز وثالث يدعو للجهاد في صفوف الانجليز ضد الالمان.

كلمة من القلب : يا شيخ اعتزل الخطابة والافتاء واسترح فى بيتك ولا تحمل نفسك والازهر ودار الافتاء والاسلام كله ما لايطيق.

**************

الاثنين، 25 نوفمبر، 2013

سيد أمين يكتب : ناصريون اساءوا لعبد الناصر - 1

منذ ايام وعدت بأن اكتب تدوينات تفضح بعض ادعياء الناصرية ممن احتضنوا الفساد وتعايشوا معه , ونمت حساباتهم فى بنوك الداخل والخارج على حسابه واستخفوا بعقول الناس , فراحوا يرتدون قناع عبد الناصر هربا من الحساب , او حتى يجملوا صورتهم القبيحة للناس او حينما ينظرون الى انفسهم امام المرآة , استطاعوا أن يخدعوا الناس بعضا من الوقت,ولكن فشلوا فى خداعهم طوال الوقت.

فشتان بينهم وبين عبد الناصر , فعبد الناصر رغم بعض عيبوبه الا انه كان اجمالا بطلا تحرريا يقف مع الفقراء ضد الفساد والاقطاع والامبريالية بينما هم ارتضوا ان يكونوا قناطر تدوسها وتعبر عليها قوى الاستعمار الحديث للبلاد.

فهم يتحالفون مع رجال الاقطاع بل وصاروا هم انفسهم جزءا منهم حيث يملكون المنتجعات والقصور والخدم والحشم , والسلطة والجاه , ونحن والعالم كله لم يكن يعرف من قبل ان النضال يؤدى الى القصور والمنتجعات والارصدة فى البنوك الا اذا كان نضالا مأجورا, مكذوبا.

وامضى عبد الناصر حياته رهنا للقضية الفلسطينية , فى الضقة وفى غزة , بينما ناصريو اليوم يتحالفون مع الامبريالية ويصفقون لخنق غزة , ويألبون ضد السودان , ويغضون الطرف عن التدخل الامريكى السافر والشامل في كل مناحى الحياة السياسية المصرية , لطالما كان الأمر يخدم نفوذهم.

يا سادة من كان يعبد عبد الناصر فعبد الناصر قد مات , وهو منكم ومما تفعلون برئ , ومن كان يحب مصر , فليدافع عن الديمقراطية ’ وعن حق الجميع فى الحياة , فلن تقم دولة على قهر واستبداد ومقابر, وان يقتلع نصفنا حناجر وعيون نصفنا الأخر , ولا كرامة لجيش يفرق بين ابناء شعبه , ويسفك دمه , فهذا ليس من الوطنية في شئ.

لقد أساء البعض الى عبد الناصر , بحيث جائته المذمة من اقرب الناس اليه , وهو ابنه عبد الحكيم جمال عبد الناصر واليكم تلك الواقعة من تدويناتى:

فى عام 1998 اتصل بي مسئولون فى شركة "مصر لأعمال الاسمنت المسلح " يصرخون من قيام المحافظة بسحب تخصيص قطعة ارض قدرها 50 الف متر مربع امام مدينتى النخيل والبارونعلى الطريق الدائرى, كانت تنتوى الشركة - قطاع عام - ان تقوم بعمل مخازن عليها , وقد حدث ذلك رغم ان جميع الاجراءات والاوراق الخاصة بالحجز والتخصيص سليمة 100%.

كتبت عدة تحقيقات وشكاوى بخصوص تلك الواقعة الا ان الصمت التام كان هو المتبع الى ان اتصلت جهات عليا بالجريدة التى كنت انشر بها تطالبها بوقف النشر , والمفاجأة ان السبب وراء ذلك هو ان الرئيس السابق مبارك نفسه أمر باعادة تخصيص تلك الارض لشركة خاصة تسمى "المشرق".

وهنا حدثت مفاجئتان , ان رئيس الشركة صاحبة الارض الاصلية تلقي ذات الاتصال وتوقف فورا عن النشر, والثانية اننى عرفت وقتها ان هناك صلة ما - لا استطيع تحديدها بالضبط - بين الشركة الجديدة وبين عبد الحكيم جمال عبد الناصر.

هنا قصصت القصة الى الزميل محمود التميمى - قبل ان يصبح معدا لبرنامج البيت بيتك ومنها مقدما للبرامج في قناة سكاى نيوز التى يملكها الملياردير اليهودى ميردوخ - فاخبرنى ان والده صديقا لطارق عبد الناصر - عم الزعيم - ويمكنه ان يأخذ منه رقم هاتفه لكى احدثه حول ايجاد حل يعوض خسائر الشركة , وهو ما حدث بالفعل , فوجدت الرجل يستنكر على اتصالى لاتحدث فى هذا الامر وقال لى انا لست مخولا للحديث عن اى شئ.

وماتت القضية وضاعت اموال شركة القطاع العام وتقوم الشركة التى ألت لها ملكية الارض الان ببناء مدينة سكنية عليها , سعر المترفي الشقة يتجاوز خمسة الاف جنيه.

يا سادة هذه نصيحتى .. توقفوا عن الاساءة لعبد الناصر!!!

والى تدوينة اخري باذن الله.

*****************

الجمعة، 15 نوفمبر، 2013

سيد أمين يكتب : حول خدعة التقرب الى روسيا

يبدو ان الامريكان اعجبهم حجم الغفلة التى يعيشها قطاع كبير من المصريين وبراعة السيسي ووسائل اعلامه فى تلبيس العمم على العقول , فراحت تأمر - نعم تأمر لأن امريكا لا تطلب - السيسي باستكمال اللعبة والمضى قدما فى اضحوكة تشبيهه بعبد الناصر , وان يتجه لموسكو - قبلة عبد الناصر وكل قادة التحرر فى زمن الحرب الباردة - من اجل صفقة اسلحة .. وبالتالى يتم تثبيت تلك الصورة النمطية فى عقول المغفلين .. يا سادة روسيا الأن ولاية من ولايات امريكا .. روسيا باعت شفرة الطائرات العراقية للامريكان عام 2003 وابلغتهم بكل مخازن السلاح العراقي .. وروسيا باعت شفرة صواريخ سام 9 العابرة للقارات لدى القذافي"حوالى 500 صاروخ" لأمريكا .. وابلغت الناتو عن مكان القذافي.

لا تنسوا ان امريكا هى من دمرت الاتحاد السوفيتى وجائت بالنظام الحاكم من بعده في روسيا , وان روسيا لو كانت دولة حرة ما تركت الامريكان يسيطرون على المقاطعات التى انفصلت عن الاتحاد السوفيتى مثل كازاخستان واذربيجان وتركمانستان وقرقيزستان وغيرها وهى بالمناسبة كانت مناطق ذات اسلحة نووية ولكن تلك الاسلحة تم تفكيكها بأمر امريكى , والمدهش ان الانقلابيين الان يتجهون للعمل مع تلك الدول بحجة الاتجاه شرقا وهم فى الاصل يغوصون فى حدائق امريكا الاسيوية.

لا تتصوروا ان امريكا التى تغلغت فى مصر وجميع اجهزتها الحساسة حتى النخاع منذ اتقاقية كامب ديفيد 1978 يمكنها ان تفرط في مصر بتلك السذاجة , وانها لم تكن تضع فى حسبانها ان عسكريا قد يرأس الجيش ويسعى للتحرر بالبلاد.

ياسادة يا كرام ..هذه الاسلحة التى ستدفع ثمنها بلدان الخليج العربي التى تعج اراضيها بالقواعد الامريكية هى مخصصة لضرب حماس وليس اسرائيل.

افيقوا .. نحن بلد محتلة .. وتذكروا كلامى جيدا.

ومع ذلك فأنا لا استبعد ان يكون الأمر الأمريكى للفريق السيسي بالاتجاه نحو روسيا يأتى فى اطار " تزيينه" تمهيدا لاحالته للتقاعد وضمان الخروج الامن له , وذلك لكون امريكا تعلم جيدا ان المصريين ينظرون بشئ من الاحترام الى الاتحاد السوفينى ويرسمون عنه صورة نمطية بالغة" الشهامة" في الدفاع عن مصالحهم ضد امريكا واسرائيل اخذا فى الاعتبار حقبتى الستينيات والخمسينيات.

وبالتالى فان اتجاه السيسي الى روسيا – وريثة الاتحاد السوفينى الشرعية – سيعطى انطباعا لدى القطاع الشعبي الذى لا زال اسيرا لأجواء فترات التعددية القطبية فى العالم ,بأن السيسي هو عبد الناصر الجديد الذى يعمل على تحرر البلاد من الهيمنة الخارجية.

ويصبح حينئذ من المفيد للسيسي ان تقوم الولايات المتحدة بالمطالبة "الناعمة" بعودة الشرعية بحيث يصور مرسي ومن معه كحلفاء لأمريكا , ولكن المخاطر التى قد لا يدركها السيسي ومن معه بأنه فى حال اشتعال موجة الغضب المرتقبة لانصار الشرعية ووصولها لدرجة تحتم عليها اتخاذ موقف اخلاقي فانها لن تتردد فى امر السيسي باعادة الشرعية مع ضمان الحماية له او تحريك رجالها واجهزتها من داخل الحكومة فى مصر لاتخاذ موقف اسقاط الانقلاب عنوة وهو ما قد لا يستغرق سويعات تعد على اصابع اليد الواحدة وليس الاثنتين , ورغم ذلك فان امريكا ستكون هنا ايضا حريصة على ضمان حماية الفريق ومن معه من الانقلابيين , وبعد ذلك تبدأ ترتيبات تطويع النظام الذى انقلبت عليه.

****************

الاثنين، 11 نوفمبر، 2013

سيد أمين يكتب : تفنيد مزاعم الانقلاب الواهية

لقد بررت سلطة الانقلاب / الاحتلال في مصر انقلابها على الشرعية بمزاعم مثيرة للعجب يمكن لاى مراقب منصف ان يفندها فى اللحظة الاولى:

فقد قالوا ان الانقلاب كان ضرورة حتمية لحماية البلاد من الديكتاتورية مع ان الرئيس مرسي كان هو الرئيس الوحيد المنتخب شعبيا ليس في مصر بل في الوطن العربي قاطبا منذ الاف السنين.. وهو الرئيس العربي الوحيد الذى لم يوجد في عهده سجينا سياسيا واحدا .. وهو الرئيس الوحيد ايضا الذى كانت تسبه ليل نهار قرابة 50 قناة فضائية منها فضائيات الدولة!!!!!

وقالوا ان الانقلاب جاء لحماية مصر من الجهل وحكم الجهلاء .. رغم ان الدكتور محمد مرسي هو الوحيد فى تاريخ مصر والوطن العربي كله الذى يحمل درجة علمية رفيعة بدرجة "استاذ دكتور" وكل وزراء حكومته كانوا يحملون ذات اللقب , ما عداء اربعة اشخاص فقط كانوا من اصحاب مجاميع الخمسين في المائة وهم وزراء الدفاع و الداخلية والكهرباء والبترول وهم من دبروا للانقلاب عليه.!!!

قالوا ان الانقلاب جاء لان حكم مرسي قسم البلد نصفين, فوجدنا الخطاب الرسمى للدولة يعتبر انصار التيار الاسلامى وهم اكثر من نصف الشعب خوارج يجوز قتلهم ومتهمين بالارهاب حتى وان ثبت العكس.!!!

وقالوا ان الانقلاب جاء لحماية ارواح المصريين وحريتهم وهنا سقط اكثر من خمسة الاف شهيد مصري على يد الشرطة والجيش قنصا وحرقا ودهسا وخنقا وصعقا , فضلا عن عشرات الالاف من المعتقلين السياسيين.

يتهمون الرئيس مرسي بانه باع سيناء والهرم والنيل وحلايب وشلاتين وغيرها وها هو مرسي قد ذهب ولم نسمع صوتا لمن قاموا بالشراء يطلبون حيازة ما اشتروه ؟, ولم يحاكم مرسي بتهمة بيع ما لا يملك!!!!!

قالوا ان الاخوان يستحوذون على الحكم ولم يتركوا لغيرهم اى منصب في الحكومة - مع ان الاصل ان صاحب الاغلبية يشكل الحكومة كاملة - ومع ذلك وجدنا حكومة مرسي لم يكن بها سوى اربعة وزراء اخوان , اما حكومة الانقلاب فلم نجد بها اسلاميا واحدا !!!

يتهمون مرسي والاخوان بالعمالة لامريكا وان امريكا هى من تدعمهم , ومع ذلك لم نسمع من امريكا الا كل حب وتقدير للانقلاب وللانقلابيين كما لم تعترف بسلطة الانقلاب سوى الدول التى تبنى سياستها عامة على اوامر سفراء امريكا لديها , ووجدنا سلطة الانقلاب وليس مرسي هى من تؤجر شركة صهيونية لتحسين صورتها فى امريكا وتتعاقد مع شركة اخري لتأمين قناة السويس , فضلا عما ينشر من وجود اقارب للفريق عبد الفتاح السيسي في اسرائيل.!!!

وقالوا ان الفضائيات التى تساند مرسي تحرض على الارهاب ورغم ذلك لم نجد فضائية واحدة فى مصر تسانده , لأن كل الفضائيات المصرية يملكها ثلاثة اشخاص , هم من خططوا للانقلاب , كما ان القنوات الدينية التى اغلقها السيسي لم تكن قنوات عامة , هى فقط لمن يريدها عكس القنوات العامة التى تفرض نفسها على الجميع والتى كانت تمارس التحريض ليل نهار !!!!!

وقالوا ان الاخوان المسلمين متطرفون وان الاصل في الدين هو الازهر الشريف , فلما قام طلبة الازهر ومشايخه واساتذته بالتظاهر ضد الانقلاب , قالوا ان شباب الاخوان يفجرون الازهر , اذن فمن في الازهر هل هم اخوان ام انهم يختلفون عنهم؟!!!

وقالوا ان لجنة كتابة الدستور المشكلة من جمعية منتخبة في عهد مرسي "سلقت الدستور" رغم انها اعدته على مدار ستة اشهر في نقاشات علنية مذاعة على التلفزيون .. في حين ان لجنة الخمسين التى عينها العسكر دون اى توافق شعبي عليها "طبخت" الدستور في سرية تامة وخلال شهرين فقط , وحذفت كل المواد التى تحافظ على ديمقراطية الدولة وقامت بدعم عسكرتها .!!!!!!!!!!

يتهم السيسي الاخوان بأنهم حركة ارهابية , ولا نعرف كيف قبل السيسي ان يكون وزيرا لرئيس حركة ارهابية, أام أنه اكتشف أنهم ارهابيون فجاءة , الغريب ان التفجيرات "الفشنك" في سيناء كثرت فجاءة بعدما اكتشف السيسي هذا الاكتشلف الخطير !!!!

قالوا ان الانقلاب كان ضروريا من اجل الحفاظ على اقتصاديات المواطن الفقير, فوجدنا اسطوانات الغاز تقفز الى اضعاف ما كانت عليه ايام مرسي , ووجدنا اسعار الخضروات والفواكه والخبز والوقود وغيرها تتضاعف , وللاسف قابل ذلك وجود عدد كبير من المصالح والشركات العامة والخاصة لم تقم بزيادة الرواتب بل خقضتها , ومع ذلك لم نسمع احدا منهم يطالب بالانقلاب على الانقلاب !!!

****************

الثلاثاء، 5 نوفمبر، 2013

سيد أمين يكتب : مصر في قبضة سلطة الاحتلال

كنت من قبل اعتبر ان السيسي وزمرته ومن يحكمون مصر الان هم سلطة انقلاب فحسب , ولكن فيما بعد اتضح جليا لى انهم هم ايضا سلطة احتلال , نعم سلطة احتلال , شأنها في ذلك شأن سلطة الكيان الصهيونى فى ارضنا المحتلة فى فلسطين , او فى افضل الاحتمالات شأنها شأن سلطة الاحتلال الامريكى فى العراق , وهناك قواسم مشتركة بينها وبين هذين الاحتلالين , وان كان الاحتلال في مصر عمليا أشد وطأة واكثر ضرواة عن نظيريه الصهيونى والامريكى.

ونلفت هنا الى ما قاله رئيس وزراء الانقلاب / الاحتلال في مصر لفضائية امريكية بان السلطة التى يترأسها هو صوريا قتلت المحتجين في مصر بنفس الوحشية التى قتل الامريكان بها الفيتناميين!!

فسلطة الاحتلال في مصر والتى كانت تدير دولاب الحياة السياسية سرا على نقيض ارادة الرئيس المنتخب وبهدف إلحاق الضرر به , وأثناء سعيها لخلق شرعية يمكن ان تتواجد من خلالها على الارض علنا والتى كانت حصيلتها انقلاب 3 يوليو , والذى مهدت له عبر تسخير آلتها الاعلامية الجبارة لخلق ارادة مزيفة تنافس ارادة حقيقية واعية وتتغلب اليها , ما ادى بالضرورة الى احداث شق خطير في صف المجتمع المصري وشطره الى فريقين ؟

وتعمدت - أى سلطة الاحتلال - اثارة القلاقل والفوضى تمهيدا لعزل اول رئيس منتخب في مصر منذ آلاف السنين او منذ عرف الانسان الديمقراطية والعمل النيابي - أيهما اقرب – وهى المقدمات التى تذكرنى بحجم ونوعية وشراسة وضخامة الحملة الاعلامية الشرسة التى قادتها الولايات المتحدة الامريكية ضد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بهدف اسقاطه فى حربي 1990 و2003.

ونلفت هنا الى ان النظام السعودى الذى يتزعم الان الدول المساندة لحكومة الانقلاب او بالأحري الاحتلال في مصر, مع خمسة دويلات خليجيات والاردن , هم ايضا تزعموا انذاك الحملة الامريكية على العراق وصولا الى احتلاله , وهم من مولوا الصحفيين فى كل المنطقة العربية من اجل تشويه النظام العراقي والصاق كل النقائص به.

ويتشابه الاحتلال في مصر بمثيله فى العراق , فى انه اذكى نار الحرب الاهلية واشعل اوارها , ورأينا الاحتلال هناك يقوم بتسخير مجموعات تتبعه لشن هجمات ضد مناطق واهداف واشخاص شيعة او سنة والصاق التهمة بالطرف الاخر , ورأينا ايضا سلطة الاحتلال الامريكى في العراق تقوم بتنصيب رئيس كانوا يسمونه هناك بـ"الطرطور" - يا لها من صدفة – اسمه غازى الياور تلاه شبيه له اسمه جلال الطالبانى ورئيس وزرائه نوري المالكى , وثلاثتهما اتباع للغازى الامريكى وجاءوا للحكم عبر دبابته وفوق جماجم ملايين العراقيين.

كل ما حدث في العراق يتشابه لحد بعيد مع ما حدث في مصر , فقد جاءت سلطة الانقلاب / الاحتلال عبر الدبابة وتحت نفس الزعم الذى جائت به فى العراق وهو تخليص البلاد من الديكتاتور والحنو على الشعب وتحقيق الديمقراطية ,لكن سلطتى الاحتلال فى مصر والعراق حققت كل المخازى وارتكبت نفس المجازر والجرائم والمفاسد ولم تحقق اى من الشعارات التى ادعت انها جاءت لتحقيقها واهمها الديمقراطية والوحدة الوطنية واحترام حقوق الانسان , بل ان تلك الشعارات كانت موجودة عمليا بشكل ما , ومع ظهور السلطتين , ألقي بهم في سلة المهملات.

وتتشابه سلطة الانقلاب/ الاحتلال فى مصر بنظيرتها في العراق من حيث رغبة كل منهما فى التدثر برداء قانونى زائف ,وبطريقة "المستغنى" يتم تقديم غطاء قانونى , سرعان ما نكتشف انه غطاء زائف لا يحمى من برد الشتاء ولا قيظ الصيف , ولا يحقق لا عدالة ولا يحزنون , ولكن صاحب السلطة الذى وصل لحد الاحتراف فى الاجرام في كلا الحالتين صار لا يعنيه مدى تماسك الغطاء القانونى الذى يقدمه وكأنه يخرج لسانه لمن يدعى القوة ويقول "ده اللى عندى عاجبكم ولا نشغل المدفع الرشاش فقط".

ورغم ان سلطة الاحتلال الامريكى فى العراق قدمت الرئيس العراقي الشرعى للمحاكمة الا انها ندمت انها احترمت حقوقه الاساسية, فصار صدام حسين رمزا لكل احرار العالم وحفر اسمه فى وجدان كل شرفاء الكون , وادركت سلطة الاحتلال الامريكى هذا الخطأ متأخرا فصوبته فى النموذج الليبي , وعلى ذات المنوال فعلت سلطة الانقلاب / الاحتلال فى مصر مع اول رئيس منتحب للبلاد , وراحت تحرمه من كل حقوقه الاساسية وتوجه نيابتها له هو ومن معه تهم هو مجنى عليهم فيها بينما الجناة هم من يحاكمونه.

وتتشابه جرائم سلطة الانقلاب / الاحتلال في مصر بنظيرتها ايضا فى فلسطين المحتلة , فالجيش الصهيونى لم يكف لحظة واحدة عن قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم واعتقالهم واحيانا بدون تحقيق قضائى وتعقب اسرهم وحرق منازلهم وتجريف اراضيهم ومصادرة اموالهم وذلك منذ ان نشأ الكيان الغاصب فى 48 , واشتهرت مجازره التى قام بها في صبرا وشتيلا وقانا ودير ياسين وسوق حيفا والرصاص المصبوب وغيرها بالوحشية المتناهية , وهى نفس الوحشية التى اتبعها الانقلاب / الاحتلال في مصر في موقعة رابعة العدوية والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس 1 و2 والمنصورة والمنشية والسويس وغيرها , حيث اوقعت تلك المجازر الوحشية الاف الضحايا وعشرات الالاف من المصابين ومثلهم من المعتقلين ونسبة ليست قليلة منهم نساء ماجدات فضليات , وتم التمثيل بالجثث والتبول على بعضها وحرق بعضها والقاء بعضها في مقالب القمامة فى المناطق النائية حول القاهرة.

لا فرق اذن بين سلطتى الاحتلال هنا وهناك , فسلطة الاحتلال هناك في فلسطين المحتلة لا تكف لحظة عن شيطنة حماس واهالى غزة وتتفنن فى الحاق الاذى بهم ومحاصرتهم , وهو ما تقوم به سلطة الاحتلال في مصر ايضا , حيث تحرض على حماس وتحكم الخناق على غزة وتسد عليها كل منافذ الحياة , لما قد يوصف بانه جريمة ضد الانسانية , وتماطل وتتباطئ فى فتح معبر رفح , بل وتقيم محطات مراقبة على طول الحدود مع منطقة عازلة بعرض نصف كيلو بطول الحدود مع غزة وتستثنيها من نظيرتها فى صحراء النقب المحتلة!!

بل وكنا نشاهد الجيش الاسرائيلي يقتل الفلسطينيين العزل أو المقاومين المسلحين الذين خرجوا للثأر للشهداء وينكل بهم وكنا نندهش من صمت العالم ازاء ذلك , بل وكنا نندهش من ان العالم بدلا من أن يثأر لدم المقتول وجدناه يبرر لقتله ويؤازر القاتل ويتألم لألمه , لكننا الان عرفنا كيف حدث هذا , ببساطة لأننا صرنا نحن كذلك , صار بعضنا يغنى للقاتل ويرقص له ويدين المقتول ويستحل دمه بل ان احد اعلاميي الانقلاب / الاحتلال قال صراحة بأن يجب ان تدفع اسر قتلى اعتصامات رابعة والنهضة ثمن الرصاص الذى قتل به ذويهم, وبعضهم نزع من الاخوان المسلمين الانسانية بل واطلقوا عليهم صفات حيوانية كلفظ "خرفان" تمهيدا لذبحهم , وهى تقريبا نفس الالفاظ الذى استخدمها جيش الكيان الصهيونى ضد الفلسطينيين قبيل كل مجزرة ارتكبها.

هو الاعلام وادواته وسائل الصهيونية للسيطرة على العالم العربي , وليس من باب المصادفة ان نجد ان من صنع هذه صورة النمطية في مصر وهو من يمتلك قرابة 13 قناة ويدفع الملايين لمقدمى البرامج الذين باعوا ضمائرهم وصاروا يحترفون خطف العقول , ليس من باب المصادفة ان نجده قد استفاد من برنامج المعونة التجارية الذى تقدمه امريكا لمصر نظير صناعة جواسيس.

يا سادة الانقلاب هو الاحتلال في ابغض صوره , ولا مناص لدحره والا فعلى الاسلام والعدل والحريو والمنطق السلام.

****************

الخميس، 24 أكتوبر، 2013

سيد أمين يكتب : أنات من دفتر الوجع الوطنى

* في نهاية فبراير الماضى .. اخبرتنى احدى السيدات التى تعمل في مجال "الاعلانات" والتى يعمل زوجها بالأمن القومى أن هناك خطة لخلع مرسي كانت ستجري في يوم 25 يناير من هذا الشهر وان ما افشل الخطة انذاك هو عدم وجود الظهير الشعبي لها .. وان الظهير الشعبي تم التخطيط لاعداده "تقصد حركة تمرد".. ومرسي لن يكون بالحكم مع حلول شهر يوليو .. بل سيكون هو وكل من يؤيدونه في السجون .. ورجحت ان يتم ذلك في ذكري ثورة يوليو.. وكتبت ذلك في تدوينة على صفحة الفيس بوك الخاصة بى يمكنكم الاطلاع عليها والاطلاع ايضا على تدوينة اخري في شهر مارس عن أن احد الاشخاص المندسين على التيار الاسلامى "وكل الصحفيين يعرفون عنه ذلك" أكد انه في شهر اغسطس سيتم ذبح الاخوان المسلمين ذبحا ..وقد يتم تهجير الملايين من المصريين الى مرسي مطروح لاقامة دوبلة اسلامية عليها .. ووقتها كتبت هذا الكلام ووصفته بالهراء .. لكن اتضح اننى انا من كنت اهذى.

ملحوظة: السيدة والسيد كانا يحاولان تجنيدى لصف الثورة المضادة ..والمقابل تعيينى في الاهرام بالكادر الوظيفي.

* حقا مصر ام المعجزات .. فقد شاهدت اليوم في احدى قنوات الفلول .. الاعلان عن انشاء حركة - هى بالقطع وهمية بل وامنية - تسمى نفسها "الشراكة الوطنية بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو".. المعجزة ان الحركة جمعت بين الثورة والثورة المضادة في كيان واحد.. واعضائها لن يكونوا الا من الكيان الثانى اى "الثورة المضادة".. لانهم هم الذين بحاجة للاختباء والخداع .. فالثائر لا يكذب ولا يختبئ.

* سمعت ان حمدين صباحى قال انه اذا رشح السيسي نفسه للرئاسة فذلك من شأنه ان يذكى "ادعاء" ان 30 يونيو كانت "انقلابا"..يتزامن مع ذلك ما ذكره صفوت الزيات من ان السيسي يطلب من امريكا تأمين خروجه من الحكم وهو ما اكدته ايضا صحف غربية .. أظن الحكاية كدة صارت اكثر وضوحا .. مطبخ الانقلاب يجهز طبخة تانية.. وسواتر الدخان بدأت .. بالهجمات ضد الاقباط كالعادة .

*يحز في قلبي ان يزج البعض باسم "عبد الناصر " وهو منهم برئ ..للترويج لمخطط "شخرمة " مصر ..وجعلها دولة السداح مداح .. التى لا يصلح معها رتق ولا فلاح .. ويضع هؤلاء المنتسبين للناصرية زورا وبهتانا وجهلا وامنا - من امن الدولة - يدهم في يد الصهيونية التى تخطط للفوضى .. ونرفض الاخوان لخوفها من تمردهم عليها اعتمادا على تنظيمهم القوى .. وهو التنظيم الذى يفتقده اى تيار مصري اخر .. مما يعنى ضعف صمودها امام الصهيونية التى حكمت وتحكم وستحكم مصر.

* هبلا .. يعتقد البعض ان الوزارة التى تمثل عموم المثقفين في مصر .. هى وزارة الثقافة .. لكن الحقيقة ان تلك الوزارة هى فقط مقهى للشواذ والمعتوهين منهم .. اما التمثيل الحقيقي لهم ففى وزارة الداخلية .. فهى التى تقوم بفرز المراد تقديمهم للعامة كمثقفين وهى التى تقوم باعدادهم وتثقفيهم بطريقتها.. وهى التى تقلدهم انواط النجومية والحكمة .. وهى التى تفتح لهم الخزائن والمسئوليات.. يبدو ان مسئوليات وزارة الداخلية فى مصر ثقيلة جدا. . كتر خيرها.

*شهادة لا يصح ان اكتمها: في شتاء 2002 كان لى صديق يدعى محمد يوسف وكان هاويا للتمثيل بشكل جنونى .. جاء لى ذات مساء يقص على حكاية غريبة .. وهى انه اثناء تواجده في مسرح "..." بشارع القصر العينى .. استطاع ان يلتقي الاستاذ "محمد س" اثناء خروجه متعجلا وحصل منه على موعد لمقابلته فى مكتبه بالاهرام - وكان "الرجل الـخـ......" يدير المسرح على ما اتذكر بجانب عمله كصحفي فى الاهرام - وذهب صاحبنا له في الموعد المحدد طالبا منه منحه فرصة "تمثيل" ..لكنه فوجئ بان الرجل العظيم يطلب منه دون حياء او خجل ممارسة "اللو.." معه كمقابل لان يؤهله ليصير نجما مصريا.. انخرط الفتى في بكاء ممزوج بالسخرية والاشمئزاز ..وقرر ان يطرح فكرة التمثيل جانبا بل عاد الى قريته بمركز ابشواى بالفيوم .. ربما لو وافق صاحبي لكان الان فى اللجنة التى تعد دستور البلاد ولصار واسطة لمن هم امثالى.


خبر نشر فى المدونة بتاريخ 12 ابريل 2013

تفاصيل خطة الانقلاب على الرئيس المصري فى ذكرى ثورة يوليو

http://albaaselaraby.blogspot.com/2013/04/blog-post_7963.html

****************

الجمعة، 11 أكتوبر، 2013

هل يدخل السيسي موسوعة جينيس القياسية؟ بقلم سيد أمين

 فعلا هو رجل لا مثل له فى التاريخ ..بما يرشحه للدخول في موسوعة جينيس " للاجرام" .. فالسيسي قتل في 100 يوم حكمنا فيهم الاف المتظاهرين "قنصا" في رابعة والنهضة والمنصة والحرس الجمهوري ورمسيس وفي العديد من المحافظات .. السيسي قتل بعض المتظاهرين المصابين "حرقا "في رابعة والنهضة ..السيسي قتل المتظاهرين "خنقا " في سيارة الترحيلات .. السيسي قتل بعض المتظاهرين المعتقلين "صعقا" بالكهرباء .. السيسي قتل المتظاهرين "دهسا" في مظاهرات بالاسكندرية .. السيسي قتل المتظاهرين "حسرة" على ذويهم الذين استشهدوا.

ومن العزف المنفرد الذى يقدمه السيمفونى الكبير الجنرال السيسي انه يقتل البنت او الولد ويعتقل ذويها او ذويه بتهمة قتلها او قتله .. ويعتقل المتظاهرين بحجة اقتحام "الميادين" .. وجنوده ينهبون اثناء تفتيشهم البيوت كل شئ .. سواء مجوهرات أواجهزة اليكترونية .. بل أن الجنود الذين يستشهدون يتم اتهام الاخوان بقتلهم ثم نكتشف بعد ذلك ان الجنود القتلى ايضا كانوا اخوان.

ومن خصال السيسى ايضا انه الرجل "الجامع" .. حيث قام بجمع شمل الاسرالمصرية في السجون والمعتقلات .. ولم يترك حتى الاطفال ..ومع ذلك فهو ايضا الرجل "الخاص" الذى يجب ان يتم سن قانون خاص به يجعل وزارة الدفاع ميراثا له مدى الحياة..هو نابغة هذا الزمان وتاج عزه وفخره..من والاه نجا وربح واشتهر .. ومن عاداه رصاصة طائشة تقصم رأسه الى نصفين.

المدهش ان السيسي هو الوزير الوحيد فى الكون الذى يعين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اللذان من المفترض انهما يحكمانه .. والاكثر غرابة ان السيسي صاحب القرار الاول والاخير فى التموين والمواصلات والحكم المحلى والرواتب والاقتصاد والاعلام والبترول والعلاقات الدولية مع ان التخصص الذى من المفترض ان يتحدث فيه وهو العسكرية لم نسمع له صوتا فيها.

ولم يسبق ان حدث فى اى عهد من العهود في مصر ان قتل 9 صحفيين في ظرف 100 يوم ,حتى سوريا , التى يقاتل مسلحون يملكون الصواريخ والمدفعية والاسلحة الثقيلة قوات النظام لم نسمع عن مقتل هذا الكم من الصحفيين فى مثل تلك المدة الوجيزة ,فضلا عن اعتقال قرابة 40 صحفي وظهر في عهده اغرب اتهام يوجه لمصور صحفي وهو حيازة كاميرا.

في 100 يوم حكمنا فيهم السيسي السجون صارت اكثر .. والاسعار صارت مرتفعة جدا .. والرواتب اصبحت بلا حوافز ..والاعلام شغال على "ونق" واحد .. والبطالة صارت خانقة .. والحانوتية فقط شغلهم زاد.. والاكاذيب زادت .. وسيل الاشاعات لا ينتهى .. وتوفي المنطق بالسكتة القلبية .. والضمير انتحر .. والاحساس لايوجد .. والسعادة لا توجد ..والرحمة لاتوجد .. والحب لايوجد .. بصراحة السيسي اثبت انه رجل فريد من نوعه ..يستحق الدخول لموسوعة جينيس.

************

الاثنين، 7 أكتوبر، 2013

سيد أمين يقدم :مظلمة الى القاضى العادل

هذه معركتك يا مولاى ..وهؤلاء عبادك

نتقدم اليك يا مولانا بالمظلمة, وانت اعلم بها منا , فقد جارت علينا قوة باطشة , تجبرت وتكبرت واستعلت , واعملت فينا القتل والتنكيل , وقدمتنا شياها شيا في مشارف يوم النحر الاكبر , ويا ليتها لك , ولكن لماسونيتهم التى تحكمت وترسخت وسيطرت في بلادنا, ونحن عبادك وندافع عنك وعن علو اسمك واسم نبيك وأهل نبيك وقوم نبيك.

يا مولانا , هذا فرعون مصر يقتل الناس ويشويهم , ولا يشوى بالنار الا رب النار, ويحرمونهم هواءك الذى اعطيت فيموتون خنقا في سيارة الترحيلات, ويبول جنده علي جثثهم التى كرمتها وجباههم التى سجدت لك تبغى لطفك ورحمتك وكرمك .. وبأسك وشدتك وانتقامك.

يا مولانا , فانت قررت لنا الاسلام دينا , وهم جهدهم الجاهد , وشغلهم الشاغل, ان يقطعوا في دستورهم الذى يسعون كل شعرة تربط بيننا وبينه , وسخروا من كل عبادك , واستذلوهم , واستباحوا دمهم ومالهم وعرضهم وارضهم وكل محرماتك الخمس , وصار يقرر مصير عبادك شاذ او قاتل او لص غير مؤمن بك , فهل هذا يرضيك يا مولانا؟

وانت يا مولانا , احببت العرب , ومن دون العالمين اخترت منهم سيد النبيين , واوصيتنا بتعلم اللغة العربية وتعليمها الناس وقلت انها لسانك الناطق , وهم يا مولاى يعيبون علينا اننا نتمسك بلغتنا العربية , بل ويسخرون منها ومنا , ويسلخون مصر في دستورهم الذى يعدونه فى منتداهم عن وطننا العربي , ويحيون ذكري فرعون فيها.

وانت يا مولانا , اوصيتنا بالفقراء , وقلت وقولك الحق "اما اليتيم فلا تقهر" لكنهم يفننون في قهر الفقراء , ويعتبرونهم من سقط المتاع , مجرد كائنات وفرتها سيحانك من أجل خدمتهم , خدمتهم في قصورهم ومزارعهم ومصانعهم ومراكز تدريبهم ونواديهم ,واذا ماتوا فهم يموتون بلا كرامة ولا قيمة.

لكنهم يتفننون في التنكيل بالفقراء , والتقوت علي دمائهم وعرقهم وكدحهم وجهدهم , وفرعون مصر يقتل الفقراء ويتغول عليهم ويتحالف مع لصوص اموال مصر , بل ويحميها لانه هو كبيرهم , انها الفاشية في ابشع صورها.

يا مولانا , انت احببت العدل وامرت به , بل وقدمته على الاحسان " ان الله يأمر بالعدل والاحسان" ولكن العدالة في بلادنا سقطت . وارتفع صوت الاكاذيب والاباطيل والغي , فانتصر يا ربنا لعدلك.

يا مولانا , اوصيتنا بالوحدة , والاخوة , وقلت "انما المؤمنون أخوة", وفرعون مصر يبذل قصاري جهده لتفريقنا ارضاء لاقاربه في تل ابيب , فجعلنا شيعا وخوارج , ومللا واحزاب , بعضنا يسخر من بعضا ويقتل بعضنا وينكل ببعضنا , وعبادك يا مولانا هم من يقتلون ويحرقون ويقدمون كقرابين لفرعون وحاشيته.

يا مولانا , اوصيتنا بالشوري , وقلت "امرهم شوري بينهم" وها هو فرعون مصر يرفض قسمة الشوري , ويغتصب السلطة , ويرفض ان يرتفع اى صوت للحوار سوى صوت القناصة والبلطجية والمأجورين و"الشمامين" والشواذ والخونة والعملاء.

يا مولانا , نحن نؤمن بأن العزة لك , ولكن فرعون يريد ان يحتكر العزة لنفسه, هو يغلق المساجد ويحرق المصاحف ويقتل حفظة كتابك, ويلفق التهم , وييسعى فى الارض تخريبا , ويقتل جنده كى يقيم علينا بدمهم الحرام الحجة.

يا مولانا فرعون مصر الأن يستعيد سيرة فرعون مصر الذى ذكرت , سحرته يسحرون البسطاء , ويسلبون منهم عقولهم , ويسخرونهم فى حرب معنا , ونحن ندافع عنهم , ونناضل من اجلهم , اللهم ابطل سحر فرعون وسحرته , ورد للناس عقولها , وضمائرها , وانسانيتها.

يا مولانا هان علينا فراق الرفاق والاحبة , والجيرة والخلان , والاهل والولدان , فداء لك , فاجعل اللهم فراقهم هينا على قلوب ذويهم وسيرتهم طيبة وممدوحة في العالمين , وحقق اللهم رجاهم وما خرجوا من اجله فماتوا احرار في دنيا العبيد لغير الله.

يا مولانا هذه معركتك , ونحن عبيدك , وانت قادر على ألا تصبحنا الا منصورين مكرمين , وقد ابلينا بلاء عظيما وجهدنا جهدا كبيرا , وسنستمر نبلى ونجاهد حتى نقيم عدالتك او نهلك , وما بقي لنا الا اللجؤ الى صاحب الفصل . القاضى العدل ليفصل بيننا , ويسترد حقوقنا ممن ظلمونا وتجبروا وتكبروا وبغوا.

هذه معركتك يا مولاى ..وهؤلاء عبادك

****************

الأحد، 29 سبتمبر، 2013

مصل مبارك .. يحكم مصر بقلم سيد أمين

*على طريقة المصل الطبي "حقن الميكروبات الحية بأخري ميتة" مما يسبب وفاتها .. هكذا فعل مبارك حيث حقن الاتجاهات الحزبية والسياسية بالامصال الميتة .. فظهرت وزعامات واحزاب سياسية "تمتد من اقصى اليمين الى اقصى الشمال في الوانها الفكرية " وكلها زعامات فشنك مصنوعة في لاظوغلى .. حيث مقر امن الدولة .. فظهر نادر بكار والبرهامى وامثالهما عن التيار الاسلامى "اسلاميون يؤيدون ذبح الاسلاميين".. وظهر حمدين صباحى وسامح عاشور وامثالهما عن التيار الناصري "ناصريون يؤمنون بضرب غزة والولاء للنظم الملكية " .. وظهر حسين عبد الرزاق وورفعت السعيد عن حزب التجمع الاشتراكى "اشتراكيون يؤمنون بالاقطاع ويتحالفون معه" .. وظهر ايضا السيد البدوى والسادات وامثالهما كليبراليين "ليبراليون يؤمنون بقمع الحرية وينتشون لقتل المتظاهرين وسرقة الحكم".

وللأسف امتد سرطان الامصال الى كل مناحى الحياة .. فهناك صحفيون وما هم بصحفيين ولا يجمعهم سوى الولاء للبيادة .. وهناك منظمات حقوق انسان لا يعنيها حقوق الانسان اساسا .. وهناك رجال قانون وقضاة مهمتهم الوحيدة هى طمس ادلة الادانة ضد الفلول واثباتها ضد خصومهم .. وهناك ايضا اعلاميون مهمتم تجاهل نقل الحقيقة والاجتهاد لصنع واقع مغاير ليتم نقله .. هناك فنانون مهمتهم محو كل ذوق رفيع لدى الناس وليس السمو بمشاعرهم واحاسيسهم.

في مصر مجتمعين .. مجتمع نشأ نتيجة النمو الطبيعى للمجتمع .. وهناك مجتمع اخر يشبه مجتمع الصوبات.. زراعاته تمتلك كل مقومات المزروعات الاصلية فخياره يشبه الخيار .. وبطيخه يشبه البطيخ .. وعنبه يشبه العنب .. ولكن لا علاقة بين الاثنين لا في الطعم ولا المذاق .. ولا حتى المعادن التى يمد أيهما بها الجسم.. بل ان احدهما يشفي مريضا والاخر يسبب له سرطانا.

*من عجائب المرحلة "السيسية" وان شئت " الصيصية" في تاريخ مصر الحديث ..ان كل من تعتبرهم خارجين على القانون يحملون لقب "دكتور" بل "استاذ دكتور" او "مهندس" أو "صحفي" او "محامى" .. ولم نجد بينهم شخصا واحدا ينخفض مؤهلة الى اقل من الجامعى .. يبدو أن "السيسيين" مصابون بالحول فيعتقدون ان الجامعات المصرية هى "غرز" بينما"الغرز" هى مفرخة "المواطنين الشرفاء".

* من يقول انه ناصري الهوى قومى الفكر وانه يدعم السيسي ويشبهه بعبد الناصر اطلب منه ان يقرأ الفاتحة على روح عبد الناصر ويطلب منه العفو والسماح لتلك الاساءة البالغة في حقه.. فالحقيقة ان عبد الناصري امضي حياته في مكافحة من هم مثل السيسي من انصار الرأسمالية المتعفنة وحماة الامبريالية والاستبداد ورعاة الرجعية والتسلط.

* القومى لحقوق الانسان قرر تشكيل لجنة للتحقيق في عملية اقتحام رابعة والنهضة وذلك بعد مضى 50 يوما من وقوع تلك المجازر .. وهى المدة الكافية لمحو كل ادلة الجريمة الشنيعة .. الامر الذى يثير شكوكا حول طبيعة تلك اللجنة "هل هى لجنة تحقيق في الوقائع بغية تمكين العدالة " ام انها "لجنة حصر ادلة الادانة وطمسها من اجل تمكين المجرمين من الهروب من العدالة"؟

انا اعتقد انها لجنة من اجل اعدام الادلة وخاصة ان المجلس طالب كل من لديه معلومات حول تلك المجازر ان يتقدم بها اليه .. حتى يتم طمسها او التخلص من مرتكبيها كما حدث في مقتل قناص بنى سويف وشقيقته.

النصيحة .. قاطعوا تلك اللجنة ولا تمدوها باية معلومات مهمة.. لانها لجنة غير مستقلة ولا محايدة بل كان مجلسها يحرض على المعتصمين..مل لم يكن مشاركا في المجازر

* علق احدهم حول تدوينة كتبتها عن تردد انباء عن قيام عدة دول اوربية وبوازع من ضمير لدى ساستها بوضع السيسي على قوائم الترقب والاعتقال لتقديمه الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته على ارتكابه جرائم ضد الانسانية وقتل الاف المحتجين السلميين .. حيث اعتبر هذا المعلق ان ترديد هذه المعلومات فيه خيانة لمصر .. وكأن السيسي هو مصر ومصر هى السيسي .. وكأن 5000 شهيد و10 الاف مصاب و8 الاف معتقل سياسي هم سقط المتاع لا قيمة لهم يجوز سحلهم وقتلهم وحرقهم واعتقال ذويهم وسبى نسائهم واستحيائهم " راجع ما قاله صحفي المانى اعتقل بالخطأ حول التحرش بالمعتقلات".

وحينما نطلب القصاص الذى اوصى به الله فى قرأنه ..نصبح خونة ..يا سيدى لا تحمل نفسك وزرا ..فعدم القصاص هو الخيانة لمصر ولله ..فعلا ان لم تستح فافعل ما شئت.

* ضربت لجنة الخمسين "غير الدستورية" التى كلفتها سلطة الانقلاب بتعديل "الدستور" رقما قياسيا في تمثيل الشواذ جنسيا والشمامين .. ضمت قرابة خمسة اعضاء .. من الشواذ " م.س" و "خ.ي" و " ع.ش" و"م.ع" و" ج.ن" فضلا عن "م.ب" و"ع.ص" و" م.ع" عن الشمامين .. ويوجد ايضا تمثيل واسع لرجال محسوبون على المخابرات..وحتى امن الدولة ايضا شملت تمثيلا واسعا ضم خمسة شخصيات.. الغريب ان الاثنين الممثلين للتيار الاسلامى في اللجنة ينتمى احدهما لامن الدولة .. والاخر يرجح انتمائه للمخابرات.

******************

الأحد، 11 أغسطس، 2013

عن الشبه بين عبد الناصر والسيسي؟ بقلم سيد أمين

روجت ألة الدعاية السياسية التابعة لجبهة الانقلاب العسكري الذى حدث في مصر في 3 يوليو 2013 أن ثمة تشابها بين قائد هذا الانقلاب وهو الفريق أول عبد الفتاح السيسى وبين جمال عبد الناصر , وبرهنت في سبيلها لايجاد هذا التشابه المزعوم , بأن عبد الناصر انقلب على شريكه في ثورة يوليو اللواء محمد نجيب حينما اقصاه من الحكم في انقلاب في 1954 , ورغم ذلك استمرت مشروعية حكم عبد الناصر , بل وتحققت على يديه اعظم "نهضة" شهدتها مصر في تاريخها بعد تلك النهضة التى تحققت في عهد محمد على..وبالتالى يصبح انقلاب السيسى مبررا ومغفورا وقد يحقق هذا الانقلاب نهضة مشابهة للتى حققها عبد الناصر.

والحقيقة ان هذا الطرح هو فى الواقع طرح ملفق جملة وتفصيلا , يقصد منه احكام لف العمائم على العقول لقبول انقلاب السيسي , وذلك لأن المتخاصمين في انقلاب 1954 جاءوا للحكم جراء شراكتهم في انقلاب عسكري سابق حدث في 23 يوليو 1952 , وهذا الانقلاب لاقي قبولا شعبيا واسعة فتحول الى ثورة تعبر عن ارادة الشعب لكونه جاء ضد ملك مستبد وأسرته التى لا تنتمى للبلاد وحكمت البلاد قرن ونصف القرن , وكان حكم هذا الملك حكما وراثيا كما هو معروف فى النظم الملكية , بل وتخضع ارادته لمحتل اجنبي يجثم على انفاس البلاد وبجوار هذا المحتل هناك كيانا صهيونيا يقف على الحدود ويريد التهام كل المنطقة العربية , وفى هذه الاجواء صارت ثورة 1952 عملا وطنيا بامتياز خاصة لوجود تمثيل بين الضابط المنقلبون لكافة فصائل المجتمع.

فيما اصبح انقلاب 1954 الذى قام فيه جمال عبد الناصر بسلب السلطة من اللواء محمد نجيب وان كان عملا قد ينافي الاخلاق الا انه قد يكون مبررا نظرا لكون المتصارعين سواء أكان نجيب او ناصر جاءا نتيجة انقلاب على ملك غير "منتخب شعبيا" وتم تعيين اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية ايضا بطريقة غير "منتخبة شعبيا" ثم حدث الانقلاب وجاء عبد الناصر في 1954 بطريقة "غير منتخبة" ايضا , وبالتالى لم تحدث خيانة للارادة الشعبية التى لم تستشر اصلا انذاك , وهو عكس ماحدث فى انقلاب السيسى 2013 الذى حدث ضد رئيس منتخب شعبيا , وكان الاجدى للسيسي ان اراد ان يقف كحكم عدل بين متنازعين احدهما مؤيد والاخر معارض للرئيس د. محمد مرسي ان يطرح امر ولايته للاستفتاء الشعبي , بما يمثله ذلك من عودة لأخذ رأى الشعب صاحب القرار الاول والخير وهو من عين مرسي رئيسا للبلاد.

ورغم توارد المعلومات من الشرق والغرب بأن السيسي دبر لأمر الانقلاب قبل حدوثه بنصف العام تقريبا , وكانت وسيلته في ذلك حركة "تمرد" , الا انه اراد ان يعطى ديكورا شعبيا لهذا الانقلاب الا ان هذا الديكور سرعان ما ثبت زيفه , لأن مبرر الاحتكام لرأى الجماهير الذى راح يسوقه كمبرر للانقلاب , هو نفسه ما تجاهله وتلك الحشود المليونية المعتصمة في ميادين مصر منذ سبعة اسابيع رفضا للانقلاب , وبالتالى فان مبرر الانقلاب تآكل تماما ’ خاصة ان من وقوع حمامات دم وهو المبرر الثانى الذى ساقه السيسى لتبرير انقلابه , هو بالضبط ما حدث بعد الانقلاب.

ومع اهدار للمنطق ’ راحت الدوائر الاعلامية المرتبطة بالمجلس العسكري تربط لجماهير البسطاء محدودى الوعى بين عبد الناصروالسيسى فى ان عبد الناصر اعدم وسجن الاخوان المسلمين وان ما فعله ناصر قديما يفعله السيسي الان وبالتالى فثمة تشابه بين "البطلين" وان الاخوان المسلمين بالقطع صاروا اعداء للوطن’ والحقيقة ان تلك الدوائر اختارت اسوأ خطايا عبد الناصر وراحت تقدمها كبطولة , وهى خطيئة تخوين فصيل عريض واسع من المجتمع كالاخوان المسلمين وتهميشهم وسلب ارادتهم واقصائهم سياسيا واجتماعيا.

وتجاهل هؤلاء الادعياء مزايا عبد الناصر الحقيقية التى بنيت عليها اسطورته التاريخية وهى كونه معاديا لاسرائيل ومن وراء اسرائيل وهى امريكا وفرنسا وبريطانيا , وكذلك مشروعاته العملاقة وغيرها ’ كما كانت شعارته الاجتماعية قائمة على تحالف قوى الشعب العامل دون تمييز على اساس عرقى او دينى او جغرافي او ايديولوجى على خلاف ما يحدث الأن.

ونحن نقولها صريحة , اننا ممكن ان نقبل بانقلاب السيسي شريطة ان يقم بالغاء اتفاقية كامب ديفيد’ وسحب الاعتراف بدولة اسرائيل , واغلاق السفارات الاسرائيلية والامريكية , وتنويع مصدار تسليح الجيش , ونقل 100 الف جندى مصري باسلحتهم الثقيلة لاقصى نقطة في الحدود مع الكيان الصهيونى في سيناء , وان يقم ايضا بتأميم اموال كبار رجال النظام السابق ورجال اعماله امثال ساويرس ومحمد الامين واحمد بهجت ومنصور عامر وحسن راتب وغيرهم , وان يطبق نظاما قائما على العدالة الاجتماعية وحسن واعادة توزيع ثروة البلاد على مواطنيها , وعدم اقصاء اى مصري من العمل السياسي والمهنى والوظيفي لاى اعتبار كان , وقتها سنعترف بانقلابك يا سيسي ’ فهذا ما فعله عبد الناصر , ومن يرد ان يكون كعبدالناصر فعليه ان يعمل "عمايله".

وبالقطع لن يفعل السيسى اى شئ مما سبق , خاصة انه لا واشنطن ولا تل ابيب بعيدتين عن الانقلاب والادلة تملأ الشبكة العنكبوتية موثقة ومصوره.

الخلاصة ان عبد الناصر كان زعيما تحرريا ووطنيا بامتياز ’ اخطأ واصاب ولكن من اجل الوطن , ولو كان بيننا الأن لوقف موقفنا ..مع الشرعية ..وضد امريكا وتل ابيب حتى وان تبنى بعض لابسي عمامته موقفا مغايرا ’ فهو فى الاصل يسئ له.

*************

الجمعة، 19 يوليو، 2013

أصل حكاية ثورة مصر بقلم سيد أمين

مشكلتنا اننا حلمنا بأن هناك عصرا جديدا توزع فيه ثروة بلادنا بشكل عادل علينا بدأ.. ويعتلى المصريون الوظائف في بلدهم بشكل ديمقراطى ومنصف .. مشكلتنا اننا حلمنا باختفاء زوار الفجر والمتنصتين والمتجسسين .. وحملما بان يكتب كل منا ما شاء دون خوف من رقيب او حسيب الا فى حدود القانون .. حلمنا بدولة قوية ومستقلة لا تتبع احد ومتقدمة نتباهى بها .. وعشنا في هذا الحلم شهورا طويلة .. حتى صدقنا احلامنا وتجذرت فينا .. وفجأة اكتشفنا اننا نعود لابشع مما كنا علينا .. واكثر ظلما وجورا مما كان.

وكأن ما حدث فى 25 يناير 2011 ثورة شعبية خالصة ..وكأن الجيش والمخابرات والشرطة وأمن الدولة ورجال اعمال و اعلام مبارك انصاعوا لإرادة الشعب واحترموها..وكأن امريكا احترمت رغبة شعبنا فى التحرر من قيودها .. لكن الاحداث تؤكد انهم ما انصاعوا لارادة الشعب بل جعلوا الشعب ينصاع لارادتهم ويصير جزءا من لعبتهم فى ترميم نظام مبارك وليس اسقاطه.. حينما لعبوا على امنياته فى التحرر من الاستبداد ورموزه واعوانه وادواته.. فراح الشعب يهدر ويحطم قيود استبداد مبارك وعصابته .. وهو لا يدري انه جزء من مخطط كبير اطرافه تتوزع بين المخابرات الغربية والمصرية وقيادات فى الجيش والشرطة واعلاميون لترميم نظام مبارك عبر اقتلاع الرأس واستبدالها باخري مع الحفاظ على الجسد كاملا وذلك استباقا لثورة شعبية عارمة غير محسوبة تطيح بالجميع وتؤسس لمصر القوية الحرة المستقلة .. الا ان رغبة امريكا في اظهار الجانب الديمقراطى لهذا التحول جعلها تقبل باجراء انتخابات حرة في مصر رغم علمها بأن اى لجؤ للصندوق في مصر سيجلب الاسلاميين للسلطة .. ولما جاء الاسلاميون للسلطة ونجحوا عبر اربعة انتخابات متتالية .. اتبعت نفس الاسلوب الذى مارسته للاطاحة بنظام مبارك ابان ايام الثورة الثمانية عشر .. طوال عام كامل هى عهد الدكتور محمد مرسي حتى تخلعه في 30 يونيو بما يبدو للوهلة الاولى وكأنه ثورة شعبية ومع التعمق نكتشف انها مرفوضة شعبيا نظرا لكونها ثورة فوتوشوب صنعتها وسائل الاعلام وعناصر اجهزة الامن والجيش والمخابرات التى اسست حركة "تمرد" الهلامية .

وعموما وعام بعد عام وشهر بعد شهر ويوم بعد يوم يثبت التاريخ ان:

"قفا" عدد كبير من نخب أمن الدولة بمصر يزداد عرضا .. واخلاقهم تزداد حقارة .

ويثبت التاريخ أن شعب مصر هو الوحيد فى الكون التى "ثار" قديما على "الوالى العثمانى" فاستبدله بـ"الوالى الالبانى".. وان مؤسس جيش مصر العظيم ..هو أحد الضباط الفرنسيين تعرف عليه والى الاسكندرية صدفة اثناء ذهابه للتطوع فى الجيش الايرانى فقدمه لمحمد على.

ورغم ان الحملة الفرنسية قصفت البيوت بالقنابر واقتحمت الازهر بالخيول وحرقت المصاحف وهتكت اعراض الناس وسلبت اموالهم وابادت 70 ألف مسلم فى عكا وابتدعت اسلوب القتل على الخازوق ..الا ان نخب المصريين تناسوا ذلك ولم يعلق في ذهنهم سوى المطبعة وراحوا يحتفلون بالاحتلال الفرنسي مع ان المطبعة كانت ستدخل مصر عن طريق الدولة العثمانية .

ويثبت التاريخ أن "احمد عرابي" البطل المصري الأول الذى قاوم الاحتلال البريطانى لمصر ومع ذلك ظل المصريون لردح طويل من الزمن يعتبرونه هو سبب احتلال مصر وكان حاكم الزقازيق يتجه فى كل صباح لبيت احمد عرابي ليبصق على وجهه.

ورغم ان غالى باشا "والد بطرس غالى" رئيس وزراء مصر في العهد الملكى وافق على قانون "دانلوب" لتغريب مصر ومسح هويتها العربية والاسلامية الا انه بعد ثورة 1952 لم يتم الوقوف ضد تمدد اسرته بل ورث ابناؤه الوزارات المتعاقبة في مصر كابر عن كابر.

ورغم ان تاريخ الشعب المصري يأسف بشدة لمحاكمة دنشواى الشهيرة واتخذوها كدليل على وحشية الاحتلال البريطانى لمصر .. الا ان من يجب ان يدان هم القضاة المصريين الذين قضوا باعدام الفلاحين الابرياء وللأسف ترأس القضاة بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول باشا، الأخ الأكبر للزعيم سعد زغلول!! هل بعد ذلك كلام.

وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 ورغبة من بريطانيا في حماية ظهر وجودها فى مصر اثناء مجابهة الجنرال الالمانى روميل القادم لمحاربتها من بلدان المغرب العربي وجه المندوب السامي البريطاني سير مايلز لامبسون انذارا للملك من ” إما القبول بتشكيل النحاس للوزارة أو التنازل عن العرش” مع ان حزب الوفد الذى كان يتزعمه النحاس لم يحصل على الاغلبية التى تجعله يشكل الحكومة وكان خطابه الاعلامى للداخل يصدر نفسه وكأنه بطل تحرر وطنى.

وتعالوا نقرأ المشهد المصري الان قراءة جيدة وعميقة ومحايدة .. ورغم أن اليسار والمفروض انه يدافع عن المساواة بين الناس ورفض الاقطاع والتفاوت الطبقي .. الا ان يسار مصر ابتدع امرا جديدا فهو تحالف مع الاقطاع وتناسي امر التفاوت الطبقي ..بل سارع رموزه ليقتسموا مع الفاسدين الغنائم .

ورغم ان الليبرالية تتباهى باحترامها لكل دعائم الحرية بكل اصنافها وانواعها .. الا اننا نجد زعيم الليبراليين المصريين محمد البرادعى يتولى منصبه كنائب لرئيس انقلب على الشرعية ونجده وكل الليبراليين المصريين ليس يصمتون على تكميم الافواه واغلاق الفضائيات والصحف وقتل الصحفيين وحبسهم ومراقبة الحسابات الاليكترونية للمعارضين.. وسحلهم واعتقالهم وتلفيق التهم لهم وقتلهم  ..بل هم يبررون لها ..ومنهم من زاد وطالب بالتوسع فيها.

 أما السادة الذين دنسوا ثوب عبد الناصر بانتمائهم اليه وهو منهم برئ نظرا لكونهم شلة من الافاقين ولارزقية والامنجية بل والعملاء لاعداء عبد الناصر .. فمن المفروض انهم يؤمنون بالوحدة العربية .. وبالقضية الفلسطينية .. ومع ذلك تحالفوا مع من يعتبر القومية العربية هراء فاشى يجب مقاومته .. مثل البرادعى الذى دمر العراق وعمرو موسي الذى دمر ليبيا .. وتحالفوا مع اعداء عبد الناصر ومشروعه مثل السعودية والكويت والامارات.

نعم فالمشاهد كلها هزلية في مصر ..وبطولاتنا فى اغلبها  دون كيشوتية والنماذج لا تعد ولا تحصي.

 اننى اخلص الى طرح سؤال توجهه لى زوجتى كل يوم وصرت افكر فيه جديا  : هل يستحق هذا الشعب النضال من أجله؟ وهل صحيح أن من يتغطى بالشعب عريان؟

اقول لكهنة وعباد انقلاب 30 يونيو "الفاشل باذن الله":

هل سمعتم عن ثورة تستمر خمسة ساعات فقط ؟.. وهل سمعتم عن ثورة لم يخدش فيها شخص واحد ؟..وهل سمعتم عن ثورة خططت لها كل اجهزة الدولة وليس الثوار ؟ هل سمعتم عن ثورة تقوم بها الشرطة وأمن الدولة؟ هل سمعتم عن "ثورة" يغتصب فيها "الثوار" نحو 180 "ثائرة" فى يوم واحد فى ميدان"الثورة" ؟ هل سمعتم عن ثورة مدفوعة الاجر ؟ هل سمعتم عن ثورة "شعبية" تعزل رئيس منتخب لتأتى برئيس معين ؟ وتلغى دستور مقر به شعبيا وتستبدله بدستور كتبه اشخاص ؟ هل مات العقل والعقلاء؟

*****************

الاثنين، 3 يونيو، 2013

عن زهايمر العدالة بقلم سيد أمين

بعض الناس لديهم طاقة عجيبة لأن يتحولوا الى ببغاوات ..يرددون ما لا يفقهون ..ويدافعون باستماته عن وجهة نظر هم حتى لا يفهمونها..يدافعون عنها لدرجة تدهش من احتال فاطلقها .. وربما لو فهموها حقا لتحولوا الى أشد أعدائها .. الحقيقة أن الشعب المصري بحاجة الى تثقيف سياسي عاجل.

فقد أضفي بعض الساسة الانتهازيين القداسة الواجبة على القضاة واحكامهم فى غير محلها, وهم يقصدون باضفاء تلك القداسة ليس الانحياز نحو تقديس احكام القضاء بوصفها عنوان الحقيقة الكاملة كما يقولون ولكن لأنها انحازت اليهم فى معركتهم مع خصومهم , وما ان تتغير معادلات القوى , او طبيعة القضايا , فتقتص منهم ,حتى نجدهم يعودون لسيرتهم الاولى يقلبون ظهر المجن للقضاء.

وكان الاولى لهم حتى لا يقعون فى نقيصة مدح ما ذموه , وذم ما امتدحوه , أن ينحازوا للحقيقة بوصفها عنوان العدالة , وان يكونوا عند حسن ضمائرهم بهم قبل حسن ظن الناس.

والحقيقة أن االحكم الذى اصدرته المحكمة الدستورية مؤخرا بحل "الثلث" الفردي لمجلس الشوري وارجأت تنفيذه .. كشف غطاء الجريمة التى ارتكبتها في حكمها السابق بحل "كل" مجلس الشعب في ذات الدعوى الحاصة ببطلان الثلث الفردي فقط .. وهنا نجد انفسنا نطرح سؤلا :لماذا اختلف الحكمان مع ان السبب واحد ومصدرهما أيضا واحد ؟

قطعا .. حكم الدستورية يعد اعترافا واضحا منها بالخطأ الذى ارتكبته في حل مجلس الشعب مما يفتح المجال للحديث حول امكانية تطبيق الحكم بأثر رجعى على مجلس الشعب ليتم انتخاب الثلث الفردي فقط محل الحكم واعادة انعقاده, احتراما وتقديرا لأصوات ثلاثين مليون مصري ذهبوا للجان الاقتراع واختاروا نوابهم.

المدهش أن ممارسات المحكمة الدستورية وأحكامها صارت تذكرنا بألاعيب الحواة ,فما أن حسم الفريق عبد الفتاح السيسى الامر بأن الجيش منحاز الى الشرعية وليس طرفا فى صراع سياسي حتى استخدمت المحكمة الاعيبها لاجبار الجيش للدخول مرغما فى اللعبة السياسية.

ورغم أن البنود الخاصة بمن لهم حق التصويت لم تتغير فى كل الدساتير المصرية منذ ثورة يوليو 1952 حتى الأن , وجميعها تمنع ضباط وجنود الجيش والشرطة من حق التصويت فى الانتخابات العامة بوصفهم رجال نظام , إلا أن المحكمة الدستورية بقدرة قادر ارتأت أن تصدر حكما بحقهم في التصويت فى الانتخابات , والأنكى انها قامت بإلقاء المواد الخاصة بالجيش والشرطة فى الدستور خلف ظهرها وراحت تحكم على مادة عامة روتينية موجودة فى كل دساتير العالم الحديثة بأن جميع المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات , وبالقطع اعتبرت ان من ضمن تلك الحقوق التصويت فى الانتخابات.

ولو كان الأمر كذلك فى فهم مساواة الحقوق والواجبات , ما وضعت امتيازات خاصة بسبب العمل لقاضى ولا لدبلوماسي ولا لشرطى ولا لصحفي وغيرهم , ولصار تنفيذ احكام القضاء اختياريا عند المتهمين.

ثمة أمر خطير , بقصد به شق الجيش المصري فى هذا القرار المريب , فماذا لو صوت صف الجنود لمرسي ,بينما انحاز صف الضباط لشفيق مثلا , وحدث ما حدث امام الاتحادية فى ديسمبر 2012 للتدخل لفض الاشتباكات , فهل سيدخلون جنودا وضباطا كمصريين في فض الاشتباك ام سينحاز كل منهما لجماعته؟.

ومع تزايد حملات الخطف والارهاب والترويع والبلطجة فى المجتمع , وما يقابله من تقاعس او عجز واضح - بقصد او بدون - من الشرطة فى تقديم أدلة اتهام حقيقية وقوية ضد هؤلاء الأثمين , كان الأمل الأخير معقود على ان يتم اعتقال بعض العناصر شديدة الخطورة بموجب قرار رئاسي , هنا سارعت المحكمة الدستورية بغل يد الرئيس , واعطاء المجرمين متسعا من الوقت , ومتانة فى تحدى قوة الدولة , مع أن المادة الخاصة بهذا الأمر كانت موجودة فى دستور 71 واستغلها مبارك اسوأ استغلال , بحيث سجن كل معارضيه وهم بالألاف – وليس البلطجية – ومع ذلك لم تنتبه المحكمة الدستورية لتلك المادة طيلة 30 عاما واكثر , واستدركتها فى عصر الرئيس مرسي الذى لم يكمل عامه بعد وهو بأمس الحاجة لمثل هذه المادة لصنع وطن مستقر.

هل نقول أن المحكمة الدستورية تعانى من "زهايمر" أم ان العدالة نفسها التى تعانى منه.

****************

الخميس، 23 مايو، 2013

بلاغ الى عدالة السماء بقلم سيد أمين

أحيانا يصادف الواحد منا عددا من الاشخاص هدفهم الاساسي تحطيم المعنويات والتأثير فى حالة اصحابها المزاجية العامة , وهى التى تعرف عسكريا باسم "الحرب المعنوية" او النفسية .

وفى اكتوبر الماضى .. اتصل بي احد الزملاء الصحفيين وطلب منى ان انضم اليهم فى حملة مهاجمة الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين .. بالطبع استفزنى هذا الطلب الاقصائى الانقلابي التآمري فرفضت بشدة .. فوجدته يخبرنى ان " الأمور متظبطة والراجل ده ماشى ماشى" – يقصد الرئيس - وقال لى أيضا "خليك مرة واحدة فى الطرف الكسبان وبص لنفسك ولمصلحتك ومصلحة اسرتك شوية" فزجرته .. ولما راح يسئ ادب الكلام قمت بحظره علي الفيس بوك.

وفى نوفمبر .. جزم لى ضابط شرطة برتبة عقيد ويعمل مأمورا لقسم شرطة بالقليوبية - فى الجزء الداخل فى نطاق محافظة القاهرة - أن اياما معدودات باتت تواجه مرسي كحاكم لمصر , وانهم يعتزمون اعتقاله فى القصر الجمهوري واعادته وجماعة الاخوان المسلمين الى السجون , وحدثت بعد ذلك احداث الاتحادية وكان صاحبنا هذا يؤمن المسيرات التى جاءت من شبرا !!

وفى ديسمبر ومع اشتداد احداث الاتحادية اتصل بي زميل اخر وكرر نفس ما قاله سابقه فزجرته ولكننى لم احظر صداقته لأنه صارحنى بعد طول حوار بأن "اكل العيش خلاه اخد موقفه ده ثم حيي موقفى" مؤكدا انه يخشى على من كيد أجهزة أمن مبارك التى سامتنى كل صنوف الاقصاء والتجاهل والتهميش والتنكيل قبل الثورة وقامت باقصائي من "المسائية" قبل وبعد الثورة أيضا.

ومنذ عدة أشهر وجدت احد الاشخاص ويسمى نفسه "محمود المراغي" يرسل لى رسالة تحمل احتراما كبيرا واخبرنى انه ابن المرحوم الاستاذ محمود المراغي القطب الناصري الكبير وانه لديهم وديعة مالية كبيرة وهم بحاجة الى اصدار صحيفة تعبر عن التيار الناصري والقومى وان صحفيين - ذكرهم لى - رشحونى لرئاسة تحرير هذا الاصدار الكبير خاصة لما امتاز به - فى نظره - من وسطية فكرية تمزج بين التيارات القومية .. فرحبت على الفور.. ولكنه عاد ليطلب منى مهاجمة مرسي ..فقلت له قطعا سأهاجمه حينما يخطئ وسأمتدحه حينما يصيب ..فوجدته يتحدث معتذرا عن امكانية شغلى لهذه الوظيفة قائلا يبدو ان من رشحونى لذلك خدعوا في شخصي..وانسحب من الحوار بأدب جم..وبعد ذلك عرفت ان اسرة المراغي الشريفة العفيفة تعانى شظف العيش- حال كل أسر مصر المحترمة التى لم تتقاسم لقمة الفساد مع المفسدين فى الأرض- وان الاستاذ محمود المراغي لم ينجب ابنا .. واتصلت بمن قال انهم رشحونى له فاخبرونى بانه اخبرهم باننى أنا من رشحتهم معى كمدراء للتحرير.

وفى مارس, التقيت احد الاشخاص "الملتحين" والذين عرف عنهم فى المحيط الصحفي عملهم "كمرشدين لأمن الدولة" وكان يعمل بشكل مباشر في حملة توريث جمال مبارك , مع أنه دائم الظهور فى الفضائيات كأحد المفكرين الاسلاميين "لا اقصد الهلباوي ولا الخرباوي" , المهم , التقيت هذا الشخص فى نقابة الصحفيين بصحبة احدى المنتقبات , وفتح معى حديثا حول الرئيس , فوجدته يخرج عن المنطق ويقول انه شهرا او شهرين وسيخرج الاخوان المسلمين من مصر نهائيا والا فسيقتلون بمئات الالاف , فقلت له مندهشا الى اين سيخرجون؟ ومن سيقتلهم ؟ فقال لى الى مطروح وسيقتلهم الشعب .. فقلت له الاخوان ايضا جزء من الشعب .. طبعا حينما رأنى اسخر من طرحه , قال لى أن غدا لناظره قريب , ووافقته القول ..المهم اكتشفت بعد قليل أن المنتقبة التى كانت معه هى "عاهرة" وانهم يقدمونها فى الاعلام كناشطة اسلامية ترفض حكم مرسي , وتظهر بشكل مستمر فى مظاهرات الفلول في مصطفى محمود .!!!

وفى منتصف ابريل اخبرنى صديقي من "المحلة" ان "هاتفي" مراقب" فنفيت له ذلك وطلبت منه الافصاح عن مصدر معلوماته فأقسم لى بكل الايمان انه تأكد بنفسه من ذلك وانه سيخبرنى بالتفاصيل شفاهة حينما يلتقينى ..ولم يلتقينى حتى الآن .. والاسبوع الماضى اتصل بى احدهم هاتفيا واخبرنى انه يخشى علي من مواقفى وان جهازا سياديا لن يرحمنى بعد اسقاطه لمرسي.. ومع ذلك اقول سيكفينى الله شر الجميع ..فمن حمانى من كيد مبارك واجهزة أمنه سيحمينى من تلك الاجهزة الأن.

ولكن لى عتب اجهزة أمن بلادى..هل صنعت هذه الاجهزة للتنكيل بأفراد شعبها, نصرة طرف على أخر..ام ان سبب انشائها- كما هو الحال فى جميع بلدان العالم- هو حماية شعبها كله..معارضته ونظامه..دون تمييز .. لأن هذه الاجهزة صنغت لحماية الاوطان .. وليس لحماية لصوصها.

**************

الثلاثاء، 21 مايو، 2013

هواجس حول أزمة الجنود المختطفين بقلم سيد أمين

رغم اننى استشعر طعم "الثورة المضادة" فى حادث اختطاف الجنود الستة فى سيناء نظرا لما رافق هذا الحادث الاجرامي الجبان من تكثيف اعلامى "مشبوه " ابتعد عن جوهر المشكلة المتمثل فى أن هناك جنودا مصريين اختطفوا في تلك البقعة المصرية التى غيب فيها الأمن قسرا بفعل اتفاقية كامب ديفيد وراح يصب جام غضبه على الرئيس وحركة حماس ولم تشفع عنده التصريحات المتكررة التى يطلقها قادة حماس بأنه لا شأن لهم بما يحدث في مصر مطلقا , بل وراحوا يغلقون الحدود والمعابر واعتبروها مناطق محظورة لحين تمكن الجيش المصري من تحرير الجنود المختطفين , واستباقا لاتهامات قد توجه اليهم بأن الخاطفين توجهوا بالمخطوفين الى غزة.

ومصدر شكوكى حول تورط "الثورة المضادة" في هذا الحادث , ذلك التكثيف الاعلامى المشبوه المبادر فى تصدير الاتهامات للرئيس وحماس, فضلا عن تساؤلات حول كيفية حصول وسائل الاعلام على الفيديو الذى أظهر الجنود المخطوفين يتوسلون لاطلاق سراحهم فى مشهد قد يتسبب فى احداث حالة من الاستياء لدى الجيش الذى خرج  قائده العام المتمثل فى الفريق محمد السيسى وزير الدفاع قاطعا الطريق على كل متآمر مؤكدا انحياز الجيش الى الخيار الديمقراطى بما يعني انحيازه الى الشرعية التى ترفضها الثورة المضادة , ونقصد أن هذا الفيديو كان يجب ان يصل الى مفاوضي الخاطفين في "اجهزة الدولة الامنية" اولا وليس وسائل الاعلام ,  الا اذا كان الهدف منه احداث تاثير استنكاري لدى افراد الشعب والجيش على حد سواء رغم أن واقعة اختطاف جنود مصريين حدثت نحو 19 مرة عقب ثورة يوليو حتى الان.

ومن الاشياء الملفتة ايضا انه فى ظاهرةغير مسبوقة فى تاريخ مصر أن نجد "جنودا" يتظاهرون احتجاجا على أى حادث يقع لهم فى سيناء, بل ويغلقون معبر رفح – فى اشارة ضمنية الى ادانة حماس- وهى التظاهرات التى لم تحدث حينما اقتحم مسلحون –فى زمن طنطاوي - وحدة امنية وقتلوا فيها قرابة 16 جنديا اثناء تناولهم طعام الافطار في رمضان.

ويعزز كل تلك القرائن , دليل قد يترك علامة استفهام كبري حول تزامن وقوع هذا الحادث مع بدء مؤتمر تنمية محور اقليم القناة , وهو المشروع الذى تخشاه دوائر دولية ومحلية متعددة , فداخليا قد يعزز نظام حكم الرئيس محمد مرسي بما يحققه من عوائد مالية عالية وتوفيره لقرابة المليون فرصة عمل , اما خارجيا , فالمشروع كفيل بأن يسحب بساط النجومية من دبي , بل وقد يقتل نهضتها الصناعية ويمحوها حينما يجذب الاستثمارات منها إليه , فضلا عن أن نجاح مشروع تنمية قناة السويس يعنى ضربة نووية وجهت الى تل ابيب بحسب ما صرح به ساسة صهاينة بأن تنمية سيناء تعنى انفجار قنبلة نووية في اسرائيل.

وما يلفت انتباهى ايضا , ذلك الانقلاب الفكري الذى جعل هؤلاء الذين كان يحلو لهم اتهام الداخلية "عمال على بطال" بالعودة للممارساتها القمعية في عصر مبارك, ويطالبونها بضبط النفس , رغم ما شاهدناه من انكسار شديد لها , لدرجة جعلتها هى التى تضرب بقنابل المولوتوف والغاز من قبل المتظاهرين وليس العكس ,وجنودها يسكب عليهم البنزين ويحرقون وليس العكس , رغم كل ذلك , وجدنا دعاة الرأفة واللين هنا , دعاة بطش وقوة هناك , الامر الذى يشى بمكيدة تدبر بليل للوقيعة بين مؤسسة الرئاسة واهالى سيناء.

وللحقيقة ..أن ما يزعجنى اننى لم اسمع صوتا واحدا من بين جميع "المتقولين" في هذه الازمة يرفع مطلبا تأخر كثيرا بأنه لا تنمية لسيناء دون الامن , ولا امن لسيناء ومصر لا تسيطر عسكريا الا على 58 كيلو متر من اجمالى مساحة عرضية قدرها 210 كيلو متر , وذلك بسبب بقاء اتفاقية كامب ديفيد اللعينة, تلك الاتفاقية التى تسمح للجندى الصهيونى بالوصول لاعماق سيناء قبل ان تصل لها قواتنا المسلحة.

*************

الجمعة، 17 مايو، 2013

تدوينات فى زمن الهلس بقلم سيد أمين

*هذه هى بعض التدوينات التى قمت بتدوينها علي صفحتى فى"الفيس بوك" وبناء على نصيحة صديقى عبدالله عمار اسميتها هذا الاسم.

*سنعبر حاجز الايديولوجية وننطلق الى افق العدالة الرحيب .. سنقف مع الشرعية - اى شرعية - طالما جاءت تعبيرا عن ارادة شعبية ..ولن نلتفت الى اى نقد غير بناء يوجه لنا..لأن الاتهامات غير المبررة ستذوب دون تدخل منا مع أول ضؤ لشمس النهار .. ولن نندم أبدا على موقف اتخذناه باملاء من ضمير حى .. نصرعلى أن يبقي دائما حيا .. ومع ذلك .. سنكون أشد الناس انتقادا لمن وقفنا بجانبهم فخانوا الامانة او حادوا عن طريق الحق والصواب.. ونكصوا عن الايمان بالديمقراطية.

*بالعمل الدءوب وسهر الليالى امام شاشات الكمبيوتر ..يستطيع اعضاء حملة "تمرد" جمع قرابة توقيع "مليار مصري" على سحب الثقة من الرئيس مرسي .. الأمر لا يحتاج إلا لتوظيف نحو ألف شخص من بتوع "الانقاذ" و"الاتحادية" – وطبعا فلوس الامارات موجودة - وهات "تركيب" اى ارقام واى اسماء .. وسجل .. وانا بنفسي سجلت استمارة لعباس ابن فرناس واخري لادولف هتلر وثالثة لجابر بن حيان .. بوصفهم يرغبون فى سحب الثقة من مرسي.!!! وجرب بنفسك على الفيس.

*من غرائب المعارضة المصرية .. انها تشكك وبشكل مفرط وغير منطقى وبلا سند فى كل انتخابات او استفتاءات حدثت فى عهد الدكتور مرسي وتستفز الناس بالجزم على انها مزورة .. وعلى النقيض بالغت فى مدح مشروعية توقيعات حملة "تمرد".. مع ان كل الانتخابات والاستفتاءات التى حدثت تمت عبر استخدام الرقم القومى واشرف عليها القضاة الذين يصرون هم وليس مؤيدو الرئيس بأنهم "شامخون" وكذلك منظمات المجتمع المدنى والفرز تم امام أعين الناس ومع رقابة منظمات المجتمع المدنى وبحضور مندوبي مرشحى الانتخابات ..بينما "تمرد" فرغم انها غيردستورية وغير موثقة .. وسهل تزييفها ..ومدفوعة الأجر في الأحياء الشعبية .. الا انهم يصرون على نزاهتها.. افلاس.

*من المدهش ان التهمة الجاهزة التى تلاحق كل من يرفض الانصياع الى ضغوط دعاة "الثورة المضادة" وصمه بأنه "اخوانى".. الامر الذي يجعل من "الاخوان" هم "الثورة" بمفردهم .

أنا ادعو كلا منا أن ينظر حوله .. ويعود بذاكرته الى ما قبل عامين مضيا .. سيدرك ان كل من هاجموا الثورة انذاك ممن كانوا يعملون "امنجية" لاجهزة أمن مبارك هم من يتشدقون الأن باسم الثورة .. بالقطع هناك نسبة شرفاء ساءتهم تداعيات الوضع الاقتصادى فانخرطوا لرفض الرئيس وهؤلاء مقدرين وان كانوا قلة مخدوعين.

* عشرات الصحفيين يعانون اشد المعاناة من بطش وتهديد وقطع ارزاق وتوجيه واوامر بـ"الفبركة"و"السبهللة" في صحف الوفد "السيد البدوي" والدستور "رضا ادورد" والتحرير "ابراهيم عيسي" والصباح "وائل الابراشى واحمد بهجت" ورغم ذلك لانجد صحيفة او فضائية واحدة او حتى كاتب واحد تحدث بكلمة واحدة عنهم .. وماتت فى حلوق "الثوار" العدالة.

*رغم تزايد حدة الحملة " الصهيونية -الاستخبارية- الفلولية -الخليجية -الانتهازية- الجهلوية" لخلع اول رئيس مصر منتخب منذ 7000 عام وصاحب اول ديمقراطية وليدة فى مصر منذ ان خلق الله الخلق وتزايد احلام الحالمين بعودة زمن الاستبداد والنهب بعد توقف دام اكثر من عامين .. رغم كل ذلك لا يساورنى الشك من يمينى او يساري ..ان الرئيس سيبقي لينهى مدته .. وسيحقق انجازات مشهودة رغم محاولات تعطيله ورغم الميراث الثقيل.

*شاهدت صحفي من "المقربين من أجهزة امن مبارك الحساسة " يضحك ساخرا بقوله مرسي بين فكي الرحى وسيسقط خلال شهر على الاكثر ..سألته عن السبب .. فقال ان الولايات المتحدة تسعي للاطاحة به .. والغرب يرفض تمويل مشروعاته.. ولذلك سيسقط قريبا.

قلت له ..والله انك دون ان تدري اعطيتنى برهانا جديدا علي وطنية هذا الرجل..واذا وقف الله مع أحد ..فلتتخلى عنه امريكا واوربا والسعودية وكل بلدان الطواغيت فى العالم. . انه اختبار للاعجاز الالهى.

*انا مشفق على معارضى الرئيس .. فقد استهلكوا في ثمانية اشهر الملايين على تأجير البلطجية ..ومع ذلك الرئيس المنتخب لم يسقط .. انهوا كل الحجج والمبررات لاستمرار الاضطرابات .. والرئيس المنتخب لم يسقط ..استنفذوا مخزون الشائعات فى العالم .. والرئيس لم يسقط .. راهنوا على ان يقوم الاعلام بخداع وعى الناس سريعا فيحدث هبة شعبية تطيح بالرئيس ..الا ان ما حدث ان الشعب لم يثر بل تبلد .. والرئيس لم يسقط ..اشعلوا الاضطرابات والتظاهرات الفئوية والطائفية والجغرافية والعمرية والنوعية .. والرئيس لم يسقط .. استهلكوا مخزون الاسماء التى يسمون بها جمعهم العبثية .. والرئيس لم يسقط ..تري كيف سيمضون فترة الاربعة سنوات وكل حيلهم نفدت ؟..حقا هم يستحقون الشفقة

*****************

الأربعاء، 1 مايو، 2013

تويتات في زمن الفرز - بقلم سيد أمين

*يبدو ان الثورة المضادة نجحت لحد ما في خداع البعض بالانقلاب على الثورة عبر استخدام شعار "مكافحة الاخونة" الوهمى.

* من معالم مصر الخالدة على مر التاريخ .. الجامع الازهر , اهرامات الجيزة , برج الجزيرة , اثار الاقصر , اغلبية مغيبة , قضاء فاسد , نخبة مأجورة.

* كل الدلائل تشير الى أن معركة ازاحة مبارك ..كانت أسهل معارك الثورة .. وأن هناك "عشرميت" مبارك لا زالوا يتحصنون في قلاعهم .. الثورة عاوزة رجالة .. كى تصل الى بر الامان.

* المعارك الهلس , هى فى الاصل معارك لحساب الغير , يقاد الواحد منا فيها اقتيادا , ظنا منه انه يحسن صنعا , بعض القوميين او بالأدق الناصريين اعتبروا ان معركة القادسية الخاصة بهم فى المقطم وليست فى القدس .. أخص.

* بعد مهرجان البراءات الذى يدشنه قضاة مبارك ..نناشد رئيس الجمهورية بسرعة مناقشة قانون السلطة القضائية فى مجلس الشورى وتطهير القضاء من امثال هؤلاء الفاسدين قبل ان تحكم الدستورية فى 12 مايو القادم بحل مجلس الشورى

* مؤامرة قضاة مبارك توشك على الاكتمال ..اشهر قليلة وبعده لن نجد لا دستور ولا شورى ولا رئيس وسنعود الى ما قبل الثورة ..واخشي ان نبحث عن مصر فلن نجدها

* القضاء احد اهم معالم الفساد فى مصر .. حاجة فى الفساد كدة زى الهرم مثلا

* مرسي لا يحكم فى مصر اكثر من 10% والباقي يحكمه شفيق واجهزة امن مبارك .. وعلشان كدة بيضربوا فى الراجل ضرب موت علشان يسيب العشرة فى المائة اللى سيطر عليها كرئيس منتخب وشرعي

* لا يمكن ان نكون قد قمنا بثورة ثم نتعامل مع "مبارك" طبقا للقانون الذى هو وضعه ليحكم فيه القاضى الذى هو عينه بأدلة جمعتها أجهزة أمنه التى قتلت المتظاهرين وحمت الفساد طيلة 30 عاما او يزيد ..ونأتى بعد ذلك نتحدث عن ثورة .. ولو كان الامر بالقانون لتساءلنا :هل الهبة الشعبية - المخلصة وغير المأجورة - التى حدثت منذ 25 يناير حتى 11 فبراير 2011 كانت عملا قانونيا.. أنا اخشي ان يحكم قضاء مبارك بعدم شرعية الثورة.

* تحاول عناصر الثورة المضادة ايهام الناس أن الرئيس محمد مرسي يتحكم فى كل مفاصل الدولة .. والحقيقة ان مصر لها خمس رؤساء ..الرئيس الشرعى الوحيد فيهم هو محمد مرسي .. وهم : محمد مرسي - رئيس المخابرات - وزير الدفاع - احمد شفيق رئيس الثورة المضادة - جبهة الانقاد والسفارة الامريكية , والأربعة الأواخر يمكن أن يتلاقوا إلا مع الأول.

* فليعذرنى رفاقي ان لم يشاهدوا ما اشاهده فى المشهد السياسي المصري.. فالتيار الاسلامى هو من يرفع لواء الثورة الأن وهو من يحميها .. والثورة المضادة التى يغذيها الجهاز "الحساس" لأمن مبارك تتخذ من عنوان مقاومة "الأخونة " شعارا لها حتى تخدع به عقول البسطاء ..ولكن للاسف انخدع به بعض "الثوار"..نأمل أن يدركوا الحقيقة التى صارت واضحة كشمس يوليو.

* الزميل الاستاذ خالد داود المتحدث الرسمى باسم جبهة - لا مؤاخذة - الانقاذ .. كان له سجل نضالى بارز ضد المخلوع مبارك .. لذلك قام مبارك بتعذيبه وتعيينه فى مؤسسة الاهرام - وما ادراك ما الاهرام ورواتبها وهداياها - وليس ذلك فقط بل نكل به وقام باعطائه موقع قيادى فيها وزاد فى التنكيل فأرسله الى واشنطن - وما ادراك ما واشنطن لدى مبارك - ليكون مندوبا لصحيفة البلاد الرسمية الاولى وليتقاضى راتبه بالدولار ..بخلاف عمله في جمعية الصوت الحر الممولة من امريكا.. يا عينى على العذاب اللى تعذبته يا خالد يا ابنى

* اتفق مع كل ما ذكرته افتتاحية القدس اللعربي ..ان ازلام مبارك يقودون الثورة المضادة وان اجهزة الدولة تعمل ضد الرئيس خدمة للنظام البائد ويستأجرون البلطجية لاشاعة الفوضى والانحدار بمصر الى الهاوية وان هناك حالة تطهير ايديولوجى ضد الاسلاميين وانه يجب على الرئيس ان يخرج على الشعب ليقول الحقائق كاملة ويحتمى به.

* جبهة تخريب مصر ورجال اعمالها الذين يمولون تأجير البلطجية .. يقتلون المنطق والفكر ..ويبررون البلطجة ويرتكبون الجرائم .. ويخدعون الناس ويزيفون الوعى .. ويؤخرون البلاد .. وينشرون الفوضى .. واقول لمن يدافعون عنهم وعن مصالح اعضائها الشخصية .. لو كان مقر جماعة الاخوان بالمقطم غير شرعي ويجب حرقه فلنحرقه؟ بشرط ان نحرق كل ما هو غير شرعي فى طول البلاد وعرضها واولها جبهة تخريب مصر..

*غدا ..سيضحى رجل الأعمال  والجنرال الهارب ببعض من النقود ليعطيها للبلطجية لمصاحبة بعض المخدوعين من اجل ان تسال الدماء فى المقطم .. فى جمعة جديدة من جمعنا العبثية التى لن تضيف جديدا ولا تغير واقعا ..الغريب ان الدماء التى ستسال هى دماء هؤلاء المخدوعين بوهم الثورة؟ وفى المقابل ستزداد ارصدة ثوار ما بعد الثورة البنكية "الحنجورية نجوم الشاشات" وسيزداد الفقراء معاناة..ولن يتغير شئ.

*****************

الثلاثاء، 23 أبريل، 2013

حول سياسة "الضحك على الدقون" - بقلم سيد أمين

لم تكن عبارة "الضحك على الدقون"الشائعة مثالية الاستخدامات فى تاريخها كما هى الأن , فتصرفات جميع اللاعبين فى المشهد السياسي المصري سواء كانوا قوي خارجية , أو معارضة داخلية , او حتى حلفاء تاريخيين , توحى بأن الجميع يمارس لعبة الضحك على الدقون , والاستخفاف بإرادة الشعب والسخرية من المنطق.

ومن علامات الضحك على الدقون أن أمريكا "كوصي تقليدى على مصر" راحت ترسم شعورا وجدانيا فى اذهان الناس بأنها تدعم التيار الاسلامى لحكم مصر, وأنها هى صاحبة الفضل في " توصيل" الاخوان لحكم هذا البلد , وخرج محللوها الفضائيون "المصريون" يزيدون ويزبدون عن علاقة التيار الاسلامى لا سيما "الاخوان المسلمين" بأمريكا , ويروون القصص التى ترقي لمرحلة "الأساطير" عن شرود "الأخوان" عن التيار الوطنى وارتمائهم فى الحضن الدافئ لأمريكا منفذين لأجندتها محققين لطموحاتها فى المنطقة.

والغريب ان من يروجون لمثل تلك الأقاويل يضربون عصفورين بحجر واحد , فهم يهاجمون الرئيس مرسي ويجردونه من أدوات مقاومته للهيمنة والتبعية الامريكية , وكذلك يدافعون عن مبارك ونظامه ويصورون للناس وكأن مصر مبارك كانت تقف في صف "دول الممانعة" لأمريكا وليس" الموالاة والانبطاح" لها , وأن مبارك كان يقوم بدور الصقر المدافع عن البلاد وليس العراب الصهيونى , الذى يسلم بلداننا العربية دولة تلو الاخري لأمريكا واسرائيل.

ونحن نسأل مرددى مثل تلك المغالطات : هل كانت مصر دولة حصينة عن التبعية لأمريكا واسرائيل قبل مجئ مرسي ؟ واذا كانت حصينة فلماذا اتهمنا مبارك بالعمالة لإسرائيل اثناء الثورة وهى اعتبرته كنزها الاستراتيجى ؟ وكيف نفسر قراراته الخارجية والداخلية التى لا تعد ولا تحصي والتى تصب فى اطار الاتساق التام مع مطالب أمريكا واسرائيل؟ واذا لم تكن حصينة , فإلى اى مدى تغلغل النفوذى الصهيونى فى مفاصل الدولة وأجهزتها على مدار ثلاثين او اربعين عاما ؟ وما الجديد الذى طرأ على هذا النفوذ فى عصر مرسي ؟ وما مدى تمكن مرسي من السيطرة على أجهزة الدولة فى الأشهر التسع الماضية ؟ وما العلاقة بين الاضطرابات التى تشهدها البلاد الان ومحاولة الرئيس تحطيم تابوهات الاجهزة وفك طلاسم الاختراق ؟ وهل إذا رحل مرسي عن الحكم ستنفلت قبضة أمريكا عن مصر؟ وما هى الدلائل؟ وما هى الضمانات؟

والمدهش أن من يتهمون التيار الاسلامى الأن بالأمركة هم فى الواقع من ظهرت عليهم علامات "العفريت" وليس التيار الاسلامى , وهم من تنفذ الولايات المتحدة الامريكية من خلال "بعضهم " أجندتها في مصر لاسيما فى منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الاهلية, وهم الأقرب لها ثقافيا واجتماعيا.

ولعله ليس من المصادفة أن يحمل هؤلاء نفس المبادئ والشعارات البراقة والفضفاضة التى تختبئ خلفها الامبريالية الامريكية خاصة والغربية عامة مثل حقوق الانسان والمرأة والطفل والاقليات, وهى فى الواقع شعارات معتبرة ولها تقديرها الا أن التجربة اثبتت ان أمريكا ما رفعت قط تلك الشعارات ضد اى نظام حكم إلا وكانت هى اول من انتهكها في شعبه ودمرته تدميرا , ولنا فى النساء المغتصبات والاطفال اليتامى والاقليات المضطهدة في العراق وافغانستان وفلسطين والصومال وحتى فيتنام عبرة.

ومن هنا فنحن لا نستغرب الهجمة الغربية الشرسة على مجلس الشورى ومحاولة ارغامه على الابقاء علي "ثغرة" شرعنة التمويل " الأجنبي" للجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدنى , ولا نستغرب ايضا أن يهب اصحاب "بوتيكات" المجتمع المدنى بمحاولة لى ذراع لمجلس الشورى الذى يرفض اضافة هذه المادة فى القانون وكيل الإتهامات له بأنه غير شرعي وغير وطنى ولا يعبر عن المجتمع المصري وغيرها , كما يتهمون الرئيس الدكتور محمد مرسي بأنه يمارس "ديكتاتورية" ويقمع "الحريات والأقليات والمرأة".

وها هى الدكتورة فايزة أبو النجا "ونعرف جميعا من هى" تصرح للاهرام العربي في 22 ابريل الجاري بأن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت نشر الفوضى والاضطرابات ووسائل إعلام في مصر بـ 150 مليون دولا "حوالى مليار جنيه مصري".

ولعل تصريح وزيرة التعاون الدولى السابقة يفضح اصحاب هذه البوتيكات الحقوقية بل ويفتح الباب للنظر على السلوك السياسي الذى تتبناه المعارضة المصرية ككل , لا سيما تلك التى اتخذت من "المولوتوف" شعارا لها ولم تبرع في شيء سوى فن الرفض والانتقاد ورؤية النصف الفارغ من الكوب والتركيز عليه والتشهير به ومحاولة سكب النصف الممتلئ , أليس ذلك من قبيل الضحك على الذقون؟.

أليس تدليسا أن تتحدث بعض أحزاب المعارضة عن ديمقراطية الانتخاب , وحينما يفوز من لا تهواه , تنقلب على المبدأ وترفع شعار " الحكم الائتلافى" , وحينما يجدوا من يدعوهم للحوار حول سبل تحقق هذا الحكم الائتلافي , يطلبون منه ألا يدعوهم للحوار قبل ان ينفذ شروطهم الهلامية غير المبررة , ألا يعد ذلك اهانة لارادة الشعب حينما ينتخب" زيدا" ليرأسه فنجد الساسة فرضوا عليه معه "عبيدا" , وإلا فسيف الاعلام المنحاز , مسخر على رقاب من يرفض دفع الاتاوة , ويكاد يثق فى انه سيصنع تحولا فى وعى "الاغلبية المغيبة" ويضمهم للقتال في صفه.

وليقل لى أحدهم , هل يستدعى أمر بقاء النائب العام الجديد المستشار طلعت عبدالله او استقالته كل هذا الضجيج وتعالى الصيحات والامتعاضات المفتعلة, وكيل الاتهامات غير المنطقية ضده , وهم من صبروا عشرات السنين على المستشار عبد المجيد محمود ويعلمون يقينا وليس شكا او احتمالا – نظرا لكون معظمهم صحفيين - انه فاسد حتى النخاع او يزيد , وحال سبيلهم يقول"أسد على وفى الحروب نعامة" فأين كانت حساسيتهم ووطنيتهم تلك طوال السنوات الظلماء التى عاشتها مصر, أم ان ظلام تلك السنوات كان نتاجا لتحالفهم مع فساد المخلوع؟.

كيفيطالبون الرئيس بالقصاص للشهداء وحينما يشكل لجنة تقصى حقائق يسارعون بتسميتها لجنة مرسي الاخوانية لطمس الحقائق , وحينما يرفعون الصوت بتطهير القضاء واقالة نائب عام مبارك , ويستجيب مرسي لمطالبهم يقولون أخونة القضاء , وحينما يمارس التطهير فى الشرطة يقولون أنه يأخون الشرطة وهلم جرا, يزعمون ايمانهم بحرية الاعتقاد ولكنهم يتباكون بكاء التماسيح تضامنا مع التيار السلفي الذى تصور ان التقارب المصري الايرانى يعنى "تشييع مصر"بل أن هذا التقارب كان مطلب للتيار الناصري منذ عدة سنوات , ولكن لا مانع من تغيير البوصلة مؤقتا واذكاء نارالخلاف طالما كان الامر يعنى انقساما فى التيار الاسلامى , فأين انت يا حمرة الخجل؟.

أنا والله لا يهمنى من يحكم , ولا مرجعيته الفكرية, طالما الجميع مصريون وطنيون , فقط يهمنى فيه ان يأتى بطريقة عادلة وبارداة شعبية حقيقية , وأن يضمن الاستقلال الوطنى ويعمل على نهضة البلاد ويحقق العدالة فيها.

**************

السبت، 30 مارس، 2013

الثورة وأوهام الثوار العشرة

 بقلم سيد أمين

وضعت الثورة المضادة التى تشتعل في مصر عدة اوهام في طريق الباحثين عن الخلاص وعمدت الى الجنوح نحو ازدراء الاخر والتشكيك فيه والاهتمام بعالم الاشياء والاشخاص قفزا دون المرور بعالم الافكار وغيرها , ونحن هنا نرصد عشرة اوهام رئيسية تذكرنا لحد بعيد بالاوهام الاربعة "السوق والمسرح والكهف والجنس" التى كنا نستذكرها فى مراحل التعليم الثانوى.

ومن اخطر الاوهام التى وضعتنا امامها الثورة المضادة الساعية لافشال كل حركة تطهير.. انها اقنعت بعضا من الناس ان حماس لا اسرائيل هى العدو الحقيقي لأمن مصر القومى , وان كل فلسطينى متهم بالتآمر على مصر حتى تثبت براءته , وان كل فلسطينى شكله "وحش" يبقي من حماس , هذا اولا.

كما نجحت قوى الامبريالية العالمية لحد ما على المستوى القومى العربي فى نقل العداء العربي للامبريالية الامريكية الى عداء طائفي بين الشيعة والسنة , هذا ثانيا.

اما ثالث الاوهام التى تسعي الثورة المضادة الى تأصيلها في الوجدان المصري اقناعه بان تأشيرة المثقف لابد ان تمر عبر تزكية العداء للتيار الاسلامى بوصفه تيارا رجعيا , بحسب وصفهم , ليس ذلك فحسب بل ان المثقف القومى لاسيما الناصري يجب ان يكيد كيدا للتيار الاسلامى عامة وللاخوان المسلمين خاصة وذلك حتى يثبت وفائه للقومية العربية او عبد الناصر كاحد رموزها , وخطورة هذا الوهم انه يضع المتحمسين الوطنيين فى قوالب جامدة لا تناسب الطبيعة المرنة للسياسة ولا الفكر بل انها تجعلهم يحكمون على الناس حكما مسبقا وبأثر رجعى , وبالقطع هذه "الشِرَاك" في اساليب التفكير لا تجعل المرء مفيدا للمجتمع بقدر ما تجعله مشعلا للحرائق.

وللرد الشافي على مثل تلك الادعاءات نقول انه لا خلاف بين التيارين الاسلامى والقومى بكافة فصائلهما مرجعيا , فكلاهما يعتبران ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة , وكلاهما يعانيان من صلف التآمر الغربي ضدهما ودفعا بمفرديهما -  احيانا - فاتورة النضال باهظة , وها هو ادوارد ماكميلان سكوت، احد نواب البرلمان الأوروبي يقول في منتدى اوربي حضره قادة جبهة الانقاذ المصرية بأن اوربا لن تسمح للفاشيين امثال دعاة القومية العربية او الاصوليين من الاسلاميين بحكم مصراو اى من الدول العربية , فالغرب يري فينا كلينا ما لا نراه نحن فى انفسنا.

واتخذت الثورة المضادة من "الكراهية الايديولوجية " لدى البعض تجاه الاخوان المسلمين خاصة والتيار الاسلامى عامة ذريعة لمحاربة الثورة ذاتها وهدمها من داخلها بحجة مقاومة "الاخونة" ..وتقويض منطقياتها ومكاسبها ومنعها من اتمام مطالب التطهير .. بل ان ذلك يأتى وسط تأييد اعلامى كاسح.. لدرجة انه جعلهم يعتقدون فى مشروعية اعتبارهم بان مطالبة الدولة عددا من رجال الاعمال - وهم موالون لمبارك- بدفع مديونيات ضرائبية ضخمة للغاية مستحقة عليهم حال الفساد طيلة عصر مبارك من تحصيلها لصالح خزينة الدولة الخاوية عملا عدائيا للاستثمار.. وصار "ثوار ما بعد الثورة" يدافعون عن رجال مبارك الذين كانوا يطالبون بمحاكمتهم منذ أشهر قليلة مضت.. مع ان الغاية من تشجيع الاستثمار فى اى دولة سواء فى العالم المتحضر أوالنامى على حد سواء هى ان تحصد خزينة الدولة الخاوية حقها في الضرائب من المتهربين وليس الحرص على امتلاء خزائنهم فى بنوك اوربا حتى الثمالة والدفاع عنهم وعن حقهم فى التهرب الضريبى هذا رابعا.

وبدلا من اننا كنا نعتبر حتى وقت قريب ان الحوار هو الوسيلة العاقلة والوجيهة لحل النزاع بين متنازعين شركاء في كل شئ تقريبا .. قام البعض باستعجال القفز فوق خط الرجعة وقطع شعره معاوية.. وراح يكرس كل جهده لتأكيد رفضه للحوار وكأن هذا الخيار عملا من اعمال الشيطان التى يتوجب التوبة منها وانكارها فور طرحها هذا خامسا .

وسادس الاوهام التى يسعى البعض الان جعلها معادلة منطقية القول بانه يجب على الحاكم ان يستشر الناس فى كل كبيرة او صغيرة يقوم بها وانه اذا لم يفعل فارادة الميدان اعلى من ارادة البرلمان .. ومنطقيا نجد ان ارادة الميدان - ويقصد بها ميادين التظاهر - لا تعبر عن الشعب الا اذا خرج الشعب بجميع فصائله ضدها ومصرا علي رفضها وهذا بالقطع صغبا للغاية ولكنه ليس مستحيلا .. بل ان شرعية الميدان يشترط فيها ان تأتى كعمل واع وعفوي وتراكمى - اى تكونت عبر فترة طويلة من الزمن - وان تكون اعتراضا علي عمل سياسي وليس خصومة فكرية وألا يكون احتشادها احتشادا مصطنعا ومأجورا ..وان تأتى فى ظل فراغ نيابي او برلمانى او فى ظل برلمان تأكد للجميع تزوير ارادة الامه فيه.

والواقع ان ارادة البرلمان هى سيدة الارادات وذلك لان هذا البرلمان متى جاء بانتخابات نزيهة وتحت اشراف قضائى عادل فسنضمن تمثيلا عادلا لارادة كل قوى الشعب.. اقلية قبل الحكومة ..ومعه لا يجب ان ترتفع اصوات اخري ..وهناك ايضا مشكلة اخري فى فهم شفافية القرارات تتعلق بالامن القومى ..وذلك لأنه من غير المعقول ان تبقي خلفيات كل القرارات معروفة للرأى العام مع ما يتضمنه ذلك من خطورة .

ومن اخطر الاوهام وسابعها الاعتقاد بان هناك حصانة ممنوحة لاحد على الدوام وفى كل الاحوال والاخطر منها اضفاء صفة الشرعية عليها بشكل مطلق .. بمعنى انه من حق الصحفي كنموذج مثله القاضى والشرطى وصاحب التمثيل النيابي وغيرها ان ينقل الاحداث ويكتب ويعب عن رأيه بكل حرية ولكن يحظرعليه ان يصنع الاحداث .. وتلغي حصانته الصحفية اذا شارك فيها.. وعلينا ان نتخيل ان صحفيا شارك فى مظاهرة من مظاهرات "المولوتوف" هنا يصبح قانونا واخلاقا مدانا لان دوره ان يصورها وينقل ما جري فيها بشفافية وصدق وليس ان يشارك فيها.. وبمشاركته سقطت حصانته الاعلامية مباشرة.. ويعامل معاملة المشاغبين .. كما يجب على الاعلامى عامة ان يفصل بين عمله كاعلامى وموقفه السيشاسي ولا يجوز له ان يخلط بينهما.

وثامن تلك الاوهام ..الاعتقاد بأن الثورة المضادة انتهت .. مع ان ذلك لا يعقل اصلا وذلك لأن عناصر النظام القديم التى تربت طيلة 40 عاما على المراوغة والمناورة وامتلكت الثروة والنفوذ الذى تستطيع بهما ان تصنع واقعا ممانعا مع ما تحقق سلفا لها من شبكات مصالح فولاذية مؤمنة ومتماسكة , بالقطع هذه القوي ستظل عائقا قويا امام الثورة لجزء كبير من الزمن وقد تنجح في اجهاضها اذا لم تجابه بتنظيم قوي ومتماسك ومؤمن بحتمية الانتصار.

وتاسع الاوهام واهمها على الاطلاق اعتقاد الجميع "عدا النخب" اننا بحق دول مستقلة , ولو كنا حقا دولا مستقلة ما اعتادت تلك النخب ترديد مطالبها فى الاتحاد الاوربي وامريكا لا القاهرة فى حلم لمواصلة احتلاله لهذا البلد الذى يسعي الان للتحرر..ويكفي هنا اشير الى ضرورة الرجوع الى " الكتالوج الامريكى الذي يحكم مصر بقلم محمد عصمت سيف الدولة" على شبكة الانترنت.

فضلا عن اعتقاد البعض ان الثورة المصرية نجمت بشكل عفوي, رغم وجود ما يبرر حدوثها , وهنا قد اختلف مع كثيرين , لكننى لن اعود للخوض فى تفاصيل كيف حدث ذلك فقد ذكرته مرارا وتكرارا ويمكن البحث على شبكة الانترنت عن مقالى " الاعلام المصري .. وحرب الأجهزة الأمنية "

 ولكن يكفي ان نقول ان الثورة العفوية لا يمكن ان تعامل خصومها بطريقة انتقائية, انها ثورة مخططة ولكن ضلت طريق مخططيها ,وهذا هو الوهم العاشر

**************

الأربعاء، 20 مارس، 2013

الثورة واعلام الحرب النفسية بقلم سيد امين

 يعرف خبراء الدعاية العسكرية سلاحا مبتكرا يسمونه الحرب النفسية , ويستخدم هذا السلاح من أجل خفض الروح المعنوية لجنود العدو وارباك قواته والتشويش على قيادته واضعاف قدرتها على التركيز والانجاز , فضلا عن اعطاء وثبة قوية لعزيمة الجنود فى الجانب المهاجم , وتسهيل المهام الحربية عليهم , وتتمثل خطورة هذا السلاح فى انه يحقق نتائج مذهلة ما كان لمئات الالاف من الجنود ان يحققونها , فضلا عن ان تأثير نتائجها على الجانب المعتدى عليه وفقدان ثقته فى قدرات قواته قد يمتد لفترة طويلة بعد انتهاء المعركة .

ويقول خبراء علم النفس السلوكى , ان اى مواطن مهما كانت رباطة جأشه وشديد ثقته بنفسه , حينما يشعر بأن ثمة احدا يراقبه فى كلامه او مشيه او تصرفه عموما , حتما سيصاب بالارتباك والتلعثم , وقد يتعرض لسلسلة متتالية من الاخطاء الجسيمة.

واستغلالا لهذه السيكولوجية , قام خبراء الحرب النفسية بابتكار "تكنيك دعائى" يسمونه " تحطيم الخصوم" وهذا التكنيك يعتمد بدرجة كبيرة على الدعاية السوداء المستمدة من التركيز الاعلامى الشديد علي العنصر المستهدف مع الانتقاد المتواصل له لدرجة تخلق حالة عامة من الرفض المطلق له حتى فى اقرب الحلقات شديدة الثقة به مما يصيب الشخص المستهدف نفسه بحالة فقدان ثقة وشك مطلق فى كل الثوابت .

وهذا التكنيك غير الاخلاقي .. استخدمه العرب الاقدمون فى حكايات سمرهم , مثل الحكاية التى نعرفها جميعا عن جحا وابنه وقصتهما مع طريقة امتطاء الحمار , وكذلك القصة الاخري التى ابتدع فيها جحا اكذوبة الفرح فى الحارة المجاورة من اجل ان يصرف اطفال يلهون ولما بالغوا فى تصديقه , اقتنع هو ان هناك فرحا بالفعل وذهب فى اثرهم.

ومن التكنيكات الدعائية الاخري التى يستخدمها الاعلاميون الأن , تكنيك "التكرار" فى ترديد المبررات والاتهامات لدرجة مملة بهدف خلق شرخ وجدانى عميق ووضع بذرة للتخوف والشك سرعان ما تنمو رويدا رويدا حتى تصبح "مسلمة" يقينية لا يجوز تكذيبها , كأن يكرر احدنا اتهام شخصا ما بأنه لصا رغم ما عرفه الناس عنه من التزام وامانة , فى البداية سيرفض الناس قبول الاتهام له ولكن مع اصرارنا على تكرار توجيه الاتهام اليه فى كل المناسبات يبدأ الشك يساور بعضهم فى صحة اتهامنا ويبدأون فى تأويل كل تصرفات الرجل ليتماشي مع هذه التهمة.

وهناك تكنيك "التضخيم" ويقوم فيه رجل الدعاية - ولا نقول اعلام لما يتوجبه من موضوعية - بتضخيم الاحداث البسيطة والصغيرة وتهويلها , كأن يتظاهر مئات الاشخاص فى مكان فنقوم بنقل التظاهرة وكأن الملايين شاركوا فيها , او ان يتشاجر بعض الناس بعضهما البعض فى مشاجرة عادية تحدث كل يوم منذ قديم الازل فنسميها حربا اهلية, ويقابل ذلك تكنيك "التجاهل" ويقوم على تجاهل كل امر مفيد يفعله الطرف الاخر بينما نقوم بالتركيز على حسناتنا ومميزاتنا .

ورغم ان التعميم من الاخطاء فى منطق التفكير الا ان هناك تكنيكا يقوم على مبدأ "التعميم" كأن نعتبر كل من هو ملتحى شخصا ينتمى للتيار الاسلامى , مع ان الرهبان اليهود وقساوسة المسيحية يلتحون ايضا , بل ان بعض شباب الهيبز ملتحون ايضا.

وهناك تكتيك "الترغيب والترهيب" وبالقطع كلنا نعرف مثل هذا النوع من وسائل الدعاية , ويقابلة تكنيك "الترغيب والتنفير" ويقوم بلصق ما هو جيد وطيب ومفيد باحد الاشخاص بينما يلصق عكس ذلك على الطرف الاخر لدرجة تجعل احدهما يبدو كملاك واخر كشيطان.

ويوجد ايضا تكنيك " تجريح الخصوم"ويهدف للنيل منهم واضعاف حالتهم المعنوية ويقابله تكنيك " التبجيل" كأن نضفي احتراما ومراتبا علميا على انفسنا وعلى فريقنا وعلى من يؤيدوننا , فى حين نتهم الاخرين بالجهل والتفاهة والسفه.

وهناك تكنيك "الشعارات الوطنية" كأن نضفى على كل ما نفعله شعارا وطنيا حتى ولو كان عملا تخريبيا , كأن نحرق مؤسسات الدولة لمنع الاخونة , وأن نستمر فى تظاهرات غير مبررة بهدف الحفاظ على مدنية الدولة - مع اننا نحن لا هم من يدعون لسيطرة الجيش علي الدولة بل أنهم هم لا نحن التيار المدني الداعى لمدنية الدولة فى هذه الحالة .

لقد اردت ان اسرد ذلك من اجل ان اضع للقارئ توصيفا علميا لحالة الانفلات الاعلامى الذى تشاهده مصر الان , ولأؤكد له انه ليس انفلاتا بما يحمله من علامات الفوضى ولكنه عملا مخططا وممنهجا من اجل تنفيذ هذه الحرب النفسية , مع ان المتحاربين هنا ابناء وطن واحد وثقافة واحدة, بل وجسد واحد واى محاولة لفصلهما عن بعضهما البعض تعنى موتهما معا , وبالقطع مصر ستبقي بكليهما لأبد الأبدين , فما هى الا سحابة صيف ستنقشع بمجرد ان يزول نظام مبارك وادواته واجهزة اعلامه التى تزفر الأن زفرتها الاخيرة قبل ان تفارق جسد مصر , هذا الجسد الذى اصابته بالهزال واخرته عن سائر الامم

*************

السبت، 9 مارس، 2013

تفاح الجن..وثوار ما بعد الثورة - بقلم سيد أمين

 منذ زمن بعيد , كتب الدبلوماسي الايطالى الشهير نيقولا مكيافيلليى كتابا لم يرقى لشهرة كتابه الأشهر "الأمير" ,عنون هذا الكتاب النادر باسم "تفاح الجن" وسطر فيه فصولا من حيل واعاجيب مارسها جن القيلولة للايقاع بضحاياه من الشاردين والتائهين وضعاف النفوس في تلك البقاع النائية.

درس هذا الشيطان الماكر نفسية ضحاياه من هؤلاء المعذبين وتعرف على مخابئها اكثر مما هم يعرفونها فى انفسهم وراح يمتطيهم كما تمتطى الجياد والحمير والبغال ويقودهم الى حيثما يحب ويهوي بشغف منهم واصرار فيهم فيلقي بهم الى التهلكة.

فصور هذا الشيطان الماكر لهم الرذايا وكأنها مزايا.. وثمار الحنظل وكأنها تفاح ناضج يفتح الشهية طعما ويسر الناظرين عينا.

والهدف من وراء استدعاء افكار هذا الكتاب الان , التذكير بأن ثمة هوة كبري بين النظرية والتطبيق , والقدرة والامنية, والظاهر والباطن , خاصة ان البعض يطرحون افكارا ورؤي بالغة "البهرجة والزركشة " لكنها تفتقد فى احيان كثيرة الى المنطق ..وهم يسعون من وراء ذلك الوصول الى نتائج اخري غير التى تقولها ألسنتهم , الا أن هذه الاطروحات الظاهرة صدقها بسطاء مسمطون بلا خيال, فرسخت فى مخيلاتهم , واعتبروا عينها عين اليقين , لا يمسها زيف او خداع او حول , رغم انها هى بالكامل مجرد زيف فى خداع فى حول وما كانت الا للتخديم على منطقيات الجلاد وليس الضحية.

ومروجو تلك اللا منطقيات الشائهة والدعاوي العبثية من قلة من الاعلاميين ارتضوا ان يعملوا كسحرة فرعون يزيفون الحقائق ليحيكوا غطاءا منطقيا يغطى ترهات ثوار ما بعد الثورة , اصحاب البطولات الورقية وصناع "ذوابع الفناجين" وهى البطولات التى تذكرنا لحد بعيد ببطولات اسماعيل يس وعلى الكسار.. الا ان الفارق هنا هو حسن نيه الممثلين الاثنين ورغبتهما فى اضحاك الناس وهو عمل حميد لحد ما, بينما الاخرون يفعلون ذلك بسؤ نيه واضح وافتقاد كبير للوطنية سواء أوشرف الخصومة السياسية , ويكيدون كما تكيد النساء حيث توافر لديهم الاستعداد لخرق السفينة والغرق فيها , طالما غرق بينهم من يكرهون.

والمشكلة ان هناك بسطاء صدقوا هؤلاء السحرة عارضي تفاح الجن , حينما اخبروهم انه لو سقط مرسي ستنتصر مصر , وفى الحقيقة انه لن تكون هناك مصر اصلا , بل ان الحسابات البنكية المتخمة باموال الشعب المسروقة هى فقط التى ستنتصر وستبقي , واللصوص سيستمرون فى اداء مهمتهم المقدسة فى امتصاص حليب البقرة الهزيلة البكماء الخرساء العمياء بمفردهم بعد توقف دام عامين من عمر التاريخ.

البسطاء صدقوا ان هؤلاء السحرة هم الثوار ولم يدركوا انهم فى الواقع ليسوا ثوار ما بعد الثورة فحسب ولكنهم ثوار على الثورة , هم لم يدركوا انه ما كان لمبارك واجهزته ان تمكن احدا ليعمل فى اى اقل المهن شأنا بالدولة ..ما بالك الاعلام .. الا بعد اداءه القسم واتخاذ ضمانات تجهيزه بان يكون كومبارسا لا دور له الا ما يلقن به , وكان الاكثر حظا وحظوة عند تلك الأجهزة هو هذا الذى يتم تقديمه للناس بوصفه معارضا للنظام , فيبدأون تدريبه على مهمة التمثيل او خداع الشعب , وسرعان ما ينجح فى اداء الدور فيصبح بطلا وطنيا وقف ضد النظام , مع انه هو قلب النظام ,لكنه اجاد مهمة الخداع واستطاع ان يصنع من الشعب مليون برئ كبراءة احمد زكى في فيلم البرئ .

وينسج هؤلاء البسطاء خيوط الاحلام ويبنون قصور تناطح السحاب بينما هى من رمال , املين فى وطن يكبر وينمو بينما هو ينهار , يعتبر الواحد منهم انه امتلك صندوق المعرفة بينما لا يعدو ان يكون ببغاء.

ويروج هؤلاء السحرة ضمن ما يروجون ان الاسلاميين الذين يحكمون "اسميا" مصر يريدون تسليم مصر لامريكا , وهم بذلك يمتدحون سيدهم ومولاهم مبارك ويعطونه صك الوطنية وكأن مصر كانت في عهده دولة مستقلة حقا , مع ان اى مراقب سياسي يعلم يقينا ان مشكلة الشعب العربي كله وعلى رأسه مصر انه صدق اكذوبة استقلال بلدانه؟.

بل ان المصريين صدقوا انهم وقعوا اتفاقا للسلام بينهم وبين اسرائيل يقوم على الندية وفى الواقع هو يقوم على الاذعان وعلى جعل مصر كلها وليست سيناء رهينة لدى اسرائيل.

ويحضرنى هنا دراسة مكثفة وقصيرة للدكتور محمد سيف الدولة ذلك المفكر القومى المخلص عنونها باسم "الكتالوج الامريكى الذى يحكم مصر" حيث اكد فيها ان اتفاقية السلام مع العدو الصهيونى انتجت خمسة محاور لهدم الدولة المصرية اولها جعل سيناء رهينة دائمة لاسرائيل وثانيها تدمير القطاع العام الذى يقوم بالصرف على المجهود الحربي واستبداله بمعونة عسكرية ثالثها صناعة طبقة من رجال الاعمال وبالتالي الاعلام الذين يدينون بالولاء لامريكا ورابعها صناعة منظومة حزبية وسياسية شاملة تقوم على الاعتراف بالدور الامريكى في مصر وخامسها عزل مصر عن محيطها العربي والانفراد بكليهما.

هل فهمتم الأن ماذا يحدث في مصر أم انكم لا زلتم تحتاجون المزيد ؟

هل فهمتم ان السادات قد صدق حينما وصف نتائج ما جنته يداه بقوله ان 99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا؟

هل فهمتم ان الجميع بلا استثناء يذكر من صنائع هذا الشيطان الماكر يهرولون الى امريكا , وانه يجب علينا ان نختار بين من يمتلكون نصف ارادة للاستقلال بوازع من دين مقارنة باخرين لا يمتلكون اى ارادة ولا يوجد لديهم ما يحفزهم اليها ولا يوجد انصار لهم يقفون معهم وقت ان يحتاجهم الوطن.

هل فهمتم ان استقلال البلاد يحتاج لقوة منظمة تقودنا اليه؟

هل عرفتم ان المسلمات الاصطناعية الزائفة , كالقول بأن الفكر العلمانى التقدمى يقف حجر عثرة امام الفكر الدينى الرجعى المتخلف هى مجرد تفاحات يقدمها الجن لخداع ضحاياه وهو يقودهم نحو الرذيلة ؟

هل شاهدتموه وهو يشق صفنا ويثير موروثات ماضى لو كان ابطاله موجودون الان بيننا لوبخوهم عليها توبيخا , بالزعم بأنه لكى تكون ناصريا فاذن يجب عليك ان تسب الاخوان, والعكس صحيح؟

مع ان نزاع الاقدمين كان الانتصار لاستقلال البلاد , اما نزاع اليوم فهو مضيعة للاستقلال وليس دفاعا عنه.


****************

الأحد، 3 فبراير، 2013

مرسي وصدام .. وحرب الاعلام الفاسد - سيد أمين

لحد بعيد .. تذكرنى الحملة الدعائية السلبية التى يتعرض لها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بتلك الحملة الدعائية التى تعرض لها الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين ابان حربى "ضم الكويت" عام 1990 وغزو العراق عام 2003 , وذلك من حيث التكنيكات الدعائية وكثافتها ومنطلقاتها واهدافها ووسائلها ومبرراتها.

ولعله ليس صدفة ان يكون عدد كبير ممن روجوا لتلك الحملة الدعائية السوداء انذاك طرفا فى الحملة الدعائية الثانية الأن , فها هو عمرو موسي وزير خارجية مصر الذى هندس عملية خنق العراق اثناء الحرب الاولى واضفى شرعية على الاحتلال الامريكى لهذا البلد فى الحرب الثانية من خلال موقعه كامين عام الجامعة العربية , ها هو موجود فى الطرف المخطط للحملة ضد الرئيس.

وها هو الدكتور محمد البرادعى الذى التزم الصمت المميت تجاه قول كلمة حق واضحة انتظرها منه مليار مسلم فى العالم وتوقفت عليها حياة اكثر من مليوني طفل وشيخ وسيدة وشاب عراقي لقوا حتفهم بأفتك الأسلحة وأكثرها اجراما , ها هو احد اركان الحلف المناوئ للدكتور محمد مرسي ويدير للأله الدعائية ضده.

وها هو حزب الوفد يمارس ذات الدور الذى مارسه عام 1990 بايعاز من حكام السعودية والكويت , حيث صار معقلا لكل القوي المناوئة ومركزا لتجمعهم , كما انه فى كلا الحالتين صار ايضا محطا للسفير الامريكى ووزير خارجيته.

وها هم رجال الاعلام - بقي من بقي ورحل من رحل وتاب من تاب - قبضوا انذاك الملايين واستلموا السيارات الفارهة من سفارات امارات الخليج وعرابيها وراحوا يبدعون فى اطلاق الشائعات والاكاذيب ضد العراق ورئيسها , وخنقوا كل كلمة حقا او حتى تتحلى بلمسة منطق اوعقل او دين او عطف او شفقة يمكن ان تقال هنا او هناك , وهم الأن لا زالوا يقبضون , لانهم لا يعرفون سوي القبض واستلام الشيكات.

والملفت ان منتجات ماكينة الدعاية التى يديرونها تتميز بكثافة الانتاج لدرجة تجعل المتلقى بل والضحية نفسه يقف عاجزا عن تفنيدها وبيان مواضع عدم منطقيتها , لكن الغريب ان المتلقي في قطاع ليس بقليل من الشعب يبتلع الدعاية السوداء حتى اخرها دون ادنى فحص او تمحيص , مع ان الكثير من تلك المنتجات الدعائية سيئة الصنعة لا تتوافرل فيها ادنى شروط توافر المنطقية في الحبكة وهو الامر الذى تسبب فيه تعجل المدبرون فى الحصول على المنتج من اجل تشتيت انتباه دفاعات الضحية , واستفادة من التكنيك الاعلامى الذى يؤكد ان شيئا سلبيا سيعلق فى اذهان الجمهور تجاه الضحية جراء اطلاق سيل من الاتهامات الكاذبة ضده حتى لو ثبت كذبها جميعا .

وتعرض الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لحملة متواصلة من الدعاية السوداء غير المبررة منذ ان نطق قضاة لجنة الانتخابات بفوزه بالمنصب , بدأت الحملة من خلال اطلاق ارتال من الشائعات غير المنطقية بان الانتخابات زورت "ودبروا" فى ذلك عشرات الاسانيد الواهية , ثم قالوا انه مريض بالصرع "ودبروا" عشرات الاسانيد الواهية وتحدثوا عن "الاستبن" وتدخل الجماعة فى شئون الرئاسة, والنفوذ القطري تارة والسعودى تارة والامريكى تارة والاسرائيلى تارة ,الى الاخونة وجماعات الامر بالمعروف وفرض النقاب وبيع قناة السويس , وغيرها ما لا يمكن لاحدنا ان يحصره .

ولكننا هنا سنتعرض  فقط لما حدث بعد الذكرى الثانية للثورة , فدعاة الديمقراطية عبر الشاشات رأيناهم  ينقلبون عليها بعدما صنعوا الاكاذيب وصدقوها , فقالوا ان الرئيس فقد شرعيته ويجب الاطاحة به , ولا نعرف لماذا ؟ هل لأن من انتخبوه ماتوا مثلا ؟ ام انهم تابوا ؟ وقالوا ان الشعب يطالب باسقاطه , بينما من نراهم على الشاشات لا يتعدون عشرة او عشرين الفا , نعرف من اين جئ بمعظمهم ؟ وكم دفع لهم؟ ومن دفع ؟ وعلى اى حال هم لا يمثلون الشعب مطلقا , ثم نراهم يدافعون عن ميليشيات محمد ابو حامد وحركة اسفين يا ريس بعدما غيرت اسمها الى "بلاك بلوك" و"ارتدت الاقنعة"  , رغم انهم ابتدعو اكذوبة ميليشيات الاخوان وراحوا يبحثون عما يمكن اعتباره تدليلا على وجودها .

ثم ان دعاة دولة القانون راحوا يعتبرون ان من يهاجمون السجون فى محاولة لافلات عشرات المجرمين المتهمين بقتل اكثر من 70 شخصا فى مباراة لكرة القدم والمحكوم بالاعدام على بعضهم , ثوارا , ويدافعون عنهم , مع ان ذلك ينافي تحقيق العدالة ويهدم دولة القانون , فاقتحام السجون فى كل مكان بالعالم مجرم والقتل عقوبة من يقدمون عليه مهما كان عددهم , وتعالوا بنا نتخيل ان هؤلاء المجرمين نجحوا فى اقتحام السجون وافلتوا المحكوم عليهم , تري كيف كان رد الفعل ؟ ألم يقيموا الدنيا ولايقعدوها  ضد الرئيس!!!

وحينما استمرت الاشتباكات فى مدن القناة وعاب بعضهم على الرئيس تأخره فى اصدار قانون الطوارئ ومفرض حظر التجول حقنا لدماء الناس , رأيناهم يغيرون مواقفهم ويدينون قرارات الرئيس ويحرضون عليها بل ويطالبون بمحاكمة الرئيس بحجة قتل "الثوار" الذين ذهبوا لاقتحام السجون فى مدن القناة الثلاث.

ورغم انه لم يمر يوم واحد على الوثيقة التى شهدت توقيعها مشيخة الازهر حول رفض و ادانة العنف واستخدام القوة, عقب الاضطرابات التى نتج عنها التحرش بل واغتصاب 32 فتاة فى ميدان التحرير اثناء الاحداث - بحسب منظمات نسوية وصحف اوربية - وكذلك اقتحام وحرق عدد من المدارس وسرقة المحال والفنادق اهمها فندق سميراميس وقطع خطوط المترو والسكك الحديدية والمياة والكهرباء واختطاف ضباط شرطة كبار وترويع الامنين بالسنج والمطاوي والطبنجات , رغم انه لم يمر يوم واحد من توقيع هذه الوثيقة الا ان "جبهة الانقاذ" دعت الى تظاهرات ومسيرات الى قصر الاتحادية وهناك قاموا باشعال النيران فى بوابات القصر والقوا قنابل المولوتوف على من هم بداخله من قوات الحرس الجمهوري التزمت اقصي درجات ضبط النفس وما ان كشرت الشرطة عن انيابها وكاد صبرها ينفد حتى راح بعض عناصر الجبهة بنفوون صحة البيان الذى يفيد بانسحاب الجبهة من التظاهرات حول القصر.

وكانت اخر حوائط مبكى اعلام مبارك تلك الخاصة بشخص قيل ان الشرطة جردته من ملابسه تماما رغم انه نفي صحة ذلك وقال ان من فعلوا ذلك هم المتظاهرين لاعتقادهم بانه كان يعمل مرشدا للشرطة , واكدت صحة اقواله شهادتان احداهما لاحد القضاة والاخري لاثنين من الاعلاميين احداهما براديو مصر والثانى فى قناة الجزيرة , ويبدو ان قناة "الحياة" لصاحبها السيد البدوي ارادت ان تساير شقيقاتها on tv   و cbc  وراحت تصنع الخبر بدلا من ان تنقله فقط.

لقد اظهرت الاحداث التى مرت بها مصر طوال الفترة الماضية انه يننا وبين الديمقراطية سنوات طوال , وان تحرر نخبتنا "المعينة" علينا , من امراضها هو محض هراء , وذلك ان من عينها اراد تعيين امراضها وليس تعيينها.

****************

الأحد، 13 يناير، 2013

عن الاخونة والقضاء والاعلام ومعارك التطهير - بقلم سيد أمين

فجأة قد يجد الواحد منا نفسه أمام أحد خيارين , اما ان ينحاز لولاءاته الفكرية والايديولوجية وينخرط للقتال فى صفها مدافعا بالحق والباطل , واما ان ينحاز لفكرة العدالة ويدافع عن الحقيقة حتى لو كانت بيد من هم ليسوا من نهجه , وهنا تظهر معادن الناس , ومدى قدرتهم على خدمة البشرية وتحملهم سهام النقد غير المنطقية من اجل العدالة .

ولاننى وقعت بين احد خيارين اولهما عبر عنه الرئيس الامريكى المجرم جورج دبليو بوش "من ليس معى فهو ضدى" والاخر للفيلسوف الفرنسي فولتير الذى قال"قد أختلف معك فى الرأى و لكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحريتك فى الدفاع عن رأيك" لذلك اخترت ان انحاز للعدالة , حتى لايقال ذهب العدل من الناس.

وسألنى احد الاصدقاء حول توقعاتى عما قد يحدث فى 25 يناير القادم وهو اليوم المناسب للذكري الثانية للثورة وعما قد تنتهي اليه عمليات الحشد المريبة التى تتم من قبل جماعات واحزاب واجهزة امنية توالى نظام مبارك , وقلت له اننى سأكتب مقالا حولها وعزمت ان اكتب عن مغامرات وبطولات ومعارك "دون كيشوت" , واعتبرتها هى الاقرب والاكثر تعبيرا عن طبيعة المرحلة , لانها معارك لاقيمة لها , وبطولاتها مفتعلة , ومغامراتها مخجلة , وستنتهى بمزيد من سكب الدماء دون وصول لهدف لا اكثر ولا اقل , فى معركة غير معروفة الاسباب ولا المبررات ولكن يعرف منها الهدف وهو تقويض نظام حكم الرئيس محمد مرسي , وستنتهى كما انتهى امر "دون كيشوت" بانه يكتشف انه كان مسخا , ضيع وقته ووقت الناس معه.

والحقيقة ان هناك ملفات منها القديم ومنها المستجد كان يجب ان اتطرق اليها , القديم هو الخاص بتطهير القضاء والسلك الدبلوماسي , والمستجد منها الاخونة .. بينما يبقي الملف القديم الجديد هو سلطة الاعلام.

ومنذ عدة سنوات والمجتمع المصري برمته من النخب ومن غير ذى النخب , ساخط بشدة على الفساد فى هذا الملف المهم , سواء من ناحية ألية تعيين وكلاء النيابة وباقي الاجهزة القضائية او من ناحية عدالة الاحكام وموضوعيتها , وكلنا يعلم – ولا ينكر ذلك مصري واحد الا اذا كان لا يعلم او فى نفسه مرض – انه طوال فترة الرئيس المخلوع لم يعين فى هذا المجال الا واحد من اثنين الا فيما نذر وهم قليلون للغاية , اما راشي , والتسعيرة كانت تصل لمئات الالاف من الجنيهات , واما محسوب على هذا المسئول وذاك القاضى الكبير, وكلاهما جريمة يعاقب عليها القانون لاهدارها مبدأ تكافؤ الفرص , وتهدر نظام الكفاءة كمعيار وحيد لهذه المهنة بالغة القدسية والخطورة , ونجم عن ذلك ظهور وكلاء نيابة وقضاة لا يعرفون شيئا عن القانون الذى يحكمون به , وعادة ما تصدر احكامهم هائمة تعبر عن الهوي والانطباع بل والمصلحة , فتأتى قاتلة للعدل وعكس ما ينبغي ان تكون.

وسر لى صديقى الصحفي "الناصري" عن خشيته من ان يمثل ذات يوم امام احد وكلاء النيابة في اى تهمة كانت ثم يعرف هذا الوكيل انه كان مؤيدا للدكتور محمد مرسي فيصدر عليه حكما قاسيا , وقال انه اصبح الان حينما تذهب للقضاء ,  فالقاضى لا يعمل جهده فى فحص ما لديه من مستندات ليصدر حكما بخصوصها , ولكنه يبذل قصاري جهده لمعرفة ولاءك السياسي ليصدر عليك حكمه.

ولنا فى حكمين صدرا مؤخرا ضد شخصيتين بارزتين برهانا واضحا , الاول خاص بالاعلامى توفيق عكاشة الذى كان يوالى الرئيس المخلوع ومن بعده المجلس العسكري حيث خرج فى برنامج يقدمه على احدى فضائيات الفلول يسب ويلعن رئيس الجمهورية ولما تمت مقاضاته تمت تبرئته على الفور, والثانى مع الشيخ عبدالله بدر الذى انتقد عبر قناة الحافظ الدينية الفنانة الهام شاهين - التى توالى نظام مبارك ايضا – بسبب ما اسماه ظهورها شبه العاري فى الاعمال الفنية التى قدمتها وهنا صدر الحكم باغلاق القناة ومنع الشيخ من الظهور اعلاميا لمدة شهر , والسؤال هل هيبة الفنانة يجب ان تكون اكبر من هيبة الرئيس.!!!

وقال لى رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة فى سؤال له حول تفشى ظاهرة العشوائيات فى تلك المدينة الحضرية , ان جهاز المدينة يقوم مرارا وتكرارا بتحرير محاضر الازالة ضد المعتدين على اراضى الدولة والمخالفين في منطقة التجمع الثالث ويرسلونها الى النيابة فيفاجئوا بانها تقوم باخلاء سبيلهم مقابل غرامة مائة جنيه دون ان تأمر بازالة المخالفات , الامر الذى حول تلك المنطقة الى منطقة عشوائية معبرا عن رغبته فى توصيل صوته الى المشرعين بضرورة تغليظ العقوبات فى القوانين الجديدة والا لن تصبح فى مصر منطقة حضرية واحدة , ولعل الانتقادات التى وجهت للقضاء هى ذاتها الموجهة للسلك الدبلوماسي من حيث المحسوبية والرشوى كمعيار للتعيين , فضلا عن عدم تفاعل تلك السفارات مع الجاليات المصرية فى الخارج ان لم يكن السفراء القائمون على امر تلك السفارات ارتضوا ان يعملوا كممثلين للدول التى هم بها فى مصر وليس العكس وهو ما يعرفه المصريون جليا فى سفاراتنا بدول الخليج , فضلا عن الامر لا يعدو عند اكثر سفرائنا عن مجرد نزهة طويلة  وفرتها له مصر للفسحة والاستمتاع بما حرم منه فى بلاده.

وثانى الملفات هى تلك التى تخص "الاخونة" ودعونى انتقد المصطلح جملة وتفصيلا , فمن المعروف فى البلدان المستقرة ديمقراطيا , ان من يفوز بالاغلبية يحكم , منفردا , وله وليس لغيره القرار فى ان يستعين بمن هم ليسوا من حزبه , وان فعلها فهذه مكرمة منه , وان لم يفعلها فلا غبار عليه ,هذه هى الديمقراطية ونظام حكم الاغلبية كما نعرفها وكما عرفها سارتر وبرتراند راسل وادم سميث وغيرهم ممن ارخوا لها من فلاسفة الغرب , هذه اولا , وثانيا ما مبرر القلق من ان يحكم الاخوان , أليسوا هم ومن يوالونهم فصيلا مصريا واسعا تم اقصاءه ظلما وتجبرا فى الفترات السابقة ؟ ألم يأتوا بنظام انتخابي ؟ أليس من حقهم ان يحكموا بالطريقة التى تناسبهم فى اطار الدستور الذى ارتضاه الشعب ؟ هل وجود وزير او خفير او رئيس اخواني يعنى انهم سيخلدون فى مناصبهم ولن يبقي احدهم لمدة اربعة سنوات فقط  ثم يحل محله من يفوز فى الانتخابات التى تليها؟ ثم انه لو كان بمقدور الاخوان ان ينالوا الاغلبية فى كل الانتخابات الديمقراطية , اذن , فمن حقهم ان يحكموا لانهم يحوزون على ثقة الشعب او ربما لانهم هم الشعب , ايهما ؟ كما انهم لو كانوا بتلك الكثافة التى تمكنهم من بسط سيطرتهم على البلاد فوجب ايضا ان نعترف بقوتهم وحقهم فى تقرير مصير بلادهم؟

ثمة , سؤال مهم ايضا , لماذا كلما يقترب مرسي من اى حركة تطهير – وهى من مطالب الثورة وثوار "عام 2011"  اصلا – نجد تنفجر نبرة الاخونة فى ابواق اعلام مبارك , ألا يعنى ذلك ان نظام مبارك المتجذر وليسوا الاخوان يرسلون رسائل لنا نحن لا نقرأها بانه اما هم او الاخوان ولا ثالث بينهما ؟ ام انها رسالة لترهيب الاخوان ودفعهم دفعا نحو الرضاء بتشكيل تحالف مع الفلول تحت وطأة دعاية ألة علامية شرسة يمتلك رجل اعمال واحد من رجال مبارك وهو محمد الامين قرابة عشرة قنوات فضائية ينفق فيها مئات الملايين شهريا كرواتب(!!) حيث انشأ (فى أول رمضان بعد الثورة قناة CBC ثم تبعها بقناة ثانية CBC دراما ثم ثالثة +CBC وفى سبتمبر 2011، اشترى 85% من قناة النهار وقناة النهار دراما، ثم اشترى مجموعة قناة مودرن (مودرن سبورت – مودرن كورة – مودرن حرية) ثم وكالة الأخبار العربية AUA من ورثة محمد الخرافي، حيث ينشئ قناة إخبارية بتكلفة قناة الجزيرة القطرية، التى تقف وراءها دولة كاملة، ثم صحف الفجر واليوم السابع والمصري اليوم , وتجرى الآن مفاوضات لشراء مجموعة قنوات بانوراما التى تضم قناتين للدراما وقناتين للأفلام إحداهما للأفلام العربى وأخرى للأفلام الأجنبي، وأيضاً "موجة كوميدى").

لقد سقط الاعلام سقوطا مدويا , فهذا الاعلام الذى كان يسبح بحمد مبارك ليل نهار ويبكى ويتباكى على ان سمعة الرئيس مبارك من سمعة مصر وهيبته من هيبتها ضد اى زفرة ألم مكتومة تنطلق هنا او هناك ضده , هو ذاته هذا الاعلام والاعلاميين الذين يستبيحون شخص مرسي شهيقا وزفيرا , وفى الليل والنهار , وبكرة واصيلا, ويقولون انه حرية الاعلام لدرجة انهم اعتبروا ان حرق قرابة 40 من مقار حزب الحرية والعدالة امرا مشروعا وتكسير زجاج حزب الوفد عملا بربريا , واعتبروا ان الاعتداء على المستشار صبحى صالح عملا ثوريا وان الاعتداء على محامى مبارك شوقى السيد عملا فاشيا , واعتبر ان حصار مبنى الاذاعة والتلفزيون عملا ثوريا وحصار مدينة الانتاج الاعلامى عملا بربريا , واعتبر ان دعوته لحصار وزارة العدل عملا ثوريا اما حصار الدستورية فاعتبره عملا بربريا , واعتبر ان مسألة رئيس تحرير الدستور فى جرائم تحريض اعتداءا على حرية الصحافة ورحب باغلاق قناة الحافظ .. والامثلة لا تحصى من تلك الازدواجية , لدرجة ان احدهم وهو واحد ممن سخرهم جهاز حساس لمعارضة مبارك من قبل رأيناه فى احداث الاتحادية يقوم باذاعة عناوين منازل قيادات الاخوان المسلمين داعيا متظاهري احداث الاتحادية للذهاب اليهم وقتلهم ,, فهل هذا يقع ضمن حرية الاعلام.

خلاصة : اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض , انها الثورة الربانية.

***************

الجمعة، 28 ديسمبر، 2012


يد الله الباطشة .. جبهة إنقاذ مصر الحقيقية بقلم سيد أمين

سيد أمين

الحمد لله ظهر وجه شعب مصر الحقيقى فى اللحظة الحاسمة حينما كانت مصرتقلب وجهها الى السماء بحثا عن مخرج وضعتها فيه نخبة من بنيها  لم يراعوا فيها دينا ولا ذمة, هذا حقيقة ما عاشته مصر طوال عدة اشهر مضت.

وكانت "جبهة إنقاذ مصر" الحقيقية ويد الله الباطشة فوق ايديهم هم هؤلاء الكادحين الذين انخرطوا فى ميادين العمل , الصانع فى مصنعه, والزارع فى مزرعته , والتاجر في سوقه أو متجره , والذين ما ان استدعتهم مصر ليقولوا كلمتهم حتى أسرعوا فحسموا الجدل وأنقذوها من خراب بين ودمار كاسح وسط حالة لا متناهية من اللغط والشك المتبادل والممنهج .

أراحت يد الله الباطشة الصدور بعدما نزعت فتيل قنبلة ألقاها ساسة النخب فى وجه التاريخ والحاضر والمستقبل كانت توشك ان تنفجر.

ويخطئ من يعتقد أن الريفيين هم عبارة عن اناس بسطاء لا شأن لهم بالسياسة ومسالكها وطرق فهمها أو ان الريفي كما صوره فيلم "العتبة الخضرا" عبارة عن إنسان بسيط موجه بهرته أضواء المدينة واعتقد ان كل صندوق احمر هو صندوق بريد , هذا هراء كبير , فالريفيون – ونحن منهم – لم تلوثهم بعد أضواء المدينة والمنهج النفعي الذى يسيطر علي بعض أهلها دون اكتراث بتراث وتاريخ وإحقاق حق وإبطال باطل وشهامة ونجدة وإغاثة ملهوف او مظلوم , كان بعضهم أكثر عمقا وبداهة فى فهم العمل السياسي من أساتذة الجامعات المتخصصين.

من بينهم وجد ما يطلق عليهم علماء الاجتماع "قادة الرأى", بسطاء يفصلون بين الخير والشر والحق والباطل بكلمة واحدة ناجزة بوعى اكتسبوه ليس من مدارس ولا جامعات فحسب ولكن من تراث متوارث من الجدود للآباء للأبناء للأحفاد, ومن فطرة سليمة واتساع أفق لم تشوشه حسابات خاصة او إعلام يسكب في العقول الخطايا سكبا ويحمل المواقف فوق ما تحتمل بحسب رغبة صاحب هذه الفضائية او تلك , بعضهم يحملون شهادات جامعية ولكنهم يعتبرونها مجرد أوراق قدر لها ان تحبس فى الإدراج من ضآلة علمها , وقلة قيمتها.

هؤلاء هم من قاوموا إعلام رجال أعمال مبارك ونخبته ومعارضته الوهمية , وفعلوا كما يفعل الجراح الماهر الذى يحدد السرطان بدقة متناهية ويقوم باستئصاله قبل ان يتفشى فى الجسد كله فيدمره , وراحوا يصوتون على الدستور ليعلنوا للعالم كله انه لا وصاية لأحد علي عقولهم.

ومن شدة وقع الصدمة , راح بعض النخبويين فى محاولة منهم لحفظ ماء الوجه جراء الكلمة التى أدلي بها الشعب الذى نصبوا من أنفسهم متحدثين باسمه , راحوا يهرتلون ويتنابذون , وتمادوا في غيهم وتعاليهم فقللوا من شأن أبناء الريف لاسيما فى الصعيد ووصفوهم تارة بقلة الوعى وتارة اخري بان قرارهم جاء نتيجة الفقر والحاجة والعوز .. وهى اتهامات لا أساس لها من الصحة .

وأقول أن منطقاتهم – اى لمن نصبوا أنفسهم كنخبة للمجتمع - تخالف المنطق والواقع فى عدة أمور:

أولها : انه اذا كان حقا أن أبناء الحضر المثقفين صوتوا برفض الدستور بينما أبناء الريف الجهلاء صوتوا بقبوله , فلنسألهم لماذا اذن صوت أبناء الإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد والسويس والبحر الأحمر بقبول الدستور رغم ان هذه المناطق مناطق حضرية وتقريبا لا يوجد فيها ريف؟

ثانيها : المحافظات التى صوتت بنعم فى كل ارجاء الجمهورية كان لها مدن كما كان لها ريف ايضا .. فلماذا صوت اهل مدن تلك المحافظات لصالح الدستور ؟ ام انتم فقط تنظرون الى ان المدن هى القاهرة والغربية والمنوفية وما عداها فمجرد ارياف؟ بل ا ن اهل منطقة الجيزة فى القاهرة الكبري – واغلب هؤلاء النخب ينتمون اليها – صوتوا لصالح الدستور ؟ أم ان هناك مناطق ريفية واخري مدنية كتلك التى تقطنوها فى المدينة ؟

ثالثها :ان أبناء الأقصر وجنوب سيناء والبحر الأحمر صوت للدستور مع ان هذه المناطق تعتمد بشكل أساسي علي السياحة ويتحدث أبناؤها عدة لغات أوربية اكتسبوها من خلال تعاملهم مع السائحين الغربيين؟

رابعها : أن ما ادعوه من عمليات تزوير فى الاستفتاء كانت مبنية على مجرد أقوال مرسلة , وما كان موثقا منها فهو لا يصيب مصطلح "تزوير" فى العمق ولكنه يأتي فى إطار عمليات توجيه للناخبين , وهو المسلك الذى اتبعه معارضو الدستور أيضا , كما ان هناك دلائل تؤكد وجود مخطط نفذه الرافضون للدستور – الا انه فشل – يقضى بقطع التيار الكهربائي عن عدة لجان فى وقت واحد من ثم يقومون بعدها بالدعاية بأنه أثناء هذا الانقطاع حدثت عمليات تزوير لصالح تمرير الدستور إلا أن هذا الشق من المخطط أفشلته المولدات الكهربائية التى كانت جاهزة لهذا الطارئ, اما الشق الثاني من المخطط فكان يقتضى قيام بعض المصوتين بسرقة أوراق الاقتراع بدلا من وضعها فى الصناديق المعدة لها من ثم يقومون بعرضها على وسائل الإعلام للتدليل على حدوث عمليات تزوير كما ان نقص عدد الأوراق عن عدد المصوتين فى اى لجنة قد يقضى بإلغائها والشق الثالث والأخير فيقوم على شراء بعض الذمم من حرس اللجان والمصوتين للشهادة بانهم شاهدوا عمليات تزوير.

خامسها : ان منطق تقسيم المعرفة بحسب البيئة الجغرافية هو منطق خاطئ وعنصري , فقد يكون أهل الصعيد عموما اقل فى الحالة الاقتصادية عن وجه بحري لحد ما , ولكن ذلك لا يعنى ابدا أنهم جهلاء , والتاريخ يشهد ان محمد "صلى الله عليه وسلم " صنع من العرب الحفاة العراة أعظم أمه أخرجت للناس , وانتم تعلمون ان مروض الخيول صار زعيما للاتحاد السوفيتى العظيم , وماو تسي تونج كان ابنا لفلاح صينى , وسقراط لم يحصل على تعليم يذكر , ومحمود عباس العقاد لم يحصل على الابتدائية .

فى الحقيقة , أن تعارض فهذا أمر ديمقراطى ومحمود ولا شك انه من حقك ان تعترض علي ما تراه يضر بوطنك , ولكن معارضة اليوم تعرض امن الوطن للخطر وتجازف به فى لعبة قمار, وذلك لأن استقرار الوطن فى هذه الأثناء مع عوار فى الديمقراطية أفضل من ان نجد ديمقراطية ولا نجد لها وطن - هذا ان كان الأمر متعلق حقا بقضية الدفاع عن الديمقراطية - وأصول المنطق تقول ان يجب عليك ان تدخر النضال للقضايا الجوهرية , ولا تستنزفه في معركة خالية من اى قيمة تذكر , مع التذكير بان السياسي الحقيقى هو من يتعامل دائما مع فن الممكن وانها كما يعرفها الماركسيون حديث مكثف فى الاقتصاد , وعلي المرء ان يقتنص الفرص ويعمل بكد من اجل تنمية مكاسبه منها .

........................................................

جميع مقالات عام 2014

........................................................

سيد أمين يكتب: قبيل انكسار الثورة المضادة

الأربعاء، 5 نوفمبر، 2014

يخطئ من يتصور أن حركة الاخوان المسلمين قد تضررت في العمق جراء الحملة الامنية التى استهدفتها بها سلطة الانقلاب العسكري, سواء من حيث الفكر او التنظيم او من حيث العدد والانصار.

لقد استطاعت عمليات التشويه الاعلامى المتعمد والمستمر والمكثف للحركة أن تحول بالفعل قطاعا كبيرا من المجتمع الى اعداء لها , ولكنها في الوقت ذاته اكسبتها انصارا جددا من هؤلاء الذين رفضوا الانقلاب العسكري وهم اكبر عددا من اولئك الذين يؤيدون الانقلاب ويتجاوبون مع الدعاية الاعلامية الهادفة الى شيطنة الحركة.

وهؤلاء الرافضون للانقلاب من غير اعضاء حركة الاخوان المسلمين متنوعون فقطاع منهم ينتمى الى فصائل التيار الاسلامى عامة وقطاعات كبيرة منه تنتمى لحركات ايديولوجية مختلفة فمنهم القومى والناصري والاشتراكى والليبرالي فضلا عن قطاعات اخري غير مؤدلجة ولكنها ادركت وجود مؤامرة غير اخلاقية وراء الاطاحة بالرئيس المنتخب.

واطلع هؤلاء بشكل يقينى على صنوف عمليات التلفيق التى تستهدف رافضى الانقلاب عموما , والاخوان المسلمين خصوصا , وعاصروا بأنفسهم تفاصيل الكثيرمن المظالم التى لفقت لقطاع واسع من المجتمع.

فضلا عن أن كثير من هؤلاء ينتمون للطبقة المثقفة في المجتمع المصري, ذات التعليم المرتفع وقدرتهم على التأثير في محيطهم الاجتماعى ونقل تجاربهم للاخرين اكثر تصديقا ومنطقية ممن اتخذوا موقفهم جراء دعاية اعلامية تفتقد في كثير من الاحيان للحبكة المنطقية والقابلية للتصديق.

لهذا فأن حركة الاخوان المسلمين لم تفقد انتماء اعضاء لها جراء تلك الحملة الاعلامية والعسكرية ولكنها كسبت تعاطف قطاعات اخري نابهة لم تكن تتصور أن للاخوان المسلمين كل هذه القدرة على التضحية والصمود وتحمل المظلومية دفاعا عن فكر تعتقده ظهر جليا انه يدعو للسماحة لا للعنف.

بل ان هذه الحملة التى تتعرض لها الحركة اعطت فرصة نادرة لتصويب الكثير من الامور التى اعتبرت في يوم ما من المسلمات منها مثلا محاولة الاخوان قتل جمال عبد الناصر وهو ما كذبه استدعاء وإلقاء الضوء على شهادات مهملة لعدد من الضباط الاحرار منهم زكريا محيي الدين الذى اكد انها كانت مجرد "تمثيلية" لتبرير اعدام قيادات الاخوان , وكذلك دورهم في حرب فلسطين قديما وصد العدوانات الصهيونية على غزة حديثا.

واذا كانت الحملة الدعائية والعسكرية كشفت عن مدى صلابة الاخوان وعزيمتهم فانها في المقابل قامت بتعرية كل التيارات السياسية في مصر وأظهرتها لقطاعات كبيرة من المجتمع بانهم مجرد "تجار" مدلسون و"شاويشجية" طائعون يعملون جميعا كـ"خدم" لدى "العسكري" , وانهم يقومون بمجرد "دانتيلا" تزين "حلته".

ومن اللافت ان الحرب التى اعلنتها قوى الثورة المضادة - وهى التى تملك الاعلام والمال والسلاح - على الاخوان المسلمين في مصر أصابت مصر كلها بالاضطراب والخلل وعدم الاتزان الذى لا تخطئه عين دون ان تحقق حسما او نجاحا يذكر, فصارت كميكنة طحن معطوبة تصدر طنينا كبيرا ولا يري لها طحينا , ما يدلل في زاوية مقابلة على مدى تجذر وتماسك وتأثير تلك الحركة في المجتمع , وان نزولهم الى الميادين في ثورة يناير كان يعنى باختصار انتصار تلك الثورة.

وفي زاوية بعيدة فأن الازمة التى عاشها "الاخوان" وعاشتها بالضرورة مصر معهم بعد الانقلاب العسكري اعطت لهم درسا قويا ومؤثرا يستدعى فتح نقاش تنظيمى داخلى يتصدره الشباب ولا مانع من مشاركة قوى خارجية محبة للاخوان في وقت لاحق ايما كانت سواء اسلامية اوعروبية او ليبرالية اوحتى يسارية وذلك لرصد اماكن الخلل التى جعلت حركة بمثل هذه الوزن والزخم تفشل في ادارة العمل السياسي منذ ثورة يناير 2011 , وكيف استطاعت قوى الثورة المضادة, وهى تملك امكانيات بشرية اقل بكثير مما يملكه الاخوان ان تسحب جزءا كبيرا من بساط التأييد الشعبي الواسع الذى كانت تحظى به الحركة , تحت وطأة عمل دعائى بحت من المنطقي انه لا يرقي لما كانت تقدمه هذه الحركة من خدمات اجتماعية ملموسة للمجتمع؟.

ولست ادري لماذا دائما يستهوينى الحديث عن المؤامرة الامريكية على مصر والوطن العربي , وهو حديث جد عاقل , وجد موضوعى, وقلت في ذلك قولا كثيرا من قبل ولكنى نسيت أن اقول ايضا ان الولايات المتحدة لا تحب ان تري في وطننا اى تنظيم قوى ومتماسك حتى لو كان هذا التنظيم حليفا لها , فهى تريد وطننا العربي يعيش افراد اقطاره حالة من التشرذم والتفتت والانعزال لا تسمح بوجود تنظيم متماسك قوى يستطيع ان يقول "لا" للسياسات الامريكية في اى وقت من الاوقات , والامريكى لا يأمن في ذلك أحد.

بقي شيئا لابد ان نذكره وهو أن المايسترو الامريكى لا يأمن وجود أى تنظيم لأى فكر في عالمنا العربي خاصة لو كان مبنيا على قاعدة من الوطنية غير الشعبوية او ذلك النوع من الوطنية العابرة لتلك القطريات التى فرضها علينا المستعمر , فهو لا يأمن الاخوان المسلمين وايديولوجيتهم الراغبة في الوحدة الاسلامية السنية , ولا يأمن البعث الراغب في الوحدة العربية بشتى مكوناتها العرقية والدينية , ولا يأمن حزب الله الموحد للاسلام الشيعى, هو لا يأمن أيا منهم ويضربهم واحدا تلو الاخر او واحدا في الاخر.

واعترف اننى كنت في يوم ما من أشد الكارهين لحركة الاخوان المسلمين وبلغ بي اليقين اننى لم اكلف نفسي حتى بالسعي للتحقق من الادعاءات التى وصمهم بها اعلام العسكر تاريخيا, فاخذتها كمسلمات لا تقبل الجدل , ومنها انهم عملاء لامريكا وقوى الامبريالية الغربية , ولكن فائدة هذا الانقلاب انه جعلنى اعيد النقاش في تلك المسلمات مرة اخري واكتشف زيفها , فلو كان الاخوان عملاء لامريكا وللغرب, ما حدث الانقلاب اصلا وما سجن رئيس منتخب, وما قتل الاخوان وحرقوا ونكل بجثث الشهداء في ميادين التظاهروالاعتصام , وهى للحقيقة كانت ميادين في غاية الحضارية وغاية التنظيم وغاية السلمية..وبالطبع ما لمسته أنا لامسه غيري ممن تحروا الحقيقة , وتخلصوا من الكراهية غير المبررة.

*************

سيد أمين يكتب : نحو تأريخ منطقي حديث لمصر

الخميس، 9 أكتوبر، 2014

أحيانا يقف الواحد منا حائرا وهو يفكر في المنحنيات الكبرى لتاريخنا العربي لاسيما الحديث منه , ويصل جراء ذلك إلى نتائج مرعبة نأمل أن تكون خاطئة , خاصة أن التاريخ كما هو معروف يكتبه المنتصرون , حيث صبغ تاريخنا بنكهة صناعه وهم فيما يبدو مدلسون, فلو كانت نخبة حكمنا تنتصر دوما لإرادتنا كشعب , ما صار حالنا هكذا.

فبريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس , فجأة ودون سابق إنذار تخلى مستعمراتها في الشرق وخاصة في وطننا العربي على وقع أنفلونزا انقلابات تأخذ شكل ثورات هزلية – على غرار ربيعنا العربي الهزلي أيضا الأن - وهى الانتفاضات التى لطالما مرت بها بريطانيا طوال تاريخها الاستعماري , وسحقنها باستخدام القوة المفرطة المعروفة بها , والسؤال لماذا لم تستخدم قبضتها الحديدية المعتادة لسحق تلك الثورات بضربة واحدة كما كانت تفعل من قبل ؟ ولماذا ظلت تلك المستعمرات المتحررة وفية لبريطانيا وربيبتها أمريكا وتدين لهما بالولاء حتى الآن؟

وهل لتطبيقات النموذج الثالث من نماذج مكيافيللي في الاستعمار شأن فيما حدث ولا زلنا نتجرع كأسه المر حتى الآن حينما نصح مكيافيللي أميره بأنه لو أراد غزو بلدا ما وضمان دوام السيطرة عليه فيجب بعد احتلاله تنصيب حكاما تواليه من أهل هذا البلد يختارهم دون إرادة الأغلبية من أقليتهم بل من أحقر الناس فيهم ثم يرحل حيث سيظل هؤلاء الحكام الجدد يحتمون به من شعبهم ويسلبونه ليعطوه.

ففي مصر, ماذا كان المانع من أن يقوم الجيش البريطاني الذي يستولى على كل مقدرات البلاد , وكان يتحكم في القرار السياسي للملك, من اعتقال أو قتل كل "الضباط الأحرار" البالغ عددهم قرابة المائة ضابط ؟ وهو يدرك جيدا أن تسليحهم يكاد يكون بدائيا بالنسبة للسلاح الذي يمتلكه, وكانت كتيبة واحدة من كتائبه تكفي لإنجاز هذا الأمر, أم إن الانجليز كانت لديهم رغبة في التخلص من هذا الملك الذي كان يتوق لانتصار الألمان في الحرب العالمية الثانية لدرجة أنهم حاصروا قصره بالدبابات في نوفمبر1942 من اجل تمكين حزب الوفد الخاسر في الانتخابات والموالى لبريطانيا من تشكيل الحكومة والبرلمان بالقوة من أجل تأمين ظهرهم في مواجهة قوات القائد الألماني روميل بليبيا.

أم أن أمر تشكيل تنظيم "الضباط الأحرار" جاء في إطار التجهيز للنظام الجديد الذي تعتزم أمريكا الوريث الجدد إنشائه في مصر بعد جلاء الانجليز منها دون طلقة نار واحدة عام1954, في إطار اتفاقية أبرمت عام 1951 بين بريطانيا وأمريكا تتنازل فيها بريطانيا عن مستعمراتها القديمة لأمريكا حيث ابتكرت الأخيرة استعمارا حديثا يتماشى مع طبيعتها ومع روح عصر التقنية المتطورة خاصة في الاتصالات والمعلومات يقوم على الاحتلال من خلال التصنيع والتجهيز والتحكم الدقيق في النخب العسكرية النافذة ,كعوض عن الاستعمار التقليدي؟.

وما يعد قرينة تدعم هذا الزعم , أن مصر بعد 23 يوليو 1952كانت تتجه سياسيا نحو أمريكا وظل الأمر كذلك حتى مطلع الستينيات حيث توجه عبد الناصر بمصر شرقا نحو الاتحاد السوفيتي بعد "أزمة تمويل السد العالي" فيما قد يفسر بـأنه انقلاب حميد قاده عبد الناصر ضد الراعي الأمريكي ودفع حياته ثمنا له بعد ذلك.

ومن القرائن أيضا , انه في إطار وصم "السادات" بالتاريخ النضالي المشرف ليكون حاكما لمصر – حسب اعتقادي الشخصي - تم توجيه السادات لقتل الورقة البريطانية المحروقة "أمين عثمان" ولم يتم القبض عليه حتى قيام الثورة المزعومة , لا من الانجليز ولا الشرطة المصرية الموالية لهم , وظل يتنقل هنا وهناك دون خوف أو وجل , بل انه هذا الرجل "المطارد" راح يتعرف على جميلة الجميلات جيهان السادات ذات الأصول البريطانية ويتزوج بها رغم انه من المفترض أنه هارب من الشرطة ومن الانجليز, ورغم أنه فقير, ورغم أنه معاد للأغنياء وللانجليز والباشاوات , ورغم أنه أصلا متزوج ولديه أطفال , ورغم أنه ليس بالفتى الوسيم الذي يمكن أن يكون حلما لفتاة أرسطوقراطية كجيهان السادات.

ثم حينما ينقلب عبد الناصر على الإرادة الأمريكية يجري تصعيد السادات بشكل متسارع بين رفقائه من الضباط الأحرار حتى يصبح نائبا للرئيس عبد الناصر , وهنا يسقط عبد الناصر ميتا ويتولى السادات حكم مصر وبدلا من أن تتحرر سيناء بعد حرب 6 أكتوبر نجده سلم مصر كلها لإسرائيل في كامب ديفيد , وما تلاها وارتبط بها من التزامات حددها المفكر القومي محمد سيف الدولة في "الكتالوج الأمريكي الذي يحكم مصر" والذي يتضمن جعل سيناء رهينة دائمة لإسرائيل - وبيع القطاع العام لضمان عدم الإنفاق على الجيش , وإنشاء نظام اقتصادي موالى لأمريكا وإسرائيل من خلال المعونة التجارية الأمريكية وبرنامج صناعة الجواسيس , وصناعة مناخ سياسي يشترط في لاعبيه الاعتراف كامب ديفيد , وعزل مصر من محيطها العربي!!

ومن اللافت .. أننا نجد لجيهان السادات ومن بعدها سوزان مبارك جذور نسب بريطانية , فضلا عما يشاع - ولا ندري مدى صحته - بان للرئيس عبد الناصر جدة يهودية وأنه تربي في حارة اليهود بالجمالية قبيل سفر الأسرة للإسكندرية , ومن المعلوم أيضا أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تربي أيضا في نفس الحارة وكان يسكن بجوار البيت الذي كان يسكنه شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل الأسبق؟

والحقيقة ان المرء الغيور على جيش بلاده الوطني قد يجد نفسه مستاء من أن هذا الجيش لم يحقق أي انتصار حقيقي يذكر في كل معاركه , ففي حرب فلسطين عام 1948 وجد جنودنا البواسل أنفسهم يحملون أسلحة تنفجر فيهم عند إطلاقها, وكان قادة الجيش في مصر سواء أو الأردن والعراق متواطئون من أجل تحقيق النكبة وقيام دولة إسرائيل وليس العكس , وفي العدوان الثلاثي عام 1956 لم يجد المصريون في مدن خط القناة لجيش بلادهم أي وجود يذكر , حيث تركوا نهبا للعدوان الثلاثي , ولولا المقاومة الشعبية التي شكلوها هناك والموقف الروسي لسحقوا سحقا, وفي 1967 انتكس جيش مصر نكسة ما كانت تليق بتاريخها خاصة أنها تأتى من جيش دويلة عمرها 19عاما فقط , وفي أكتوبر 1973 حقق المصريون نصرا تاريخيا - تاريخيا بسبب كثرة الهزائم التي تعرضوا لها - سرعان ما سلب منهم قبيل انتهاء شهر أكتوبر ذاته , وبعد أن سلب هذا النصر حدثت عملية تسليم مصر لإسرائيل في كامب ديفيد.

وهزيمة مصر في نهاية حرب أكتوبر هو ما قاله حرفيا المشير سعد الدين الشاذلي بطل هذه الحرب وغيره الكثيرون وهو ما قاله من الناحية الأخرى الكثيرون وكان أخرهم رئيس الأركان الحالي، بيني غانتس، الذي كان رئيس الأركان الأول بعد عام 1973 حيث لم يشترك بهذه الحرب، فقد كان في المرحلة الإعدادية من دراسته أثناء نشوبها. حيث صرح بشكل قاطع قائلا: "إن حرب تشرين بدأت كوسيلة دفاعٍ لصد العدو، وتحولت، فيما بعد، إلى انتصار كبير للجنود"وهو بالتالي ما يلقي بظلال من الشك حول هذه الحرب ودور السادات فيها وفي الانتكاسات السياسية الرهيبة التي حدثت بعدها , وكذلك يطرح شكا كثيفا حول السبب الذي جعل قادة الجيش الجديد "جيش كامب ديفيد" يتخلصون من السادات وعما إذا كان هذا الفعل يأتي في إطار إنقاذ البلاد من التوغل في اتفاقية الاستسلام أم الدفع نحو مزيد من التوغل في تطبيق هذه الاتفاقية وتثبيت للمشهد على صورة كامب ديفيد لمدة ثلاثين عاما تالية؟

وفي الحقيقة التساؤلات لا تقتصر حول أركان النظام السياسي بعد 1952 فقط , ولكن تمتد أيضا لتشمل كل قادة تاريخنا المصري في مطلع القرن العشرين وما قبله بدء من أحمد عرابي الذي اعتبره شخصيا الرمز المصري الوحيد الذي مجده التاريخ بما يستحق وان كانت ثورته "الثورة العرابية "خرجت في الأصل لمطالب فئوية خاصة بالجنود المصريين في الجيش وكانوا آنذاك قلة تمثل الطبقات الدنيا من الجيش إلا أن عرابي استطاع أن يأخذ منصبا كبيرا بسبب كونه الجندي الوحيد الذي نجا من الموت في حرب غير مبررة أرسلهم الخديوي إليها في الحبشة , لكن تلك الغضبة تطورت لتكون ثورة للدفاع عن استقلال مصر, ثم خسرت القوى الوطنية المعركة , وسقطت مصر تحت نير الاحتلال بسبب خيانة الخديوي والبدو والأجانب فضلا عن الجهل المتفشي آنذاك بين المصريين.

فخذ مثلا سعد زغلول باشا تم ترسيمه بالزعامة ليقودوا من خلاله طوائف المصريين , فالرجل الذي فوضه الطلاب للحديث باسم مصر في طلب الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى بعدما رأوا نفوذه عند سلطة الاحتلال وتقديرهم له , وجدناه يذهب للمفاوضات ويعود خاوي الوفاض , ولما صعد الطلاب مطالبهم بدستور جديد بنص على الاستقلال التام لمصر, وجدنا دستور 1923 الذي يعلن استقلالا اسميا لمصر دون ترجمة ذلك على ارض الواقع , وبدلا من تصاعد الحراك المنادى بتحقيق "الاستقلال التام أو الموت الزؤام" وجدنا الحراك الطلابي يكتفي بمعارك تشكيل الحكومات تحت نير الاحتلال.

كما أنني لا أفهم كيف يكون الواحد منا مناضلا بينما يكون شقيقه هو القاضي الذي لبي مطالب الاحتلال في إعدام فلاحى دنشواي ,أليس هذا الرجل تربي معه في "بيت الأمة" حتى أن هذه التسمية لبيته كانت كما وردت في عدة مصادر شعار رفعه طالب تشاجر مع طلاب آخرين أثناء اجتماع طلابي أمام منزل سعد زغلول وحينما طالبهم زغلول بالانصراف, راح الفتى يتخلص من الحرج صائحا "هذا ليس بيتك ولكنه بيت الأمة" هنا التقط زغلول وأنصاره الخيط ليكرسوا الشعار لإتمام مراسم الزعامة.

وهناك أيضا مصطفي كامل باشا ومحمد فريد باشا حيث نجد كتب التاريخ تعج بإضفاء مراسم النضال عليهما دون اى مبرر لذلك فكلاهما مع سابقهما مترفون مقربون للسلطة الحاكمة في الداخل فتكرمت عليهم بالبشرية ومقربون للاحتلال فسافروا ليناضلوا في ضيافته , وأتيح لهم من النعيم ما لم يتح لملايين من المصريين الذين ناضلوا وعانوا وماتوا في صمت , دون أن يذكر التاريخ حرفا واحدا عنهم.

و"للحديث بقية"

******************

سيد أمين يكتب:تكنيكات العسكر الدعائية


الجمعة، 1 أغسطس، 2014

كنت انتوى الكتابة عن غزة هاشم الباسلة التي روض أبطالها وهم قلة محاصرة النمر الذي ظل يكتسح جيوش العرب بعدها وعتادها مجتمعة مرة تلو الاخري ولم يحققوا انتصارا حقيقيا واحدا عليه سوى عبر الأغاني والمهرجانات , وهالني وهال كل شرفاء مصر وهم كثيرون ما رأوه في إعلام بلادهم من سقوط يصل لدرجة الخيانة العظمى أو يتخطاها , الخيانة للتاريخ والجغرافية , وللدين والثقافة , وللوطن والوطنية , وللعروبة والإسلام , وللإنسانية وكل شيء مقدس, حينما نجد شراذم القوم وشذاذهم يتصدرون المشهد الاعلامى ويحرضون على قتل أبنائنا وبناتنا وأمهاتنا وأخواتنا وإخوتنا وإبائنا وأمهاتنا في غزة.

هالتنا تلك الآلة الدعائية البغيضة التي لا تتوقف والتي حولت بسطاء المصريين إلى ببغاوات يرددون ما تلقيه لهم دون اى وعى وحولتهم إلى أنعام تلقي بنفسها في بئر الخيانة دونما تجري , وتشارك في الدم دون ان تحمل مسدسا وعلى عكس ما تريد وتعتقد.

ورأيت أنه من الأوقع أن اسرد أهم تكنيكات الدعاية السياسية التي رصدها الباحثون - وهى ليست من اجتهادى - والتي جري استخدامها من قبل النظام العسكري في مصر إعلاميا وهى التكنيكات التي أدت إلى السماح بسقوط المشهد الاعلامى المصري لهذه الدرجة من الدونية والحقارة والخيانة دون أن نجد غضبة شعبية تتناسب مع حجم الجريمة, ويأتي هذا الرصد بعد اجتهاد خاص قمت به في مقال سابق رصدت فيه "تكنيكات العسكر لتطويع المعارضة".. ويجب الإشارة إلى انه سيرد ذكر اسم الجيش كثيرا في تطبيقات هذه التكنيكات وأننا نعتز بجيش مصر فهم إخوتنا وأبنائنا لكننا نختلف مع قادته الذين قادوا الانقلاب.

* التكرار :

التكرار المستمر لفكرة عادة ما تكون في صورة شعار بسيط أو لفظ جذاب وبالتكرار تتحول إلى ما يمكن اعتباره جزء من الحقيقة على طريقة المثل الشعبي "الزن على الودان أمر من السحر" ,ومن النماذج عليها تكرار "الاعتصامات والمظاهرات المسلحة" و"السيسي المنقذ" و"الإخوان الإرهابية" و"محاولة القضاء على الجيش المصري".

* الاعتماد على السلطة :

ذكر أشخاص أو مؤسسات بارزة ذات مصداقية عالية لتأييد القرار.. ومنها مثلا التمجيد في الجيش بوصفه "الجيش الوطنى الذى حمى الوطن واستجاب لارادة الشعب في /ثورة/ "30 يونيو"".

* الاستفادة من الشخصيات اللامعة :

وهو أسلوب شائع وشديد الخطورة، ولا نقصد به هنا الاقتصار على جذب مشاهير الفن والرياضة لدعم الموقف ، مع ما في ذلك من تبعات سيئة على الجيل الناشئ الذي يتخذ من هؤلاء قدوة في السلوك، ولكن الأمر قد يصل إلى حد الخداع بالاستفادة من بعض الانتهازيين من المفكرين والعلماء الذين لا يتورعون عن الممالأة وتقديم بعض الآراء في قوالب فكرية مصطنعة، مع التأكيد على إبرازها تحت أسماء هؤلاء المشاهير بما يحملونه من ألقاب قد تصاغ خصيصاً لإضفاء المزيد من التأثير.. وخير مثال "على جمعة" و"احمد الطيب" و"برهامى" و"هيكل" وبالقطع معظم الفنانين.

* التخويف :

حشد الرأي العام عن طريق إثارة الفزع أو الذعر من تحول مصر الى المسار الليبي او السوري وكذلك التخويف من عمليات للقاعدة في مصر والاقناع بضرورة دعم الجيش والشرطة للوقوف ضد دعاة "التخريب والارهاب" من المتظاهرين.

* الأحكام المسبقة :

استخدام عبارات دالة أو وإشارات تضيف قيمة أو تفضيل أخلاقي لمتبع الرأي مما يشوه متبعي الرأي الآخر مثل "الجيش الذى خاض الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي يجب إتباعه وتأييد قرارات قائده والتوقف عن دعم الارهابيين".

* القطيع :

هو ادعاء ان الرأي الذى نتبناه هو رأى يؤمن به الجميع لذا يجب إقناع الأفراد خارج القطيع بالانضمام إلى طريق النصر المحتم والحفاظ على من هم داخل القطيع بتأكيد حتمية النصر , فضلا عن اثارة الغريزة البشرية الخاصة بـ "الانضمام إلى الحشد والجانب المنتصر" من خلال التأكيد أنه لا يمكن مقاومته ومن الأفضل الانضمام إليه.

والتطبيق على ذلك القول بأن الله يؤيد جيش مصر فهم "خير أجناد الأرض " وان غالبية الشعب يقف خلفه .. ويتجاهل هذا الخطاب ان السيسي لا يمثل جيش مصر .. وان حديث خير أجناد الأرض حديث "موضوع" والفقه فضلا عن حقائق التاريخ بينت ذلك بجلاء.

* مغالطة الخطأ والصواب / الأبيض والأسود

تقديم اختيارين فقط لا بديل عنهما. إما معنا الصواب أو ضدنا الخطأ .."إما مع جيش مصر وقرار السيسي أو مع الإرهابيين الخونة المجرمين الذين سيهزمون".

* الأشخاص السعيدة:

الدعاية عن طريق تصوير الشعب مجموعة من السعداء .. مثل سباق درجات السيسي .. والاحتفالات الراقصة التي حدثت في التحرير التى حدثت بينما كان يقوم السيسي بذبح الآلاف في ميدان رابعة والنهضة ورمسيس.

* الكذبة الكبيرة :

تكرار ذكر مجموعة من الأحداث المركبة للتدليل على صحة القرار, يعتمد هذا الأسلوب على ذكر الأحداث بصورة صادقة مع مزجها بكذبة كبيرة أو تعميم هذه الكذبة بحيث يمكن خداع الرأي العام والتحايل على كيفية تفسيرهم لهذه الأحداث.. مثل استخدام حقيقة "اقتحام السجون في أحداث الثورة" ولكن مزجها بكذبة أخري اكبر مثل "الاقتحام تم من قبل حماس والإخوان لتهريب المعتقلين الإخوان".."أجهزة الدولة العميقة ترسل رسالة لبيريز وتدعيه بكلمة "عزيزى" واستخدام تلك الرسالة فيما بعد الانقلاب للتدليل بأن مرسي عميلا لإسرائيل..وهكذا.

* رجل الشارع :

يعتمد على إقناع الرأي العام على أن هذا الرأي هو رأي رجل الشارع وهو الرأي المنطقي ويعتمد هذا الأسلوب على استخدام اللغة الدارجة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية..و ذلك من خلال إجراء لقاءات متلفزة مع رجال وسيدات بسطاء وبسيطات الثقافة يدعمون قرارات السيسي.

* الشيطنة:

يعتمد هذا الأسلوب على تشويه صاحب الرأي المخالف بجعله من طبقة أدنى / غير ذي قيمة / عديم الأخلاق والقيم عن طريق الإتهامات الباطلة.. من يعارض قرارات الانقلاب فهو خائن وعميل ومغيب ولا يحب مصر ويجب بتره وهكذا.

* الأمر المباشر:

يعتمد هذا الأسلوب على تبسيط عملية اتخاذ القرار باستخدام صور أو عبارات توجه الجمهور للفعل المطلوب مباشرة وإلغاء أي خيارات أخرى متاحة .. مثل خطاب التفويض الذي ألقاه السيسي.

* النشوة :                

يعتمد هذا الأسلوب على نشر حالة من السعادة / الانتشاء أو افتعال أحداث تؤدي إلى رفع الروح المعنوية ومن أمثلة هذا الأسلوب : منح أجازات رسمية، نشر وسائل الترفيه، العروض العسكرية، الخطابات الحماسية ، تقديم مواد تموينية جديدة.

* التضليل :

يعتمد هذا الأسلوب على اختلاق أو إخفاء المعلومات من الوثائق الرسمية عن الرأي العام بهدف نشر معلومة خاطئة عن حدث معين أو مجموعة معينة من خلال تزوير / تشويه الصور والمستندات والتسجيلات..وتم استخدام هذا النموذج بشكل واسع جدا خلال الانقلاب من قبل اذرعه الإعلامية بحيث عادة ما يتم إخفاء أهم تفاصيل من اى واقعة والتركيز على ما يشين الخصم.

*تلويح الأعلام:

يعتمد هذا الأسلوب على تبرير الأحداث بأن القيام بالتظاهر في التحرير بذكرى 30 يونيو يزيد من الوطنية اعتمادا على أن الإحساس بالوطنية يلهي الفرد عن الحكم على القضية بشكل موضوعي.. وكذلك دعم "الجيش الوطنى" في مواجهة"الإرهابيين".

* التعميمات البراقة:

الاعتماد على تعبيرات وألفاظ براقة دون أن يكون لها تحليل أو تفسير موضوعي.. مثل القول بأن 30 يونيو أعادت للمصري كرامته وحريته ..وأنقذت مصر من الضياع.. وان مصر بصدد نهضة عملاقة حقيقية.. وأن مصر انتقلت إلى مصاف الدول العظمى .. وان مصر تقف في علاقة ندية مع أمريكا.

* أنصاف الحقائق:

الإعتماد على نشر خطاب خادع /مغلوط ممزوج ببعض الحقائق أو يعتمد على التورية وقد يكون الخطاب مزيج بين الحقيقة والأكاذيب أو بحتوي على بعض الحقيقة فقط أو يحتوي على ألفاظ تحتمل أكثر من وجه لتفادي اللوم..ونتذكر هنا ما قاله السيسي بأنه لن يكون هناك إخوان بعد توليه الحكم ولكنه عاد ليقول بأن لن يكون هناك تنظيم للإخوان وذلك بعد ما أثير حول ما سيفعله بالإخوان.

* الغموض المتعمد:

الاعتماد على نشر تعميمات غامضة / مبهمة من الممكن يؤولها الجمهور حسب ما يرى الهدف هنا هو تحريك الرأي العام دون استخدام أسلوب فج وصريح .. وتطبيقا سنجد ذلك في خطابات السيسي الخاصة برفع أسعار الوقود..وكذلك حول أحاديثه الإعلامية أثناء الترشح والتي غاصت بالغموض غير المبرر.

* تحفيز الاستنكار:

يعتمد الأسلوب على إقناع الجمهور بنبذ فكرة الحكم الديني مثلا لأنها تلقى قبول عند جماعات مكروهة وإرهابية مثل الأخوان المسلمين وبالتالى يتم الهجوم على التيار الاسلامى ككل.

* التبسيط المخل / المفرط :

الاعتماد على تعميمات لمنح إجابات مبسطة لمسائل اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية معقدة.. مثل القول بأنه اينما وقف الجيش وقفت الوطنية معه, وأينما كان الإرهابيين كانت إسرائيل .

* النقل خارج السياق:

اختيار وتعديل الاقتباسات خارج سياقها لتغيير المعني وعادة تستخدم في السياسة لتشويه الخصم.. وهذا النوع استخدم على نطاق واسع جدا في إطار الدعاية العسكرية ضد التيار الاسلامى .. وكنموذج تم اجتزاء التصريحات الخاصة بمحمد البلتاجي القيادي الاخوانى الخاصة بتوقف العنف في سيناء بتوقف الانقلاب .. حيث كان حديث الرجل يدور في انه حينما تتحقق العدالة في الكون سيتوقف العنف وانه لو توقف الظلم في مصر لن تجد إرهابيا يفجر نفسه .. وللأمانة أنا نفسي شاهد عيان على ما كان يقصده البلتاجي لأننى بالصدفة كنت موجودا أثناء تصوير هذا المشهد.

* إطلاق الأسماء :

يعتمد على إطلاق أسماء تحض على الكراهية ونبذ الطرف الآخر ونشر أحكام مسبقة عن الطرف الآخر ورسم صورة سلبية عنه ويعتمد هذا على إثارة الاستنتاجات بدون تحليلها. ودأبت الانقلاب ومن قبله الأمريكان على نعت" الإسلاميين بالإرهابيين" و"القوميين بالديكتاتوريين" و"الاشتراكيين بالملحدين".

* التعليل :

يعتمد على استخدام التعميمات البسيطة لتعليل أحداث أو أفعال أو قناعات معينة وعادة ما يتم استخدام ألفاظ غامضة أو جذابة للتبرير.. مثل "لما واحد مسلح من الأخوان الإرهابيين يرمى علي الشرطي الذي يقوم بواجبه قنبلة مولوتوف فلابد للشرطى أن  يسبق بقتله" وذلك لتبرير قتل المتظاهرين يوميا.

* الإلهاء / الرنجة الحمراء *

عرض بينات أو موضوعات أو أسباب جاذبة ومشتتة للانتباه و خارج عن الموضوع لقطع الموضوع الأصلي.. كأن نصرف انتباه اى احد يتحدث عن تدخل الجيش في العملية السياسية فنقول ..هذا الجيش العظيم الذى حمى مصر في كل حروبها ليس مسموحا أن تقول عنه ذلك.؟

* التصنيف / التقسيم : 

يستخدم هذا الأسلوب عند محاولة زيادة مصداقية أو تشويه فكرة فعلى سبيل المثال إذا أردت ذكر محاسن العسكر فنهون من مساوئهم ونكثر من ذكر الحسنات والعكس .. كأن نتشدد جدا ضد الإخوان حينما يقتل شرطي أو جندي هنا أو هناك .. بينما نتساهل في قتل آلاف الناس في رابعة والنهضة وغيرها.. مع ان هنا القاتل معلوم وهناك القاتل مجهول.

* إطلاق الشعارات:

الشعار هو جملة رمزية قد تتضمن صورة نمطية وقد يكون هدفها نشر فكرة معينة ولكن في جميع الأحوال تعتمد على استثارة المشاعر.. مثل الجيش يد تبنى وأخري تحمل السلاح..وكذلك  صور الجندي الذي يحمل طفلا والتي تنتشر في الميادين العامة.

* التنميط :

تعتمد على نشر أحكام مسبقة من خلال تصنيف وقولبة الرأي المخالف في صورة مكروهة / مرفوضة من الجمهور ويعتمد هذا الأسلوب بشدة على ذكر وقائع أو حقائق استدلالية أو نوادر.. مثل التعميم بأن الإخوان إرهابيين وكل من هم ضد الانقلاب أيضا هم  إخوان أو إرهابيين أو خونة وعملاء يقبضون من قطر وتركيا  ويتم سرد حكايات مفبركة عن ذلك.. وكل ملتحى ارهابي وكل منقبة ارهابية وهكذا.

* الاستشهادات : 

هو استخدام الاقتباسات اللفظية سواء كان كاملا أو مقتطع أو سواء كان في محله أو غير محله بهدف تعضدي/ نقد فكرة أو هدف أو حدث أو شخص معين ويعتمد هذا على سمعة ومصداقية المنقول عنه للتدليل على قوة الاقتباس وصلاحيته للموقف.. واشهر تطبيقات هذا النموذج الاستشهاد بالخرباوى والهلباوي بوصفهما اخوانيان "تائبان".

* الربط :

هو إسقاط صفات إيجابية أو سلبية على فرد أو مجموعة أو قيمة معين ويهدف إلى استثارة الرأي العام تجاهه سلبا أو إيجابا.. مثل القول بأن السيسي تربي تربية عسكرية فيها انضباط والتزام أما مرسي فتربي على العمل السري وأكل الفتة والتهليب والشحاذة!!

* الفروض الغير معلنة :

يستخدم هذا الأسلوب عند عدم الرغبة في التصريح بالسبب خوفا من فقدانه مصداقيته إذا ذكر بصراحة في هذه الحالة يفترض وجود هذا المبدأ / السبب بشكل غير مباشر أو ضمني في الرسالة.

* ألفاظ الفضيلة / الوعظ :

استخدام ألفاظ ذات مضمون إيجابي في منظومة القيم الخاصة بالجمهور عند الرغبة في نشر صورة إيجابية عن فكرة ما.. مثل إسباغ الفضيلة على شيخ الأزهر وكل من أيدوا الانقلاب.

* تسمية الأشياء بغير مسمياتها :

بما أن وسائل الإعلام تمسك اليوم بزمام الرأي العام وتعمل على توجيهه وصياغته على النحو الذي تريد، فإن ذلك يستتبع بالبداهة تحكمها في المفاهيم والمصطلحات التي تتداولها وتسعى لتدويلها بين الناس، إذ تتجنب غالباً التعرض المباشر للقضايا التي ترغب في تحويرها أو تغييرها، وإنما تعمل على إعادة صياغتها بلغة جديدة تتناسب مع سياساتها وبثها بين الناس الذي يتقبلونها لا شعورياً على المدى الطويل.. فالبلطجية الذين تستخدمهم الشرطة لقتل المتظاهرين هم مواطنون شرفاء , والمظاهرات الشعبية هى مظاهرات مسلحة, واى رأى مخالف لما تنادى به هو رأى ارهابى وهكذا.

* الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء:

وهذا الأسلوب يضفي الكثير من المصداقية على الخبر المراد ترويجه، إذ تعمد وسائل الإعلام .. ولكى تقوم الآلة الدعائية للانقلاب باستخدام هذا التكنيك راحت تدعى وجود مؤسسات أصدرت إحصاءات ما , حيث نسبت إلى شركة جوجل العملاقة إصدارها بيانا يفيد أن من تظاهروا في ميدان التحرير 33 مليون وراح  إعلاميوها يروجون تلك الكذبة بلا ملل حتى راحت جوجل تكذب ما نسب إليها .. علما بأن ميدان التحرير لا يتسع إلا لنحو 800 ألف شخص فقط بكل الشوارع المحيط به بحسب مقاييس جوجل ايرث , فضلا عن ان سكان القاهرة ألكبري الممتدة من مدينة أكتوبر إلى بدر ومايو الى الخانكة والقناطر لا يزيد عددهم عن 12 مليون نسمة.

* عدم التعرض للأفكار السائدة :

يؤكد الباحثون في مجال الدعاية على ضرورة تجنب الصدام مع المتلقي، حيث فشلت الكثير من المحاولات السابقة في فرض بعض التوجهات والآراء على الرأي العام عنوة، المدهش ان هذا التكنيك تم تجاهله كلية لأن تطبيقه يعنى تجاهل كل التكنيكات السابقة .. وعلى النقيض عمدت الدعاية العسكرية  فرض وجهة نظرها فيما حدث بالقوة.. وهذا ما سبب رفضا ظاهرا ومكبوتا واسعا لها.

* التظاهر بمنح فرص الحوار والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات:

مع أن الحرية الفكرية أمر محمود ومطلوب في كل المجتمعات، إلا أن هذه الدعوى قد تبدو كلمة حق أريد بها باطل، حيث يمنح أصحاب الآراء والتوجهات الشاذة فرصة الظهور على مسرح الأحداث وكأنهم أصحاب تيار حقيقي كامل، يملك الحق في الوجود والتعايش مع الآخرين، وهذا النمط شاهدناه في دعاة الإلحاد والبلاك بلوك والاحتفاء بهم للتجهيز للانقلاب مع كسب تعاطف المتلقي عبر تقديم هذه التوجهات العنفية الغريبة في صورة عاطفية تداعب الأحاسيس، بدلا من طرحها كعمل غير ديمقراطى للتغيير.

* التأكيد بدلاً من المناقشة والبرهنة :

بالرغم من تساهل وسائل الإعلام مع أصحاب الآراء الشاذة في عرض وجهات نظرها، إلا أنها غالباً ما تغفل الآراء التي لا تتفق مع مصالحها بشكل شبه تام، فتقدم وجهات نظرها على أنها من المسلمات التي يتفق عليها الجميع دون نقاش، وتتجنب حتى الرد على الرأي الآخر خشية تسليط الضوء عليه والمساعدة على انتشاره بلفت الأنظار إليه. . وهو ما جعل الاعلام المصري برأى واحد.

* عدم التعرض للقضايا الحساسة *

امتداداً لما سبق، فإن الإعلام الموجه يتجنب غالباً التعرض للقضايا المثيرة للخلاف، بل يتجاوزها إلى ما هو أبعد منها ليتعامل مع الواقع من حيث هو، مما يؤدي لا شعورياً إلى ترسيخ هذا الواقع في وجدان المتلقي إلى درجة التعايش معه وتقبله دون التساؤل عن صحته وحقه أصلاً في الوجود فضلاً عن الاستمرار , ومن أهمها إغفال حقيقة دولة الكيان الصهيوني واغتصابها للأرض والمقدسات، والتعامل معها على أنها دولة موجودة على أرض الواقع وتملك كافة مقومات الوجود، دون التعرض لحقيقة قيامها المصطنع، وكذلك التعامل مع الانقلاب وخيانة الإخوان لمصر كمسلمات.

* إثارة الغرائز وادعاء إشباعها :

لعل إثارة الغرائز في وسائل الإعلام هي من أكثر الأساليب وضوحاً لدى المتلقي، مثل القول بانتا بحاجة الى "الاستقرار وتوقف المظاهرات " من أجل "بناء مصر الجديدة .. مصر الرخاء.. ايجاد فرص عمل للشباب المتعطلين عن العمل وإيجاد مساكن لهم كي يتزوجوا وينجبوا مصريين جدد".

********************

سيد أمين يكتب : تكنيكات العسكر لتطويع المعارضة


الخميس، 3 يوليو، 2014

من أخطر المشكلات الأمنية التي تعترض سلطة الانقلاب في مصر , هو أن الانقلاب حرق الغالبية العظمى من أرصدته وتكنيكاته ورجالاته الأمنيين في فرن الانقلاب هادفا لإنجاحه , فانكشفت حيله وانكشف رجاله واستوعبت غالبية الشعب تلك التكنيكات , ومع ذلك لم ينجح الانقلاب بالطريقة الديمقراطية كما خططتها له دوائر الاستخبارات الغربية والعربية, وأصبح الطريق الوحيد لنجاحه الآن هو طريق المدفع والرشاش واصطناع التفجيرات لتخويف البسطاء الذين حرموا من الوعى السياسي واستمرار ربطهم به كملجآ أمن أخير لهم.

وكلنا نعرف منذ فترة طويلة التكنيكات السياسية التي تقوم بها النظم السياسية من أجل استمرار بقائها , لكن الجديد الذي انكشف من خلال هذا الانقلاب هي تلك التكنيكات التي يدس بها النظام في صفوف معارضيه أنفسهم ساعيا من خلال ذلك تمزيق الجبهة المناوئة له , وان تمزقت يسعى لإبقائها صوريا كديكور ديمقراطى.

هذه بعض تلك التكنيكات نرصدها عسي أن تتمكن الأحزاب الجادة في مصر والعالم العربي من تطهير نفسها حتى نتمكن من إقامة حياة سياسية سليمة وديمقراطية.


الأمصال:

تقوم هذه النظرية على ما يقوم به الأطباء والكيميائيون من حقن المريض المصاب بأي "فيروس" حى , بـ"فيروس" أخر ولكن ميت , ما يؤدى إلى تسمم الفيروسات النشطة وقتلها.

وبناء على هذه النظرية ارتأى ساسة كامب ديفيد الأوائل في مصر , صناعة مناخ سياسي واسع التنوع ولكنه تنوع مسموم خانع ومهادن , يقوم بالتخديم على ديمومة السلطة الحاكمة في الحكم ولا يفكر في منافستها ولا أن يصل إلى الحكم بدلا منها أصلا , ولا حتى يحمل أفكارا سياسية أو اجتماعية يرغب في تطبيقها , ولكنه تنوع يكتفي شخوصه فقط بما يلقي عليهم من فتات السلطة فيوزعونه بينهم وبين أسرهم وحاشيتهم.

ودعوني أتصور السادات حينما كان يدشن لتطبيق هذه الفكرة , حالما بأن يقيم حياة سياسية تبدو كأنها متنوعة ولكنها في الحقيقة كلها تدين بالولاء المطلق له ولنظامه الديكتاتوري غير الوطنى وغير الديمقراطى.

دعوني أتصوره ينثر المخبرين والمرشدين الأمنيين , وما أنتجته مفارخ أمن الدولة , هنا وهناك حينما أطلق عملية المنابر طالبا أن يكون هناك منابر لليمين ومنابر لليسار ومنابر للوسط تتطور جميعها في مرحلة لاحقة لتصبح أحزابا, ودعونى أتصوره وهو يأمر رجاله بأن يشكلوا منابرا وأحزابا تخلو جميعها من أنصار الفكر الحقيقي , فتأسست أحزاب يسارية بلا يساريين , وقومية بلا قوميين , وناصرية بلا ناصريين , وليبرالية بلا ليبراليين , وإسلامية بلا إسلاميين , وقامت هذه الأحزاب بادعاء تمثيل هذه الألوان الفكرية في المناخ السياسي دون وجود حقيقي للمتلونين بتلك الأفكار.

ولا عجب إن قلت أن الغالبية المطلقة لأحزاب ما بعد ثورة يناير الموءودة والتي تبلغ تقريبا 93 حزبا كانت من هذه النوعية من الأحزاب الوهمية.


الفتائل :

تقوم هذه النظرية على "الفتائل" التي يقوم الطبيب بغرسها للمريض الذي يعانى من الدمامل والبثور والتجمعات الدموية الفاسدة , بحيث يتم غرس الفتيل القطني , بين أنسجة الجرح المتقيح , وتركه لمدة وجيزة حتى تتجمع بقايا المواد الفاسدة عليه ثم يتم سحبه مجددا وإلقاءه في القمامة.

ويأتي إنشاء حزب النور السلفي كواحد من أشهر التطبيقات لهذه النظرية وأكثرها وضوحا , فالحزب غرسته أجهزة الأمن بين فصائل الإسلام السياسي , ولقد تجمع هواة العمل السياسي من الإسلاميين حوله نظرا لما اتخذه من مواقف سياسية متشددة من مسألة تطبيق الشريعة في محاولة لإيهام قطاعات الإسلاميين بأنه الحزب الأكثر حرصا وصدقا في الدفاع عن العمل السياسي الاسلامى مما مهد لوثوق غلاة الإسلاميين به , وبالتالي تم حصرهم وتصنيفهم أمنيا , فضلا عن أن الحزب يعتبر واحد من أكثر التيارات السياسية التي أسأت للإخوان المسلمين ونسبت جميع شطحاته إليهم , "راجع فتوى إرضاع الكبير , وانف البلكيمى , والأذان في البرلمان , والتحرش في السيارة , وغيرها".

وفي حين أن معظم قاعدة الحزب المستهدف إحصائها هي الآن في السجون , وهناك مؤشرات أن الحزب يهيئ نفسه للحل بعدما أدى دوره , في الإساءة للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتيار الإسلام السياسي بشكل عام , كما نجح في حصر الإسلاميين الراغبين بالعمل السياسي , وبالتالي مكن السلطات من حصرهم والتعرف عليهم لتمكينها من القضاء عليهم وهو ما حدث بعد الانقلاب إما قتلا أو سجنا أو نفيا , وبالتالي لا يكون مدهشا أن ينقلب تشدد قادة حزب النور قبل الانقلاب إلى تسامح بعده , بعدما عرفنا الدور الحقيقي لإنشاء هذا الحزب.

ولا استبعد أن يكون السماح بتأسيس كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بعد ثورة يناير ,كان فقط بهدف إحصاء أعضائها خاصة حزب الحرية والعدالة الذي لم تكن أجهزة الأمن تعرف منه سوى القيادات.


القطعان:

وتنبع هذه الفكرة من قطيع الأبقار , فقد لاحظ الساسة أن الراعي الأمريكي الواحد كان يسوق بمفرده بضعة مئات من الأبقار في الغابات , من خلال تدريب بقرة أو عدة أبقار على إشارات يصدرها لهم بالتوجه يمنى أو يسري أو التوقف وغيرها , وحالما توقفت تلك الأبقار المدربة التي تتصدر القطيع فان القطيع كله يحذو حذوها.

وبناء على هذه الطريقة راح نظام مبارك" نظام مبارك هو نفسه نظام السيسي" يصنع معارضيه , ويعطيهم أدوارا سياسية واجتماعية , ويقدم لهم تنازلات تجعلهم يبدون كما لو كانوا قيادات رأى شعبية , تضحى من اجل تحقيق مبادئ فكرية تتعلق بالقيم الوطنية , وتناصب النظام السياسي العداء انتصارا لقيم العدل والحرية, وأن النظام السياسي القائم يخشى تلك "النخب" ويحسب لها الحساب , ويسمح لفرد القطيع مثلا بمهاجمة الوزير والخفير بكل حرية دون مهاجمة الرئيس , أو مهاجمة هؤلاء الذين يديرون المشهد السياسي بشكل حقيقي , بل أن النظام السياسي لو تعرض لازمة عنيفة مسته في مقتل نجد هذه النخب تنحاز تلقائيا للنظام وبالطبع ينحاز معها القطيع الذي هو عبارة عن قطاعات واسعة من الشعب تعانى أمية سياسية وتعتبر أن هذه النخب هي معيار الوطنية والوعي السياسي.

ونستطيع أن نقول أن بكري وقنديل وعيسي ومعظم عناصر جبهة الإنقاذ بل معظم النخب المصرية هم يندرجون تحت هذا النوع من النخب.


شق الصف :

لا ادري طبيعة الاسم الذي من الممكن أن يطلق على هذا التكنيك , ولكنه تكنيك معنى بتفريق الحشود الضخمة من خلال الزج بعناصر كثيرة من رجالات الأمن ومنتسبيهم والذوبان بين تلك الحشود , وما أن يحدث اى تنازل من قبل السلطة مهما كانت ضئالته يقومون بالانسحاب في محاولة لخلق انطباع عند عدد اكبر من المتظاهرين بانتفاء الحاجة للاحتشاد والتظاهر وقد تحققت المطالب التي خرجوا من أجلها.

ولقد رأينا هذا النوع في عدة تظاهرات في ميدان التحرير وغيرها , كما بدا ذلك ظاهرا جليا في عمليات تفجير الأحزاب من الداخل , وهو ما حدث مع أحزاب مصر الفتاة والعمل والقومى والأحرار وغيرها.


السمَّاوي :

"السمَّاوي" هو الرجل الذي يقوم باصطياد الكلاب الضالة من خلال تقديمه وجبة شهية لها ولكنها مسمومة , وهذه الوظيفة عرفت في مصر منذ عشرات السنين , لكن السلطة الحاكمة ارتأت تطبيق هذه الوظيفة في العمل السياسي , من خلال الزج بأحد عناصرها المعروفين بالحكمة والبلاغة في الكتل أو الأحزاب السياسية الكبري ويمكنوه من اخذ دور قيادي عبر أنواع أخري من العملاء في هذه الكتل أو الأحزاب , فيقوم هذا الشخص بإصدار قرارات من شأنها انفضاض الناس عن الحزب أو الإساءة إليه .

*****************

سيد أمين يكتب : دولة "كأن"

الاثنين، 23 يونيو، 2014

كأنها دولة حقيقية قرارها مرهون بإرادتها وليس بإرادة عصبة "كامب ديفيد" ومن يدور في فلكها , وكأن رئيس البلاد انتخبته الجماهير العريضة في انتخابات نزيهة وحرة وليست تلك الانتخابات التي قاطعها الشعب عيانا وعلى الأشهاد والعالم كله يعرف ذلك , بل ومن يؤيده ومن يعارضه يدرك ذلك تماما , وكأن هؤلاء الذين يتراقصون في الشوارع من حين لآخر كلما تم استدعائهم ليفرحوا بالعهد الجديد المخضب بالدم هم شعب مصر , وليسوا مجموعة من المنتفعين وكثير ممن استغل الإعلام ثقافتهم الضحلة فتم تغييب عقولهم ونفر غير قليل من الساقطات والبلطجية والخارجين عن القانون.

وكأن المتظاهرين السلميين الذين يشاهد القاصي والداني سلميتهم خارجون عن القانون يجب مطاردتهم وقنصهم بالرصاص الحي ومن يتم الإمساك به على يد الشرطة أو البلطجية الذين يبدون كأنهم مواطنون شرفاء , يسلم إلى أشخاص آخرين يبدون وكأنهم نيابة عامة تستقصى الحقائق مع أنها لا تقوم بالتحقيق مع المقبوض عليهم مطلقا ولكنها تقوم فقط بإصدار أمر الحبس ثم تمارس تجديده كل 45 يوم , ومعيار الحرية الوحيد المتروك للمقبوض عليهم أن يختاروا من بين قائمة تقدم لهم التهم التي يحبون أن يتهموا بها , فيخيرون بين القتل والشروع في القتل والتخريب والشروع في التخريب, وحمل الأسلحة وقنابل المولوتوف, والتظاهر , وقطع الطريق, والتحريض , وقد يتم الشفقة بهم فينصحونهم باختيار اخف التهم عقوبة, ومن يجبر على تهمة غليظة تتبرع الشرطة بصناعة قنابل المولوتوف أو إحضار أسلحة ليتم تحريزها له.

كأن التظاهر جريمة , وكأن الاحتجاج ممنوع , وكأن هؤلاء المتظاهرين والمحتجين ليسوا بشرا من الأساس فضلا عن أنهم ليسوا مصريين , رغم أنهم الأغلبية في الشارع المصري. ثم يحال المتهم إلى آخرين كأنهم قضاة العدل , فإذا بنا نجدهم لا يستمعون للمتهم ولا دفاعه بتاتا , بل ولا يقرءون القضية أساسا , ثم نفاجئ بأحكام تسلبهم الحق في الحياة. ولا يزال توقعنا بأن تهتز الضمائر , وأن يتخلى البعض عن الإيغال في الدفاع عن الظلم قائما , لكننا نجد إعلاما كأنه ينقل الحقيقة , يدافع باستماته عن حرمان حق الآخرين من الحياة , بل ويطالبهم أن يصمتوا في انتظار الموت, بل ويقوم بدور المحقق مرة ثانية فيقوم بتلفيق ما اعتبرها أدلة وبراهين تجعل من حكم سلبهم الحق في الحياة حكما عادلا ويخنق كل صوت يبرئ ساحتهم. نقول أن منظمات المجتمع المدني ستثأر, فنجدها هي الأخرى تلتزم الصمت المطبق , ولو تحرجت نجدها تدين مسلك السلطات وكأنها تؤيده , ولو تبرمت نجد تبرمها يأتي كشهادة ضد المتظاهرين الأبرياء.

وعلى غير يقين نقول أن المجتمع الدولي سينصف هؤلاء المتظاهرين, لكننا نجده يغمض عينيه وأذنيه تماما عنهم , بل نجده شريكا في كل هذا الظلم. لم يصدق مصطلح "دولة كأن" على دولة في العالم كما يصدق على مصر الآن , شأنها شأن عدة أقطار عربية , استهدفتها الآلة الصهيونية بالتجريف و التبوير , عبر عملائها الذين يحكموننا , والذين يتحدثون بألسنتنا ويعيشون بيننا , ولكن عقولهم تم تجريفها فصارت تخلط بين خدمة إسرائيل وقوى الإمبريالية وخدمة شعوبنا , بل إنها حينما تقوم بعمل فلا يعنيها من هو المستفيد طالما أن النفع يطال جانب من جيوبهم.

وكلنا يذكر قصة القيادي الكبير في الحزب الشيوعي السوفيتي الذي عمل جاسوسا لأمريكيا وكانت مهمته الوحيدة هو اختيار الرجل غير المناسب ليشغل قيادة الموقع الحساس فيقوم بتدميره , وبالطبع فهذا المسلك أدى لتدمير معظم مؤسسات الدولة مما عجل بنهاية الاتحاد على يد جاسوس أخر تم تصعيده لرئاسة البلاد وهو ميخائيل جورباتشوف. وطالما مررنا على عالم الجاسوسية فلابد أن نذكر أيضا كمال ثابت والذي استطاع إن يصل إلى مرتبة رئيس الأركان في الجيش العربي الأول"سوريا" إبان الوحدة بين مصر وسوريا وكان على بعد خطوات ليس من اعتلاء منصب الوزير بل رئيس الوزراء نظرا لحماسته القومية التي أثارت إعجاب كل من عرفوه ثم اكتشفت المخابرات السوفيتية انه جاسوس صهيوني وانه يهودي يدعى ابلي كوهين , وتمت محاكمته وإعدامه في 1965. كل ما يحدث في مصر الآن أشعر ملايين المصريين أنهم أسرى , أو ربما أحط شأنا منهم , بعدما تعززت الوطنية والكرامة الإنسانية في قلوبهم طيلة ثلاثة سنوات مضت منذ ثورة يناير الموءودة , وهو الأمر الذي يذكرني بمسلسل "لا" لكاتبه الراحل مصطفي أمين , حيث نشكوا القاتل لنفسه .ونستغيث بمن ظلمنا إليه.

ودعوني هنا أعرج على بعض النقاط أو الإشارات للفت الأضواء إليها :

*سألني صديقي عن تفسيري للإفراج عن عبد الله الشامي بعد اعتقاله لمدة 10 أشهر بدون أي تهمة أو محاكمة , قلت له إنني أتوقع أن تكون الجزيرة قد هددت السلطات المصرية بحرمانها من الحصول على بث مباريات كأس العالم الذي تحتكره الجزيرة في العالم حصريا ما لم يتم الإفراج عن طواقمهم المحتجزين بدون تهمة أو أي جرم , وبالطبع نظام السيسي بحاجة ماسة لإلهاء الشباب عن الاشتغال بالشأن السياسي كما كان يفعل مبارك , فقرر الموافقة على الصفقة وكان عبد الله الشامي أول ثمارها , رغم انه تم التجديد له 45 يوما لم يكملهم. عود حميد عبد الله الشامي وكل طواقم قناة الجزيرة البطلة , التى شهد العالم بمهنيتها.

*النشطاء "الحنجورية المتحركون بالريموت كنترول من لاظوغلي" الذين كانوا يتظاهرون ضد السعودية أيام موضوع احمد الجيزاوي , وملئوا الدنيا ضجيجا بسبب مشاهدتهم لعلم السعودية يقوم بعض السلفيين "الأمنجية " أيضا برفعه في التحرير , اختفوا نهائيا بعدما كان ضجيجهم يملأ الفضائيات رغم أن احمد لم يخرج من محبسه بعد, لماذا ؟ وأن ما كنا نشك فيه من علاقة التبعية من قبل مصر إلى النظام في السعودية صار الآن واضحا كالشمس بل حولته آلة دعايتهم إلى أمر محمود؟ أم أن الأوامر العسكرية أخبرتهم أن مهمتهم انتهت؟ وان السعودية قررت تمويل الثورة المضادة.

*نصيحتي لكل شباب مصر والعرب الذين يريدون أن يعرفوا الطريقة التى تحكم الصهيونية العالمية بها عالمنا العربي , أن يقرءوا فقط كتابا "الأمير" لمكيافيللي , و"طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للكواكبي .. صدقوني ستجدون أنفسكم جهابذة في علم السياسة, وحيلهم لن تنطلي عليكم بعد ذلك , وبهذه الطريقة ستفهمون ما يحدث لنا الآن فهما صحيحا , وإذا فهمتهم سيتحرر عالمنا العربي بل والإسلامى. لا يوجد حاكم على وجه الأرض "عدا محمد مرسي" لم يقرأ كتاب الأمير وبعضهم حفظوا الكتاب حفظا. ملحوظة : "يمكن تحميل الكتابين منِ خلال النت"

*ما يحدث في العراق الآن هو لحظة تاريخية لتوحد كامل لجناحي الأمة العربية "التيار الاسلامي والتيار القومي" .. فهذه تجربة رائعة ندعو للتأمل فيها من أجل إطلاق مشروع حضاري كبير يعيد أمتنا العربية إلى سالف مجدها بوحدة الإسلاميين والقوميين .. مع تجنب الأمنجية والدخلاء من الطرفين. وهنا يجب التأكيد أن ثورة العراق هى ثورة كل أبناء الشعب بكل طوائفه ومذاهبه و أعراقه ضد الظلم والقهر والطغيان الذى جلبته حكومة الطوائف التى عينها المحتل الأمريكي , وأن أيِ صراع بين السني والشيعي هو صراع بين الشقيقين لا يجنى ثماره إلا الغرباء

**********************

سيد أمين يكتب : عن حقيقة صراع العالم والجنرال

السبت، 14 يونيو، 2014

كثيرا ما ثارت في ذهني تساؤلات حول ماهية الرد الفعل الأمريكي حيال ما إذا قام الفريق أول آنذاك عبد الفتاح السيسي برفض الطلب الامريكى له بالانقلاب على أول رئيس اسلامى منتخب ديمقراطيا في مصر؟ وهل كان توقف الأسطول السادس الامريكى أمام شواطئ الإسكندرية أثناء وبعد بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013 هو من أجل مؤازرة الانقلاب وقادته أم من أجل مؤازرة الإخوان المسلمين كما تدعى دوائر إعلامية عرفت بقربها من أمريكا ومن قادة الانقلاب؟ وهل نحن كدول عربية فعلا دول نالت استقلالها فى منتصف القرن الفائت؟.

ودعونا نقول انه في علم السياسة , تكون العبرة دائما بالنتائج وليست بالإجراءات, والنتائج تقول أن الانقلاب يمضي في صنع شرعية تحكم بقوة الرصاصة والإعلام العسكري الموجه وفي المقابل هناك أيضا شرعية ديمقراطية لا تحكم ولا زالت بعد مرور قرابة العام صامدة ويافعة استطاعت استلاب استمراريتها اعتمادا على حالة سخط شعبي حقيقي قد لا تمثل المظاهرات سوى 10% منه ولا يظهر إلا إذا وجد مناخا أمنا - تفتقده مصر الآن - يتيح لكل المعارضين الإعلان عن أنفسهم فكانت الانتخابات الرئاسية تربة خصبة له ليظهر من خلالها , فقاطعها معبرا عن رفضه لها رغم حملات الترويع بالغرامات المالية للمقاطعين , فوصلت أعداد المقاطعين لنحو 90% ممن لهم حق التصويت.

ولعل ما سبق يؤكد أن البوارج الأمريكية التى وقفت على سواحل الإسكندرية إنما جاءت لمؤازرة قادة الانقلاب وليس العكس خاصة أن الإدارة الأمريكية تعلم أن الغالبية الساحقة من المصريين ضد الانقلاب أو أنهم صوتوا في السابق بنسبة تزيد عن 52% لمحمد مرسي وأنهم شغلوا قرابة 75 % من البرلمان , كما أن هذه البوارج لم تقدم اى شئ لمنع الانقلاب ان كان هذا مقصدها, حتى أن الإدارة راحت توقف المساعدات العسكرية لمصر وقدرها مليار و300 مليون دولار بينما قدمت قرابة 20 مليار دولار من خلال حلفائها فى الخليج , وهم الذين ما كانوا ليجرئوا على تقديم هذا الدعم إلا بأمر امريكى مباشر.

فضلا عن أن التبعية المصرية لأمريكا لا تمثلها المساعدات فقط فهي لا تمثل إلا النذر اليسير للغاية , لأن معالم تلك التبعية وصلت ربما إلى قواعد عسكرية أمريكية في مصر , وهو ما أكده الدكتور على الدين هلال وزير الشباب في عهد مبارك الذي قال في مؤتمر لمركز أعداد القادة بحلوان عام 2009 انه يوجد في مصر ثلاثة قواعد أمريكية إحداها قرب القاهرة ونشرت جريدة الوفد آنذاك تلك التصريحات في صفحتها الأولى بينما قامت صحيفة الكرامة التي تتبع حزب الكرامة برئاسة حمدين صباحي آنذاك بالاستفاضة في الموضوع وأكدت وجود 11 قاعدة في مصر وراحت ترسم عبر ثلاثة أعداد متتالية خرائط تفصيلية لهم.. والمسئولية هنا على القائل.

كما أن المركز الطبي العالمي الذي كان يتشفي فيه مبارك في طريق الإسماعيلية بنته القوات الأمريكية لنقل جرحاها إليه أثناء غزوها للعراق عام 2003 وحينما تسنى لها احتلاله تنازلت عنه لمصر.

وكلنا نتذكر أيضا إن "وثائق ويكيليكس" كشفت أن هناك آلاف العراقيين ساقتهم القوات الأمريكية إلى "قواعدها" في مصر واليونان وألمانيا لنزع معلومات واعترافات منهم عن المقاومة العراقية , وراحت تظاهرات الاحتجاج تجوب ألمانيا واليونان بل وأمريكا نفسها ولكن لا حس ولا خبر في مصر.

وإزاء ذلك صار واضحا أن رفض الانقلاب كان يعنى هجمة أمريكية لانجاز الأمر وتحقيقه بيد الغرب نفسه , وان البوارج الأمريكية كانت مجرد نقاط إغاثة في حال حدوث تطورات عسكرية أو شعبية غير مرغوبة أمريكيا.

والواقع أن المعركة التي يشنها "الجنرال" وأنصاره ضد "العالم" وأنصاره , هي معركة غير متكافئة القوة , وغير شريفة , وغير مقدسة , فالفكر لا يمكن أن تمحوه الدبابة أو تقصفه الطائرة , حتى وان قتلت كل من يعتنقونه , وذلك لأن الفكر هو نتاج عصف الأدمغة , كما انه فى أي زمان أو مكان حررت فيه الأدمغة ستصل حتما إلى خلق أفكار جديدة ومن بينها هذا الفكر , فالفكر موجود ما وجدت في الأدمغة عقول , وما قصف فكرة قط حتى عادت أقوى مما كانت.

ولعل السادات حينما قال أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا كان يقصد أن يقول أن بلادنا ليست مستقلة كما نتوقع , وأننا لا زلنا بلادا مستعمرة انتقلت من طور الاستعمار العسكري المباشر الى الاستعمار غير المباشر.

والاستعمار غير المباشر هنا ليس محصورا في التحكمات الاقتصادية الغربية فحسب بل يتعداها لمستويات اخطر بكثير , فالاستعمار هذه المرة نَصَّب بعضا منا يحكموننا لصالحه نيابة عنه.

ولما تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها القديمة لأمريكا عام 1951 ارتأت الأخيرة أن نظام الاستعمار العسكري القديم لم يعد مناسبا لروح العصر فضلا عن أنه باهظ التكلفة المادية والأخلاقية فراحت تتبنى هذا النوع من الاستعمار الحديث فيما يعرف بـ"النفعية والواقعية السياسية" بحسب مؤسسه "نيقولا ميكافيللي".

وكان مكيافيللي قد سرد لأميره ثلاثة وسائل لغزو إحدى الإمارات المجاورة , وسرد مع كل وسيلة عيوبها.

نصحه بتجريد قوة كبري لغزو تلك الإمارة , لكنه حذره من حدوث انقلاب عليه فى الداخل فيكون قد كسب أرضا جديدة وخسر أرضه القديمة.

وعرض عليه أن يجرد حملة كبري بقيادة قائد الجيش ليغزو تلك البلاد , لكنه حذره من ان ينشق هذا القائد فيكون قد انفق أمواله وجيشه على جيش العدو الجديد.

وفي ثالثة الاقتراحات ,عرض عليه إن يذهب بجزء من قواته ليغزو تلك الإمارة فيستذل أكارمها وأغلبيتها, ويدلل حقراءها وأقليتها وينصَّب منهم حاكما على البلاد بعد أن يجهز لهم حامية عسكرية تتبعه للتدخل وقت الحاجة , وقال له أن هؤلاء الأقليات سيناصبون شعبهم العداء , وسيقمعونه بأبشع ما يمكن أن تقمعهم أنت به , وسينهبون ثرواته ويعطونها لك تقربا إليك لأنهم سيحتاجونك دوما لقمع شعبهم, فضلا عن أنهم لو انتكسوا بفعل ثورة عارمة فلن يطالك من الانتكاسة شئ ويتحمل هؤلاء الخسارة كلها.

هذا هو الشكل الذى يستعمر الغرب به عالمنا العربي , فالإسلاميون لا يحكمون وإذا وصلوا للسلطة سيحدث ضدهم انقلاب وينكل بهم كما حدث في مصر والجزائر.

والقوميون لن يحكموا وإذا حكموا سيقتلون وينتكسون كما حدث مع عبد الناصر وصدام والقذافي , والأغلبية ممنوعة من الحكم في بلادنا على عكس نواميس الحياة.

***************

سيد أمين يكتب : عن الربيع المفزع والإعلام وصباحى

الاثنين، 2 يونيو، 2014

منذ ثلاثة أعوام تقريبا عقب انطلاق قاطرة الربيع العربي بدءا من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن وسوريا , كنا نحذر من أن هذا الربيع قد يتحول إلى كابوس مفزع يرمم استبداد دول الموالاة ويدمر دول الممانعة , ما لم يكن الهدف الأساسي منه هو التحرر من الهيمنة الغربية وان يأخذ هذا الربيع مسألة الاستقلال الوطني غاية له تتوازى وربما تسبق غاية القضاء على الاستبداد وان يرفع شعار التحررالوطني تماما مع شعارات الديمقراطية وحكم الأغلبية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وطالما الأمر كذلك كان ينبغي على الربيع العربي أن يخص بظلاله البلدان العربية التي تتوافر فيها سمتا عدم الاستقلال الوطني , والاستبداد , إلا أننا وجدناه يمر على الدول الاستبدادية التي تمانع سياساته فيسقط نظامها إسقاطا كاملا ويتركها أرضا خرابا ,ويمر على بلدان أخري تفتقد الاستقلال الوطني فيرمم نظام حكمها ويعيده أكثر استبدادا مما كان.

وظهر للعيان أن الربيع العربي المزعوم سار بالفعل على الرجل العرجاء لطالما حذرنا من أن يسير عليها , وبدا واضح أن المحرك الوحيد لما يحدث في عالمنا العربي هى تلك الأصابع الأمريكية المتشابكة مع المؤسسات العسكرية والاستخبارية في دول الموالاة كمصر واليمن وتونس, في حين جري ذلك بالاتفاق مع عناصر ممولة من الخارج استغلت حاجة الناس لتنسم ريح الحرية فقامت بتدمير البلاد في معركة كارثية حرص مخططها الامريكى ان يجعل المبنى ينهار فيها على الجميع , المستبد والثوار معا رغم أن جزءا منهم حلفاء له , كما هو الحال في ليبيا وسوريا .

وبكل وضوح , وحتى لا يجادلنا احد عن عفوية انطلاق الربيع العربي , نقول كان ينبغي إذن عليه أن يطال دويلات الخليج التي تعج بالقواعد الأمريكية وتفتقد نظم الحكم فيها إلى اى إرادة وطنية حرة , واى شكل من أشكال الديمقراطية أو الرشاد , كان يجب أن يكون هذا مطروحا.

لكن هذا لم يحدث مطلقا , بل أن الثروات التى وهبها الله للعرب كى يستبقوا العالم بها علما وحضارة وتحررا , سخرت على أيدي تلك النظم العميلة من أجل ذبح الشعب العراقي ثم الشعب الليبي ثم الشعب السوري ثم الشعب المصري.

فما وجدناه أن تلك الدول ضالعة في تدمير سوريا حكومة وشعبا وثوارا , كأنها راغبة فى إطالة أمد الصراع من أجل القضاء على ما تبقي من الشعب وبقايا الدولة , وهو ذات ما حدث من قبل في العراق, في حين ترجلت السعودية والإمارات ورأيناها تدعم وأد الثورة المصرية بشكل علني تتفاخر به بينما نجدها على المقربة تدعى دعمها للثورة في سوريا, وما أن سقط القذافي في ليبيا حتى استدارتا هاتان الدولتان ضد ثوار الأمس ونعتتهما بالإرهابيين ثم راحتا تدعمان انقلابا عسكريا يقوده جنرال امريكى الجنسية يقول عنه الجميع انه رجل أمريكا في ليبيا, الأمر الذى يتضح منه أن الدعم الاماراتى السعودي للثورة في ليبيا كان الهدف منه مجرد تسليمها للأمريكان , لا أكثر ولا أقل , وما ينطبق على ليبيا ينطبق أيضا على دعمهما لسوريا.

ففي الواقع ان الربيع العربي هو ربيع امريكى بامتياز ليس لأنه لم يقضى على نظام مبارك وبن على ولكن لأنه حافظ عليهما من الانهيار المفاجئ , فقد رمم الأمريكان نظامهم في مصر وتونس وهدموا سوريا وليبيا وحيدوا اليمن وسلموها للسعودية , وجعلوا مصر تشارك اسرائيل في حصار حماس ومن قبلها غزة , وهدمت أنفاق الإغاثة للشعب الفلسطيني دون اى احتجاج شعبي مصري أو عربي بل رأينا المهللين والراقصين , وتمت تصفية سيناء من المقاومة , وسمعنا من يفاخر بأن هناك تنسيق مصري اسرائيلى طوال الوقت فى كافة المجالات , ورأينا طائرات إسرائيلية تدخل سيناء وتقتل من المصريين ما تشاء وتعود إدراجها سالمة, بينما يقول لها النظام الرسمى تسلم الايادى, كما صارت مصر تصدر الغاز لإسرائيل بدولار وتعود تشتريه منها بدولارين ,

* سألني صديقي عن السبب الذى جعل الإعلام المصري ( التلفزيون الرسمي، الأقنية الخاصة، الصحف الرسمية وغير الرسمية وغيرها ) الذى يأتمر بأمر جهة واحدة يتخذ موقفا موحدا في اليوم الأول والثاني من انتخابات الرئاسة المزعومة بأن الإقبال كان ضعيفا وأخذوا يكيلون الشتائم للشعب المصري لعدم تفاعله مع الانتخابات مما أضعف موقف السيسي , ثم تغيرت الصورة فجأة وفي توقيت واحد أيضا في اليوم الثالث للانتخابات معلنين أن الإقبال أبهر العالم وغير مبالين بهذا التناقض الفج.. فما السبب ؟

قلت له أن الأمريكان الذين نصبوا السيسي رئيسا لمصر أرادوا أن يتركوا خط الرجعة مفتوحا عن هذا التنصيب من اجل إجباره على استمراره في الإذعان الكامل لهم ومنعا من أن تأخذه الحماسة يوما ما فيخالف مطالبهم منه تحت زعم وجود شعبية له كتلك التى يملكها مرسي فيخرج عن الحظيرة الأمريكية خاصة انه يمتلك الجيش الذي لم يكن يمتلكه مرسي.

كما أن الأمريكان يخشون أيضا أن يستمر الحراك الشعبي المناهض للسيسي أو تزداد وتيرته أو تحدث له تطورات كبيرة وسريعة في لحظة ما فقرروا دق مسمار جحا الذي يمكنهم من العودة عن دعم السيسي وهو ضعف الإقبال وبالتالي تزوير الانتخابات ثم عدم الشرعية.

وقلت لصديقي لا تنسي أن هناك 35 فضائية مصرية يشاهدها اغلب المصريون للأسف أنشئت من أموال المعونة التجارية الأمريكية .. ورجال الأعمال الذين يملكونها هم من صنائع أمريكا ويأتمرون بأمرها, حالهم حال النظام المصري برمته.. فأمريكا بهذه الوقائع وقعت عقد تنصيب السيسي متضمنا شروط الرجعة وشروط المستقبل

* قبيل أيام من انتخابات رئاسة الدم المهزلة كتبت أنه ليس أمام حمدين صباحى سوى فرصة واحدة وحيدة لاستمرار بقائه ضمن خط المعارضة المصرية ومنع حرقه بالكامل .. ثم إلقائه في مزبلة تاريخ الوجدان المصري ..هو أن ينسحب من مهزلة شرعنة استمرار حكم العسكر لمصر.

قلت له إن فزت فهم سيحكمون بدلا منك ويأخذون هم المغانم ويحملونك أنت وحدك جرائمهم ويلقون بك في السجن .

وان قبلت بمنصب كبير في حكومة الجنرال فسيحملونك أنت مسئولية فشله ويلقون بك أيضا في السجن.

ولو لم تفز وهذا هو اليقينى وحاولت تمثيل دور المعارض فسيلقون بك في السجن أيضا , فرصتك في الحرية هو أن تنسحب وحينما يحاولون إلقاءك بالسجن ستتطهر من نقائصك وتنجو بنفسك.

لكن حمدين لم يستمع لما كتبت وها هو أحد المحامين إياهم يتقدم ببلاغات ضده يتهمه بالتخابر مع دولة اجنبية.

حتى دور المعارض المدجن حرموك منه.. وجعلوك مزحة سيرددها الناس على مر الزمان , انك دخلت انتخابات وهمية جرت بين اثنين فخرجت فيها الثالث.

* الغريب في الشعب المصري أن هناك قطاعا لا بأس منه يعرف ان السيسي هو الذي يحكم مصر فعليا منذ 3 سنوات وانه أزاح مرسي بأمر من أمريكا ومن اجل امتيازات خاصة للعسكر وانه سيخرب مصر وأنه اجرم في حق شعبها ..ومع ذلك يؤيده ليس لشئ إلا لإيمانه بأن الشعب المصري بحاجة الى سفاح ليحكمه.. منطق ليس فيه اى منطق

************************

سيد أمين يكتب : السيسي وحمدين .. وجهان لحكم العسكر

الجمعة، 16 مايو، 2014

عرف الكثيرون وبكل وضوح ان السيسي وحمدين .. وجهان لحكم العسكر.. وقد يتساءل احدنا أنه من البديهى أن يكون السيسي وجه من أوجه حكم العسكر وأن خلعه بزته العسكرية لات يعنى انه صار مرشحا مدنيا بينما كل أجهزة الدولة وعلى رأسها الجيش يقفان خلفه, بل أن من راحوا ينتخبون السيسي في الخارج عبروا بصراحة أنهم انتخبوا الجيش في صورته.. ولكن ماذا عن حمدين وهو شخص مدني كان ممن ينتمون للمعارضة ؟

في الحقيقة أن حمدين صباحى يمتلك مميزات هائلة ترشحه ليرتدى بذلة رئيس جمهورية مصر العربية ولكن بالمواصفات الأمريكية .. أول هذه المميزات أن الأمريكان الذين دائما يعتمدون على التحالف مع العسكر في مصر يحاولون تحسين هذا التحالف مجاراة للديمقراطية الغربية وخجلا منها بأن يكون رأس هذا النظام شخص مدني غير محسوب على العسكر .. على أن يكون العسكر هم الحكام الفعليون على الأرض وبتحقيق هذه المعادلة يكون الأمريكان قد كسبوا الحسنتين حكم عسكري حقيقي يحقق لهم مصالحهم , وحاكم مدني لزوم التضليل الغربي.

ويشترط في الحاكم المدني الذي يتم الإتيان به على هذه الأرضية أن يكون بلا شعبية حقيقية في الشارع , وان تكون شعبيته مجرد شعبية إعلامية لا أكثر ولا اقل وذلك ضمانا لعدم خروجه عن إرادة العسكر احتماءا بشعبيته كما فعل الدكتور محمد مرسي .. ولعل حمدين صباحى يتميز بتلك الميزة بل ويزيد عليها بأنه صاحب نضال.

فهل يتخيل أحدكم أن يأتى مرشح رئاسي يقول انه ناصري النزعة لينافس مرشح رئاسي أخر يشبهه عبيده بأنه ليس ناصريا فحسب بل عبد الناصر نفسه - مع ان هذا المرشح لم يذكر عبد الناصر بحرف واحد ولم يفعل اى شئ مما كان يفعله إلا عيوبه دون مميزاته - ثم نجد ان كلا منهما - أى هذا الناصري وعبد الناصر الجديد – لا يفوتون فرصة واحدة إلا ويتوعدون بقطع ايادى وأرجل وألسنة حماس .. ولم ينطق واحد منهما بكلمة واحدة ضد إسرائيل .. بل وجدنا عبد الناصر الجديد الذى كان وزيرا في حكومة يقودها رئيس منتخب اسمه أ.د محمد مرسي يقول انه ابلغ الأمريكان في مارس 2013 أن وقت حكم رئيسه انتهى.. بماذا إذن نسمى هذا الأمر ؟ ..أليس هذا عمالة وتخابر لصالح دولة أجنبية وخيانة عظمى وتدبير لقلب نظام الحكم؟.. أم انه أمر يستحق ان نقول لفاعله تسلم الأيادى.

ومن الأشياء التى تلفت الانتباه بشدة فى هذا اللا صراع الحميم بين اللا متنافسين .. السيسي الحاكم الفعلى للبلاد من وجهة نظر كثيرين ليس منذ انقلاب 3 يوليو 2013 ولا حتى منذ تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011 ولكن منذ أن عينه مبارك – إن كان هو من عينه فعلا ولم يتم فرضه عليه – لرئاسة جهاز المخابرات الحربية .. وبين حمدين صباحي المصل الناصري الذى يهدد بقطع لسان حركة المقاومة الإسلامية حماس ولم نلمح منه ولو تلميحا أى كلام يفهم منه سعيه للاستقلال الوطنى من تلك القوى التي كانت تناصب عبد الناصر العداء , فضلا عن غيبوبة موقفه من القطاع العام والعمال والمزارعين والفقراء , اللافت انه ومنافسه يتفنان فى استفزاز قطاع ضخم للغاية من الشعب من معارضى الانقلاب العسكري أو هؤلاء الرافضين للمسلك الاستبدادي للسلطة العسكرية في ثوبها المدنى وهى السلطة الحاكمة فعليا الآن والتي ستحكم مستقبلا إن قدر لهذا الانقلاب النجاح.. وان كلا منهما يصر على التحدث باسم الشعب والفقراء.. مع ان الفقراء هم من يقتلون في الشوارع دون مصمصة الشفاه من الكومبارس او وخزة خجل عند المشير , فضلا عن أن كلا منهما يلبس رداء ناصريا أو قوميا لا يليق به مطلقا ولا توجد إمارة واحدة على أحقية ارتدائه له.

ودعوني أعود إلى وقائع عايشتها بنفسي ترتبط بشكل كبير بما يحدث لمصر المغتصبة الآن فعقب أحداث المقطم التي دبرتها أجهزة الأمن في يناير 2013 ..أخبرتني زميلة صحفية متزوجة من شخصية في موقع امني كبير أن المخابرات كانت تنتوى الانقلاب على الرئيس في تلك الأحداث ولكنها لم تجد الظهير الشعبي .. وبعد اقل من شهر تقريبا عادت تلك الزميلة تؤكد لى أن الانقلاب تحدد موعده في شهر يوليو 2013 وان مسألة الظهير الشعبي قد حلت .. ولم تمر أسابيع حتى ظهرت حركة "تمرد"..وأنا كتبت ذلك في حينها.

وكتبت آنذاك أيضا أن احد الأمنجية المدسوسين على التيار الاسلامى - والذين يعرفون اننى اعرف حقيقتهم تماما - اخبرني في هذا التوقيت أيضا أن الإخوان ومن يؤيدهم سيقتلون في الشوارع دون رأفة أو رحمة في نهاية العام "عام 2013" وان هناك خطة شاملة للتخلص منهم نهائيا بالتصفية مهما بلغ عدد الضحايا ثم تهجير أنصار التيار الاسلامى الى منطقتى مرسي مطروح والسلوم وبنغازى .. وكتبت ذلك وقتها على اعتبار انه هرطقات لا يمكن تصديقها ..لكن المدهش اننى سمعت أن الاعلامى محمود سعد يقول بأنه يجب تهجير الإخوان من مصر.. وبالطبع خبرتنا مع تلك التسريبات الإعلامية يجعلنا نتخوف .. فخبرتنا تقول أن كل ما تريد الأجهزة العسكرية تنفيذه تسبقه تسريبات إعلامية تمهد الأذهان له.. وترفع عنه صفتي اللا منطقية والإجرام.

وقبل ذلك وفي نوفمبر 2012 وبعد وصول الرئيس الدكتور محمد مرسي لكرسي الرئاسة بخمسة أشهر تقريبا اتصل بي شخص يدعى "عبد السلام . ع" وهو من جيران حمدين صباحى , بل وهو احد أقاربه الموثوقين جدا.. وكان هذا الشخص وهو طالب جامعى واحدا من المحبين لى ..فلما رأنى أدافع بشدة عن المسار الديمقراطي آنذاك خاف علي من عقبات ذلك خصوصا بعد ما سمعه من حمدين صباحي في مجلسه الخاص .. فقال لى انه سمع حمدين يقول ان مرسي لن يكمل عدة أشهر في الحكم.. وان هناك مذابح ستحدث ضده وضد كل من يؤيدونه .. بل وسيختفي الإسلاميون نهائيا من المشهد السياسي في مصر.. وان الجيش سيؤسس لدولة علمانية كاملة على غرار علمانية أتاتورك العسكرية في تركيا.. وان حمدين سيحتل موقعا كبيرا فيها.

هذا ما قاله جار حمدين قبل الانقلاب بسبعة أشهر كاملة.. فهل تصدقونني أن حمدين شريك أساسي فى المؤامرة على الديمقراطية في مصر , وانه قد يكون هو المقصود بـ"أمير الشعب" الذي راح يعظ احمد ماهر مؤسس حركة 6 ابريل بالمشاركة في المؤامرة على المسار الديمقراطي.. ولما رفض هدده بحظر الحركة تماما .. خيوط المؤامرة تتكشف تدريجيا لدى من يجهلونها .. وما كنا نجتهد في محاولة توصيله للناس والتدليل عليه منذ قرابة نصف العام ..صار الآن أمرا واضحا لا يحتاج إلى تدليل.

يا سادة .. مصر تدخل الآن نفقا مظلما ولا يمكن لها أن تخرج منه إلا إذا وجد بين النخب عقلاء , يسعون لنصرة الوطن , ولا يبالون بنصرة أهدافهم ومعاركهم الخاصة ..اللهم أحفظ مصر.

*********************

سيد أمين يكتب : مبارك الفلتر

السبت، 19 أبريل، 2014

حينما كان الاعلام يقول عن مبارك انه صمام أمان لمصر فهو لم يكن مخطئا.. فمبارك كان بالفعل صمام أمان .. يقوم بمهام فلاتر الكاوتشوك العازلة للصوت والاهتزازات.

دور مبارك كان يقوم علي فلترة الضربات او الاوامر التى يتخذها مجلس العسكر والمخابرات وهم الحكام الفعليون لمصر منذ عصر صلاح نصر وربما منذ استقلال مصر - وهو الاستقلال المشكوك فيه وسنخصه بمقال أخر مستقبلا باذن الله - واعادة انتاجها وكأنها قرارات صادرة منه مع شئ من التنقيح والتحسين.

ولو اعتمدنا نظرية "الفلتر" فبذلك يمكننا ان نقول ان وظيفة مبارك المحورية الوحيدة طوال الثلاثين عاما الماضية .. هى فلترة قرارات المخابرات والمجلس العسكري ..وبذلك يمكننا ان نقول ان مبارك لم يحكم بل كان فقط يفلتر القرارات ويتلقي الهجمات والطعنات والاعتراضات الشعبية عليها.

ولما اراد مبارك ربما بمشورة من"جمال وسوزان" الانتقال من اداء دور الفلتر الى ممارسة الحكم بالفعل من خلال ترشيح جمال مبارك واعتمادا على سرطانية انتشار الحزب الوطنى وفولاذية جهاز أمن الدولة .. دبرت المخابرات ثورة يناير عليه مع توفير قدر من الاحترام له كـ"فلتر" خدمهم طوال 30 عاما.

مشكلتنا الان ..اننا نواجه حكام مصر الفعليين دون وجود هذا الفلتر ..الامر الذى يشعرنا بحجم الضجيج البالغ والاهتزاز المفزع..والاندهاش المتزايد في حين ان من هم في السلطة الآن لا يشعرون بقدر ارتباكنا.. وربما سبب ذلك انه لم يتغير بالنسبة لهم اى شئ كونهم حكام فعليين "منبع اصدار" ولكن نحن من نشعر بهذا التغير لاننا "مصب تلقي".

وقد يقول البعض ان ثورة يناير لم تكن ابدا من تدبير العسكر والمخابرات .. اذن فدعونى اسرد لكم رؤيتى وهى رؤية قد لا يدلل عليها بالاشياء المادية ولكن يدلل عليها منطقيا.. وهي ان جهاز المخابرات قد يكون خطط لثورة يناير قبل حدوثها بفترة ظويلة فراح يصنع اذرعه الاعلامية التى تمكنه من استخدامها حين البدء في الاجهاز على مبارك الذى كان يتحصن بالحزب الوطنى وجهاز امن الدولة الموالى له والذى تغول فصار مهددا رئيسيا للعديد من قيادات المخابرات والمجلس العسكري ويملك اوراق ادانة عليهم وهو ما قد يكون دفع المخابرات بعد ذلك لاقتحام مقر أمن الدولة الرئيسي والاستيلاء على تلك الاوراق وحرقه بعد ذلك.

وفيما يبدو ان جهاز المخابرات استمال معظم مساعدى وزير الداخلية حبيب العادلى فيما بقي هذا الرجل هو الشخص الوحيد المخلص لمبارك .. وندلل على ذلك ان مساعدى العادلى جميعهم بل وجميع الضباط والامناء الذين تلقوا اوامر اطلاق الرصاص على المتظاهرين من تلك القيادات قد حكم لهم بالبراءة بل وتقاضوا مكافآت ورواتب بعد خروجهم عدا العادلى الذى يتم تغليظ العقوبات عليه.

ويلفت النظر ايضا ان الشرطة هى من كانت تقوم بمحاصرة الميادين من جميع الجهات بل واطلاق قنابل الغاز على الشرفات وذلك بهدف تحفيز الناس القابعين فيها على الانخراط فى المظاهرات.. ومن المعروف ان من ابجديات استراتيجية فض التظاهرات هى ان تهاجم المتظاهرين من جانب واحد او جانبين بغية دفعهم فى اتجاه مسار الهروب الأمن وهو ما لم يحدث وبقي الهجوم من كل الجهات.

ولما خفتت حدة التظاهرات بعد الخطاب العاطفي لمبارك .. استشعرت المخابرات الخطر وراحت تسلط على المتظاهرين الخيل والبغال في مشهد ارادته ان يكون دعائيا بما يكسبهم تعاطفا..وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل وراحت الجماهير تجلف الى الميدان انذاك .. وفي هذه النقطة نقول ان العسكر لو ارادوا فض التظاهرات لفعلوا ولاستخدموا نفس الوسائل التى استخدموها في فض رابعة والنهضة ولكن نظرا لانهم هم دعاة تلك التظاهرات ولغرض في قلوبهم لم يسلكوا هذا المسلك.

ومن الدلائل على ان المخابرات هى من فجرت الثورة ان عددا من الاعلاميين الذين فتحت لهم المنابر الاعلامية وتم تصديرهم بوصفهم ابطال مناوئين لمبارك .. لم يتم ايذائهم في عصر مبارك مطلقا ..بل صاروا نجوما ولما قاضاهم مبارك صدرت احكام بتبرئتهم .. وما ان حدثت الثورة حتى انحازوا بعد ذلك الى حكم السيسي وكل من هم معه.. رغم ان هؤلاء جميعا من المفروض انهم من رجال مبارك واعداء لهؤلاء الاعلاميين الثوار.

ومن اللوافت ايضا .. ان عددا كبيرا من مقدمى البرامج في الفضائيات المصرية راحوا يغيرون مواقفهم فجأة اثناء احداث ثورة يناير وينحازون للثورة ..بل ويضخمون من خطايا مبارك وامن الدولة في مشهد تحريضى كان الرجل يستحقه ولكن جاء من اناس مشكوك في نيتهم .. وهو الامر الذى لا يمكن ان يحدث دون وجود ضوء من جهة سيادية يثق فيها هؤلاء الاعلاميين ولا يهمهم من تكون بقدر ما يهمهم ان يكونوا "مسندوين" .

وكلنا يتذكر المشهد الذى قام فيه احد الفنانين بمهاجمة اثنين من مقدمى البرامج اللذين كانا يتبعان ولائيا جهاز امن الدولة على الهواء مباشرة .. واعتزلا العمل الاعلامى لفترة حتى عاد احدهما ولكن لم يسمح للاعلامية الثانية بالعودة للعمل الا مؤخرا وذلك لانها كانت وثيقة الصلة بمبارك.. هذا المشهد كان تجسيدا واضحا للصراع بين اعلاميي امن الدولة واحد نجوم المخابرات الذى يفتخر بأنه كان ابرز دعاة 30 يونيو التى صنعتها المخابرات ايضا.

ودعونى ابوح لكم بسرين اولهما اننى قبيل ثورة يناير كنت اعرف عميد شرطة في احدى نقاط شرطة "الاتصالات" القريبة من مسكنى وكنت اقوم بتدريب ابنه في الموقع الذى كنت اديره الامر الذى انشأ بينى وبين هذا الرجل صداقة ما , وكان يدور بيننا حديث مطول حول مبارك .. فوجدت الشرطى اكثر كراهية منى لمبارك .. وكان كثيرا ما يطمئننى بأن الشعب سيثور قريبا علي مبارك .. وكنت أأخذ الامر بدون اكتراث ولكن لم تمر عدة اشهر حتى حدثت الثورة وتذكرت كلمات هذا الرجل الذى يعمل بشرطة "الاتصالات"ومعلوم بالقطع نوعية من يعملون بهذه الشرطة.

السر الثانى في الجزء المعلوم منه ان الموقع الرسمى لجريدة الاهرام نشر خبرا في يوم 24 يناير 2011 وقبيل الثورة بيوم واحد يفيد ان سلطات مطار القاهرة ضبطت قرابة 39 صندوقا من الذهب اثناء تهريبها الى دولة الامارات..وجاء في الخبر انه اثناء قيام العمال بنقل 39 صندوقا الى طائرة متجهة الى الامارات ..سقط احدهم وسقطت منه سبائك الذهب ..هنا جاءت قيادات أمنية كبري وقامت باحصاء السبائك التى سقطتها ومقارنتها بكشوف عن تفيد رقمها المسلسل وتم بعد ذلك السماح للشحنة بالنقل الى الامارات ..والاهم ان الصحيفة اكدت ان مرسل تلك الشحنة "مسئول كبير جدا في البلاد" في اشارة واضحة جدا الى مبارك.

وفي يوم 25 يناير كنا نقف في تظاهرة على سلالم نقابة الصحفيين ففوجئ الجميع بمشاركة احد الكتاب المعروفين بقربهم من جهاز أمن الدولة ومبارك وكذلك جهاز المخابرات والعسكر والذى كان قبلة لكل الذين تم تصديرهم بوصفهم ثوار كى يتوسط لهم عند مبارك للصفح عنهم..كان الرجل مرتبكا وغير مستوعبا للحدث وسألنى عن وجهة نظرى فيما يحدث فقلت له ان ثورة ضد مبارك تحدث.

هنا الرجل فهم ان هناك ثمة صراع بين الحهازين الامنيين في الدولة لكنه بقي مختفيا لفترة طويلة حتى مالت كفة الحسم لصالح المخابرات فذهب الى ميدان التحرير مع رهط من الهتيفة الذين كان يقوم بتأجيرهم في معاركه الانتخابية بالبرلمان .. وتحول الى ثائر!!

هذه بعض الاسباب من اسباب اخري كثيرة تجعلنا نؤكد ان ثورة يناير كانت صنيعة المخابرات ولكنها حادت عن هواهم في مرحلة ما .. وانقلاب 30 يونيو كان تصحيحا لهذا المسار من وجهة نظر العسكر.

*******************

الاخوان والانقلاب .. وبيض الهند .. بقلم سيد أمين

الأحد، 23 مارس، 2014

بعض ممن يستجيبون بسرعة للاعلام الاسود الذى تبثه 35 فضائية من فضائيات "المعونة التجارية الامريكية" في مصر يكاد يصدق أن حركة الاخوان المسلمين انتهت تحت وطأة الضربات العسكرية العنيفة التى توجهها لهم سلطة الانقلاب / الاحتلال من خلال قتلها اكثر من 6 الاف متظاهر واعتقال 23 الف و20 الف مصاب معظمهم من الاخوان.

والواقع ان ما حدث هو العكس تماما , فالحركة لم تضعف بل قويت حيث تعاطفت معها قطاعات كبيرة من الجماهير التى كانت تنظر لها من قبل بنظرة تشوبها ريبة , ولكن الأن قدم الاخوان لمصر وللعالم شهادة حقيقية بأنهم :

1- تيار متسامح :

ثبت لجميع المراقبين المنصفين ان الاخوان ينبذون العنف رغم محاولات جرهم اليه - انهم اهل فداء وتضحية وصبر - لا يهابون السجن او حتى الموت او حتى الحرق بعد الموت على يد قاتلهم.

2 - تيار مقاوم:

هو احد ابرز التيارات التى تساند المقاومة العربية في غزة لدرجة ان رئيسه المختطف أتهم "بتهمة" غير موجود الا في اسرائيل وهى التخابر مع حركة المقاومة الاسلامية حماس..وهى المنظمة التى تتضامن مع قضايا المسلمين في العالم بشكل سريع.

المدهش ان الاخوان الجهة المصرية الوحيدة التى نددت بما يحدث من قتل للمسلمين في افريقيا الوسطى رغم اعمال البطش التى يتعرضون لها في مصر.

على طريقة عنترة وهو يقول "لقد ذكرتك والرماح نواهل ..وبيض الهند تقطر من دمى"

3 - تيار فكري مؤمن بالديمقراطية:

يدافعون عن مؤسسات ديمقراطية تم سلبها منهم بالقوة - ينتهجون لغة التوافق الوطنى ويقابلون بصلف استبدادى - يتم تشويههم بشكل غير ديمقراطى وغير منطقي ولا يتاح لهم حق الرد وحرموا من كافة وسائل التعبير.

4 - تيار يمثل الاغلبية في مصر :

رغم التعتيم الاعلامى ضدهم الا ان انصارهم يشكلون الاغلبية على الارض ولانهم جماعة عقائدية تفعل ما تقول .. فيما تبقي شعبية خصومهم شعبية مزيفة لكونها بنيت من خلال تضليل البسطاء..ولو كان هناك اعلام حقيقى ما بقي لخصومهم اى اثر من التأييد لدرجة جعلت رموز سلطة الانقلاب بانفسهم يقولون انهم فوجئوا بقوة الاخوان.

5- تيار ليس عميلا للغرب بدليل:

أ- ان قوى التخلف والرجعية التقليدية الموالية لامريكا واسرائيل في العالم العربي تقف ضدهم بقوة

ب- ان الغرب لا يمكن ان يترك رجاله ليذبحوا على يد العسكر , فمن أمن عقوبة ذبح الناس هو عادة الموالى لامريكا فامريكا ترعى الديكتاتوريات.

ج - انهم الاصدق فى الدفاع عن القدس ولذلك نجد حماسا صهيونيا كبيرا ضدهم.

6- وحدة ونضج الفكر السياسي للتيار الاسلامى :

من اعظم مكاسب الازمة الجارية التى تعرض لها الاسلاميون في مصر وفي القلب منهم الاخوان المسلمين اولا انهم تخطوا الخلافات الفكرية البسيطة التى بينهم واجتمعوا لمجابهة خطر واحد يهدد وجودهم وثانيا انهم تجاوزوا الطريقة المثالية للتفكير السياسي حيث اخذوا درسا عمليا كبيرا وعصيبا في مجابهة قوى الغدر مما قد يمكنهم مستقبلا من الحذر تجاة تجارب مشابهة واجادة طرق اسرع للحسم معتمدين على شعبيتهم في الشارع, مما ينذر أن المستقبل للتيار الاسلامى وليس العكس كما يتصور البعض..سيحدث ذلك حتى ان خسروا هذه الجولة من المعركة.

7 - تقارب التيار القومى والاسلامى:

يمتاز التياران الفكريان القومى و الاسلامى بعدة مميزات توحدهما :

انهما كليهما محظوران من تولى الحكم في اى من الدول العربية بأمر الصهيونية.

انهما كليهما يسعيان للوحدة بمفهوميها الاصغر في القومية العربية عند القوميين والاكبر للعالم الاسلامى عند الاسلاميين.

انهما كليهما تعنيهما المحافظة على ثوابت الثقافة العربية وفي القلب منها ثقافة التى احدثها القرءان الكريم في العرب.

انهما كليهما يواجهان عدوا واحدا وهو العدو الصهيونى الذى يغتصب الاراضى العربية والمقدسات الاسلامية.

ويجب الاشارة هنا الى اننا نقصد التيارات الفكرية القومية والاسلامية الحقيقية المبنية على اسس فكرية .. وليست تلك الاحزاب "الامصال الميتة " التى اسستها اجهزة الامن لقتل هذين التيارين في العالم العربي.

ملحوظة :

قنوات المعونة الامريكية هى القنوات التى يعتقد ان اصحابها اخذوا منحا من المعونة التجارية الامريكية ابان توقيع كامب ديفيد من اجل صناعة مناخ اقتصادى وثقافي مواتى لامريكا وتشمل cbc , النهار , القاهرة والناس , الحياة , دريم , on tv , المحور , بانوراما وغيرها.

****************

سيد أمين يكتب : همسات عن زمن الانقلاب

الثلاثاء، 25 فبراير، 2014


* حكم العسكر

- من خانوا عرابي كانوا قيادات العسكر - لا نقول جيش مصر العظيم - وبهم استعمرت مصر قرابة سبعة عقود

- ومن جلبوا الاسلحة الفاسدة فى 48 كانوا قيادات العسكر وضاعت منا بسبب خيانتهم القدس

- المقاومة الشعبية هى من خاضت العدوان الثلاثي في 56 والجيش المصري لم يشارك اصلا فى المعركة وجلاء العدوان كان بسبب ذلك مع التوازن الدولى

- ومن خانوا مصر كانوا قيادات العسكر وجلبوا لنا النكسة فى 67 وضاعت سيناء

- ومن تسببوا فى ثغرة الدفرسوار فى 73 كانوا قيادات العسكر الذين تركوا الجنود وفروا للغرب

- ومن تسببوا فى ضياع مصر كانوا قيادات العسكر ووقعوا اتفاقية تسليم مصر لاسرائيل "كامب ديفيد" في 78

- ومن شارك أمريكا واسرائيل فى ضرب العراق في عام 1990 هم قيادات العسكر

- ومن شارك في حصار ليبيا فى التسعينيات هم قيادات العسكر ومن مصر تم توجيه الضربه العسكرية لسرت.

- ومن شارك أمريكا واسرائيل فى غزو العراق 2003 هم قيادات العسكر

- ومن صنع مذبحة رابعة والنهضة فى قلب القاهرة عام 2013 هم القيادات العسكر

* اردوغان

الى من يقول انه يجب على اردوغان ألا يتدخل في شئون مصر فتقديري ان السبب يعود لكونه مسلما .. ولكن بوتين واوباما واشتون واولمرت وكل الاستعماريين واذنابهم في السعودية " 5 قواعد امريكية" والامارات "قواعد امريكية وفرنسية وبريطانية"والكويت "ثلث مساحتها قاعدة امريكية" يتدخلون ..عادى ..انقلاب


*اللهو الخفي

الجنرال الذى يحكم الأن هو من نفذ كل الجرائم فى حق مصر ..بدءا من خطف رضا هلال الى جمعة الغضب الى موقعة الجمل الى فتح السجون الى محمد محمود ورئاسة الوزراء ومجزرة بورسعيد الى مجزرة الاتحادية الى مجازر رابعة والنهضة ورمسيس وكرداسة .. العقلاء الان عرفوا من هو المجرم الحقيقي الطرف الثالث او اللهو الخفي .. الذى هو الطرف الأول فى الاصل


*جرابيع

بعض "جرابيع" و"ارزقية" الناصرية .. الذين ملأوا الدنيا صياحا وعويلا لسنين طويلة حول سعد الدين ابراهيم ورواقه "رواق ابن خلدون" متهمين اياه بالجاسوسية لصالح امريكا واسرائيل . لدرجة جعلت احدهم لا يسمى هذا الرواق في صحيفته الا بـ"مأخور سعد الدين ابراهيم "..خفتت الان أصواتهم بل اصطفوا في نفس الخندق مع هذا الجاسوس ومأخوره وراحوا يشيدون بتقاريره ويقدسون كلماته.. يبدو ..ان الدولارات هى اعظم طاقة تحويل في الكون


* أيات عرابي

في الحقيقة أحمل بداخلي احتراما كبيرا للاعلامية أيات عرابي .. لعدة أسباب اولها انها انتصرت للعدالة وانحازت الى بقاء الانسان بداخلها في صراع سياسي وفكري وانتهازى يسود المشهد العام في مصر , فراح قطاع كبير من النخبة ينحازون لمصالحهم الانوية الذاتية البغيضة حتى لو كان المقابل قتل الاخر دون أن يرمش لهم جفن. الامر الذى يؤشر الى سلامة شعورها الانسانى.

ثانية الاسباب ان أيات عرابي تنتمى الى المدرسة الليبرالية , وهى المدرسة التى لم يأخذ مرتادوها في مصر منها الا الاسم , فصاروا اكثر طغيانا وكبحا للحريات من اعتى الديكتاتوريات ورغم ذلك نجد أيات تنحاز لليبرالية الحقة بمفهومها الحضاري والفكري والمثالى

ثالثة الاسباب ان الاعلامية والصحفية والمذيعة أيات عرابي متمكنه من ادوات القلم وادواره وتملك حصيلة معرفية قوية ونادرة قد لا تجدها عند كثير من المصريات اللائى احتللن الشاشات المصري بوصفهن المثقفات المصريات.

رابعة الأسباب ان أيات عرابي تعيش بجسدها في امريكا ولكنها تسكن بروحها في مصر وتتألم مع المصريين بالداخل ذات الامهم التى يتألمون بها بعد عودة الفاشية .

خامسة الاشياء ان أيات عرابي تقدر ان لها دورا تنويريا يلزم القيام به لمنكافحة الفاشية خاصة انها تعرف ان من هم بالداخل من كتاب وصحفيين يخايرون انفسهم بين رصاصة القناص أو ذهب وفضائيات المعز.


* الحنجوري

قد نختلف في كثير مما قالته الاعلامية القديرة أيات عرابي حول سيرة الزعيم جمال عبد الناصر .في مقالها  "الزعيم الحنجور". الا اننا فى ذات الوقت نؤمن بأنه ارتكب اخطاء جسيمة فى حق مصر .. اهم تلك الاخطاء موقفه من الاخوان المسلمين وقضايا الحريات فى الداخل رغم اهتمامه بقضايا التحرر فى الخارج ..ونحن على يقين ان الحياة لو عادت مجددا لعبدالناصر لاصلح تلك الاخطاء ..لا ان يستمر فيها كما يفعل ادعياء الناصرية الذين اساءوا للرجل اكبر اساءة..وضيقوا المسافة بين ان تكون صحفي وان تكون مخبر امن دولة

ايها المغيبون .. سحقا لكم .. تجاوزكم التاريخ وتجاوز جهلكم ..تجاوز اصراركم دائما على تقسيم المجتمع .. وتمييزه بين اناس تحكم واناس تسجن.. اناس تدلل واناس تقتل وتحرق ..لعنكم الله ولعنكم عبد الناصر .. اسرائيل لم تفعل بنا كما فعل هؤلاء الحمقي دعاة الناصرية.. التى لا نعرف ما هى وبماذا كانت تنادى .. الاصل فى الاشياء الوحدة ..لكنكم صرتم عارا على الوطن .. نحب عبد الناصر .. لكننا قطعا نحتقركم فانتم صهاينة مصر وعارها..انتم رعاة الاستبداد .. افيقوا قبل الانقراض.

فلم يساء الى عبد الناصر اكثر مما اساء له الذين ينتمون اليه .. لقد استطاعوا ببراعة منقطعة النظير تحويل عبد الناصر الى شيخ منصر..اقول الي حملة بيارقه وخاصة ابنته وابنه ارجوكم لا تظهروا فى الاعلام ولا تناصروا السفاحين فبكم انخفضت شعبية الرجل الى الحضيض .. فى مصر والعالم... ونحن نشاطر المناضلة ايات عرابي موقفها المبدئى من قضايا الحريات وتمسكها بالنهج الليبرالي القويم .

*عبد الناصر والسيسي

في الحقيقة أحمل بداخلي احتراما كبيرا للاعلامية أيات عرابي .. لعدة أسباب اولها انها انتصرت للعدالة وانحازت الى بقاء الانسان بداخلها في صراع سياسي وفكري وانتهازى يسود المشهد العام في مصر , فراح قطاع كبير من النخبة ينحازون لمصالحهم الانوية الذاتية البغيضة حتى لو كان المقابل قتل الاخر دون أن يرمش لهم جفن. الامر الذى يؤشر الى سلامة شعورها الانسانى.

ثانية الاسباب ان أيات عرابي تنتمى الى المدرسة الليبرالية , وهى المدرسة التى لم يأخذ مرتادوها في مصر منها الا الاسم , فصاروا اكثر طغيانا وكبحا للحريات من اعتى الديكتاتوريات ورغم ذلك نجد أيات تنحاز لليبرالية الحقة بمفهومها الحضاري والفكري والمثالى

ثالثة الاسباب ان الاعلامية والصحفية والمذيعة أيات عرابي متمكنه من ادوات القلم وادواره وتملك حصيلة معرفية قوية ونادرة قد لا تجدها عند كثير من المصريات اللائى احتللن الشاشات المصري بوصفهن المثقفات المصريات.

رابعة الأسباب ان أيات عرابي تعيش بجسدها في امريكا ولكنها تسكن بروحها في مصر وتتألم مع المصريين بالداخل ذات الامهم التى يتألمون بها بعد عودة الفاشية .

خامسة الاشياء ان أيات عرابي تقدر ان لها دورا تنويريا يلزم القيام به لمنكافحة الفاشية خاصة انها تعرف ان من هم بالداخل من كتاب وصحفيين يخايرون انفسهم بين رصاصة القناص أو ذهب وفضائيات المعز فيختارون الذهب.


* قطر

اذا كانت قطر لديها قاعدة امريكية فالسعودية بها خمسة قواعد امريكية والامارات بها مجمع قواعد امريكية وفرنسية وبريطانية والكويت نصف اراضيها قاعدة امريكية والاردن واسرائيل شئ واحد..وهؤلاء يدعمون الانقلاب


*علم المجازر

سألنى صديق عن الفرق بين مذبحة رابعة ومذبحة النهضة ومذبحة رمسيس.

فقلت له ان المجرمين قاموا بقتل الناس بالرصاص في رابعة ..ثم حرقوهم.. ثم اذعوا بيانا يطالبهم بالخروج الأمن.

أما فى النهضة .. فكل تلك المراحل تم اختصارها .. القوا القنابل الحارقة على الخيام ..فحرقوهم احياء.

اما في رمسيس .. فالناس قتلت بالطائرات .. ومن احتمى بالمسجد احاله نائب عام الانقلاب للجنايات بتهمة قتل من هم بالخارج..علم المجازر يتطور في مصر بشكل مذهل.


*شقة مفروشة

السعودية تشترى اراضى الاوقاف والامارات تشترى المستشفيات والمناطق الاثرية .. مصر تباع لرعاة الخليج كشقة مفروشة ..والخليجيون يشترطون اخلاءها من الثوار والاحرار.


* ساكسونيا

البراءة والتكريم والمكافأت للقتلة .. والحبس والغرامة لمن يرفع اى حاجة صفرا.. قوانين دولة ساكسونيا ..وقضاة ساكسونيا .. واعلام ساكسونيا..تعقيبا على احكام "براءة رجال مبارك وسجن رجال مرسي"


* روحانيين

فى 20 نوفمبر 2011 كلمنى احد الروحانين من مدينة اسوان واخبرنى ان كل ما يحدث مجرد اوهام وان مبارك لا زال يحكم مصر وان العسكر ينفذون كل شئ بأومر منه ومن عناصر اسرائيلية تحضر جميع مجالسهم ..وكتبت ذلك ولاقي استهجانا كبيرا من المتابعين لى الذين اتهمونى بالتشكيك فى المجلس العسكري "الوطنى "الذى حمى الثورة.. ولكن ثبت بعد ذلك صحة ما قاله الرجل ..

وهاهو يعود مجددا فيتصل برقم هاتفي المنشور في مدونتى وعلى صفحة الفيس بوك ليخبرنى بمعلومات خطيرة اهمها ان السيسي اختطف قبل الانقلاب ..وان دوبليرا يقوم بدوره الان وان هذا الدوبلير وثيق الصلة باسرائيل وانه سيحكم مصر لفترة وجيزة للغاية لعدة شهور وسيفتضح امره.. وان الاسلاميبن سينتصرون فى نهاية المطاف ..ومرسي سيعود ليحكم عدة شهور وبعدها سيحكم مصر بعده اسلاميون

*****************

سيد أمين يكتب : أبانا الذى فى المخابرات .. سئمنا فرط وصايتك علينا!!

الجمعة، 24 يناير، 2014

أبانا الذى فى المخابرات , عظمت أعمالك وجلت , وتجبرت واستذلت, نراك فى كل مكروه , وكل عمل مشبوه ,في التصويبات والتفجيرات, وفى كل هم , أو نزيف دم, والتى بفضل جهودك العظيمة في سهر الليالى وحياكة المؤامرات, صارت انهارا , لذلك فنحن نراك وراء نساء ثكلت وزوجات ترملت وابناء تيتموا وشباب اهينوا, نراك تصنع قطيعا من المغيبين , وتجتهد فى تسطيحهم وتجهيلهم , حتى يتسنى لك لتقودهم , ثم توجههم يمنى ويسرى كيفما تولى وجهك فيولوا كما القطيع , دونما يرونك بينهم , لأنك صرت فيهم , نراك تستذل من تشاء وتعز من تشاء , ونسيت انه لا يوجد سوى الله هو المعز المذل.

ابانا الذى فى المخابرات , نشتم رائحتك فى الاعلام والاعلاميين وفى الهواء وعبر الاثير , نشتم رائحتك فى نشرة الاخبار , وفى البرامج والاغنيات , نراك بين المذيع وبين الضيوف , وفي الكاميرا وفى الميكرفون , بل نراك بين الجمهور والمشاهدين , بل وبين الخصوم المتناحرين.

نراك تتربع فى ميزان العدل , وفوق منصة العدل , وبين الدفاتر والاوراق , وفى جيوب القضاة , وبين المحابس والمكابح.

نراك فى منظمات حقوق انسان ترعي كل شئ, دولارات ودينارات وريالات وشيكالات , الا حقوق الانسان , واحزاب منزوعة الدسم , عديمة المعنى , يعمل راكبوها بكل شئ الا السياسة , وبدلا من ان تمثل تلك الاحزاب والمنظمات الناس رأيناها ورأها الجميع تمثل عليهم.

أبانا , نراك فى معارضة لا تعارض الا فى كل دنية , ولا ترتدى ابدا رداء البهية , ومواقفها كلها تعد طبقا لارقام فى دفتر شيكات , او تعيينات فى وظائف تعلق فيها رقاب العباد. ابانا , عرفنا كم انت عظيم , تفوقت على ابليس , فزرعت الكراهية بين ابناء الشعب الواحد , وجعلت الأخ يعادى أخاه , والجار يعادى جاره , بذرت بذور الشقاق والفتنة فى المجتمع , وقلبت المنطق والحقائق , فصارت الاتجاهات متداخلة , والهمم والشهامات متخاذلة , والضمائر عفنة , والعقول صغيرة , والاعمال حقيرة.

أبانا , توقعنا منك ان تكون سوطا ليجلد من يعادينا , وان ترعي فينا ذمة او دينا , لكننا وجدناك تفعل اكثر مما يرجوه المعادى فينا , وصرت سوطا يجلدنا بل ويتفنن, واعجزتنا الاعيبك وحيلك, وبانت كل دفينة. ان كنت تعتقد انك تحسن فينا صنعا , وانك تلقى بحمولة السفينة كى لا تغرق , فرجاء اليك وتوسل , ان تدعنا لحالنا نغرق, ان تجلى عنا رداءك الذى يخنقنا وتقول انت انه يحمينا . فما عاد لدينا خطر الا انت, والمهم المهم هو ان ترحل , فبعدك قطعا سنكون الافضل.

*******************

سيد أمين يكتب :عن أهبلة الدولة!!

السبت، 18 يناير، 2014

يبدو ان السلطة الحاكمة في مصر فقدت كل الخيوط التى تربط بينها وبين المنطق والعقل , وراحت تقوم باستبدال مصطلح "اخونة الدولة" باخر يعنى" أهبلة الدولة" وجملة قراراتها صارت تتسم بالتشنج الواضح , التشنج الذى يصل الى حد الملهاة السوداء , خاصة ان افراز تلك الملهاة "الكوميديا" ليست ضحكا وتسلية كما هو معروف ولكنها دماء تسيل وامهات تفقد فلذات اكبادها , وحرائر تغتصب او على الاقل يتم التحرش بهن جنسيا فى المعتقلات التى اتسعت رقعتها في مصر بعد انقلاب / احتلال / نكسة 30 يونيو 2013.

* فقد نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية، إن الفريق عبد الفتاح السيسي تعاقد مع شركة علاقات عامة عالمية بريطانية لعمل فيلم دعائي للترويج للانقلاب في الخارج والتأكيد على أنه لا يتم اعتقال أحد بدون تهمة،ولا يوجد انتهاكات لحقوق الإنسان، فقامت قوات الأمن باعتقال فريق التصوير فور وصولهم إلى مصر بدون تهمة، للاشتباه فيهم أنهم يبثون للجزيرة.

*ألقت قوات الجيش القبض على موظف بمستشفى جامعة أسيوط وذلك على خلفية صعوده على سطح مستشفى أسيوط الجامعى وتلويحه بإشارة رابعة إلى طائرة حربية أثناء تحليقها لمتابعة عملية اﻹستفتاء وتأمين زيارة الفريق صدقى صبحى قائد أركان الجيش المصرى لتفقده لجان اﻹستفتاء.

*وقررت "النيابة العامة" بمركز البرلس بمحافظة كفر الشيخ ، حبس خالد بقرة الطالب بالصف الاول الثانوي بالمدرسة الصناعية لمدة 15 يوما على ذمة التحقيق، بتهمة حيازة مسطرة عليها شعار ‫رابعة العدوية .

وكان مدرس بالمدرسة قد ضبط الطالب وبحيازته المسطرة فقام بإبلاغ الادارة التي قامت بإبلاغ مركز الشرطة الذى قام بالتحفظ على الطالب والمسطرة وتم عرضه على النيابة التي قررت حبسه.

* قررت إدارة جامعة القاهرة إيقاف أحد المصممين التعليميين عن العمل، وأحالته للشئون القانونية بسبب قيامة بعمل لايك وكومنت على إحدى البوستات التى كتبها أحد زملائه على جروب العاملين بمراكز التعليم الإلكترونى بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".

وقال منير حسنى، الموظف الذى تم إيقافه عن العمل وإحالته للتحقيق، أنه اعترض على عدم وجود تأمين للعاملين بالجامعة، وخصم جزء من المرتبات طبقا للائحة الجديدة المرسلة من إدارة المشروعات بالجامعة، وتسبب ذلك فى إيقافه عن العمل بالجامعة بعد أن عمل بها فى مجال التصميم التعليمى منذ ما يقرب من 5 سنوات.

*واعتقلت قوات الامن الطالبة جهاد الخياط وقال لها أحد الضابط "خلى ربك يحميكى مننا", واوسعها تعذيبا , وتعرضت لاختبار كشف العذرية واصيبت بكسور فى الفخذ وكف اليد والفك , وقامت بتركيب نحو خمسة مسامير فى ركبتها , وتقرير المستشفي قال ان سبب كل تلك الاصابات سقوطها من اعلى السرير!!.

* اعتقال كل محامى يدافع عن المعتقلين الاخوان حيث بلغ عدد من تم اعتقالهم حتى الان 52 محامى , هؤلاء المحامون يبحثون عن محامين يدافعون عنهم ولم يجدوا بالقطع.

* اعتقلت قوات الامن احد المعاقين المصابين بالشلل فى الايدى ويدعى هانى الزفتاوى واتهمته باتلاف المنشئات والتعدي علي الأمن وخطف وحيازة سلاح وحبسته "النيابة" 15 يوما , كما قامت قوات الأمن باعتقال الدكتور أحمد محرم، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط، بتهمة التحريض علي العنف واعتقلت ايضا الشيخ ربيع ابو عيد المتحدث باسم "علماء ضد الانقلاب بدمياط وهو شيخ ضرير بتهمة التحريض على العنف.

* وذكر موقع مصر العربية كتب موضوعا عن ان قوات الامن ذهبت لاعتقال احد المحامين المدافعين عن المعتقلين يدعى هانى الارنأوطى وبعدما كسروا باب الشقة بحثوا فلم يجدوا المحامى بل وجدوا والدته 70 سنة التى فزعت مما حدث فسبت الضباط فقام احدهم بضربها بكعب المسدس على رأسها فسقطت صريعة, وقام الكاتب الصحفي بلال فضل بتأكيد هذه الواقعة فى مقال له بجريدة الشروق , المدهش ان المنظمات الحقوقية ومنها منظمة "النقيب" بدلا من ان تبحث لتتحري الواقعة راحت تدافع باستماتة عن كذبها لكونها "غير عقلانية"..يبدو ان الاسم على مسمى.!!

* ومن ضمن فصول الكوميديا السوداء ان الاعلام اقنع قطاعا عريضا من الناس الذين لم يكونوا علىدراية بالفهم السياسي من قبل , ان ضحايا مجزرتى الحرس الجمهورى والمنصة حدث بسبب ثيام المتظاهرين بقتل بعضهم حتى يثيروا شفقة العالم عليهم , وان محمد البلتاجى القيادى فى تنظيم الاخوان والمضرب حاليا منذ 3 اسابيع فى سجون الانقلاب قتل ابنته حتى يستحوذ على تعاطف العالم؟!!

* وتقوم الحكومة بعمل استفتاء على دستور ثم نجدها تقوم باعتقال من يقاطعونه او يصوتون بلا فى انتخابات ذات توجه واحد هو نعم او السجن وربما القتل..

واذا تفرغنا لسرد اعاجيب الانقلاب ورواياته والتبريرات التى يسوقها للقتل والسحل والاغتصاب والفصل من العمل والاعتقال ربما نكتب مجلدات طويلة لا وقت ولفا جهد عندنا لكتابتها وانما سردنا ما سردناه على سبيل العينة.

*وتبدأ تلك الكوميديا ليس وليد اللحظة الحالية بعد مرور عام من الانقلاب ولكنه فى الحقيقة بدأ تماما مع بداية الانقلاب فى 30 يونيو حينما راحت وسالئل الاعلام تصور كأن 33 مليونا ربعضهم قال 40 مليونا نزلوا الى ميدان التحرير والاتحادية بالقاهرة لاسقاط حكم "الخرفان".

والمضحك هنا انه لا ميدان التحرير- الذى لا يستوعب بشوارعه المحيطة والمؤدية اليه من ميدان الدقى او الفلكى او طلعت حرب او عبد المنعم رياض والاسعاف الا مليون شخص و200 الف متظاهر طبقا لمساحات جوجل بحيث يكون 4 فى كل متر مربع - ولا ميادين القاهرة قاطبة تستوعب خمس هذا العدد من المتظاهرين وذلك لشئ بسيط واحد وهو ان القاهرة بكل سكانها ووافديها لا يتجاوز عددهم 12 مليون , وان ميادين كثيرة فى القاهرة كانت تكتظ بمؤيدى مرسي , وان جل اهل القاهرة سمعوا من الاعلام كما سمع غيرهم عن تلك التظاهرات.

******************************

سيد أمين يكتب : حول ترشح السيسي للرئاسة؟

الأحد، 5 يناير، 2014

الاخبار المنسقة والمتواترة حول رغبة السيسي فى الترشح لرئاسة الجمهورية وكذا ترشيح المجلس العسكري للواء صبحى صدقي ليكون وزيرا للدفاع تؤكد على الارجح بأن الفريق السيسي مات فعلا ..وان تلك الحملة الاعلامية مجرد خطوة تكتيكية لانتقال آمن لصبحى صدقي لقيادة الجيش فضلا عن المرور من مرحلة الاستفتاء وذلك بغية الاستفادة بشعبية السيسي لدى المغيبين مؤقتا وبعد ذلك يعلنون وفاته.

ومن مميزات هذا التكتيك ان يستفيد صدقي صبحى اثناء ادارته للبلاد فى تلكم الفترة الحرجة من الزخم الذى وفره الاعلام للسيسي وهو الزخم الذى يعجز الاعلام عن توفيره له هو نفسه فى تلك الفترة الوجيزة .. واتوقع خلال الفترة القليلة القادمة سيتم رفع التركيز تدريجيا عن اخبار السيسي فى الاعلام ويتم استبدالها باخبار القوات المسلحة بشكل عام و"ثم" صبحى صدقي بشكل خاص فى مرحلة لاحقة قصيرة لتصديره كبطل.

ويدعم هذه الرؤية ما بثه الاعلام الرسمى من تنبؤات فلكية "مفبركة" عن ان السيسي لن يكون رئيس مصر القادم , وهو ما يعد على ما يبدو تمهيد لحملة دعائية اخري قادمة بان السيسي تراجع عن الترشح للرئاسة من اجل افساح المجال للقوى المدنية .. يعقب ذلك تزوير الانتخابات لصالح واحد من اثنين اما عمرو موسي وهو المرشح الامريكى الذى كانت تعده لخلافة مبارك او حمدين صباحى الذى قدم منذ اشهر قرابين الطاعة فى تل ابيب .. واهمية الاثنين فى انهما بلا شعبية حقيقية ..وسيكونان ديكورا يحكم من خلفه المجلس العسكري مصر .. وبالطبع من خلف هذا المجلس امريكا واسرائيل.

ويصبح بهذا الشكل قد تحققت رغبة العسكر فى السيطرة على مصر من خلال دستور يجعل القوات المسلحة دولة ليس داخل الدولة ولكن فوق الدولة .. ومن خلال رئيس صوري لا يحكم هو ولكن تحكم مصر من خلاله عبر اجهزة الاستخبارات واللوبي الامريكى فى مصر.

وانا خائف بشدة من أن يقوم المجلس العسكري - ان صدقت صحة الاقاويل التى تتحدث عن وفاة السيسي وان هناك دوبليرا يقوم بتمثيل هذا الدور - باعلان اغتيال السيسي على يد مسلحين ينتمون الى الاخوان المسلمين وذلك بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية مما يخلق ازمة عاتية فى مصر قد تذوب معها او يتم غض الطرف فيها عن الاف الضحايا الين قتلوا فى رابعة والنهضة وغيرها على يد العسكر.

ولكن عن ماذا يكشف ذلك ؟

يكشف ذلك ان المجلس العسكري والمخابرات هو من يحكم مصر منذ مقتل السادات وحتى الان.

مع احتمال كبير ان يكون المجلس العسكري هو من خطط لقتل السادات و ان مبارك كان مجرد ديكور لا حول له ولاقوة .. وربما كان يحذرنا منهم فى اخر خطاب له قبل التنحى.

وان ثورة يناير 2011 كانت من اعداد العسكر من اجل القضاء على سعي مبارك لتصعيد نجله وتدمير جهاز أمن الدولة الذى تنامت قوته.

وان كل الاحداث التى حدثت فى مصر بعد منذ يناير 2011 هى من اخراجهم

ولكن ماذا نحن فاعلون؟

من المعتقد ان اطالة الفترة الانتقالية وعدم تمكين سلطة الانقلاب -عبر ابتكار وسائل سلمية جديدة وفعالة - من اتخاذ خطوات يمكن لداعميها فى الخارج تسويقها كمسوغ يضفي شرعية عليها هو خير وسائل لمقاومة تلك السلطة , خاصة ان تلك السلطة اعتادت على اتخاذ خطوات غير مشروعة بل وعير منطقية وما تلبث وبدعم من حلفائها الخليجيين والامريكيين تضفي عليها مشروعية ومنطقا , مثل انقلاب 30 يونيو بحجة الثورة وذبح المعتصمين بحجة كونهم مسلحين , والاعدام للمتظاهرين بحجة منع التخريب , وقتل وتجريم وحبس معارضيها بحجة الارهاب وهكذا.

والمفيد فى اطالة الفترة الانتقالية انه مع مرور الزمن سنجد ان تماسك نسيج الانقلاب يزداد تفسخا وهالته السحرية على المغيبيبن والسوقة والدهماء تخف حدتها , ويعزف الكثير من البسطاء عن تصديق دعاية قادة الانقلاب فى الرفاء والخير العميم تحت وطأة ازمة اقتصادية قائمة تزداد تفاقما ولن تفلح معها مسكنات الخليج التى تقدمها بأمر مباشر من راعى الانقلاب الاول واشنطن وتل ابيب.

وذلك لأن ايادى رعاة الانقلاب الان ومع ازدياد وتيرة الرفض الشعبي الذى يقف في القلب منه التيار الاسلامى للانقلاب وسلطته ترتعش ايادى المانحين الخليجيين خشية سقوط الانقلاب وبالتالى ضياع اموالهم التى انفقوها فيه , اما اذا تمكن الانقلاب من النجاح فان الاستثمارات والمنح ستهطل على مصر من كل حدب , ذلك المستثمرين والمانحين يدركون جيدا انهم سيحلبون البقرة الحلوب وستعود المنح التى قدموها اليهم اضعافا مضاعفة, سواء عن طريق استثمار مشروع او عن طريق استثمار غير مشروع ستغض سلطة الانقلاب عينها عنه لتعويض منقذيها.

ولكن ما العمل اذن؟

العمل انه يجب على تحالف دعم الشرعية التحذير من المخطط مسبقا لأن التحذير بعد انجازه سيكون عديم الجدوى

وعلى وسائل اعلام دعم الشرعية - رغم ندرتها - التحذير من المخطط مسبقا وعلى المنظمات الحقوقية الداعمة للديمقراطية فضح هذا المخطط

........................................................................

مقالات عام 2015

........................................................................

سيد أمين يكتب: الثورة وطبائع الحرافيش

آخر تحديث : الجمعة 11 ديسمبر 2015 17:15 مكة المكرمة

سيد أمين*

نعم, في مواقف كثيرة يمكننا اعتبار "السكوت علامة الرضا" إلا أنه أيضا لا يمكننا التسليم بهذا المثل الشعبي على طول الخط, لاسيما إذا كانت أية علامة من علامات الرفض والاعتراض، مهما بلغت سلميتها، ستورد صاحبها موارد التهلكة، وتودي به إلى ما "وراء الشمس" ما لم تجابه فورا بالرصاص والنار.

ولذلك يمكننا الجزم بأن الاستقرار لا يعني عند كثير من الشعوب الرضا والقبول, لكنه أيضا يعنى الغلبة على الأمر, لا سيما عند "الحرافيش" الذين ما ثاروا قط إلا طلبا للنجاة حينما جفت الأمعاء.

ولفظة "الحرافيش" أو "الزعر" تلك يقصد بها "عوام الناس" وهم الذين وصفهم "عبد الرحمن الكواكبي" في "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" بأنهم سلبيون وجهلاء وحسنو النية لدرجة تجعل منهم "سوطاً للمستبد وترساً لحمايته وأحد أهم ادوات استبداده بل وبقائه" بحيث يمكن خداعهم بسهولة فيناصرون من يعاديهم, ويعادون من يناصرهم, لأنهم ببساطة عازفون إجمالا عن تعاطي السياسة, ومخيلتها النمطية تجسدها صورة نمطية للباشا الذي يقود فرسه بينما هم يلهثون هرولة خلفه.

وعبرت أعمال درامية كثيرة عن طبائع هؤلاء القوم أهمها حرافيش نجيب محفوظ , وجسدته بدقه شخصية أحمد زكى في فيلم "البريء" 

عُرف الحرافيش

واذا كان منطق الجبر يقول إن الواحد لا يمكن أن يساوى إلا واحداً, نجد أن الواحد ذاته في منطق "الحرافيش" قد يساوي مئة تارة، وقد لا يساوي شيئاً بالمرة تارة أخرى, والمعيارية هنا تتوقف على مدى قوة الردع بين هذا الواحد وذاك, والتاريخ بل وحكايات العامة تعج بالشواهد.

فاذا مس "الحرفوش" يوما أذى من "حرفوش" أخر فالقصاص واجب, أما اذا كان "الحرفوش" المعتدي قوياً فالتعويض لابد أن يكفي حتى لو كان إيماءة يفهم منها الاعتذار, فيما يستمسك الضحية، لا المعتدي، بأن العفو من شيم الكرام. أما اذا كان المعتدي يقل، أو على الاقل لا يزيد، لا حولا ولا قوة , فالعين بالعين وعيون الأقربين له معه أيضا, وفي حال أتى الاعتداء من قوة باطشة، فالمبرر يلخصه المثل الشعبي "علقة تفوت ولا حد يموت"

ومن الغرائب أن "الحرافيش" يخشون دائما العسكر, مصريين سواء أم أجانب, لكنهم في الغالب لا يقاومونهم إلا تذللا رغبة في نيل عطفهم وتخفيف وطأة البطش عنهم, والأغرب أنهم حينما يعجزون عن مقاومة الظالم ويفشلون في كف أذاه يسارعون بالانضمام إليه بل وتبرير ظلمه.

ثم سرعان ما يكون بعضهم أداة من أدواته, بل ويمارسون أدواره نفسها طمعا في تمييز إيجابي يقوم على الانتهازية، في محاولة نفسية على ما يبدو للهروب من حالة الهوان, وليس ابتهاجا بالظالم، وهى النتيجة التي يطمح نظام الحكم في مصر، على ما يبدو للوصول إليها، متناسيا أنه يواجه قوما تمردوا على نظام "الحرفشة".

وعموما فإن الصمت لا يعنى عند "الحرافيش" الرضا والقبول ولكنه تفسير عملي لحالة العجز , وهو الموقف الذى عكسته أمثال شعبية فجة تكرس الانهزامية "حط راسك بين الروس ونادى عليها بالقطع". "اللي تغلب به العب به". "أنت مالك بالجحش اللى وقع العسكري". وآلاف الأمثال التي تشجع على الانهزامية والانتهازية على حد سواء, وصولا إلى مثل صادم ينسبه البعض لـ"سعد زغلول" في وصف "الحرافيش" يقول "تلمهم زمارة ويفرقهم كرباج". 


فلسفة الاعتراض

وأعتقد أن فلسفة الاعتراض بالتظاهر والاعتصام وما شابه من وسائل احتجاج سلمية ليس الهدف منها "إجبار" السلطة بـ"القوة" على اتخاذ مسار معين يريده المعترضون, ولكنها "بيان" شعبي يعطي نتيجة تتوازى تماما مع نتائج الصناديق بسحب المشروعية من تلك السلطة, ورسالة واضحة لها بأنها لم تعد ممثلا حقيقيا للجماهير وأن شرعيتها سقطت, وبالتالي عليها احترام قرارها والخضوع لها باتخاذ اجراءات تحمي الديمقراطية والتمثيل العادل لعموم الشعب.

أما أي أعمال قمع تمارسها السلطة بعد ذلك "البيان" فإنها تعد عملا من أعمال العصابات المسلحة, قد تنجح في منع الاحتجاجات ولكنها أبدا لا تعنى إعادة الشرعية المنزوعة.

ويجب الإشارة هنا إلى الحالة المصرية الراهنة, حيث نجح النظام نسبيا في تقييد الحراك الشعبي الواسع عبر استخدام أدواته العسكرية والإعلامية والقضائية والتشريعية الفجة, إلا أن ذلك لا يعنى أبدا أن الشعب أو على الأقل المعترضين وهم الأكثرية أيدوا هذه السلطة, أو أنهم صاروا راضين عنها فأعطوها المشروعية أو حتى تخلوا عن مطالبهم بإسقاطها بل العكس تماما هو ما حدث، فالتقارير الدولية والمحلية المتواترة ترصد ما تعيشه مصر من فشل تلك السلطة في الحفاظ على ولاء حتى من كانوا يدعمونها ما ينذر بثورة ثانية قد تكون مسلحة وهو ما يخشاه كل وطني مخلص. 


حرافيش العالم

مقاييس "الحرافيش" المعوجة رغم همجيتها, يا للعجب , تشبه المقاييس الإمبريالية ذاتها، التي تم إضفاء المحسنات الخداعية عليها فلقبوها بالمجتمع الدولي.

فالمجتمع الدولي يتعامل مع حرافيشه بالتعامل ذاته للمستبد المصري مع شعبه, وبرغم أن قرارته لا تمثل إلا إرادة حفنة من الدول المتحكمة، فإنه ينفذها وكأنها تلبية لإرادة العالم وليست تعبيراً عن إرادة جلاديه, فيسمح لنفسه بأن يقتل ليس الآلاف بل الملايين من شعوب حرافيشه, ويتدخل في أدق تفاصيل سياسات دولهم الداخلية, ويزيح حكامهم المنتخبين بانقلابات أو بحروب مدمرة وينصب عليهم حكاما آخرين لا يريدونهم, كل ذلك يجري من دون أن يذرف أحد دمعة واحدة على مئات الآلاف من اليتامى والمشردين واللاجئين, ثم بعد ذلك يعتبر أن أية حركة مقاومة أو حتى ثأر مهما كانت ضآلتها هى أعمال إرهابية، وجب على الجميع ان يتبرأ منها, وإلقاء حجر عليها.

إنها بكل وضوح فلسفة القوة.

المصدر: الجزيرة مباشر

..........................................................

سيد أمين يكتب: ينابيع الحياة

آخر تحديث : الجمعة 13 نوفمبر 2015 17:38 مكة المكرمة

سيد أمين*

من الفطرة , والفطنة, والفكرة, تعلم البشر أنه لا يمكن معرفة الناس معرفة حقة إلا في أوقات المحن, ولا يمكن قياس مدى صلابة مواقفهم وتضحياتهم في سبيل ما يؤمنون به إلا حين الاقتراب من أثمن شيء في دنياهم وهى أعمارهم هم أنفسهم, أو أبنائهم

والخوف من الموت هو سمة كل كائن حي, لكن يبقي الفرق بين الانسان وما عداه من كائنات اخر , هو شديد إدراكه لمواطنه وكثرة تفكيره فيما سيؤول إليه.

ومصدر هذا الخوف أن الناس عادة يخشون المصائر المجهولة التي لم يؤتوا علمها من تجارب الأسبقين اليقينية, ويصبح لا سبيل لهم هنا لاستنباط مصيرهم بعد الموت إلا بعقيدة اعتقدوها, أو دين دانوا به, وهو الذى كلما زاد إيمانهم به, ترسخ يقينهم بمصير ما بعد الموت.

والمدهش أن الموت عند غالبية البشر لا معنى له إلا الفناء, إلا أنه عند المؤمنين يصبح نوعاً من الارتقاء, ويتلاشى الخوف منه ليتحول عند بعضهم إلى اشتياق.


تجربتان حديثتان

ولنا تجربتان حديثتان من ثلة تجارب أليمة ضجت بها حياة المصريين في الأعوام الثلاثة الأخيرة , تكشفان نبعا إيمانيا عميقا تجذر في وجدان بعض منا.

فهذا رجل حينما نطق القاضي حكم إعدام ابنه، اعتقد الكثيرون ممن حضروا المحاكمة أن الملياردير سيتمنى لو أنه أنفق كل أمواله من أجل أن ينقذه من الموت, إلا أن الرجل المتمرس في أصول التجارة، والذى يتحول التراب بين يديه إلى ذهب, علم أن تجارته الآن مع الله تعالى، ففاجأهم جميعا بعبارته الشهيرة "ربح البيع".

أما الرجل الثاني والذى قتلوا ابنه بالفعل, فقد علق حينما نطق القاضي منتشيا بحكم إعدامه قائلا :"لقد أمضيت سبعين عاما أنتظر لحظة الشهادة في سبيل الله ولو أعدموني ألف مرة لن أنكص عن قول كلمة الحق".

كان الأول هو رجل الأعمال الإخواني المهندس "حسن مالك" الذى صادروا أمواله ثم بعد ذلك اعتقلوه وانتظروا بحثا له عن تهمة، بينما كان الرجل الثاني هو المرشد العام للاخوان المسلمين "د.محمد بديع" والذى طاله من افتراءات إعلامية ما يكفي لكتابة التاريخ من جديد.

والحقيقة أن ما قاله الرجلان لا يأتي من قبيل التزامهما تكنيكا إعلاميا يفسد على الخصم فرحته ولكنه جاء على ما يبدو من خلال قناعة شخصية صهرتها وصقلتها تربية خاصة قوامها أن الاخرة خير وأبقي

كان موقف الرجلين متناغما لحد بعيد مع مواقف ثلة من رفاقهما الذين لا يحسبون للدنيا حسابا إلا أنها دار ابتلاء وجب اتخاذها درجا للارتقاء والتطهر من خلال صالح الأعمال, وهو ما لا يمكن له أن يتحقق إلا بوصول هذا الطهر إلى مرحلة النعيم الكبير والذى لا يتحقق إلا في الجنة.

من هذا الينبوع الإيمانى تحولت عقوبة الإعدام إلى درجة راقية من التكريم , فخرجت الحياة من جوف الموت, لا سيما حينما تطال شخصا في السبعين من عمره, هو مفارق الحياة لا محالة, طال عمره أو قصر, بحكم أعمارنا القصيرة كبشر, وهو ما أدركه مبكرا فقرر أن يستنفذها سعيا ليس لها ولكن للمحطة التي تليه.ا


من تاريخ المؤمنين

تجارب تاريخنا العربي والإسلامي تكتظ بالفداء والتضحية لأجل الفكرة والعقيدة والإله, وصلت أوجها في الفتوحات الاسلامية وتظل تتقد كلما اتقدت المشاعر الدينية والقومية أو كلما يكون هناك مدعاة للجهاد والوطنية مثل اوقات الغزو الصليبية والتتارية حتى مقاومة الاستعمار الغربي الذى افترش اقطارنا شرقا وغربا, ليس أول هؤلاء المجاهدين الليبي "عمر المختار" الذى طالبوه بكلمة تعطى حقا لسلطة روما الفاشية في ليبيا إلا أنه رفض وراح يجعل من القرآن آخر شيء طالعته عيناه قبل أن تقطف المقصلة رأسه لتزفها إلى النعيم , وليس آخرهم "صدام حسين" القائد القومي الذى جلجل صوته بالشهادة في ثبات ويقين فاخترق قلوب مليار مسلم في كل بقاع العالم , مرورا بالشاعر والمفكر "سيد قطب" في مصر و"أدهم خنجر" المقاوم اللبناني الجنوبي ضد الاحتلال الفرنسي والمقاوم الجزائري "أحمد زبانة" والمناضل القومي" رشدي الشمعة" في سوريا والطالب السوري "سليمان الحلبي" والاشتراكي السوداني "عبد الخالق محجوب" وآخرين كثيرين يختلفون في الدين والمذهب والفكر ولكنهم يتفقون في عدم اكتراثهم بالموت

ويمكننا أن نستعيد مأثورة واحدة في التاريخ الاسلامي لنعرف منزلة الموت استشهادا عند المؤمنين قالها سيف الله المسلول "خالد بن الوليد" الذى على ما قدم للإسلام من أعمال استنكر على نفسه أن يموت دون شهادة واضحة يقدمها للحياة الأبدية وقال لقد شهدت مئة زحف وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة (بسيف) أو طعنة (برمح) أو رمية (بسهم) , وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير.


العالم المؤمن

كما أن الشوق إلى الموت رغبة في نعيم الحياة الابدية, ليس خصيصة لاناس ينتمون للفكر الاسلامي سواء ذاك الذى يري الاسلام دينا ودنيا او حتى هذا الصوفي بمعناه الزاهد من الحياة فحسب, ولكنه أيضا هو قرين لكل من يحمل فكرا وثق فيه وثوق اليقين بدءا من عقيدة البعث والحساب عند الفراعنة حتى الديانات الانسانية في شرق اسيا وغرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وفي الفكر الأوروبي بل والعالمي حكايات كثيرة ومثيرة للغاية في هذا المضمار, كان "كيركجارد" فيلسوفا دنماركيا مؤمنا, راح يغوص في حياة الدنيا حيث متاع الحواس ولما سئم من تلك الرتابة , وثب وثبته القوية نحو إمتاع روحه حتى تتشبع, ولما سئمت روحه من هذا التحليق الروحي في الكون "الافتراضي" الفسيح وطمحت في نهاية الارتقاء , قال إنه أدرك حقيقة الحقائق , فوثب وثبته القوية نحو اللاهوت في جنة الإله.

وكان دانتي شاعرا إيطاليا مؤمنا أيضا, عكس عبر بلورة سحرية في اعجوبته "الكوميديا الإلهية" المكونة من ثلاثة أقسام "الجحيم، المطهر والفردوس" في عمق وصف متاع النعيم الذى لا يشبهه شيء ولا يناله إلا الصالحون , وبرغم أن البعض اتهمه بسرقة أو اقتباس بلورته السحرية تلك من سيرة "الإسراء والمعراج" الاسلامية و"رسالة الغفران" للشاعر العربي "أبي العلاء المعري" وهي رسالة تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك، إلا أن "دانتي" أجري عليها بعض التعديلات لتواكب الدين المسيحي, ومع ذلك فان الانبهار الغربي بها يؤكد أن قوة الاعتقاد ليس لها وطن ولا دين.

وأيضا استشعر خصوم "سقراط" خطورة تعاليمه على مراكزهم ومصالحهم فاتهموه بالهرطقة، وعندما عرض عليه صديقه تهريبه من السجن وإنقاذه من حكم قضائي ضده بالإعدام أو النكوص عن اعتقاده, انحاز لما يعتقد ، فتجرع السم باطمئنان وبقي يلقي تعاليمه على الذين حضروا مأساته إلى اللحظة الأخيرة.

*كاتب وصحفي مصري 

المصدر: الجزيرة مباشر

.........................................................................


سيد أمين يكتب: ردمًا بعلم الجهل

آخر تحديث : الجمعة 30 أكتوبر 2015 20:05 مكة المكرمة

سيد أمين*

لا ينكر أحد أنه في صبيحة الثالث من يوليو/تموز 2013, كانت شعبية الانقلاب في مصر كبيرة لحد ما, خاصة بين أوساط الفئات الأقل وعيا في المجتمع, فيما تتضاءل تلك النسبة بشكل تدريجي ملفت كلما ارتفع المستوى التعليمي والثقافي أو بالأحرى المعرفي , في حين شذ عن القاعدة من المثقفين بعض الانتهازيين وأصحاب الأفكار ذات الاحكام المسبقة التي لا تتحرج من إقصاء، بل وقتل، من يخالفها الرأي ولا ترى فيه أية مجلبة للعار.

وفي المقابل أيضا, كان الحراك الرافض للانقلاب كبيرا بشكل واضح وملموس على الأرض, نظرا لأن الخوف من القتل أو الاعتقال أو الفصل والتشريد لم يكن مطروحا ـ كما هو اليوم ـ حتى ذلك الوقت, وأن عملية التصدي للمليونيات والتظاهرات بالرصاص خلافا لمقابلة المليونيات بالمليونيات، وهى المعادلة التي ألفها الشارع المصري منذ ثورة يناير 2011، لم تكن قد بدأت بعد.


علم الجهل 

وبقليل من التأمل, ومعايشة فقه المرحلة, سيدرك الواحد منا, أن الشعبية التي اكتسبتها "الثورة المضادة" آنذاك, كانت ـ فيما يبدو ـ نتيجة استخدام ممنهج لعلم غامض اسمه "علم الجهل" وهو العلم الذى اتخذ من الإعلام بشتى صوره وسيلة له, وكانت مفرخة الشائعات والأكاذيب العملاقة التي لا تتوقف من أهم أدواته , بحيث يتم إطلاق كميات مهولة من الشائعات يوميا, فتصنع تراكما معرفيا زائفا لدى هؤلاء البسطاء خاصة في ظل عجز الطرف الآخر عن تفنيدها بسبب كثافتها فضلا عن فقدانه وسائل الإعلام, واحتياج الشائعة الواحدة لجهد جبار لإثبات كذبها. 

وكان الهدف من ذلك "الردم المعلوماتي" هو حقن "أدمغة" الشرائح البشرية المتعددة من البسطاء بنوع "زائف" من "المعرفة" ليملأ مناطق المجهول فيها بمعرفة كاذبة أو ما يمكن ان نسميه مجازا "المعرفة المظلمة" قبل أن تملأ من قبل آخرين بـ "نور المعرفة".


مخدر الجهل

وبدأ "مخدر الجهل" يصبح فعالا حينما تم اللعب على العواطف والاحتياجات البشرية لدى قطاعات كبيرة من البسطاء, وتتويجهم بتاج التقدير المعرفي الذى افتقدوه دائما، وذلك من خلال اعتبارهم يتمتعون بالمعرفة والوعى السياسي الذى يحظى به من هم "يعرفون" ومن ثم تغذيتهم بمعطيات معرفية وهمية معينة تخدم حالة الرفض .

وهذه النقطة تحديدا, صنعت شعورا غريبا لدى كل فرد من هؤلاء "البسطاء" بأن الواحد منهم أعلم من أستاذ العلوم السياسية فيما يختص بالسياسة, وأعلم من خبير اقتصادي فيما يخص الاقتصاد, ورحالة يجوب العالم في الجغرافيا و"هيردوت" أو "الجبرتي" في التاريخ وهكذا.

تنوع الجهل 

لا يمكن ان تجد جميع من يؤيدون الانقلاب يتفقون على سبب واحد لتأييده , بغض النظر عن صحة هذا السبب أو منطقيته من عدمه, بل انه قد لا يكون غريبا ان تجد أن السبب الأهم الذى قد جعل هذا يؤيد الانقلاب, قد يفنده له شخص اخر كان يقف بجواره في مشهد 30 يونيو أيضا , بل ويسخر منه , وهم لو جلسوا جميعا بحسن النية واستمعوا الى الاسباب التي جعلت كل منهم يؤيد الانقلاب سببا سببا, لتنازعوا فيما بينهم نزاعا صاخبا ثم انفضوا جميعا من حوله 

وذلك لأن البسطاء جميعا ليسوا سواء فيما يجهلون أو يعرفون, ولأن الانتاج الغزير لمفرخة "الشائعات" استطاع أن يملأ جميع مناطق النقص في جميع تلك الأدمغة رغم تنوعها, فهناك شائعات تخاطب من يجهلون التاريخ , وهناك شائعات تخاطب من يجهلون الجغرافيا واخرى الدين.. وهكذا.

ونجم جراء هذا الاستخدام المفرط لعلم الجهل , اتساع كبير لرقعة الرفض المراد تحضيرها, وهى لا تتفق على سبب أو منطق وجيه, ولكنها قوية على نحو غير مبرر, ويبدو ومن الوهلة الأولى أنها صلابة وهمية.


نماذج الجهل 

ومن النماذج الشائعة للعب على مواطن الجهل في الأذهان المختلفة, هو أن نقوم بتغذية جهلاء التاريخ بمعلومات مثيرة للسخرية كالقول بأن الإخوان والذين جعلتهم مفرخة الشائعات "بؤرة الردم المعلوماتى" هم سبب سقوط الاندلس أو أنهم سبب هزيمة 1967, أو نطلق اتهامات غير منطقية بأنهم جاءوا من بلاد كذا وكذا, أو بمعلومات غير مدققة ومختلف عليها كالقول بأنهم قتلوا السادات, وهى معلومات سيفندها من تيسر له القليل من المعرفة التاريخية من أول لحظة.

ومن نماذج الاتهامات التي تغذى جهل الجغرافيا, القول بأن عناصر من حماس استقلوا عدة سيارات واقتحموا السجون, وأنهم يمدون مقاتلي سيناء بل وليبيا بالسلاح , وأن 33 مليون "ثائر" كانوا في ميدان التحرير في 30 من يونيو، ومنها التفريعة السابعة لقناة السويس التي أطلقوا عليها "قناة السويس الجديدة.

ومن نماذج استغلال الجهل بالدين القول بجهاد النكاح في رابعة وأن الاخوان شيعة وخوار

أما أوضح نماذج استغلال الجهل الطبي العلاج الذى قدمه الجيش لفيروس سي والإيدز والذى اشتهر إعلاميا بعلاج "عبد العاطي كفتة"وكذلك معلومات عسكرية وهمية مثل أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي وامتلاك مصر للقنبلة النووية. والحقيقة أن التفرغ لشرح مواطن الردم بعلم الجهل في عقول بعض مؤيدي الانقلاب قد لا يتسع له سجلات من الكتب لحصره وتفنيده.

*كاتب وصحفي مصري 

المصدر: الجزيرة مباشر

................................................................


سيد أمين يكتب: في مصر.. المعركة حول الكتلة

آخر تحديث : السبت 26 سبتمبر 2015 17:20 مكة المكرمة

*سيد أمين

يُخطئ من يتصور ان المعركة الدائرة في مصر الأن هى فقط بين العسكر ودوائر انتفاعهم من جانب, والاخوان المسلمين أو حتى تيار الإسلام السياسي ومؤيديهم من القوى المختلفة من جانب آخر, فالمعركة تشغل حيزا أكبر بكثير من هذا التصور المتواضع سواء في ميادينها أو أسبابها أو أدواتها, فهى ميدانيا لا تستهدف مصر فقط, ولكنها تستهدف العالم بأسره, ولا تقصد تدمير الاسلام فقط, ولكنها تستهدف "الكتلة" أية كتلة في أي زمان أو مكان، وأسبابها ليس رفض الحكم الديني ولا العلماني ولا حتى العسكري، ولكن رفض حكم الشعب حينما يصبح "كتلة" واحدة ذات تأثير تمنع الاخرين من توجيهه وقيادته.

أما الأدوات فهي كل ما هو مزيف, من: دستور مزيف, مؤسسات مزيفة, نخب مزيفة, أحزاب مزيفة, مقدسات مزيفة, ولاءات مزيفة, بطولات مزيفة, أو بصيغة أخري هي الاعتماد على كل شيء يبدو أنه يقوم بمهمته وفي الواقع يقوم بعكسها, كالشرطة التي تروع الناس برغم أن مهمتها حفظ الأم , ومجلس شعب لم ينتخبه الشعب, بل اختير لمصادرة رأى هذا الشعب, وقضاء يفترض انه مؤسسة عدل لكنه جاء ليقنن الظلم, وصحافة تقوم بتسطيح وخداع الناس بدلا من إعلامهم بالحقيقة, وجمعيات خيرية أصل مهمتها مساعدة الفقراء لكنها تسرق ما يقدم لهم من الأخيار, ورجال دين من المفترض ترفعهم عن الدنايا وانشغالهم بالروحانية وتلمسهم الرحمة وحديثهم الحكمة والموعظة, فنراهم مجرمين سفهاء جهلاء حمقي لا يبغون إلا متاع الدنيا, وهكذا.


وما هى الكتلة؟

المقصود بالكتلة هنا: كل كيان بشري صلب أيما كانت هويته أو اعتقاده، لا سيما لو كان إسلاميا أو قوميا أو اشتراكيا, بالترتيب, وهي القوى الثلاثة الممنوعة من الحكم والسيطرة في أي بلد من بلدان العالم،لاسيما الإسلامي بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية سيدة هذا الكون

فما سمحت أمريكا بنجاح تجربة الإسلاميين في الجزائر ومن قبلها باكستان بل والصومال, وما سمحت بنجاح تجربة صدام حسين القومية في العراق ولا عبد الناصر في مصر, وما سمحت بنجاح تجربة المنصف المرزوقي الاشتراكي في تونس ولا حتى في الاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية في العقود الماضية, وذلك لأن ما يربط بين الثلاثة نماذج أنهم يملكون "الكتلة" التي تؤيدهم, ويتحدثون عن أيديولوجية فكرية متكاملة لها وجاهتها المنطقية ونسقها الفكري الرصين.

فأمريكا وهى في سبيلها لإخضاع العالم, لا يمكنها أن تنفذ ذلك إلا إذا فتتت جميع الروابط التي تجمع بين الخصوم وحتى الاصدقاء سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم دول , وجردت كل كيان وحدوي او "كتلوي" من أسباب تماسكه مهما صغر, لأنه من طبيعة الاشياء ان كل صغير سيكبر, ما يسهل لها جر الجميع في قاطرة واحدة هى تقودها ويستقلون هم "السبنسة". 


لماذا تحارب الكتلة؟ 

الحقيقة أن الأمريكان يريدوننا عالما يتعايش في حالة سيولة, الإنسان فيه لا يمثل إلا نفسه, ولا يدافع إلا عن وجوده الشخصي فحسب. يريدوننا عالما خاليا من مطبات كتل الاتفاق التي تعترض طريق هيمنتها, ولذلك فالتيارات الإسلامية وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين تمثل كتلة اعتراض كبرى, والحركات القومية هى كتل اعتراض ولكنها أقل حجما, والحركات الاشتراكية هى أيضا كتلة اعتراض وإن صغرت نسبيا لكن صدى صوتها يرتفع عنهما.

يريدون عالمنا, عالماَ يقف على النقيض من عالمهم. عالما يتكيف مع الاستبداد ويبرره, ويتعايش مع الجهل ويتقن صناعته , ويجيد اختلاق الاختلاف فيما ينفع وايجاد عناصر الاتفاق حول ما يضر . عالما يقلد ولا يبدع, يعلى من شأن الحقراء ويسفه العلماء , تهان فيه الحرائر وتكرم فيه الراقصات.

هم يريدوننا مجتمعا بلا كتل , حتى لو كانت كتلة فاعلة للمثليين أو مشجعي الشطرنج, ولو كان الامر غير ذلك لوجدنا شيئا مختلفا في نوعية الصراع في امريكا اللاتينية أو العالم الشيوعي السابق المعروف بالكتلة الشرقية أو حتى حقبة العصر النازي والفاشي القومية. 


الحرب المزدوجة 

الحرب العالمية ضد الكتلة, إن جاز التعبير, هى في حد ذاتها حرب ضد التفكير, وذلك لأن الكتلة كثيرا ما ترافقها الفكرة, والفكرة تمثل تمردا على عقل آخر يريد أن يفكر لنا ويجعل من نفسه بديلا لنا عن عقلنا.

وفي مصر, تبدو صورة الحرب ضد التفكير أكثر وضوحا, فكل متفوق مهان فى عمله, لا سيما لو كان هذا المتفوق يشعر بأنه مواطن له حقوق كما عليه واجبات, أو يمتهن مهنة رأى كالصحفي الصادق الممنوع من الكتابة والمحامي الجريء المهدد بالحبس والفنان الذى يقدم فنا تنويريا ولكن لا يشاهده احد لأن أعماله لا تعرضها أية وسيلة نشر

*كاتب وصحفي مصري

المصدر: الجزيرة مباشر

..................................................................


ملامح مهملة من الثورة المضادة

آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2015 10:51 مكة المكرمة

سيد أمين*

منذ ثورة يناير الموءودة تحدث الكثيرون وساقوا الدلائل البينة والقوية عن تجهيز الدولة العميقة في مصر للانقلاب على أى رئيس منتخب ستسفر عنه أى انتخابات نزيهة تفرزها تلك الثورة, وكتبوا في ذلك ما يطول الحديث فيه بدءا من التظاهرات الفئوية حتى سرقة السيارات وانتشار عصابات قطع الطرق , إلا أننى أجد نفسي أقف أمام تفاصيل صغيرة، ولكنها تبرز ملامح دقيقة تكشف من بين ما تكشف أن من سمات هذا الانقلاب الذى كان متوقعا، بل ومنتظرا أنه انقلاب شامل يرعى كافة مناحى الحياة حتى البيئية منها.

ففي صباح يوم من تلك الأيام التى كانت القاهرة فيها تبدو بدون سلطة حاكمة - واتضح كذب ذلك فيما بعد - استيقظ أهالي القاهرة ليكتشفوا أن جميع أرصفة الشوارع مقلوبة رأسا على عقب, محطمة ورثة ومتربة بشكل غير موضوعى, حتى في تلك الميادين التى لم نكن نتخيل أبدا أن نراها بها الشكل مثل شوارع ما يعرف بالقاهرة الخديوية, ولم يكن أي شئ يعمل إلا البلدية التى لا نعرف من كان يصدر لها أوامره، وهى كانت تبدو أنها تعمل في الإعمار والواقع انها كانت تساهم في التخريب.

ولم يتم حل هذا اللغز إلا بعد الانقلاب حينما جري تزيين تلك الشوارع، وإعادة رصفها بما يعطى إيحاءً بأن سنوات الخراب الثوري ولت وهى السنوات التى كان يظنها مدبروا الدولة العميقة بضعة أشهر إلا أنها طالت بعض الشئ بسبب الزخم الثوري.


شخبطات غير ناضجة

ومن تلك الملامح أيضا تلك الرسومات غير الناضجة وغير المعبرة والكتابات التى ترقي في أحيان كثيرة من شدة غموضها إلى درجة الألغاز, وأحيانا تهبط إلى مستوى الشخبطات, وهى التى انتشرت بكثافة علي الحوائط والأرصفة، والطرق المرصوفة؛ فشوهت المنظر الجمالي للحوائط، وأعطت إيحاءً مماثلا لسابقه بالفوضى.

ومن تلك الرسوم تلك التى كانت تخص روابط مشجعى الأندية، والتى انتشرت بصورة غريبة وصرف عليها أموالاً طائلة، ولا يعرف بعد ما العائد منها، وما الرسالة التى كانت تحملها؛, حيث تجد أحيانا رسومات لما يشبه الكأس، ورسومات لشباب وأعلام مفرودة على مساحات كبيرة من الحوائط ومرسومة بإتقان شديد، وعبارات مبتورة، وغامضة مثل "فاكر لما كنا سهرانين"، و"بلد الرجالة"، و"بلد البالة"، و"عبور"، و"صاحب صاحبي"، و"مش هنسيبها"، وما إلى ذلك من كلمات غير مفهومة، قد تكون تحوى رموزاً لرجال الدولة العميقة وقد تكون مجرد شخبطات حدث الانقلاب وكشف المخفيون عن أنفسهم فما صارت لها حاجة فمحوها بأستيكة.

كذبة تغليظ القصاص

ومن ضمن الأشياء الملفتة أنك حينما كنت تطالع صحف الحكومة ومن لف لفها آنذاك، تجدها تبالغ في إثبات هيئة القصاص من رموز نظام مبارك -الذى ثبت أنه متجذر، ولم يسقط ساعة واحدة- فهذا صودرت أمواله وأصابته الأمراض, وذلك تقهقرت به الأيام وباع كل ما تبقي له ليصرف على زوج ابنته, وذلك تم فصل أبنائه من مناصبهم الحساسة في الدولة وساءت حالتهم النفسية, وما إلى ذلك من أخبار تنقلك من حالة الشماتة فيهم إلى حالة التعاطف معهم. 

لكن ويا للعجب, إذا ما تمحصت بنفسك مدى صحة تلك الأخبار والمعلومات, فستجد أنها مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة.


ملمح صحفى

وتبدو ملامح "الثورة المضادة" في عالم الصحافة أكثر وضوحاً منذ الشهر الأول للثورة, تمثلت هذه الملامح فى أنه حينما فتح باب التعيينات في العديد من الصحف القومية كإجراء تسوية في مظالم ضحايا المهنة, وهم كثر يتوزعون ما بين مفصول أو مشرد بسبب توقف صحيفته لأسباب مادي،ة أو سياسية او إدارية, نجد أن جل هؤلاء الذين حلت مشكلاتهم، وتم إلحاقهم بصحف قومية, كانوا ينتمون لمن سموا آنذاك بـ"الفلول"، أو على الأقل من المحسوبين على الأجهزة الأمنية, يتخلل هؤلاء أشخاصا آخرين لم يكونوا ينتهجون هذا النهج إلا أنه تم قبولهم لأنهم قلة قليلة للغاية وجاءوا في قوائم تكتظ بهؤلاء المستهدف تعيينهم, والمدهش أن هؤلاء سلكوا بعد الانقلاب مسلكا استسلاميا، وخيل لمن لا يعرفهم أنهم دعاة انقلاب، وليس دعاة ثورة من فرط صمتهم عن قول كلمة الحق وجلوسهم مجالس الانقلابيين.

أما رافضو حكم العسكر والذين صار جلهم فيما بعد من رافضى الانقلاب, فقد استبعدوا تماما رغم أحقيتهم , بينما عين كل "فل"- بكسر الفاء- راح يزور صديقه "الفل" وجاء الأصدقاء بأصدقائهم, والأخ بأخوته, والزوج بزوجته, والأب بابنه, بل والأم بابنها, والنماذج لا تخطأها عين، ولا يستطيع أن يكذبها أحد لدرجة أننى شخصيا كنت شاهداً على أشخاص كانوا يبحثون عمن يعلمهم المهنة؛ بل وكيفية كتابة الجملة, وتمنوا أن يكتب اسمهم على خبر مساحته خمسة سنتيمترات في صحيفة من صحف "بئر" السلم, وما هى الا أشهر حتى وجدنا هؤلاء قد عينوا في الصحف القومية التى طالما اشتاق لها معلموهم الذين أكلت الصحافة على ظهرهم وشربت. 

ولنا في صحف "المسائية" بدار أخبار اليوم و"الأهرام المسائى" والشركة القومية للتوزيع" و"التعاون" و"أكتوبر" و"الأهرام" عبرة في الصاعدين والهابطين.

*كاتب وصحفي مصري

المصدر: الجزيرة مباشر

......................................................................

مبني على المجهول

آخر تحديث : الأحد 19 يوليه 2015 14:34 مكة المكرمة


سيد أمين

يوحي ترديد مسألة 'حسن الطالع' أول ما يوحي بأن من يؤمن بها هو شخص غيبي ينكر "قدرة" العقل ويعيش دائما في النشاط الوهمي الافتراضي.

ولأن التاريخ هو قراءة مكثفة من اجل المستقبل, سنحاول هنا رصد أشهر مواقف استخدام الساسة الأقدمين لهذا المنتج "الغيبي" وكيف تأثروا به, ولكن قبل هذا نذكر بنقطتين مهمتين أولهما أن الاعتماد الكلي على مثل هذا المنتج قد يؤدى إلى ردة ثقافية ومنطقية تمحو كل منجزات المنطق والعلم, وثانيهما أن ما دفعنا للحديث عنه هو العجز عن الحديث عن "المعقول" بسبب الظروف "اللامعقولة" التي يعانيها المنطق في مصر الأن.


المعقول واللامعقول

يعتبر المفكر والسياسي الإيطالي "نيقولا ميكافيللي" واحدا من أهم الفلاسفة الذين لفتوا الانتباه بشكل واضح إلى تأثير "حسن الطالع" في حياة الساسة والدول, بل إنه ربط بنسق منطقي متين بين "اللامعقول" و"المعقول" عبر الغوص في كمائن النفوس البشرية.

ويضرب نيقولا ميكيافيللي - في كتابه الأمير – مثقلا بصانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد ليؤسس أشهر أسرة ملكية في إيطاليا امتد حكمها عبر عدة قرون، وذلك حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً ونهبوا ثرواتها ثم عادوا أدراجهم، هنا التف البسطاء حول صانع الفخار فنصبوه أميراً عليهم , لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.

وعلي النقيض يضرب ميكيافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتي كل إمكانات الدوام والبقاء والقدرة لكنه افتقد حسن الطالع فهزم في معركة كان يمكن أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.

ويقول ميكايفيللي إن "قدرة" من دون "حسن طالع" تعني فشلاً وإن "حسن طالع" مع نصف "قدرة" يعني انتصاراً.


قصص القرآن الكريم

وفي قصص القرآن الكريم لنا آية في سيدنا يوسف – عليه السلام - الذي يلقى به في الجب, ويؤتى به كرقيق ثم تدور الأحداث التي نعرفها ليصير الشخص الثاني في حكم مصر , وكذا في سيدنا موسي -عليه السلام - الذي ينجو من مقاصل فرعون التي لا تترك صغيرا ولا كبيرا , وبدلا من حياة التخفي والهروب لما فيها من شظف العيش وخوف من المجهول, يربى في بيت فرعون ذاته آمنا بأمنه ومستلذا بملذاته وينفذ أمر الله الذي وعد به رغم كل الاحتياطات.


في التاريخ العربي

يلعب "حسن الطالع" الدور الأكبر علي مسرح الأحداث، فها هو "قطز" يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف في مصر فيهيئ له الله عبر"حسن الطالع" الأمور كاملة لقيادتها ويصير هذا الفتى المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد، يلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي على المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب.

وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر من دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً على البلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم إمبراطورية عرفتها مصر الحديثة ودام حكم أسرته نحو قرن ونصف القرن وصار مؤسس مصر الحديثة.

وها هو الكولونيل 'سيف' كجندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلى الحياة الحربية وتنامى إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه على حاكمها الذي أرسله إلى محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري.

ولكن هناك واقعة شهيرة تلقي الشك في كل ذلك, فالعرافون حذروا الخليفة المعتصم من فتح "عمورية" إلا أن القدرة الطاغية هنا استطاعت أن تطوع الحظ وتحسم المعركة حيث خرج المعتصم على رأس جيش جرار مهول وضرب حصاراً على مدينة عمورية المنيعة دام نصف العام تقريباً، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت، ودخلها المسلمون في 17 من رمضان الموافق 13 من أغسطس 838م

وهنا أنشد ابو تمام قصيدته التي تبدأ بقوله: 

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ

*كاتب وصحفي مصري 

المصدر: الجزيرة مباشر

......................................................

حديث في الميتافيزيقا

آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2015 10:42 مكة المكرمة

سيد أمين

في بلد لا يعمل فيه بكفاءة سوى السجن والمقصلة, ويدخل غالبية شبابه صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بأسماء مستعارة, ويعتبر نصف شعبه النصف الآخر شعباً إرهابياً لمجرد أنه طالب بحقه في المشاركة في تقرير مصير بلادهم.

ويصبح سحب الجنسية والحرمان من الانتماء إلى البلاد التى تفاخر بالانتساب إليها الآباء والأجداد أسهل من نفاذ رصيد شحن الهاتف المحمول, ولا يٌسمح أن تعلو فيها سوى الأصوات النشاز.

في بلد فيها كل هذا -وهو قليل للغاية من كثير للغاية- يصبح حديث أى صاحب قلم بموضوعية في أى شأن لاسيما السياسة هو مهمة انتحارية في المقام الأول.

وللحقيقة أن أجواء كتلك تجعل الكثيرين يفكرون ألف مرة قبل أن يكتبوا, لأن الكاتب هنا ليس مجرد فرد فتعود مخاطر كتاباته على نفسه فقط بالضرر, ولكنه شأنه شأن كل المجتمع, هو كائن حى له أسرته الصغيرة المسئول عنها, وهم لهم متطلباتهم وأحلامهم وأمانيهم التى قد تكون ليست هي ذاتها اهتمامات الكاتب نفسه في الدفاع عن أسرته الكبيرة التى هى الوطن, وهم ليسوا على استعداد للمساهمة في دفع الفاتورة التى يستعد هو لدفعها والتى ستعود عليهم أيضا بالضرر, الأمر الذى يجعله يتعامل فقط في الجزء اليسير المسموح به من الحقيقة.


ليس كل ما يعرف يقال

ويبدو أن سقراط الحكيم حينما قال قديما انه "ليس كل ما يعرف يقال"، كان هو أيضا يعيش ذات الأجواء التى يعيشها كتاب الداخل من المصريين الآن بدليل أن الأمر انتهى بحبسه ثم إعدامه.

كما أنه في أوقات انطلاق جمرة اللهب في ذيل الثور الهائج, لا يكون أبدا من الحكمة الوقوف في وجهه , بل أن الحكمة تصبح في أن يتحدث الكاتب الذى لا حول له ولا قوة في أى شئ كان يؤجل الحديث فيه لاوقات الراحة والدعة.

ومن الأمور التى لطالما شدت انتباهى، وانتباه كل الناس في هذا العالم الذى نعيش فيه, وهى التى يبدو أن الحديث فيها هو الأنسب في مثل هذه المرحلة, تلك المتعلقة بـ"الميتافيزيقا" أو العلم الذى يتناول مواد "ما وراء الطبيعة", أو بالمعنى الأكثر شيوعا, السحر والفلك والطالع, وغيرها من أمور تتحدث في الغيبيات، ويثار حولها جدل كبير بين التشكيك والتأكيد.

فمن بين من يشككون دوما فيه, رجال الدين -أي دين- ورجال المنهج العلمي، وذلك بدوافع دينية أو منطقية بحتة, وهو تشكيك ينفي وجود هذا العلم أساسا ويلقي نتائجه دائما إلى حالة الصدفة والهرتلة وما إلى ذلك, إلا أن رجال الحكم في معظم دول العالم يحرمون هذا العلم –إن جازت التسمية- ليس لكونه هرتلة، وصدفة كسابقهم بل لأنهم يعتبرون تداوله بين العامة يقوض سلطتهم، ويفشى أسرار دولتهم وهو منع يؤكد وجود هذا العلم لا ينفيه.

ويقول متابعون إن الكثير من أجهزة الاستخبارات في العالم عامة, وفي عالمنا العربي خاصة, تعتمد بشكل جزئى او كلى في معلوماتها على استخدام الميتافيزيقا كأساس معرفي, بل يتردد أن تقرير الميتافيزيقا هو واحد من أهم التقارير التى تعرض كل صباح على الرئيس الامريكى ذاته.


رؤساء مصر والمنجمون

ويدلل مؤيدو وجود مثل هذا العلم عليه بأن التجريم وأحكام الإعدام التى كانت تصدرها كل نظم الحكم الغربية في القرون الوسطى على من يثبت استخدامه لـ"السحر الاسود" هو في حد ذاته اعتراف بتأثير هذا النهج على الأمن العام، أو بالأحري أمن النظام الحاكم, لدرجة جعلتهم لا يفصلون بين نتائج هذا النهج غير العلمى وبين نتائج العلم ذاته, فراحوا يحكمون على "جاليليو" مخترع التليسكوب بالسحر والهرطقة فأعدموه.

وبعد ثورة يناير الموءودة في مصر راح كتاب كثر منهم "بلال فضل" يكتب مقالا موثقا أثار صدمة آنذاك حول قيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاستعانة بعدد من السحرة لدعم نظام حكمه, وأن سفره للسنغال خصيصاً للقاء عدد من السحرة "الجبارين" هناك.

فيما أشار آخرون إلى أن مثل هذا السلوك يتبعه كل حكام مصر منذ بدء الخليقة، وأن الرئيس المصري الوحيد الذى رفض الاستماع إلى صوت "السحرة" و"قارئى الطالع" هو الرئيس الإسلامى محمد مرسي بناء على خلفيته الدينية, ما تسبب في سقوطه سريعاً, وأنه لو استشار أياً من "المنجمين" لكانوا أكدوا له ان المكائد من كل أجهزة الدولة لم تتوقف ضده منذ أن أعلن اسمه كفائز في رئاسة الجمهورية لحظة واحدة.

سحقاً أجدني قد تحدثت في السياسة مجدداً.

المصدر: الجزيرة مباشر

.............................................

الأحد، 12 أبريل، 2015

سيد أمين يكتب: وجه أخر للصحفي المصري

"بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 قام الحاكم العسكري بول بريمر بفرض أليات جديدة للعمل الاعلامى والصحفى تهدف الى القضاء على الاعلاميين المؤدلجين واحلالهم باتباع له, اوعلى الاقل عزل الوطنيين منهم , وذلك من خلا استراتيجية حولت الصحافة الى مهنة لمن لا مهنة له , وقيل انه قتل قرابة 260 من أصل 900 صحفي مسجلين نقابيا فى العهد الوطنى وفر من فر واعتزل المهنة من اعتزل , فارتفع عدد الصحف من 50 صحيفة الى نحو 700 صحيفة فى العام الاول من الغزو, قيد من خلالهم في نقابة الصحفيين قرابة ثمانية الاف صحفى في عامين فقط, وفي العام الثالث تناقصت اعداد الصحف العاملة الى 130صحيفة فقط فيما تقافز عدد اعضاء النقابة الى 17الف عضو حاليا, ونشرت الصحف أنذاك أن بول بريمر كان يكتب بأسماء بعضهم مقالات تدافع عن الاحتلال الامريكى للعراق وتختلق اكاذيب ضد صدام حسين مقابل دولارات معدودات".

بالقطع عدد كبير من الصحفيين العراقيين شرفاء ومهنيون ولكننى فقط قصدت من هذا التذكير توضيح كينونة هذا الملهم الذى استمد نظام مبارك منه فكرة تعويم نقابة الصحفيين المصريين وجعل معظم منتسبيها "اجراء" وذلك بهدف كسرها وتحويلها من معقل للحريات الى مخفر مدافع عن الاستبداد , بالطريقة التى تحدثت عنها في مقال سابق بعنوان "صحفي بدوافع أمنية".

المشهد الصحفي المذري دفع بعضا من شرفاء الصحفيين الى الانتحاء جانبا ايثارا للسلامة, خشية بلاغ كيدى طائش عادة ما ينسب الى محامين بعينهم, ولسخرية القدر قد يكونون هم أخر من يعلمون بتلك البلاغات, فيصبح الصحفي مدانا لا شك بالتحريض, وهو الاتهام المصلت على رقبة كل صاحب قلم يكتب ما لا ترغبه السلطة, ولا يحرض في الاتجاه الذى تريده ان يحرض عليه, فيزج به في غياهب السجون بموجب القانون كمجرم, بعدما استكثروا عليه شرف الاعتقال.

هناك صحفيين غابوا أوغيبوا عمدا داخل السجون والمعتقلات والمنافي واخرين فصلوا من اعمالهم او توقفت صحفهم قسرا أوطواعية, او لزموا بيوتهم بعدما صار الموت يلاحق الناس بأشكال متعددة والتهم توزع جزافا, وكثير من الصحفيين الان يفكرون جديا في البحث عن بدائل اخري عن العمل الصحفي تجنبا لاهتزازات اسرية قد يسببها لهم هذا العمل المعلق دائما برضا السلطان أو صاحب العمل بل ورضا من يموله , فيما صارالفصل التعسفي عملا شائعا مبررا في حد ذاته وغير مجرم قانونا نظرا لأن عقوبته القانونية لاتكاد تساوى عقوبة مخالفة مرورية , والتى هى في بلادنا هينة للغاية.

والملفت ان خلاصة جهود "التعويم" الهادفة الى احكام القبضة الامنية على المهنة, سواء أكانت تمارس على الصحيفة فتحدد قبول هذا ورفض ذاك للعمل بها , او على الصحفي فتجعله دائما في حالة قلق ولا يجد مجالا لراحة البال من المطاردات الامنية والبلاغات الكيدية وضغوط اصحاب العمل الا بالانحياز لخيارات السلطة, او حتى النقابة التى نجدها تمارس حمايتها النقابية على عضو دون الأخر, وتبكي شهيدا وتشمت في اخر , كل هذا جعل طفيليات المهنة هى من تطفو على السطح, والأنكى أن المهنة ما عادت تعرف إلا بهم نظرا للحفاوة التى يلاقونها في منابر اعلام الدولة.

واستطيع ان اجزم انه لو اختفت او اعطبت او امتنعت اقسام الديسك المركزى والمراجعة في الصحف المصرية عن العمل ليوم واحد فاننا سنجد صحفا لا يمكن قرائتها, لدرجة انه قد اكون مخطئا لو قلت انها ستحتوى على اخطاء املائية ولغوية كثيرة لأن الصحيح هو اننا سنجد كلمات صحيحة بين خضم من اخطاء الاملاء واللغة وايضا المعرفة, وان هذه الاخطاء لا تقتصر على صغار الصحفيين بل تمتد الى كبار الكتاب من اصحاب أعمدة الرأى, لدرجة انه يمكننا احيانا اعتبار ان اقسام المراجعة والديسك هى من تكتب الموضوعات ولكن بأسماء الاخرين.

ومن الاشياء الملفتة في كل الصحف المصرية بعد 30 يونيو هو تعاظم دور المحرر العسكري في الصحيفة لدرجة ان هذا المحرر الذى كان يجب ان يكون مندوب الجريدة في وزارة الدفاع, صار مندوب وزارة الدفاع في الجريدة , بل صار هو صاحب الكلمة الطولى في كل صغيرة وكبيرة , ويحرص رئيس التحرير على استشارته والعمل بتوجيهات سيادته.!!

ليس ذلك فحسب , بل صار هناك "كتالوج" يوصى باتباعه عند كتابة اى مادة صحفية , ومن شأن العمل به ان تقلب الحقائق ويتم تحويل الضحية الى جانى.

كل ذلك اعطى انطباعا– قد يكون مغاليا فيه بما يحوى من تعميم - لدى قطاع كبير من الناس بأن الصحفي المصري كائن انتهازى ينحاز دوما الى مصلحته الشخصية, , فضلا عن انه شخص غير مثقف, ولا تعنيه كثيرا لا قضية المعرفة ولا قضية الحقيقة, وانه وضابط الشرطة ولا اقول المخبر- للترفيع- وجهان لعملة واحدة يؤديان نفس المهمة ويتكاملان بعضهما البعض وانهما واصلان ومتصلان وموصولان.

ويمكننا القول أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعانون ازمات مالية خانقة لكون الكثيرين منهم بلا عمل اساسا , ولا تأمينات , ولا دخل ثابت الا بدل التكنولوجيا الذى تمنحه لهم النقابة وهو المرهون برضا تقارير أبانا الذى في "لاظوغلى", او على الاقل تسامحه او تغافله عن عدم الانصياع الكامل, ما يدفع بعضهم الى سلوك مسالك مشينة , ولا ينجو من هذه الازمة إلا صحفيو الصحف القومية وصحفيو صحف رجال اعمال الثورة المضادة الذين يدفعون بسخاء والمقابل قطعا معروف.

اما ام الكوارث فهى الصحف الاجنبية العاملة فى مصر والتى تجاوزت نحو5000 صحيفة فمعظم اصحابها لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد , ولكنهم يمارسون المهنة من باب الاسترزاق لا اكثر ولا اقل ويقومون بدور المشهلاتية عبر ادعاء صلاتهم القوية بالمسئولين الحكوميين وهو عادة ما يكون ادعاءا صحيحا, حيث يستخدمونهم كمنافذ شعبية للفساد وعقد الصفقات غير المشروعة, فيقومون بتعيين هذا في وظيفة ما او نقل ذاك من مكان لأخر او ترقية هذا وكل ذلك طبعا مقابل أجر كبير, بما يحملونه من كارنية نقابة العاملين بالصحافة والطباعة الذى وصل سعره الأن الى2000 جنيه وصار يحمله السباك والكهربائى.

ورغم ان هؤلاء النفر عادة لا يكونون اعضاء في نقابة الصحفيين ولا يحملون المؤهل الدراسي الجامعى الذى يؤهلهم شكليا للقيد بجداول النقابة , الا انهم سرعان ما يجدون المسالك والثغرات التى تجعلهم يحصلون على المؤهل العالى من اى جامعة خاصة ثم يصبحون اعضاء في تلك النقابة , وما هى الا ايام معدودات ويتصدرون المشهد فيها.

وحينما اقول ذلك لا يعنى هذا ان كل اصحاب تلك الصحف هم من طفيليات المهنة ,فمنهم كثيرون ايضا اعتبروها منفذا بديلا للعمل الصحفي فلجأوا للصحف الاجنبية بعدما تم وضع العراقيل أمامهم للحيلولة دون اصدار صحيفة مصرية.

.............................................

الاثنين، 30 مارس، 2015

سيد أمين يكتب: في بيتنا نقَّاش

جاء الرجل بالنقّاش إلى البيت.. والنقّاش هو اللفظ المصري الذى يُطلق على فنى الديكورات .. ليعاين الشقة .. وبعد أن عاينها سارع لممارسة العمل .. دون أى اتفاق لا على الأجر ولا الطلبات ..طالبه رب البيت بالتوقف عن العمل لحين الاتفاق على المراد إنجازه والأجر اللازم ..فما كان من النقَّاش إلا أن استل سكينا وعاجل بها صاحب البيت في قلبه.. ووسط ذهول أبناء الرجل راح النقَّاش يسكب مواد حارقة على الجثة ويشعل فيها النار.. ولما خمد الحريق قام بإلقاء الجثة من النافذة.. وحينما ثار الأولاد الصغار على ما حدث انتقاما لدم أبيهم .. راح النقَّاش يصيب منهم بآلته الحادة من يصيب ويحبس منهم من يحبس في إحدى الحجرات.

وبعد ذلك أغلق الباب بالضبة والمفتاح وراح يمارس عمله في انتشاء وسعادة وكأن شيئا لم يحدث.. لكن ثمة أصوات بكاء وتأوهات وهمهمات تخرج بين الحين والأخر هنا أو هناك من بين أولئك المصابين وهؤلاء المحبوسين فكانت تثبّط من حماسته وتقلل من شعوره بالسعادة.

قال موجها كلامه إليهم : ها أنا ذا أقوم بطلاء حوائط شقتنا.. وأزيل من على جدرانها ملامح الكآبة والألوان الباهتة الحزينة.

اخذ أحد الأولاد يتقلب على الأرض في محاولة لاستجماع قوته .. فعاجله النقَّاش بضربة قوية من عصا كانت بجواره علي رأسه فسقط مغشيا عليه وراح يوجه له كلامه : سأطليها بألوان زاهية تجعل من هذا المكان تحفة فنية رائعة.

راح يدخن سيجارته .. وفتش في "جيب بنطاله" على كبسولة "الترامادول" التى التقطها وابتلعها بسرعة بينما كان يتأمل الحائط بدقة .. هل أدهنها بالمعجون أولا وكم مرة تري يجب أن أفعل ذلك أم أقوم بطلائها ـ"بالبوية" بدون المعجون ثم أضيف عليها لمسات جمالية ورسوما معينة .. أم أقوم بلصق ورق حائط ملون عليها .. أم كل هذا.

واصل الصمت والتفكير ثم حزم أمره أخيرا .. سأفعل كل هذا .. حتى لا يقولوا إننى أبخل على نفسي.

تململ الولد مرة أخري.. وراح يسعى للنهوض في حذر بالغ .. فنظر إليه النقاش نظرة ضجر.. وقال له: دعنا نكمل عملنا .. لا يمكننى الانتظار كثيرا على هذا الشغب .. يمكنك أن تستمتع بمشاهدة الانجازات التى تحدث في الشقة.

همّ النقاش ليشير إلى علب ألوان خضراء وحمراء وصفراء وقال : هذه هى الألوان التى سيتم طلاء الشقة بها بدلا من الألوان الكئيبة التى كانت من قبل.

ثم أشار إلى أشكال جبسية مزركشة وقال: هذه سوف توضع في الأسقف وتتخلها مصابيح خافتة وأخري ناصعة.

ونظر إلى الأرض فقال: وهذه الأرضيات أيضا سيتم تغييرها بأنواع فخمة من الرخام.

علت دقات الاحتجاج من خلف حجرة الحجز.. اشتاط النقَّاش غضبا .. نظر حوله وكأنه يبحث عن وسيلة عقابية ناجعة .. فأخذ مواد حارقة معه وفتح باب الحجرة وقام بسكبه فيها .. وامسك بعود ثقاب مشتعل وهدد من فيها بأنه إن لم يصمتوا سيقوم بإلقائه على المادة الحارقة ليحترقوا.. فصمتوا ..فاطفأ عود الثقاب .. وسبهم باقذع الألفاظ وعاود إغلاق باب الحجرة جيدا.. وساد الصمت.

خاف الولد أن يتكلم والتزم هو الأخر بالصمت .. بينما حدق النقَّاش فيه قليلا وقال له: أعرف أنك ولد طيب.

ثم ذهب إلى الثلاجة وأحضر ثمرة تفاح وقدمها له وقال: يبدو أنك من الشخصيات المجتهدة التى لا تضيع الوقت في التربص والحقد والكراهية.. يجب أن ننطلق سويا لتعمير هذا المكان وجعله جنة من جنان الله سبحانه وتعالى في الأرض.

صمت وواصل الحديث بينما بدأ عمله: ربنا سبحانه وتعالى خلقنا لتعمير الارض وليس تخريبها.. ولكن هناك من يسعون للتخريب .. ورفض التعمير والمدنية.. هم مستعدون لقتل كل من يقف في طريقهم.. لأنهم أهل جريمة وارهاب.

استمر النقاش يحكى ويحكى بينما الولد ينصت إليه..هنا دق باب الشقة بقوة ..فرح الصبي كثيرا باعتباره الفرج.. بينما انزعج النقاش بشدة ..فمن هذا الى يقتحم عليه خلوته ولا يعتبر لحرمات البيوت.. تحسس سكينه ومادته الحارقة وفتح الباب .. كان الجيران غاضبون بشدة من العثور على جثة متفحمة اسفل النافذة .. واستنكروا أن تُلقَي الجثثُ المتفحمة بهذا الشكل في الشوارع..دون يتم القائها في صناديق القمامة اعتبارا لحرمة الموت.

وراحوا يطلبون من صاحب البيت العون في إزالة هذه القمامة ..ابدى النقاش تعاطفا كبيرا مع الواقعة وقال إنها لوالد هذا الصبي .. فقد قام أخوته بفعل هذا به .. وأنه أمسكهم وحبسهم في الحجرة تنفيذا للعدالة.

أخذ الجيران يتندرون من عقوق الأولاد وأشادوا بعدل النقاش وسعيه للقصاص.

كان النقاش قد قام بكل مراحل الديكورات ولكن بطريقة حديثة .. فبدلا من أن يقوم بطلاء الحوائط بالمعجون ثم الطلاء أو المعجون ثم أوراق الزينة راح يضع الطلاء والمعجون وورق الزينة فى خلطة واحدة .. ما بدا معه منظر الحائط مثيرا للتقزز.. دخل الجيران الشقة وراحوا يتأملون النقاشة.. فانقسموا بين نفر يعتبرها مجرد "شخابيط" تعبر عن قصر أُفق وبين رهط اعتبرها "فنا راقيا يعبر عن الحداثة" بل إن بعضهم جزم بأنه فنان عالمى.

وأخذوا يحجزون مواعيدَ منه لتنفيذ هذه الأعمال في بيوتهم ..هنا أدرك الصبي أنه وحده من يستطيع تحرير أشقاءه والقصاص لوالده من "القاتل"

.............................................

الاثنين، 23 مارس، 2015

سيد أمين يكتب: صحفي بدوافع أمنية

يتحرج الصحفي الوفى من انتقاد أبناء مهنته, خشية أولئك المتحفزين الواقفين على قارعة الطريق دائما دفاعا عن استمرار "الجيتوهات"- أى جيتوهات- , ومن ثمَّ يتهمونك بخيانة شرف مزعوم لم يحددوه للمهنة, ولكن في المقابل فإن الصحفي الأمين لا يمكنه ابدا تغليب مصلحته الفئوية على المصلحة القيمية العامة للمجتمع, لأنه لو سعى لتغليب قيمة الصداقة والزمالة فإنه قطعا يجورعلى القيمة الأقدس منها وهى "الحقيقة" المكلف بنقلها. 

والحقيقة أن الفساد في المشهد الصحفي المصري هو تابع لمشهد فاسد أكبر في المشهد الإعلامى العام , والذى هو بدوره جزء من حالة فساد أوسع تعيشها كل مؤسسات الدولة دون استثناء. 

ولقد دخلت حسابات السياسة نقابة الصحفيين منذ زمن بعيد, فأفسدت ثالوث النقابة والمهنة والصحفي بل والقارئ أو المتلقي أيضا, فما عادت نقابة الصحفيين المصريين ملاذا للحريات والحقوق ,وما عادت المهنة تبحث عن الحقيقة أو تدافع عنها , وما عاد الصحفي راغبا في الدفاع عن المظلومين ولا مؤمنا بالحرية والمسألة تحولت بالنسبة له إلى مجرد "سبوبة", فيما أدرك القارئ أو المتلقي هذا الحال البائس الذى تحولت إليه المهنة فراح يسيطر عليها عبر الدفع والتمويل سواء للصحيفة أو الصحفي , وسواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبرزت حسابات السياسة التى أفسدت المهنة في السنوات العشر الاخيرة من عصر مبارك , حينما ظهرت حركات الرفض لمبارك ونجله والتى كانت تتخذ من نقابة الصحفيين ظهيرا لها , فيما انتمى عدد كبير من الصحفيين إليها – أزعم اننى منهم - الأمر الذى دفع النظام الى تبنى سياسة "تعويم" و"اختراق" النقابة عبر قيد آلاف الاشخاص من غير ممتهنى المهنة في جداولها , وهو الأمر الذى تحقق بقرارات هلل لها البعض بوصفها تحمل إطلاق حق إصدار الصحف الحزبية والمستقلة بـ"شروط معينة", فانطلقت الشخصيات المحسوبة على الحزب الحاكم أو الأحزاب الكرتونية التى صنعتها أجهزة أمن الدولة أو المخابرات آنذاك بتمويل عناصرها لإنشاء تلك الصحف , وبالطبع يتم الترخيص لها دون عداها استغلالا لتلك "الشروط المعينة", ومن خلال هذه الصحف التى سريعا ما تتعثر وتغلق أبوابها بعد أن تكون قد أدت مهمتها وقد تم قيد آلاف الصحفيين بنقابة الصحفيين, وما بقي من هذه الصحف ثبت للعيان أنها مجرد نشرة للحزب الحاكم ورجال أعماله أو نظائره الديكورية.

وفي ظنى أن هدف النظام الحاكم من الزج بعدد ضخم من الصحفيين الموالين له أو على الأقل من قليلى الثقافة والوعى هو إحداث توازن أمام المجتمع ليبدو للعيان أنه إذا كان هناك صحفيون يهاجمون التوريث فهناك صحفيون أيضا يدعمونه , فيما قام جهاز المخابرات على الأرجح باختراق تيار رفض التوريث من الصحفيين بتقديم وجوه جديده تبدو غير محسوبة على نظام مبارك استعدادا للحظة الثورة عليه.

وبنظرة تقريبية سريعة على أعداد المقيدين في جدول القيد بنقابة الصحفيين نكتشف أن عدد أعضاء تلك النقابة طيلة 68 عاما كان منذ إنشائها في عام 1941 حتى 2008 قرابة 5000 عضو مشتغل وتحت التمرين , فقفز هذا العدد في عام 2011 ليصل إلى 8 آلاف عضو ويواصل الآن قفزاته ليصل إلى 12 ألف عضو بما يتخطى الضعف في سبعة سنوات فقط.

وقد تسببت تلك السياسة فى إفساد دور النقابة وتحويلها إلى ملجأ للهاربين من طابور البطالة الذى يغتال الشباب المصرى , ونحن هنا لسنا ضد توسيع باب العضوية ولكن المشكلة أن كثيرا من الصحفيين يفتقدون الصفات الواجب توافرها فى الصحفى من خبرة وثقافة ووعى وموقف. 

ولك أن تتصور أن العديدين من هؤلاء لا يجيدون القراءة والكتابة كما أن هناك صحفاً مستقلة تقوم بتعيين رجال الإعلانات والإداريين والعاطلين مقابل مبالغ مادية تحصل عليها إدارتها نظير إلحاقهم بنقابة الصحفيين وممارسة عمليات النصب والابتزاز مما يدر عليهم أرباحاً مهولة تجعلهم يعوضون ما دفعوه فى أشهر معدودات ويبقى لهم بعد ذلك بدل التكنولوجيا وخدمات النقابة التى باتت جراء هذه الممارسات هزيلة جدا.

فى حين تقوم صحف أخرى – وهى فى الواقع معظم الصحف المستقلة والقليل من صحف الأحزاب الوهمية – بإجبار منتسبيها على تحرير استقالات مبكرة قبل قيامها بتثبيتهم والتأمين عليهم وتسخيرهم للعمل لديها بدون أجر لمدد طويلة نظير إعطائهم فرصة الالتحاق بالنقابة وبعد ذلك تتركهم ليزيدوا من معاناة النقابة المريضة أصلاً .

ولن أكون مبالغا إذا قلت إن المعايير التى يتم تعيين الصحفيين على أساسها فى معظم الصحف لن تخرج عن ثلاثة, فإما أن يكون هذا الصحفى يحمل توصية من رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المعلنة فى هذه الصحيفة , أو أن يكون حاملا توصية من جهة أمنية ,أو أن يكون قريبا لرئيس التحرير ليحظى باستحسانه, وقد يحدث فى أحيان نادرة أن يتم تعيين الصحفى على أساس الكفاءة والمثابرة.

المشكلة أن الصحفيين الذين تم تعيينهم على أى من الأسس الثلاثة السابقة عادة ما تكون خبراتهم فى غاية الضحالة وهو السبب ذاته - يا للعجب- الذى قد يؤهلهم لاعتلاء أرفع المناصب فى هذه الصحف.

فيما تتعمد بعض الصحف الحزبية والخاصة إجبار الصحفي على توقيع استمارة استقالة كشرط لتعيينه وإلحاقه بنقابة الصحفيين وليس ذلك فحسب بل إن بعض هذه الصحف تقوم بجانب ذلك بإلزام الصحفى بالتوقيع على إقرار يفيد بأنه مسئول مسئولية كاملة عن كافة أثاثات المؤسسة مع تحريره إيصال أمانة على بياض وذلك فى محاولة لإجباره على التزام الصمت بعد تعيينه وعدم اللجوء للشكوى!!

ومهنيا , فكثير من الصحفيين لا سيما المتدربين يقومون بتسليم الموضوعات الصحفية إلى إداراتهم ويفاجئون بأن ما نشر كان مغايرا تماما لما كتبوه , كما أن آخرين يقصرون الطريق فيبذلون جهدهم في تكييف كتاباتهم لما يتوافق مع سياسة تحرير صحفهم خصما من حساب الحقيقة , ناهيك عن أخطاء في الديسك والإملاء واللغة وأخطاء تنم عن عدم الوعى والجهل , وبالطبع كل ذلك يذوب في مغسلة"الديسك".

أنا هنا استرسلت في ذكر مثالب الصحافة والصحفيين ولكن هناك أيضا شرفاء كثيرين , ولكنهم كعادة كل جميل في بلداننا , لا نراهم لأنهم غيبوا عمدا مع سبق الأصرار والترصد ضمن تدخلات السياسة.

........................................

الثلاثاء، 24 فبراير، 2015

سيد أمين يكتب: انهم يريدونه ربيعا عبثيا

المتتبع للمشهد العبثي الذي آل إليه الربيع العربي , سيلاحظ بوضوح أجواء التشفي بل والسخرية الغربية من هذا الربيع المزعوم, والذي على أرجح الظن انه حيك بليل من قبل النظم الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا , بالتنسيق مع أجهزة استخبارات دول الموالاة ذاتها التي تفجرت فيها تلك الثورات كمصر وتونس واليمن , ليس بغية هدم النظم القائمة , ولكن بغية ترميمها وإعادة تماسكها بعدما أصابها الترهل والعطب وأوشكت على الانهيار الذاتي جراء تضارب مصالح شبكات الفساد وتضخمها.

وتجري عملية الترميم تلك من خلال عمليات تبديل واسعة في الوجوه , مع إعادة إنتاج الأحزاب الكرتونية القديمة بمسميات ووجوه جديدة من رعيل الصف الثاني والثالث, بما يبدو معه المشهد وكأن ثورة حدثت, واردة الشعب حكمت, وذلك دون تغيير يذكر في الفكر, في محاولة خداعية تأخذ بصمة شعبية , تقول أن الشعب وصل إلى ذروة التغيير الذي يريده ورسم طريقه بنفسه , غير الوجوه المتحجرة القديمة بأخرى شابة.

وحتى هذا التغيير الشكلي الأجوف المتمثل في انتقال السلطة من الرعيل الأول للحزب الحاكم , تحت أى مسمى , من العواجيز الى الشباب تم النكوص عنه في مشاهد كثيرة في الربيع العربي المغدور , بينما فكر النظام القديم الذى عادة يتمترس حول إضفاء التقديس على الحاكم والإسراف في "غيبيات الأمن القومى" عاد مع نفس النظام ولكن أكثر تزمتا وعنفا وإجراما وقيدا للحريات وإهدارا لحقوق الإنسان بما يحمل بصورة واضحة سخرية من شعوبنا وشماتة في ربيعنا !.

ويتجسد هذا التشفي وتلك السخرية من خلال استعراض هذه المشاهد الكاشفة , فثورة الشباب في تونس والتي كانت باكورة ثمار هذا الربيع تمخضت عن رجل تسعيني قضى من العمر أرذله, والمصريون الذين خرجوا ضد حكم العسكر في يناير , راحوا ينصبون "رئيس المخابرات العسكرية" وهو المنصب الذي يجسد عمود خيمة العسكر في أى بلد في العالم , رئيسا للجمهورية وقائدا ملهما للقوى المدنية "!!" , واليمنيون الذى خرجوا غضبا من الفساد والتمييز بين الشمال والجنوب , راح الحوثيون الشماليون يسيطرون على المشهد برمته شمالا وجنوبا , كما أن ثمار انتخابات الرئاسة في الجارة الجزائر توضح المعنى وتقويه كما يقول علماء البلاغة.

ولكن , ما علاقة الغرب بما يحدث في بلدان ربيعنا؟ ومن أين جاء هذا الاتهام؟

هذا هو السؤال الذي يجب يتم طرحه وأن أجيب عليه.

فالغرب راح يهلل لانتكاسات الربيع العربي عامة والمصري خاصة , حيث أضفي شرعية على الانقلاب العسكري في مصر , حينما سمح لقائد الانقلاب بالتجول بين مدنه , وتمثيل مصر في الأمم المتحدة , وحينما زمجر اوباما ثأرا لناشط يقول انه مسه ضر في عهد مرسي بينما صمت صمت القبور عن قتل الآلاف وحرقهم والتمثيل بجثثهم , وعن اختطاف الديمقراطية ونحرها أمام العيان. 

حينما قال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا لم يقلها من باب "طق الحنك" ولكنه كان على الأرجح يقصد أن يقول أن بلادنا ليست مستقلة كما تتوقعون, وأننا لا زلنا بلدا مستعمرا انتقل من طور الاستعمار العسكري المباشر إلى الاستعمار غير المباشر, عبر مؤسسات أمنية وعسكرية وإعلامية وحقوقية , بل ونخبوية , ينتمى نافذون فيها للخارج , ثم استغل هذا الطرح الذى لم يقرأه كثيرون لوقعه الصادم على المتلقي الذى تربي على زخم طويل من مهرجانات الاستقلال ثم مهرجانات الصمود ثم مهرجانات النصر , إلى طرح أخر استطاع الجميع قراءته وهو تعبيد الطريق لاتفاقية "كامب ديفيد" والتي تعنى بشكل يسهل اكتشافه الإذعان لمطالب إسرائيل وجعل سيناء رهينة لها تحكمها "عمليا" بينما تحكمها مصر "نظريا", بل ان هذا الجانب "النظرى" متى شاءت إسرائيل أن تسترده أيضا فلن يكلفها الأمر إلا عشية وضحاها.

والحقيقة أن الاستعمار غير المباشر هنا ليس محصورا في التحكمات الاقتصادية الغربية فحسب بل يتعداها لمستويات اخطر بكثير , فالاستعمار هذه المرة نَصَّب بعضا منا يحكموننا لصالحه نيابة عنه , ذلك مرورا بأسلحة نستوردها منه يستطيع هو أن يعطبها في مخازنها , متى كان استخدامها ليس على هواه , وذلك من خلال التحكم بشفرات تتصل بها أقماره الصناعية التي تملأ الكون , وهو ما يقال انه حدث في المشهد العراقي ومن بعده الليبي , ما يجعل عملية التسلح في بلداننا عامة هي بمثابة "انتصار للبائع " وليس للمشترى, فهو يبيعها ويحدد معها ضحاياها!!

ويقال ان بريطانيا تخلت عن مستعمراتها القديمة لأمريكا عام 1951 فارتأت الأخيرة أن نظام الاستعمار العسكري القديم لم يعد مناسبا لروح العصر فضلا عن أنه باهظ التكلفة المادية والأخلاقية فراحت تتبنى هذا النوع من الاستعمار الحديث فيما يعرف بـ"النفعية والواقعية السياسية" بحسب مؤسسه "نيقولا مكيافيللي". 

وكان مكيافيللي قد سرد لأميره ثلاثة وسائل لغزو إحدى الإمارات المجاورة , وسرد مع كل وسيلة عيوبها. 

فنصحه بتجريد قوة كبري لغزو تلك الإمارة , لكنه حذره من حدوث انقلاب عليه فى الداخل فيكون قد كسب أرضا جديدة وخسر أرضه القديمة. 

وعرض عليه أن يجرد حملة كبري بقيادة قائد الجيش ليغزو تلك البلاد , لكنه حذره من ان ينشق هذا القائد فيكون قد انفق أمواله وجيشه على جيش العدو الجديد. 

وفي ثالثة الاقتراحات ,عرض عليه إن يذهب بجزء من قواته ليغزو تلك الإمارة فيستذل أكارمها وأغلبيتها, ويدلل حقراءها وأقليتها وينصَّب منهم حاكما على البلاد بعد أن يجهز لهم حامية عسكرية تتبعه للتدخل وقت الحاجة , وقال له أن هؤلاء الأقليات سيناصبون شعبهم العداء , وسيقمعونه بأبشع ما يمكن أن تقمعهم أنت به , وسينهبون ثرواته ويعطونها لك تقربا إليك لأنهم سيحتاجونك دوما لقمع شعبهم, فضلا عن أنهم لو انتكسوا بفعل ثورة عارمة فلن يطلك من الانتكاسة شئ ويتحمل هؤلاء الخسارة كلها.

وأخيرا .. ورغم كل مشاهد التراجع التى يعيشها الربيع العربي , إلا اننى على يقين بأن الثورة ستنتصر نصرا مؤزرا في نهاية المطاف , لأن روح الشباب ومثابرته ابقي من البارودة والزنزانة وأكثر حيلة وحسما منها , كما ان حيل الثورة المضادة القمعية لا تناسب روح العصر.

............................................

الخميس، 12 فبراير،2015 

سيد أمين يكتب : هل سينال السيسي مشروعيته من ليبيا؟

في رحلة السيسي للبحث عن الشرعية والمشروعية ..وهى تلك الشرعية أو المشروعية التى لم يتمتع بها قط .. بدءا من "سهرة مدفوعة الاجر" اسماها "ثورة" ادرك الجميع انها ثورة مضادة خٌطط لها سلفا بهدف الحفاظ على دولة اللصوص والتبعية التى ثار عليها المصريون في يناير 2011 , ثم مكافحة ارهاب لم يكن موجود اصلا فتمت صناعته ليكون مسوغا وفزاعة لاستمرار قادة الانقلاب في الحكم,الى انتخابات رئاسية مزورة فضلا عن انها غير مشروعة اصلا لكون البلاد لها رئيس منتخب لم يتنح او يستقل - وانا هنا أطالب الرئيس الشرعى بالتنحى فورا عقب كسر الانقلاب والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة- مرورا بدستور عنصري مٌنع المصريون من رفضه او حتى اختياره, وهى الشرعية والمشروعية التى خوت ووصلت لمرحلة الصفر في الاسابيع الاخيرة من حكم السيسي خصوصا بعد التسريبات الموجعة التى تناقلتها فضائيات الثورة المصرية, والتى أكدت المؤكد بان البلاد تدار بمنطق "الوسية".

إزاء كل ذلك كان لابد من استدعاء مشهد قتل الاقباط في ليبيا, ولا استبعد مطلقا المساهمة في صناعة هذا المشهد من اجل خلق مشروعية خارجية غربية بديلة عن تلك المشروعية الناضبة تقريبا في الداخل, نظرا لكون السيسي فشل تماما في سرعة تحقيق الاستقرار الذى وعد به الغرب في مصر اثناء اعداده لتمثيلية الانقلاب, فضلا عن أن سجله المفزع في انتهاك حقوق الانسان جعله حملا ثقيلا تلفظه الديمقراطية الغربية.

وبتجرد نتسائل كما يتسائل محقق النيابة المحترف في بلدان الديمقراطية من المستفيد مما حدث في ليبيا؟ الاجابة قطعا واضحة, وهناك تساؤلات كثيرة اجاباتها موجعة: 

فهل الطائرات التى قصفت "درنة" في ليبيا هى طائرات يقودها طيارون مصريون؟ أم انها طائرات يقودها طيارون امريكيون اعتادوا الهجمات الجوية ولديهم المعلومات والاقمار الصناعية التى تمدهم بالمعلومات على الارض؟

ولماذا اخترت "درنة" هدفا للهجمات مع ان وسائل اعلامك اعلنت مرار وتكرارا ان خاطفي الرهائن كانوا في "سرت"؟ ام انك فقط شرعت في قصف تلك المدينة لوقوعها بين منطقتين يسيطر عليهما "حفتر" من ثم تمكينه من السيطرة على منطقة جغرافية واحدة أو موطئ قدم كبير بعد الهزائم الفادحة التى تلقاها مؤخرا؟

ومن اين تسنى للسيسي معرفة مناطق تمركز "داعش"في ليبيا؟ ولماذا لم يقصفها من قبل وهو من نفذ هجمات كثيرة اعلنت عنها الخارجية الامريكية , بل واعلن عنها حليفه خليفة حفتر من قبل؟

لماذا انتظرت اكثر من شهر على اختطاف هؤلاء الاقباط دون ان تحرك ساكنا ولم تتحرك الا بعد مقتلهم؟ فضلا عن ان المتحدث باسم "المؤتمر الوطنى" في طرابلس نفي نفيا قاطعا وجود اى اتصال بينكم وبينه لتبادل اى معلومات عن اماكن احتجازهم؟ كما ان ثوار ليبيا نفوا ارتكابهم هذه الجريمة وراحوا يطمئنون المصريين في كل المناطق الخاضعة لهم على سلامتهم , وبعد كل ذلك تصر على ادانتهم؟

ولماذا لم ينتظر السيسي حتى يتأكد من صحة الفيديوهات وراح ينفذ هجماته ؟ ام ان تلك الفيديوهات كانت مجرد ذريعة لمهمة معلبة سلفا؟

وهل "الاباتشى" الامريكية و"الرفال" الفرنسية كانا من اجل مهمة السيطرة علي ليبيا وتسليمها بدون اى مخاطر لأمريكا وعرابيها؟ ألم يقل الايطاليون ان زيارة السيسي لايطاليا كانت لمناقشة الحرب على ليبيا؟

الصورة الأن اتضحت بشكل قوى.. فداعش هى كيان وهمى صنعته امريكا من اجل تحويل وطننا العربي الى "مسمار جحا" تسحق من خلاله المقاومة العربية وفي القلب منها الاسلامية في كل بلداننا العربية, والسيسي وامثاله هم المستفيدون الاكبر منها.

كتبت ذلك منذ اللحظات الاولى لظهور هذا الكيان وقلت ان قيادات "داعش" أو"تنظيم دولة الاسلام في العرق والشام" يدينون بالولاء للغرب بينما تتبعهم ثلة من الشباب الوطنى المؤمن الحر المغرر بهم, وان مهمة هذا التنظيم هو استقطاب جميع التيارات الجهادية في العالم العربي في مكان واحد حتى يسهل للغرب القضاء عليهم مرة واحدة بعدما ينجح في استخدامهم لتشويه الربيع العربي بكل مكوناته وعلى الاخص "الاخوان المسلمين" واسقاطه قبل سقوطهم.

ثمة مهمة اخري تحتل الصدارة لهذا التنظيم في العراق والشام , وهى توسيع هوة الخلاف بين السنة والشيعة هناك , وتحويل المقاومة الوطنية للعشائر والثوار بكل اطيافهم وكتائب الجيش العراقي الوطنى القديم في العراق الى حرب طائفية بدلا من كونها حرب تحرر وطنى تعبر المذاهب والقوميات.

وتعالوا بنا نتأمل جزء يسير جدا من خطوات السيسي المتلاحقة والدءوبة بحثا عن الشرعية الدولية مهما كان الثمن؟

السيسي ينقلب على المسار الديمقراطى في مصر..يرتكب عدة مجازر مروعة .. ثم يعلن الاخوان المسلمين جماعة ارهابية بعد حادث تفجيرمديرية امن الدقهلية .. يتساقط عدد من ضباط الداخلية بينهم ضباط امن الدولة ومساعد لوزير الداخلية ..ثم يعلن حماس جماعة اراهابية .. ثم يدعو الى تحالف مع الجزائر لضرب الارهاب .. ويخرج اللواء المتقاعد الليبي الاصل الامريكى الجنسية خليفة حفتر ليؤكد انه يتلقى دعما من نظام السيسي للحرب على الارهاب في ليبيا هنا يتساقط عشرات الجنود المصريين وتقول السلطات انهم لقوا حتفهم في الفرافرة في هجمات ارهابية بينما تؤكد تقارير متنوعة انهم قضوا نحبهم في ليبيا.. ثم يزور الفاتيكان ويؤكد للبابا هناك ان بلاده تخوض حربا ضد الارهاب الاسلامى , ثم يلتقى الرئيس الايطالى الذى اكد دون مواربة ان هدف اللقاء مناقشة استعدادات الحرب عل ليبيا.. ثم يسافر الى فرنسا ليلتقي الرئيس الفرنسى ويناقش معه استعدادات الحرب على الارهاب في ليبيا ..هنا تفرج امريكا عن صفقة طائرات الاباتشى وتقول ان الصفقة ستعزز قدرات مصر في الحرب على الارهاب في سيناء و"ليبيا".

تخرج الصحف لتؤكد علي استحياء ان من قام بتفجير مديرية امن الدقهلية هو"مرشد لامن الدولة" وان قاتل ضابط امن الدولة زميله ومساعد وزير الداخلية قتل من بعد 45 سنتيمتر "اى من حاشيته".

وبعد فترة وجيزة تخرج الاذرع الاعلامية للمخابرات تطالب السيسي بمهاجمة"داعش" في العراق وفى سوريا وليبيا وحماية السعودية من هذا التنظيم .. والتدخل لضرب الحوثيين في اليمن.

وقوع حادث شارلي ابيدو والسيسي يرسل وزير خارجيته ويقول ان مسيرة باريس استكمال لمسيرة شارلي ابيدو, ثم التزم الصمت ازاء قتل ثلاثة ابرياء مسلمين "لم يسبوا الرسول" فى امريكا.

السيسي يقول في ذكري المولد النبوى ان 1.7 مليار مسلم يريدون قتل الـ 7 مليارات الاخري في العالم لكى يعيشوا ويطالب بتغيير النصوص المقدسة التى تحض على الارهاب وتدمير الدنيا ثم يذهب للكنيسة ويقول لهم علمتم الدنيا الحضارة!!

السيسي يميز بين المصريين , شرطته تقتل سندس في نفس اليوم الذى قتلت فيه شيماء , فراح يعزى اسرة شيماء لكونها "اشتراكية" بحزن بالغ ولم يذكر سندس ذات الثامنة عشر ربيعا بحرف واحد لكونها محجبة.

عموما نعزى كل شهداء مصر مسيحييهم ومسلميهم, اسلاميهم واشتراكييهم وليبراليهم , اخوانهم وسلفيهم , ولا نفرق بين مصري واخر, وندعو الله ان يحفظ مصر ويعجل لها الفرج.

.............................................

5 فبراير 2015

سيد أمين يكتب: القيصر الروسي في بلاط الفرعون

جاء القيصر الروسي فلاديمير بوتين الى بلاط فرعون مصر عبد الفتاح السيسي.. فرشت السجادات الحمراء وحلقت الطائرات في السماء ..وعزفت الموسيقى العسكرية.. واطلقت المدفعية طلقات الحفاوة.. وراحت راقصات البالية ترقصن على ازهار الغيد.. ووقف الرجلان في لحظة شموخ في غير محلها تذكرنا بلحظات المجد والفخار التى عاشها من قبل دون كيشوته .. فالاول تشققت قدماه بحثا عن حفنة مساعدات يتلقفها من هنا او هناك.. والثانى يخوض حربا عسكرية متكاملة الاركان حركت فيها الطائرات والمدرعات والدبابات ضد مدنيين عزل من ابناء شعبه.. يحملون صورا او رسوما ويشعلون الالعاب النارية والاطارات.

واستكمالا للمشهد الكيشوتى راح القيصر الروسي العظيم يهدى نظيره الفرعون "كلاشينكوف" ذلك السلاح الذى يعد واحدا من الاسلحة المستخدمة في ادارة الحروب الاهلية.. وذلك تعبيرا عن التضامن الروسي مع معركة السيسي ضد ابناء شعبه الارهابي, وايذانا بعقد صفقة شراء تقدر ببليون دولار.

كل ذلك يحدث ولا تزال جثث المصريين تملأ "المشارح" والدماء تخضب الارض في مشاهد غير معتادة تاريخيا في مصر , فمن لم يمت بالرصاص في التظاهر , يموت صعقا بالكهرباء في المعتقلات , او حرقا في اعتصام او دهسا على الطريق او شنقا في لوحة اعلانات او من شباك منزل,او خنقا في سيارة ترحيلات او في ستاد , او طعنا في الشارع.

لذلك نقول الى اولئك الذين يريدون اعادة مخيلتنا.. مخيلتنا فقط .. الى ما قبل 1990 حينما كان العالم يدار بقطبين..الاتحاد السوفيتى وامريكا.. المشهد الان مختلف تماما .. بل على نقيض ما كان انذاك.

والحقيقة انه اذا كان عدد ولايات الولايات المتحدة نحو 50 ولاية ..فاسرائيل هى الولاية 51 وروسيا - ما بعد عام 1990- هى الولاية رقم 52.

اما ما يحدث الان فهو مجرد تبادل ادوار خططته وتقوده الولايات المتحدة لرفع الحرج عنها وحفاظا لماء الوجه امام الشعب الامريكى والعالم الغربي في حال استمرار دعم هذا الانقلاب الدموى البغيض.

روسيا المسكينة لم تستطع حماية حدودها بل لم تستطع حماية اجهزتها في قلب موسكو عام 1990 من الاختراق الامريكى.. وذلك حينما استولت الولايات المتحدة على اجزاء واسعة من الاتحاد السوفيتى بما يمتلكه من اسلحة نووية وكيماوية وجرثومية .. وصارت الترسانة العسكرية الفتاكة لهذه الاقاليم المنزوعة في قبضة الولايات المتحدة بلا منازع ولا شريك.. وراحت واشنطن تفرض سيطرتها على هذه الاقاليم وتبسط عليها نظامها الاستعماري الجديد المتمثل في تنصيب عملاء استخباراتها من ابناء هذه الاقاليم المنزوعة حكاما عليها وادارة هذه الاقاليم من خلالهم.

ويقول المثل الشعبى "لو كان عامر كان عمَّر بيته" فلو كانت روسيا تستطيع ان تساعد احدا لتوقفت عن استجداء العالم بما فيه امريكا لمساعدتها ..ولو كانت تستطيع ان تحمى نظاما خارجيات لكان الاجدى ان تحمى نفسها من التمزق ومنعت خصمها اللدود انذاك من السيطرة على اقاليمها المنفصلة.

ودعونى اطرح تساؤلا بسيطا.. اجاباته ستنقلكم تلقائيا الى النتيجة .. هل وجدتم نظاما وقفت معه روسيا ما بعد عام 1990 واستمر؟ او بمعنى اخر, هل كانت روسيا صادقة في دعم الشهيد صدام حسين ام انها فقط هى من سلمته للأمريكان؟

وهل قدمت روسيا جديدا للعقيد معمر القذافي ام انها هى التى سلمت شفرات اسلحته للامريكا ليتم اعطابها على الارض؟

حتى بشار الاسد , ما كانت المؤازرة الروسية له الا تعبيرا عن الرغبة الامريكية فى استمرار الحرب في هذا البلد وصولا الى نتيجة الدولة الفاشلة , وحتى تتمكن المعارضة المسلحة من اضعاف نظام دمشق ويتمكن هذا النظام من اجهادها وذلك قبل ان تتدخل امريكا بتحالفها الدولى المعتاد للقضاء على هذا النظام والقضاء ايضا على معارضته معه ومن ثم تنصيب عملاءها حكاما على هذا البلد العربي.

المسرحية الروسية .. مكشوفة .. وامريكا لا تترك مستعمراتها عبثا.. واشنطون هى من تدير اللعبة في مصر.

.............................................

سيد أمين يكتب: جمهورية الخوف والرهائن

الجمعة، 2 يناير، 2015

منذ عامين, بث التلفزيون الكوري الشمالي خبرا عن تأهل منتخب بلاده لكرة القدم للمنافسة في تصفيات كأس العالم , ومن اجل إتقان الحبكة الدرامية ,راح التلفزيون يؤكد أن المنتخب سينافس البرتغال في مباراة مهمة, جاء ذلك رغم ان كوريا "الديمقراطية" - وليس لها من اسمها ادني نصيب - لم تتأهل أساسا للمونديال.

نفس هذا الإعلام "الفتاك" الذي تنطلي خدعه على بسطاء العقول من الناس للأسف , موجود أيضا في مصر ومدعوم بذات القوة العسكرية المميتة , إعلام له صولات كثيرة جدا يبدأ أهمها من الستمائة متسلل من حماس الذين قطعوا آلاف الأميال من الفيافي والقفار , واقتحموا عشرات السجون وآلاف أقسام الشرطة في مصر , مرورا بالرجل المنقذ الموحى إليه , وجهاز الكفتة الذى يعالج أى مرض , انتهاء بأسر قائد الأسطول السادس الأمريكي ,وإسرائيل التى ترتعد خوفا من صواريخ السيسي , والحبل على الجرار.

ورغم فاشية النظامين إلا أن هناك فروقا جوهرية بينهما, فالأول يناصب الولايات المتحدة وحلفائها العداء وينجح في أن يبتزها ماديا وعسكريا بما لديه من أسلحة ردع نووي دون أن يقدم لها "مخازي" وغير مضطر ان يغازلها خفية أوعلنا, لكن الثاني ما تمكن من البقاء شهرا واحدا لولا دعم أمريكا والقوى الغربية له, ولو قطعت إمدادات شرايين الدم عبر الخليج عنه شهرا واحدا فسيموت غير مأسوف عليه, كما أن الأول يعلنها صراحة انه نظام عسكري غير تعددي يعيش هدنة طويلة من حالة حرب مدمرة مع أمريكا واليابان في حين أن الثاني يعيش حالة حرب حقيقية مع شعبه.

والحقيقة أننى سمعت بل وكنت شاهدا أحيانا علي مآسي خلفتها القبضة الفاشية لسلطة "الانقلاب" -وان كان الأوقع سلطة "الثورة المضادة"بما لها من شمولية - في السجون يشيب لها الرأس فزعا من فرط بشاعتها, محققة الكابوس الذي هو أقرب للحقيقة منه للمجاز, فهذه الروايات حولت سجون مصر إلي "أبي غريب" ذلك السجن الذي مارست فيه قوات الغزو الأمريكي للعراق كل الفظائع وحولته إلى مرتع ترتكب فيه أحط الجرائم النفسية والجسدية وأكثرها إيلاما بحق المعتقلين, لدرجة تجعل الموت حلما بعيد المنال لديهم.

حكايات كثيرة وقفت على تفاصيلها بحكم عملى الصحفي والحقوقي , حكايات كانت مروعة لكنها في الوقت ذاته كانت متوقعة , فها أنا ذا أشاهد "قمر الزمان" الطالب الفلبيني المبتعث للأزهر الشريف الذي شاء حظه العاثر أن يمر بجوار مظاهرة طلابية هناك , وما أن عبر بضع خطوات حتى تلقفه مرشدو الأمن ليعتقلونه ويجعلوه بعد ذلك مادة إعلامية للتضليل والتدليل على ان المتظاهرين ليسوا مصريين ولكنهم إرهابيين أو ممولين قدموا من كافة دول العالم أو حتى هبطوا من السماء , وقضى صاحبنا عقوبة بالسجن قدرها عاما كاملا , تاركا زوجته وابنه البالغ من العمر عامين , دون أنيس أو ونيس وعائل في هذه الغربة الموحشة.

وكذلك تلك السيدة التي اعتقلوا زوجها وتركوها دون عائل تنتظر إحسانات المحسنين للصرف على أطفالها التوائم الثلاث ولسداد إيجار الشقة, وهذا الرجل الذي قام المرشدون البلطجية باغتصاب شقته السكنية حتى لا يتم تلفيق تهم إرهابية له ليعتقل على إثرها ردحا طويلا من الزمن.

ولا هذه الأسرة التي اعتقلت الشرطة الأم والأب المهندس الزراعي والابن طالب الثانوية العامة ولم يتبقي من الأسرة غير الابنة, والمدهش أنهم قاموا بتعذيب الابن بالصواعق الكهربائية في عرض الشارع وأمام الجميع أثناء عملية اعتقاله.

حتى نقيب المعلمين بالقاهرة الجديدة اعتقلوه من منزله وكان كبار ضباط قسم "..." مدينة نصر "يفاصلون" زوجته فى أن تدفع لهم يوميا "300 جنيه"حتى استقر الحال على ان تدفع فقط 100 جنيه, هذا بخلاف ما يطلبه البلطجية الذين يؤجرون أماكن الاحتجاز بالسنتيمتر في أقسام الشرطة وبأسعار تنافس أفخم الفنادق العالمية , ومن يمتنع عن الدفع فقد يكون مصيره إما القتل أو العاهات المستديمة أو الاغتصاب.

واستمر الحال كذلك لعدة شهور إلى أن تم ترحيله للسجن بعد تدخل "واسطة كبيرة" لكنهم هناك منعوا عنه الدواء رغم انه مريض بفيروس الكبد الوبائى , والرجل الآن شارف على الهلاك , ولا هذا الطالب في زراعة مشتهر الذى اقسم أستاذه على الملأ بأنه لن يسمح له بالنجاح أبدا في مادته ، وذلك لأن الطالب سأله عن السبب الذى جعله يخرج عن المحاضرة ويسب "مرسي" بأقذع الألفاظ ، بل ان المدرس قام بإبلاغ الأمن عن الطالب فتم اعتقاله, ويحكى الطالب ان الشرطة جردته وآخرين من ملابسهم تماما وادخلوا إليهم فتيات معتقلات تم تجريدهن أيضا من ملابسهن لنحو الساعة كان الجميع ينظر إلى الأرض.

الحكايات موجعة حقا , إلا أن ما سمعته مؤخرا من ضحايا ثقات يعد من أبشع جرائم السجانين المصريين على الإطلاق لدرجة تجعلنا لا نصدقها وليس ذلك لاستحالتها ولكن من أجل إعفاء ضمائرنا , حيث حول حياتهم إلى جحيم مطلق يهون بجواره جحيم "دانتى" , ومآسي "راسين" وذلك ان سجان "جحيم دانتى" كان هو الله العادل الحق , أما سجان تلك الرواية فهو بشر ,يعرف الحقيقة ويسعى لطمسها للأبد , هو آلة صماء بلا قلب ولا دين تنفذ ما تمليه عليها إرادة آمريه.

الحكاية كما سمعتها - وإن كنت غير مسئول عن صحتها من عدمه - أن الشرطة اعتقلت هذا الشخص من مظاهرة كانت تسير في شارع السودان بالمهندسين , بعدما قتلوا قرابة ثلاثة متظاهرين آخرين وأصابوا العشرات بطلقات الرصاص الحي والخرطوش, ثم بعد ستة أشهر أفرج عنه , ليعود الى بيته ولكنه عاد جسدا بلا روح , لاحظت زوجته انه كما لو كان قد بدل بأخر داخل السجن , فعاد بخصال ليست فيه فهو يدخن السجائر بشراهة مع انه ما كان بمدخن , كثير الحديث هنا وهناك عبر الهاتف بصوت خفيض وما كان أصلا من هواة الثرثرة, المهم ارتابت زوجته في انه ربما يعرف أخري عليها فقامت بتغيير إعدادات هاتفه ليسجل له جميع المكالمات , وهن وجدت أن شخصا ما يقوم بسبه بأحقر الألفاظ طالبا منه أن يرشده على أسماء الذين يخرجون في المظاهرات وعناوينهم ويذكره بفيديو "الاغتصاب" , الزوجة سقط في يدها, وراحت تطلب من زوجها تفسيرا لما سمعته , فراح يخبرها أنهم اجبروه على اغتصاب معتقلة كانت تسير في ذات المظاهرة وذلك بعد تعذيب شديد بالصواعق , وأنهم حقنوه بحقنة هيروين , وأنهم طلبوا منه العمل كمرشد لهم في المنطقة وإلا فسيعاد اعتقاله وسيحرم من جرعة المخدر التي يعطنوها له كحافز, الزوجة المكلومة التي دمرت أسرتها وسقط عمود سنامها تحتفظ بالتسجيل ولن تخرجه حتى تتحقق العدالة , وتضمن له الحماية.

وفي الحقيقة , مآسي "الثورة المضادة" في مصر لا تنتهي أبدا ,حتى بعد انكسارها , ستظل جراحها غائرة في أعماق أعماق المصريين لأزمنة بعيدة قادمة , ويحضرني ما قاله أحد المعتقلين المفرج عنهم بأن من يموت فقد نجا , والعذاب الحقيقي هو ان تظل حيا.

الرهائن

السجون الآن لا تكتظ بالمجرمين والآثمين ولكنها تكتظ حتى الحلقوم بأساتذة الجامعات والمهندسين والصحفيين والمحامين والأطباء , تكتظ بنخبة هذا الوطن وحصاده الطيب, تكتظ بخيرته في كل شئ , تكتظ بخيار التنشئة الاجتماعية والأخلاقية والفكرية والثقافية , بينما يتم في خارج الجدران التى زج بهؤلاء المحترمين فيها لينام كل عشرين منهم في غرفة مترين في مترين ,تم منح صك العدالة القضائية للمجرمين والبلطجية من حملة الإعدادية.

صدقوني انتم لستم مساجين ولا حتى معتقلين , انتم رهائن , رهائن بيد نظام عفن يأبي ان يرحل , ويريد تثبيت التاريخ على مشهده الهمجي بأي شكل أو ثمن , لكنه أبدا لن يبقي ثابتا , فانتم السعداء في النهاية وانتم المنتصرون , إما هو فيغوص في التعاسة ويمضى لنهايته لأن وسائله و اجرائته لا تناسب روح العصر, وسينبذه العصر.

......................................................

مقالات عام 2016

.......................................................


سيد أمين: هنا مصنع إنتاج "البهلوان"

آخر تحديث : السبت 03 ديسمبر 2016   11:12 مكة المكرمة

لا تندهش إن وجدت أتفه من حولك وأقلهم وعيا وخبرة هو ذاته من اعتمد عليه النظام من أجل خوض غمار معركة الوعى والتنوير، أو تجد اللص هو من يتولى مقاليد خزائن المال ومناجم وآبار الثروة، والفاسد قاضيا، والعنصري وزيرا للعدل،  والجاهل عالما ، ولا تتعجب أن أطلقوا على الغباء حكمة والسذاجة حنكة والتهور إخلاص، فهذا هو نتاج حكم وكلاء الاستعمار في وطننا العربي لا سيما مصر ولا تتبرم إن رأيت أجهزة الدولة تقوم بعكس وظيفتها تماما، فالشرطة مثلا بدلا من أن تحفظ أمن الناس هى من تروعهم، والجيوش بدلا من أن تحافظ على وحدة البلاد، هى من تفرط فيها ، والقضاء بدلا من أن يحمى العدل بين الناس ، هو من يكون مثالا للفساد والظلم ، وجهاز الصحة هو من ينشر المرض ويخفض خصوبة الشعب ، والإعلام بدلا من أن ينقل الحقيقة تكون مهمته هو كيفية إخفائها.

الأمر جلى جدا ولا يحتاج لأن نشرحه فكل واع عربي أو مصري خاصة يري في محيطه وبيئته الضيقة أمثلة حية تشخص بكل براعة وإتقان هذا الحالة ، بدءا من أصغر الوظائف حتى أعلاها شأنا.

والعتب كل العتب أن يذهب أحدنا للاعتقاد بأن هذا الوضع المقلوب جاء نتيجة سوء إدارة ممن يدير زمام هذه البلاد، فالأمر تجاوز سوء الإدارة إلى ارتكاب أعمال التخريب عن عمد، بهدف تدميرهذا الوطن والحيلولة دون نهضته خدمة لمصالح دول أخري، فضلا عن التمكن من استمرارهم في نهب ثرواته.

ولا غرابة إن نصح أحدنا طالبا للعلم أو العمل نابغا في مجاله بأن يخفي تفوقه من أجل أن يتمكن من إيجاد وظيفة مريحة تكفيه شر التسكع وندب سوء الحظ ووفرة العلم!

واستمرارا لهذا النهج التخريبي، أنتج النظام المخرب في مصر ضمن ما أنتج أيضا مثقفين بالأجرة كل مهمتهم هو إيجاد المخرج الفلسفي لكل حماقة يرتكبها من يديرون البلاد مهما كان تنافرها مع المنطق والوطنية ، بدءا من "الكفتة" حتى التفريط في السيادة الوطنية.

مثقفون بالأمر

في الحقيقة أنه منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف "المثقف" بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن أى شيء معرفة اليقين،وكنا نكشف بسهولة هؤلاء "المسطحين" الذين يدعون معرفة كل شئ رغم أنهم لا يعرفون أى شئ أصلا، وذلك لأن الأقل وعيا آنذاك كان يدرك أنه كذلك، ويتقبل ذلك بروح راضية، ومع ذلك كان يمتلك القدرة على أن يميز لحد ما بين الكلام العلمى و"اللغو" احتكاما لمعيار"المنطق".

لكن في مصر الآن يحدث خلط مقصود للحابل بالنابل ، خلط فكري تم خلاله استغلال جهل قليل الوعى عبر تلقينه مفاهيم ومصطلحات  تبدو كبيرة كتلك التى يستخدمها "المثقفون" ولكن بطرق خاطئة ، فأشبعوا بذلك حاجته الماسة في أن ينضوى تحت زمرة "المثقفين" ، ثم استخدامه كقنبلة تنفجر في وجه خصوم الدولة العسكرية والذين هم عادة من قوى "الاستنارة".

وصار بذلك عدد من أنصار النظام الحاكم "مثقفين" بالأمر العسكري ، لينضموا إلى طابور طويل ممن يطلق عليهم النخبة الرسمية ، المزورة المصنوعة على يد الحاكم وعينه ، قوامها من مثقفي المفردات الرنانة أو"التيك أواي"الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.

صحيح أن كل منابرالاعلام لا تفتح ابوابها إلا من أجل تلك النخب الرسمية ، لتقود فيها عادة عزفا منفردا دون رادع أو منافس ،وتسقط في حبائلها الكثي من الضحايا ، إلا أنها مع ذلك لا تستطيع الحفاظ على تفردها حينما تواجه أى قدر من حديث "المنطق " والعلم والمعلومة" فتلجأ إلى  حديث الغيبوبة والتخوين والصراخ.


والحقيقة المُرة أنه كما تفسد السمكة من رأسها ، فإن المجتمع فسد أيضا حينما فسد مثقفوه، فما كان للانقلاب العسكري أن "يستمر" لو وجد مثقفين حقيقيين يقفون ضده دون هوى أو زيغ نفس، وما كان للسيسي أن يمرر مذابحه لولا أنه وجد تواطئا أو خوفا منهم، فراح يشتريهم بذهب المعز أو يخرسهم بسيفه. 

 ونعرف جميعا، أن وحدة المستعمر القديم لهذا الوطن، ووحدته الحديثة أيضا ، لم تصنعا "توحيدا" فيه أبدا إلا في توريث الورثة العسكريين الاستبداد، وطرق إدارة فنون الخداع والتخبئة، وتركيع الشعوب طوعا وكرها.


 صناعة البهلوان

كل الأمور النخبوية تجري في مصر الآن لإنتاج هذا الكائن ، كما لو كنا نتسابق لتهيئة التربة الخصبة المواتية لصناعة بهلوان، بهلوان يصفق متى صفق الجنرال ، ويضحك متى ضحك ، ويندب متي ندب، بهلوان يناضل نضالا في سبيل معرفة الكذبة الأفضل التى تحوز دون رفاقه على القدر الأكبر من إعجاب الجنرال.

بهلوان لا يغضبه ما يغضب الناس ولا يسعده ما يسعدهم ، لكن مهمته الشاقة هى أن يجد الذريعة التى يمكنها تبرير كل نزق يقوم به الجنرال.

سحقا للبهلوان وكل بهلوان.

........................................................

سيد أمين يكتب : ماذا بعد ثورة الغلابة؟

السبت، 19 نوفمبر، 2016

قد لا يحدث شيء في مصر جراء ما سمّوها "ثورة الغلابة"، ولكن في المقابل لا أحد يستطيع أن يجزم بما قد يحدث في مصر خلالالأيام القادمة وبعدَ فشل ثورة الغلابة التي لم يحضرها أحد، فالأوضاع تتقلب انهياراً بشكل سريع لا يخفى على أحد، ولا داعي لمزيد من القول فيه.

لكن ثمة حقائق صارت محسومة على الأقل شعبياً في هذه الأجواء المشحونة بالترقب والأمل والشك والخوف، مفادها أن بقاء الحال هو المحال، وأن النهاية الطبيعية لهذا الطقس إما التغيير طوعاً أو البتر من الجذور، خصوصاً أنه ما عادت أسحار الرجل الإعلامية تجدي نفعاً أو تقنع أحداً من أتباعه مجدداً بضرورة أن يعاني الفقير منهم من أجل أن يبقى الوطن.

ربما كانت تلك الأسحار مجدية حينما أقنعت بعض ضعاف النفوس منهم في لحظات مُرة من تاريخ هذا النظام بأنه يجب أن يموت غيرهم لكي يحيا الوطن، لكن حينما طالت نار الظلم ملابسهم هم كفروا بهذا المفهوم عن الوطن دون تردد.

عموماً قد لا يتحرك الناس في ثورة الغلابة، ولكن ذلك لا يعني أنهم راضون عن أداء تلك السلطة، ولا يعني أيضاً أنهم لن يتحركوا ضدها مستقبلاً، هي فقط مسألة وقت في رأيي.


ثورة الغلابة.. لماذا كنا نحتاجها؟

بالتعرض لنماذج من النقاشات الدائرة في كل ربوع مصر حول الحاجة لحراك جماعي يفرمل تغوُّلَ النظام الحاكم في دهسه للفقراء وكبحه للحريات، وبالإجابة عن التساؤلات حول مبررات اتخاذ السلطة للإجراءات الاقتصادية العنيفة قبل "ثورة الغلابة"، وليس بعدها، وهو الإجراء المنطقي للحيلولة دون خلق ذرائع الحشد الشعبي لها، يتضح أن تلك الدعوة اتفق أغلب المصريين على تأييدها، ولكنهم أيضاً شككوا في قدرتها على النجاح، خاصة مع آلة القمع المتوحشة التي قد تجابهها، بحيث جعلتهم يحددون إمكانية نزولهم لها بناء على إجابة السؤال الأهم فيها وهو: مَن دعا إليها؟ وهو السؤال الذي بناء على إجابته سيعرفون مدى القمع الذي قد يلاقونه.

وهناك أربعة تفسيرات لثورة الغلابة، تفسيران منها يؤكدان أنها حركة أطلقتها قوى الأمن، وتفسير ثالث يقول إنها حراك ثوري بحت، أما الرابع فهو تفسير السلطة لها بـ"المؤامرة".


تصحيح مسار

التفسير الأقوى يقول إنها حركة أسستها قوى من داخل السلطة مناهضة لوجود عبد الفتاح السيسي في الحكم لأسباب كثيرة، إما لفشله، وإما لتزايد الغضب الشعبي عليه، ما ينذر بثورة عارمة تقتلع كل النظام العسكري وربما للأبد، وإما لأنها جعلته يتخذ كل القرارات الاقتصادية الصعبة التي كانت تود اتخاذها وخلقت بها أمراً واقعاً، ثم جابهت حالة الرفض لها بتغييره هو وليس تغييره وإسقاط قراراته معه التي ستجد السلطة الجديدة وقتها مبررات لاستمرارها، مع تقديم حزمة من الإغراءات الشعبية في مجال الإفراج عن المعتقلين، وإسقاط حزم القوانين الجائرة التي تكبل الحريات، وتسلب حقوق المعارضين.

ويساعد هذا الفرض وقائع كثيرة تؤكد أن الجيش هو من خطط للإطاحة بمبارك في ثورة يناير/كانون الثاني، وخطط أيضاً للإطاحة بمرسي في انقلاب يوليو/تموز، وبنفس الطريقة لا مانع أيضاً من أن يخطط للإطاحة بالسيسي في نوفمبر/تشرين الثاني، فضلاً عن كلام يتحدث فيه مصريون كثر -لم أعرف مدى صحته- بشأن علاقة اغتيال العميد الشهيد عادل رجائي، قائد الوحدة المدرعة بدهشور التي سيطرت على القاهرة في ثورة يناير وانقلاب يوليو من قبل، بهذا المخطط، واستغلال الإجراءات الاقتصادية كعوامل تحفيز للثورة، ثم ظهور البرادعي مجدداً بتغريداته حول مجزرتَي رابعة والنهضة، ودعوة المصريين للتوحد، وهو الظهور الذي يسبق التغييرات الكبيرة في السلطة في مصر، وهي التغريدات التي تبعها أيضاً تقرير البرلمان البريطاني الذي برأ الإخوان من الإرهاب، ما يعني ضمنياً تكذيباً لنظام السيسي الذي وصفهم بالإرهاب، وراح يعمل فيهم السيف بناء على ذلك، وكل ذلك يتوافق مع نفور سعودي خليجي واضح من عمليات دعم السيسي التي ظهرت أنها بلا جدوى، ولن تتمكن من إنقاذه من وحلته، فضلاً عن تفاصيل أخرى يصعب أن نناقشها في هذا المجال.


استعراض للقوة

أما السيناريو العسكري الثاني فهو أن نظام السيسي نفسه هو من أطلق تلك الدعوات، وقد سبقها اتخاذه القرارات الاقتصادية وكان الهدف من ذلك إرسال رسالة للداخل والخارج وحلفائه الغربيين بأنه يقبض على زمام البلاد جيداً ولا خوف من الثورة عليه، وعليهم دعم نظامه بالمساعدات اللازمة لإنجاحه بدلاً من الندم على تفريطهم السريع فيه، وأن فكرة انهياره لأسباب تعود للداخل بعيدة المنال.

كما أن البعض الذي يروج لهذا الطرح يقول أيضاً إنه قد يتخذها ذريعة للتخلص من معارضيه جملة وتفصيلاً، ويعمل فيهم السيف والرصاص، مع تبرير نزول الجيش للميادين مجدداً حتى مرور ذكرى ثورة يناير العام المقبل، ويكبح من خلال ذلك أي رفض لارتفاع الأسعار، ويضمن أيضاً استقرار سعر صرف الدولار، وتقبل الناس لذلك.

حراك ثوري

أما ثالث التفسيرات فهو أنها حراك ثوري بحت جاء احتجاجاً على السحق غير المسبوق للفقراء، والتردي غير المسبوق أيضاً في الحريات، والاستهانة البالغة بالحياة الإنسانية للمصريين، ورغم أن تلك المبررات وجدت أصلاً منذ أن وجد الانقلاب، فإن الجديد هنا هو انضمام طوابير هائلة جديدة من المسحوقين البسطاء الذين كانوا يمثلون كنزاً استراتيجياً للثورة المضادة إلى صفوف الثورة، ويجب هنا استغلالهم للسير في المسار الصحيح، بدلاً من المسار الخطأ، بما يخدمهم ويخدم معهم الوطن.

مؤامرة

ويبقى أيضاً التفسير الرابع المعتاد الذي تطلقه كل السلطات الاستبدادية في العالم تجاه دعوات معارضيها بأنهم قلة مأجورة متآمرة تستغل عمليات التحول الديمقراطي والبناء الاقتصادي التي تمر بها البلاد لإثارة الفتن والقلاقل من أجل إعاقة نجاحاتها، وتدعمها في ذلك قوى خارجية.

وتفوق النظام الحاكم في مصر على أقرانه الدوليين بالتأكيد بأنها تأتي في إطار مؤامرة يقودها مجلس إدارة العالم "الخفي" ضد مصر وضد قيادتها الحكيمة.

عموماً مثل هذه الأكليشيهات خفت بريقها، وفقدت داعميها من هزلية تكرارها، وبسبب الانفتاح الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي

..............................................................................

سيد أمين يكتب : الافرازات الضارة للديمقراطية

آخر تحديث : الجمعة 18 نوفمبر 2016   21:08 مكة المكرمة

فجر الزلزال المدوى الذى أفرزته الانتخابات الأمريكية ، ووصول مرشح صاحب توجهات عنصرية لا تتفق مع معاييرالديمقراطية إلى كرسي حكم العاصمة التى تقود الكون تقريبا، عبر وسائل ديمقراطية خالصة، تساؤلات مدوية في شرق العالم وغربه حول الإفرازات الضارة المحتملة للديمقراطية ونظام حكم الأغلبية.

وهذا النتاج ليس الأول من نوعه حيث يشهد التاريخ أن الزعيم القومى أدولف هتلر وحزبه النازى– اختصارا لكلمة حزب العمال الاشتراكى الوطنى- الذى تسببت قيادته لألمانيا في اندلاع ثانى الحروب العالمية ومقتل نحو مئة وخمسين مليون شخص حول العالم ، صعد للحكم بانتخابات ديمقراطية خالصة، بل وحاز فيها على نسبة 84.6% من الناخبين، لكن ذلك قد ساعده فيه الغبن القومى الذى وقع على الألمان جراء الوصاية التى فرضتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.

كما أن اليميني الإيطالي المتطرف أندريا موسولينى زعيم الحزب الفاشي– حزب العمال والجنود – قد وصل للحكم تحت رعاية ديمقراطية واسعة ليشارك في كبريات المآسي الانسانية في ليبيا والحبشة ويكون قطبا من أقطاب الحرب العالمية الثانية.

ولكن قبل الحديث عن أخطاء الديمقراطية ينبغي بداية رثاء حالنا ، فبينما نحن في القرن الحادى والعشرين، نناضل في وطننا العربي للوصول لحالة ترسيخ تعريفها والإقناع بها، نجد أن الديمقراطية التى أسس لها نظام الحكم الأمريكى وحلفاؤه الغربيون منذ مئتى عام تقريبا أو يزيد، قد تجاوزت حالة الرسوخ في وجدان الناس لدرجة أنها لما تمكنت من افراز أسوأ منتجاتها احترموها، وعملوا أيضا على تهذيبها وتجنيب مخاطرها حتى وإن كانت شطحاتها لا تمسهم هم بالأذى، وأسقطوها بالديمقراطية وليس الانقلاب.


عيوب الديمقراطية

للديمقراطية أخطاء وعيوب لا شك، والتى من أخطرها مثلا أنه من الممكن خداع الجماهير وتضليلها تحت دعاوى زائفة وتحفيزها لاتخاذ مسارات مغايرة لتلك التى تؤمن بها أو ترغبها أو تلبي احتياجاتها فعلا، واستغلال جهلها أو حاجتها المادية أو اكراهها بالقوة أو بالحيل وبالحرب والإكراه النفسي للتصويت في صناديق الاقتراع في اتجاه معين.

ولذلك فان الديمقراطية تحتاج من ضمن أهم ما تحتاج درجة كاملة من الوعى والمعرفة والحرية ، وبدونهم ستكون كل تصرفات العمل الديمقراطى نوعا من أنواع التزوير، الذي يحرم المواطن من معرفة الحقيقة كاملة ثم يقدم له الاختيارات مشوهة ليختار من بينها.

كما أن للديمقراطية أيضا عيب أخر أكثر خطورة وهو ما يمكن أن نسميه بـ"عيوب المساواة المطلقة في الأمور المتخصصة"، فمثلا لو أجرينا استفتاءا حول اللجوء لاستخدامات الطاقة الذرية في مصر هنا يصبح من المضحك أن نساوى بين رأى الفلاح أو العامل أو الصحفي أو المدرس مع رأى عالم الفيزياء أو الكيمياء أو المهندس ، وحتى في الشأن العام بكل تنوعاته ، قد يكون من المخزى المساواة بين رأى من يملك وعيا  وبين من لا يملكه ونسوى بينهما في صندوق الانتخاب على ندرة "الواعين".

وأيضا من أبرز عيوب الديمقراطية ونظام حكم الأغلبية ما يمكن تسميتها بـ"ديكتاتورية الأغلبية " والتى تجعل الأغلبية تفرض ارادتها على الأقلية ، حتى إن قاربتها في أعدادها، وإن صحت وجهة نظر الأقلية ، وتجارب التاريخ في ذلك تشهد.


خيار لابد منه

تأول النظم المستبدة - وهى كثيرة في وطننا العربي المنكوب – مثل تلك الانتقادات وتنزعها نزعها من سياقها لتتخذها ذريعة فلسفية للانقضاض على الديمقراطية ولتسويغ استبدادها.

ومن العجب أنه في اطار الرسائل المتتالية التى تبعث بها تلك النظم إلى الغرب للتأكيد بأن شعبنا العربي يرفض الديمقراطية التى لن تأتى إلا بأعدائه ، وأنه يدافع عن الزعامات العسكرية ومقتنع بها ، استغلت السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في خمسينيات القرن الماضى جهل الجماهير وراحت تحشدهم للنزول بالملايين للتعبير عن رفضهم للديمقراطية والهتاف ضدها بوصفها بدعة استعمارية جديدة ، يا للخجل.

كل مثل تلك الهرطقات في الواقع هى في سبيل اللغو المردود عليه بأن خطأ أفرزته حركة ديمقراطية هو خير من صواب أفرزه حكم مستبد، لأن الديمقراطية تصوب توجهاتها وتحمى مبادئها، المهم أن تتمسك الشعوب بها.

 الفلسفة الغربية ناقشت مثل تلك الاشكاليات قبلنا بمئات السنين، وبعد دمار شديد عاشته الحضارة الغربية كذلك الذى تعيشه أمتنا العربية الآن جراء الصراع بين الجديد والقديم، استقر في وجدان الناس أنه لا خلاص للبشرية سوى الاحتكام لإرادة الشعوب واحترام أفكار الناس جميعا وعقائدهم وحقهم في الحكم ، وما أن ترسخ هذا الوعى حتى قفزت أوربا من الظلام إلى النور.

جاء ذلك رغم أن الاستبداد في عصور الظلمات الغربية لم يكن تحت رعاية عسكرية فحسب كما هو حالنا، ولكن كانت سلطة الكنيسة الدينية الروحية أشد جلدا لظهور الناس من سياط الحاكم المستبد ونبلائه ونخبته، وهو ما يعنى بشكل جازم أن العبء الملقي على ظهور دعاة الديمقراطية في مصر والوطن العربي أقل بكثير من العبء الذى ألقي على كاهل المواطن الغربي في عصوره الوسطى، ما يعنى أيضا أن امكانات النجاح هنا أعلى وأكبر لكوننا نواجه فاشية واحدة لا فاشيتين.

أعتقد أنه رغم قساوة المشهد الدموى والفوضوى الذى تعيشه أمتنا العربية الأن، ورغم التعثر والإحباط، فإن المستقبل محسوم للديمقراطية بلا شك.

......................................................................

سيد أمين يكتب :تساؤلات حول "غضبة" سامح عاشور

الأحد، 6 نوفمبر، 2016

موقف محترم ذلك الذي تتخذه نقابة المحامين المصريين ونقيبها الأستاذ سامح عاشور بحق ضريبة الدمغة المضافة وتصدرها رفض المجتمع لهذا النوع من الجباية المقننة.

وفي الحقيقة هذا الموقف ليس مستغربًا بتاتًا على نقابة محامي مصر، فهي التي ناضلت دفاعًا عن سيادة القانون نضالاً شرسًا في أحلك فترات الظلام، ومنها مقاومة الاحتلال الإنجليزي والاستبداد العسكري ما بعد خمسينيات القرن الماضى.

ولعبت أدواراً بارزة في الحياة السياسية ، فكان معظم قيادات مصر من خريجي كلية الحقوق ومنتسبي تلك النقابة التي كان الانتساب إليها، وربما ما زال مدعاة للفخر والشرف، وهو ما يفسر الارتباط التاريخى بين تلك النقابة والعمل السياسي والحزبي، ولعل ذلك ما تسبب في نشوء صدام دائم بينها وبين السلطة أدى إلى قيام الأخيرة بحلها بأمر مباشر ثلاثة مرات، الأولى سنة ١٩٥٤ بسبب صدام بين المجلس وبين قادة حركة يوليو، والثانية سنة ١٩٧١ بسبب رفضها الاعتراف بما أسميت بـ"ثورة التصحيح"، والثالثة سنة ١٩٨١ بسبب رفضها توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

كما فرضت الحراسة القضائية عدة مرات عليها كان أبرزها في عام 1995 بعد نشوب أزمة بينها وبين والحكومة، على خلفية مقتل محامٍ داخل قسم شرطة، انتهي بالقبض على 3 محامين في النقابة

اندهاش مستحق

كل ذلك ليس غريبًا على نقابة المحامين قلعة الحريات الأول في مصر، ولكن المستغرب هو أن يتحول موقف نقيبها الأستاذ سامح عاشور هذا التحول الكبير من نظام الحكم القائم، خاصة أنه كان واحدًا من أهم رجالات هذا النظام، والتزم الصمت تجاه كل الانتهاكات المروعة والقضايا المصيرية التي ارتكبها هذا النظام.

الاستغراب مستحق أيضًا لأن القضية التي ثار لها الرجل لم تكن بذات الشأن من الفداحة والأهمية التي نالتها قضايا أخرى في المجتمع تستدعى الثورة اللانسانية المهدرة أو حق الإنسان الأساسي في الحياة، والتي أهدرته سلسلة المذابح الأكبر في كل تاريخ مصر والتي جرت في الأعوام الثلاثة الماضية مثل رابعة والنهضة ورمسيس1و2 والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها.

ولم تكن أيضًا قضية تمسّ تقييد حقوق وحريات المجتمع تستدعى معارك قانونية هو ونقابته أهل لها ولكنهم صمتوا عنها، والتي مثلتها قوانين تحضّ على العنصرية والإقصاء مثل قوانين "الارهاب"، والكيانات الإرهابية، وقوانين التظاهر، وتقييد الجمعيات الأهلية ، ومنظمات المجتمع المدني، والحق في التجمع، وتبادل المعرفة، والحق في الاحتجاج والإضراب.

ولم تكن أيضًا قضية كرامة وطنية، فقد التزم الصمت في قضايا التنازل عن جزيرة "تشيوس" المصرية وحقول غاز أخرى في البحر الأبيض لليونان، وما يتردد عن سيطرتها أيضا على المناطق المقدسة في سانت كاترين بسيناء، ولم تثره أيضًا قضية تيران وصنافير، ولا بيع ملايين الكيلومترات لدول أجنبية وعربية ، ولا أفواج المفتشين الأجانب على المطارات والموانئ ، ولا التنازل عن مياه النيل التي تمثل الشريان الحيوي لمصر.

ولم تأتِ في إطار قضية الصراع العربي الاسرائيلي الذى صمت حيالها النقيب "الناصري" بينما السلام الدافئ مع إسرائيل يتسارع ويترسخ ويأخذ مشروعية، ووفود المطبعين تمتد، وحصار الشعب الفلسطيني يشتد.

ولم تكن حتى قضية نقابية، ما كان لأحد أن يلومه أبدًا لو صال وجال فيها، فهي نقابة الحقوق والحريات وهو نقيب دعاة الحقوق والحريات المخول به وبها قبل الدفاع عن حقوق المجتمع كله أن تدافع بشراسة عن حقوق أعضائها أولا، وهو ما لم يحدث للأسف، فبحسب إحصائيات منظمات حقوقية يوجد نحو 250 محاميًا معتقلاً بعضهم ينتظر الاعدام، وهناك مئات المحامين هاربون خارج البلاد وداخلها خوفا من محاكمات غير عادلة، وهناك قوانينا تسن للتضييق على العمل الحقوقي والقانوني.

وهناك محامون تعرضوا للقتل تعذيبًا في أقسام الشرطة، نرجو أن تكون تبرئة قاتل أحدهم تزامنًا مع غضبة النقابة على قانون الدمغة المضافة جاءت من قبيل الصدفة وليس السخرية والتحدي، أو حتى المساعدة في صناعة صورة ذهنية عن صدقية هذا الصراع بين النقابة والنظام.

تفسيرات منطقية

"لفت الانتباه" و"تجزئة الغضب" و"الاعتماد على الغير" هي من "تقنيات" العمل السياسي والدعائي الذى تستخدمه السلطة للسيطرة على الصراع، وحرفه عن مساراته الطبيعية، لعلّ فهمها وفهم تقنيات الدعاية الأخرى يمكن يفسر لنا ما يجري في نقابة المحامين الآن.

حيث يتيح أسلوب "لفت الانتباه" للسلطة أن تحول اهتمام الجماهير إلى مسارات بديلة تشغلهم عن القضايا الأهم، وهو أسلوب صار مبتذلاً ومفهومًا للكثيرين من العامة نظرًا لفرط استخدامه، فيما يقوم أسلوب "تجزئة الغضب" بتفريغ شحنة الغضب الجماهيري على مراحل ما يفقده قوته الكاسحة، ويأتي أسلوب "الاعتماد على الغير" من أخطر تلك الأساليب حيث يهدف إلى استثمار مناخ الخوف السائد في المجتمع والذى تمت صناعته بجدارة، إلى دفع الجماهير إلى التكاسل والاتكالية والاعتماد على حراك يقوم به غيرهم في إبراز غضبهم، دون أن يدركوا أن النوايا الحقيقية لبعض ممن يقومون بهذا الحراك "المستأنث" هي دفعهم للاعتراف بالهزيمة والتعايش مع الأمر الواقع.

في إطار نظرية المؤامرة، وهى في الحقيقة نظرية محترمة، قد يكون ذلك تفسيرًا لما يجري في نقابة المحامين، وقد يكون أيضًا تعبيرًا عن صراع بين الأجهزة، وقد يكون ذلك قفزًا من سفينة السيسي الغارقة.

كل ذلك محتملاً في تفسير تلك "الغضبة" إلا تفسيرًا واحدًا أنا شخصيا أستبعده، وهي أن تكون انتفاضة ضد ضريبة الدمغة المضافة.

............................................................................

سيد أمين يكتب:على هوامش المؤامرة

آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2016   14:28 مكة المكرمة

حتى لو سلمنا جدلا بأنه لا توجد مؤامرة ، وأننا مفرطون في تبرير الفشل بإلقائه على شماعات الأخرين ، وأننا فاشلون وكسالى، وأنه تنطبق علينا كل النظريات العنصرية الغربية حول الشعوب الغبية ، لكن من يفسر لنا السبب وراء فشل ثورتنا المصرية في موجتها الأولى وبالضرورة فشل كل ثوراتنا العربية؟

لماذا غلت أيادى العون أمامها، بينما فتحت للثورة المضادة مغارة كنوز "على بابا" لتنهل منها ؟ لماذا حاسب الغرب اختياراتها الحرة على كل شاردة وواردة ، بينما صمت بل بارك كل مجازر الثورات المضادة؟ التساؤلات حول كيف هم أصبحوا ، وكيف نحن أمسينا لا تنتهى، ولا إجابة وجيهة لها ، إلا أنها ..المؤامرة.


ملامح المؤامرة

تلك "المؤامرة" التى جعلتهم يجتاحون بلادنا حملات وراء حملات ، وأسرابا وراء أسراب ، دون كلل أو ملل ، منذ فجر التاريخ ، تارة بإسم الصليب وتارة بذريعة "الحماية " وأخري بـ"المستشرقين" ، واخيرا بالعولمة والتدفق الإعلامى والمعلوماتى ذي الاتجاه الواحد.

"المؤامرة" التى اعترف بها قديما المستشرق الفرنسي المتطرف "أرنست رونان" في خطابه الافتتاحي عام 1862 في "الكوليج دي فرانس" حول نصيب الشعوب السامية في تاريخ الحضارة حين اعترف بأن "الشرط الاساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ما له علاقة بالسامية الحقة ، تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض ، وأن هذه الحرب الدائمة لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل جوعا أو ينبذه الإرهاب في الصحراء مكانا قصيا".

وهاهو السيسي يلبي النداء ويحاول تدمير تلك السلطة عبر ما أسماها "الثورة الدينية"، وهاهو من قبله نابليون بونابرت يوصي جنوده ويعلمهم أصول الجغرافيا السياسية أو"الجيوبولوتيكا" ويقول "من يريد أن يسيطر علي الشرق يبدأ بالقاهرة فهي بمثابة القلب في الجسد" وها هو أيضا أدولف هتلر يرسم خريطة العالم ويقول أن فيها مثلثا رأسه في برلين وضلع من قاعدته في القاهرة ومن يسيطر عليها سيطر على العالم ، فهل هناك من يعتقد أن الغرب صاحب سطوة القوة والعلم والنفوذ سيترك هذا الكنز سداحا مداحا؟

إنها هى ذات التصريحات التى يطلقها المرشح المتطرف الرئاسي الأمريكى "ترامب" ومن قبله بوش الأب والابن والتى تعبر عن سياساتهم الفعلية تجاهنا.

وهى ذات "المؤامرة" التى جعلتهم يختارون "فلسطين" و"قدس أقداسنا" مكانا ليزرعوا فيه الكيان البغيض من بين عدة أماكن رحيبة في العالم، وجعلتهم من قبل يشطرون أوطاننا ويدقون فيها الأسافين في"سايكس بيكو" فأنشطرت معها ولاءاتنا وتقزمت من حالة القومية العظيمة إلى حالة الشعوبية البغيضة.


الحكم العسكري

من ملامح "المؤامرة" أيضا أن التطور الحداثي والحقوقي والديمقراطى الكبير الذى شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن لنا فيه نصيب إلا في القشور.

فحداثيا، تطورت مدننا ولكننا أبدا لم نُصنِّع ولم ننتج ولم نبنى شيئا بأيدينا ، فقط العالم حولنا هو من أنتج وصنع وشيد لنا بأموالنا ، أما حقوقيا فنحن من أعلى بلدان العالم انتهاكا لحقوق الانسان ، الاحصاءات لا تكذب ولا داعى لذكرها لكونها صارت من نوافل المعلومات ، وأوضحها أن عشرات الألاف من خيرة أبناء مصر ، من حملة الطب والهندسة وغيرها من كليات القمة ، فضلا عن حملة الماجستير والدكتوراة، يزج بهم في مقابر السجون لينكل بهم الفاشلون من أصحاب المحسوبية لدى النظام العسكري، ومثلهم طلقاء يتظاهرون كل يوم من أجل البحث عن فرصة عمل.

وديمقراطيا ، نحن نضع نصوص الدساتير ونخوض المعارك الجدلية الفكرية بشأنها ، وتبدى نخبنا المدجنة فروسية منقطعة النظير في طعن بعضها البعض ، ثم بعد ذلك يلقي العسكر بكل هذا الهراء سلة المهملات ويقرون الدستور الذى يرونه ، وسط صمت بل ومباركة هؤلاء المتجادلين المتشاحنين ، والأغرب أننا نجد أن العسكر لا يحترمون حتى تلك الدساتير التى وضعوها متى تعارضت مع نزعتهم السطوية.

الحقيقة أن الأمور الأن تكشفت ، وصار الكثير منا يعلم أنه قد رحل المستعمر بالفعل ولكن لم يرحل معه استعماره ، وأنه كما تطورت كل مناحى الحياة في نصف القرن الأخير من الزمان ، تطورت أيضا أساليب الاستعمار، وما كان للاستعمار أن يترك أبقاره الحلوب إلا بعدما ولى عليها الراعى الأمين الذى يجلب إليه السمن والحليب في منزله.


نظرية المؤامرة

وكذلك لا يمكن أن نتحدث عن "المؤامرة" دون الإشارة إلى واقعة تاريخية شهيرة ، ونظرية فلسفية أيضا شهيرة ترسخ لتلك"المؤامرة".

أما الواقعة فهى بخصوص ذلك المسئول السوفيتى الرفيع الذى اعترف تحت ملابسات مجهولة بأنه عمل جاسوسا للأمريكان على بلاده وكانت مهمته الوحيدة هى اختيار الأسوأ لتولى أعلى المناصب التنفيذية والإدارية في الدولة ، فيختار هذا الأسوأ بالقطع الفاسدين ليترأسهم وهم يفعل مثله وهكذا دواليك فتنهار المؤسسات تحت ضغط الفساد.

أما النظرية الفلسفية فقد قال الإيطالي نيقولا مكيافيللي ناصحا أميره بأنه إن أراد السيطرة على الإمارة المجاورة فأمامه ثلاث طرق، الأولى أن يغزوها على رأس جيش جرار وهنا يجب عليه الحذر من أن ينقلب عليه نبلاء إمارته القديمة بعد رحيله ، والثانية أن يرسل قائد جيوشه بدلا منه وعليه هنا أن يحذر من أن يطمع فيها لنفسه ، والثالثة هى أن يترك جزءا من جيشه يحمى الإمارة القديمة ، ويستقل الجيش مع قائد الجند ليغزو تلك الإمارة الجديدة ، ولما يتمكن منها عليه أن يستذل كرامها من الأغلبية ،ويعين عليهم حاكما من أقليتها فيصبح هذا الحاكم طوع اشارته ويحتمى به من شعبه.

والسؤال :هل هذا ما جري؟

............................................................................

سيد أمين يكتب: حينما تحول التصويت إلى تفويض

آخر تحديث : السبت 13 أغسطس 2016   14:24 مكة المكرمة

بالأمس القريب فوجئ المصريون باعلان إعلام السلطة عن تدشين حملة قال إنها تسعى لجمع توقيعات لنحو40 مليون مصري من أجل مد المدة الرئاسية للسيسي لتصبح ثمانى سنوات بدلاً من أربع، ليس الغريب أن تلك الحملة تأتى في وقت تآكلت فيه شعبية الرجل إلى ما دون الـ5% ، ولكن أيضا لأنها تأتى في وقت لا يثق فيه المصريون بأنهم سينهضون صباح اليوم التالى ويجدونه لا يزال رئيسا إجباريا للجمهورية.

والحقيقة أنه منذ أن جاء نظام السيسي وهو يتبع اجراءات خارجة عن سياق الديمقراطية المعروفة خطواتها عالميا لتثبيت دعائمه ، حيث راح يبتدع ديمقراطية جديدة يفصلها على هواه لتناسب الخدعة التى يريد تسويقها، وذلك من أجل صناعة شرعيته المزعومة التى تؤهله ليحل محل شرعية رئيس مدنى انتخبه الشعب بطريقة شعبية ديمقراطية حقيقية نادرة الحدوث في بلد كمصر، التى لم تشهد طوال تاريخها الممتد والضارب في التاريخ تغليبا لرأى الجماهير مهما كبرعددها واتسعت مظالمها على رأى الفرعون العسكري.

اخترع نظام السيسي طريقة "التفويض" عبر جمع التوقيعات أوالتواجد في الميادين ليحل محل "التصويت" في الصندوق ولجان الانتخابات.

وبالقطع الجميع يعرف أن الفارق بين الأسلوبين ، هو تماما كالفارق بين "الجهل" وظلاميته وظلمه وخداعه وتضليله وعشوائيته ، وإهداره لقيمة القانون والضوابط والروابط والإحصاء ، وبين "العلم " ورسوخه ومنهجيته الواضحة وعدله.


إرهاصات  الخدعة

بدأت حاجة النظام الحاكم الملحة لإيجاد وسيلة للتغلب على إرادة الجماهيرالفاعلة مع انطلاق تظاهرات "المليونيات" في ميادين الثورة ، والتى جاءت أصلا كتعبير طبيعى عن حالة الثورة ضده ولاجباره على اتباع إجراءات ديمقراطية في"الصندوق" ، وجرب بادئ الأمر أن يحشد أمامها جماهيره في ميادين مغايره كمصطفي محمود والعباسية ، محاولا إيهام الرأى العام العالمى بأن المصريين ليسوا على قلب رجل واحد وراء تلك الثورة وأن ثمة من في الميادين أيضا من كان له رأى أخر.

ولما افتضح أمر حشوده عالميا وعرف الجميع أنها لا حشود ولا يحزنون ، بل جماعات بائسة من الناس استغل النظام فقرهم الذي كان هو سببا فيه، وتم دفعهم بأجر إلى الميادين، راح يغير تكتيكاته كليا ويتبع سياسة تفتيت الخصوم من الداخل، فضلا عن توسيع هيمنته الإعلامية واختراق الثورة بفضائيات الثورة المضادة ، وحقق نجاحا ملموسا في تخفيف حدة الحماسة للثورة عند الكثيرين عبر الزعم بأن الثورة حققت أهدافها، وأن الثوار هم من يحكمون ، وأن الاستمرار في هذا النشاط الثورى يعنى تخريبا للبلاد.

وقد نتج عن هذا الوضع أن فقدت الميادين روادها الأصليين من الثوار، فعمل النظام على شغلها بعناصره ليمارسوا ممارسات شيطنتها ، ثم تطور الهدف تدريجيا حتى انتهى بالدفاع عن الثورة المضادة تلميحا أو تصريحا.

هنا أدرك النظام أنه يملك الميادين جميعها، ويملك معها الإعلام الذى يستطيع تسخيره لتصوير الأمر بالطريقة التى تحلو له ، لكنه أيضا أدرك أنه يفقد السيطرة على الصناديق التى تعززت نزاهتها عبر الإجراءات القانونية والحقوقية التى أتخذت بقوة الثورة، وأهمها التصويت ببطاقة الرقم القومي، ومنع تعدد أماكن التصويت للناخبين ، وإعلان النتائج في اللجان، ولذلك فبدلا من أن يدافع النظام عن الصناديق ويهاجم الميادين كما كان يفعل في البداية ، راح يتهرب منها وانقلب ليدافع عن الميادين ، ولما استشعر بأن سيطرته على تلك الميادين ممكن خلخلتها راح يبتدع نظام "التفويض". 


مراحل التفويض

حملة "تمرد" بمدلولاتها العسكرية كانت هى الأسلوب "الشعبي" الذى تفتق لذهن النظام العسكري من أجل تدشين سياسة "التفويض"، لإيجاد مسوغ أخلاقي للانقلاب على الرئيس الذى طرحته الثورة ، خاصة بعد انكشاف ضعف الظهيرالشعبي المساند لهذا النظام في أحداث الاتحادية أمام تيار"الاخوان المسلمين" الذىن أفشلوا خطة اقتحام قصر الرئاسة وقتل الرئيس.

وللأسف وقع "الإسلاميون" في الفخ فراحوا يردون عليها بطريقة مشابهة تعطيها صدقية ما حينما قاموا باطلاق حملة "تجرد" بدلا من إنكار هذا الأسلوب جملة وتفصيلا.

وكانت 30 يونيو/حزيران 2013 هى أكبر اختبار لتوضيح مدى سيطرة النظام على "الميدان"حيث نجح الإعداد الجيد لها واستنفار الكنيسة لشعبها وحشد جماهير الحزب الوطنى والجنود الذين يرتدون ملابس مدنية مع تأميم الإعلام وتسخيره بشكل كبير في الحشد والدعاية ، في حشد ناجح لبضعة ملايين في كل الميادين المصرية.

ثم جاء طلب التفويض الذى أطلقه عبد الفتاح السيسي في 27 يوليو/تموز 2013 كأول اعتراف رسمى من قبل السلطة بهذا النوع من الشرعية ، ثم راح عبر إعلاميه يطلب التفويض مجددا في 6 فبراير/شباط  2015 إلا أن الشعب قال كلمته ورفض هذا الاحتيال على الديمقراطية ورفض النزول. 

المدهش أن تلك التفويضات كان يقابلها فشل ذريع في كل انتخابات الصناديق كاستفتاء الدستور وانتخابات الرئاسة والبرلمان –وهى الطريق الوحيد للديمقراطية - والتى قاطعها الشعب بشكل واضح وباعتراف وسائل إعلام محسوبة على النظام وكانت جميعها مثارا للتندر والسخرية حتى لدى رجل الشارع البسيط ، وقد أوضح تلك المقاطعة هو مقارنتها بالطوابير العريضة غير المسبوقة في انتخابات رئاسة ودستور  2012.


تواطؤ غربي

ولأن ما حدث يأتى على هواها وبتدبيرها في الغالب ، تواطأت الدول ذات الديمقراطية الراسخة كبريطانيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي مع هذا الخداع ، وبدلا من أن تجهر بأن هذا النوع من السلوكيات لا يعد سلوكا ديمقراطيا ولا يمكن اعتباره أنه يعبر تعبيرا حقيقيا على إرادة الجماهير ، راحت تسايره وتغض الطرف عنه وتتفاعل معه بوصفه عملا ديمقراطيا!!

مع أننا لم نسمع طوال التاريخ قط أن رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس أمريكا أو حتى رئيس زيمبابوى أو الصومال طالب شعبه بالنزول لتفويضه لذبح معارضيه ، أو لمد فترته الرئاسية بينما الشعب لا يزال يكتوى بنار العام الثاني من حكمه.

صحيح أن هناك عيوبا في الديمقراطية ، منها مثلا أن وعى الجماهير يمكن تزييفه – وفي اعتقادى أن ذلك ما حدث لتبرير الانقلاب- وأنها قد تنتج ثمارا ليست على الهوى العام ، ولكن ليس الحل أن ننسب إلى الديمقراطية ما ليس نبتا لها ، أونكفر بها ونؤمن بالاستبداد؟ وذلك لأن الديمقراطية كيانا متكاملا نطبقه كله ونصبح ديمقراطيين، أو نهدره كله ونصبح طغاة ، لا مكان هنا للون رمادي!!

..............................................................................

سيد أمين يكتب: رسائل ثورة السيسي الدينية

آخر تحديث : الأربعاء 13 يوليه 2016   11:42 مكة المكرمة

اندهشنا كما اندهش غيرنا مما نشرته الصحف ووسائل الإعلام المصرية بشكل مكثف، عن أن محال الخمور في القاهرة والمحافظات شهدت زحاما وتراصت أمامها طوابير الزبائن الذين رغبوا في الشراء استعدادا لعيد الفطر المبارك!!!

وراح الكثيرون يضربون كفا بكف تندرا من تلك الوقائع، خاصة أن الخمور محرمة شرعا في الإسلام، والاحتفال بها لا يتفق أبدا مع مناسك اناس صاموا نهار شهر كامل عن الماء و الطعام في درجة حرارة مرتفعة، إرضاء لرب العباد الذى أوصاهم بالصوم ونهاهم أيضا عن احتساء الخمور. 

كثيرون اعتبروا أن نشر مثل تلك الأخبار أساء لنظام السيسي، وأنها خرجت دون رغبة منه، ولكن على ما يبدو أن السيسي لم يعد مشغولا كثيرا بالرأى العام في الداخل المصري، فقد جرب استثارته مرات عدة، فوجد أن حراكه مؤقتا، ويمكن إجهاضه بسهولة، وصار مقتنعا تماما أن "تكنيك" الترويع الأمنى والخداع الإعلامى ألجما كل الأصوات غصبا ورضاءً.


رسائل للغرب

وعلى ما اعتقد أن الهدف من نشر مثل تلك الأخبار كان لكونها رسالة من عدة رسائل أطلقها نظام السيسي يخاطب بها العالم الغربي ، مؤكدا فيها أن "ثورته الدينية" أتت ثمارها ، وأن ثمة انحراف في عقيدة المسلمين في مصر ، وأنه يجب مساندته لاتمام تلك المهمة.

وما ينطبق على "الخمور" ينطبق أيضا على "المفطرين في نهار رمضان " ، حيث  ركز الإعلام المصري الرسمى طوال الشهر على هؤلاء المفطرين و"أخبار القبض" عليهم.

وكأن نظام السيسي بذلك يؤكد على رسالته تلك التى أرسلها للخارج من ناحية، ومن ناحية ثانية يقوم بإيهام مؤيديه الذين صاروا ينفضون عنه بشكل لافت لأسباب عدة، واحد منها الشك في نواياه "الدينية" بأنه نظام حريص على الإسلام وخدمته.

أما الرسالة الثالثة فهى ترويع "المفطرين" من المسلمين ، و"الملحدين" ،والمسيحيين ، من أن مطاردتهم من قبل نظام السيسي "العلمانى" الرحيم بهم ، لا تتساوى أبدا ما قد يلاقونه من اضطهاد لو تمكن الإسلاميون من الحكم وقاموا بذات المطاردات.


تدمير الأزهر

من ضمن رسائل ثورة السيسي الدينية أيضا ، هو سعيه الواضح لتدمير الأزهر ، وجعل الأزهري مثارا للسخرية في كل محفل ، وتعليمه خاليا من أى قيمة فكرية واجتماعية ، والحقيقة أن السخرية من الازهر ورجاله ليست بالشئ الجديد في الإعلام المصري وهى ممتدة من نظام مبارك ، لكن الشئ الجديد هو أن نظام السيسي يستعد لإصدار قرار وشيك بإلغاء الكليات العلمية منه وتفريغ الطالب الأزهري لعلوم "الشرع"، ومن يرغب الكليات العلمية فعليه الالتحاق بالتعليم العام.

للمرة الأولى، قد يبدو الأمر فيه وجاهة ما، لكن لو أضفنا إلى ذلك تكنهات صارت تتحول إلى معلومات ثم إلى دراسات ومطالبات أعلنها مسئولون تعليميون مصريون، بأن الحكومة تتجه لإلغاء نظام "التنسيق" المعمول به لدخول الكليات في التعليم العام، وتستبدله بنظام الاختبارات الخاصة كتلك التى تجري للالتحاق بكليات الشرطة والحربية والتعيين في السلك القضائى والدبلوماسي، وقتها نكتشف أن الحكومة تلغي المنفذ الوحيد الذى لم تطاله بقوة يد الفساد والمحسوبية وتحريات الأمن في مصر.

قد يتضح الأمر لو عرفنا أن الرئيس جمال عبد الناصر أدخل التعليم العلمى في الأزهر بهدف احداث تقارب وتذويب سريع للفارق بين أعداد المسيحيين الهائلة التى كانت تحتكر المهن العلمية الدقيقة كالطب والصيدلة والهندسة والعلوم من خلال إلتحاقهم بالتعليم العام ، مع أخوة الوطن من المسلمين الذين كانوا "يتبركون" بإلحاق أبنائهم بالتعليم الأزهري الشرعى.

نجح عبد الناصر في اعادة التوازن القومى بهذا القرار، إلا أن متطلبات ثورة السيسي الدينية كانت تقتضى كسر هذا التقارب وإعادته إلى سابق عهده ، خاصة أن أبناء الأزهر هم خصوم تلك الثورة الطبيعيين.


أبو 50%

من الواضح أن سخرية وهتافات "الثوار" حول سلطات "أبو"50% - ويقصد بهم رجال الشرطة والجيش - وهم الذين كان الفيصل في التحاقهم بكلياتهم هو الواسطة والمحسوبية والرشوة، ليس مجموع الدرجات في الثانوية العامة حتى لو تدنت إلى الحد الفارق بين الرسوب والنجاح ، ، من الواضح أن ذلك ترك أثرا نفسيا في السلطة العسكرية وراحت تنتقم من نظام التنسيق لتخضعه لإرادتها كاملا ، فتسمح لمن ترضى عنه أن يكون طبيبا أو مهندسا وتمنع من ترفضه ، وفي الغالب سيكونون من  الطلاب الإسلاميين.

والأمر ليس مستغربا بتاتا ، فنظام الدراسات العليا في مصر جري تخريبه وخضع هو الأخر لتحريات الأمن، فضلا عن أنه كان خاضعا من فترة أسبق لمفاهيم الشلة والمحسوبية والرشوة ن بل إن الأمن كان يمنع بعض الطلاب الإسلاميين من حضور بعض الامتحانات لكى يرسبوا في مواد ما يمنعهم من استكمال الدراسات العليا.


"الارهاب الإسلامى"

طيلة الوقت يتمسك عبد الفتاح السيسي بالحديث عن الإرهاب الاسلامى ، لدرجة أنه ما وجد مناسبة قط إلا وراح يحذر من خطر الإسلاميين داعيا لمحاربتهم عبر تحالف دولى واسع، وهو في الحقيقة بذلك يخاطب الغرب بما يحبوا أن يسمعوه ، ويعرض نفسه عليهم بأن يقوم بذات دور مبارك كشرطي حراسة من شر هؤلاء الإرهابيين، ما يجعلهم يتمسكون به أكثر فأكثر ، وتصمد حكوماتهم في وجه انتقادات منظمات حقوق الإنسان المحلية.

ولعله حديثه المتكرر عن المسلمين الذين يريدون أن يقتلوا العالم ليعيشوا هم ، هو تبرئة لضمير الغرب من جرائمه بحق المسلمين في العالم ، وهى كثيرة للغاية تمتد من العراق وفلسطين والجزائر حتى أفغانستان وجامو وكشمير والصومال ومدغشقر ألخ ،وكأنه يطالبهم بالمزيد.

وتبدى موقف السيسي واضحاً حينما احتفل للعام الثانى على التوالى بذكري الحرب العالمية الأولى، وهى الحرب التى سيق إليها العرب وفي القلب منهم المصريون كرها تحت راية الصليب ليحاربوا دولة الخلافة الإسلامية ، وهى للحقيقة واقعة من وقائع الخزى الكبير في تاريخنا العربي، كنا نمر عليها بأسف شديد لكنه جاء ليحييها بوصفها واقعة مجد وفخار!

..............................................................................

سيد أمين يكتب: من خصال الكائن "السيساوى"

آخر تحديث : الأربعاء 22 يونيو 2016   22:49 مكة المكرمة

بدون شماتة أو استهزاء، لو أردنا أن نعدد خصال "الكائن السيساوي" لانبهرنا وربما انبهر العالم معنا ، بقدرته الكبيرة على ابتكار تفسيرات غير معتادة للمواقف ، وتسميات غير تقليدية للأشياء، فضلا عن أن اجماع رهط من الناس "السيساوية" على ذلك النهج ، يجعلنا في حيرة من أمرنا ، هل العيب فينا، أم في المنطق، أم في كلينا معا؟

والحقيقة أن "الكائن السيساوي" يمتاز بمواصفات خاصة في شخصيته، لو أردنا أن نحصيها في كلمات معدودات لقلنا أنها هى ذاتها صفات المواطن "الفاسد" أو "المخطوف ذهنيا" وهى الصفة التى سبق أن اطلقوها من باب "الردح" على معارضيهم ، أو "المغيب" سواء ذلك المغيب قسريا عن ادراك مشاهدة الحقيقة ، أو المغيب طوعيا لعيب في شخصيته، أو ذلك "الغيبوي" الذى يرفض المنطق والقدرة ولا يؤمن إلا بالاتكالية، والمعجزات "السرية" التى يصنعها من يتفضل بالجلوس على كرسي الحكم في مصر.

ويعانى الكائن السيساوى في جملة ما يعانيه ، فسادا مزمنا في التقدير وخللا في ترتيب أولويات القيم ، فهو لا يستوعب من القيم إلا أشباه قيمة الاستقرار ، ولأنه نجح في أن يستوعبها نجده يدافع عنها بشراسة ويعلى من قيمتها بشكل مبالغ فيه حتى إلتهمت كل القيم الاخري بما فيها أهم تلك القيم ، قيمة الحياة ذاتها.

هو يقف دائما مع الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا بسجن الرافضين أو نفيهم أو قتلهم، ويقف على حافة الطرف الأخر المستوعب لقيم العدل والحرية والاستقلال والاحسان.


الكائن المغيب

وكما أن توعية الناس تكلف الكثير من الأموال والجهد والوقت ، فإن تجهيلهم وتسطيحهم كلفته أكثر من ذلك ، وبذات المعنى فإن صناعة الإنسان المثقف - ولا أقول المتعلم - تكلف أقل بكثير من صناعة الإنسان الجاهل- ولا أقول الأمى- ومع ذلك يزداد الطلب على صناعة الغيبوبة رغم كلفتها.

وأعتقد أنه كما يكون تعليم الناس وتثقيفهم في الأمم الغربية ضرورة من ضرورات الأمن القومى، يصبح تجهيلهم وتسطيح وعيهم ضرورة من ضرورات الأمن القومى للنظم الفاشية العربية وأولها بالقطع مصر.

بل أن ما ينفق سنويا على ميزانيات التعليم في مصر- على ما به من حشو وتغريب وضرب في صميم التراث الثقافي الوطنى - يصل بالكاد الى عشرة مليارات جنيه - نحو مليار دولار- في حين أن ميزانية الإعلام الحكومى تزيد عن العشرين مليار جنيه ، وتلتهم ميزانيات وزارات الأمن "الداخلية والدفاع" نصف اجمالى الميزانية تقريبا.

والكائن "المغيب" هو كائن لا يعرف من العلم حتى القشور، ومن الوطنية إلا "أمين الشرطة" و"العَلَم" وما تنشره "صحف الصباح" ونشرات "التلفزيون الرسمى"، ومن الممكن أن ترتكب عبر حشده وباسمه أبشع الجرائم كما حدث في "التفويض".


الكائن الفاسد

الأن لم يعد مثيرا للاستنكار لدى كثير من المصريين بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نظام 3 يوليو القول بأن كثيرين ممن يؤيدون الانقلاب في مصر استفادوا بشكل أو بأخر من الفساد وثقافته وممارساته ،وترسخت قناعة بذلك لدى حتى بسطاء الناس ، بأن مؤيديه إما فاسدون سابقون يخشون ضياع مكاسبهم القديمة ، أو فاسدون حاليون- في الغالب من قليلى الوعى والخبرة - أعجبهم أن يوصموا بأنهم لهم ثقل سياسي تم استدعائه على عجل من حالة الضألة والتيه التى كانت تتلقفهم ، فراحوا يسعون إلى التكسب، من ثم التبرير لهذا النظام مهما كانت خطاياه.

وهناك فاسدون مستقبليون تم "تعشيمهم" إما بشكل شخصي من خلال العطايا والوظائف أو بشكل عام من خلال دعايات المستقبل الزاهر والحياة الرغدة التى أغرق نظام السيسي فيها هذا البلد منذ أن جاء دون أى دليل موضوعى ملموس على ذلك.

والمشكلة أن ثقافة الفساد عند هؤلاء الناس ، ليست كما هى في المجتمعات السليمة ، ثقافة منبوذة قانونا، ومرفوضة اجتماعيا ، تجلب لصاحبها العار بين أقرانه ، بل هى في مجتمعنا المريض نوع من أنواع "الفهلوة" أو الذكاء الاجتماعى ، والصلاح والفلاح في الحياة ، فهى تختصر أصعب الطرق وتوفر الكثير من الوقت.

وهذا النوع من الناس يدافع عن الفساد كما يدافع عن ذاته نفسها ، ويبرع في اختلاق الذرائع لمسايرته والاستفادة منه، ويحاول جاهدا اقناع نفسه بتلك الذرائع المختلقة التى نجح في أقناع الناس بها ، دون جدوى.

المهم ان هذا النوع مشغول بالفساد المالى والأخلاقي فقط ، لكنه لا يحبذ اقتران فساده بالدم ولا يشجع على ذلك، ومع ذلك لا يتخذ موقفا قويا حيال رفضه له.

لكن أخطر أنواع هؤلاء الفسدة هؤلاء الذين يبررون قمع حرية الآخر وإقصائه والتنكيل به بل وذبحه وإبادته ، ويعتبرون ذلك عملا من أعمال الوطنية والدفاع عن الدولة التى يحصرونها هى الأخري في ذواتهم وعائلاتهم ، ويؤمنون تماما بأن كل شئ مباح طالما يدافع عن تميزهم ومكاسبهم الخاصة ، ويهربون من ضمائرهم بتبرير الرواية الرسمية لكل عمليات القتل والإبادة التى تنفذ سلطتهم ضد الطرف الأخر حتى يصدقونها من كثرة تكرارهم لها.


الكائن التافه

كثير من الناس ممن حرموا من التوعية السليمة ، يبنون مواقفهم طبقا لمبدأ المكايدة أو من أجل اثبات امتلاكهم لرأى مستقل أو وعى هم في الحقيقة يفتقدونه ، فما أن يدخلوا في نقاش حتى يبنون مواقفهم ليس على أساس القضية التى يدور بشأنها النقاش ولكن على أساس رأيهم في شخصية صاحب الرأى الأخر ، والأغرب أن رأيهم ذلك بنى أيضا على أسباب غير موضوعية ، قد يكون لأنه يتحدث بحدة ما مثلا ، أو بلغة راقية اعتبروه يستعلى بها عليهم ، أو أن مطالبته لهم بالاطلاع على مصادر معرفة مستقلة اعتبروها أيضا اتهام لهم بالجهل ، أو لعداء أسري بين العائلتين ، أو حتى خلاف على ميراث أو زواج أو طلاق ، أو بناء على صورة ذهنية قديمة.

ومن نماذج التفاهة أيضا أن يسعى أحدهم لمحاولة بناء رأى يحدد به شخصيته ، فلما يعجز عن تكوينه نظرا لقلة خبرته فيقوم بتبنى منطقيات جاهزة يروج لها اعلام السيسي ويصم كل من يتبناها بأنه مواطن "واع"، ويدافع عنها باستماتة بالغة لأنه في الوقع يدافع عن شخصيته.

.............................................................................

سيد أمين يكتب: دراما برائحة المؤامرة

آخر تحديث : الجمعة 10 يونيو 2016   16:38 مكة المكرمة

كثيرا ما يحار المرء: أي أعمال درامية يشاهد من تلك الدراما التى تبثها الأف المحطات الفضائية من كل حدب وصوب، والتى تختلف في القصة والأشخاص والوقائع ولكنها تتفق غالبا في الانحياز إلى الإسفاف   والابتذال أو التوجيه السياسي ،لدرجة أنك قد لاتجد عملا فنيا إبداعيا حرا واحدا يستحق أن تشاهده بين كل هذا الخضم من الدراما.

وكثيرا ما يجد الواحد منا نفسه مخيرا بين أحد خيارين مرين: إما مشاهدة أعمال درامية تبدو وكأنها جادة، وهى في واقع الأمر مسمومة. أو أعمال أخري هزلية ولا ينكر مقدموها هزليتها, فنختار الصنف الثانى, لنكون كمن اختار أن يتم استغفاله ولكن بإرادته الحرة وابتلع رذالة الإعلانات وسخافتها التى تقطع العمل إربا إربا حتى يتمكن من تناول وجبة دسمة من الإسفاف.

ومع ذلك فهو غير آسف لهذا، فقد اشتري الرذالة عن الرذيلة والانحطاط.


الدراما والأمن

كان الهدف الأساسي من تقديم "الدراما" هو التوجيه والإرشاد والعظة المجتمعية ونقل تجارب الأخرين, لكن سرعان ما طغت عليها أعمال السياسة وتحولت بقدرة قادر إلى أدوات تعبث في الذهن وتحركها ليست إبداعات الفنان ولا مهارة المخرج ولا خيال المؤلف ولكن موهبة الحاكم وأجهزة أمنه.

 ومسعى السلطة في توظيف الفن لخدمة السياسة كان موجودا طوال تاريخ الدراما بدءا من ديوان القص العباسي حتى "ناصر 56 " و"أيام السادات" و"حسن البنا" و"الإرهابي" وذلك كجزء يسير من سلسة طويلة من الأعمال الفنية التى تسير في إطار التخديم على وجهة نظر السلطة.

وفي المقابل نجح المعترضون في المضمار ذاته ولكن بصورة أقل تفتقد القدرة على التركيز فضلا عن الانتشار وأنتجوا "الكرنك" و"البرئ" و"احنا بتوع الاتوبيس" و"لا" و"هى فوضى" و"حين ميسرة" و"الديكتاتور" و"الفرافير" و"ويوميات نائب في الارياف" وغيرها من أعمال أفلتت من قبضة الرقيب.


تفريغ الكبت

تدخلات السلطة في الدراما حولتها إلى مجرد أبواق تخدم على أهدافها وتصون بقائها- على افتراض الفصل بين السلطة المؤقتة والدولة الدائمة -  لكنه ما صان ذلك للدولة أمنا ولا قدم للمجتمع فنا, حيث شغلت تلك التدخلات المرء طوال الوقت بأعضائه التناسلية أو معدته واعتبار أن إشباع حاجتها هو قمة الإشباع والتشبع.

فإذا فشل الفتى في إيجاد عمل فبدلا من أن يطالب الدولة بتوفيره له فإن الدراما أرشدته إلى أن يحتسي الخمر ويرتاد الكباريهات لينسي فشله, أو أن يتحول إلى نصاب ويرتاد طريق اللصوص, أو يتاجر بالمخدرات ويتعاطاها للغنى السريع أو أن يمارس الاحتيال ليكون رجل أعمال ناجح.

وراحت تعطى مبررات للتمرد على قيود الأسرة والمجتمع فبررت الدراما الخيانة الزوجية بإعتبارها قصص حب وبررت انحراف الفتاة بتعرضها لقصة حب فاشلة وبررت للعاهرة بوصفها ضحية للمجتمع.

وحينما حاربت السلطة في مصر التيارات الدينية راحت الدراما تحارب التدين أيضا فصار الأزهري إما سفيها أو سطحيا أو مخادعا أو إرهابيا أو مثارا للسخرية، ومنعت ممثلاتها من ارتداء الحجاب في دولة اكثر من 90 % من نسائها ترتدين الحجاب وإذا ظهرت محجبة فى عمل ما، فهى إما شمطاء تداري قباحتها أو معقدة نفسيا أو متزمتة رغم أن الحجاب هنا يعبر عن سلوك ثقافي للمجتمع أكثر من كونه رمزا دينيا.


مقارنة فنية

لا شك في أننا حينما نتحدث عن الدراما العربية فإننا نتحدث تحديدا عن الدراما السورية والمصرية بصفتيهما النموذجين البارزين فيها. 

ومن أخطر الصور النمطية التى روجت لها كثير من أعمال الدراما المصرية هى تصوير الغش والخداع والكذب والخيانات الزوجية كأنها لازمة عادية جدا من لوازم العمل الاجتماعي والتجاري الناجح وقرنتها دائما بشخصيات درامية تقدمها كنموذج للنجاح يجب الاقتداء بها.

يأتى ذلك على عكس القيم النبيلة التى حملتها الأعمال الفنية السورية، لاسيما القديم منها، قبل ان تصاب بمرض "العصرنة" و"المصرنة".

 وخذ مثلا عملين فنيين يكشفان بوضوح الدعوة لتبنى قيم الهدم في الدراما المصرية وتبنى قيم البناء في الدرما السورية, فالمسلسل المصري "لن أعيش في جلباب أبي" قدم نموذجا لشخصية رجل أعمال نجح نجاحا مبهرا يتمناه لنفسه أي طامح إلا أنه قرن نجاحه بوسائل هدامة منها الرشوة والخداع والانتهازية والاعتماد على الحيلة و الصدفة فضلا عن البذخ والإسراف بل إنه صور ابنه الذى يرتاد المساجد بأنه النقطة السوداء في حياة هذا الرجل.

ولعل انتشار الدراما المصرية على رقعة كبيرة من مساحة الوطن العربي هو ما جعلها عرضة لسهام التضليل والانحراف حتى تتمكن من تخريب ثقافة المجتمع العربي.

وفي المقابل فإن المسلسل السوري "على باب الحارة" قدم نموذجا جيدا يمكن الاقتداء به, حيث مجد النضال ضد المحتل الفرنسي والصهيونى وأثنى على قيم الترابط الاجتماعي واحترام كبير الأسرة وكبير الحارة ومساعدة الفقير وتجريم الكذب والخداع والغش والتدليس واحترام المرأة ونصرة المظلوم وغيرها من قيم البناء، إلا أن يد التآمر طالت للأسف هذا العمل الفني الكبير في الأجزاء الثلاثة الأخيرة وراحت تدس فيه قيم الإنهزامية والتطبيع والتبعية .

الغريب أن كلا النموذجين ـ السوري والمصري ـ استطاعا أن يجذبا المشاهد ويجعلاه يعيش بطلا بين أبطالهما, وهنا مكمن الخطورة، لأنه إن كان العمل هداما فسينتج أبطالا حقيقيين ولكن هدامين.


دراما الاطفال

من أخطر السموم التى يمكن أن تقدمها الدراما هى تلك التى تستهدف الأطفال، فهى بحق تعيد تشكيل المجتمع تشكيلا جذريا, وخطورة تلك الدراما أن الطفل الذى يتلقي تعليما ما فى تلك المرحلة سيصبح هذا التعليم من ركائزه الفكرية والاعتقادية مستقبلا.

ولقد وصل العصف القيمى أشده لدى بعض مسؤولى تلك الفضائيات في وطننا العربي لدرجة أن كثيرا منها يقدم أعمالا تحض الطفل على الكذب والخداع بل ويزج به في مهاترات العنف والجنس، فضلا عن أن بعض الفضائيات لا يستصعب عرض أفلام عن عبدة الشيطان.

ولكننا ونحن نتحدث في هذا المجال ينبغي الاشادة بعدة فضائيات صارت في عكس اتجاه الاعلام الهدام وراحت تقدم دراما مسؤولة وأعمالا تربوية هادفة أهمها "طيور الجنة" و"براعم" و" جيم" ,

..........................................................................

سيد أمين يكتب: وقعنا في فخاخ الثورة المضادة!

آخر تحديث : الإثنين 23 مايو 2016   16:28 مكة المكرمة

كثيرا ما يقع رافضو الحكم العسكري- رغم يقظتهم - في فخاخ الدعاية الخاصة بالثورة المضادة ويستخدمون نفس دعايتها ، وللأسف يساهمون بذلك - دون قصد -  في ترسيخ مفاهيم مغايرة لما يدفعون الغالى والنفيس من أجل ترسيخه في وجدان الناس ، مع محدودية امكانياتهم وأدواتهم الإعلامية مقارنة بطوفان المدد والوسائل التى يمتلكها الخصم.

ومن ذلك مثلا أنهم تماهوا بشكل سريع مع غسيل السمعة الذى نفذته الثورة المضادة ، حينما غيرت اسم "جهاز أمن الدولة" إلى "جهاز الأمن الوطنى" فصاروا يرددونه دون أخذهم في الحسبان أنهم يغسلون بذلك الثياب الرثة المحفوظة في العقل الباطن الجمعى للناس حول جهاز نكد عليهم ماضيهم ، وهو الأن يدير الثورة المضادة ضدهم ، لينكد عليهم حاضرهم ومستقبلهم ، فيسبغون عليه صفة الوطنية ، وهى الصفة التى أضيفت عليه حينما تحول من دعم مبارك والحزب الوطنى إلى دعم المجلس العسكري.

وكذلك ضيع الثوار فرصة عظيمة حينما تماهوا مع دعاية الثورة المضادة حول "ستاد 30 يونيو"- وهو الاسم الرسمى له - عندما ردته إلى أسمه القديم الأصلى "ستاد الدفاع الجوى" بعدما وقعت المذبحة الشهيرة ، خشية أن يحدث ربط في وجدان الناس بين المذبحة وتاريخ الانقلاب الذى يسوقونه إعلاميا لهم كثورة.

ومن الأخطاء أيضا - ونحن نحصي أخطاءنا حتى لا نكررها في الموجة الثورية القادمة الأتية بلا ريب - هو انسياق الثوار وراء إعلام خيل إليهم أنه إعلامهم وهو في الحقيقة اعلام الثورة المضادة ، وقفت أدواته على أرض الثورة من أجل شحن جمهور البسطاء الواقفين على أرضيتها - وهم كثر - بشكل أمن ومضمون وسلس إلى ميدان الثورة المضادة ، ولذلك كان ينبغي أن تستقل الثورة بإعلامها ، مستفيدة من الزخم الكبير الذى كان حولها ، وهو الجمهور الذى تنازعه الطير حينما كشرت الثورة المضادة عن أنيابها،  ولكن بعد ذلك عاد منهم من عاد واستقر هناك في الأرض الجديدة من استقر، ونحن على يقين أنه سيعود للثورة في مرحلة ما من مراحل وضوح الرؤية.

كما أن من الأخطاء أيضا الاحتفاء المخل بالنخب العائدة من معسكر الثورة المضادة، بطريقة تهدر نضالات وتضحيات الأقدمين، لما يتضمنه ذلك من إمكانية إعادة تقديم تلك الوجوه كنخب للثورة مرة أخري، وبذات الأهمية أيضا لا ينبغي إهانة العائدين أو الاستعلاء عليهم ، بل يجب دمجهم سريعا في الحراك الثوري.


تركيز الخصوم

ومن المشكلات أيضا ، أن الثورة المضادة وضعت جميع معارضيها في وعاء واحد بنعتهم أنهم "إخوان"، ولأنها تملك ثالوث السلطة ، الاعلام الذى يوجه الرأى العام ولو جزئيا ومرحليا ، ومنظومة العدالة التى تسبغ روح القانون على جرائمها ، والقوة التى تنفذ ، حقق لها هذا الجمع نجاحا ، لتخلص مضمون من جميع معارضيها، باختلاف توجهاتهم ، أما أنصار الثورة فقلدوا الثورة المضادة واتبعوا سياسة تركيز الخصوم وجمعوا كل أعدائهم في قدر واحد مماثل مع أنهم لا يملكون أى أداة من أدوات السلطة ، ومن مصلحتهم تفريق الخصوم لا تجميعهم ، خاصة أن هناك من بين الخصوم من هو يختلف معك فقط في الرأى وليس شريكا في المصلحة مع الثورة المضادة ، ويمكن أن يتم جذبه لصالح الثورة في أى مرحلة من المراحل.

 وكما تم وضع كل الخصوم السياسيين الذين لا يجدون حرجا في الحكم العسكري في سلة واحدة ، تم أيضا وضع رجال الشرطة والجيش في سلة واحدة رغم أن منهم من يرفضون هذا الحكم بلا شك ، ولذلك فكلما تتراخى قبضة بعض رجال الأمن القمعية ويبدأون في مراجعة أنفسهم ، يعودون لتلك القبضة كلما سمعوا خطابا يسوى بين الصالح والطالح منهم ، ما يجعل هذه الخطابات الجمعية ترسل رسائل  طمأنة للقيادات بأن قواعدهم الأمنية لا سبيل لها إلا الإلتفاف حولهم لتحتمى بهم وتحميهم.

ومن أخطاء الثوار لاسيما الإسلاميين منهم ، أنهم استعدوا - من عداء- فئات من المجتمع دون أن تكون هناك أى فائدة  من وراء ذلك ، حتى إن كانوا محقين بدرجة ما في بعض الحالات ، ويتمثل ذلك خاصة في هجومهم على عبد الناصر ، وهو رجل يتمتع بشعبية كبيرة نظرا لبرامج الاصلاحات الاجتماعية التى نفذها ، وكذلك الهجوم على الفنانين رغم أنهم لم يكونوا قادرين فعليا على تجريم الفن حتى لو كان مبتذلا، ولا هم أصلا ينتوون ذلك، فقط هم استثاروا عداء قطاع من الناس يحظى بتعاطف الغرب الليبرالى.

كما كانوا أيضا يخلطون بين الفكر الدعوى الشرعي وما فيه من صدق وحلال وحرام ، وبين السياسة التى تعتمد أساسا على الخداع والتخبئة والكذب ، وتعاملوا مع الثانية بمنطق الأولى.

أما الصدق فهو وإن كان محمودا في الخصال العامة للناس إلا أنه ليس عملا حصيفا في السياسة ، خاصة مع خصوم كثر يمكرون كما يتنفسون كخصوم الثورة المصرية في الداخل والخارج، شرقا وغربا ، وهم أصحاب القوة العسكرية والاقتصادية ، ونحن المسالمون العزل بينهم ، ولذلك ما كان ينبغي التعامل المثالى ، ووجب علينا استعارة التقية الشيعية ولو حتى لفترة عبور التحدى.


فقه الواقع

في الحقيقة ، هناك صراع كبير في مجتمعاتنا العربية عامة ، بين ماهو واقع وبين ما هو واجب ، وعادة ما يكون الواقع أسوأ بكثير مما يجب أن يكون ، ولذلك يجب على الثوار وفي القلب منهم "الإخوان المسلمون" ، أن يتعاملوا مع الواقع بشكل أكبر حيوية ومرونة ، خاصة أنهم قبل غيرهم يدركون جيدا أن كل قوى الامبريالية في العالم تناصبهم العداء ، وأن السيسي ما هو إلا بيدق متوسط الحجم أن لم يكن صغيرا يلبي مصالح طابور طويل من الأساطين في رقعة الشطرنج ، أهم هؤلاء بالقطع الكيان الصهيونى الذى عبر قادته بشكل واضح وفي أكثر من محفل ، بأنهم لا يجدون أفضل منه معبرا عن الرئيس النموذج الذى يحلمون به في القاهرة ،  وأنهم لن يسمحوا أبدا برئيس اسلامى أو معاد لكامب ديفيد يحكمها.

ولذلك كان يجب علي الثوار أن يطرحوا خطة يمكن أن تقدم حلولا ولو مؤقتة للقضية الفلسطينية ، تخدم النضال العربي الفلسطينى من جانب ويقبل بها الكيان الصهيونى من جانب أخر ، وأن يقدموا تلك الاطروحات ولو مرحليا لحين الامساك بزمام المبادرة أو المبادئة.

ومن الأخطاء أيضا ، أن نعتبر أن كل أتباع السيسي هم أنفسهم كل أتباع مبارك ، وهذا في رأيي خطأ كبير ، لأن المتأمل سيري أن "كل" أتباع السيسي هم "جزء" من أتباع مبارك ، وأن الفرق بين المجموعتين هو أن الفسدة المتحكمون من أتباع السيسي هم الجزء الذى اقترن فساده بالاجرام والتعالى وعدم الاحترافية أو الحنكة ، أما فسدة مبارك فقد اقترن فسادهم بالسرقات المالية فحسب مع مزيد من الحبكة والحيطة.

والقصد هنا ، أن نشير إلى أن كثيرين من أتباع مبارك غاضبون من الطريقة التى يدير بها السيسي البلاد ، ويرونها طريقة دموية وعقيمة وتفتقر للحكمة ، وأنها ستكون وبالا علي مصر وعليهم في نهاية المطاف ، ولكنهم يخشون دعم الثورة صراحة خوفا من أن تلفظهم فيكونون كمن لا طال بلح الشام أو عنب اليمن.

وأمثال هؤلاء ينبغي علينا أن نطمئنهم أنهم لن يضاروا - ما لم يتورطوا في دم - أن ينضموا لطابور الثورة التى ستفتح صفحة جديدة لجميع أبناء الوطن ، ولا يجب علينا ان نضمهم لصف الثورة المضادة قسريا ، ونحن في أمس الحاجة لانهاء حالة الانقسام.

وعموما تحتاج الثورة لرسم خارطة تحدد موقفها من كافة القضايا المحيطة في الداخل والخارج حتى لا ندع مجالا للمخاوف والتكهنات التى قد تصنع من الصديق عدوا ومن العدو صديقا.

.........................................................................

سيد أمين  يكتب: ريجيني لأمه: بلاد ليست كبلادي

السبت، 23 أبريل، 2016

أمي الغالية: تحياتى القلبية وأشواقي

أرسل إليك رسالتي هذه من أبعد مكان في الكون، حيث لا وسائل اتصال، وهو المكان الذي يذهب كل واحد إليه بسر يخفيه، ولا يستطيع أبداً أن يعود ليبوح به، ليجلي به الحقائق، ويطلق صرخة الحرية للعابرين عبر التاريخ، لكنني الآن جربت ونجحت، وها هي رسالتي بين أيديكم.

أعتذر لك، والدتي العزيزة، أنني رحلت من دون أن أودعك، وكم كنت أود أن أعود لأودعك، وأن ألقي نفسي بين حنان أحضانك، لكنهم أبدا لم يمهلوني، فرحلت مجبرا إلى هذا المكان البعيد جداً، ومعي آلاف غيري، ممن لم يودعوا أمهاتهم وآبائهم وأحبابهم.

أنا الآن في مكان لا يكذب فيه أحد، ولا يتحدثون فيه إلا الصدق، ولا أخفيك سراً أنني أعيش سعيدا بالمكان الذي وصلت إليه، وأرسل رسالتي تلك، عسى أن توقظ أصحاب التوافقات والمصالح في عالمكم الفاني، بأن الانتصار للإنسانية أفضل، وخير وأبقى من الانتصار للأحزاب والمصالح التي يطلقون عليها "قومية"، وهي في الواقع انتصارات لمصالح ضيقة.

سامحيني، لأنني لم أستمع إليك، وإلى كثيرين من أصدقائي الذين حذروني من الذهاب إلى مصر، فقد أخبرونى بأن فيها ملكا جبارا، يقتل وهو يبتسم، يحرق وهو يضحك، يغتصب وهو يتحدث عن الإنسانية، ثم بعد ذلك يجهر بالشكوى من ضحاياه لكثرة صرخاتهم، وأنهم لا يموتون في هدوء وسكينة.

لم أستمع لهذا كله، اعتقدت أن هذا الملك الجبار قد يستمع لكتاباتي، فيكون مداد كل حرف كتبته مفتاح نجاة تنقذ روحا جديدة أوشكت أن تزهق، وأن نحمي طفلا جديدا من أن يقضي بقية حياته من دون أب أو عائلة. كنت على يقين من أنهم لن يؤذيني فأنا مواطن أوروبي، من بلاد يحج إليها الملك الجبارلأخذ التعليمات الجديدة، فيستقبلونه استقبال الفاتحين، ويعود محملا بالإعجابات والكاميرات والتعهدات بدوام الدعم والمؤازرة والحماية.

لكن رشاش الفاشية لا يفرق بين خصم وصديق، بين مواطن مصري يسقط ويوارى الثرى، من دون كلمة رثاء أو عزاء، ومواطن أوروبي اعتبرت حكوماته أن هذا النوع من الحكام هو النموذج الأمثل لحكم تلك البلاد.

هذه بلاد جئت إليها متصوّرا أنها كبلادي، بل آمنت بأنها مهد الحضارات وهبة النيل، حيث جئت إلى بلاد قال فيها الرب: "مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (سفر إشعياء 19: 25)، وكنت واثق أن بركته التي أصابت شعب مصر ستصيبني.

جئت إليها، وكلي أمل أن أساعد هذا الشعب العريق، وهذه البلاد المقدسة العجيبة في نقل صوتهم إلى العالم، ليعلم العالم الغربي المرفه أن هناك شعبا "باركه الرب" يعانى قيود السجان، والحاكم الفرد المنزه عن كل خطأ، ولم أنتبه إلى أنه قال مبارك "شعبي" مصر، ولم يقل مبارك "حاكم" مصر، الحاكم الذي اضطهد وقتل وسبى وذبح، "فيكون إذا رأك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك".

والدتي العزيزة: أبلغي روما أنه جراء تأييدها مثل هذا النظام، ثمة طوابير من الوافدين إلينا من عالمكم لا تنتهي، وكل يوم يأتي إلينا مزيد من الأبرياء الذين عانوا مثلما عانيت، بل أنهم حرموا حتى من أن يدافع عن ماضيهم أحد، وأبلغيهم أنهم قتلوني كي لا تصل مثل تلك الرسالة إليكم، وكيلا تعرفون أن الحمل الذي تؤيدونه ما هو إلا ذئب.

اعتقلوني حتى لا أنبه العمال إلى حقوقهم، اعتقدت أنها مجرد أسئلة قصيرة، وسأعود إلى مسكني، لأني أعلم أنهم يكنون كل الحب، وإن شئت الخوف من الغرباء، ولا يعاملونهم كما يعاملون أهل بلادهم. لكن، طال الوقت، فطلبت منهم إحضار سفير بلادي، فرفضوا، ووضعوا جبيرة على عيني، حتى لا أتعرف عليهم إن قدر لي النجاة، ورويدا رويدا بدأوا يتعاملون معي بقسوة وعنف كما يعاملون أهل بلادهم، كانوا يسألونني حول الجهة التى أعمل معها، وكانوا يظنون أني أعمل جاسوسا لتركيا. ألقوا بي موثوق الأيدى والأرجل في دورة مياة قذرة، دخل أشخاص منهم وأخذوا يركلونني بالأيدى والأرجل، وبعصا خشبية على أجزاء متفرقة من جسدي.

كنت، يا أماه، محروما من الطعام والماء، بل والنوم عدة أيام لا أعرف عددها، وكنت أود لو أعود إلى بلادي، وحينما أبلغتهم بذلك كانوا يسخرون بشدة ويقهقهون، ثم بعد فترة هدوء ظننت أنهم سيتركونني أرحل، لكنني بعدها فوجئت بهم ينقلونني إلى مكان جديد، ثم أعادوا تعذيبي مجددا بشكل أبشع وأكثر إيلاما، ولست أدري لماذا يفعلون بي ذلك، حيث تم إيهامي بالغرق، ومنذ ذلك الحين، لا أدري ما حدث لي، سوى أني جئت لهذا المكان البعيد.

أمى الغالية: قولي لحكام بلادي، هناك آلاف مثلي لم يسأل عنهم أحد، ولم تهتز روما أو يهتز الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة من أجل حياتهم، قولي لهم إن هؤلاء يحتاجون أن ننظر إليهم بنظرة إنسانية كالتي ننظرها إلى أنفسنا، قولي لهم إن لهم أصدقاء كأصدقائي، وآباء وأبناء وزوجات وأحباب، كانت لديهم أحلام وطموحات في بناء أوطانهم العادلة الحرة، لكن انتهازيتنا تآمرت عليهم.

قولي لهم أن ابنك دفع ثمن انتهازيتكم.

جوليو ريجينى

.........................................................

سيد أمين يكتب: سقطة اليوبيل الماسي للصحفيين

آخر تحديث : الأربعاء 06 أبريل 2016   12:39 مكة المكرمة

"سقطة" كبيرة لنقابة الصحفيين المصريين حينما "تفرد" مجلسها بدعوة رئيس السلطة التنفيذىة عبد الفتاح السيسي لرعاية اليوبيل الماسي لها بمناسبة مرور  75 عاماً على إنشائها ،في سابقة تاريخية لم تشهدها النقابة من قبل حتى في أعتى عصور "الزعيم العسكري" في الستينيات. 

وهى دعوة عجيبة وغير مفهومة وتأتى خارج السياق لأسباب كثيرة ،أهمها أن من دعته النقابة لرعاية اليوبيل الماسي لها "تفرد" عصره عن أقرانه من  الحكام العسكريين في مصر  بأكبر عدد من الصحفيين المقتولين، الذين قتل بعضهم بطريقة يمكن "تلبيسها" لغير عناصر الشرطة، ومنهم من قتل بشكل واضح برصاص الشرطة وبتغطية الكاميرات، وذلك دون أن تقدم السلطة قاتلاً واحداً حقيقياً للمحاكمة.

كما شهد عصره أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين والذين استكثروا عليهم صفة "الاعتقال" فَلُفْقَتْ لهم "القضايا الجنائية " ليصبحو مساجين "جنائيين" مع تجار الكيف وبغاة الدعارة.

وأيضا "تفرد" عهده بأكبر عدد من الصحفيين الفارين لخارج البلاد من جحيم التربص والمداهمات والمطاردات، وأكبر عدد من الصحفيين المفصولين، وأكبر عدد من الصحفيين الذين منعوا من الكتابة ، وأكبر عدد من الصحفيين الذين غُلقت في وجوههم أبواب العمل بأمر من "اللهو الخفي" المتحكم في كل ما ينشر أو يكتب داخل هذا البلد.

يأتى ذلك رغم أن النقابات هى مؤسسات غير خاضعة لسلطة الحكومة، وأن عمل الصحفيين يأتى على طرفي النقيض من السلطة التنفيذية التى يترأسها من دعته لرعاية احتفالها، وبالتالي فهذه الدعوة سياسية بحتة.

ورغم ذلك فأنا لست مقتنعاً بتاتاً بأن قريحة بعض أعضاء مجلس النقابة تفتقت عن هذا الاقتراح العبقري من تلقاء نفسها، واعذرونى إن كنت أشك، بل أجزم، أنه قد طلب منهم طرح تلك الدعوى،خاصة لأنهم يعلمون جميعا  حجم الاستهجان والمعارضة التى سيلاقيها هذا الطرح، ليس من مجموعة الصحفيين النشطاء نقابيا فحسب، ولكن أيضا من قطاع عريض من الصحفيين الذين يخشون الجهر بالاعتراض.


التحول إلى العنصرية

السقطة تلك سببها أن النقابة ومَن أوعزَ لها بالسقوط ،حاولت التواطؤ على دماء وآلام أعضائها ، وأن تقدم بشكل بائس شهادة زور ، تزين وجه الحقيقة القبيح للعالم عن واقع هو يراه ويلم بتفاصيله أكثر منها ، وحَزم وجَزم بأن "المحروسة" ثانى أكبر دولة في العالم تنتهك حقوق الصحفيين ، وأنها على شفا أن نكون "كوريا شمالية" أخرى في العالم.

وما يحز في نفوس كثير من الصحفيين المنتهكة حقوقهم ، أنهم رأوا نقابتهم التى كانوا يعتبرونها بيتا من بيوتهم ، تتنكر لهم وتتعامل معهم بسياسة الفصل العنصري التى انقرضت حتى في أوطانها، في لحظات هم يعانون فيها الويلات في السجون الانفرادية من المرض والجوع والنوم على الأرض فضلا عن شتات أسرهم وفقدانهم عائلهم ، فتقلص حلمهم إزاء كل هذا الغبن في مجرد زنزانة بها تهوية وبها "حصيرة" ينامون عليها، خاصة أنها هى ذاتها نقابتهم تلك التى كانت تنتفض في الأيام الخوالى ليلا ونهارا وفي الأبكار والأسحار  لو "عثرت" قدم صحفي "مختوم" أمنيا في الطريق، وعلى أساس أن مرسي لم يُعَبْدها له.


دليل التواطؤ

وكشف مجلس نقابة الصحفيين عن عظيم تواطئه وانحيازاته السياسية، حينما قام بإعداد فيلم وثائقي عن النقابة ،دارت به شاشات العرض في كل الأدوار إحياء لليوبيل الماسي ، قاموا من خلاله بممارسة الدعاية السياسية الخرقاء لنظم الحكم العسكرية ، وبدلا من أن يتم استعراض أوضاع النقابة في كل العهود ، راحوا ينهون الفيلم فقط حتى العام اليتيم للدكتور "محمد مرسي" الذى استعرضوه بشكل تحريضى فيه قدر من السخرية والإساءة للرجل ، ناهيك عن وصف عام حكمه بحكم "الإخوان"، ومع ظهور صورة "مرسي" ظهرت الدماء على الأرض تسيل بغزارة ، وعناوين "المقاومة" في الصحف لهذا النظام "الفاشي" وصور الشهيد الحسينى أبو ضيف تم استدعاؤها بكثافة مع التلميح بأن "الإخوان"هم من قتلوه ، ولا نعرف كيف أثبتوا ما لم تثبته حتى تحقيقات النيابة أو القضاء.

وبدلا من أن يكملوا العرض إلى عام 2016 تجنبوا الخوض في ينابيع الدم التى تفجرت في ربوع مصر بعد ذلك.

الغريب أنه رغم وجود 15 صحفيا استشهدوا منذ يوليو 2013 ، إلا أن "الزهايمر" أصاب ذاكرة معدى الفيلم ولم يتذكروا منهم إلا ثلاثة فقط ،لقطة عابرة عن الشهيد محمد محمود في أحداث ثورة يناير، والحسينى أبو ضيف صاحب نصيب الأسد من التغطية كما هو الحال على الجدران الخارجية والداخلية للنقابة، وميادة أشرف التى استشهدت في عهد السيسي لكن التقرير راح يزج بها وكأنها استشهدت في عام حكم مرسى، أو كأنها كانت ضحية له .


العمل بالسياسة

ورغم دعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي ، ورغم  أن الفيلم تباهى بخروج 11 مسيرة من النقابة مناوئة لحكم"الإخوان"، إلا أن النقابة راحت تتهم الصحفيين الرافضين لدعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي بأنهم من ذوى المواقف السياسية ، وهو قول هزل في موضع الجد ، لأن من دعا رئيس السلطة التنفيذية ورئيس البلاد هو مَن يمارس السياسة ، ومن أنتج فيلما بمثل كل هذا القبح هو من يمارس السياسة على حساب دماء زملائه.

والأهم  القول إنه من حق الصحفي أن يعبر عن رأيه السياسي، فهو محلل وكاتب وناقد ومواطن، وليس حمارا يحمل أاسفارا، لكن ما لا يحق أبدا هو أن تعبر نقابة الصحفيين عن السياسة، فهى كيان اعتباري يضم كل الناس من شتى التيارات، ومواقفها السياسية يجب أن تكون بالإجماع وليس حتى بالأغلبية.


مجدى حسين

فى الحقيقة يظهر غبن مجلس نقابة الصحفيين جليا في تعاملها مع الكاتب الصحفي مجدى أحمد حسين أحد أعضاء مجلسها السابقين ، فالرجل صدرت ضده أحكام مغلظة بالحبس ثماني سنوات في قضايا نشر وتعبير ، ولكن لم تكلف النقابة نفسها حتى بإصدار بيان لدعمه كذلك الذى أصدرته لـ"اسلام بحيري" أو"فاطمة ناعوت" وهما ليسا أعضاء بها.

بل أن الغبن لم يلحق بالرجل المعتقل فقط في حاضره ومستقبله، بل امتد  ليلحق بماضيه وماضى الزملاء "محمد عبد القدوس" و"صلاح عبد المقصود"، فلم يظهر أحدهم في أى لقطة من لقطات الفيلم المؤامرة ، رغم أن بعضهم أمضى نصف عمره عضوا بمجلس النقابة أو وكيلا لها، كل هذا فقط لأنهم رفضوا الدخول في بيت الطاعة الذى ضم المجالس الحالية.

.............................................................

سيد أمين يكتب: سوق الكلام

الأحد، 27 مارس، 2016

يُحْكَى أن امرأً عُرِف عنه الاتزان والثقة في النفس، اتفق بعض أصدقائه المقامرين على أن يُفْقِدُوه ثقته تلك.. فعزموا جميعًا أن يتناثروا على طول الشارع الذي سيسير فيه، وأن يسألوه سؤالًا واحدًا "عن كيفية سيره برأسه المقطوعة".

التقاه الأول فسأله هذا السؤال مبديًا تعجبًا، فاندهش صاحبنا أشد اندهاش واعتبرها مزحةً من صديق مازح ، فما أن سار عدة أمتار حتى وجد آخر يسأله ذات السؤال فلم يُعِرْه انتباهًا بوصفها مزحة بدت مُمِلّة، وطرح عليه السؤال ثالث فبدأ صاحبنا يتململ من تلك التساؤلات السخيفة.. فكرره عليه رابع فنهَره, ثم مرَّ بجوار سيدتين لا يعرفهما فوجدهما يبديان تعجبًا لسيره بدون رأس.. هنا اعتقد صاحبنا أنَّ الأمر فيه شيء من الجِدّ، وهو ما تأكَّد حينما فرّ طفل من جواره خائفًا وهو يتطلع إلى رأسه، هنا اهتزت ثقة صاحبنا وفقد صوابه وراح يبحث عن مرآةٍ ليرى فيها ما جري لوجهه، حدث ذلك رغم أنه كان يسير بنور عينين ويسمع بأذنين ويتحدث بلسان, وكل تلك الأجزاء كانت من مكونات رأسه، وتشملها من كل الجهات تقريبًا.


تكلم حتى أراك..

وفي أثر الكلام قال الله تعالي {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" وقوله للرسول {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} وغير ذلك من آيات تؤكِّد مدى تأثير الكلام.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام)).. فيما يعرف جميعنا الظروف التي قيلت فيها رواية "آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه" وقبل ذلك كله قول سقراط الحكيم لتلميذ جديد حل على مجلسه "تكلم حتى أراك".

ويعتبر الشيخ في منبره والصحفي في صحيفته والإعلامي عبر فضائيته هم أبرز روَّاد سوق الكلام.


سوق السحر..

وإذا كان "الزّنّ على الودان آَمَرّ من السحر" كما يقول المثل الشعبي فانَّ "الإعلام" يعتبر هو السوق الأوسع لبضاعة "السحر" لذلك فنُظُم الحكم على تنوعها- على ما يبدو- تعنى دائمًا بالاستحواذ على هذا المجال كل بطريقته، فالنظم الشمولية والعسكرية – طبقًا لما ألفناه منها في مصرنا المقهورة على سبيل المثال- لا تدع أحدًا يتكلم غيرها وإذا سمحت للآخرين بالكلام فلا كلام مسموحا به أن يتردد إلا كلامها، وعلى الجميع أن يتحولوا إلى صدى صوت لها.

أما النظم الرأسمالية والليبرالية فهي تتحكم بهذا السوق أيضًا ولكن من خلال سيطرة رجال أعمالها على سوق المال لأنه متى توافر ذلك المال سيصبح بإمكانك أن ترفع صوتك أكثر وأن تسمعك آذان أكثر، وهذا النوع من التسلط يبدو ذهبيًا مقارنة بسابقه لأنه لا يحرمك من حقك في الكلام، ولا يحرمك أيضا من حقك في استخدام مهاراتك الخاصة في توصيل صوتك للناس دون خوف أو وجل.


لسان الحقيقة أم النظام؟

ووصل الغبن في التعامل مع الإعلام والاعلاميين في النظم العسكرية التي حكمت مصر في العقود الماضية على سبيل المثال أن جعلت في بعض الأوقات من يترأس منظومة الإعلام قائدًا عسكريًا، ومن يحرر الصحف ويرأس تحريرها قائدًا عسكريًا أيضًا، وجعلت من يراقبها رقابة سابقة رجلاً عسكريًا، فضلا عن طبيعة الحال بأن من يراقبها رقابة لاحقة رجلًا عسكريًا.

وكما تطورت فنون "سوق الكلام" و"الإعلام" نظرًا لكوننا جزءًا من هذا العالم، تطورت أيضا فنون الرقابة عليه في مصر ووطننا العربي، فاختفى الرقيب الذى يرتدى بدلة عسكرية وجاء النقيب الذى يرتدى لباسًا مدنيًا, وكلاهما يتصرفان نفس التصرف ويوجهان بنفس التوجيهات ويرسلان تقاريرهما لذات الجهة الأمنية الواحدة التي عينتهما أو وجهت باختيارهما في منصبيهما.

وبدلاً من أن يتلقى المخبر الصحفي تعليماته من مخبر المباحث راح الأخير بنفسه يرتدى ثوب الصحفي ويحلّ محله, محاولاً أن يتصرف كما يتصرف الصحفي, إلا أنَّ تقمُّصه هذا أبدًا لا ينطلي على النابهين الذين أدركوا للحظة الأولى أنه لا يكتب إلا كما يكتب مخبر المباحث، ولا يرى إلا بعين مخبر المباحث.

ولأنَّ النظم الديمقراطية دأبت على الاحتفاء بالإعلام والإعلاميين بوصفهم عيون الحقيقة وضمير الشعب وجعلت من حريتهم وحرية الناس في "الكلام والتعبير" بشكل عام, برهانًا على بُعْد المدى الذى وصلت إليه ديمقراطيتها، نجد أن النظم الشمولية القمعية تحتفي أيضا بهم، ولكن الاحتفاء هنا لكونهم هم من يطمسون عيون الشعب ويزيفون وَعْيَه, ويفعلون فيه ما لم تفعله أشد القنابل فتكًا وتطويعًا, ويضمنون لاستبدادهم أن يبقي ويستمر.


خطاب الاستبداد

والخطاب الإعلامي في النظم الاستبدادية هو نص واحد منسوخ من أقصى الكرة الأرضية شرقًا إلى أقصاها غربًا, فإعجازات الزعيم هي محور أي نشرة أخبار, كما أن أي خير يصيب البلاد فهو قطعًا منه وأي شرّ يضربها فهو بلا شك من الشعب، وهو المُوحَى إليه الذى لا يخطئ، هو من يصنع معجزة يومية ليطعم شعبه الكسول الذى يتكاثر ولا يعمل.

فمن يجرؤ أن ينكر أن الزعيم لا ينام الليالي سهرًا على راحة وأمن السيد "المواطن" وأنه صنيع العناية الإلهية ومبعوثها, وهو من بحكمته دائمًا ما يختال علينا وهو "القلب الكبير" كما قالت صدفة هانم في المسرحية الشهيرة.

لذلك أنا لا أستبعد مطلقًا أن تكون جيوش المستقبل لدى النظم الاستبدادية من أولئك المخبرين الذين تقمصوا أدوار الإعلاميين.

........................................................

سيد أمين يكتب: غرائب بوتقة الصهر

آخر تحديث : الجمعة 11 مارس 2016   16:17 مكة المكرمة

من غير المحبب للمرء أن يتحدث عن بلاده المتخلفة فيصفها بحقيقتها وود لو تبدلت بينها وبين أكثر بلدان الدنيا تقدما المواضع ، لكن أنى للرسام أن يعيش في جنان لوحته المخملية ولو حدث لتحولنا جميعا إلى رسامين ، كما أن الوطنية ليس في أن يكذب هو ، ولكن في العمل على أن تتقدم هى.

وإذا كانت قراءة التاريخ هى قراءة للمستقبل، فإننا سرعان ما نكتشف حين المرور على تاريخ مصر أنه سرد مفصل لتاريخ الاستعمار في العالم، وأنه تاريخ منهك بالاحتلالات التى ينتصر بعضها على البعض، ومع كل انتصار يحرزه محتل حديث على أخر قديم يخرج المصريون ليحتفلوا بالانتصار الذى لم يحققوه ولم يكن لهم فيه ناقة ولا جمل، ومع ذلك يخرج معهم أيضا مزيفو التاريخ ليحتفلوا بتلك الانتصارات الوطنية الكبرى.

بوتقة صهر

 منذ نشأة التاريخ وبسبب الموقع الجغرافي الفريد ، تحولت مصر إلى بوتقة صهر كبري لكل أجناس الأرض، وجراء عملية الصهر الحميدة تلك  تسابق الجميع في إثبات ولائهم لعبقرية المكان، فصار كل من يسكن مصر هو مصري، ولكن عبقرية المكان تلك هى أيضا من تسببت في جعلها مرتعا لكل ضامر سوء أو معتدى.

فقبل الميلاد هناك نحو 1400 سنة ظلت مصر فيها تحت الاحتلال الأجنبي، أما بعد الفتح الاسلامى لمصر فتقريبا تقاطعت الاحتلالات عليها ، ولم يحكمها المصريون – ونقصد بهم سكانها المستقرون-  بشكل مباشر إلا بعد حركة الجيش في 1952، وإن كان يعتقد البعض وأنا منهم أن تلك الحركة أيضا جاءت  في إطار تطوير غربي لأسلوب الاحتلال وبالتعاون معه، وأن الحديث عن استمرار خضوع مصر للاستعمار الغربي إلى الأن هو حديث جدي.

فالهكسوس احتلوا مصر نحو 246 سنة ، ثم الدولة الكوشية الاثيوبية 50 سنة، والأشورية 16 سنة، والفارسية 80 سنة ثم 11 سنة ، واليونانية احتلت مصر بقيادة الأسكندر الأكبر عامين ، والبطلمية 300 سنة، فالرومان 360 سنة ، ثم البيزنطية310 سنة، ثم الفتح الاسلامى لمصر، ثم الدولة الإخشيدية 35 سنة التى وصف الشاعر الطيب المتنبي أبرز ملوكها كافور الاخشيدى بالعبد الذى لا يقرع إلا بالعصا ، ثم الدولة الفاطمية الشيعية التى أسست المسجد الأزهر 162 سنة ، ثم الدولة الأيوبية الكردية 91 سنة ، ثم دولة المماليك 233 سنة وجميعنا بالقطع يعرف قصتهم، ثم بعد  ذلك جاءت الخلافة العثمانية التركية والتى تقاطع معها الاحتلال الفرنسي لمصر لمدة 3 سنوات ثم حكم محمد على الألبانى وتقاطع معه الاحتلال الانجليزى الذى دام 72 سنة.

تجارب لا منطقية

فيما يبدو أن سيل اللامنطقيات التى ابتدعتها سلطة الانقلاب الحالية في مصر, وشملت فبركات ودعايات مرسلة ومسفة ثم صدرت تؤيدها أحكام قضائية قاسية كرسالة واضحة بأنه لا نية لأخذها على محمل التهريج، لم تكن أعمالا عفوية ولكنها كانت أعمالا مدروسة ومضمون تمريرها بسلام في وجدان جزء كبير من المجتمع المصري، نظرا لإدراك "المايسترو" أنه لا داع للتعويل على وعى الشعب وتجارب التاريخ القريب والبعيد تشهد.

وذلك بدءا من ثورة المصريين للتخلص من  الوالى العثمانى على وقع المعاناة من الفقر والجوع ثم جلبهم لرجل أجنبي اخر ليحل محله ، مرورا بالكولونيل الفرنسي سيف الذى كان جنديا من جنود نابليون رفض ان يعمل بالفلاحة بعد هزيمة قائده فقرر الذهاب الى بلاد فارس حينما سمع انها تسعى لتأسيس جيش من المرتزقة وأثناء سفره توقفت السفينة التى تقله في الأسكندرية فتعرف على حاكمها فأرسله لمحمد على ليؤسس له الجيش المصري من غير المصريين ، انتهاء باعتبار جزء من المصريين أحمد عرابي خائنا لبلاده بعد تصديه للاحتلال البريطانى 1882، حتى المشاركة بجوار بريطانيا في الحرب العالية الأولى ضد الخلافة الاسلامية ودعما للاحتلال البريطانى لمصر ، وهى الواقعة التى يصر السيسي على الاحتفال بها ، انتهاء بأربع حروب مني فيها جيش خير أجناد الأرض - المزعوم - بالهزيمة الماحقة انتهت بخروج المصريين ليطالبوا بطل الهزيمة بعدم التنحى، والحديث عن اللامنطقيات يطول على ضفاف النيل.

سمات مصر

ولأن الدول بحسب النشاط الاقتصادى تصنف إلى دول زراعية أو بحرية أو صناعية أو نفطية وما إلي ذلك ، يظل تصنيف مصر أمرا محيرا بينهم ، فمصر التى عرفت بالزراعة لكونها هبة النيل ها هو واهبها الحياة يضمحل، فيستعيض السيسي عن جزء من مياهه بتكرير مياة الصرف الصحي ،وحتى قبل أن يوشك هذا المتدفق على النضوب وفي أفضل حالات تمامه، وصلت الزراعة في مصر إلي مرحلة بائسة بسبب فساد الإدارة ، ويمكننا أن نعود للإحصائيات الزراعية لنعرف الحقائق المؤلمة.

ومصر التى عرفت أيضا بكونها دولة بحرية تغطى البحار ما يقرب من الثلاثة الأف كيلو متر من حدودها إلا أنها تستورد معظم احتياجاتها السمكية من بلدان أقل مياها منها.

وعرفت دولة صناعية حيث بدأت الصناعة فيها منذ محمد على قبل قرنين من الزمان لكنها تظل سوقا لكل الصناع في العالم دون أن تصدر أى منتوج صناعى مهم ، ودولة سياحية بها خمس أثار العالم الا أن ما ينشط فيها ليست سياحة المعالم الأثرية ولكن السياحة الجنسية على ما يبدو ، والتى دمرت بعد أن قاطعها السائحون في أعقاب حادث الطائرة الروسية الشهير.

ودولة نفطية بها حقول هى الأضخم في التاريخ، بحسب إعلام النظام الحاكم ، لدرجة أنها صارت تمنح حقولا ضخمة للغاز كهبات لليونان، وتبيع الغاز بربع سعره العالمى لإسرائيل قبل أن تعود لتشتريه منها بضعف سعره الذى باعته لها لسبب غير مفهوم، رغم الوفرة والحقول الضخمة التى تتحدث عنها ، ومع كل هذا النعيم ، فمصر بلد يستورد أغلب حاجياته من الخارج من الإبرة إلى الصاروخ ، ويعانى شحا في كل شئ تقريبا عدا البشر، ويشغل أدنى المراتب في أى تنافسية.

ولذلك يجدر بنا حينما نصنف مصر "اقتصاديا" أن نقول أنها دولة "استبدادية" ، وأن نعتبر أن "الاستبداد" هو نوع من أنواع الإدارة "الاقتصادية" وليست "السياسية" فحسب ، ويتسم بالجهل والأنوية والغفلة والفساد وعدم الموضوعية وعدم الأخذ بالحدود العلمية ، ونتائجه قطعا كارثية.

.............................................................

سيد أمين يكتب: دفاتر يناير

الأربعاء، 2 مارس، 2016

من أخطر ما رسخت له الذكرى الخامسة للثورة المصرية عند المحتجين مع نزول الدبابات والمدرعات ومئات الآلاف من الجنود إلى الميادين، هو أن مشاهد التعامل الأمني المفرط ألجمت ألسنة كل من يتحدثون طويلا عن التغيير عبر المظاهرات السلمية.

ويعزز ذلك الخطر أن معظم هؤلاء المحتجين هم من أصحاب "الثارات" ممن فقدوا عائليهم وذويهم في المجازر الميدانية المتعددة المروعة التي ارتكبتها السلطة، والتي صارت الآن تطالهم حتى في بيوتهم وعلى أسرتهم بين أطفالهم، فضلا عن أولئك الذين اختطف زوار الفجر ذويهم، ولُفقت لهم التهم لتصدر ضدهم أحكام مشددة تصل إلى الإعدام، وكذلك آلاف المختفين قسريا والمشردين خارج الوطن وداخله وهم بالملايين، وأيضا المفصولون من أعمالهم وكلياتهم، والمصادرة أقواتهم، والمصابون، والمغتصبات، والمحبوسون داخل مصر بسبب أوامر منع من السفر.

كل هؤلاء لم يعودوا يطالبون فقط بالحريات والديمقراطية وتداول السلطة والرخاء وإنهاء الاستبداد والفساد والمحسوبية، وغيرها من مطالب يمكن أن يعتبرها بعض الناس مجرد كماليات يجوز الاستغناء عنها إن لزم الأمر، بل صارت مطالب ثورتهم هي الدفاع عن الحياة نفسها.

استجلاء الحقائق

وأعتقد أنه لا يمكن أن تنجح ثورة يناير نجاحا جديا، حتى إن سقط الانقلاب بفعل الثوار أو أسقط عمديا لفشله في أداء دوره الوظيفي، إلا إذا قمنا بتفكيك أسرارها وفهمنا تفاصيلها فهما مترابطا لا يحيل كل ما يخالف ما قيل في الرواية الرسمية إلى الصدفة.

ذلك الفهم سيجلي الفوارق المستترة بين العمل الثوري العفوي، والعمل الجهوي المدبر فيها، وسيتعمق فهمنا ذلك بوقوفنا على إجابات أسئلة حاولنا وحاول حسنو النوايا ألا يتوقفوا أمامها باندهاش وفضول، وغالبوا رغبتهم في ذلك حتى لا يستعجلوا الحزن في بيت الفرح، ورضوا أن يخادعوا أنفسهم عسى ألا يظهر لهم "العفريت" الذي يخشونه سريعا وأملوا ألا يظهر لهم أبدا، لكن للأسف "العفريت" لم يفارقهم لحظة واحدة من الأساس.

وبالطبع بات معلوما لدى أي مراقب نزيه أن ثورة مصر تعرضت لمؤامرات عدة، بدءا من أكذوبة الجيش الذي حماها، إلى "التخفي" في صورة "الطرف الثالث" لتشويهها، انتهاء بالإعلان صراحة عن نفسه قائدا للثورة المضادة التي راح يؤكد أنها هي الثورة التي جاء ليحميها.

وقائع مثيرة

وهناك واقعتان محددتان ألقتا ضوءا كثيفا على ما حدث قبيل الثورة، ففي يوم 24 كانون الثاني/ يناير 2011، نشر موقع الأهرام الرسمي في صفحة الحوادث ما مفاده أن عمال الشحن بميناء القاهرة الجو فوجئوا أثناء قيامهم بشحن 39 كرتونة تتبع أحد الركاب المصريين (لم تسمه) على متن الطائرة المتجهة إلى "دبي"؛ بسقوط إحدى تلك "الكراتين"، وتبعثرت منها سبائك ذهبية على الأرض، وهنا جاءت شخصيات أمنية رفيعة وقامت بحصر الكراتين جميعها ومحتوياتها وأعيد الأمر إلى نصابه. وتم التكتم على الخبر، ثم عرفنا بعد ذلك أنها أموال مبارك كان يحملها له "حسين سالم".

والمشهد الثاني خروج حملة يقودها أحد المنتسبين لحزب التجمع اليساري، لدعم جمال مبارك بمجابهة حركة كفاية التي خرجت خصيصا لتقول لمبارك "كفاية"، وما أن خرج مبارك من الحكم حتى ارتمت هذه الشخصية في حضن النظام العسكري الجديد.

أسئلة شائكة

وهناك أسئلة شائكة كثيرة تبحث عن إجابات، بعضها يتعلق بفترة ما قبل الثورة والبعض الآخر بعدها.

ويبقي مقتل اللواء عمر سليمان، وزير المخابرات العتيد طيلة عصر مبارك، واحدا من أهم الأسئلة التي إن وجدنا لها إجابة فهمنا من خلالها ما جرى في تلك الثورة، وخريطة الصراعات التي أفرزتها، خاصة أن الرجل عرف بولائه الشديد لمبارك، لدرجة أن مبارك اشترط أن يتولى هو مهمة منصب نائب الرئيس.

وهناك أيضا أسئلة من عينة: لماذا اقتحمت المخابرات مقار أمن الدولة عقب الثورة ثم راحت تتبرأ من ذلك رسميا؟ وما طبيعة الأوراق التي حصلت عليها منها؟ ولماذا تركت ما تركته ليتسرب للإعلام؟ وغيرها الكثير من الأسئلة الهائمة في دفتر أحداث الثورة.

وإجابات تلك الأسئلة جميعا تصب في قالب واحد، وهي صراعات مراكز القوى. فالمجلس العسكري والمخابرات الحربية من جهة، وجمال مبارك وجهاز أمن الدولة والحزب الوطني من جهة أخرى، اقتتلوا حول مبارك "الابن" الذي أراد أن يخلف والده في سدة الحكم.

وإن هذا الاقتتال أنتج ثورة يناير، بغية أن يتخلص العسكر من جمال مبارك سياسيا، خاصة بعدما نما نفوذه ورغبته في التخلص من دور "الفلتر" أو ناقل صوتهم إلى الشعب، وهو الدور الذي كان يقوم به والده على ما يبدو، ثم يقومون بتنصيب فرد منهم وقع عليه الاختيار مسبقا ليحل محل مبارك في أداء هذا الدور "الفلتر".

وإنهم في سبيل ذلك الخلاص، خلاصهم هم وليس خلاص الشعب، أسسوا عدة حركات بدت كما لو كانت ثورية، وراحوا يصطنعون النخب السياسية والإعلامية الموالية لهم ويمدونها بالزخم الإعلامي على غرار ما فعلوه تمهيدا للثلاثين من يوليو فيما بعد، وهي النخب والحركات التي حازت بحق على أفئدة الناس بسبب معارضتها الجريئة لحكم مبارك الطويل والذي لم يتعود المصريون أن يجدوا من يخرج ضده من قبل. ودلالة ذلك أن تلك النخب أو الحركات الوهمية صارت تؤيد نظام حكم عبد الفتاح السيسي بطبيعة الحال الآن، ما يكشف بجلاء أنهم كانوا مجرد أدوات لعبور المرحلة ليس أكثر.

وعلى ما يبدو فإن تفاعل الشعب مع تلك الثورة كان أكثر مما ينبغي، فلم يكتف برحيل مبارك بل راح يطالب بإسقاط "حكم العسكر"، وهو ما لم يكن في الحسبان. هنا كان من الضرورة القضاء على هذه الثورة الحقيقية بتقسيم الثوار وتخوينهم، وشيطنة فصيل منهم إعلاميا، ليتم القضاء على الثورة من خلال مكافحتهم.

....................................................................

سيد أمين يكتب: الاستبداد في بلاد الفرعون

آخر تحديث : السبت 20 فبراير 2016   16:55 مكة المكرمة

ليت المستبدون في هذا العالم يسخرون قدرًا من جهدهم الجبار والفذ في التغلب على المعضلات الكبيرة التى تغوص فيها بلدانهم بدلا من استنفاد كل هذا الجهد والعطاء في مجرد الدعاية المتواصلة لخوارقهم التى حفظت شعوبهم من مصائر الهلاك وأطعمتهم من جوع وأمنتهم من خوف، مع أنه بنظرة فاحصة للأمر سيتبين بوضوح أنه لا مكروه أصاب شعوبهم سواهم ولا تحدى يواجهها إلا ما افسدوه هم عليها.

وحينما نتحدث عن الاستبداد - وهو في الواقع موضوع جد مهم وجد خطير -فنحن بالقطع نتحدث عن وطننا العربي لكونه مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بكل ما يتصل بطغيان الانسان في حق أخيه الانسان، والتصقت صورة نمطية في أذهان سكان المعمورة عنه بذلك إلا فيما ندر.

وبالطبع حينما نصف بلادًا بالاستبداد ، فإننا نصف بلادًا تميزت بأن سكانها عبدوا فيها الحاكم، ونسبوا الرعية إليه بدلا من أن ينسب هو إليهم، فصاروا هم الفراعنة الذين يطوفون كالعهن المنفوش حول عرش الفرعون يتقدمهم كهنته، أو يؤدى جميعهم دوره كحلى ملونه تزين عرشه بانبهار وعن قناعة وتجرد.


علاقات مريضة

والمشكلة في مسألة مقاومة الاستبداد خاصة في بلاد الفرعون أنه سرعان ما تنشأ علاقة حميمة بين الجلاد والمجلود فيبرر كل منهما أهمية الدور الذى يلعبه الأخر في حياته.

بل إنه في مرحلة متأخرة من مراحل ديمومة عنف الاستبداد، يبدأ المجلود نفسه بالاقتناع أن ما يتعرض له من قمع كان فعلا من أجل حفظ الوطن ، وكأن وجوده هو مشكلة هذا البلد، وفي المقابل يعتقد الجلاد أن ما يمارسه من طغيان لم يكن من أجل مكاسب انتهازية كما كان يتصور، ولكن كان عملا من أعمال الوطنية والحكم الرشيد.

وراحوا يبررون لذلك ويقولون إن استبداد محمد على كان له الفضل في بناء مصر الحديثة، وإنه لا يصلح لحكم

مصر إلا عسكري، وهو بالقطع كلام مردود عليه بأن الكثير من بلدان العالم لم يمنحها الله شبيهاً لمحمد على ولم

يحكمها العسكر الحازمون لنحو ستين عاما ومع ذلك تقدمت عنا بشكل يخرجنا من أى سياق للمنافسة.

ولعل نيقولا مكيافيللى أشار إلى ذلك في بحثه عن طبائع البشر حينما أكد أن القوة المفرطة تصنع صديقا مخلصا ، وهى أيضا الحالة التى يشار إليها عند علماء النفس بـ"سادية" الجلاد و"ماسوشية" المجلود وهى المرحلة التى يستعذب فيها الظالم ظلمه والمظلوم مظلوميته.

والواقع أن من ينشد العدل والحرية والمساواة في بلاد كبلادنا وتعلق بهم، هو كائن مسكين واهم، استنفذ طاقته كلها في معركة احتمالات الخسارة فيها قوية للغاية، ليس لبطش المستبد ولكن لجهل المبطوش به.


الكتلة الحرجة

وللإنصاف يمكننا القول أن خسارة من ينشد العدل والحرية والمساواة ليست مؤكدة أيضا في مصر، وذلك لأنه كما لا يجد الداعى تجاوبا شعبيا مع دعوته، قد يجد أيضا عزوفا منهم عن رفضها، ما يحصر معركته فقط مع ثلة من الانتهازيين الفسدة، وهم الذين لا يمكن أن يتفوقوا في أى معركة دون الاستعانة بتزوير الإعلام من أجل تجييش البسطاء الذين يشكلون كيان ما يسمى بـ"الكتلة الحرجة" ليقاتلوا بدلا منه، وهو ما لا يفلح استخدامه الأن بسبب انكشاف هذه الوسيلة من فرط الاستخدام السئ لها، وهو الوضع الذى يخلق حالة من الجمود الدائم اعتادتها الأجواء المصرية فتتخلق حالة من الاستقرار الوهمى .

ومعركة دعاة "الإصلاح" مع دعاة "المصالح" معركة قوية للغاية لا سيما في دولة مثل مصر ، تجذر الفساد فيها لدرجة أنه صار جزءا لا يتجزأ من نظام الحكم ، بل والحياة العامة كلها ، حيث يجري التبرير له من كافة القطاعات، ولذلك تبقي استمالة "الكتلة الحرجة" هى رمانة الميزان في هذا الصراع التى ترجح هذا عن ذاك.

ويلقي على عاتق "دعاة الاصلاح" مهام ثقيلة منها استمالة هذه الفئة أو تحييدها فإن لم تقف في صف الثورة ،

فمن المفيد أيضا ألا تستخدم كحائط صد للهجمات الموجهة ضد أصحاب المصالح، الذين هم متنفذون ومتحكمون بالفعل ويملكون كل أدوات السلطة.

وكما نعرف جميعا ، يتميز سكان منطقة "الكتلة الحرجة" بأنهم كتلة في الغالب متجانسة ، قليلة الوعى وتستسلم سريعا لكل من يحاول خداعها ، ويميلون إلى النمط "الماسوشي" سالف الذكر، وهم في الغالب فقراء أو يتأرجحون بين خطوط الفقر، ما بين المدقع ومتوسط الحال.


الوجهاء الأشرار

من أكثر الناس تأثيرا على أصحاب "الكتلة الحرجة" هم أصحاب "الياقات البيضاء" الذين وصفهم المفكر الصينى ماوتسى تونج بـ"الوجهاء الأشرار"، وهم النخبة وقادة الرأي الفسدة الذين يتحدثون كثيرا عن حقوق الإنسان، ويتحدثون بحماس عن الوطن والوطنية، والفقر والفقراء، ويبدون كما لو كانوا شركاء فاعلين للفقراء، مع أنهم مجرد ديكور زائف لسلطة البطش، يوجهون البسطاء حسبما تريدهم السلطة أن يتوجهوا ، بل ويسوقون لها في أحيان كثيرة إجرامها.

ولذلك يجب على أنصار الثورة من طلاب العدل والمساواة أن يقوموا أيضا بالمساهمة في صناعة "قادة رأى" جدد، ويعملون جديا على استبدال دورهم بالدور الذى يلعبه "الوجهاء الأشرار"وذلك بعد القيام بتعريتهم ، وذلك لأن هؤلاء البسطاء بحاجة دائمة لشغل فراغ أدمغتهم ،فإن لم تنشغل بدعوة دعاة "الإصلاح" ستنشغل قطعا  بدعوة دعاة "المصالح".


|........................................................

مقالات عام 2017

...........................................................

السيسي بين القدرة والطالع

سيد أمين

الأربعاء 25 يناير 2017 17:55

في القرن الـ 15 طرح الفيلسوف الإيطالي نيقولا مكيافيللي سؤالا ما زال بعيدا عن الإجابة الحاسمة حول: هل "القدرة "هى من تتحكم في تنصيب أى حاكم وتعطي حكمه قوة أم "الطالع"؟

وفي إطار إجابته على السؤال طرح مكيافيللي وقائع من التاريخ الغربي تدلل على صحة كلا الموقفين، القدرة قد تصنع حاكما، وكذلك حسن الطالع، فأحيانا يكسر عزم الشباب واستبسالهم قبح الطالع، وأحياناً أخري يكون حسن الطالع بمثابة حصان طروادة فيحقق لصاحبه انتصارات مجانية بدون أن يكون له فيها حول ولا قوة.

لكن مكيافيللي عاد ليضع معيارا مهما للتقليل من الحيرة مفاده بأن "الحاكم السعيد هو من كانت وسائله واجراءاته توافق طبيعة العصر".

ونحن هنا بدورنا نطرح ذات السؤال ولكن بصيغة أخري : إلى أي مدى ساهمت عوامل "الطالع" سوءا أو حسنا السيسي؟ وهل هى من تمكنت من أن تثبيت عرشه أم "القدرة"؟

قبل الحديث يجب الإشارة إلى أنه لا توجد فئة من الناس أكثر سعيا إلى الغيبيات من رجال الحكم والعمل العام لا سيما السياسة، سواء أكان ذلك في مصر أو في أى مكان في العالم وبمختلف الثقافات والأديان والأجناس، وذلك لأنه أينما وجد المجهول وجد معه أيضا الفضول لاكتشافه، وأينما وجد الخوف وجدت معه حيل البحث عن الطمأنينة.

والاهتمام بالغيبيات وجد حتى في دولة الخلافة الإسلامية الأولى حينما قصد المنجمون المعتصم ليحذرونه من فتح عمورية ، إلا أن عزم الشباب الذى تحدث عنه مكيافيللي هو من جعلهم يهزمون توقعات النجوم ويفتحون عمورية لينشد بعدها الشاعر "أبو تمام" قصيدته الرائعة التى حملت نفس الاسم.

ولمعرفة مدى إايمان السيسي بالطالع سنقف أمام بعض المؤشرات والتي من أهمها أنه في التسريب الصوتي الشهير الذى أذاعته شبكة "رصد" نسمع صوته يتحدث عن "رؤياه" وهى عمل "غيبي" حول لقائه بالسادات ، وكيف قال له إنه سيصبح حاكما ، فرد عليه بأنه يعرف ذلك جيدا ، ويعرف أنه يجمع بينهما نهاية متشابهة لخصتها الساعة "الأوميغا" التي منحها له السادات - والتي تعنى باللاتينية النهاية.

وعمليا فإن اهتمام السيسي البالغ بالصوفية - وهى حركة وجدانية غيبوية – واضحا بشدة حيث حرص على أن يستهل حكمه بلقائهم مرتين في العام الأول للانقلاب ، وقرب منه رجالهم في الأزهر وفي الحياة العامة ، وهم فقط من بين التيارات الدينية التى ما زالت تدعمه.

كما التقي السيسي أيضا عدة مرات بزعماء طائفة "البَهَرة" وطوائف دينية أخري لها ذات الطابع الغيبوى، كما فعل ذلك مرارا مع حاخامات يهود والذين هب كبيرهم ليحذره علنا من خيانة حراسه له ، داعيا له بالنصر والثبات ،فيما هب أخر ويدعى "عوفاديا" ليحذره من الخيانات في قصره ، ويقول أنه باركه كما بارك من قبله مبارك فبقي في الحكم ثلاثين عاما، وهنا لا ننسي ما تردد عن قرب موطن مسقط رأس السيسي في منطقة الجمالية وسط القاهرة قرب مقام الإمام "الحسين"، وأيضا "حارة اليهود".

ثمة أيضاً دليل لفظي يمكن التدليل به، وهو أن السيسي دأب على استخدام عبارة "أهل الشر" دون أن يسمهم ، وهى عادة من يخشي الحسد وهى بالقطع لفظة لها دلالات غيبية.

لذلك فان كل ما تقدم يؤكد أن الرجل مؤمن بكل منتجات "الميتافيزيقا" أو "علم ما وراء الطبيعة" ايماناً راسخاً.

من العجب أنه يمكننا الجزم بأن كل عوامل حسن الطالع عند السيسي هي ذاتها عوامل سوئه ، وكل دلالات القوة عنده هى ذاتها دلالات قوية للفشل أيضا ، فقد جاء حسن طالعه من أمر واحد هو انتمائه للمؤسسة العسكرية، وهى التي منحته القدرة أيضا ، فدانت كل أجهزة الدولة له بالخضوع التام بشكل ربما لم يحدث في أى وقت سابق من الحكم العسكري لمصر.

ومغزى ذلك الالتفاف قد يعود لاستشعار بعض قياداتها خطورة المطالبات المناهضة لحكم العسكر والتي آثرتها وميزتها ثورة يناير بشكل أيضا غير مسبوق ، وكان يلزم ذلك الالتفاف السلطوي وجود قاعدة شعبية تكون حجة على وجوده ويبرر بها كل مظالمه ، فلما أٌطلقَ نفير الحشد هرع إليه كل طامع مشتاق، وكل صاحب مصلحة، أو نفوذ ،أو انتهازى، أو مرتعش ، فكان ذلك أول برهان على سوء دعوته.

كما أن منبع قدرته تلك والتي حولته إلى صاحب "سطوة" هائلة مدمرة يخشاها الجميع، يرتكب عبر استخدام اسمها الكثير من الفظائع والمظالم ، ويلجم بها أعلى الألسنة صوتا وأكثرها عصيانا على الإخراس، ويرغم الناس على تقبل عشرات الأضعاف، بل مئات الأضعاف مما كانوا يتذمرون عليه سابقا ويعتبرونه عذرا كافيا للإطاحة برئيس منتخب وحبس أو تشريد أو قتل أى محتج ممن انتخبوه ، هى نفسها التي صارت وبالاً عليه.

فقد صار إرضاء قياداتها أمراً ثقيلا جداً عليه في بلد يوشك علي الإفلاس، والثورة تختمر بشكل حقيقي في وجدان أناس لم يعرفوا من قبل لها سبيلا ، إضافة إلى أنه بدلا من التفكير في إنقاذ البلاد من السقوط القادم لامحالة ، كرس كل جهده لإرضائهم ظنا منه أنه يشتري به ولائهم، دون أن يدري ما تضمره نفوسهم له، خاصة أنهم هم من جاءوا به ولم يأت هو بهم، وأن الغضب الشعبي عليه صار يمثل تهديدا مصيريا لهم.

ورغم القدرة التى لم تقتصر فقط على انتمائه للمؤسسة العسكرية، بل أيضا بسبب الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي الكوكبي العظيم له ، فشل فشلاً ذريعا ، ما يعنى أن ما يرافقه من سوء طالع ، أو باللهجة الدارجة المصرية "النحس" كان أيضا عظيما.

هذا "النحس" لم يقتصر عليه فقط ، بل طال كل النظام العسكري الحاكم المستقر منذ أكثر من نصف قرن، حيث تَكَشَفَ للجميع حتى أقرب مؤيديه سوءاته ، بل أن النحس طال ثوابت كانت مستقرة في أذهان الناس نتيجة جهد دعائي جبار سابق حول انقلاب 1952.

يمكننا في نقاط سريعة رصد أهم مظاهر حسن طالع السيسي: الانتماء للقوات المسلحة ، تولى حليفه ترمب المعروف بكراهيته للإسلام زمام حكم سيدة العالم ، ظهور موارد غاز ومعادن جديدة ، ظهور داعش وتنامى ظاهرة الإسلامفوبيا عالميا ، تنامى الصراع السنى الشيعي، والسعودي الإيراني، التحكم في الاعلام.

أما أبرز عوامل نحس السيسي فتتمثل في تطور وسائل الإعلام والاتصال ،من حيث كثرتها وفرديتها ما جعلها خارج نطاق سيطرة الأمن من ناحية ، وتعدد مصادرها أضفي علي معلوماتها تأكيدات قوية لم تكن متاحة من قبل ، وبناء عليه فشل السيسي في عزل ما يجري داخل مصر عن العالم ، وفشل أيضا في تزييف الحقيقة ، وكانت وسيلة لتوحد الثوار.

كما أن من مظاهر النحس أيضا ، أن السيسي جاء بعد فترة حريات كبيرة أعقبت ثورة يناير تغيرت فيها مفاهيم كان لا يمكن حتى التشكيك فيها من قبل، وأصبح ملايين من الناس أنضج سياسيا وبالتالي لم تنطل عليهم الأساليب والإجراءات القديمة

.....................................................................

السيسي : رد المطلقة وجلب الحبيب!

سيد أمين


الاثنين 27 فبراير 2017 16:32

يُخطئ من يتعاطى مع إلحاح السيسي عن توثيق الطلاق بوصفه حديثا في إجراءات اجتماعية أو حتى دينية، ففي الواقع هو حديث غارق في السياسة.

ذلك ليس لأن السيسي الذي يقود بلدا كبيرا على الأقل سكانيا ويكاد يهوى به إلى قاع الضياع، هو في فسحة ودعة من أمره ليتحدث عن رد المطلقة وجلب الحبيب.


وليس لأن أعباء هذا الأمر أثقلت كاهل الدولة المثقلة أصلا بسبب سياساته وسياسات من سبقوه من العسكر، فتحتم عليه أن يبحث عن حل جذري يلقي به عنها حمولتها ، بينما ملايين الرضع تبحث أسرهم لهم عن مسحوق الحليب ولا تجده، وملايين المرضى عرضة للموت بسبب نقص الدواء، إما لشحه أو لانتهاء صلاحيته وفساده أو لارتفاع سعره، وفي الغالب لعدم امتلاكهم ثمنه.

ليس لكل ذلك أبدى السيسي اهتماما بالطلاق في رأيي ، ولكن لأن سهولة الطلاق في الإسلام يعدها أي مراقب من غير المسلمين هي من أبرز وأفضل مميزاته التي تحفز للدخول فيه أو تدعو على الأقل لاحترامه.


وماذا عن الزواج؟

وإذا كان السيسي حقا قاصدا الضبط والربط في الدولة المصرية ، وفرغ من مطاردة تزايد الفقر والإرهاب والذين تسبب فيهما هو ، ولم يتبقَ له إلا تلك النواحي الاجتماعية، كان يجب عليه أن يقوم بتجريم الزواج العرفي بغض النظر عن حكمه الشرعي حلا أو حرمة ، خاصة أن الزواج غير الموثق لا الطلاق سواء كان موثقا من عدمه هو الأكثر والأعمق تأثيرا في الحياة الاجتماعية وله مردودات قوية ملموسة على الدولة، من حيث تكوين الأسر والمواريث والحقوق والواجبات.

لكن ذلك لم يحدث قط، وما حدث هو العكس تقريبا حيث سيتم رفع رسوم توثيق الزواج بشكل مبالغ فيه بحسب تقارير صحفية ، ليصير العريس والعروس يعاقبان على قرار إشهارهما وتوثيقهما الزواج بدفع مبالغ مالية كبيرة نسبيا، في بلد يعانى من ارتفاع غير مسبوق في نسب العنوسة نتيجة لارتفاع تكاليف الحياة، ليبلغ عدد العوانس بحسب تقرير أصدرته منظمة هولندية متخصصة نحو 8 ملايين فتاة أي40% من مجموع الفتيات فى سن الزواج، وحتى هذا الرقم نجده يتضاءل مع إحصائيات أخري تقدرهم بنحو 13مليون عانس مصري، وهو رقم مرشح للارتفاع بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها مصر في ظل التوتر السياسي والاجتماعي الذي خلقه نظام السيسي.


أيهما أدعى للتوثيق؟

ولو قمنا ؛ بكل براءة ؛ بعقد مقارنة حول الأهم للدولة ؛ هل توثيق الطلاق أم توثيق الزواج هو الأكثر إلحاحا في هذا البلد العربي المسلم؟ سوف نندهش بداية بعدم عقلانية أن نوثق افتراق من لم نوثق اقترانه "!". ونشير هنا بشكل مباشر إلى كافة أشكال العلاقات غير الموثقة ، سواء أكانت متفقة مع الشريعة الإسلامية أو غير متفقة ، كما أن ذلك الاندهاش يندرج أيضا على الآثار المترتبة على مثل تلك العلاقات.

فالزواج ينجم عنه في الغالب أطفال وهم في حاجة إلى إثباتات في السجلات المدنية ليبذلوا واجباتهم تجاه الدولة وتبذل الدولة واجباتها نحوهم ، بدءا من حقوقهم في التطعيمات وحصص التموين انتهاء بواجباتهم في الضرائب والتجنيد الإجباري.

كما أن توثيق الزواج هو إيذان بتكوين أسرة، والأسرة كما نعرف هي الوحدة الاجتماعية الأولى المكونة للدولة، وصيانتها هو مطلب أمن قومي لدى كثير من نظم حكم الشعوب الحرة التي تحث مواطنيها على إقامة علاقات الزواج أولا ، وإشهارها ثانيا ،صيانة للأمن القومي وحماية للمجتمع - الذي قامت الدولة أصلا لخدمته– من أن يصير مجتمعا للقطاء، بل راحت تدعم ماليا المتزوجين الجدد لا أن تفرض عليهم الرسوم الباهظة.

أما أهمية توثيق الطلاق – إن كان له أهمية للدولة والمجتمع– غير حفظ الأنساب فهو يتيح لها، إن قصدت السوء، عمل حصر بالمطلقات وإصدار قوانين تنظم علاقتهن بها ، أو سن قوانين تعجيزية تحول دون حدوثه أصلا ،أو فرض رسوم باهظة تدر لخزينة الدولة الموشكة على الإفلاس مئات الملايين من الجنيهات خاصة مع ارتفاع نسب الطلاق بين المتزوجين الجدد بسبب الأزمة الاقتصادية التي صنعها ذات النظام، لدرجة قد تجعل منها حال تنفيذها موردا من موارد الدخل الكبرى.

أو قد تدفع الزوج أو الزوجة للهرب من تلك الرسوم عبر إلغاء فكرة إشهار الطلاق أساسا كما يحدث في الغرب واللجوء لنظام الرفيق والصديق والزواج المدني.

هذا الكلام ليس من وحى الخيال ، فمؤخرا أعدت مؤسسة خاصة بالمرأة، قانونا شعاره "أسرة أكثر عدالة" يتضمن بنودا لتنظيم تعدد الزيجات، ويمنع الطلاق الشفوي، وتضمن مادة خاصة بتطبيق الزواج المدني - المعادل الموضوعي للزواج العرفي- وقامت بتقديمه لمجلس النواب ليقره.

لا تصدقوا أن السيسي ترك كل مشاغله ولقاءاته السرية والعلنية ، وراح يتفرغ للحديث عن الطلاق من بنات مشاعره الاجتماعية وخوفه على قلوب المطلقات .

فجراب الحاوي لا زال مكتظا بالمفاجآت.

..........................................................................

ولكم في الانقلاب مكاسب.. أيها الإخوان

سيد أمين

الجمعة 31 مارس 2017 13:47

رب ضارة نافعة، ما كان يتصور من دبروا للانقلاب أن ينقلب سحرهم عليهم ويكون عليهم حسرة، والشواهد كثيرة.

فقد قصدوا شيطنة التيار الاسلامي خاصة، وسحق كل كتلة ممانعة عامة أيما كانت توجهاتها الفكرية لاسيما كتلة الإخوان المسلمين فأمعنوا فيهم القتل والتنكيل، واستفزوهم أيما استفزاز، فجردوهم من انسانيتهم عسى أن يهبوا للدفاع عن حيواتهم، فيحملون ويحمل معهم العالم الغربي المتواطئ أصلا عليهم بتهمة الارهاب.

لكن نجح الإخوان كجزء كبير وحاسم من ثوار ثورة يناير ، في امتصاص الضربات المتتالية شديدة الإيلام الموجهة إليهم ، دون انفلات أعصاب منهم ، سواء أكانت نتائجه بالإنتقام أو حتى بالاستسلام ، فحازوا على تعاطف الكثيرين ممن لا زالوا يؤمنون بحرية الفكر والاعتقاد.


أصل الحكاية

والملاحظ أن كثيرا من المصريين لم يكونوا لينتبهوا أن جيرانهم الأخيار أو زملائهم المخلصين فى العمل أو المدرسة أو الحقل ينتمون لتنظيم فكري يضم جمعا عريضا من الناس يسمى الإخوان المسلمين.

ولما لمس الناس في هؤلاء التدين وحسن الصفات لم يصدقوا لوقت طويل ما رمتهم به السلطة من اتهامات ملفقة لهم بالإرهاب.

فراح الإعلام الموجه يدخل المعركة بعمليات غسيل كامل للأدمغة وتزييف حقير لكل ما هو حقيقي، ونسف لكل نسق ذهني مهما كان بديهياَ، مستغلا في ذلك حصاد جهد دؤوب استمر عقوداً أو ربما قروناً من التغييب والتسطيح والتجريف لوعي الانسان المصري.

فظلت الشاشات تمطر بغزارة في مساء كل يوم بالدعايات الوضيعة والمسيئة المحرضة بالقتل ضدهم ،والتي من فرط التسرع في إطلاقها، ورغبة في تكثيف الهجوم كان كثير منها يفتقد للحبكة الجيدة وفي الغالب كان يفتقد حتى للمنطق.

تلك الدعايات عبثت كثيرا بالمنطق ، فنسبت إلى الاخوان قتل الخازندار باشا في اربعينيات القرن الماضي غير آبهة بنفي الجماعة وشح الأدلة،وقفزت لاعتبار ذلك نزوعا للارهاب وخيانة لا تغتفر، لكن حينما قام أنور السادات بقتل أمين عثمان اعتبرتها تلك الدعايات بطولة وطنية لا تقدر بثمن، رغم أن القتيلين عرفا بالولاء للانجليز، وكان قتلهما دربا من دروب المقاومة الوطنية المصرية آنذاك.

هذا نموذج بسيط من نماذج مظلومية فئة من المصريين لا ترضاها العدالة الحقة ،والتي بدت تتكشف حقيقة آلاف الحكايات منها بفضل كفاح ثلة من الثوار ضد هذا الانقلاب البغيض ، وهو ما لا يمكن له أن يحدث من قبل بمثل هذا الشغف.


ثلة من النابهين

لكن كما نجح هذا الاعلام في تجييش بسطاء الناس ضد هذا التيار الاسلامي صاحب اليد الخضراء عليهم، كشف لكتل أخرى تترواح ما بين مثقفة وناضجة وعاقلة حجم الافتراء والتلفيق الذى يمارس ضد هؤلاء الناس.

والأهم أن ذلك جعل تلك الكتل ترتاب ليس في صدق الحاضر فحسب ، بل في كل الروايات- بالأحري التلفيقات– السابقة التى رمت السلطة العسكرية الإخوان بها تاريخيا ،فتحرروا من قيد الاستسلام للمعلومات التى تقدم لهم معلبة، وراحوا ينبشون في دفاتر التاريخ بأنفسهم ليكتشفوا أنه أيضا مزور حتى الثمالة.

صحيح أنهم لم يصلوا إلى كل خبايا المعرفة ، لكن من المؤكد أن من سار على الدرب وصل، وسلامة المقدمات قطعا ستقود حتما إلى سلامة النتائج ، مع ضرورة التأكيد على أن الحديث هنا ليس دفاعا عن الاخوان أو التيار الاسلامى أو حتى الثوار جميعا كفكر باختلاف توجهاتهم ، لأنه من البديهى لدى الشعوب المتحضرة أن حرية الفكر والتعبير والتنظيم والاحتجاج أمر مقدس لا يعقل الاقتراب منه ، ولكن الحديث عن جرم جنائي يرتكب ضد فئة بعينها من الناس دون أن يرتكبوا جرما سوى أنهم مارسوا حقوق المواطنة في وطنهم التاريخي.

لقد كسب الاسلاميون ضمن أغلى ما كسبوا ثلة من المثقفين والنابهين المنصفين، بل وممن وقعوا سابقا في حبائل شراك التاريخ المعلب، بعدما شاهدوا بأم أعينهم كيف يزيف التاريخ، وكيف يكتبه الأقوياء، وكيف تلفق التهم، وكيف تختلق الأدلة ، فانبروا للدفاع عن العدالة المهدرة ولإصلاح المنطق المعطوب، فنالهم جزء من النَصَب والعَنَت ،ولو كان أهون مما نالوه هم .

لذلك رأينا أغلب القطاع الاعلامي والصحفي والحقوقي المدافع عن حقوق الاخوان كمواطنين مصريين،هم من أبناء هذه الفئة الخيرة ، وهم الفئة التى وجودها في صف المسار الشرعي أوقع نظام الانقلاب في شر تلفيقاته.


مكاسب أخري

ولنقف على صلب المكاسب التي حققها الاخوان المسلمون من هذا الانقلاب على ما ذاقوا فيه من أهوال ، يمكننا أن نتخيل أنه لو كان الاسلاميون يمثلون ربع المجتمع قبل الانقلاب، وكان الربع الأخر يقف منهم موقفا عدائيا بينما كان النصف المتبقي خارج الصراع أساساً ، سنجد أن الأغلبية ونعنى بها النصف الأخر- ويضم الكثير من نشطاء يناير والعوام وغيرهم- انشطرت هى الأخري لقسمين، انحاز كل قسم منهما إلى طرف من طرفي الصراع بدرجة أو بأخرى وبطريقة أو بأخرى، ثم رويدا رويدا ما بدأ الخيط يترى مرجحا كفة المظلوم، وتلاه مؤشرات قرب الالتحام مجددا كما كان المصريون قبل الانقلاب.

نعم.. قد خرج الإخوان من محنتهم بمزيد من الأعداء ، ولكن أيضا خرجوا بالأكثر كثيرا من الأصدقاء ، مع وجود فارق خطير هو أن كثيرا من أعدائهم هم يتوزعون ما بين طبقات ثلاثة، إما من المختلفين فكريا وهؤلاء لهم حقهم في العداء السياسي طالما يحترمون حقوق الأخر، وإما ضحايا التزييف الإعلامي وهؤلاء يمكن لعدة برامج تلفزيونية توضيح الحقائق لهم ، وإما جهلاء وهؤلاء لا يفيدون لا الثورة ولا الثورة المضادة أصلا.

كما أن شدة الهجمة وطبيعة كل ما حدث، وسع من مدارك الإخوان وكل قوى الثورة ذهنيا عموما حول أساليب وطرق إدارة النظام العسكري للبلاد ، حتى لا يفكرون بحسن نية في الموجة الثورية التالية التى باتت ليست وشيكة فحسب ، بل ملحة لدى المصريين الآن.

ومن المكاسب أيضاً، أنه حينما قصد نظام السيسي مهاجمة الإسلام ، انصب هجومه على الاخوان المسلمين ما نصبهم في نظر المراقبين حماة لهذا الدين ، كما أن التكالب الغربي على الاسلاميين وتحالفهم مع النظام العسكري كشف بالدليل القاطع لمن كان في حيرة من أمره من هو عميل أمريكا واسرائيل.

................................................................

صراع الشيخ الطيب

سيد أمين

الجمعة 14 أبريل 2017 15:29

مسكين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ، لابد أنه الآن يعانى صراعا داخليا مريرا ، فما كان يخشاه ويكذب حواسه إن اتجهت إلى تصديقه صار يتأكد حثيثا يوما بعد يوم، بأن الحرب التي يخوضها السيسي ليست ضد الإخوان المسلمين فحسب، ولا حتى ضد الإرهاب ، ولكنها ضد الإسلام ذاته.

لم يعد خفيا عليه أن عذابات السيسي تجاهه ليست عذابات محب مفرط في الحب العذري الطاهر، ولكنها عذابات حقيقية لغريم يكشف يوما بعد يوم عن وجهه الحقيقي وعن انحيازاته المضادة.

وعلي ما أعتقد أن الطيب الآن هو بحاجة ماسة لأن يتكاتف الحرصاء على هوية مصر الإسلامية للاصطفاف خلفه وحوله ، فقد نجده حينئذ أكثر وضوحا في رفضه لثورة السيسي الدينية ، وإذا تقاعس فسيتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود في شخصيته ونكون حينئذ من الموقنين.


أسباب الصراع

مصدر صراع الطيب الآن هو اكتشافه أنه كان مجرد أداة يتم العبث بها من أجل الوصول لهدف بغيض، وهو محو الهوية الإسلامية والعربية لبلد يتمتع بها منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ، ومن العار أن يتم هذا السقوط الخطير لهوية مصر في ظل رئاسته لأكبر مؤسسة إسلامية في البلاد، والأكثر عارا انه شارك بحسن نية في تمرير هذا السقوط، تارة تبريرا وتارة صمتا وتارة خوفا ، وكان في ذلك كرجال دين بني الأحمر وحكامهم في أخر ممالك المسلمين في الأندلس الذين برروا الاستغراق في حروب الخصومات الطائفية بين المسلمين وتركوا الإسلام نفسه يضيع في تلك البلاد الحالمة.

الطيب كان يعتقد أن المطلوب تغييرا في التعامل الديني لكنه اكتشف انه تغيير في الدين نفسه وهو ما يتكشف بشكل متسارع للجميع .

لا أتفق مع من يقول آن الطيب أيد الانقلاب بسوء نية وأنهم أتوا به منذ زمن بعيد لأغراض كتلك، ولو كان كذلك ما تعب السيسي منه وما أطلق عليه الأبواق الإعلامية تنهشه ، وما استبيحت هيبة الأزهر الدينية في النفوس على يد قوى تدعي أنها ضد السلطة الدينية وضد المتاجرين بالدين ، وهو اللفظ الذي لا يلقونه أبدا إلا على رجال هذا الدين الذي لا سلطة دينية فيه أصلا ، فيما لا يجرءون على انتقاد زعماء الديانات الأخرى الذين صبغوا عيانا بيانا الدين بالسياسة.


سجالات الشيخ

علامات ذلك الصراع الداخلي للطيب برزت بشكل واضح حينما صرح على غير عادته منذ الانقلاب أن هناك إرهابا مسيحيا ويهوديا وبوذيا لا يجرؤ العالم على إدانته ، وأن التركيز على الإرهاب الإسلامي فيه ظلم بين ، وكأنه بذلك يرسل رسالة للسيسي أن حقيقتكم انكشفت لي ، وأنا لا أقف معكم في ثورتكم الدينية الهادفة لقتل الإسلام في تلك البلاد .

وكانت من السجالات أيضا بين الشيخ ودولة السيسي وقوفه ضد الخطبة المكتوبة التي كان الهدف منها ليس تأميم المنابر فحسب، بل وضرب هيبتها وهيبة مشايخها في مقتل بحيث ينصرف الناس عن المساجد وخطبائها وخطبهم التي ستكون قد تحولت إلي نشرة للشئون المعنوية ، ليتحلل الإسلام من واحدة من أهم مميزاته وهى كون صلاة الجمعة عبارة عن اجتماع أسبوعي للمسلمين لمناقشة أمورهم بمنتهي الحرية وطبقا لمقتضى الحاجة ، فتتحول كل الصلوات بل والعقيدة كلها إلي مجرد سلوك فردي قبل أن تندثر.

وهذه واحدة من كبريات معارك الإمام ضد ثورة السيسي الدينية التي تلاها فتورا في حماسة الرجل لدعم قراراته من جانب، وما ترافق معها من انطلاق الحملات الإعلامية المنظمة المحرضة ضده وضد الأزهر كله من الجانب الأخر، والتي راحت توصمه بالتهمة المشاع لدعم الإرهاب، مع أن الإرهابيين في سيناء يستهدفون ضمن ما يستهدفون تفجير المعاهد الأزهرية دون أن يشير الإعلام المتواطئ لذلك.

صحيح أنه لم يخض سجالا ذا شأن ضدها ، لكنه أيضا لم يلتزم الصمت المطبق لا هو ولا مؤسسته كما فعلت كثير من المؤسسات الرسمية في الدولة ، فقد كان الأزهر أول جهة رسمية وربما الوحيدة حتى الآن التي أدانت مذبحة رابعة.

فعلا هي لم تسمها باسمها في بيان تجريم إراقة الدماء الذي أصدرته آنذاك ، وأنه كان بيانا ضعيفا لا يرقي لهول الحدث ، لكن توقيت صدوره كان ذا صدى طيب مؤثر أكبر بكثير من كلماته ، ليس ذلك فحسب بل وخرج مستشاره الدكتور حسن الشافعي وهيئة كبار العلماء ببيان عاصف ضد المجزرة.

أتصور أن الطيب الآن في انتظار إطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو في أحسن الظروف بيان إقالته حتى وإن كان مخالفا لشروط وقوانين تعيين وإقالة الإمام ، فالحصانة ما نفعت من قبله المستشار هشام جنينة.


التعليم الأزهري

وفي الواقع أن الحرب ضد شيخ الأزهر بدأت متأخرة، ولكن الحرب ضد الأزهر نفسه كانت سابقه ، فالتعليم الأزهري الآن علي مستوي الجمهورية يعاني تدميرا منظما كما هو معلوم للقاصي والداني ، لدرجة جعلت الكثيرين من خريجيه الجامعيين لا يجيدون القراءة والكتابة ، ومدارسه لا يوجد بها تعليم ، وبعضا من مدرسيه غير مؤهلين لذلك ، ومناهجه من الصعوبة ما تنفر من الالتحاق به .

وصورة الأزهري في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي صارت مدعاة للحزن، فقدمته بصورة الجاهل والمتعصب والانتهازي والفاسد والمتآمر والمغفل وألصقت به كل نقيصة.

فإذا كان الطيب الآن يعاني صراعا نفسيا ، فان الإسلام يعاني خطرا وجوديا بمحاولات افراغه من مضمونه

.............................................................

حول مأساة التعليم في مصر

سيد أمين

الاثنين 15 مايو 2017 11:33

خرجت مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم ولم تستطع الحفاظ على رباطة الجأش والتفوق الذي كانت تبديه علي دولة غينيا.

ويثير أمر الاعتراف العلني الذي أبدته السلطات المصرية علي لسان وزير تعليمها بهذه الفضيحة بعد النكران التام ، الريبة من أن يكون النظام الذي بدا تغريبيا وجانحا إلى التنكر للهوية العربية والإسلامية للدولة في جميع سلوكياته ، يسعي لاستغلال الأمر كذريعة لمزيد من تغيير المناهج وطمس الجزء اليسير جدا الذي ما زالت تحتفظ به من وطنية.

ولو تحدثنا عن التقدم فلا يمكننا إلا أن نتحدث عن التعليم ، ولا يمكننا أيضا- مرضاة للضمير وكتعبير عن الصدق - إلا أن نقول إنه لا يمكن أن تتقدم أمة من الأمم دون أن تمتلك منظومة تعليمية سليمة تراعي أول ما تراعي ربط حاضر الإنسان بماضيه وذلك علي اعتبار أن فهم واستنهاض الماضي هو دراسة مكثفة لاستدراك المستقبل.


الهوية القومية

في سعي النظام العسكري لتغريب المجتمع راح يعلم النشء اللغات الأجنبية قبل أن يعلمهم لغتهم القومية الأصلية "اللغة العربية" ، فتوسع في إنشاء المدارس التجريبية فضلا عن مدارس اللغات الخاصة والمدارس الدولية وجميعها لا تدرس باللغة العربية ، في نفس الوقت الذي أهمل فيه المدارس الحكومية العربية والتي تدرس اللغة الانجليزية أو الفرنسية أو كليهما جنبا إلى جنب مع اللغة العربية ، بل راح يخنق التعليم الأزهري خنقا ويخربه ، تارة بكثافة المناهج واعتماده علي الحفظ ، وتارة بسوء الإدارة وإهماله وتعيين مدرسين غير أكفاء له، وأخرى بنشر ثقافة الغش ثم بمحاصرة خريجيه وعدم إيجاد وظائف حكومية لهم وغيرها، وذلك نظرا لما به من مناهج تربط الطلاب بالهوية القومية للدولة.

ورغم أنه من أهم المقاصد التي تسعى إليها الدول من التعليم هو تعميق الهوية الوطنية والقومية للدولة لدي الشباب، يبدو ذلك التغريب لدي بعض المصريين ممن لا تعنيهم تلك الهوية وللأسف هم من يشكلون القطاع الأكبر في الحكم الآن ، أمرا عاديا بل ويستحق الثناء لا الذم ، ولكن ألا يعتبرون أن هذا الإثقال في المناهج يخرج جيلا من المتعلمين لا يجيدون لا اللغة العربية ولا حتى الإنجليزية ولم يتعلموا شيئا البتة وهو ما يشرح ظاهرة التسرب من التعليم التي بدأت تتفشي في الأرياف مؤخرا؟


فشل تام

لقد أنتجت الرؤية المشوشة والمنظومة المعدومة للقائمين علي التعليم بمصر جيلا أقل ما يوصف به أنه "مسخ" فلا هو أوربي ولا هو عربي , ولا هو متعلم ولا هو جاهل , ولا هو يعرف من أين هو آت ولا الى أين هو ذاهب، ولا حتى يعرف عدوا ولا حبيبا ، بل شخصا يحمل شهادة الاعدادية منذ نحو 30 عاما مضت يمتلك وعيا وثقافة وعلما أفضل من حامل لشهادة الدكتوراه هذه الأيام.

انهارت أطراف العملية التعليمية بشكل كلي في مصر، فالمناهج يعتريها كثير من العوار و"الأهواء" ،وسخرت طبقا لمقتضيات السياسة لا مقتضيات البحث العلمي الدقيق والصالح العام ،وذلك طبقا للقرب والبعد مع أهداف السلطة الحاكمة.

والمدرسة صارت أداة للربح بعد استغراق القطاع الخاص لهذا المجال وحرصه علي ما يحرص عليه التاجر غير الأمين في بيع البضاعة الفاسدة مع الحفاظ على طيب المنظر العام.

وصار الطالب هو أيضا غير راغب في التعليم بقدر رغبته في الحصول علي الشهادة التعليمية.

فساد العلاقة بين أطراف التعليم حولته من منتج له مردود أخلاقي واجتماعي بناء، إلى سلعة تباع وتشتري تصلح معها الفلسفة السوقية المصرية التي تلخصها لفظة "الفهلوة" ، ما فاقم من ظاهرة الغش وأوجد خريجي جامعات لم ينالوا حتى الحد الأدنى من مقومات التعليم لدرجة الجهل بالقراءة والكتابة لاسيما من خريجي الكليات الأدبية.

كما يمتاز التعليم في المدارس الحكومية وهى قليلة عددا مقارنة بالمدارس الخاصة بفوضوية خاصة وكل ما ليس له علاقة "بالتربية" والتعليم.


الاستقرار الوظيفي

وكما انتهى دور المدرسة الاجتماعي مع عصر الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي وما رافقته من ممارسات تتنكر للتراث ورجاله والمدافعين عنه، انتهى أيضا دورها التعليمي الذي أنشئت من أجله، وأمست محصلات العملية التعليمية في المدارس تساوى صفرا كبيرا بكل معني الكلمة ،وتحولت المدارس بكل أنواعها ومراحلها إلي مجرد دور للالتقاء الاجتماعي والتجاري وعقد الاتفاقات علي الدروس الخصوصية بين المدرسين والطلبة أو أولياء أمورهم.

كما أن الحملة الممنهجة التي تشنها وسائل الإعلام المصرية علي المدرس حين طرح أي مناقشة جادة لحل قضية التعليم في مصر تبدو صادقة مع مدرسي المدارس الحكومية فقط ، في حين أنها أمست شديدة الظلم مع مدرسي مدارس القطاع الخاص.

فكثير من المدارس الخاصة تمنح المدرس فيها راتباً غاية في التدني يقل كثيرا عن الألف جنيه مصري شهريا، وتمارس ضده شروطا تعسفيه تتيح لها فصله في أي لحظة ، مع جعل رضا الطالب عنه هو المعيار الأول لاستمراره في عمله، ما يجعله ينصرف عن تقويمهم إلى إرضائهم، فقضي هذا الوضع علي المدرس الجاد وأبقي علي الأقل كفاءة منهم.

وتسببت تلك الحالة في تنامي الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان الوظيفي لدي المدرس ، وانعكس ذلك بالقطع علي سلوكياته التعليمية فبدا مهتزا مثيرا للرثاء ،وبالتالي أثر ذلك علي الطلاب تعليميا لكون فاقد الشيء لا يعطيه.

ومع قبول المدرس بهذا الوضع نظرا لفقر سوق العمل، جعله مضطرا بل مجبرا علي اللجوء للدروس الخصوصية لتعويض حاجته المادية.

في الحقيقة الكلام يطول ولكن الخلاصة هي أنه لن يستقيم حال التعليم في مصر إلا إذا عدنا إلي المعادلة الأولي التي أنجب استخدامها كل نجباء مصر في العقود الماضية ، وهي اعتبار التعليم رسالة وطنية وإنسانية ودينية مقدسة ، واحترام المدرس واعتباره مربيا ، واعتبار التلميذ قائدا للمستقبل الذي نرجوه.

.......................................................

تساؤلات حول الرابط بين "درنة" والمنيا

سيد أمين

الجمعة 2 يونيو 2017 20:57

تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه

تساؤلات كثيرة تحتاج لإجابات عاجلة حول الضربات الجوية التي وجهها نظام السيسي لمدينة درنة، وبعض المدن الليبية وعلاقتها بمذبحة المنيا التي وقعت مؤخرا وراح ضحيتها عشرات الضحايا والمصابين من المسيحيين المصريين.

أول تلك التساؤلات يأتي حول منطقية هذا الربط الغريب الذي ربطت به السلطات المصرية بين تلك المدينة التي تستعصي علي الجنرال المتقاعد المدعوم غربيا خليفة حفتر، وبين مرتكبي المذبحة المروعة المدانة، خاصة أن المسافة بين المدينتين تزيد عن الألفي كيلو متر.

وعلي افتراض أن الطريق مرصوف وآمن، ومع التغاضي عن حالة التخفي الواجبة للخارجين عن القانون، والطرق الرملية الوعرة والمرتفعات والمنخفضات وبحر الرمال الناعمة، وهي كلها ملاحظات جد خطيرة، فان السفر بين المدينتين قد يستغرق20 ساعة متواصلة بسرعة 100 كيلو متر في الساعة، ما يعني أن الإرهابيين منفذي المذبحة لم يتمكنوا من العودة بعد تنفيذ جريمتهم، وبالتالي فلماذا تم قصف درنة بعد ساعات من المذبحة؟

وإذا كنت قد عرفت بعد ساعة فقط من وقوع المذبحة بمسئولية مجاهدي درنة عنها، فكيف لم تعلم باختراق مهاجميهم الجبال والقفار بصحبة أربعة سيارات رباعية الدفع- كما قال شهود العيان من الناجين- للأراضي المصرية التي تسيطر عليها القوات المسلحة، فتمنع المجزرة من الوقوع؟

كما أن السرعة في قصف درنة تعني أن الطائرات كانت علي أهبة الإقلاع حين وقوع المجزرة، ما يكشف عن النوايا المبيتة للضربة الجوية ، فهل كانت النوايا مبيتة للضربة أم للمجزرة أيضا؟

وإذا كانت تحريات رجال الأمن شديدة الألمعية والجاهزية لتحدد مرتكب المذبحة بعد ساعة واحدة من وقوعها، فإنه سيكون من المستغرب عليهم حينئذ عدم تقديم قتلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني رغم مرور عامين علي الواقعة، وتوفير الاتهامات الغربية التي تشير إلي ضلوع قيادات كبري بالجهاز الأمني في الجريمة؟

وهل هناك علاقة بين صفقة القرن وبين استنجاد السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب لدعمه في مكافحة الإرهاب، وبين محاولات إنهاء الصراع في ليبيا لصالح التيار الموالي لأمريكا؟

كما أن هناك تساؤلات عدة حول مجزرة المنيا أهمها كيفية رصد الجناة للضحايا وعلمهم بوجود هذه الحافلات في هذا التوقيت؟

وما الذي أضافه قانون الطوارئ الذي تم فرضه مؤخرا في طريق الحد من العمليات الإرهابية؟ وكيف تحول الإرهاب المحتمل إلي إرهاب حقيقي، تشهد مصر بسببه في ستة أشهر فقط خمسة عمليات إرهابية كبري تمس الأقباط ، فضلا عن تفشي الخطف والقتل وكافة ظواهر البلطجة والانفلات في الشوارع؟.

ومن نافلة القول التساؤل حول سر الصمت المزري علي العصف المستمر بالدستور الذي كتبه السيسي علي عينه، فالمادة152 منه تمنعه من إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء، وهو ما لم يحدث بالقطع .


ظلال من الشك

تلك التساؤلات تضيف ظلالا من الشكوك حول صحة كل ما يجري في حرب السيسي علي الإرهاب ، الذي كان الفيديو المصور الذي بثته قناة "مكملين" مؤخرا حول قيام أشخاص يرتدون زيا عسكريا بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق مدنيين، كاشفا وصادما.

وسواء أكان الفيديو كاذبا أم صادقا، إلا أن الكثيرين يؤكدون أنه لم يأت بجديد واعتبروه تحصيل حاصل وتأكيدا للمؤكد، فيما اعتبره آخرون عملا زائفا ومبالغة يستهدف منها الإساءة إلي الجيش المصري الذي يعتز به كل مصري.

ولأنه في الفم ماء، يمكننا القول بأنه إذا قام عاقل بتطبيق القاعدة البديهية التي يستخدمها رجال البحث الجنائي في الدول المتقدمة "ابحث عن المستفيد"، فإننا قطعا سنجد أن "الوجهاء الأشرار" الذين طالما رأيناهم يتباكون على الإنسانية المهدرة وينددون بملء فيهم بالإرهاب الغادر هم من أكبر صناعه، بل أنه هو بضاعتهم الوحيدة التي يسوقونها للنيل من كل من يعاديهم بعدما يغلفون نواياهم السياسية غير الأخلاقية بأقنعة تبدو نبيلة ومشروعة.

وسيكتشف أيضا وبكل جلاء أنه بضاعة لا يستفيد منها إلا من جري تسويقهم بوصفهم ضحاياها ،ولا يتاجر بها إلا من يقولون إنهم يحاربونها. 


الإعلام والإرهاب

كل المذابح التي تمس المدنيين والأقباط مدانة ولا يمكن بأية حال تبريرها، ولكن أيضا صار الإرهاب الإسلامي من أكبر المزاعم التي يجري ضخ الأموال لترسيخها في العقول، لتنفيذ الحرب الإمبريالية الجديدة الأكثر نجاعة ضد الإسلام، وهي الحرب التي صرح بها علانية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ذاته في لحظة مصارحة عقب سقوط الاتحاد السوفيتي.

وعادة ما تستهدف التهمة المقاومة العربية والإسلامية أو من يدافع عن عرضه وأرضه ودينه وهم من يجب تكريمهم بـاعتبارهم"فدائيين" يحمون أوطانهم، خاصة أن المعتدي هو من عبر المحيطات إلي بلادنا ولم نذهب نحن إليه.

ونستطيع الجزم بأنه جراء الدعاية الإعلامية والسياسية المتواصلة والضخمة ، تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه حتى لو كان من أولئك الذين يحملون الإسلام وراثة ولم يمارسوا شعائره قط.

وإذا كان هناك اعتقاد حاسم عند الكثيرين بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، فالإرهابي أيضا يصفه بتلك الصفة الأقوياء الذين يملكون ثالوث القوي، قوة الردع وفرض الرأي إجبارا، وقوة المال وفرض الرأي رشي وهبة ، وقوة الإعلام وفرض الرأي استغلالا لمواطن الجهل في الأذهان.

ولأن النوع الثالث من نظم فرض الرأي هو الأكثر فعالية والأنجع علاجا والأرخص تكلفة ويغطى الفئة الأوسع انتشارا على الأرض، فإنه يجري استعماله على نطاق واسع فيغسل أدمغة الناس أو يخطف أذهانهم بما يشكل سلاحا فتاكا يفوق في حسمه القنبلة النووية ذاتها.

ومن مخاطر الصورة النمطية الشائعة عن الإرهابي والتي تخلقت غالبا في دهاليز أروقة المخابرات أنه شخص منغلق على أفكار رجعية جامدة ،وكأنه خلق نشازا في منظومة هذا الكون ، يحب الخراب والتدمير في الأرض لجينات ورثها من أبائه وأجداده المسلمين أو "الإرهابيين" الأوائل, وأنه يمارس الإرهاب من أجل الإرهاب وكرها في الأخر.

وهو بالطبع تصور قاصر ينفيه المنطق قبل التجربة، لأن الإنسان مجبول على حب الأمن والاستقرار، كما أن أغلب معاركه هي في الغالب للدفاع عن تلك الحاجات الملحة المسلوبة، ولذلك فمتى توقف عدوان الأقوياء – وهم عادة من يعتدون ويغتصبون أمنهم المفرط على حساب الخوف الشديد لدى الآخرين - توفر الأمن والاستقرار فتوقفت مظاهر "الإرهاب" التي يمارسها الضعفاء.

ومفاد ذلك أن الجميع فئ الواقع يكافح من أجل الأمن والاستقرار بما فيهم "الإرهابي" الذي يكافح جلاديه. 

.................................................

ثورة يوليو الأمريكية


سيد أمين

الجمعة 28 يوليو 2017 15:59

لولا أن ما درجنا على تسميتها "حركة 15 مايو/أيار" التي لقبها السادات بالثورة في بداية حقبة السبعينيات حدثت في مايو ، لقلنا إن "يوليو/تموز" هو شهر الانقلابات العسكرية الوحيد في مصر، بدءا من 1952 نهاية بانقلاب 2013، وكأن ارتفاع درجة حرارة الشمس يخلق تأثيرا انفعاليا في أدمغة العسكر فيقتلون ويسحقون.

ورغم أننا احتفلنا كثيرا بـ "ثورة أولى" مزعومة لم يعشها معظمنا وصارت راسخة يقينا في وجدان الكثيرين منا ، فإن مسايرتنا للثورة "المزعومة" الثانية كشف لنا ليس خداعها هى فحسب، بل خداع الأولى معها، وعرفنا من خلالها أيضا "كلمة السر" وراء سيل "الثورات" التي اختص العسكر بها بلادنا.


أسئلة مشروعة

والحقيقة أننا نحتفل كل عام بحركة الجيش في 23 من يوليو/تموز 1952 ومع ذلك نتجاهل تساؤلات حول أسباب عدم تدخل الانجليز من أجل إفشالها وحماية عرش "الملك" وهم الذين يسيطرون على مصر عسكريا، أرضا وبحرا وجوا ، شعبا وجيشا ، وقادرون على قمع أي تمرد مهما كان حجمه ضدهم ، خاصة أن هذا التمرد يقوده بضع عشرات من الرتب العسكرية الصغيرة قد تسعهم "عربة ترحيلات واحدة"، والسيطرة عليهم بأسلحتهم البدائية عمل غاية في السهولة على جنود إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس؟.

وكيف دخل هؤلاء المتمردون الجيش المصري وترقوا فيه أساسا بينما الانجليز يبسطون سيطرتهم تماما عليه بوصفه المؤسسة الأهم التي يحرص عادة أي كيان استعماري على السيطرة عليه؟

وأيضا، هل من الصدفة نشوء هذا التناغم بين ضباط جيش تربوا على السمع والطاعة، وتوحدهم رغم تنوع بل وتنازع ألوان طيفهم الفكري: القومي ،والشيوعي، والاشتراكي، والليبرالي ، والإسلامي ـ المتمثل في الإخوان المسلمين ـ خاصة في مثل هذا العمل السري الخطير المحفوف بالمخاطر والذي عقوبة فشله هي نزع الحياة من أرواحهم؟

ألا يشعرك هذا التنوع بأنه كما لو كانت هناك انتخابات جرت لاختيار من سيرتكبون جريمة "الانقلاب" على نظام الحكم، وطرد الملك أو قتله وهو الذي كان يعاقب من يسبه بالمؤبد طبقا للقانون آنذاك، فمن أين جاءوا بكل تلك الثقة؟

ويجب الإشارة أيضا إلى أن قبول العسكر بهذا "التنوع" يحمل في حد ذاته غرابة كبيرة نظرا لعدم توافقه مع النزعة الاستحواذية للنظم السائدة آنذاك، فضلا عن الممارسة الديمقراطية لم يعرف بها إلا الغرب وخاصة بريطانيا آنذاك!


نتيجة واحدة

ولعل حاصل إجابات هذه التساؤلات تفضي إلى نتيجة واحدة هي أن هؤلاء الضباط بكل تنوعاتهم الفكرية كانوا مجرد بيادق اختيروا مبكرا وبعناية فائقة للقيام بلعبة مرسومة في إطار هوجة الانقلابات العسكرية العربية في خمسينيات القرن الفائت والتي تم تجميلها فلقبت بـ"الثورات".

وهى "الثورات" التي على ما يبدو قد صممتها فلسفة أمريكية تتناسب مع هذا الكيان العالمي الجديد الآخذ في التغول خاصة بعد ما قيل عن تنازل بريطانيا لأمريكا عن مستعمراتها القديمة باتفاق سري جري بينهما في يناير/كانون الثاني 1951، مستخدمة الطريقة الشهيرة التي أوصى بها المفكر الإيطالي "نيقولا مكيافيللي" أميره في السيطرة على المستعمرات الحديثة، ومنها أن ينصب عملاء له من بين شعبها حكاما عليها، خاصة من بين الأقليات أو الطوائف المكروهة، فيقتلون شعبهم ويسلبون ثرواته، ويقدمونها له على طبق من فضة لأنه هو من يحميهم من عدوهم الشعب.


الملك الحائر

اتهم الإنجليز الملك فاروق صراحة بالتعاون مع القوات الألمانية المرابطة في صحراء العلمين علي الحدود الليبية في الحرب العالمية الثانية فحاصروا قصره بالدبابات في حادث فبراير /شباط 1942 الشهير ليجبروه على حل الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وتعيين حكومة "الوفد" الموالية لهم وذلك من أجل تأمين جبهتهم الداخلية، ما يؤكد أن بريطانيا كانت كارهة للملك وبالطبع كان هو كارها لها لحيازتها على كافة أدوات السلطة في مصر وتحويله إلى حاكم بلا حكم.

ويمكننا في هذا الصدد مراجعة العديد من الكتب والوثائق ومنها مثلا كتاب " الملك فاروق وألمانيا النازية - وخمس سنوات من العلاقات السرية" لكاتبه وجيه عتيق.

بل إن مذكرات الملك فاروق نفسه أشارت إلى أن السفير الأمريكي كان يلحُّ عليه قبل الثورة بقليل أن يعترف بدولة إسرائيل كي يضمن مؤازرة الإدارة الأمريكية، ولكنه كان يجيب على الدوام: «إنني لا أريد أن يسجل التاريخ عليّ أنني أول ملك عربي يعترف بالدولة اليهودية».

وهذا ما أثبته فتحي رضوان في كتابه "72 شهراً مع عبد الناصر" وهو «أن الأمريكان هم الذين دبّروا خلع الملك فاروق لأسباب عديدة منها عجزه أو رفضه الاعتراف بإسرائيل» كما ورد في محاضر اجتماعاته مع السفير الأمريكي وأن وزير الخارجية الأمريكية دين أتشيسون رفض مساعدة فاروق أثناء الانقلاب الذي أسقطه، كما كانت وقفة السفير الأمريكي الآخر جون فوستر دالاس ضد الملكية، الضربة الحقيقية ضد فاروق لصالح عبد الناصر .

وهنالك عدة كتب أحدها أصدره أحد مراكز البحث في "أبوظبي" يضم وثائق تتعلق بثورة 1952 تؤكد أن السفارتين البريطانية والأمريكية - وهما ممثلتا دولتي الاتفاق الذي أشرنا إليه سلفا - كانتا غاضبتين جدا من الملك فاروق وتحدثتا بكل صراحة عن ضرورة تغييره.

كما حوى الكتاب الأشهر عالميا "لعبة الأمم" لمؤلفه ضابط المخابرات الأمريكية "مايلز كوبلاند" تفاصيل دقيقة عن عدة لقاءات جرت بينه وبين زميله كيرميت روزفلت وقيادات المخابرات الأمريكية من جانب مع جمال عبد الناصر وقيادات الضباط الأحرار من جانب آخر للإعداد للانقلاب.

فيما حفل كتاب "ثورة يوليو الأمريكية ..علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية" الصادر عام 1988 عن دار الزهراء للإعلام العربي لمؤلفه الدكتور محمد جلال كشك ، بمئات بل ألاف الشهادات والمصادر التي تسير في هذا الاتجاه، والتي تدحض أيضا الآراء المغايرة.

بل راح كتاب مصريون مقربون من السلطة مثل المرحوم "محسن محمد" رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق يعترف تلميحا بوجود تلك العلاقة في مقالات نشرتها له "أخبار اليوم".

...........................................................

الذين آمنوا بثورة السيسي الدينية


سيد أمين

الجمعة 25 أغسطس 2017 17:21

لعل من أهم ما كشفت عنه دعوة الرئيس التونسي فيما يختص بالمواريث وزواج المسلمة من غير مسلم، أن ثورة السيسي الدينية لا تخص مصر فقط بل تأتى في إطار خطة دولية منسقة لعلمنة الحياة وتجريدها من الاعتقاد الديني في الوطن العربي كافة.

ويدعم هذا الاحتمال تلك التصريحات التي أطلقها سفير دولة الإمارات العربية مؤخرا في واشنطن يوسف العتيبة في مقابلة على قناة "بي بي إس" (PBS) الأمريكية أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات "علمانية مستقرة ومزدهرة" وأن ذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر.

وتلا ذلك اعلان السعودية عن إنشاء إقليم البحر الأحمر على عدة جزر سعودية بدعوى تنشيط السياحة والاستثمار والتي تمتاز الحياة فيها بأنها تتحرر من القيم والقوانين المطبقة على باقي الأراضي السعودية التي تجرم الزنا ومعاقرة الخمور، ثم إعلان السعودية عن قرب اصدار4 قرارات تتعلق بالنساء في المملكة.

ووسط هذا الدفق، وكما أيدت الإفتاء التونسية التعديلات الدستورية، قام الدكتور حاتم الشريف عضو مجلس شورى السعودية بكتابة مقال يهاجم فيه التيار السلفي والوهابي ويقول انه غير معصوم من الخطأ، داعيا – وهذا بيت القصيد - إلى تحديد علوم الشريعة بما يواكب العصر ومؤكدا أن برامج التدريس والمناهج، إضافة إلى وصايا تعليمية، بُنيت في الماضي على إرهاب فكري.

كما لا يمكننا أن نعتبر أن جهر سعوديات مؤخرا بارتداء ملابس لم تكن معهودة من قبل في المملكة بطبيعتها المحافظة بعيد عن هذه الأحداث.

العلمنة والإرهاب

ورغم أن المفترض من مصطلح "العلمنة" هي الدعوة لسيادة "العلم" في المجتمع فإن تفسير قوى التبعية العربية له خاصة في مصر تؤكد أن حاملي تلك الدعاوى لا ينشرون علما ولا ينوون، بدليل دعمهم لـ"العلاج بالكفتة" ودخول عصر صناعة "الأستيكة" وإنشاء "أكشاك الفتوى" وأحاديث "أهل الشر"، فضلا عن قتلهم وسجنهم للعلماء والباحثين، ولكنهم فقط ينحرون قداسة أي مقدس في النفوس، ويزيدون من ارتفاع جدار الغفلة والاستكانة للاستبداد عبر شغل الناس بثقافة الرموش والأثداء والشذوذ، ودعم أي تمرد على الدين والأعراف والتقاليد والتراث، في نفس الوقت الذي يحاربون فيه أية مقاومة للاستبداد والظلم ولا يتورعون عن وصم فاعليه بالإرهابيين.

ولأن إقناع الناس بالتخلي عن مقدساتها أمرا شديد الخطورة والصعوبة، كان لابد من تشويه تلك المقدسات ووصم كل من يدافع عنها بكل مشين.

فقد ساء استخدام لفظة "الإرهاب" من فرط المتاجرة بها من قبل الامبريالية والنظم الاستبدادية ، وحدود ومواصفات العمل الإرهابي وملامح الإرهابيين - إن كانت لهم ملامح -ودوافعهم والمعيارية التي تمكننا من تصنيف هذا القتل بالعمل الإرهابي دون غيره من أعمال قتل تجري كل يوم بل وكل ساعة على ظهر كوكبنا، كما أن هناك اختلافات معيارية في مفهوم الأمن فمشكلة القوى عادة هي أنه يري أن الأمن لا يتوقف حينما يغطى حدوده وسلامته فحسب، بل يمتد إلى إخضاع إرادات الآخرين، أما الضعيف فهو لا يملك حتى حماية أمنه وسلامته، بل إنه يستجدى أمنه من سارقيه الأقوياء،وهو يدرك تماما إنه حينما يحاول انتزاع أمنه انتزاعا من دون أن تكون له قوة كافية تؤمن له تلك العملية فإنه سيتحول إلى إرهابي.

لذلك وجب علينا اعتبار الضعيف ضحية وليس جانيا، بل إن من يصمتون على سلب إرادته هم شركاء في الجريمة ضده.

ولو تتبعنا من وصمتهم الدعاية المتغلبة بالإرهاب في كل تلك الحوادث التاريخية الفارقة لاكتشفنا أنهم لم يكونوا قط القتلة، بل كانوا في الغالب المقتولين ولا أحد سواهم، كما أننا نجد أن القاتل هو من ذهب إلى الضحية في عقر داره ليقتله ثم بعد ذلك يشوه تاريخه ونضاله وينسب إليه الإرهاب.


نحر المقدسات

وبنصل حاد - وعلى خلاف الذبح البطيء في السعودية- يجرى نحر أي "مقدس" في مصر، فإذا كان هناك "بلطجي" خارج على القانون ومحطم لقيم المجتمع، هنا ستقدمه الدراما المصرية الرسمية بصفته المواطن المثالي، وإذا كانت سيدة خائنة لعفتها وزوجها وامتلكت القدرة لتجهر بعشق "الرفيق" هنا بالقطع سيحتفي الإعلام بذلك ويصدر الواقعة في مجملها كحرية شخصية، أما لو أقامت سيدة علاقة محرمة لدرجة أن وضعت منها سفاحا هنا ينبغي تقديمها كضحية للمجتمع.

كما يموت أو يعاني الآلاف من الفقراء في مصر سنويا جراء الإهمال الطبي في المستشفيات لا سيما الحكومية، لكن وفاة راقصة جراء هذا الإهمال كان هو وحده كفيلا بأن يهب البرلمان - المفترض انه منتخب من كل الشعب بما فيه الفقراء – ليخصص جلسة لوضع قوانين تعالج هذه الأزمة وتكافح الظاهرة.

لذلك فلم يعد مثيرا للاندهاش ولو حتى بمصمصة الشفاه في مصر، أن تكون الأم المثالية راقصة، ومقدمة البرامج الدينية راقصة، وتلك التي كلفها السيسي برفع الوعي الديني عند المصريين شبه راقصة.


للمسلمين فقط!!

كل يوم يقدم نظام السيسي دلائل جديدة على أن تجديد الخطاب الديني الذي يدعو إليه في إطار ثورته الدينية يتميز بخصيصتين اثنتين، أولاهما أنه يقتصر فقط على الدين الإسلامي دون سواه من الأديان، حيث لم نسمع منه مثلا مطالبته بتجديد الخطاب الكنسي أو دعوة الكنيسة لإيجاد تفسيرات جديدة للإنجيل أو إهمال زعامات دينية بعينها، ولم نسمع منه أيضا مطالبات بتجديد الخطاب اليهودي، أو تجديد خطابات أي عقائد أخرى في العالم - يعرفها الكثيرون - ترى أن قتل الناس عملا يستحق رضا الرباني.

وثانيتهما أن ما يجري في مصر الآن يصب في نتيجة واحدة وهي القضاء على مظاهر الإسلام في مصر، كما قضى عليه من قبل في نفوس شعوب كثيرة قبل أن تهزم عسكريا كما حدث مثلا في الأندلس والفلبين وغيرهما.

ورغم أن الإسلام لا يمنح وصاية لمسلم على مسلم أو بشر على بشر، نظرا لخلوه من التقديس والكهنوت، فإن المتدينين المسلمين دون سواهم هم المتهمون الجاهزون بمنح ومنع صكوك الغفران.

لقد بات معلوما أن الإسلام والمسلمين الآن في خطر حقيقي لم يألفوه من قبل

.........................................................................

الطرق الغربية في إدارة المستعمرات العربية


سيد أمين

الجمعة 29 سبتمبر 2017 20:05

للسياسة الأمريكية والغربية عامة في وطننا العربي خطوط شبه موحدة لكنها دائمة وراسخة، تتمركز حول هدف استراتيجي واحد هو إقصاء إرادة الشعوب من المشاركة السياسية ووأد أي نشاط يقود إلى مشاركتهم في تقرير مصير أوطانها، وذلك عبر صناعة نخب وقوى ومراكز تحكم تابعة، ولا مانع أيضا من قليل من الوجود الاستعماري الفعلي المباشر، ولا من صناعة بدائل لها مزيفة.


العلمنة والصهينة مقابل الحكم

واتبعت تلك القوى أنماطا ذات خطوط عريضة في سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية تبرز أيا منها حساب طبيعة تطورات الحاجة في ميدان المعركة.

ولعل مسألة الدعوة إلى إقصاء الدين من حياة المسلمين العرب أو الثورة الدينية وتجديد الخطاب الديني التي كثر حديث السيسي حولها، تأتى كرد فعل غربي سريع على رغبة الشعوب العربية في الحكم وتقرير المصير عبر حراك الربيع العربي الذي تم وأده، ثم تلاه إرسال الغرب رسائله الضمنية للشعوب العربية التي تتضمن نقاط معيارية واضحة مفادها "العلمنة مقابل المشاركة في الحكم".

ثم أضيف إلى ذلك بند آخر يتضمن إنشاء قوة ردع لضمان تنفيذ البند الأول وعدم النكوص عنه وهو "ريادة إسرائيل على كل المنطقة العربية" وهو ما يفسر انطلاق دعاوى السلام الدافئ وصفقة القرن والهرولة الجماعية لنظم التبعية العربية تجاه تل أبيب.

لكن هذه الرؤية أيضا ما زالت ناقصة، لأنها تسبغ على بعض الحكام جانبا من الوطنية لا يستحقونه مهما كان ضئيلا وبعضا من الإرادة مهما كانت هشة، على خلاف الحقيقة، لأن الحقيقة أن المشاركة السياسية التي قد تسمح بها النظم الغربية للشعوب العربية تلافيا لطول مقاومة شعوبها، تقتصر فقط على منحهم سلطة الوزارات غير السيادية والتي لا تضيف السيطرة عليها أي رصيد للحراك الوطني المقاوم.

ويعني ذلك ضمن أكثر ما يعني أهمية، أن أمتنا العربية ما زالت رهن الاحتلال الأجنبي، وأن ما جري في منتصف القرن الفائت من انقلابات أو "ثورات" - سمها ما شئت – وحركات تحرر واستقلال وطني كانت هي الأخرى مجرد نتائج لتطوير في الحيل الاستعمارية تم من خلاله استبدال الاستعمار المباشر بالاستعمار بالوكالة.


حظر الكتلة

من أهم مسلمات السياسة الغربية والأمريكية في وطننا العربي هو أنها تحظر وبشكل صارم على التيار الإسلامي بكافة تنوعاته الوصول للسلطة بأي شكل، وفي مرتبة أقل قليلا من الصرامة يمتد الحظر ليشمل التيار القومي المنادي بالوحدة العربية، وذلك لكون الغرب يدرك أن العروبة هي التربة الخصبة التي تغذت عليها شجرة الإسلام، ثم في درجة أخيرة يصل الحظر ليطال التيار الاشتراكي الثوري لكونه يتضامن مع الفقراء ويقف مع حقوق الشعوب المظلومة كالشعب الفلسطيني في الاستقلال.

ويأتي الحظر المفروض على الكتل الثلاث في إطار سياسة أوسع من سياسة "حظر الكتلة“، فبقدر اتساع الكتلة السياسية لأية فئة وكثرة عدد أنصارها تزداد قبضة الحظر السياسي عليها صرامة.

ومعنى ذلك أن الغرب يعتبر أن العربي أو المسلم المثالي هو ذلك الذي لا يعبر إلا عن نفسه ولا تعنيه إلا ذاته المفردة، وهو أيضا ذلك الكائن الذي نزعت منه روح العقل الجمعي والإحساس بدور الجماعة، وذلك لأسباب كثيرة جدا أهمها الاعتقاد بأن سبب صمود مجتمعاتنا ضد الذوبان سابقا يعود لتلك الروح الجماعية، وأن الإسلام سيندثر في النفوس لو بقي دينا فرديا.


منظومة زائفة متكاملة

ومن تلك المسلمات أيضا أن أمريكا تقلد الحكومات العربية الحكم، وتنصب معها أيضا معارضتها، وإن لم يقتنع الناس بهذه الثنائية، وفي حالة تنامي حالة التذمر والسخط الشعبي وقبل أن تتمكن قوى المعارضة الحقيقية من الانتصار والوصول للحكم، تتدخل القوى الغربية لتنصب المعارضة العميلة بديلا عن المعارضة الوطنية صاحبة الحق كحكام جدد، مع أنها في الغالب تتدخل لنصرة النظام القديم إن كان هناك متسع لإخماد غضبة الشعب.

ولعل هذه الاستراتيجية رغم أنها تجعل أمريكا وأوربا المستفيد الوحيد من أية نتيجة للصراع في الحكم، فإنها أيضا تعود عليها بمزيد من المكاسب بسبب تنافس المتنافسين لنيل رضاها عما إذا ناصرت طرفا واحدا من أطراف الصراع.

فضلا عن أن ذلك يخلق عملية ديمقراطية قد تخدع الشعوبيين العرب البسطاء، رغم أنها عملية ديكورية وتحت السيطرة الأمريكية.

وتكشف التحذيرات التي يرددها من حين لآخر أقطاب في دوائر حكم عربية عن عمق خشيتهم من هذه الاستراتيجية والتي تلخصها مقولتهم "المتغطي بأمريكا عريان"، مع أن تلك النظم في الأساس هي صنائع أمريكية وليس لها بدائل سوي ما تمنحه لها أمريكا من غطاء قد تسحبه منها متى شاءت.

هذه مجرد خطوط عريضة لبعض السياسات الغربية في وطننا العربي التي تبدت للعيان مؤخرا، ضمن سلة واسعة من السياسات شديدة العمق والاحتراز، جعلت من هذا الوطن لقمة سائغة في فم أعدائه، وجعلته هو ذاته ميدانا لمعركة، المنتصر والمهزوم فيها عربي.

ولكن لا ننسى أن الربيع العربي وحده يعود له الفضل في كشف تلك السياسات.

.........................................................................

وهل المصريون أفضل حالاً من السوريين؟


سيد أمين

الاثنين 30 أكتوبر 2017 14:00

في غمرة الدعايات التي يطلقها من يمكن أن نسميهم مجازا بـ "الدولجية" حول قداسة "الدولة" وقداسة القائمين عليها، والدعوة من رأس الحكم لخلق سلوك خوف مرضي "فوبيا" من انهيارها، تتشابك وتختلط، وفي الغالب تتوه، المفاهيم لتصبح عند البسطاء ضربا من ضروب "اللوغارتيمات" التي يحتكر حكمتها من وضعها، حينما تتم المقارنة بين الدولة والشعب.

وتتوه أيضا مع ذلك القدرة على التفكير السليم لتحديد كينونة هذا الكيان العظيم الذي يسمى "الوطن"، خاصة حينما نتساءل عن كيفية تمييز العلاقة بين هذا الوطن وذاك المواطن؟ وما العلاقة بينه - أي الوطن- وبين "رجال السلطة"؟ أم أنهما كيان واحد؟ وماذا إذا تسلط هؤلاء الرجال عليه وباعوه بالقطعة في سوق النخاسة الدولية؟ فمن يوقفهم؟ أو تسلطوا على "المواطن" فاعتبروا أن التنكيل به أو قتله عملا في خدمة "الوطن"؟ وهل يعتبر خائنا للوطن أن هب المواطن دفاعا عن وجوده ومصالحه التي أجازها له القانون الإنساني؟ أو حتى دفاعا عن وجود وطنه؟


صاحب الفضل

عجيب أمر هؤلاء الذين يحيلون عدم الوصول بالحالة السياسية المصرية بعد ثورة يناير عامة وانقلاب يونيو خاصة للمأساة التي وصلت إليها الثورة السورية، إلى الخصال الحميدة التي يتمتع بها السيسي ونظامه وإقدامه لحماية الوطن، وليس إلى الثوار الذين هم أحق بهذا الثناء منه وذلك لرفضهم الاستجابة للاستفزازات الهادفة لجرهم إلى العنف.

فنظرا لتحليهم بالحكمة ضمدوا جراحهم، واحتسبوا القصاص لمسابيهم وشهدائهم عند إله عادل لا يظلم عنده أحد أبدا، ولم يقعوا في خطأ دٌفع إليه ثوار في بلدان عربية أخري – بحسن نية أو سوئها - حينما ردوا على إجرام رصاص النظام بالرصاص تحت إغراء القصاص والانتقام وردع المعتدي، فأصابهم ما أصابهم من عنت ورهق.

إنها رسالة السلمية التي انتقدها كثير من شباب الثورة المنتمين للتيار الإسلامي واعتبروها تخاذلا واستسلاما، لكنها كانت خيارا مهما وشعارا مجلجلا لرأس فريق كبير منهم حينما أطلقها من قلب الحشود "سلميتنا أقوي من الرصاص".

قد تكون حالة المصريين الآن أفضل من حالة أشقائهم السوريين مثلا، ولكن الفضل في ذلك يعود لسلمية الضحايا وليس لسوط الجلاد، فالسوريون والليبيون حينما أوجعهم بطش النظام ردوا عليه الوجع أوجاعا وضاع بينهما الوطن، أما المصريون بسلمتيهم المعروفة حينما أوجعهم النظام وحرق جثث أبنائهم ولوا وجوههم لله احتسابا.

ولا شك في أن هناك قوي داخلية وخارجية كان يعنيها بشكل كبير تسليح الثورة المصرية، أهم هذه الجهات هو النظام الحاكم نفسه الذي كان سيستفيد من هذه الحالة لتبرير استغلال تفوقه، من أجل القضاء على كل معارضيه مرة واحدة، بل وتحويل هذا الأمر دعائيا بدلا من كونه عملا شائنا، إلى بطولة وطنية.

كما أن إسرائيل التي يعاديها الشعب العربي بشدة، وتدعمها حكوماته بشدة، يهمهما أيضا إخماد هذا الحراك الشعبي الذي يهدد بقاء حلفائها العسكريين فتضمن دخول مصر حالة انكفاء على النفس قد تدوم قرنا من الزمان.


غزو خارجي

ومن جانب آخر، فالإعلام المصري المخادع الذي يفاضل بين نعيم يصوره للناس في ظل حكم الجنرالات الوطنيين في مصر، وبين جحيم "حقيقي" في العراق وليبيا وسوريا جراء الفوضى التي خلفتها الثورات والمؤامرات الكونية التي دبرتها كما يدعي، يعتمد تناسي الحقائق الدامغة التي تكشف خداعه.

فالعراق مثلا لم يصل للخراب الذي يعيش فيه الآن جراء ثورة شعبية، ولكن جراء احتلال صهيوأمريكي كان النظام المصري أحد أبرز أعوانه العرب.

.كما أن ما جري في ليبيا لم يكن بسبب الثورة أيضا، ولكن بسبب غزو قوات "الناتو" والتي كان النظام المصري أهم الداعمين المستترين لها.

أما بخصوص سوريا، فأية وطنية تلك التي تجعل نظاما يتفنن في ممارسة الوحشية في قتل شعبه ويشرده في كل بقاع الأرض، ثم يسلم ما تبقي من بلاد وعباد للأجانب بعدما حرم منها من لم يقتله من أهلها؟ ولأن هذا النظام حليف لذاك، خوفي أن تكون هناك نوايا اقتداء بالحليف في دك الشعب ببراميل غاز الكلور.

كما أن المفاضلة بين مصر من جانب، وسوريا والعراق وليبيا من جانب آخر مفاضلة ظالمة، لأن ما تسبب في انهيار تلك الدول هو هذا التدخل الخارجي السافر الذي اتخذ أشكالا متعددة في شؤونها، وليست الثورات المطالبة بالحرية والاستقلال، وأيضا دفع هذا التدخل الخارجي إلى إثارة النعرات المذهبية والطائفية والقبلية فأعطى لهذه الحرب دفقا شعبيا على حساب الوطن.

ومن جانب آخر فالعراق، الذي يُرَوَّعُ بحاله المصريون، هو من لجأ إليه السيسي لانتشال نظامه من السقوط، فمنحه النفط بتسهيلات.

كما أن العراق وليبيا يفضلان مصر في كثير من المؤشرات الدولية مثل: حرية الصحافة، جودة التعليم، السعادة، عجز الموازنة، التنمية البشرية، كفاءة سوق العمل، استقرار بيئة الأعمال، سيادة القانون، التحرش الجنسي.. إلخ.

هل حقا مصر أفضل من سوريا والعراق وليبيا؟

.........................................................................

ماذا سيكتب التاريخ عن حكم السيسي؟

سيد أمين

الخميس 30 نوفمبر 2017 19:14

ماذا سيكتب التاريخ عن حقبة حكم السيسي لمصر؟ ماذا سيكتب عن كل هذا الكم الهائل من الهزل والابتذال الممزوج بالجد، واللا منطق المتشح برداء الحكمة، وسيل الدماء المتدفق في مصر دون داع ودون حتى اكتراث؟

قد تبدو الأسئلة من أول وهلة بسيطة وسهلة، وصيغتها تتضمن الإجابة عليها في الغالب، سيقول إنها هي حقبة الحكم "الصهيونية" الصريحة لمصر، وهى حقبة الحكم الفاشي العسكري المدعوم خارجيا، وهى حقبة تكتل الأقليات ذات التوجهات الخارجية، سيقال الكثير والكثير وهى بالقطع حقائق.

ومع ذلك قد بدا واضحا أن كل هذه الإجابات مبنية على نتيجة واحدة، وهى أن هذا النظام وتبعاته مصيره السحق والزوال، ولكن بقى سؤال أهم يجب أن نسأله: ماذا سيكون الأمر إن استمر لا قدر الله؟

نطرح هذا الطرح ونحن على ثقة من أنه سيذهب غير مأسوف عليه ولكن أيضا لا يجب أن نخفي مخاوف دفينة من أن يستمر ويطول، خاصة أن أشباهه حكموا مصر لحقب طويلة من الزمان، فحكمتنا سيدة لعوب اعتبرناها رمزا لمصر، رغم أنها لم تكن حتى مصرية، وحكمنا حكام جعلونا نعبدهم، ونفنى من أن أجل تخليد أجسادهم.

حكمنا الشواذ وفاقدو الرجولة في جزء من العصر المملوكي، وحكمنا العبيد في الدولة الإخشيدية، وحكمنا الدراويش الفاطميون الذين ينامون النهار ويستيقظون بالليل، وحكمنا البكوات والباشاوات في الدولة العثمانية، وحكمنا حاكم أجنبي غر، وليناه نحن علينا بعد ثورة جياع، فذبح منا من ذبح، وكتب كل أراضي مصر باسمه واعتبرها ملكا خاصا به، فاعتبرناه نحن مؤسساَ لمصر الحديثة وبأنى نهضتها.

بصراحة، التاريخ يقول إنه قد حكمنا كل ساقط ولاقط، ولم يحدث أي نزاع، فبقي الظلم وبقي الحرافيش يتكيفون معه بطريقتهم، وطالما الأمر كذلك، فيا تري كيف سيقرأ أولادنا وأحفادنا في كتب التاريخ ما يجري في مصر الأن؟


مأساة بطعم الملهاة

الأمر بلا شك يحمل الكثير من الملهاة والأكثر من المأساة، لأنه في الحقيقة سيكون العثور عن المنطق فيما يجري الآن تماما كالعثور على إبرة في كومة قش.

فبداية سيتم وضع السيسي في إطار الفاتحين الكبار، ربما مع عمرو بن العاص نفسه، وتتجاور أسماء رموز تمرد مع أحمد عرابي في المتحف الوطني، مع احتمال أن يتم رفع أسمي الأخيرين أصلاً، باعتبار العاص غازيا، وعرابي متمردا مارقا قاوم الغزو البريطاني لمصر والذي يحتفل السيسي بدعمه في الحرب العالمية الأولى ضد دولة الخلافة الإسلامية، أو أن يهبطوا قليلا فيتوازوا مع محمد على وسعد زغلول.

وبالطبع سيتم وصف الإخوان المسلمين بذات الصفات التي يوصف بها أبطال أفلام الزومبي وأكلة لحوم البشر الأمريكييون.

سيكتب التاريخ أيضا أن كائنات فضائية هبطت على مصر لتحارب الإخوان بعدما قام نحو600 شخص من كائنات فضائية أخري قادمة من كوكب حماس ، حيث انزعج أجدادهم من قبل من أصوات طيور النورس، لتقتحم تلك الكائنات الفيافي والقفار والأنفاق والأكمنة والبحار والحصون ، وتنتشر في ربوع مصر انتشار النار في الهشيم فتخور كل قلاع السجون فتفتحها على مصاريعها ، في نفس وقت اعتلائهم أسطح المباني لتقتل المتظاهرين في كل ميادين مصر والتي بالمناسبة هى من حشدتهم فيها أيضا ، من الخونة والممولين أمريكيا بوجبات كنتاكي ، وأنجزت تلك الكائنات مهمتها بدقة أعجزت أمامها جيش خير أجناد الأرض ثم عادوا إلى بلادهم في أمن وأمان دون حتى أن يصاب أي منهم حتى بخدش في أصبع قدمه الخنصر.

وسيكتب التاريخ أن الإخوان استولوا على الحكم عبر غزوة الصناديق متنكرون في طوابير طويلة من الناخبين، فاجتمعت كل مصر في ميدان التحرير حيث دار الندوة تتحداهم وتتحدى مسيرات الملايين من مليشياتهم التى كانت تجوب كل شوارع مصر متنكرة أيضا في صورة شعب.

سيحكى التاريخ أيضا أنه بعدما هب السيسي لإنقاذ البشرية من عودة دولة الخلافة مجددا ، وأطاح بحكم محمد مرسي الذي باع سيناء والشركات وحقول النفط والغاز ومناجم الذهب والنيل والأهرامات لقطر وتركيا، وذلك عبر ثورة مجيدة لم يشهد لها التاريخ مثيلا ،راحوا يعتصمون في ميدان رابعة العدوية مسلحين بكل الأسلحة المتطورة ويأسرون أعدادا كبيرة من المصريين هناك كرهائن، وكانوا يقتلون بعضهم البعض كمكيدة لإلصاق التهمة بقوات الشرطة والجيش، وذلك في محاولة منهم لإعلان الاستقلال عن مصر من هناك ، بدعم من قيادات إخوان أمريكا بقيادة أوباما وهيلاري كلينتون ، ولما فشل المخطط الشيطاني لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية بدا من مهاجمة مصر بأسطولها البحري السادس ، هنا قام وحوش البحرية المصرية بأسر قائده وإرغام الأسطول على الفرار.


نهاية سعيدة

وكعادة كل قصة رومانتيكية وديعة، سينتهي سرد التاريخ بانتصار إرادة البطل المُخَلص، الذي شق القنوات وزرع ملايين الأراضي وأسس العواصم الجديدة وأدخلنا عصر الذرة.

ولأنه لابد من كلمة "ازدهار" كأحد لوازم النهاية السعيدة بظهور البطل ، سيحكى التاريخ أن مصر ازدهرت في العلوم والفنون والآداب ، وأضحت الاختراعات والابتكارات سمة مميزة لهذا العصر، وكان من باكورتها قيام أحد نوابغ الجيش باختراع علاج لداء عضال نشره الإخوان في مصر ، مع اختراق الفضاء عبر "الوحش المصري" ،وإنتاج الكهرباء من الهواء ، وتسخير الرياح كوسيلة عسكرية للتغلب على صواريخ العدو ، وقيام مؤرخين عسكريين بتصحيح ثغرات خاطئة في التاريخ القديم واكتشاف أن أحمس المصري وليس صلاح الدين الايوبي هو بطل موقعة حطين.

في الحقيقة أن كتب التاريخ ستمتلئ بالقاذورات حتى الثمالة، وسيكون مستقرها أدمغة أحفادنا.

لذلك يجب أن يسقط الانقلاب حفاظا على وعى الأجيال القادمة

.........................................................................

حول حقيقة ما قدمته مصر للقدس


سيد أمين

الجمعة 29 ديسمبر 2017 18:00

اعتاد إعلام النظام المصري على مواجهة كل تعاطف مع استبسال المقاومة الفلسطينية وأي تساءل عن سر تخاذل مصر كأكبر دولة محورية في الوطن العربي من الانتهاكات الصهيونية بحق تلك المقاومة، بتحميل فلسطين كل الحروب التي خاضتها مصر طيلة القرن الفائت، وتحميلها كل الفشل الذي تعيشه أنظمتها في فترة ما بعد يوليو/ تموز 1952، متجاهلا في ذلك حقائق التاريخ والسياسة وحتى المبررات التي كان يدرسها النظام الرسمي في مدارسه لمبررات تلك الحروب.

نعم، الشعب المصري يحمل القضية الفلسطينية في فؤاده ومشاعره، لكن حكوماته لم تبذل الكثير من أجلها، وهي لم تتسبب في تحميله أي غرم.


العدوان الثلاثي

فمن الثابت أن أسباب العدوان الثلاثي عام 1956 لم يكن أبدا بسبب الدفاع عن فلسطين، بل ظهرت بوادره في الأساس عقب توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 بعد مفاوضات بين الجانبين المصري والبريطاني ورافقت تلك المفاوضات مقاومة شعبية شرسة للقوات الإنجليزية، وتعزز الاتجاه إلى العدوان بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس التي كانت تستحوذ عليها شركة فرنسية، ثم بدأت تتفجر الأجواء بعد إعلانه التحالف مع السوفييت ومساندته لثورة الجزائر ما دفع البنك الدولي لرفض تمويل مشروع السد العالي رغم سابق موافقته بذلك.

هذه هي أسباب العدوان الثلاثي الصحيحة والمنطقية، حتى التدخل الإسرائيلي في هذا العدوان لم يكن لأي سبب يخص الدعم المصري للقضية الفلسطينية، ولكن كان بمبادرة إسرائيلية للاطلاع بدورها الوظيفي الذي أنشأتها بريطانيا من أجله وهي كونها "يد استعمارية متقدمة في الوطن العربي".

وما لا يجب إغفاله هنا أن الجيش المصري لم يدخل تلك الحرب أصلا وترك الأمر لنضال المقاومة الشعبية التي كانت تدافع عن وجودها في سيناء ومدن القناة، ولولا رفض الأمم المتحدة للعدوان في 2 فبراير/شباط 1956 ثم التدخل السوفيتي الصارم وتلاه دعم الولايات المتحدة له ومطالبتهما بسرعة الجلاء ومحو أثار العدوان، لبقي الاحتلال إلى يومنا هذا.


نكسة يونيو/ حزيران 1967

لم تكن مصر في حالة حرب تقريبا مع إسرائيل حينما شنت عدوانها في يونيو/ حزيران 1967، فهي كانت منكفئة على ذاتها في إدارة مشروعات تنموية وصناعية ملحة، وبالتالي هي في غنى عن خوض أي حرب من أي نوع لاسيما بعد هزيمتها الساحقة في حرب اليمن 1965 التي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل.

لكن في المقابل كان الكيان الصهيوني الذي فرغ من تأمين كيانه باحتلال فلسطين في 1948 ثم ضم هضبة الجولان السورية كان من الطبيعي أن يشن هجوما على مصر؛ من أجل تنفيذ مشروعه الصهيوني الإقليمي الذي يستند إلى مبدأ إسرائيل من النيل إلى الفرات.

يقول الخبراء إن التصعيد الكلامي بين عبد الناصر وقادة الكيان الصهيوني وما تلاه من قرار إغلاق مضيق "تيران" في 11 مايو 1967 وسحب القوات الدولية من سيناء لم يكن بسبب القضية الفلسطينية أيضا، ولكن كان مجرد تلويح في الغالب دعائي من عينة "سنلقي بإسرائيل البحر"، بشن حرب عليها لتحرير مدينة "أم الرشراش" المصرية التي تحولت الى “إيلات”.


حرب أكتوبر/ تشرين 1973

كما نعلم كانت نكسة 1967 ساحقة ماحقة بكل معنى الكلمة لمصر وسوريا والأردن وأدت الى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان ومقتل 25 ألف على أقل تقدير مقابل 800 جندي فقط في إسرائيل، وتدمير80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2% في إسرائيل.

بالقطع لم تكن حرب أكتوبر/ تشرين 1973من أجل تحرير فلسطين ، بل كانت لتحرير ما تم احتلاله في 1967 بدليل قيام الرئيس أنور السادات بتقديم شروط لمبعوث هيئة الأمم المتحدة الذي قام بإدارة المفاوضات بين الطرفين المصري، والصهيوني، بإحداث تسوية سلمية بين طرفي النزاع، ويأتي على رأسها انسحاب قوات الكيان الصهيوني إلى حدود عام 1967فقط ، غير أنّ حكومة الكيان لم توافق على تلك الشروط مما أدى إلى توقف المفاوضات. واتفق السادات والرئيس السوري حافظ الأسد على خوض الحرب لاستعادة الأراضي المغتصبة ،وهو بالمناسبة الاتفاق الذي خالفه السادات وأعلن وقفا منفردا للقتال في سيناء ما أدى لضغط إسرائيلي في الجبهة السورية وحرمانها من استكمال التحرير بل تم استلاب ما تم تحريره.


كامب ديفيد

النكران الذي مارسه السادات مع الجانب السوري اتبعه باتفاق كامب ديفيد والذي كان بمثابة طلاق مصري نهائي عن تبني القضية الفلسطينية، وهى ما انتهت بإطلاق مصر وعدة دول عربية طلقة مميتة في رأس القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن التي لاحت تفاصيلها في الأفق.


حرب 1948

الحرب الوحيدة التي ساندت فيها مصر القضية الفلسطينية كانت حرب نكبة 1948 وهي الحرب التي حدثت في العهد الملكي والتي تثور حولها استفهامات كثيرة أهمها تدور حول سبب سماح الجيش البريطاني الذي يحتل سيناء للجيش المصري وألوية الإخوان المسلمين بالعبور للمشاركة في تلك الحرب التي قيلت فيها شهادات مخزية عن الخيانات الرسمية على كل الجبهات، والتي انتهت للغرابة بانتصار عصابة مسلحة صغيرة العدد على جيوش أربعة دول عربية.

ويأتي إعلان بلفور عام 1917 وما تلاه من قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 كنتاج طبيعي لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولي على الألمان والدولة العثمانية، وهو الانتصار الذي يحتفل نظام السيسي بمشاركة جنود مصريين في الحرب تحت راية الصليب البريطاني.

كما أن الملك الذي انقلب عليه العسكر عام 1952 كان متهما بمساندة الألمان سرا في العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية ضد عدة دول منها بريطانيا راعية قيام الكيان الصهيوني.

التاريخ في مصر جرى تزييفه، وهذا الزيف تحول من فرط تكراره إلى حقائق نرددها دون وعي.


....................................................................

مقالات هافنجتون بوست

..............................

الإجابة عن السؤال الصعب: مَن فجّر الربيع العبثي؟

تم النشر: 12:44 31/05/2017 AST تم التحديث: 12:45 31/05/2017 AST

المتتبع للمشهد العبثي الذي آل إليه الربيع العربي، سيلاحظ بوضوح أجواء التشفّي، بل والسخرية الغربية من هذا الربيع المزعوم، والذي على أرجح الظن أنه حِيك بليل من قِبَل النظم الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالتنسيق مع أجهزة استخبارات دول الموالاة ذاتها التي تفجّرت فيها تلك الثورات كمصر وتونس واليمن، ليس بغية هدم النظم القائمة، ولكن بغية ترميمها وإعادة تماسكها بعدما أصابها الترهل والعطب وأوشكت على الانهيار الذاتي جراء تضارب مصالح شبكات الفساد وتضخمها.

وتجري عملية الترميم تلك من خلال عمليات تبديل واسعة في الوجوه، مع إعادة إنتاج الأحزاب الكرتونية القديمة بمسميات ووجوه جديدة من رعيل الصف الثاني والثالث، بما يبدو معه المشهد وكأن ثورة حدثت، وإرادة الشعب حكمت، وذلك دون تغيير يذكر في الفكر، في محاولة خداعية تأخذ بصمة شعبية، تقول إن الشعب وصل إلى ذروة التغيير الذي يريده ورسم طريقه بنفسه، غير الوجوه المتحجرة القديمة بأخرى شابة.

وحتى هذا التغيير الشكلي الأجوف المتمثل في انتقال السلطة من الرعيل الأول للحزب الحاكم، تحت أى مسمى، من العواجيز إلى الشباب تم النكوص عنه في مشاهد كثيرة في الربيع العربي المغدور، بينما فكر النظام القديم الذى عادة يتمترس حول إضفاء التقديس على الحاكم والإسراف في "غيبيات الأمن القومى" عاد مع نفس النظام، ولكن أكثر تزمتاً وعنفاً وإجراماً وقيداً للحريات وإهداراً لحقوق الإنسان بما يحمل بصورة واضحة سخريةً من شعوبنا وشماتة في ربيعنا!

ويتجسد هذا التشفي وتلك السخرية من خلال استعراض هذه المشاهد الكاشفة، فثورة الشباب في تونس التي كانت باكورة ثمار هذا الربيع تمخضت عن رجل تسعيني قضى من العمر أرذله، والمصريون الذين خرجوا ضد حكم العسكر في يناير/كانون الثاني، راحوا ينصبون "رئيس المخابرات العسكرية" وهو المنصب الذي يجسد عمود خيمة العسكر في أي بلد في العالم، رئيساً للجمهورية وقائداً ملهماً للقوى المدنية!! واليمنيون الذين خرجوا غضباً من الفساد والتمييز بين الشمال والجنوب، راح الحوثيون الشماليون يسيطرون على المشهد برمته شمالاً وجنوباً، كما أن ثمار انتخابات الرئاسة في الجارة الجزائر توضح المعنى وتقويه كما يقول علماء البلاغة.

ولكن ما علاقة الغرب بما يحدث في بلدان ربيعنا؟ ومن أين جاء هذا الاتهام؟

هذا هو السؤال الذي يجب أن يتم طرحه وأن أجيب عليه.

فالغرب راح يهلل لانتكاسات الربيع العربي عامة والمصري خاصة؛ حيث أضفى شرعية على الانقلاب العسكري في مصر، حينما سمح لقائد الانقلاب بالتجول بين مدنه، وتمثيل مصر في الأمم المتحدة، وحينما زمجر أوباما ثأراً لناشط يقول إنه مسّه ضر في عهد مرسي، بينما صمت صمت القبور عن قتل الآلاف وحرقهم والتمثيل بجثثهم، وعن اختطاف الديمقراطية ونحرها أمام العيان.

حينما قال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إن 99% من أوراق اللعبة في يد أميركا لم يقلها من باب "طق الحنك"، ولكنه كان على الأرجح يقصد أن يقول إن بلادنا ليست مستقلة كما تتوقعون، وإننا ما زلنا بلداً مستعمراً انتقل من طور الاستعمار العسكري المباشر إلى الاستعمار غير المباشر، عبر مؤسسات أمنية وعسكرية وإعلامية وحقوقية، بل ونخبوية، ينتمى نافذون فيها للخارج، ثم استغل هذا الطرح الذي لم يقرأه كثيرون لوقعه الصادم على المتلقي الذي تربّى على زخم طويل من مهرجانات الاستقلال ثم مهرجانات الصمود ثم مهرجانات النصر، إلى طرح آخر استطاع الجميع قراءته وهو تعبيد الطريق لاتفاقية "كامب ديفيد" التي تعني بشكل يسهل اكتشافه الإذعان لمطالب إسرائيل وجعل سيناء رهينة لها تحكمها "عملياً"، بينما تحكمها مصر "نظرياً"، بل إن هذا الجانب "النظري" متى شاءت إسرائيل أن تسترده أيضاً فلن يكلفها الأمر إلا عشيةً وضحاها.

والحقيقة أن الاستعمار غير المباشر هنا ليس محصوراً في التحكمات الاقتصادية الغربية فحسب، بل يتعداها لمستويات أخطر بكثير، فالاستعمار هذه المرة نَصَّب بعضاً منا يحكموننا لصالحه نيابة عنه، ذلك مروراً بأسلحة نستوردها منه يستطيع هو أن يعطبها في مخازنها، متى كان استخدامها ليس على هواه، وذلك من خلال التحكم بشفرات تتصل بها أقماره الصناعية التي تملأ الكون، وهو ما يقال إنه حدث في المشهد العراقي ومن بعده الليبي، ما يجعل عملية التسلح في بلداننا عامة هي بمثابة "انتصار للبائع" وليس للمشتري، فهو يبيعها ويحدد معها ضحاياها!

ويقال إن بريطانيا تخلت عن مستعمراتها القديمة لأميركا عام 1951 فارتأت الأخيرة أن نظام الاستعمار العسكري القديم لم يعد مناسباً لروح العصر، فضلاً عن أنه باهظ التكلفة المادية والأخلاقية فراحت تتبنى هذا النوع من الاستعمار الحديث فيما يعرف بـ"النفعية والواقعية السياسية"، بحسب مؤسسه "نيقولا مكيافيللي".

وكان مكيافيللي قد سرد لأميره ثلاث وسائل لغزو إحدى الإمارات المجاورة، وسرد مع كل وسيلة عيوبها.

فنصحه بتجريد قوة كبرى لغزو تلك الإمارة، لكنه حذره من حدوث انقلاب عليه فى الداخل فيكون قد كسب أرضاً جديدة وخسر أرضه القديمة.

وعرض عليه أن يجرد حملة كبرى بقيادة قائد الجيش ليغزو تلك البلاد، لكنه حذره من أن ينشق هذا القائد فيكون قد أنفق أمواله وجيشه على جيش العدو الجديد.

وفي ثالث الاقتراحات، عرض عليه أن يذهب بجزء من قواته ليغزو تلك الإمارة فيستذل أكارمها وأغلبيتها، ويدلل حقراءها وأقليتها وينصَّب منهم حاكماً على البلاد بعد أن يجهز لهم حامية عسكرية تتبعه للتدخل وقت الحاجة، وقال له إن هؤلاء الأقليات سيناصبون شعبهم العداء، وسيقمعونه بأبشع ما يمكن أن تقمعهم أنت به، وسينهبون ثرواته ويعطونها لك تقرباً إليك؛ لأنهم سيحتاجونك دوماً لقمع شعبهم، فضلاً عن أنهم لو انتكسوا بفعل ثورة عارمة فلن يطالك من الانتكاسة شيء ويتحمل هؤلاء الخسارة كلها.

وأخيراً.. ورغم كل مشاهد التراجع التي يعيشها الربيع العربي، فإنني على يقين بأن الثورة ستنتصر نصراً مؤزراً في نهاية المطاف؛ لأن روح الشباب ومثابرته أبقى من البارودة والزنزانة وأكثر حيلةً وحسماً منها، كما أن حيل الثورة المضادة القمعية لا تناسب روح العصر.

..............................

30 يونيو.. ثورة مضادة مكتملة الأركان

تم النشر: 09:25 06/08/2017 AST تم التحديث: 09:25 06/08/2017 AST

إذا خدعت أحداً خدعة متقنة يصعب على بساطة وعيه أن يكشفها، وتصرَّفت بناءً على ذلك تصرفاً شائناً أو خارجاً عن القانون بقصد أو من دون- فأنت شريك له في الجريمة ما لم تكن أنت بمفردك المجرم المغرر المدلس.

وإذا كنت مدرِّساً وضللت تلميذك أو من يثق بك بمعلومات مغلوطة، فذهب للامتحان ورسب، فأنت المسؤول -بلا شك- عن كل ما فَهم وكتب وعن رسوبه.

وكذلك، كل من صدّق الدعاية الإعلامية السوداء، كبيع النيل والأهرام وسيناء وغيرها، وخرج في 30 يونيو/حزيران 2013 داعياً للانقلاب على أول تجربة ديمقراطية في البلاد، فإن الإعلام ومن خلفه ومن أوحى إليه، يتحمل الوزر الأخلاقي والقانوني والشرعي عنه؛ وذلك لكون الضحية تحرك بناءً على تلك المعلومات التي قدمها بشهادته الزور.

وعموماً، فالأصل في منح شرعية واحترام أي ثورة هو ضرورة اتسام القائمين عليها بالوعي واليقين، سواء في المبررات أو النتائج، وليس بالخداع واستغلال انخفاض وعي الناس.


أربعة حشود

4 سنوات مرت على ذكرى الحشد الاحتفالي الذي انعقد بميدان التحرير في 30 يونيو/حزيران، كان بحق حشداً كبيراً لا تخطئه العين، لكنه أيضاً لم يكن الأكبر الذي شهدته شوارع القاهرة في السنوات الست الماضية؛ فقد سبقته 4 حشود أكبر منه عدداً وأكثر مخاطرةً، حشد منها كان ثورياً، وحشدان آخران كانا يشبهانه في كونه حشداً احتفالياً.

فقد سبقه الحشد الثوري الكبير الذي نزل إلى شوارع مصر في جمعة الغضب إبان أحداث الثورة الحقيقية، هذا الحشد نزل متحدياً المخاطر التي قد تكلف المرء حياته؛ وذلك درءاً لأضرار عاناها بحقٍ، طيلة عشرات السنين، ثم تلاه أيضاً حشد يوم تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، وهو الحشد الاحتفالي الكبير الذي اعتُبر بمثابة شهادة مبايعة من جموع الشعب للثورة الوليدة.

كما سبقه أيضاً الحشد الذي انعقد في أبريل/نيسان 2012 تحت اسم "الشريعة والشرعية" والذي امتدت الحشود فيه مسافاتٍ طويلةً وسط القاهرة وميادين مصر، وكان حشداً احتفالياً بقدر كبير، لكنه يؤكد مطالب سياسية محددة، ثم الحشد الاحتفالي الثالث الكبير الذي جرى إبان إعلان فوز الدكتور محمد مرسي في العام نفسه.


حراك الثورة المضادة

في الواقع، إن حشد 30 يونيو/حزيران اختلف جذرياً عن الحشود كافة التي سبقته، سواء في الموضوع أو الأسباب؛ لأنه سار في الطريق المغاير لها تماماً، وعبَّر بشكل كبير عن النظام القديم الذي حدثت ضده الثورة، ثم أعادته للحكم ليكون أشد ضراوة وقسوة، فاستحق بحق أن يطلق عليه حراك من حراكات "الثورة المضادة".

ونؤكد هنا أنه مجرد حراك لم يرتقِ لمرحلة الثورة أو حتى الثورة المضادة؛ وذلك لأنه لو زعمنا ذلك لاعتبرنا أن كل يوم جمعة بعد ثورة يناير/كانون الثاني كان بمثابة "ثورة"؛ نظراً إلى نزول الآلاف فيه للشوارع تحت اسم المليونيات المتنوعة المطالب والأهداف.

ومن غير المنطقي أيضاً أن نعتبره حشداً ثورياً، لأسباب كثيرة؛ أهمها أن الثورة حتماً -ولا بد- أن تقوم ضد "السلطة"، والسلطة هي عبارة عن أدوات الحكم المتمثلة في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام الرسمي، ولما كانت تلك الأدوات هي من خططت ودبرت ومولت ودعت لهذا الحشد سراً أو جهراً- كان من الضروري اعتباره حراكاً في ثورة مضادة.

ولأن ما حدث كان انقلاباً، فقد انقلبت معه أيضاً معايير المنطق؛ فاحتل القاتل مكان الضحية ووضع الضحية موضعه، الإنسان الذي مَن قتله كمن قتل الناس جميعاً، صار قتله عملاً اعتيادياً، يُكرّم فيه القاتل وتُسبغ عليه صفات التضحية والوطنية والفداء.

وصار الخائن هو من يقاوم بيع تراب الوطن والوطني هو من يبيع، والوطني هو من يتودد لإسرائيل والعميل لها من يعاديها، وصار الإرهابي هو من يعترض على مثل تلك اللامنطقيات ويتمسك بتحقيق العدالة.


ثورة دي ولا انقلاب؟

والآن، بعد 4 سنوات من احتفالية 30 يونيو/حزيران، تأكد للجميع -حتى أشد مناصريها- أنها كانت انقلاباً على ثورة يناير/كانون الثاني.

فبيع الأرض للأجانب كجزر تيران وصنافير وتشيوس، وتدمير المدن وتهجير أهلها، والزج بعشرات آلاف من المصريين في غياهب السجون، مع آلاف الشهداء من المصريين مدنيين ومجندين، وبناء قرابة 19 سجناً جديداً، وإغلاق المجال العام وحجب المواقع واعتقال الصحفيين، وعودة زوار الفجر، وانهيار الاقتصاد وعودة الفاسدين لمناصبهم وغير ذلك... لا يمكن أن يكون ناتجاً عن ثورة.

ثورة دي ولا انقلاب؟

..............................

هذه هي قناة الجزيرة

تم النشر: 11:20 20/10/2017 AST تم التحديث: 11:21 20/10/2017 AST

تتزايد هجمات بعض نظم الحكم العربية على قناة الجزيرة ولا تبتلع ريقاً إلا ونددت فيه بها ووصمتها بكل افتراء، رغم إنها ليست إلا قناة، فيما تمتلك نظم الحكم تلك العشرات أو المئات من مثلها، لكن في الواقع أن تلك الهجمات تعني أول ما تعني نجاح قناة الجزيرة في أن تكون صوت مئات الملايين من الشعوب المقهورة.

وفي الحقيقة يصعب على المنصف أن يمتدح محبوبته جهراً، لا سيما حينما تكون ذات شرف ومكانة، خشية أن يتهمه المتربصون بالتملق والاسترزاق، وفي ذات الوقت يصعب عليه أن يقف متفرجاً وهو يرى الصبية ومعدومي الضمير يتهمونها بما ليس فيها من نقائص ورذائل.

ففي زمن كانت فيه أقصى معارضة يتجرأ المعارض العربي عليها هي انتقاد الخفير وتتجرأ لانتقاد الوزير، بالغمز واللمز والتحسيس والتلميح -وفي الغالب كان هذا الانتقاد مدعوماً من عناصر أخرى في ذات السلطة المستبدة ولصالحها- ظهرت قناة "الجزيرة" الفضائية لتدشن بداية عصر جديد من الإعلام الهادف لتنمية الوعي السياسي للمواطن العربي، ولتحقق أيضاً الوحدة والتلاحم بين الشعوب العربية بشكل حقيقي لأول مرة حول الهم العربي الواحد.

كان ظهور القناة ربما أهم حدث عربي في ربع القرن الأخير من حياة أمّتنا، وذلك بعد احتلال العراق وتفجر ثورات الربيع العربي، وهما الحدثان اللذان كان للقناة دور كبير فيهما، حيث فضحت للعالم جرائم الأول، فكانت المَعلَم العربي البارز الدال على قدرة شعوبنا على المقاومة، فيما ساعدت في حدوث الثاني عبر بلورة وعي سياسي عربي يهدف لنقل أمتنا من مصاف الاستبداد إلى مصاف الأمم المتحضرة التي تليق بثقافة أمتنا العربية والإسلامية.

وكان المشاهد العربي وما زال يتحلق حول شاشتها؛ لأنه رأى فيها متنفساً نادراً وحيوياً وصادقاً لنقل صرخاته التي كانت من قبل ضائعة سدى في البرية ليسمعها العالم.

وبسببها، عرف العرب لأول مرة في تاريخهم الحديث بأن وحدة "المعاناة" هي أبرز معالم الوحدة العربية المنشودة التي تحققت فعلياً على الأرض من كل شعارات التضامن العربي في ظل النظم العسكرية.


الحرب ضد الاستبداد

لقد أجبرت قناة "الجزيرة" نظم الاستبداد العربي على توسيع آفاق الحريات الإعلامية، بل والسياسية والعامة، بعدما كانت شبه منعدمة، وبالأحرى كانت تلك الحريات انتقائية صورية يغلب عليها الطابع الدعائي، الأمر الذي عاد بمردودات طيبة هائلة على المواطنين، وما لا يجب إغفاله أن نظم الاستبداد رفعت سقف الحريات اضطراراً خوفاً من أن تجبر على ذلك في مرحلة لاحقة، ولجأت في إطار احترازها من عواصف ذلك الإجراء إلى صناعة أحزاب ونخب مزيفة تتحكم هي فيها متى وكيفما شاءت، وتقدمها كبدائل للمعارضة الحقيقية ذات المطالب الجذرية التي لا تكتفي بانتقاد الخفير والوزير عوضاً عن الرئيس والنظام بأكمله.

ولأن "الجزيرة" عززت التضامن العربي شعبياً، فشلت كل مساعي نظم الاستبداد في إثارة النعرة الشعوبية والقطرية كسلاح مضاد لهذا الفضح الموضوعي المستمر لها والقادم من خارج الحدود الضيقة.

ولقد دأبت أبواق إعلام هذه النظم -وهي بالآلاف- على التأكيد أنه لا أحد يشاهد قناة الجزيرة وأن الجماهير فقدت الثقة بها تماماً، ومع ذلك تتأهب كل أجهزة أمن تلك النظم وكتائبها الإعلامية للرد على برنامج أو فيلم عرضته تلك القناة التي لم يشاهدها أحد، ويعلقون كل فشل يعيشونه لم تنجح أساطيلهم الحربية والإعلامية فيه على شماعتها!

وحينما لم يفلحوا في إقناع الجماهير بالعزوف عن إدمان مشاهدتها راحوا يختلقون لها برامج ومواقف وينسبونها إليها في محاولة يائسة وبائسة للحط من شأنها، لكن سرعان ما تنكشف الأكاذيب وتبقى الحقائق؛ ليتعلق بها الناس أكثر فأكثر.

ومع ذلك فمن المؤكد أنه لو لم تخُض "الجزيرة" حروباً ضد الاستبداد تارة، ورفع الوعي العربي تارة، ودعم المقاومة العربية دائماً، لسعت النظم العربية استغلال انتشارها الكبير في العالم واتخذتها بوقاً لتبرير استبدادها، ولوجدنا بحاراً من مداد الحبر تنفقها المطابع العربية الرسمية في مدحها، لكن "الجزيرة" لم تستصعب أبداً طريق الحق لقلة سالكيه.


العداء للصهيونية

ورغم أن المتابع لبرامج "قناة الجزيرة" سيكتشف بسهولة منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحاً لجرائم الكيان الصهيوني، إلا أن سهام الاتهامات العشوائية بالعمالة لهذا الكيان لم توجّه إلى مؤسسة إعلامية كما وجهت إليها.

والأنكى، أن هذه الاتهامات المرسلة الملوية أعناقها، طالتها من قِبل إعلام نظم مدموغة بالتعامل جهاراً نهاراً مع هذا الكيان، والتبعية له، والدعوة لسلام دافئ معه، بل وتتكفل بجر الممانعين العرب للتطبيع معه.

وللعجب العجاب، تتهمها الأبواق "الموجهة" بأنها تبالغ في الانحياز إلى حماس - ويتجنبون في ذلك الإشارة إلى الشعب الفلسطيني الذي تنتمي إليه حماس - ثم مع ذلك يستخدمون دلائل تؤكد فضحها لجرائم الكيان الصهيوني في وقت تواطأ فيه الجميع على الدم العربي.

فيخلق هذا التناقض اقتناعاً عميقاً لدى متابعي تلك الأبواق -وهم من قليلي الوعي- بحِزمٍ من المتناقضات فحواها أن"الجزيرة" تدافع عن حماس وإسرائيل معاً، أو أنها تدافع عن إسرائيل وتلد في كراهيتها!


نماذج من النضالات

لقد حملت الجزيرة منذ نشأتها القضايا القومية والإسلامية على عاتقها، ورأيناها تتواجد أينما وُجدت المعاناة الإنسانية، رأيناها في أراكان بين مسلمي الروهينغا الذين يتعرضون للإبادة العرقية في بورما وسط صمت إسلامي وصل لحد التشجيع، رأيناها في أفغانستان تنقل معاناة من لا صوت لهم من ضحايا الغزو الأميركي لهذه البلاد الفقيرة، رأيناها في العراق إبان الغزو الأميركي له لتصبح هي المتنفس الإعلامي الوحيد للشعب العراقي، قبل الغزو وأثناءه وبعده.

رأيناها في الصومال حيث تُسحل هناك سيدة الكون، وفي إفريقيا الوسطى حيث تذبح سلطاتها المسلمين بينما يستقبل السيسي رئيستها في القاهرة، رأيناها في البوسنة والهرسك؛ حيث تقطع رؤوس المسلمين وتغتصب النساء، رأيناها في ميادين التحرير تغطي هبّة الشعب المصري ضد الاستبداد، رأيناها في الشمال وفي الجنوب، في الشرق وفي الغرب، في أى مكان يوجد فيه الظلم سنرى "الجزيرة" هناك.. لتفضحه.

ما نريده من شبكة الجزيرة أن تمد خدماتها بقنوات تغطي جوانب الدراما والأعمال السينمائية المنتقاة، حتى لا تترك مشاهدها عرضة لمقذوفات رذائل الفن المأجور.

..............................


انتبه يا سيد خالد علي

تم النشر: 16:11 30/11/2017 AST تم التحديث: 16:28 30/11/2017 AST

يدرك عبد الفتاح السيسي وأجهزة حكمه قبل أي جهة أو كيان آخر أن شعبيته تدنت في مصر لدرجة قد لا تكفي لترشحه لتولي منصب رئيس مجلس مدينة منتخب.

ويدرك في ذات الوقت أن هناك تذمراً كبيراً في الشارع المصري ينذر بثورة شعبية عارمة وعنيفة، جراء تلك السياسات التي اتبعها والتي يعلم تماماً قبل غيره أنها شديدة القسوة والجور، فضلاً عن إغلاق الحياة السياسية والعامة بالضبة والمفتاح، وتصفية المعارضات بكل أنواعها، لا سيما الراديكالية بالقتل والسجن والتشريد والإقصاء.


حياة أو موت

ويدرك ثالثاً أنه لا يمكنه التنازل عن السلطة بأي مقابل أو حتى اتفاق؛ لأن هذا التنازل لا يمس فقط توقيف رغبته ورغبة نظامه في التسلط ونهب الثروات، ولكن لأن التنازل يشكل خطراً على حياته وحياة كثيرين من قيادات نظامه الذين ستطالهم يد العدالة جراء حمامات الدم التي تدفقت في نهر مصر في "الخمسية الأخيرة السوداء" من التاريخ.

كما لا يمكننا أن نتجاهل أن وجود السيسي في السلطة جاء نتيجة قرارات لتوافُقات قوى إقليمية من أجل تنفيذ مخططات إقليمية معينة بدت واضحة مؤخراً، أهمها صفقة القرن والسلام الدافئ ومشروع "نيوم" وتوصيل مياه النيل لإسرائيل وغير ذلك، وبالتالي فإن السيسي شخصياً قد لا يكون صاحب قرار استمرار وجوده في السلطة من عدمه، فذلك ليس متوقفاً على رغبته فقط، ولكن على رغبة القوى الإقليمية تلك التي أتت به، وستدعمه لأقصى حد ومهما كانت التضحيات في الداخل المصري.


معارضة.. ولكن

وإزاء هذه الأوضاع أصبح واجباً على نظام السيسي "تنفيس البالون" قبل أن ينفجر، وذلك من خلال إظهار مؤشرات لفتح المجال العام، مع القليل من حريات الكتابة والتعبير والانتقاد، وصناعة أو تنشيط أو حتى السماح للمعارضة بالعمل والنمو والازدهار، بشرط أن تكون فردية، أي لا تنتمي إلى "كتلة" تشكل خطراً على دوام بقائه.

علماً بأن هذا النوع من المعارضة الذي يعارض من داخل النظام يقدم لهذا النظام خدمات لا تقدر بثمن، أقلها أنها تحفظ ماء وجه شركائه الغربيين الذين يدعمونه سراً وعلانية أمام شعوبهم.

ويجب أن ننبه إلى أنه ليس شرطاً أن تكون هذه المعارضة هي من صناعة النظام، ولا نزعم ذلك، بل قد تكون معارضة صادقة وجادة ومفعمة بالإخلاص والوطنية، ولكنها أيضاً لا تدرك أن النظام يستخدمها لصناعة ديكور يزيّن به شرعيته الديكتاتورية، وذلك لأنه لا يوجد نظام حكم في العالم بلا معارضة داخلية إلا إذا كان نظاماً ديكتاتورياً فجّاً كالذي في كوريا الشمالية مثلاً - كما يصوره لنا الإعلام الغربي.


طعن المعارضة

وأزعم أن النظام المصري الحاكم سيتجه خلال الأشهر المقبلة، وقبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل، إلى إبراز هذه المعارضة "المضمونة" والإعلاء بطرق شتى من شأنها، والتأكيد على ضراوة الصراع الانتخابي، وذلك في محاولة منه لإقناع العالم بديمقراطية المنافسة الانتخابية التي ستنتهي بلا أدنى شك من فوز السيسي لفترة رئاسية ثانية.

وهو ما يعني توجيه المعارضة طعنة قاتلة إلى نفسها، ويحرمها من فرصة الطعن على نزاهة الانتخابات ومن تصديق العالم لها أيضاً، ويشكك في كل ما تردده عن القمع والاستبداد والإقصاء، بل ويفتح المجال أمام نظام السيسي لممارسة المزيد من القمع للإجهاز على أي مكمن خطر وذلك بعدما تحسنت صورته الخارجية.


خالد علي

لا شك أن السياسي والحقوقي خالد علي واحد من الشخصيات التي حظيت باحترام الشارع المصري مؤخراً، لا سيما بعد تصديه ومن معه من محامين وحقوقيين بواسل لعملية التنازل عن ملكية مصر لجزيرتي تيران وصنافير، ولا أشك أبداً في وطنيته ونزاهته.

ولكني أخشى أن يكون قيامه بإعلان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة فخاً قد أوقع نفسه فيه دون قصد منه، وذلك لكل الأسباب السابقة، خاصة أن السيسي بحاجة لشخص له تاريخ بوزنه ليخوض أمامه الانتخابات ويسوّق على حسابه شرعيته، وقتئذ سينجح السيسي وسينسى الناس لك كل معروف حقوقي قدمته لوطنك، وسيتذكرون لك أنك رضيت بدور لا يليق بك كما لا يليق بمن سبقك في الانتخابات الماضية.

وأذكّرك أن خيالات الناس واسعة فقد يتهمونك بأنك مصنوع من قِبَل النظام لأداء مثل هذا الدور، وأن السلطة تركتك تمضي في قضية الجزيرتين لتحصل على الحكم الشهير الذي يترك لها مجالاً للضغط وابتزاز النظام السعودي ويفتح لها باب الرجعة متى جَدّ في الأمر ما ليس على رغبتها.

وأن الدليل على ذلك هو قيامك بصرف المتظاهرين الذين توافدوا بكثافة عفوياً إلى نقابة الصحفيين، وذلك عبر تحديد يوم آخر للتظاهر، وفي اليوم المحدد كان الأمن يفترش القاهرة فلم يتظاهر أحد.

أو أن يقولوا إنه تم الزج بك في هذا الأمر من أجل العودة إلى حالة الانقسام التي عززها النظام، والتي أيضاً شارفت على الالتئام بعد توحد الجميع ضد السيسي.

ولتتذكّر يا سيد خالد علي أن ما جاء بالدبابة لن يرحل بالصندوق، وأن التحجج بخوض الانتخابات من أجل فتح المجال العام هو يعني أيضاً شرعنة النظام الجديد، وأن فتح المجال العام قادم على كل الأحوال.

لأنني أحبك أنبّهك.

.............................

مسجد الروضة.. من التصويف إلى المستفيد

تم النشر: 12:01 10/12/2017 AST تم التحديث: 12:01 10/12/2017 AST

التركيز الذي مارسه الإعلام المصري، الرسمي وشبه الرسمي، من اللحظة الأولى، حول أن مسجد الروضة الذي شهد المجزرة الإجرامية الأثيمة في العريش كان مسجداً صوفياً، وأن الإرهابيين قدموا إنذارات لإدارته من قبلُ بإغلاقه، وهو ما نفاه إمام المسجد نفسه الذي أصيب بالحادث، في لقاء متلفز له سُجل قبل أن يُحظر التعامل مع الصحفيين في هذه المنطقة بعد الحادث، مؤكداً أن المسجد ليس صوفياً ولم يتلقوا تهديدات من قبلُ لإغلاقه- أثار الكثير من علامات التعجب والأكثر من علامات الاستفهام.

علامات التعجب تتعلق بأنه للمرة الأولى يتم تصنيف وفرز المساجد في مصر بحسب نوعيتها، ومن ثم نوعية مرتاديها، ولم يكن الأمر معمولاً به لدى عوام المصريين، بحيث إنهم اعتادوا الصلاة في أي مسجد.

أما علامات الاستفهام، فتُشعرك وكأن هناك توجيهاً أمنياً للإعلام المصري، طالبهم منذ اللحظة الأولى بالتركيز على تلك النقطة، وهذه مسألة لا مراء فيها، فالإعلاميون أنفسهم اعترفوا بأنهم يعملون حسب التوجيهات مراراً.


تساؤلات عن التضليل الإعلامي

ومن ثم، فالسؤال: ما مصلحة النظام في توجيه الأنظار إلى أن وراء الحادث تنظيماً يختلف مع الصوفيين فكرياً، إذا كان راغباً حقاً في معرفة الجناة الحقيقيين ومعاقبتهم؟ علماً أن دائرة المختلفين مع الصوفيين فكرياً قد تتسع لتشمل السلفيين والجماعة الإسلامية وحتى الإخوان المسلمين، وجميع هؤلاء أدانوا الجريمة، وضمنهم تنظيم الدولة الذي يناصبهم العداء أيضاً.

ولماذا تناسى الإعلام في الوقت ذاته، أن تلك التنظيمات -عدا داعش- هي تنظيمات سياسية تؤمن بالحياة المدنية الحديثة ولا تبيح إراقة دم حتى الكافر الذي يناصبهم العداء؟

فضلاً عن أن مصر تكتظ بالمساجد من النوعية نفسها، ولو كان هناك نية أو إباحة لإيذاء المساجد "الصوفية" لأحرقوا كبريات تلك المساجد كالإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بالقاهرة، والمئات في الأقاليم كالسيد البدوي بطنطا وعبد الرحيم القنائي بقنا، في فترات "الفراغ الأمني" الذي استمر شهوراً إبان ثورة يناير/كانون الثاني.

كما أن واقعة مقتل الشيخ أبو جرير العام الماضي على يد مسلحين، وادعاء أن المسلحين حذروا الناس من الصلاة في المسجد، يعني أن المسجد مستهدف وهناك تقصير أمني في حمايته، ويعني -وهو الأهم- أن المجرم أراد من تلك التصرفات التمهيد لدفع أنظار الناس بعيداً عنه حينما ينفذ باقي ما خُطط له من جرائم، وصولاً إلى نتيجة واحدة يريدها النظام الحاكم ذاته، وهي دفع الناس لمغادرة البلاد قسراً وإلصاق التهمة بـ"اللهو الخفي"، الذي من الممكن توظيفه ليقضي النظام -بحجة مكافحته- على كل خصومه.

هذا التدرج يتشابه تماماً مع ما دأب النظام على فعله منذ سنوات، حيث وقّع على اتفاقية سد النهضة ثم اكتشفنا أن ذلك تمهيد لتوصيل المياه لإسرائيل، وتحدث عن خطة لمكافحة الأنفاق الفلسطينية واكتشفنا أن الأمر له علاقة بالتنازل عن جزء من سيناء لتنفيذ صفقة القرن، وتحدث عن ثورة دينية واكتشفنا أن الأمر هو التخلص من العباءة الإسلامية للدولة، واعتبرنا أن الأمر سلوك فردي للنظام المصري فاكتشفنا أنه مخطط إقليمي.


تساؤلات عن التصفيات

في الحقيقة، إنه قبل مرور 24 ساعة من وقوع الجريمة التي راح ضحيتها نحو 340 شهيداً، فوجئ المصريون بإعلان النظام المصري تصفية 45 شخصاً، وصفهم بالإرهابيين المتورطين في المجزرة، ما يطرح تساؤلات مهمة أيضاً حول أنه إذا كان إيجادهم وتوافر المعلومات عنهم قد تم بتلك السهولة، فلماذا لم تجدهم قبل الجريمة؟ وخاصةً أنك تخوض حرباً منذ سنوات في هذه المنطقة، ما يعني توافر كل خبرات اللعبة بيدك؟

وثاني التساؤلات: ما الذي أدراك أنهم متورطون في الواقعة؟! فهل قبل أن تقصفهم بالطائرات أجريت تحقيقاً جنائياً معهم على الأرض مثلاً؟ والأهم أنه إذا كانت جميع روايات الناجين تؤكد أن عددهم كان ما بين 20 و40 شخصاً، فهل يعني أن يكون قتلك 45 شخصاً أن هناك 5 منهم أبرياء "فوق البيعة"؟

اللافت أن النظام الذي تعرّف على المجرمين في هذا الوقت الوجيز وصفّاهم، هو نفسه الذي تأخرت طائراته عدة ساعات عن الوصول لمسرح الجريمة رغم انتشار أكمنته في الطريق المؤدي إليه.

مستعدون أن نسلّم بصحة كل ما قاله النظام الحاكم ونسحب تساؤلاتنا، ولكن لو ضمنّا الإجابة بـ"نعم" عن سؤال: هل سينتهي الإرهاب في سيناء الآن بعد قتل كل هؤلاء الإرهابيين الخطرين؟

لكن، هناك أيضاً أمر لا يقل غرابة، هو أن الجريمة التي ندد بها العالم وقعت قبل 48 ساعة فقط من افتتاح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الرياض، أعمال الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، والذي ينعقد تحت شعار "متحالفون ضد الإرهاب"، بحضور ممثلي 41 دولة، وكأن المجرمين قد خططوا لإعطاء الاجتماع زخماً دولياً!


تساؤلات حول العملية

مسرح العمليات شهد المجزرة بعد بدء الخطبة بدقائق، ما يعني أن المسجد لم يكن مكتظاً؛ ومن ثم فإن الضحايا في الغالب سقطوا بالخارج، وهو ما أكدته الشهادات المكتوبة والمتلفزة بأن القتل طال المصلين في الداخل والخارج وحتى المارة في الشوارع والمناطق السكنية المحيطة، ولم يتم إيذاء المسجد أو تفجيره، ما يعني أن المجرم القاتل كانت معركته أساساً في وجود الناس هناك وليس في وجود المسجد.

كما أن المسجد يقع على أرض منبسطة ويبعد فقط 450 متراً من وحدة عسكرية وعلى طريق مكتظ بالوجود الشرطي والأمني، ما يعني سهولة حمايته وهو ما لم يحدث! وفى 30 إلى 120 دقيقة -بحسب الشهادات- تمت المجزرة وانسحب المهاجمون في أمان ولم تصل أي قوات تتصدى لهم!

والأهم أنه من المعروف أن قبيلة السواركة التي ينتمي إليها الضحايا واحدة من القبائل التي أذاقت العدو الصهيوني الويلات في فترة احتلاله سيناء، وهي القبيلة التي اتُّهمت بالتباطؤ في دعم الجيش بحربه المزعومة ضد الإرهاب، ما تسبب في مصادمات كلامية شهيرة بينها وبين قبيلة أخرى داعمة للجيش، وهي أيضاً القبيلة التي تمتد سيطرتها على طول المساحة الساحلية شمالاً ما بين جامعة سيناء غرباً حتى رفح التي كانت تسيطر عليها قبيلة الرميلات، قبل استهدافها هي الأخرى بالتفجيرات الأعوام الماضية وتهجير أهلها إلى مناطق أخرى، ما يؤكد أن صاحب المصلحة في التفزيع والتهجير هو النظام؛ تنفيذاً لما تحدث عنه السيسي نفسه.. صفقة القرن.

فهل يستلزم تنفيذ صفقة القرن -يا إسرائيل- أن يموت كل الشعب المصري؟!

......................................................

مقالات عام 2018

......................................................


الخميس 25 يناير 2018 18:49

ملامح الطوفان

سيد أمين

 يعتبر النظام العسكري الحاكم في مصر أن زيادة عدد السكان هي من أكبر معوقات التنمية، وأن "طوفان الناس" يحول دون أن يتمتع المصريون بمحدثات التنمية، فيما يري مفكرون غربيون مثل الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي أن هذا العامل من أكبر العقبات التي يواجهها الغرب في إخضاع مصر التام للإرادة الغربية.

يأتي ذلك مع أن دولة كاليابان مثلا تقع على ثلث مساحة مصر الجغرافية، نفس حجم الدلتا تقريبا، وعدد سكانها أكثر من ضعف عدد سكان مصر، وهزمت بضربة نووية مروعة وفريدة، لكنها مع الإدارة الرشيدة حجزت لنفسها المقعد المتقدم بين الأمم.

لقد فتحت التصريحات التي أطلقتها منذ بضعة أشهر وزيرة التضامن الاجتماعي في نظام السيسي حول خطة "خفض خصوبة المصريين" النقاش طويلا حول مشروعية تلك الخطوة وجديتها خاصة أن وزير الصحة أكدها في أغسطس 2016 وسبقته وزيرة السكان في يونيو 2015.

فيما يجزم الخبراء أنه بإضافة مواد كيميائية معينة إلى مياه الشرب أو المواد الغذائية، فإنها ستعمل على الإصابة بالعقم أو حتى الأمراض الفتاكة، بنفس الطريقة التي يتم بها أحيانا إضافة زيوتا معينة إلى الأطعمة في المعسكرات الشبابية للحد من الغرائز.

ومع تكرار حوادث الغرق المريب لمراكب محملة بمواد خطرة في مياه النيل كان أشهرها غرق مركب عسكري قرب مدينة قنا جنوبا محملا بالفوسفات وبه نسبة عالية من الكاديم واليورانيوم في ابريل 2015، وغض النظام الطرف عن تحويل النيل إلى مصب لمخلفات صرف معظم المصانع "الحكومية" المطلة على ضفتيه على امتداد مصر.

كما أن ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة التي تفردت بها مصر وانخفاض متوسط أعمار المصريين لنحو 57 سنة مقارنة بنحو 100 سنة للمواطن الياباني بحسب تقرير الصحة العالمية، كان تلوث المياه العامل المشترك في مسبباتها، والسؤال هل هناك خطة لخفض عدد السكان بتلويث المياه؟ طبعا لا يمكن تصديق أن هذه الجريمة يمكن أن ترتكبها حكومة من بني جنسنا، لأن الواقع يؤكد أن خطط تسميم المياه هي خطط حربية معتادة ومكررة تاريخيا، المغول والصليبيون فعلوها، حتى النازي الألماني حاول تسميم خزانات مياه لندن والنازي المصري سمم آبار رفح الفلسطينية. 

الموت غرقا

لكن الخطر الأكبر على مصر الآن ليس من تلوث المياه ولا حتى من شحها فقط، ولكن من فيضانها خاصة مع وجود تقارير فنية تتحدث عن وجود (تسريب) في جدار السد، محذّرة من وقوع "كارثة"، موضحة بالأرقام والإحداثيات والصور الأخطاء الإنشائية في بنائه، وأنه مع مرور الوقت سيكون معرّضاً للانهيار، مع تأكيد خبراء الجيولوجيا أن السد مقام على تربة بركانية تتكون في معظمها من البازلت سهل التفتيت، وأنها أيضا منطقة أنشطة زلزالية سيساهم تراكم هذا الكم الهائل من المياه في استعادتها نشاطها.

ذلك الخطر هو ما دفع الرئيس السوداني عمر البشير للحديث في 17 أغسطس 2017، خلال مؤتمر صحفي مشترك في الخرطوم مع رئيس وزراء إثيوبيا، من أن احتمال انهيار السد سيمثل كارثة، ونظرا لخطورة الأمر قامت أثيوبيا بفتح تحقيق في تلك المخاوف انتهت إلى نفي وجود هذا التسريب وهو النفي الذي يحمل أيضا إثباتا بخطورة الموقف حال انهيار السد.

وحول ما سيحدث يكفينا أن نقول أنه في سالف الزمان كان حينما يفيض النيل يعصف في سهله حيث يتركز غالبية السكان بكل شيء، فيقتلع الأشجار ويسحق المزروعات ويدمر المنازل ويقتل الكثيرين محدثا كارثة إنسانية مروعة.

كل ذلك يحدث من إجمالي فيض لجزء كبر أو صغر من حصة مصر من مياه النيل، ونقول جزء لأن هذا الفيضان يمثل فقط حاصل أمطار يوم أو شهر من 55,5 مليار متر مربع تحصل عليها مصر طوال العام، والكارثة في أن مصر تحصل على15% فقط منهم من النيل الأبيض وبحيرة فيكتوريا، والباقي من النيل الأزرق وبحيرة تانا في إثيوبيا.

وبحسب المعلن يتسع خزان السد لنحو 74 مليار متر مكعب وفي روايات أخرى يتسع لنحو 100 أو 120 مليار بينهم 14 مليار متر من الطمي.

 وإزاء هذه الأرقام فإن انهمار تلك الكمية الهائلة في توقيت قصير محدد من ارتفاع قدره 1890 مترا وبنسبة انحدار شبه حادة تعني طوفانا جديدا يتشابه مع ذلك الذي جاء في قصة سيدنا نوح يتحقق، محطما في طريقه كل شيء وبالطبع أولهم البشر.

ما يعني أن استهداف السد حال امتلاء خزانه بصواريخ أو حتى بهزة أرضية أو ما شابه، سيعني أول ما يعني إغراق مصر وقتل ملايين المصريين، وبالتالي يحدث خفض مفاجئ لأعداد السكان في هذا البلد الذي تميز بالوفرة.

خيارات مرة

وسيكون الشعب المصري آنذاك مخيرا بين خيارين أحلاهما مر، إما الموت من الجفاف والعطش وأما الموت غرقا، فيفاضل هنا بين احتمالات تعظيم نسبة النجاة بين هذه وتلك، فيكون البقاء في الجفاف أفضل من الموت في الغرق، خاصة أن التعامل مع خطر الجفاف والعطش ممكن من خلال تحلية مياه البحر ومياه الصرف الصحي، لاسيما في فترة امتلاء الخزان المقدرة بنحو 7 سنوات، هنا قد يكون توصيل المياه لإسرائيل هي المنقذ الوحيد للشعب المصري عبر إطالة مدة التخزين.

وإزاء هذا الوضع فأن أحاديث الجنرالات المصريين المتواترة مؤخرا عن أن السد سينهار من تلقاء نفسه فيها جانب من الصحة، ولكنها لا تحمل كل الحقيقة التي قد يجهلونها أو يتغاضون عنها، وهي أن انهيار السد قد يسبب كارثة لا تقل خطورة عن كارثة الجفاف، وأن الوقت المتبقي لتفادي هذا الخطر قليلة وهو مرهون بالتحرك قبل امتلاء الخزانات.

وإذا كان الحديث لتفادي خطر الجفاف يتوقف على حجم مدة التخزين التي ستتبعها أثيوبيا وأن إطالة المدة لأكثر من 15 سنة قد يخفف من أثاره على دولتي المصب، إلا أن تفادي خطر انهيار السد وما سيسببه من دمار تبدو بعيدة المنال مهما اتخذوا من إجراءات أمان.

رغم أن قطرة المياه تساوى حياة.. إلا أنها قد تكون قاتلة أحيانا.

...............

الهجوم على صلاح الدين

جزء من الحرب على الإسلام

سيد أمين

نقلا عن مدونتى على هافنجتون بوست عربي

محاولات بعض القوى في الغرب وأنصارها في الداخل العربي، وتحديداً في مصر، شيطنة البطل الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي، لا تعود إلا لكونه قائداً مسلماً ناهض طموحات الحملات الصليبية، خاصة أن تعبيراتهم التي تنمّ عن كراهيته لا تتوقف على مر التاريخ، وتجاوزت مرحلة النقد الذي ينتقد به أي رجل خلّده التاريخ إلى السب والتقريع، كما يحدث كثيراً من الروائي يوسف زيدان الذي تفرغ في لقاءات إعلامية عديدة لمهاجمة الرجل، ومؤكداً أيضاً أن السيسي كلَّفه بتجديد الخطاب الديني.

زيدان يصف صلاح الدين بأحقر شخصية في التاريخ

يوسف زيدان السيسي كلفني بنشر تجديد الخطاب الديني

يأتي الهجوم على الرجل بدءاً من التعرض له بالسب والتحقير في أغاني الأطفال البسيطة التي كانت متداولة اعتيادياً، إلى الأعمال الأدبية العالمية، وصولاً إلى تصريحات الساسة الإمبرياليين وبعض رجال الكنيسة المتطرفين، انتهاءً بتدنيس قبره ليس على يد صبية لاهين، ولكن على يد قادة سياسيين تاريخيين.

الحرب ضد الرجل في مصر لم تكن أبداً مباشرة وصريحة من قبل كما هي اليوم، بل كانت تأتي في صور أغانٍ للأطفال وأمثال شعبية مجهولة النسب؛ حيث وضع خبثاء أغاني مشهورة كان يرددها قديما الأطفال في صعيد مصر دون وعي منهم بمدلولاتها وذلك انسياقاً وراء القافية الموسيقية، تسخر الأغاني من الرجل وتصمه بصفات الشر، تقول مقدمة إحداها مثلاً: "صلاح الدين الأيوبي ضربته بفردة مركوبي"، أي: حذائي.

وفي الحرب العالمية الأولى حرص الجنرال البريطاني اللنبي الذي قاد الجيش المصري والعربي تحت راية التاج البريطاني ذي الصليب لمهاجمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية التركية وإسقاطها، دخل دمشق وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية، فيما حرس قائد الجيوش الفرنسية الجنرال هنري غورو على أن يزور مرقد وضريح صلاح الدين الأيوبي، وأن يضع قدمه فوق شاهده، مردداً قوله: "ها نحن عُدنا يا صلاح الدين".

انظر ما قاله الجنرال اللنبي

ما قاله القائد الفرنسي غورو

كما هاجم رجل الدين والمستشرق أرنست رونان عام 1883 ووصفه في كثير من خطبه بصفات تحطّ من شأنه.

"راجع كتاب الصورة النمطية للعرب والمسلمين في أوروبا - الدكتور منير حجاب- قسم الصحافة بجامعة سوهاج"

الغرب المنصف

ولكن في الاتجاه المقابل، كما حفل المشهد بكثير من الناعقين على الرجل، حفل أيضاً بأضعافهم من المنصفين الغربيين الذين غردوا للرجل، وكسبت مواقفهم احترام المسلمين حول العالم، وأسبغوا على الرجل صفات مثالية لم يسبغوا بها على رجل مسلم قط، فحينما زار الإمبراطور الألماني غليوم الثاني الإمبراطورية العثمانية قُبيل الحرب العالمية الأولى، حرص على زيارة ضريحه بدمشق ووضع عليه إكليلاً رائعاً من البرونز صُنع خصيصاً في برلين احتراماً لإسهاماته في الحضارة الإنسانية، وبقي هذا الإكليل على الضريح حتى دخل الإنكليز دمشق عام 1916 فسرقه الجاسوس البريطاني الملقب بلورانس العرب، بدعوى أنه من الغنائم الحربية وأخذه إلى بلاده.

كما مدح المؤرخ البيزنطي نكتياس خونياتس صلاح الدين ووصفه بأنه كان رحيماً حينما تمكّن من فتح القدس أكثر ما كان الصليبيون رحماء بالمسلمين حين غزوها.

وعن ذلك قال ميخائيل زابوروف، المؤرخ الروسي: إن رحمة صلاح الدين بالمسيحيين كانت سبباً في دخول الصليبيين للإسلام، ودخول صلاح الدين كُتب أساطير التاريخ، وبذات الوصف تقريباً وصفه إدوارد جيبون أحد مشاهير الرومان.

وقال عنه المؤرخ البريطاني هاملتون جب: "يشكل عهد صلاح الدين أكثر من حادثة عابرة في تاريخ الحروب الصليبية، فهو يمثل إحدى تلك اللحظات النادرة والمثيرة في التاريخ البشري، لقد استطاع أن يتغلب على جميع العقبات لكي يخلق وحدة معنوية برهنت أن لها من القوة ما يكفي للوقوف بوجه التحدي من الغرب".

وهناك آلاف الوقائع في هذا الإطار.

تقييم الرجل

قد يكون للرجل هفوات أو أخطاء أو مطامع خاصة قد لا نعلمها، لكن علينا أيضاً الاحتراز والإنصاف لنقول إنه أيضاً ليس هو بنبي أو حواري أو معصوم أو حتى ولي أو فقيه أو شيخ، بل هو سياسي خضع لإرادة الشعب الذي يحكمه، أو يشارك في حكمه بتحرير كامل التراب الوطني من الاحتلال الاستيطاني الثيوقراطي الصليبي، واتخذ قراراً بمحاربة العدو لا التواطؤ معه على حساب الشعب والأرض والدين كما يفعل ساسة مصر الآن الأولى بالهجوم.

فكثير من مشاهير الغرب كانت عليهم مآخذ سلوكية، ولكن ذلك لم يمنع الغربيين من تبجيلهم -تطبيقاً لمقولة: مَن ليس له كبير فليصنع كبيراً، ومَن ليس له تاريخ فليصنع تاريخاً كما فعلت إسرائيل- من الأدباء حتى الساسة، فمثلاً في مجال الأدب، لم يكن خافياً أن الأديب الإيطالي "دانتي" اقتبس كوميدياه الإلهية من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، في وصف الجنة والنار ورحلة الإسراء والمعراج، وطرحها بشكل مغاير مجدداً بما يتفق مع رؤيته كمسيحي كاثوليكي، ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن "دانتي" وضع النبي الأكرم وأيضاً الناصر صلاح الدين ضمن سكان الجحيم، ولكنه اختصَّهما بمرتبة عليا فيه تضم الشخصيات الإصلاحية الجيدة، التي تعذب فقط؛ لأنها لم تكن مسيحية.

ومع ذلك فصلاح الدين لا هو هذا ولا ذاك، ولكنه خلّد في التاريخ كرمز مقاوم انتزع بيت المقدس من سارقيه وأعدائه وأعاده إلى أصحابه الأصليين في لحظة نادرة في التاريخ ليست صدفة.

ولعله ليس من قبيل الصدفة أن يوسف زيدان لم يكن وحده هو مَن تطاول بالسب على صلاح الدين الأيوبي من أبناء جلدتنا، ولكن هناك للأسف كثير من الكتاب المنتسبين للعروبة والإسلام أيضاً، واللافت أن ما يجمع بينهم جميعاً هو تشكيكهم في ثوابت الإسلام.

ومن أمثال هؤلاء المتطاولين يأتي الكاتب السوري نضال نعيسة، والأزهري أحمد راسم النفيس.

ولعل زيدان بوصفه محرر المسجد الأقصى الذي يتفق مع الصهاينة في نفي وجوده قد سقط سقطة سقطها من قبله الروائي أسامة أنور عكاشة، حينما وصف عمرو بن العاص في 2004 بأنه "أحقر شخصية في الإسلام" وبأنه "أفّاق"

على كلٍّ فالرجل حفر اسمه في التاريخ كصاحب ملحمة الدفاع عن الأقصى، ولن ينال منه سباب انطلق نحوه في فترة انفتقت فيه سماوات الإعلام الرسمي لتخر سباباً في كل ما له علاقة بالإسلام، والمسلمين والرسول والأتباع والصحابة، بل والله تعالى.

...............


الثلاثاء 6 فبراير 2018 17:00

اهدار اللغة العربية.. جزء متقدم من الحرب على الإسلام

سيد أمين

 مما لا شك فيه أننا كعرب ومسلمين نتعرض لحرب ثقافية ضروس تستهدف ضمن أهم ما تستهدف محو هويتنا الثقافية، التي من أهم ركائزها ذلك المزيج الفكري والقيمي المتين والمتجانس الناتج عن انصهار الأعراف العربية الحميدة مع قداسة الإسلام بعد تهذيبه لها لتناسب تلك القداسة، وهو المزيج الذي مكن العرب من أن يقهروا بالإسلام كل قوى الاستكبار في زمانهم، وأن تنصاع الدنيا لصوتهم رغم ما كان فيهم من ضعف وشتات وتشرذم.

ولقد كانت اللغة العربية واحدة من أهم أدوات تلك الثقافة نظرا لكونها أهم أدوات التعبير عن الحضارة بين قوم لا يمتازون عن العالمين إلا ببلاغة لغتهم، خاصة أنها هي من حازت دون لغات الأرض على شرف احتكار التعبير بنص القرآن الحكيم لتعجز فصاحته فصحائهم، وتؤخذ عليهم آية.

الاستعمار واللغة العربية

لهذا كان هدم اللغة العربية واحدا من أهم أهداف الاستعمار بدليل أن المستعمرين جميعا قصدوا أول ما قصدوا في استعمارهم لشعوبنا العربية سحق تلك اللغة التي هى منبع قوتنا وايماننا واستبدالها بلغاتهم القومية ، فراحت فرنسا تفرض الفرنسية في مستعمراتها وكانت المطبعة أهم اسلحتها وكذلك فعل الإيطاليون والإسبان ، وكذلك الإنجليز الذين عينوا قسا اسكتلنديا متطرفا يدعي دوغلاس دانلوب وزيرا للتعليم في مصر ليصدر قانونا سمى باسمه يسعي فيه لسحق اللغة العربية في هذا البلد وجعل الإنجليزية لغة التعليم الوطنية الأولى فيه لولا قيام فدائي باستهداف موكب رئيس وزرائه غالي باشا عام 1910 ما عطل المشروع التغريبي تماما،  الذي ساهم في تعطيله أيضا جهل الكثير من المصريين بالقراءة والكتابة أساسا بسبب انصرافهم عن التعليم نظرا لتفشي الفقر.

خطورة اللهجة الدارجة

لقد أدرك أعداء الامة أن الاسلام هو مصدر قوة أمتنا وأن خطورته تكمن في أنه دين مجتمعي يقوي بتحالف قوى المجتمع، وأن فصاحة العربية هي فقط القادرة على التعبير عن مدلولاته المقدسة، وبالتالي كان لابد من هدمها في عقول وقلوب وألسنة ناطقيها.

وكانت اللهجة العامية هى أولى الطعنات وأخطرها التي تلقاها قلب هذه اللغة والتي يعتقد أنها تكونت عربيا كرواسب لتمدد وترامي الأراضي والثقافات التي طالتها الفتوحات الإسلامية، كما أنها تكونت مصريا جراء تعدد لغات المستعمرين الذين تناوبوا استعمار مصر.

ورغم أن استخدام هذه اللهجة بدت مكروهة من الجميع ويجلب استخدامها لصاحبه العار إلا أن يدا غريبة امتدت سرا على ما يبدو للإعلاء من شأن تلك اللهجة وتنصيبها لغة للمجتمع ككل وبدلا من أن تعيش حالة عداء للثقافة والفنون والأدب، صارت هى اللغة المستخدمة فيهما بدعوى البساطة.

الغريب أن تلك اللهجة الدارجة صارت بمفرداتها المبتذلة بعيدة كل البعد عن اللغة العربية كما لو كانت لغة أخرى بديلة لها حتى إنه مع إدامة استخدامها اجتماعيا صارت العربية الفصحى هى اللهجة المستغربة في المجتمع.

تدمير النشء

ولما كان من المفترض أن البلاد تحررت من الاستعمار وهو من كان يفرض لغته علينا قسرا قبل منتصف القرن الفائت، تغير الحال فصرنا نتعلمها وبإسراف أكبر ولكن تحت دعاوى من قبيل أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم وأن مواكبتهم والاستفادة من علومهم واجبة، وما الي ذلك، إلا أنه رغم ذلك ما استفدنا من علومهم ولا أمنا مكرهم ولا حتى تعلمنا لغتهم أو حافظنا على لغتنا.

ولقد لعب الفن والإعلام المصري، وهو إعلام وفن موجه في الغالب، دورا كبيرا في جعل رجال اللغة العربية مثالا للسخرية وإظهارهم في صورة المغفلين التافهين الرجعيين، كما أظهر شخصيات من يتحدثون بلغات غير العربية الأكثر وعيا وعولمة وحداثة من أولئك المتشبثين بالعربية.

 ولا يفوتنا الحديث عن أن هناك كتاب تفرغوا تماما لهدم اللغة العربية وقام أحدهم بكتابة كتاب يتهم فيه تلك اللغة بأنها لقيطة.

ولأن الحرب على اللغة العربية هى في الاصل جزء متطور ومتقدم من الحرب على الإسلام، فقد تحول التعليم الأزهري إلى نموذج واضح ومخيف للتسرب من التعليم ومفرزة واسعة لإنتاج المتعلمين الأميين الذين حتى لا يجيدون القراءة والكتابة.

ورغم كل تلك المخاطر إلا أن الأخطر تمثل في تعليم النشء اللغة الإنجليزية حتى قبل أن يتعلموا لغتهم القومية، ونتج عن ذلك الوضع الكارثي أن أصبح الطفل لا يجيد أبسط بديهيات اللغة العربية، بل وكثيرا ما يتم كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية على طريقة مستحدثة خبيثة أسمها "الفرانكو أراب"، فضلا عن تداول الألفاظ والمصطلحات الأجنبية في كثير من تعاملات حياة الشباب اليومية وذلك على سبيل الوجاهة" والروشنة" وبالطبع المؤامرة ليست بعيدة.

لغة مقدسة

وليكن معلوما أن اللغة العربية تحمل في معتقد غالبية الشعب الدينية درجة من القداسة بوصفها لغةالقرآن الوحيدة، وهناك عديد من الأحاديث المتداولة والتي لا نعرف مدى صحتها عن الرسول الكريم كقوله "تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق" و"أحبوا العرب لثلاث.. لأنني عربي والقران عربي وكلام أهل الجنة عربي" وقوله "حينما خلق الله الخلق اختار العرب ومن العرب اختار بني هاشم ومن بني هاشم اختارني.. فأنا خيار من خيار"

كما روى عن الرسول الكريم أنه سأل ذات مرة الصحابي سلمان الفارسي: أخاف أن تكرهني يا سلمان؟ فأجابه سلمان: كيف أكرهك وأنت رسول الله. فأجابه الرسول الكريم: أن تكره العرب فتكرهني.

لقد بات واضحا الآن أن الحرب على اللغة العربية هي في الأصل جزء متقدم من الحرب على الإسلام.

...............

صُنّاع الانقسام

سيد أمين

نقلا عن هافنجتون بوست عربي

من المعلوم أن أجواءً سلبية من التشكيك والتخوين سادت -ولا تزال- بين قوى ثورة يناير/كانون الثاني المصرية، وأوصلت المصريين إلى الجحيم الذي يعيشون فيه، وصار نجاح تلك الثورة مرهوناً بزوال هذه الأجواء التي وصلت أقصى مداها بعد الانقلاب العسكري؛ حيث اتسع رتق الانقسام بفعل التداخل المؤثر الذي أحدثته الثورة المضادة في الثورة، ووقفت فوق ميادينها وبنفس شخوصها للأسف.

وراح كل فصيل يُلقي بالمسؤولية على الآخر مستخدماً منطلقاته الدعائية الخاصة، وإن طال التيار الإسلامي واقعياً القسط الأكبر من دعايتها السوداء -خاصة أن وسائل إعلام السلطة ورجال أعمالها هي من كانت تؤدي تلك الوظيفة- وارتبطت به على سبيل المثال تهمة الانتهازية التي أوجزتها عبارة "باعونا في محمد محمود"، وهي التي تحولت إلى مزحة مبتذلة من فرط استخدامها من قِبل كل شارد ووارد، يبرر صمته، وخوفه، ونضوب إنسانيته، أمام الجرائم التي ارتكبت بحق هذا التيار الذي لا يعرف لطريق المكايدة السياسية التي تشيع في مثل هذه الأجواء سبيلاً.

وهى التهمة التي صارت أيضاً تعبّر عن مظلومية الإخوان وليس ظلمهم، خاصة مع حالة القمع الوحشي التي يتعرضون لها، وصمت الآخرين المطبق، وأحياناً تأييدهم لهذا القمع، بل وإيعازهم به.

ولعلنا لا نجافي الحقيقة أو نمسي من "مطيبي الخواطر" إن قُلنا إن كل قوى الثورة شاركت في تأجيج الانقسام المجتمعي بشكل أو بآخر، بقصد أحياناً أو بسوء قصد غالباً، ورغم ذلك نجزم أن تلك القوى لم تكن هي من خلقت الانقسام، وذلك لسبب منطقي وهو أنه كان موجوداً أصلاً في المجتمع قبل نشأة تلك القوى، بل وفي أكثر فترات التاريخ الحديث انسجاماً.

الانقسام والتنوع

وقبل الخوض في تاريخ الانقسام، يجب الإشارة إلى أن ثمة فارقاً كبيراً بين الانقسام والتنوع، فالتنوع هو عامل "تكامل" مهم من عوامل النجاح الاجتماعي والاقتصادي للدول، ويؤتي ثماره متى توافرت الإدارة الديمقراطية الحكيمة التي تساوي بين حقوق الناس، وتحترم اختلافهم الفكري والعِرقي والمذهبي والديني، ولنا في الهند مثل واضح.

أما لو كانت الإدارة استبدادية، لم تصعد الحكم بطريق ديمقراطي، فإنها تتمسك بقوة بسياسة تحويل هذا التنوع إلى انقسام، بما يضمن لها ولاءً مطلقاً من قِبَل فصيل ما من الفصائل، تحتمي به متى ضاقت عليها الدوائر، وتضحي به متى لزمت التنازلات، وتبرهن عليه إعلامياً، وتحتفظ باستمرار ولائه عبر سياسة إطلاق الفزاعات، ونشر أجواء الخوف والتشكيك، وإقامة سواتر الدخان التي تحجب الرؤية الكاملة عن الجميع، ما يمكنها من ملء الفراغات بنفسها بما يجافي الحقيقة، ولنا في المشهد المصري مثال واضح.

انقسام طائفي

لعله من البديهي والمعلوم أن تكون "فرّق تسُد" هي السياسة المعتمدة لقوى الاستعمار لأسباب كلنا يعرفها، ولذلك سعى البريطانيون إلى إحداث تلك الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، والتي بدأت باختيار الخديو، بإيعاز من الإنكليز، لبطرس باشا نيروز غالي -جد عائلة بطرس غالي الحالية- ليكون رئيساً للوزراء عام 1908، وكان ذلك أمراً مستحدثاً على الناس آنذاك أن يتولى حكمهم مسيحي، بينما هم يتبعون وجدانياً دولة الخلافة العثمانية، ولكن لأن ذلك لا يمنعه الإسلام فقبلوه.

لكن ما رفضوه هو أن "بطرس غالي باشا" راح بإملاء من الإنكليز يعين قِساً اسكتلنديا يسمى "دانلوب" وزيراً للتعليم "المعارف"، فأصدر قانونا سمّوه باسمه يحارب اللغة العربية، والأزهر، وعلوم الدين تحديداً، ويسعى لتغريب التعليم عبر جعله بالإنكليزية، وقصره على طبقة "الأفندية" وما فوقهم، وهم الذين يمكن الاستعانة بهم لإدارة المستعمرة الإنكليزية.

وكان رأي دانلوب الصريح أنه "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة".

المهم أن المصريين قتلوا بطرس غالي في 1910، وأسقطوا "دانلوب" وقانونه، ولكن بقي الانقسام مستعراً حتى ثورة 1919 التي قامت في الأساس لجبره والتئامه، وينبغي الإشارة إلى أن قانون تعليم "دانلوب" هو ذاته ما يطبق في مصر الآن.

الانقسام السياسي

جددت اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1979 الانقسام مجدداً في المجتمع المصري وعمقته على كافة الأصعدة، بين المسلمين والمسيحيين مجدداً؛ حيث أيّد كثير من المسيحيين -غير الرسميين- الاتفاقية ليس حباً فيها فحسب، ولكن أيضاً نكايةً في التيار الإسلامي الذي رفضها بقوة، وأيضاً رغبة في تبريد خلافتهم المستعرة مع الرئيس بسبب أحداث الزاوية الحمراء، بينما كان غالبية المسلمين يرفضونها.

وبين الفقراء والأغنياء؛ حيث أدت سياسة الانفتاح الاقتصادي، وهي أحد تداعيات تفاهمات "كامب ديفيد" إلى إحداث خلخلة كبيرة وإعادة تسكين لطبقات المجتمع.

وطال الانقسام الذي خلفته "الاتفاقية المشؤومة" كل الحيز الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني في مصر، وقسمت الناس بين مطبّعين وغير مطبّعين، وما زال تأثيرها التخريبي في المجتمع فعالاً، ويحاول "السيسي" حسمه لصالح "التطبيع"، وأعتقد أنه سيفشل.

انقسام جغرافي

وجّهت إلى نظام مبارك اتهامات واضحة بأنه قسم الناس على أساس جغرافي ومناطقي، وأن مبلغ عنايته كانت بالدلتا دون سواها، فيما أهمل الصعيد وسيناء والوادي، وهو نفسه اعترف بذلك في أواخر عهده.

نظام مبارك فتح الباب لأبناء محافظات الدلتا لا سيما "المنوفية" للترقّي في دواوين الدولة، فكان منهم معظم رجالات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، وبالطبع اختار منهم أيضاً معظم قيادات الحكم، الوزراء، والمحافظين، ورؤساء المدن وغيرهم.

وخلق ذلك التمييز شعوراً بالغبن لدى أبناء الصعيد، خاصة حينما أذكته الدراما والإعلام وبررته.

وكان موقف نظام مبارك من القضية "العراقية" مثار انقسام جديد واضح وعميق في المجتمع المصري.

ومن الانقسام الجغرافي أيضاً، ما حدث في عهد المجلس العسكري بعد مذبحة استاد بورسعيد الشهيرة؛ حيث راح الإعلام الرسمي يذكي ويساند الهجوم على أهل بورسعيد.

الانقسام الأيديولوجي

الانقسام الفكري موجود على الدوام كـ"تنوع"، لكن أن تدعم الدولة فكراً دون فكر فهذا هو ما يخلق الانقسام.

فقد حرض السادات على "الاشتراكيين" و"الشيوعيين" و"الناصريين" في بادئ الأمر حتى طال تحريضه كل القوى الفكرية بما فيها حلفاؤه القدامى "الإسلاميون".

وحرض مبارك على فصيل من "الإسلاميين" في تسعينيات القرن الماضي وارتكب به مجازر، إلا أن الجديد في نظام السيسي أنه قد حارب فكراً، بل ديناً بأكمله في صورة تحريض على فصيل "إسلامي".

أخطأ ثوار يناير حينما انساقوا وراء خدعة تقسيم المجتمع إلى فلول وثوار، وهي خدعة أريد بها إيهامهم بنجاح ثورتهم من جانب، والتكريس للانقسام الذي يمكن رده في مشهد قادم إليهم فيجعلهم شيعاً وطوائف وهو ما حدث بالفعل.

صنع العسكر كل ما من شأنه تعزيز الانقسام، بدءاً من التعديلات الدستورية التي ثبت أن الهدف من ورائها كان فقط صناعة الانقسام، والتهويل من نتائجه، ثم حولوا الانتخابات البرلمانية إلى انقسام جديد، وكذلك تمت صناعة انقسام حول لجنة إعداد الدستور، وتوالت مهمة صناعة الانقسام حول كل قرار يتخذه الرئيس مهما قلّ تأثيره، وتم تعزيز ذلك بصناعة مشهد "30 يونيو/حزيران"، ثم الانقلاب، ثم التفويض وهو إحدى أبرز مراحل صناعة الانقسام قساوة، ثم فض رابعة وما تلاها وسبقها من مجازر، حتى حظر الإخوان، وما تلا ذلك من تشويه وشيطنة وذبح، واعتبار ذلك من أعمال الوطنية.

بدأ السيسي خطوات صناعة الانقسام في مصر من خلال إثارة أجواء التشكيك من الآخر، وإطلاق الشائعات، والتحذير من المخاطر، وكشف التحالفات السرية الكاذبة، تدعمه في ذلك ماكينة دعائية جبارة جرى تدشينها على عجالة، انطلقت من ميدان الثورة لصناعة الالتباس، وإحكام الشَّرَك حول الثوار.

حرف المفاهيم

وكان حرف المفاهيم عن طبيعتها واحدة من أدوات تلك الصناعة، فالصراع الحزبي الطبيعي على كسب الشارع يسمونه "استحواذاً"، وإذا أحرق أناس مقراً للإخوان فإنه عمل ثوري، ولكن إذا اقترب "إخواني" من سور حزب الوفد مثلاً بسوء فهو عمل "إرهابي".

وإذا وصفت إخوانياً بأنه "خروف" فهذا حق في التعبير يجب أن يصان، وإذا وصف إخواني أحد معارضيه بأنه مأجور أو بلطجي فهو يتجنى عليه، وبذلك يخرج عن القانون، ثم اتسع رتق التفريق رسمياً وإعلامياً إلى حق الحياة نفسها؛ ليتم تعظيم حق الحياة لمن يؤيد نظام الانقلاب بينما تتم الاستهانة به عند من يعارضه.

ورغم أنه من حق الحزب الفائز بالانتخابات تشكيل الحكومة وشغل كافة المناصب الإدارية للبلد، فإنه كان يتم رمي محاولة حزب الحرية والعدالة أن يمارس حقه الطبيعي في الحكم تنفيذاً لنتائج الانتخابات بتهمة "الأخونة".

...............

الجمعة 30 مارس 2018 21:15

محنة الصحفي المحايد في مصر

سيد أمين

 الصحفيون المصريون عامة والمحايدون منهم خاصة يعيشون في مصر الآن أجواء مأساوية بكل معني الكلمة، فقد أغلقت أبواب الصحف المعارضة، أو بالأحرى الموضوعية، بالضبة والمفتاح، واقتصرت مهمة الصحفي على مجرد ترديد بيانات ومنشورات أمنية غالبا ما يكون هو نفسه غير مقتنع بمحتواها، ناهيك عن أنه يتوجب عليه أن يقنع الناس بها.

ولأن الحياد الإعلامي الايجابي وعرض الحقيقة في مصر الآن جريمة بكل معنى الكلمة يتم تصنيف مرتكبها بأنه خائن للوطن وممول من الخارج، فقد توجب على على هذا الصحفي في البداية أن يلتزم الصمت تماما ولا يتعاطى السياسة حتى في بيته، ليس خوفا من الاعتقال والحبس الطويل بقضايا جنائية ملفقة فحسب، بل خوفا من أن يموت هو ومن يعول جوعا بسبب عدم وجود مكان يقبل به للعمل فيه حتى لو لأعمال إدارية، لأن صاحب العمل يخشى أنه بتوفير فرصة عمل له يجلب المشكلات الأمنية لنفسه هذا إن كان هو صاحب القرار في أن يقبله في العمل أم لا، خاصة أن غالبية المؤسسات الصحفية والإعلامية مملوكة لشركات تابعة لجهات أمنية تعاقب الناس ليس على ما يكتبون بل على ما يضمرون من أفكار ومعتقدات.

كما أن حالة الصمت المطلوبة يجب ألا تقتصر على ممارسته الصحافة والإعلام وهو حقل عمل الصحفي، ولكن تمتد إلى الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث مع الرفاق والأصدقاء وفي الجلسات العامة والخاصة أيضا.

ولتقدير صعوبة الأمر لك أن تتخيل أن يتوقف الحداد عن الحدادة والنجار عن النجارة والمحامى عن المحاماة والطبيب عن الطب. فمن أين يكسب قوت يومه؟

ولعل الكثير من الصحفيين المصريين سيؤيدونني لو قلت إن كثيرا منهم لديهم الأن أزمة اجتماعية كبيرة جراء فقدان موارد رزقهم بسبب تمسكهم بحرية التعبير، ويتعرضون لضغوط أسرية قاسية تطالبهم بمسايرة موجه "التطبيل" للسلطة.

صراع نفسي

ولأن المعركة في الأساس تدور حول حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد، تطور الأمر فلم يعد الصمت يكفي لتوفير الأمان للصحفي المعارض للسلطة، فيدها تطاله بالعقاب بناء على ما كتب من قبل، بل يجب أن يجتاز تلك المرحلة إلى مرحلة أن ينضم لجوقة مرددي البيانات الأمنية ويقنع نفسه بما فشلوا هم في إقناع أنفسهم به.

والحقيقة أنه من الشائع الآن بين الصحفيين المصريين معاناتهم أمراضا تشبه انفصام الشخصية، يكتبون عكس ما يعتقدون تماما، ويرددون بانكسار بالغ كأي عامل "تراحيل"- مع وافر الاحترام - ذلك بأنه حفاظا على لقمة العيش في بلد يعاني الناس فيه أزمة اقتصادية متفاقمة، ولذلك يكون المحظوظ منهم هو من يعمل في مجالات بعيدة عن الحقل السياسي كالرياضة والفنون والأسرة والطفل وغيرها، بل إن الصحفيين يتنافسون عليها من أجل تخفيف حدة الصراع النفسي الداخلي، رغم أن الإعلام الدعائي لم يتوانى عن إدخال الدعاية السياسة في تلك المجالات حتى في الطبيخ.  

الكتابة الجادة

ولم يعد خافيا على أحد أن الكتابة الجادة الأمينة في مصر الآن هي بمثابة نقش على البارود، والكاتب الجاد هو ذلك الراقص على حقل من الألغام وسيكون محظوظا جدا أن رقص بحرية لمدة ساعة واحدة ولم ينفجر فيه اللغم ويقضي على حياته أو يبقيه قعيدا ما تبقي من عمره.

ومأزق الصحفي والكاتب المحترف عامة أن سمعته تتلخص في حياديته، وتجود بقدر صلابته وثباته على مبادئه وابتعاده عن السلطة، وحينما يتنازل عن تلك الصفات تحت أي ضغط يفقد كل احترامه لنفسه قبل أن يفقد احترام قرائه كما انه يصعب عليه عادة أن يتكيف مع أفكار ورؤى السلطة لا سيما لو كانت فاشية.

لقد كان سجل مصر في الحريات الصحفية والفكرية دائما مأزوما، إلا أنه الآن تجاوز تلك التوصيفات تماما، لأنه أمسى سجلا مجرًما يستبيح دم وعرض ومال من يشذ عن المقرر الرسمي، فتواري الإعلامي وحل محله الإعلاني.

ورغم أن الإعلام في الدنيا برمتها إلا ما ندر يتجه إلى الحرية المطلقة فإن المهنة لدينا أصبحت مرشحة للزوال بسبب هيمنة الرقيب عليها وقيامه بدور الناشر والكاتب والإعلامي والصحفي والمفكر الوحيد الذي ينبغي على الجميع أن يردد صدى صوته.

إن استمرت الحال على ما هي عليه في مصر فمهنة الصحفي مرشحة للزوال، ليحل محلها نافخ الكير وحامل الأسفار.

فليس مهمة المخبر الصحفي ذاتها مهمة مخبر الشرطة.

...............


الخميس 17 مايو 2018 20:17

المقاومة بـ" الناطوري كارتا" وأخواتها

سيد أمين

 من نوافل القول أن وراء الجرأة الامريكية في الاصرار على إعلان نقل سفارتها للقدس منتصف هذا الشهر تواطؤ عربي، يدعم في السر وتوقف حتى عن أن يشجب في العلن، ومما لا شك فيه أن العدو الاستراتيجي الكبير والوحيد لكل الشعب العربي هو الكيان الصهيوني وهو من يتحمل بسيل مؤامراته علينا كشعب عربي جل رزايانا بدءا من تنصيبه طغاة وعملاء له حكاما علينا، انتهاء برعاية هؤلاء العملاء للفساد رسميا في مؤسساتنا مما جعل الانحطاط الاخلاقي والسلوكي والانحدار الفكري والمعرفي منهج حياة متكامل اتسمت به حياتنا.

 ولقد تم ذلك عبر استخدام طرق عدة، ففي مصر مثلا كانت اتفاقية كامب ديفيد هى في الواقع اتفاقية سيطرة صهيونية على كل مصر،  وهو ما تم عبر ما يسميه الباحث القومي محمد سيف الدولة "الكتالوج الأمريكي الذي يحكم مصر" والذي نتج عنه أن صارت سيناء بأكملها رهينة  لإسرائيل وتم بسببها تدمير القطاع العام عنوة لمنعه من تمويل المجهود الحربي للجيش في أي حرب لاحقة والاستعاضة عن الأموال التي كان يوفرها بالمعونة الامريكية، مع خلق مناخ عام اقتصادي مؤاتٍ  للفاسدين والعملاء عبر المعونة التجارية التي قدمتها أمريكا آنداك أيضا ومنحتها لأشخاص بعينهم هى من اختارتهم لتكون لهم نواة لبدء السيطرة الكاملة على الاقتصاد المصري وبالطبع تضخمت حصيلة تلك الاموال جراء عمليات تسقيع الأراضي وكافة عمليات الفساد.      

ثم يأتي بعد ذلك صناعة مناخ سياسي مؤاتٍ لإسرائيل عبر صناعة أحزاب سياسية - تفتقر للشعبية بالطبع- تؤمن بإسرائيل وتضع الصراع معها في غير اهتماماتها السياسية أساسا وذلك بقصد الإيحاء بأن اسرائيل صارت واقعا لابد من التعامل معه والانفتاح عليه.

ثم تأتي بعد ذلك مرحلة عزل مصر عن أمتها العربية عبر تعميق دعوات الدولة الأمة ومصر الفرعونية، وفي تقديري أن تلك المرحلة فشلت فعليا ولفظها الشعب المصري فتم الاستعاضة عنها بدعوات الشعّوبية وتقديس حدود سايكس بيكو.

ناطوري كارتا

إسرائيل لا تعدم الوسيلة التي تزيد فيها من تعاسة شعوبنا وتعمق بها تخلف بلداننا وانقسامنا الجغرافي والمذهبي والطبقي ومع ذلك هناك إصرار عجيب لدى نظم الحكم العربية على الوقوف منها موقف المدافع ، بل وممارستها الضغط على المقاومة من أجل الاستسلام لهذا الواقع المخزي، تارة بوصمها بالإرهاب وأخري بحصارها بل والتواطؤ مع العدو للقضاء عليها ، رغم أننا نحن الضحايا لا أحد غيرنا ، وكان يجب علينا أن نرد عليها المؤامرات بالمؤامرات والصاع بالصاع أيضا ، لأن المنطق يقول أن من يبادر بالهجوم قد تزداد فرصه في كسب المعركة بأقل الخسائر.

وهناك أساليب سلمية كثيرة للمقاومة منها مثلا وجوب دعم واحتضان حركات مناهضة للصهيونية مثل "ناطوري كارتا" وهي الحركة اليهودية الحقة التي تأسست عام 1935ترفض الصهيونية بكل أشكالها وتعارض وجود دولة إسرائيل وتؤمن بحق إقامة دولة فلسطين على كامل أراضيها العربية، ويتواجد أعضاؤها في العديد من دول العالم أهمها القدس ولندن ونيويورك، وتعاني اضطهادا كبيرا في كل المدن التي يوجدون فيها من قبل النظم الداعمة لإسرائيل.

وقد تنبهت دول عربية وإسلامية قليلة وشخصيات عامة إلى أهمية استخدام تلك الورقة لدعم المقاومة العربية في فلسطين فراح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يقوم بتعيين أحد المنتمين لتك الحركة ويدعى" موشيه هيرش" وزيرًا للشؤون اليهودية، فيما التقى المفكر الاسلامي الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 2008 ثلاثة حاخامات من هذه المنظمة، كما حضر وفد من تلك الحركة مؤتمرًا نظمته إيران حول الهولوكوست.

وزار وفد من تلك الحركة نقابة الصحفيين المصريين بالقاهرة عام 2010 لكن الاحتفاء بهم ظل غير رسمي سواء أكان الأمر على مستوى النقابة أو على مستوى الدولة وقد يفهم ذلك ربما بأنه إرضاء للكيان الصهيوني.

منظمات أخري

ولم تكن حركة الناطوري كارتا وحدها كحركة يهودية ترفض الكيان الصهيوني ولكن هناك العديد من تلك الحركات ومنها حركة “JVP” أو "صوت يهودي للسلام" وهي حركة يهودية تعمل على فضح عنصرية إسرائيل أمام العالم وتدعو لفرض حصار عليها، وشاركت الحركة في أسطول الحرية لكسر حصار غزة 2011.

وهناك أيضا جمعية"زوخروت" اليهودية الهادفة لتعميق الوعي لدى اليهود في إسرائيل بالأزمة الفلسطينية، والجرائم التي ترتكبها إسرائيل بالشعب الفلسطيني وتدعو اليهود لاحترام حقوق الإنسان.

وأصدرت الحركة خارطة بأسماء المدن والبلدات الفلسطينية التي تم إزالتها من قبل الكيان الصهيوني داعية الى عودة الحق الفلسطيني.

وكذلك هناك الطائفة الحريدية التي تأسست عام 1921 وهي تعبر عن يهود متدينين يعارضون النزعة الصهيونية ويدعون للعودة لليهودية الصحيحة المتدينة كما يرونها، وترفض كل قيم العلمانية وترفض الكلام باللغة العبرية بوصفها لغة صهيونية وترفض دولة اسرائيل ودولة فلسطين معا، وتحفل تلك الحركة بزخم كبير في الوسط اليهودي وتضم من هم أشبه بالتيار السلفي لدى المسلمين.

وأيضا هناك حركات علمانية تقترب من الحق العربي منها مثلا حركة "ترابط" وهي حركة ترفض النزعة الاستعمارية لإسرائيل وتدعو لتقارب إنساني بين إسرائيل والدول العربية وترفض المستوطنات وتهويد الأراضي العربية، وتدعو للتعايش العربي الاسرائيلي المشترك.

وكذلك حركة "فوضويون" وهى حركة تأسست للتعبير عن رفض الجدار العازل الإسرائيلي وهى ضد حصار غزة والبلدات الفلسطينية ولها مظاهرات شبه أسبوعية رفضا للحصار وتظهر فيها جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

...............

الاثنين 4 يونيو 2018 16:42

عام من "الوسواس القطري"!

سيد أمين

 لم يتوقفوا لحظة واحدة عن تأكيد أن دولة قطر هى من الصغر تأثيرا ومساحة، للدرجة التي لا تجعلهم يعيرونها اهتماما، وأنهم إن صبوا عليها جام غضبهم، وأولوها اهتمامهم فلن تصمد أمامهم إلا يوما أو بعض يوم.

لكنهم خلال هذا العام لم نرهم يتصرفون إلا كمن أصيب بداء الوسواس القطري، من نسبة كل فشل يلحق بسياساتهم غير الديمقراطية إليها، إلى استعمال كل أساليب الضغط غير المسبوقة وغير الأخلاقية ضدها، حتى وصل الحال إلى تقطيع أواصر القبائل وترويعها واحتجاز مواطنين قطريين لاستخدامهم رهائن مع محاولات فاشلة لإجبارهم على تمثيل دور المنشقين على قطر.

هكذا، مر عام كامل على هذه الادعاءات والحصار الذي ضربته حكومتا أبو ظبي والرياض وتابعتهما في المنامة ومعهم حكومة القاهرة في 5 من يونيو/حزيران 2017 على قطر – وليس تل أبيب كما تقضي علينا واجبات التضامن العربي - ومع ذلك كل المؤشرات تؤكد أن الحصار لم يزد قطر إلا قوة وإصرارا وتأكيدا على استقلالها التام ورفضا للانضمام لحظيرة الرياض.

ومن الواضح أن قطر أسست إستراتيجية ناجحة للتغلب على أي مضاعفات أو نتائج لهذا الحصار مهما دام أمده وبدت هذه الإستراتيجية فعالة جدا حتى الآن بدليل الاحتفاظ بمعدلات نمو كافة مؤشراتها الاقتصادية مرتفعة خاصة الناتج القومي الذي قفز إلى معدلات نمو 1,9 % نهاية العام الماضي ما جعله الأسرع في المنطقة فيما ارتفعت معدلات الصادرات والواردات والإنشاءات وحتى معدلات "السياحة"، مع انخفاض معدلات التضخم عن المستويات المعتادة ، وهكذا جرى تحويل الحصار إلى حافز لتطوير كافة القطاعات الاقتصادية في البلاد بما جعلها تحقق الاكتفاء الذاتي.

شراء الولاءات

هذه النظم غير قادرة على شيء إلا شراء الولاءات، ولذلك عندما فشلوا في الإيحاء بوجود قلاقل داخل دولة قطر بسبب تأكيد القطريين تمسكهم بحكومتهم وقائدهم، راحوا يستغلون كل نفوذهم وأموالهم لشراء ذمم الكتاب والصحفيين الغربيين والعرب وذمم أصحاب الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية القابلة للبيع والشراء في الغرب من أجل الهجوم عليها، ويقومون بالتعاقد مع شركات دعاية دولية لتشويه  صورتها، بل إن الأمر وصل إلى شراء مواقف حكومات دول فقيرة معلوم للجميع كفالة الرياض لها لتحذو حذوها ، ووصلوا للدرجة التي جعلتهم يخلعون "براقع الحياء" التي كانت تتحلي بها الحكومات العربية سابقا ويجهرون بأن عدوهم "قطر" وليس "إسرائيل".

ومع الحصار المشدد صمدت قطر المحاصرة، فيما بدا التوتر والانفلات على سلوك المحاصرين.

صفقة القرن

من السخف أن نولي بحثا جديا في الأسباب الرئيسية التي أوردتها تلك الدول في فرضها هذا الحصار، فلا قطر ترعى الإرهاب ولا الإرهابيين، وكيف تتهم بهذا ودول العالم التي تتصدر قائمة مكافحة الإرهاب تعتبرها شريكا مهما لها، بل إن الولايات المتحدة اعتبرت في قانون "جاستا" الذي أقرته رسميا أن الرياض، لا الدوحة، هي الضالع الأكبر في أشهر الحوادث الإرهابية؟

وأيضا لا يتم حصار قطر بسبب تواجد عدد من المنتمين للإخوان المسلمين على أراضيها وذلك لأسباب كثيرة أهمها أن الإخوان المسلمين ممثلون في برلمانات وحكومات دول عربية عديدة، بعضها خليجي، ولم نسمع عن أن دول الحصار فرضت على أي من تلك الدول حصارا كما فعلت مع الدوحة، فضلا عن أن دول الغرب رفضت كل الإغراءات والضغوط لإصدار بيانات تصم الإخوان بالإرهاب، ثم يبقي الأهم وهو أن عدد الإخوان في قطر لا يكاد يذكر مقارنة بعددهم في بعض دول الحصار ذاتها.

كما أنه من المدهش أن تطالب تلك الدول الدوحة بإخلاء القاعدة العسكرية التركية على أراضيها بينما القواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية تتمدد على أراضي تلك الدول.

السبب الحقيقي

ومن المعلوم للقاصي والداني أن السبب الرئيسي لحصار قطر يعود لدعمها ثورات الربيع العربي ومطالب الشعب العربي في الحرية، ولعدم انخراطها في مخططات "صفقة القرن" واتفاقيات "سايكس- بيكو" الجديدة التي يجري بمقتضاها تقسيم الوطن العربي وتصفية القضية الفلسطينية وإحلال الشرق أوسطية بزعامة إسرائيل كبديل عن الوطن العربي.

وبالطبع كان يلزم لتنفيذ تلك الصفقة تكميم كل الأفواه العربية التي يمكنها الاعتراض ونقل نبض الشعوب وأهمها قناة الجزيرة، وهذا هو العنصر الأهم لفرض هذا الحصار.

ولعل توقيت فرض حصارهم على دولة قطر يكشف في حد ذاته عن نية خبيثة مبيتة، ليست تل أبيب بعيدة عنها، ما يشكل مهانة كبيرة تمس سيادتهم واستقلال قرارهم، خاصة أن القرار اتخذ بينما كانت أقدام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وابنته لم تبرح الرياض بعد، وذلك قبيل أن يعودا محملين بالمنح والعطايا التي تنوء بحملها العصبة أُولِو الْقُوَّةِ.

الدوحة تكسب شعبية

والواقع أن هذا الحصار الفاشل عزز دور دولة قطر لدي الشعوب والحكومات العالمية الحرة والعربية خاصة ، ونجح في إزالة السخام الذي حاولت دول الدعايات الخرقاء تلطيخ وجه الدوحة به على مدى عقود بادعاء علاقتها بتل أبيب، بحيث بدا واضحا للجميع أن دول الحصار منبع تلك الدعايات هي من تخطط لصفقة القرن لصالح إسرائيل والسلام الدافئ ومشروع نيوم، وهى من ترسل وزراءها وكبار مسؤوليها علنا إلى تل أبيب، وهي من تحتفل سفارة الكيان الصهيوني على أراضيها بذكرى نكبة الجيوش العربية، وهي من تحاصر غزة، وهي من يهتف المقدسيون المرابطون على أبواب الأقصى ضد حاكمها.

بإيجاز بسيط: ما جرى خلال هذا العام أنهم أرادوا خنق الدوحة بالحصار فخنقتهم وكشفت سوءاتهم.

...............

السبت 14 يوليو 2018 21:31

عن مسألة "اللافتة" في مصر

سيد أمين

 انبهر مرافقي حينما شاهد يافطات "لافتات" كتب عليها "النصر لصناعة السيارات" موضوعة على مساحة كبيرة من الأرض "المسوَّرة" بحلوان وتساءل: وهل نحن نصنع السيارات؟

فقلت له: مصر يا صديقي دولة متطورة للغاية، ربما هي نظريا أكثر دول العالم تطورا، فلقد حباها الله بعباقرة يصنعون كل شيء من "الإبرة" إلى "الصاروخ"، في كل مجال لكن لا شيء يخرج عن طور "الفانتازيا" إما بسبب تدخل الأدعياء فيها حيث يدخل الغث على السمين فيفسده، أو بسبب فساد السلطة وعدائها للعلم والنبوغ.

نحن اخترعنا الطائرات ومركبات الفضاء والآليات التي تمشي في الأرض وتغوص في الماء وتطير في الجو، صنعنا الوحش المصري الذي يمشي ويسبح ويطير، واستخرجنا الكهرباء من الجاذبية الأرضية ومن الزبالة والماء والتراب والرمال والليمون وحتى البطاطس ومن داخل جسم الإنسان، صنعنا مادة تقوم بتمهيد الطرق وأخرى ترصفها وثالثة تقوم بتكسيرها، ورابعة تمنع وقوع الحوادث عليها، وصنعنا "كبسولات التحرير" التي تضيء مصر بلا وقود، نحن أيضا دولة متطورة طبيا وعالجنا داء الإيدز الذي أعجز أطباء العالم بأصابع "الكفتة"، وهكذا كل معجزاتنا الصناعية. مسألة اليافطة

المهم لدينا هو"اللافتة"، فإذا أردنا أن نصنع شيئا ننجزه بمجرد الانتهاء من تلك اللافتة، وكلما كبرت "اللافتة" كبرت معها عظمة الاختراع، فنحن لدينا مصنع للسيارات لم ينتج سيارة واحدة، ولدينا مصنع طائرات لم ينتج طائرة واحدة، وأنتجنا في الستينيات صواريخ بالستية عابرة للقارات بالكاد تسقط على بعد بضعة كيلو مترات من موقع إطلاقها، ولدينا مفاعل ذري في أنشاص يوجد فيه الكثير من الناس والأشياء إلا الذرة، وبدلا من المفاعلات الذرية الحقيقية نحن اخترعنا "مفاعلات الشمس"، ولدينا مركز لعلوم الفضاء ليس فيه "تليسكوب" ولا حتى طائرة ورقية، وقمنا بشراء قمر اصطناعي ولما ساهمنا بجزء من خبراتنا العميقة في إطلاقه تاه في الفضاء الفسيح وذهب من دون حتى أمل في الرجعة، وأيضا لدينا مصنع للهاتف المحمول أول ما ترى من إنتاجه حين فتحه عبارة "صنع في الصين"، ولدينا مصنع للتلفزيون والإلكترونيات ظهر فجأة واختفى في ظروف غامضة، وصنعنا روبوتا معجزة عرض في لقاء رسمي مع السيسي يغني على أنغام أغنية "جانجام ستايل " ثم اكتشف الناس أنه لا الروبوت ولا الأغنية من مصر.

مسألة اللافتة لم تتوقف في مصر عند حدود الصناعة والاختراعات، ولكنها امتدت أيضا إلي إنفاق مئات المليارات من الدولارات في مشروعات عادة ما يتم إضفاء صفة القومية عليها، ومنها مثلا مشروع "توشكى" الذي هللت له السلطة ثم انتهي به الحال إلى العدم، وهكذا مشروع الظهير الصحراوي والألف قرية والحزام الأخضر ومزارع النوبارية والصالحية والفرافرة ومشروع تنمية الساحل الشمال الغربي وظهيره الصحراوي والقرى التكنولوجية ومحطات الطاقة الهوائية والشمسية ومنخفض القطارة لتوليد الكهرباء، وإعادة تقسيم المحافظات ومشروع شبكة الطرق والمليون ونصف المليون فدان والمليون وحدة سكنية وتفريعة قناة السويس التي تحولت إعلاميا إلى قناة جديدة ولا جدوى منها سوى رفع الروح المعنوية للشعب، وهناك العاصمة الإدارية الجديدة التي هي في الواقع نفذت بالفعل ولكن كمدينة حصينة لخدمة رجال ومؤسسات الحكم ولتكون بعيدة عن متناول الشعب المصري. 

وامتدت المسألة إلى الشعارات فطالما أنت هتفت "تحيا مصر" أو رددت نشيد الصاعقة أو النشيد الوطني فأنت إنسان وطني ولا يهم بعد ذلك مسلكك، يمكنك أن تسرق وأن تختلس وتنصب وتنهب وتقتل، ولا يمكن لأحد أن يدينك.

سلوك شعبي

ولأن الناس على دين ملوكهم امتدت مسألة "اللافتة" حتى الشعوب، حيث صار الكثير من أصحاب المحال التجارية يعددون في اللافتات التي يضعونها في حوانيتهم مهاراتهم أو البضائع والخدمات والحرف التي يقدمونها، ولكن سرعان ما تكتشف أن ثلاثة أرباع ما كتبوه في تلك اللافتات مجرد "تفخيم" ويأتي على سبيل المثل الشعبي "أبو بلاش كتر منه".

ويجب هنا أن نذكر أن أحد محافظي القاهرة فيما قبل ثورة يناير – أعتقد أنه عبد الرحيم شحاتة - اهتم بمكافحة هذه الظاهرة وراح يصدر قرارا بسحب ترخيص أية منشأة أو محل تجاري يكتب في اللافتة المدونة على حانوته خدمة أو بضاعة لا يقدمها.

كما نجد هناك أحيانا الصحفي الذي لم يكتب حرفا، والمهندس الذي لم "يهندس" أبدا، والمحامى الذي لا يعرف القانون ولم يقف في محكمة، بل وجدنا وزيرا راسبا في الإملاء، وقاضيا كانت في الحقيقة راسبا عندما كان في مرحلة الثانوية العامة وهكذا، ومع ذلك كل هؤلاء لا يكتفون بكتابة توصيفاتهم المزورة بل يضيفون إليها المشوقات التي تعزز نبوغهم، كالصحفي الذي هو محلل سياسي وأديب، والمهندس صاحب الشهادات العالمية، والمحامي الدولي وغير ذلك.

وبصورة هزلية، قد تجد أيضا أصحاب عربات الفول والكشري والحمص والترمس والكبدة وغيرها مع تواضع شأنها يكتبون عليها عبارات تضخم منها.

فكما أهملت نظم خير أجناد الأرض كل نبوغ يظهر في بر مصر بل وحاربته وراحت تغتصب العبقرية لنفسها، فصنعت وابتكرت وكشفت أشياء لا حصر لها ولكنها كلها "افتراضية" تغلب عليها صفات "الهزلية"، لا تتخطى حقيقتها حبر اللافتات أو مانشيتات الصحف التي كتبت عنها، مع كثير من الرقص والاحتفالات.

انتقل الداء إلى الشعب المصري فتحولت السياسة والأحزاب والحركات والجماعات والشركات والنقابات والمحال في مصر إلى مجرد لافتات.

لقد تحولت مصر الى لافتة كاذبة.

...............

 الأحد 22 يوليو 2018 15:29

هكذا أساءوا لعبد الناصر

سيد أمين

 شكل منتصف القرن الماضي ولادة قوية جديدة للفكر القومي العربي بشكل ينبئ بأن دولة عربية واحدة تتشكل في الأفق على جميع الأراضي التي يعيش فوقها العرب من المحيط إلى الخليج، فيما أن القوميات الأخرى في هذه البقعة الجغرافية تعاطت مع الثقافة العربية بسبب الدين الذي نطق بلغتها، فصارت مكونا أساسيا من ثقافتها القومية الخاصة، وترافق هذا البعث الجديد مع تأسيس جامعة الدول العربية وتنامي موجات الاستقلال الوطني وبدء انحسار الاستعمار بصورته القديمة. 

إلا أن النهوض القومي العربي تلقى طعنة قاتلة بغرس الكيان الصهيوني في ثاني أقدس مقدساته، ما أطال مسار "التحرر" الذي كاد أن ينجز آنذاك، وذلك خصما من العمل على مسار "الوحدة" الذي لم يطرق أصلا حتى الآن بأية صورة كانت، فيما أتت الطعنة الثانية لتلك القومية من ظهور تفريعات داخلية فيها والتي شكلت "الناصرية" أحد أبرز مظاهرها وذلك بما تحمله من شخصَنة وذاتية ونقل غير مبرر للأفكار المتفق عليها بين الجميع من الوضوح إلى الغموض، ومن العام إلى الخاص ومن العلمي إلى هوى النفس.

الناصرية: لماذا؟

وبيت القصيد أنني لا أعرف كيف تم نحت لفظ "الناصرية"؟ ولا لماذا؟ ولكن أثق في أنها شكلت طعنة قاتلة للفكر القومي العربي، رغم أنها تبدو لأول وهلة كإبنة شرعية له وبالتالي فإنها لا يمكن لها إلا أن تدعمه، ورغم أنه من غير المعلوم حتى هذه اللحظة ما طبيعة هذا الفكر ولا مبادئه؟ ولا مواطن تميزه؟ ولا بماذا ينادي غير ما تنادي به دعوات الوحدة العربية؟ وما جدوى اختراقه للإجماع القومي؟ لكن كلما نحاول البحث لا نجد إلا طنطنات وتهويمات وشعارات لا ترقى إلى مستوى المنهج.

ولا تقتصر خسارة الفكر القومي من ظهور الناصرية عند ذلك فحسب، بل امتد الأمر أيضا إلى أن بعض الانتهازيين المتعصبين لم يرتضوا بالتوقف عند تفريع الفكر القومي وتجزئته ولكن حاولوا جعل الناصرية بديلا عنه وجعلوا عبد الناصر وصيا على الأمة العربية ، ما تسبب بشكل أو بأخر في تحول أعداء عبد الناصر - وهم كثر داخل مصر وخارجها -  إلى أعداء للفكر القومي العربي، كما حدث مع التيارات الإسلامية، على خلاف قناعتها الأصلية بأن الوحدة العربية هى مجرد مرحلة لتحقيق الوحدة الإسلامية، والسبب في هذا العداء يعود في الأصل لمعاداة عبد الناصر للإخوان المسلمين بعد احتجاجهم علي الانقلاب على الرئيس محمد نجيب عام 1954 فأعدم قياداتهم ونكل بهم أشد تنكيل، وكما حدث مع بعض النظم الملكية التي كان يمكن إشراكها في بحث سبل وحدة الأمة عبر الدعوة للوحدة الكونفدرالية مثلا بدلا من تحويلها إلى عدو لهذه الحلم العربي.

الناصرية فشلت

المشكلة أن التطبيق العملي للناصرية يؤكد أنها فشلت في كل شعاراتها، فلماذا اجترار الفشل إذن؟

هي فشلت في إقامة وحدة عربية حقيقية - كما حدث في الجمهورية العربية المتحدة- رغم تهيؤ الظروف في كثير من الأقطار العربية لذلك بسبب تولى الحكم جنرالات آنذاك يقولون إنهم يؤمنون بضرورة الوحدة العربية، وتسبب هذا الفشل في تباعد فكرة الوحدة عن التحقق بعدما غيرت الكثير من نظم الحكم قناعاتها.

وأيضا فشلت الناصرية في توحيد الصف الوطني حينما راحت تقصي التيارات الفكرية المختلفة لا سيما التيار الاسلامي، رغم أن هذا التيار تحديدا هو الأقرب أيديولوجيا للفكر القومي العربي - المفترض انتماء الناصريين إليه - وكلاهما يرفض الشعوبية وتقديس حدود سايكس بيكو، وبدلا من تجسير علاقات الأخوة القائمة فعلا مع القوميات الأخرى في مصر جري التعالي عليهم كما حدث في ملف النوبة إثر تهجيرات السد العالي.

سقطت ادعاءات القوة حينما هزمت الناصرية في كل حرب خاضتها وصرنا في ظلها بدلا من تبني الدعوة لتحرير الجزء المحتل من أراضي فلسطين صرنا بحاجة لتحرير أراضي مصر وسوريا وكل فلسطين.

ولما صارت مصر تابعا للسوفيت سقطت أيضا ادعاءات الاستقلال الوطني، وحينما سيطرت مراكز القوى على البلاد والعباد سقطت معها ادعاءات المساواة والقانون وعادت "الباشاوية" لمن هم أحط خلقا من أصحابها الأصليين، واكتظت السجون بالأبرياء فسقطت ادعاءات العدالة، وسجن الكتاب والصحفيين وأعدم أصحاب الأفكار وحملة الأقلام ليحل محلهم حملة المباخر وزوار الفجر.

ناصرية بلا ناصريين

جمال عبد الناصر قامة كبيرة في تاريخ مصر، شئنا أم أبينا، وشخصية أثرت في التاريخ بشكل كبير سلبا وإيجابا، أخفق في كثير من الأشياء ونجح في كثير من الأشياء، فالكثيرون ما زالوا يذكرون له السد العالي وقوانين الإصلاح الزراعي والضمان الاجتماعي وغيرها، لكن ما شوه صورة عبد الناصر أن الكثير ممن يتمسحون بردائه سيرتهم الذاتية والمهنية لم تكن بيضاء. 

ولقد وصلت الأحزاب الناصرية من البؤس أنها صارت ملاذا لمن لا فكر له، ولا وعي عنده، وصار كل ساقط ولاقط ودعي وعديم وعى يتمسح بردائها، رغم أن عبد الناصر نفسه ما زال يحظى بحب ملايين من الناس في بقاع الأرض وفي وطننا العربي، وأن هناك كثيرا من المفكرين من بينهم من ينتمون للتيار الإسلامي نفسه يثنون على كثير من أعماله عملا بحكمة مؤداها "من حاول أن يبني وفشل خير ممن لم يحاول أصلا" خاصة في زمن الخيانة الذي نعيشه الآن والذي يقودنا بسرعة الصاروخ إلى الجحيم.

متى يعرفون أن الناصرية وهم من خيال بعض الوجهاء على كثير من الأدعياء؟

...............


الثلاثاء 28 أغسطس 2018 16:58

التصفية الجسدية.. الطغيان الأكبر في مصر

سيد أمين

 لا يمر شهر واحد في مصر دون إعلان وزارة الداخلية تصفية عدد ممن تصفهم بـ "الإرهابيين" الذين تلحقهم تارة بولاية سيناء أو تنظيم الدولة أو حركة حسم وغيرها، ثم تلحق هذا الإعلان عادة بعبارة "إن الإرهابيين قتلوا أثناء اشتباك مع قوات الشرطة".

ولم يحدث مطلقا أن قامت القوات بالقبض على أي من هؤلاء الإرهابيين المزعومين أحياء أو حتى اكتفت بإصابتهم، وهو الدور المنوط بها كيلا تكون هي الخصم الذي يصدر لائحة الاتهام وهي أيضا من تصدر الحكم بالإعدام، وهى من تنفذه دون حتى تسجيل فيديو واحد متكامل لعمليات الدهم تلك.

ثم سرعان ما يعلن الطرف المقابل من ذوي هؤلاء القتلى عن شهادات مكتوبة أو مرئية وبلاغات قديمة للجهات الأمنية تؤكد أن ذويهم كانوا محتجزين من قبل جهات الأمن نفسها، أو أنهم قتلوا في عمليات إعدام ميداني دون أدني مقاومة منهم.

ومع ذلك لا أحد يتحرك أو حتى يجري تحقيقا شفافا في كل هذه الاتهامات، خاصة أن أجهزة الدولة الخاصة بتحقيق العدالة إما أن تصر على الرواية الأمنية، وإما أنها تلتزم الصمت على تلك الاتهامات المروعة في أكثر أوقات الحياد لها، أو تتجرأ فتبادر بفتح تحقيقات سرعان ما تموت في الأدراج كما حدث في القتلى الخمسة الذين اتهمتهم أجهزة الأمن بقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وهى نفسها من نفت ذلك وفتحت تحقيقا لم يعرف أحد نتيجته منذ أكثر من عامين.

كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى من الداخل والخارج ولا أحد يجرؤ في الداخل أن يطالب باستجلاء الحقائق بشكل عملي حماية للعدالة 

نحن هنا لا نكذب الروايات الرسمية، ولكن نطالب بتقديم الإجابات المنطقية أو الموثقة على الوقائع بدرجة تجعلنا نصدقها ولا نتساءل مجددا اقتناعا وليس خوفا من عاقبة السؤال. 

الغموض والقوة المفرطة

أخشى أن يكون هذا الأسلوب –  أسلوب الغموض والأبواب المواربة والقمع المفرط – مقصودا في حد ذاته من أجل تكوين شعور عام بأن السلطة ليست بحاجة لتقديم المبررات لما تفعل، وأنها تفعل ما تريد وقتما تريد دون أي بواعث على القلق أو حرص على الشفافية، ويجب على الجميع الاستسلام والتسليم بما يفعلون أو يقولون دون قيد أو شرط ، وذلك آملا في تحقيق حكمة المفكر السياسي الايطالي الأشهر في التاريخ نيقولا مكيافيللي بأن القوة المفرطة تصنع صديقا مخلصا، وأنه حينما تعاقب خصما لك فيجب أن تعاقبه بالطريقة التي تغنيك من خشية انتقامه.

إن كان كذلك فالثمار أتت أكلها، لا أحد في مصر الآن إلا ويشعر بالخوف وعدم الأمان والقلق مما يحمله المستقبل، وبواعث هذا الشعور لا تعود كما يمكن أن يصوره البعض إلى ضعف قوة السلطة، بل منها ومن جنونها وقوة بطشها، وانهيار منظومة العدالة فيها.

وكرست لتنامي هذا الشعور عوامل عديدة أهمها الغلاء والفساد وتفشى الواسطة والمحسوبية وتوحش الطبقية وعودة الإقطاع وإمساكه بمفاصل الدولة، فضلا عن تلك المظلوميات التي لا تنتهي التي يسمعها ويقرؤها ويعيشها المصري منذ أن يفتح عيناه صباحا حتى يخلد للنوم ليلا، مع تنامي الوعي لديه بأن شبكة المصالح التي تربط جلاديه ببعضهما البعض، أو تربطها بقوي إقليمية ودولية، عصية على الكسر، وكل ما تفعله سيغض العالم الطرف عنه.

الحرب النفسية

وإذا كان الخوف والأمان هما فقط مجرد شعور، فان بث الشعور بعدم الأمان قد يكون مقصودا من قبل النظام الحاكم من أجل تركيع المجتمع في إطار ما يسمي بـ "الحرب النفسية"، وقد يتعمد في سبيل ذلك تسريب جوانب من الفظائع التي تجري بحق المعتقلين أو مناوئيه لهذا الهدف.

وعمليا فان الحشود الهادرة المحتجة التي نزلت شوارع المدن المصرية الكبرى في أشهر الانقلاب الأولى، كانت من الكثرة والإصرار ما تعجز أي قوة عسكرية عن التغلب عليه، هنا تم التركيز على استخدام أساليب الحرب النفسية، التي كان من أهم أدواتها إهدار قيمة المنطق والقانون، والتهويل والتهوين في غير موضعيهما، وهي الحالة التي انتهت مؤخرا بسن قوانين غير منطقية تلغي دور الشهود في المحاكم، فضلا عن عدم تكلف السلطة بخلق تبريرات وذرائع قانونية لارتكاب أي جرائم.

كما جيشت السلطة قطاعات غير ناضجة فكريا من المجتمع لتكون حائط الصد الأساسي الذي يحول دون وصول غضب الحراك الشعبي إليها وهو ما أشاع حالة من الإحباط لدي كثيرين من أبناء هذا الحراك.

 العنصر الأكثر بطشا

وإذا كانت أدوات السلطة هي الجيش والشرطة والقضاء فالسؤال الآن؛ ما هو العنصر الأكبر تأثيرا في تشكيل خوف المصريين؟ هل هي القبضة الأمنية المفرطة؟ أم انهيار القضاء ومنظومة العدالة؟ أم قوة الدعم الإسرائيلي والغربي لهذا النظام؟ آم أن الثورة قد وصلت لحالة من الوهن والإنهاك قادت الناس إلى اليأس بعد سبع سنوات من المقاومة؟

ظاهريا تبدو كل تلك الأسباب مجتمعة وراء ذلك، لكن كان لانهيار منظومة العدالة خاصة في القضاء الطعنة الغائرة في جسد الثورة والتي سببت لها الوهن والوجع الشديد، وذلك لأن الدعم الغربي والإسرائيلي ما كان له تأثير في الداخل إلا عن طريق غض الطرف عما يرتكبه النظام من جرائم بحق معارضيه في الداخل، وما كان للحراك أن يتوقف آنذاك إلا عندما لمس الناس أن مؤسسة العدالة والمفترض فيها رفع الظلم أصبحت أحد أكبر الخصوم.

انهيار منظومة العدالة هي الطغيان الأكبر في مصر.

...............

الأحد 23 سبتمبر 2018 15:01

مطلقو الشائعات

سيد أمين

 لو كنت مصريا وأنت تتابع المشهد في مصر لعرفت من أول برهة أن هذا الضجيج الكبير في إعلام النظام المصري حول حرب الشائعات، هو مقدمة للجم الافواه والاجبار على تبني الخطاب الرسمي للدولة، وذلك في محاولة لحصار العقل والمنطق و"التوقع والتحليل والاستنتاج" عبر اتهام كل صاحب وجهة نظر بأنه من مروجي الشائعات.

ويؤكد هذه المخاوف أن رأس النظام شخصيا هو من أعلن عن رصد نظامه 21 ألف "اشاعة" في 3 أشهر معتبرا أن انهيار الدول يبدأ من الداخل عبر الشائعات، وهو التصريح الذي سبقته تمهيدات إعلامية كبيرة اتفقت على طريقة مواجهة مروجي الشائعات عبر القوة الغاشمة واختلفت في الأرقام التي تدرجت ما بين 60 ألف شائعة - ووصلت بعد ضبط جهاز رصد الشائعات - إلى 21 ألف شائعة فقط.

المهين حقا هنا أن الإعلام المصري راح يردد حينها نفس اللفظ الخاطئ الذي ردده السيسي فنطقوا الكلمة بلفظ "إشاعة" والصحيح "شائعة" لأن الإشاعة نجدها عند معامل "الإشاعات الطبية" فقط، بحسب اللفظ الدارج لـ "الأشعة"!

ويعتقد الكثيرون أن السلطة نفسها هي من تطلق عبر أدواتها غير الرسمية من إعلاميين ومسؤولين محليين الشائعات، ثم تقوم رسميا بتكذيبها وتدلل على ذلك بوجود مؤامرة ضدها يجب لجم منفذيها.

حول الشائعة

ولم يقل لنا هؤلاء ما هو الفرق بين الشائعة والاستنتاج؟ وهل هناك تعريف للشائعة وتعريف أخر للاستنتاج يجعلنا نفرق بين الشرير المغرض والباحث المتأمل المفكر؟ وهل يمكن أن يصدق الناس أي شائعة دون أن يتوافر شيء ما يدلل عليها؟ فرجلا الشرطة والنيابة الجادان مثلا يقومان بجمع المعلومات المتوافرة لديهما عن أمر ما ليستنتجا منها احتمالات معينة، هذه الاحتمالات تكون في تلك اللحظة غير مؤكدة وفي إطار "الإشاعة" حتى يثبت صدقها.

وبالتالي فإن تغييب المعلومات الصادقة والحقائق وعدم الإجابة عن التساؤلات بشكل منطقي - وهو ما تفعله السلطة في مصر- هو ما يصنع بيئة خصبة للشائعات، وليس من الإنصاف أن نعاقب الناس لأنها أكملت "حلقات" البحث باستخدام أدمغتها التي خلقها الخالق خصيصا لمثل هذه المهام، بعد أن ساقت السلطة نتائج لا تتسق مع المقدمات المتوافرة.

ولهذا لم يصدق الناس الأمر وراحوا يفكرون بأنفسهم مع أن الدول الحرة تشجع مواطنيها على التفكير بعد تقديم كافة الإجابات المقنعة لكل الأسئلة التي يطرحها الناس دون ضجر أو ملل أو تخوين أو إكراه لهم.

والحقيقة أن كل تجارب التاريخ الناجحة بنيت على اعتقاد ما، وكل اعتقاد قد يحتمل الخطأ والصواب، وكل خطأ هنا هو في الأصل كان شائعة تحتمل أيضا الصواب، وإيجازا فإن كل ما يشاع هو أمر قد يحتمل الصواب أو الخطأ كليا أو جزئيا.

وكل ما يخشاه المرء أن يكون النظام هو نفسه من يطلق الشائعات تارة ليكذبها بعد أن يرددها معارضوه فيصبح هو ضحية لمؤامرة كبيرة وتارة لكي يأخذها ذريعة لاجتثاث كل من يقول خلاف ما يقول هو، خاصة أن الشائعات تعد واحدة من أهم معالم الحرب النفسية التي يتم تدريسها في الكليات الحربية ليس في مصر بل العالم بأثره للتأثير في نفسية العدو.

وهناك اعترافات لقيادات سابقة بالمجلس العسكري منها ما قاله اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية السابق يؤكد فيها أنهم كانوا يطلقون الشائعات للتحكم في أحداث الثورة وذلك في مداخلة له أجراها على قناة دريم في أواسط عام 2011.

ومن المعروف أن النظام العسكري الحاكم في مصر اعتاد منذ عقود إطلاق الشائعات قبل اتخاذ أي قرار يخشى عواقبه، وكان يسمي ذلك بسياسة جس النبض.

شائعة أم تحليل؟

 اختلطت الشائعة بالاستنتاج كاختلاط مكونات الماء، فالصحف الإسرائيلية تتحدث مرارا عن خطة لتبادل الأراضي بسيناء، وقال مبارك في تسريب صوتي له إن رئيس وزراء الكيان عرض عليه إقامة دولة للفلسطينيين في شمال سيناء مقابل ضم إسرائيل لغزة لكنه رفض.

ثم تتكرر فجأة بعد 2013  أحداث إرهابية في المنطقة المراد إقامة تلك الدولة عليها تحديدا دون غيرها ، تلاها تهجير لأهاليها بحجة مكافحة الإرهاب، ثم تتدفق الاستثمارات من دول داعمة لإسرائيل لإحداث تنمية في تلك المنطقة، ويتم افتتاح سحارات سرابيوم لتوصيل مياه النيل إليها ، ثم يتحدث السيسي في لقاء مع ترمب عما أسماها "صفقة القرن"، ثم حصار إسرائيلي مصري خانق لقطاع غزة المراد تهجيره، والسؤال: هل لو قلنا بعد كل هذه المعلومات أن ما يجري في سيناء هو تمهيد لإقامة تلك الدولة المزعومة - والمرفوضة فلسطينيا قبل أن تكون مرفوضة مصريا - نكون نحن بذلك من مروجي الشائعات أم من المحللين السياسيين؟ وهل حينما نشك في أن الإرهاب هناك حدث مبتدع لخلق هذه الحالة، نكون نحن من المغرضين؟

وخذ مثالا أخر ، شرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة الذي سيحجب نحو نصف حصة مصر السنوية من ماء النيل وكنا نتوقع إعلان مصر الحرب لذلك السبب، لكن وجدنا السيسي برفقة الرئيسين السوداني والإثيوبي يوقعون اتفاقا لم يطلع عليه أحد حينها، وخرجت في اليوم الثاني الصحف المصرية بعنوان موحد "السيسي حلها".

ثم تتجدد دعوات قديمة بعد ذلك بتوصيل مياه النيل لإسرائيل، ثم نجد أموالا من بنوك مصرية وإسرائيلية وخليجية قد تدفقت سرا على إثيوبيا لبناء هذا السد، تلاها فتح سحارات سرابيوم وترعة السلام لنقل المياه من النيل إلي شرق القناة ..فهل حينما نقول أن النظام المصري يسعى لتوصيل مياه النيل لإسرائيل نكون بذلك من مروجي الشائعات أم من المحللين السياسيين؟

وهل حينما ترفع الكاميرات من المتحف المصري بعد رئاسة السيسي لمجلس "أمنائه" ثم تطفئ أنوار مطار القاهرة ثم يعلن عن سرقة 23 ألف قطعة أثرية من المتحف وبعدها بأسابيع تفتح دولة الأمارات – حليفة السيسي- متحفا كبيرا عرضت فيه الكثير من تلك المسروقات، فهل حينما نقول إنه تم تهريب الآثار إلى الإمارات نكون بذلك نستنتج أم نطلق شائعات؟

ولو قلنا إن ترديد معلومات مجهولة يعد علامة من علامات الشائعات كما يزعم الإعلام المصري، فإننا أيضا حينما نقول بوجود رب للكون نكون بذلك من مرددي الشائعات، ولا يمكن أن نخرج من تلك الورطة إلا بالعودة للإيمان بالشواهد والمقدمات، وأن ندلل على وجود الله كما دلل عليه الإعرابي بأن: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!

الخلاصة أنه حتى لو كان نظامكم عادلا - وهو أمر لا يصدق من فرط استحالته - فهو مدان لأنه أشاع الضبابية وخلق الشائعات وليس "الإشاعات"!

...............

سيد أمين يكتب: وجهة نظر حول سوريا وايران والربيع العربي


غياب الرؤى العميقة ، والأمية السياسية ، والتزمت والرعونة والانتهازية ، هي من الأسباب الأصيلة المسئولة عن تحول وطننا العربي إلى قطعة من الجحيم ، ووقوعه بين سندان الاستمرار في الاستبداد مضافا إليه غالبا التبعية للخارج ، وسحق النبوغ وعوامل الرقي أو الاستقلال الوطني الحقيقي ، وبين التحول إلى أمة من اللاجئين والمشردين.

ولا يعني ذلك أننا ندافع عن هؤلاء الحكام الخونة الذي نثق أنهم مجرد وكلاء عن الاستعمار لا أكثر ، ولكن نعتب على غفلة الثوار والحالمين بتغيير أحوال أوطانهم للأفضل ووقوع بعضهم في التحيزات الطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها ، وفقدانهم العمل بقاعدة أخف الضررين أو حتى فهم صراعات قوى الاستبداد الإقليمية بعضها البعض ، وحاجات الدول التي تدفعها إلى التدخل بين شعوبنا وحكامنا وتجعلها تخشى نهضة بلادنا.

ولو سألت أحداً اليوم عن مصلحة إيران من تدخلها العسكري في سوريا ، لكانت من ضمن الإجابات الكثيرة إجابة: الدفاع عن بشار أو الشيعة ، ولو قلنا أن الشيعة هناك قلة لم تكن أبداً في خطر، لا من قِبل الثورة ولا حتى من قِبل أعدائها ،سيقولون أيضا أن التدخل كان بسبب رغبتها في تشييع سوريا رغم أنه لو كان الأمر بهذا الوضوح والنهم ، لأجبرت إيران ثلث مواطنيها من السنة وديانات أخري علي التشيع وكان ذلك أجدى لها - وهذا لا يعني أنها لا تمسهم باضطهاد وتمييز - كما أن تلك المصالح أو المكاسب تكاد لا تذكر مقارنة بما خسرته من صناعة أعداء جدد لها هي في غنى عنهم.

هذه نماذج لإجابات رائجة لكن الإجابة الأكثر منطقية هو أن إيران قصدت من تدخلها تأمين خط الإمدادات بينها وبين حزب الله في لبنان كذراع عسكرية متقدمة لها، ذلك الخط الذي يمر عبر العراق وسوريا وقصدت بعض القوى الكارهة لنشأة هذا التحالف قطعه من خلال استغلال الثوار في سوريا أو استغلالا لضعف وعيهم السياسي أو استثماراً لحصاد الجهد الدعائي في تأليب مشاعر الكراهية المذهبية بين السنة والشيعة ، وذلك من أجل صناعة حمام دم كبير تعود كل نتائجه بين الغالب والمغلوب في صالح إسرائيل ، بل ولصالح بقاء حلفائها في نظم الاستبداد العربي التي قامت ثورات الربيع العربي من أجل إسقاطها.

أهذا دفاع عن إيران؟

 والسؤال الآن، هل يعد ذلك دفاعاً عن إيران وجرائمها في العراق وسوريا؟

بالطبع لا ، ولكنه تذكير بمدي خيانة أو استهتار أو قلة حيلة النظم العربية الحاكمة التي لم تسارع إلي منع إشعال الأتون السوري ليس بصب الزيت عليه كما فعلت وتفعل، ولكن بإيجاد الحلول الدبلوماسية الرشيدة التي تحترم إرادة الشعب في التغيير ، وتنظر في الوقت ذاته إلى متطلبات إيران وتؤمنها لها سواء انتصرت الثورة أو انتصر النظام الحاكم هناك.

ولو حدث ذلك على ما أعتقد ما تدخلت إيران في سوريا بكل تلك الفجاجة ، ولا كان أمر الثورة فيها يعنيها، وما سالت دماء مئات الألوف من السوريين ولا من حزب الله ولترك آمر الثورة هناك للسوريين ومنظمات العدالة الدولية.

لكن قطعاً لم يحدث هذا لأن هناك من لا يريد الخير لسوريا أو السوريين ويعنيه صناعة بؤرة صدام مذهبية لتخدم مشروعاته كزعيم للعرب السنة ، وهو مَن يعادي كل الثورات العربية قاطبة ومع ذلك نجده لا يقف معها إلا في المشهد السوري، وهو في الواقع الوقوف الذي حول الثورة إلي نزاع مسلح غرق فيه طرفي الصراع.

استبداد ، أم استبداد وعمالة؟

وفيما يبدو أن معظم حكومات الوطن العربي كانت قبل الربيع العربي مقسمة بين نوعين من نظم الحكم، الأولى نظم حكم استبدادية لا تحظي بشرعية شعبية ، والثانية نظم حكم استبدادية لا تحظي بشرعية شعبية وأيضا عميلة للخارج ، وعملت قوى الغرب على الاستيلاء على تلك الثورات وتحويلها لصالحها،عبر تقوية نظم التبعية لتعود أقوى مما كانت كما هو الحال في المشهدين المصري والتونسي، وهدم الدول التي ترفض أو تمشي بخطى متثاقلة في دخول الحظيرة الغربية ثم بنائها على الأساس الذي يرغب فيه بانيها، وها هنا نرى بشار الأسد ونظامه يعود تابعا ذليلا لروسيا كواحدة من قوى الاستعمار العالمي ، ونرى الناتو والاتحاد الأوربي والأمريكان هم أصحاب القرار الأول والأخير في ليبيا.

لقد كانت ليبيا من نماذج تلك الثورات على "الاستبداد"، الاستبداد فقط وليس العمالة ، فليبيا كانت في اعتقادي أكثر استقلالا بدليل أن الغرب حاصرها في قضية لوكيربي التي وقعت عام 1988أكثر من 20 عاما حتى عام2002 ، والأمر ذاته ينطبق على سوريا، حيث كانت إحدى ثاني الدول التي اعتبر أنها التالية المرشحة للغزو الأمريكي بعد العراق.

أما مصر وتونس فهما من نماذج تلك الثورات على "الاستبداد والتبعية" والحديث عن التبعية هنا قد لا يحتاج للتدليل ، ففي الحالة المصرية مثلا ، يكفي القول أنها هي من بادرت بجر قاطرة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ، والآن هي من تدعو لتصفية القضية الفلسطينية والسلام الدافئ وصفقة القرن وبالطبع ذلك كله خدمة لإسرائيل ، فيما لا ينكر احد مدى التدخل الفرنسي في القرار السياسي التونسي سابقا، ذلك كان قبل ثورة الشباب ، أما بعدها وبعد أن أخمدت المؤامرات الغربية وأذنابها في الدخل جذوة الثورة فكانت السخرية من تلك الثورة بأن جعلت ثورة الشباب تتمخض عن رجل تسعيني حاكما للبلاد.

الصراع المذهبي

القوى المضادة للربيع العربي التي كما نعلم رأسها في الخارج وذنبها في الغالب هو من يحكم في بلداننا العربية ، استفادت كثيرا من الثورة السورية بعد أن حولتها إلي حرب طائفية ، أفزعت الناس في أقاصي الوطن العربي ، وشوهت فكرة الربيع العربي كخلاص للشعوب الراغبة في الحرية والاستقلال ، وعززت فكرة الخير في البقاء ضمن الحظيرة.

الغرب والمتشددون في الداخل يزجون بالعرب في هذا الجحيم الذي لا ناجي منه ، بينما تجاوز الغربيون تلك الخلافات في بلدانهم واعتبروها مصدر إعزاز وطني يدل على التنوع والتعايش المشترك.

الحرب المذهبية هي أخطر القنابل التي يسعى جميع الكارهين للعرب في تفجيرها في الوطن العربي، فلنحذر.

...............

السبت 13 أكتوبر 2018 17:06

من مظاهر السخرة والتمييز

سيد أمين

 بينما تجتهد دول العالم الحر في رصد ومكافحة كل العوامل المسيئة لآدمية الإنسان، وثبت مصر وثبات قوية للغاية نحو تعزيز حالة "العبودية" سواء تحت شعارات خدمة الوطن ، والتي كان آخر مظاهرها جلد مواطن بسبب إصراره على ضرورة التزام ضابط جيش بالدور في الحصول على "البنزين" في محطة وقود بسيناء ، أو تحت شعارات اقتصاديات السوق الحر، والعرض والطلب ، والتي كان آخرها احتفاء الإعلام المصري بخريج لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يجيد خمس لغات وحصل على دراسات عليا في العلوم السياسية، ولكنه يعمل ماسح أحذية في الشارع ، وتجاهل هذا الإعلام أن المواطن أهدر كل ما تعلمه في عمل لا يحتاج أي علم ، وأن مسلكه لا يشجع الشباب على حب العمل ولكنه يحرض على عدم التعلم.

السخرة الرسمية

وتتمركز غالبية مظاهر العبودية في العمل بالسخرة والإكراه وهو ما تمددت رقعته مؤخرا، بعد أن كانت قاصرة فقط على العمل في "الجهات السيادية" بصفة عامة، وعلى بعض الظواهر الخاصة التي تتفشى في هذه الجهات والتي تتمثل في استغلال بعض القادة للمجندين بشكل شخصي بطريقة فجة، فيجعلونهم سعاة لقضاء حاجات أسرهم أو سائقين لسياراتهم، أو حراسا لممتلكاتهم، وهى الممارسات التي جرأت ثورة يناير الإعلام للتحدث عنها بشكل رسمي وتوجيه اتهامات لوزير داخلية مبارك ومساعديه بمثل تلك الممارسات.

بل إن الدولة راحت عبر كبار مسؤوليها تقر بأن أولاد الفقراء وأصحاب الوظائف المتدنية لن يتولوا الوظائف العليا مهما كان مستواهم التعليمي، وذلك كان خلاصة ما عبر عنه صراحة وزير "العدل" حينما قال إن أولاد جامعي القمامة لن يصبحوا أبدا قضاة، بينما جهر رئيس نادي القضاة عبر الإعلام بأنهم هم السادة -أي القضاة- وغيرهم هم العبيد!

جاء ذلك رغم ما هو معروف في مصر بالتوريث الفئوي لوظائف السلطة العليا مثل "القضاء والشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات" حيث صار العمل في تلك الجهات حكرا على بضع عائلات بعينها، وصارت ممارسات أفرادها فوق القانون والمحاسبة، كما احتكرت أيضا - ولكن بدائرة أكثر اتساعا - الوظائف الجالبة للثروة والمال والنفوذ.

وتمادت الدولة الجائرة في غيها فسنت قوانين تميز بين الناس تارة على أساس العمل كأن تعفي مشتغلي المهن السيادية من كثير من الصعاب التي يتعرض لها أبناء الشعب، بل ورحت تقنن حق الأب في تعيين الابن في عمله بما يتضمن ذلك من حرمان الأكفأ من العمل بتلك الوظيفة.

تمييز

وتمارس الدولة المصرية التمييز بين مواطنيها على أساس طائفي خدمة لأهداف سياسية، فإذا توفي مواطن من فئة ما نتيجة إهمال الدولة تكون ديته 5 آلاف جنيه " أقل من ثمن خروف"، أما لو مات مواطن أخر من فئة مقربة من السلطة فديته تبدأ من 100 ألف جنيه لتصل إلى المليون، وتلك المعادلة قد تنقلب عكسيا طبقا لخريطة المصالح.

كما أن هناك تمييزا على أساس جغرافي حيث إن محافظات بعينها يحتكر أبناؤها العمل بالجهاز الإداري للدولة ويتولون مناصب المحافظين ورؤساء المدن والأحياء والأندية وغيرها، وفي المقابل هناك محافظات مصرية يكون مجرد الانتماء إليها جالبا لشقاء صاحبه، وإذا خرج مواطنوها بعيدا عنها ينتظرهم الويل والتنكيل، فضلا عن منعهم من تولى أي مناصب بالدولة بل إنه لا يتم منحهم هويات مصرية دائمة كما هو الحال في سيناء.

وكذلك امتدت ظاهرة التمييز الجغرافي عبر انتشار حملات التبرع تارة بالبطاطين وتارة بمحطات مياه الشرب أو أضحيات العيد من أجل فقراء الصعيد، وهو ما أعطى انطباعا سلبيا لدى المراقبين الأجانب، والمصريين أيضا، بأن أهل محافظات الصعيد هم الأقل شأنا، مع أن الفقر لا يقتصر على محافظات الصعيد بل يتمدد على كل رقعة مصر.

طيلة العقود السابقة كانت هناك مظاهر تمييز ديني ضد المسيحيين في مصر - وهو أمر مرفوض بالقطع -  لكن هذا التمييز أبدا لم يكن كالتمييز الحادث لهم اليوم، والفرق بين "التمييزين" كان صارخا حيث كان التمييز الأول اضطهاديا يتمثل كله في عدم منح الأقباط تراخيص بناء الكنائس، بينما التمييز الثاني كان احتفاء بهم وإغداقا في العطايا لها بما يهدر مبدأ المساواة بين مواطنيها، وتمثل التمييز الأخير في منح الكنائس مساحات شاسعة وغير مبررة من الأراضي لها لدرجة وصلت إلى منحها مناطق مصنفة محميات طبيعية، كما هو الحال في اقتطاع الكنيسة مساحات شاسعة من وادي الريان بالفيوم.

 استعباد المعارضة

الآن تمايز السلطة بين مصري وأخر بقدر ما تتحصل عليه من معلومات حول مدى ولائه للنظام، فلو كان المواطن مؤيدا للسلطة فكل أخطائه يتم التجاوز عنها وتتعامل معه الدولة بكل اللين والهوادة، أما لو كان معارضا للسلطة فقد لا يرى الشمس مرة أخرى مع التنكيل بأسرته.

هذه مجرد خطوط عريضة لمظاهر التمييز والسخرة والعبودية في مصر وفي التفاصيل يكمن الشيطان.

...............

الجمعة 9 نوفمبر 2018 17:01

الذين ذابوا في حب الوطن

سيد أمين

 كان كل من هب ودب يقولها من باب "فض المجالس" لكنهم لم يجربوها قط، لكن هناك شخصا واحدا قالها صادقا وجربها بالفعل، فاستشهد ذائبا في حب الوطن بكل ما تعنيه الكلمة.

لعل من جملة أسباب كثيرة وراء التعاطف العالمي في جريمة مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، بشاعة الجريمة ، والتنكيل بجسد إنسان تقطيعا ليس من قبل عصابة إجرامية، ولكن من قبل هيئة دبلوماسية لدولة تضع في علمها عبارة التوحيد ، ويوصف حاكمها بأنه خادم الحرمين الشريفين؛ المقدسين في دين يدعو كتابه المقدس للعدل ويقدمه على ما عداه من قيم وخصال، فضلا عن أن الرحمة هي ما تزين فاتحة الكلام عند معتنقيه، وهو ما شكل إساءة بالغة للإسلام وتشويها خطيرا لصورته الذهنية لدي شعوب العالم أجمع ، خاصة أن ما جرى لم يحدث في سجن ولا معتقل أو مركز تحقيق غير قانوني مخفي عن الأنظار، ولكن في مقر بعثة دبلوماسية مفترض فيها الالتزام بالحكمة والقانون والأخلاق.

فيما ألقى تواتر الروايات الأمنية عن أن هناك شكوكا بأنه قد تم قتله وإذابة جسده باستخدام أحماض ومواد فتاكة، ضوءا قويا على أن التعذيب لم يتوقف في نظم الاستبداد العربي عند حد سلب الحياة، ولكن امتد حتى حرمان القتيل من أن يكون له جسد يدفن في الثرى كما يدفن كل الموتى في الكون منذ بدء الخليقة.

 أحماض فتاكة

المواد الفتاكة القادرة على التهام كل شيء كثيرة ومتنوعة، منها ما هو متداول ومنها ما هو غير متداول، فمن المواد الكيماوية المعروفة، مثلا، حمض الكبريتيك والذي يعرف شعبيا تحت اسم "ماء النار" وهو مادة لديها القدرة على التهام جسم الإنسان، وأيضا "الفوسفور الأبيض" وهو يؤدى إلى حرق وتفحم جسم الإنسان في ساعات، وكذلك حمض فلوريد الهيدروجين الذي لديه قدرة هائلة على التهام الجلد، وأيضا حمض الهيدروكلوريك، وهيدروكسيد الصوديوم، وهيدروكسيد البوتاسيوم، وغيرها.

كما أن مادة سوداء اللون، لزجة الخواص، تتكون من أكسيد الحديد والحديد السائل والصمغ وبعض المواد الكيماوية الأخرى التي تعطيها قوة جذب مغناطيسية هائلة، والمعروفة علميا باسم "ماجنتيك بيوتي" تستطيع هى أيضا أن تلتهم عظام إنسان في دقائق.

وحسب مقال لريتشيل بركس الأستاذة المساعد في الكيمياء بجامعة سان إدوارد بأمريكا، فان باستخدام كثير من تلك المواد أو بعض منها يمكن تذويب جسم إنسان كامل في ظروف البيئة العادية، في يوم واحد.

ومن أقوى الأحماض تلك التي تسمى باسم "حمض فائق" وهو الحمض الذي يمتلك حامضية أعلى من حمض الكبريتيك النقي 100%، وتشمل ثلاثي الفلور ميثان حمض السلفونيك والمعروف بحمض الترفليك، وحمض الفلوروسلفونيك وكلاهما أقوى بألف مرة تقريباً من حمض الكبريتيك، فيما يعد الحمض الأقوى على الإطلاق هو حمض الفلوروأنتيمونيك.

ولا يفوتنا هنا التأكيد أن مكونات كثير من الأحماض ليست بالأمر السهل شيوعه وتداوله ولا حتى تداول معلوماته، نظرا لخطورتها الأمنية، لذلك تلجأ كثير من الدول للتعامل مع تلك الأحماض والمواد التي تتكون منها بنفس القدر الذي تتعامل به مع أسرار الأمن القومي.

الذين ذابوا في حب الوطن

والحقيقة أن القتل تذويبا في الأحماض ليس بجديد في عالمنا العربي، ولكن الجديد هو أن الناس صدمت من بجاحة القاتل، وبراءة المقتول، وغرابة المكان، وبشاعة طريقة الاغتيال، والإخفاء التام لكل معالم الجريمة.

ففي مصر اختفي نائب رئيس تحرير الأهرام رضا هلال في 11 من أغسطس/آب 2003 في صمت، فيما قدم شقيقه عام 2009 بلاغاً إلى النيابة كاشفاً عن تلقيه مكالمة هاتفية عام 2007 تفيد بأنه مسجون في أحد سجون الإسكندرية، ثم راح يعلن بعد ذلك عن تلقيه اتصالا من شخصية أمنية رفيعة يخبره بأن أحد وزراء الداخلية هو من خطفه وقتله، ومثل بجثته بسبب انتقاده له، وبعد ثورة يناير خرجت تفاصيل تؤكد أن الداخلية خطفته وذوبت أجزاء منه في حمض فتاك فيما دفنت أجزاء أخرى داخل مبناها أو في مبنى وزارة الاستثمار!

هذه الواقعة سبقتها واقعة تذويب أخرى لجسم معارض سياسي ولكن في لبنان، الضحية اسمه سليم اللوزي وهو رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية حيث كان معارضا للرئيس السوري السابق حافظ الأسد لذلك حينما استشعر الخطر فر إلى لندن واتخذ منها موطنا، لكنه بعد وفاة والدته اضطر للعودة إلى بيروت في يناير ١٩٨٠ لدفنها، لكنه خطف من جوار زوجته في كمين على طريق مطار بيروت وبعد أسبوع وجدوا بقايا جثته في أحراش قرب بيروت وقد تمت إذابة أجزاء من جسده، وكانت الأصابع واليد مذابة بالحمض.

وكانت قد سبقت تلك الواقعة قيام حكومة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959 باختطاف القيادي البارز في الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو من أحد شوارع دمشق أثناء زيارة سرية لها، وجاء الاختطاف إثر رفض الحزب حل نفسه بعد الوحدة بين سوريا ومصر، وقدم ما يسمى وثيقة المبادرات العشرة والتي تم رفضها، جرى تعذيب الحلو ليعترف بأسماء القيادات الرافضة للوحدة حتى مات ومن ثم ذوب جسده بالحمض كي لا يبقى له أثر.

كما شملت خريطة التذويب في حب الوطن المعارض اليساري المغربي المهدي بن بركة، الذي اختطف من أمام أحد مقاهي باريس عام 1965 ثم اختفى، وظهرت العديد من الروايات حول ما جرى له، هناك من يؤكد مقتله في باريس ثم دفن على جانب أحد الأنهار، وهناك من يقول أنه قتل في فرنسا ونقلت جثته بواسطة طائرة عسكرية مغربية ثم أذيبت في حوض من الحمض كي لا يبقي لها أثر.

فيما ترددت روايات "غريبة" بأن القاتل لم يكن الملك المغربي الحسن الثاني، كما يتوقع الجميع، ولكن كان جهاز الموساد الإسرائيلي الذي فعلها تقربا للملك من دون طلب منه. 

عموما، القتلة سعوا في الحوادث السابقة لإخفاء أثر الجريمة عبر إذابة جثث ضحاياهم، لكن ما حدث أن الضحايا عاشوا في قلوب الناس، بينما هم من ماتوا فيها.

...............

 الخميس 6 ديسمبر 2018 15:50

الذباب الالكتروني.. النشأة والمكافحة

سيد أمين

أصبحت ظاهرة "الذباب الإلكتروني" أو اللجان والكتائب الإلكترونية من أبلغ "سوءات" وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي خاصة بعد أن تفجرت ثورات الربيع العربي، والتي بغرض التصدي لها تفشت تلك الظاهرة على هذا النحو المزعج في محاولة بائسة من قبل نظم الحكم المستبدة للإيهام بوجود شعبية لها ولسياساتها والتي كان آخرها الإعلان عن قيام تويتر بإغلاق مئات الحسابات الوهمية التي كانت تغرد آليا لدعم سياسات النظام السعودي.

وقد كانت مصر من أوليات الدول التي تم الكشف فيها عن تلك المجموعات منذ الأشهر الأولى لثورة يناير، حيث انتشرت فيديوهات عن أعضاء في تلك الكتائب يؤكدون فيها وقوف الإمارات والحزب الوطني والشؤون المعنوية بالقوات المسلحة وراءهم، ثم بعد الانقلاب 2013 تكشفت معلومات أهم عن تلك الشبكات بوقوف صحفيين كبار وراء إدارتها، وذلك عبر تشكيلهم مجموعات من الأفراد لكل فرد عشرات الحسابات ينشرون نصوصا شبه موحدة تُملى عليهم. 

وغني عن البيان أن لغة ومضامين خطاب تلك المجموعات "الأجيرة" والذي يمتاز بالركاكة والرعونة والتشكيك غير المبرر في الوطنية والولاء، يفتقر إلى أدب الحوار ويحتقر المنطق والقيم الإنسانية كالحرية والمساواة والعدالة، وهي ما نادت به ثورات هذا الربيع.

ذباب تويتر

وتبدو ظاهرة "الذباب الإلكتروني" واضحة تماما على موقع "تويتر" ربما بسبب استخدامه خاصية "الهاشتاجات" الأكثر تداولا، وهي الخاصية التي يمكنها أن تتيح لعمل تلك المجموعات الظهور وتحقيق أعلى المعدلات، من ثم قيام السلطة بالتدليل على تلك النتائج إعلاميا وسياسيا.

وربما تكون ملموسة جدا بسبب وجود الفرع الإقليمي لشركة "تويتر" في دولة الإمارات العربية وهي الدولة الراعية الأولى للثورة المضادة في الوطن العربي، وقد يكون أيضا بسبب قيام مستثمرين سعوديين مقربين من الحكم بشراء حصص كبيرة من تلك الشركة، حيث يمتلك الأمير السعودي الوليد بن طلال - بحسب تقديرات الخبراء - أكثر من 34 مليون سهم ما يمثل 17.5% من أسهم الشركة التي تقدر قيمتها بنحو مليار دولار أمريكي ليصبح الوليد بن طلال الذي بدأ الاستثمار في تويتر في 2011، صاحب ثاني أكبر حصة فيه اعتباراً من عام 2015.

وتستخدم السعودية – شأنها شأن جميع دول حصار قطر- شبكات التغريد الآلي "بوتات" و"ترولز" في تويتر والتي تعمل عن طريق أكواد برمجية تخبر الحساب، والحسابات الأخرى الشقيقة، بالتصرف على نحو معين للتأثير على آراء المواطنين وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وإيهامهم على خلاف الحقيقة بان مواقفها السياسية تحوز إجماعا شعبيا، خاصة بعد اندلاع أزمة حصار قطر في يونيو/حزيران 2017، وبحسب الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان فإن سعود القحطاني - أحد أبرز المتهمين بقتل خاشقجي- هو من يشرف على تلك اللجان والشبكات ، فيما أكدت صحيفة الواشنطن بوست على تلك المعلومة في إطار تغطيتها لحادثة الاغتيال المروعة.

وقبل أن يعترف تويتر بوجود الملايين من حسابات الذباب الإلكتروني لديه ، كانت هذه الاتهامات يرددها رواد الموقع بشكل دائم ويدللون عليها بأن الهاشتاجات المؤيدة للربيع العربي قد تنجح في الوصول للأكثر تداولا ولكن سرعان ما تختفي بدون أى تدرج في الهبوط ما يعني أنها حذفت من قبل "إدارة" الموقع حذفا، فضلا عن شكاوى متكررة من النشطاء المؤيدين للربيع العربي بأنه يحدث بين حين وأخر "حذف" آلاف الحسابات  التابعة لهم في ساعات محدودة ، وهو ما لا يتفق منطقيا على أن يكون أمرا طبيعيا، فضلا عن إغلاق حسابات كثير منهم بالضبة والمفتاح كما حدث مع المدون والناشط وائل عباس حينما أغلقوا حسابه بعد حذف عشرات الآلاف من  متابعيه وقبل اعتقاله.

ثم جاءت كلمة الفصل حينما نشرت صحف غربية أن عميلا للسعودية في المركز الإقليمي لشركة تويتر سلمها تفاصيل عن أصحاب حسابات معارضة منها حساب "كشكول"، ما سهل قيام المملكة باعتقال صحفي يدعى تركي الجاسر اتهمته بإدارة الحساب وقتلته في المعتقل. 

ورغم كل ذلك فان شركة تويتر الرئيسية تنفي بشدة تأثير وجود المقر الإقليمي لها في الإمارات أو توجهات المساهمين على عمل الموقع.

فيما ذكرت صحيفة واشنطن بوست إن 17% من عينات عشوائية لتغريدات باللغة العربية ذُكر فيها اسم قطر العام الماضي قد نُشرت من قبل حسابات وهمية، أو شبكة ذباب إلكتروني.

مكافحة الذباب الالكتروني

أفتك وسائل الإبادة للذباب الإلكتروني هو "الحظر" و"الإبلاغ" وعدم الانجرار وراء محاولات الحوار معهم والإقناع، لأنهم باستغراق وقتك وإجهادك يكونون قد حققوا غايتهم في إصابتك بالزهق واليأس وإبعادك عن منبرك لتخسر بذلك معركة الوعي أحد مقاتليها، فضلا عن أنهم أبدا لن يقتنعوا بما تقوله لهم لسبب بسيط وهو انه ليس لديهم الوقت للحوار المتماسك معك، وأنهم لا يقرأون تعليقاتك من الأساس، فضلا عن أنهم هم في الأساس غير معنيين بقضية الصواب والخطأ، وردودهم دائما هي نصوص ثابتة محفوظة كثيرا ما تفتقر للمنطق.

وتتمثل أهمية الحظر في أنه لا يحميك وحدك فحسب، بل أيضا يحمى متابعيك من وصول أسراب الذباب إليهم وتكرار التجربة معهم، ويحول دون تعرض معلوماتك ومعلوماتهم للسرقة والتهديد والابتزاز.

أما أهمية الإبلاغ فهي في أنها تفقد الذباب  الإلكتروني أساسات عمله من "الحسابات الجاهزة" وتشغله في إنشاء حسابات جديدة، وهى عملية مرهقة مع الكم الهائل المطلوب إنشاؤه، خاصة أن كل حساب منهم يحتاج إلى إنشاء بريد اليكتروني أو وجود رقم هاتف جوال قبل تدشينه.

وفي النهاية.. متى يعلم المستبدون أن الذباب الاليكتروني لا يصنع شعبية ولا حقيقة.

.................

رسائل مبكرة للثورة المضادة

سيد أمين

نقلا عن العربي الجديد

على الرغم من أن لدى النظم الغربية قناعة تامة بأن المنطقة العربية لا يصلح معها نظم الحكم الديمقراطية، وأن الديمقراطية ستؤدى حتما إلى صعود الإسلاميين بشكل عام وكبير، ويليهم القوميون الوحدويون، وأنه لا يمكن السيطرة عليها إلا عبر حكام عسكريين أو شموليين موالين لها، على الرغم من ذلك كله، إلا أنها قَبِلَت بثورة يناير على مضض، تلبية لمطالبات حقوقية داخلية لديها تطالبها بدعم مطالب الشعوب.

هنا سارعت الثورة المضادة التي انطلقت مع قرار "تخلي" حسني مبارك في 11 فبراير 2011 عن الحكم إلى تعزيز التأييد الغربي لها عبر إثارة مخاوفه من المسار الشعبي والديمقراطي الذي قد تسبّبه لهم تلك الثورة عبر رسائل مخادعة انطلقت حينها، لم يقرأها ثوار كثيرون بعد، وهو ما عزّز القناعة الغربية القديمة بالحاجة إلى تكسير كل القيم الأخلاقية الغربية والعودة لدعم النظم السلطوية.

وراحت "الثورة المضادة" تستغل أجواء الحريات التي منحتها "الثورة" للشباب المكبوت، من أجل التنكر في زي الثوار والإعلاء من مطالبات تشكل خطوطا حمراء على النظام الدولي القائم، سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو حدود النظام الذي تم رسمه في سايكس بيكو وما تلاها من خرائط ومن نظم حكم. 

نتذكّر معا بعضا من معالم تلك الرسائل، كي لا تدفن طي النسيان، فلقد أرسلت الثورة المضادة في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول2011 رسائل عاجلة إلى إسرائيل، وداعميها عبر الدعوة للحشد من أجل فتح الحدود لتحرير فلسطين، وقيام عناصر تبدو ذات سمت إسلامي لتتبناها، ويتم تسليط الأضواء حول وقوف الوازع الديني وداعميه وراء تلك الدعوات والحشود.

ثم ازداد الأمر تأزيما، حينما تم توجيه الحشد إلى مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وما أعقبه من اقتحامهم مبناها بمنتهي السهولة واليسر، ثم سحب إسرائيل سفيرها من القاهرة.

هذه رسائل وجهتها الثورة المضادة لتحفيز الغرب بدعمها ضد من يعرضون اتفاقية السلام للخطر، ليس ذلك فحسب، بل يهددون بإلقاء إسرائيل في البحر إذا فتحت لهم الحدود!

وتجاوب الغرب مع تلك الرسائل بسرعة، مضحيا بالديمقراطية التي يتشدق بدعمها وراح يساند الثورة المضادة، رغم أن الإسلاميين الذين وجهوا الدعوات بالحشد، هم من أعضاء حزب النور الموالي لسلطة الثورة المضادة كما اتضح لاحقا، فيما قاطعها صراحة الإخوان المسلمون وحزب الوفد. وتحوم حول تلك الأحداث شبهة التواطؤ الإسرائيلي مع الثورة المضادة في افتعالها، خاصة أن إسرائيل كانت أصلا تنوى تغيير سفارتها في القاهرة إلى مكان أكثر تأمينا وقامت بتفريغ المقر من محتوياته.

كما أرسلت الثورة المضادة أيضا رسائل إلي السعودية، تحذرها من أن تتدحرج كرة النار لتصل إليها، وذلك بغية استجلاب المال الخليجي، وحثها على إبداء دعم مالي كثير للانقضاض على الثورة أولا، وإغراء الغرب ماديا في مقابل الصمت ثانيا، واستنفار الشخصيات والجماعات المرتبطة بها في مصر لشق التيار الإسلامي داخليا أو المباعدة بينه وبين التيارات الأخرى ثالثا، وأيضا توريط الإخوان وتحميلهم أوزار كل تطرف رابعا.

وكانت أبرز تلك الرسائل هي ما جري في أحداث حصار نشطاء للسفارة السعودية في القاهرة، وقنصليتها في السويس في إبريل/ نيسان 2012 على خلفية اعتقالها الناشط المصري، أحمد الجيزاوي، وحبسه وجلده بزعم إهانة الملك وتهريب مخدرات.

وعلى الرغم من أن مؤتمر دعم سورية عقده مرسي لإغاثة الشعب السوري الذي يجري ذبحه على يد نظام استبداده وحلفائه الروس، إلا أن الثورة المضادة تعاملت مع المؤتمر بوصفه تجييش سني طائفي في مواجهة الشيعة وإيران على خلاف الحقيقة. 

كما أرسلت الثورة المضادة رسائل إلى الحكومات والأحزاب والنافذين في جميع البلدان العربية والإسلامية، مفادها أن أي مسار غير إقصائي للتيار الإسلامي في الأساس يعني اكتساحهم للمجالس النيابية "شعب وشورى ونقابات ورئاسة" وتشكيل الحكومات، وبالتالي حرمانكم من سلطاتكم ونفوذكم وثرواتكم وستتم محاسبتكم. وقد ساهم في تعزيز تلك المخاوف الاكتساح الذي حققه الإسلاميون في جميع الانتخابات الديمقراطية التي جرت بعد الثورة، وهو على الأرجح أول مقياس حقيقي لشعبية تلك التيارات وتركته الثورة المضادة يظهر على حقيقته لتخويف نخب حكم تلك الجوار.

هذه كانت رسائل واضحة أطلقتها الثورة المضادة في حينها وما كان ينقصها حينها إلا قراءة الثوار.

....................................................................

مقالات عام 2019

.......................................................................

عن متعة الجهل.. ومصيبة ثورة يناير!

سيد أمين

في مثل تلك الأوقات العصيبة والكئيبة التي نعيشها، لابد أن يكون المرء منا قد نظر إلى أبنائه الصغار نظرة حزن مغلفة بالشفقة، خيفة أن يستمر في الاستبداد بهم ما استبد بنا نحن أبناء الجيل الحالي في وطننا العربي المنكوب، بعدما للأسف أورثناهم نظما ومجتمعات أكثر وضاعة وتوحشا ودموية مما نحن ورثناها عن إبائنا وأجدادنا.

لأننا بصراحة بسذاجتنا وأنانيتنا وخوفنا وانقسامنا حول توافه الأمور ومن حيث أردنا أن نبني لهم مستقبلا أفضل ونصلح لهم الطريق وننير ظلمته، استبدلنا لهم استبدادا بعبودية، ووطنا مريضا بوطن ميت، ومستقبلا مجهولا بمستقبل مفقود.

لابد للمرء حينئذ أن يغالبه الحنين إلى تلك الخوالي التي كان الأهل والجيران والناس جميعا - من يعرفونك ومن لا يعرفونك- أكثر تسامحا وتعاونا وحبا حقيقيا ، كيف كانوا يخضعون جميعا لقوانين المجتمع كالعيب والعار والعزل والتي هي أحد وأمضي عليهم من قوانين المحاكم، وكيف كانوا يتقاسمون القليل فيكفي بينهم ويفيض ، ويأكلون أردأ الطعام فيبدو أنه الأكثر لذة ، ويتحلقون حول مواقد النار في الشتاء فتذيب الفوارق بينهم ، ويتشاطرون التجارب والأحلام والعناءات والنجاحات، وكيف كان يوقر الناس بعضهم بعضا ، الصغير يوقر الكبير ، والتلميذ يوقر المعلم ، والجميع يوقرون رجل الدين ، وإذا تحدث العارف ينصت الجاهل ويقتنص فرصة المعرفة ولا يجادل بالباطل ليخلع ثوب الجهل حتى ولو كان على حساب الحقيقة كما يحدث الآن.

متعة الجهل

كان كل شيء يبدو محترما ، وكان المجتمع حينئذ مجتمعا بناء خصبا للإبداع والابتكار والإعجاز والانجاز حتى وإن كانوا أقل وعيا سياسيا، وفي تقديري – أنه بخلاف الإفساد المتعمد للمجتمع في السنوات الأخيرة عبر الإعلام الهدام والفن الهابط والنخب المزيفة - إلا أن قلة الوعي آنذاك جعلت الناس أكثر ثقة وأمانا وراحة بال ، للدرجة التي تجعلنا اليوم نكاد نحسد الجاهل الجهول على راحة باله ، ونحسد الشاعر المتنبي لأنه أدرك قبل مئات السنين ما أدركناه بأن للجهل وقلة الوعي فوائد جمة حينما قال "ذو العلم يشقى في النعيم بعلمه واخو الجهالة في الشقاوة ينعم"؟.

هذه المشاعر تنتاب الكثير ممن وصولوا إلى سن الكهولة حينما يعودون بذاكرتهم إلى أيام الصبا وريعان الشباب، وكيف أنهم كانوا في ذلك الوقت مفعمين بالجرأة والحيوية، وكانوا يظنون أنهم هم محور الكون، وهم القادرون على التأثير ليس في نظام الحكم المحلي والعربي ولكن في العالم بأسره وأن بيدهم تغييره بالطريقة التي تجعل بلدهم هي القائدة بلا منافس، تماما كما فعل أجدادنا منذ ما يقرب من سبعة ألاف سنة حضارة!

كان أمرا مخجلا حقا مع أنه كان ممتعا أيضا ، كانوا يعتقدون أنهم بصفتهم مصريين فهم أصحاب قرار التغيير فيها بلا منازع وأن هذا أمر مفروغ منه ، وكان الواحد منهم يعتقد أنه بالجد والاجتهاد يصل لأعلى المناصب، كانوا يكتبون في كراساتهم وكتبهم عبارة "من أراد المعالي سهر الليالي" ليحفزوا أنفسهم على بذل الجهد في استذكار الدروس، كانوا يعتقدون أنه لابد من وجود حكمة لا يجوز الفصح عنها في كل اختيارات السلطة ، فغباء المسؤول حكمة ، وصمته حكمة ، وفشله حكمة ، وصلاحه هو من فعل من عينوه أما فساده - إن حدث - فهو من فعل نفسه.

نار المعرفة

لكن الغشاوة عن الأعين بدأت تزول تدريجيا حتى وصلت ذروتها مع ثورة الحقيقة في 25 يناير 2011 وراحت تتكشف تماما بعد الانقلاب ، فسرعان ما تبين لنا أن ما كنا نعتبره وطنية ووعيا لم يكن إلا "غفلة" والجرأة كانت حماقة، وأن سهر الليالي في بيوت الليل ومجالس اللاهين هو الطريق الأسرع - وأحيانا الوحيد - للوصول للمعالي ، والسبعة آلاف سنة حضارة كانت "حجارة" صماء لم تترك علينا أي تأثير ايجابي، ولا قيمة لها إلا في البيع في محافل طمس التاريخ العالمية بينما ريعها يذهب إلى جيوب أساطين الفسدة ليمارسوا علينا مزيدا من البطش والتنكيل والتجهيل، واكتشف غالبية هؤلاء الكهول أنهم عاشوا بأنفسهم أجواء شخصية "سبع الليل" في فيلم "البريء".

سقوط النخب

يعتقد كل من يمتلكون البصيرة أن نظام الحكم الحالي في مصر جار على معارضيه ونكل بهم وجعل الحياة سوداء من أمامهم ومن خلفهم، لكن لو امتلكنا بصيرة أكبر لأدركنا أن من جار عليهم هذا النظام وهتك سترهم هؤلاء الذين كنا قد خدعنا بهم عقودا من الزمن ونصبوا علينا قادة مجتمع وإعلاميين وسياسيين، هؤلاء الذين بعد طول عز وتوقير الناس لهم سقطوا من أبراجهم العالية إلى قاع الجحيم، وما صراخهم الآن لدعم النظام إلا صراخ لمقاومة هذا السقوط المذري.

مصيبة يناير

فكما خدمتنا ثورة يناير أيضا فإنها ارتكبت فينا جريمة نكراء، فقد نقلتنا من طور الغيبوبة والتخدير إلى طور الوعي، في اللحظة التي كنا نحن فيها في عزم العملية الجراحية لاستئصال "العقل" من أدمغتنا للأبد حتى لا نتألم ولو قليلا مجددا حزنا على المصائب التي تصيبنا، فأعادت لنا الأحاسيس بينما كنا نرفل في اللاوعي ونستمتع بالجهل ونهلل للمهلكة.

ثورة يناير هى من جعلتنا نري ما يلطخ ثيابنا عارا وليس فخارا كما كنا نتصور، هي من أخبرتنا أننا في ذيل الأمم وكنا نعتقد في أنفسنا الريادة، أعادت إلينا حاسة التمييز بين الغث والسمين والتي فقدناها بعد أن تم تزييف جميع حواسنا.

سامحك الله يا ثورة يناير.. لماذا اخرجتنا من طور الغيبوبة لتلقي بنا في هذا الجحيم؟

نشر بتاريخ يناير 02, 2020

..............................................

الاثنين 4 فبراير 2019 17:02

مؤشرات سياسية مهمة للفوز القطري

سيد أمين

بعد الفوز التاريخي لدولة قطر بكأس أسيا وما تبعه من فرحة لا تخطئها عين، ولا تغفلها فراسة طغت على قلوب الناس وطفقت على شفاههم في كل البلدان العربية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان يجب أن يكون ذلك درسا وافيا لمن يناصبون قطر العداء، بأن حب الناس لا يمكن صناعته عبر الكتائب الاليكترونية وهيئات الترفيه وتأجير الإعلاميين واختلاق الشائعات والأكاذيب وإنفاق المليارات من الدولارات، ولكن عبر الديمقراطية والسير في خدمة آمال الشعوب وتطلعاتها.

لو كنت مكان قادة دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومن يليهما، لتوقفت فورا عن أسلوب المكايدة الرخيصة مع دولة قطر، وأدركت أن تلك المكايدات لم تأت لنا إلا بكل شر وأن التضامن الشعبي الخليجي والعربي والإسلامي معها يحول مكايداتنا معها إلى انتصارات، فتباعدت المسافة بشكل مرعب بين تطلعاتنا وسياساتنا وبين شعوبنا وباقي الشعب العربي بما ينذر بكارثة محققة لنا.

كان يجب أن ندرك مبكرا أننا نمضي في الطريق الخاطئ، وأننا يجب أن نلتحم بشعوبنا بدلا من الالتحام بأعدائها، ونبقي موقنين بأن التراجع عن الخطأ خير ألف مرة من الإصرار عليه، وأن نستلهم سيّر الأولين في أدب العودة عن الباطل، حينما توحد العرب المستضعفون في الأرض على اختلاف قبائلهم رغم ما بينهم من أحقاد وثارات خلف الدعوة الصادقة، فصاروا أمة عظيمة.

بقليل من الحكمة والعقل والاتزان ، كان من الممكن أن يكون هذا الفوز هو أيضا فوزا للسعودية والإمارات والبحرين ، فقط كان يجب أن يترك للشعوب في تلك الدول حق الاحتفال وإبداء السعادة والسرور مع أشقائهم في قطر والوطن العربي بدلا من أن يكتمونه في صدورهم ويفرغونه بينهم بعضهم بعضا سرا ، وقتها كانوا سيدركون ، ويدرك القاصي والداني أن هناك قيادات على مستوى المسؤولية تنأى بنفسها عن "توافه" التصرفات وسفيهها، وتدرك أن فوز دولة خليجية بكأس أسيا لكرة القدم هو أيضا فوزا لكل شعوب الخليج العربي والوطن العربي بأسره ، لكن للأسف هذا لم يحدث.

حبا في قطر أم كرها في أعدائها؟

أجزم بأن الشعب العربي في غالبيته كان سعيدا لفوز دولة قطر بالكأس حتى تخطى هذا الفوز كونه فوزا رياضيا ليكون انتصارا سياسيا كبيرا، ولكني للأمانة لا أجزم بأن ذلك كان في غالبيته حبا في قطر بقدر ما كان كرها في قيادات أعدائها وتصرفاتهم الخرقاء، واستباحتهم للدم العربي، وتحويلهم الوطن العربي لقطعة من الجحيم، عبر دعمهم للتغريب والخروج عن عوامل الانتماء للوطن والدين والقومية والثوابت الإنسانية، ودعم المؤامرات والانقلابات والتبعية للأجنبي.

فالجميع يدرك أن قطر لم تعتد على أية دولة من دول محاصريها، ولكنهم هم من حاصروها، هي لم تطرد مواطنيهم ولا حتى أساءت إليهم ولكنهم هم من فعلوا، الجميع يدرك أن قطر تعاقب لأنها رفضت الانضمام لحلف المؤامرات على الشعوب العربية، لذلك أحبها الكثيرون من أبناء الشعب العربي، ما عزز أيضا مكانتها حتى لدى داعمي الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم بأسره.

كان لفوز المنتخب القطري بكأس آسيا على أرض دولة الإمارات المحاصرة لها، دلالة ربانية كبيرة لا يجب على عاقل إن يتجاهلها، وكانت لهزيمة المنتخب الإماراتي أمامه بأربعة أهداف دلالات ربانية أكثر ثراء لا يجب أيضا أبدا أن نغفلها، فقد فازت قطر بـ "أربعة" أهداف تمثل عدد دول الحصار الأربعة من جهة وتشير أيضا إلى شارة رابعة رمز المظلومية من جهة أخرى.

أحد مؤشرين

وفي موضوع ذي صلة، فالجميع يعلم مدى حب الشعب المصري والشعوب العربية لمنتخب مصر لكرة القدم، إلا أنه بسبب الاستغلال السياسي المغرض الذي نحته السلطات في مصر أو السعودية بعد وصول منتخبا بلديهما لنهائيات كأس العالم في روسيا العام الماضي، جعل الكثيرين لا يحزنون على خسارة الفريقين هناك فيما أبدي بعضهم الشماتة ليس في المنتخب ولكن في النظام السياسي في هاتين الدولتين.

فيما وجه المراقبون أصابع الاتهام في انحدار مستوى الفريق المصري إلى الفساد الذي جعل الانتساب إلى الفرق والأندية الكبرى شأنه كشأن أي مهنة ذات سيادة أو "لمعان" تخضع لأحكام الاحتكار والتوريث وليس القدرة والابداع، وهو الأمر الذي جعل نجم ليفربول الانجليزي محمد صلاح يكاد يكون وحيدا في الملعب ويثير تساؤلات جد مهمة هل لا يوجد لاعبين كرة قدم بين نحو المائة مليون مصري سواه، بالقطع يوجد مثله، وربما من هم أفضل منه ولكن الفساد قتل تطلعاتهم.

لقد كانت تداعيات الفوز القطري هي أحد ثلاثة مؤشرات بأن قطر تكسب الدعم الشعبي العربي، ومحاصريها يخسرون، فيما كان المؤشر الثاني هو السخط العربي والعالمي ضد الحرب في اليمن وتداعياتها، أما المؤشر الثالث فكان الفزع من قتل وتقطيع وتذويب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، حيث ارتدت دول الحصار جميعها في هاتين الجريمتين ثوب الفضيحة والفظاعة، فيما ارتدت الدولة المحَاصَرة بفوزها بكأس آسيا ثوب الانتصار.

قطر لم تسيس الرياضة ولكن محاصروها الأربعة هم من سيسوها، وارتدت عليهم تلك السياسة "حسرة"

......................................................................

السبت 16 مارس 2019 17:01

مجزرة "نيوزيلندا" حرب على الدولة العثمانية

سيد أمين

للمجزرة الإرهابية الأليمة التي وقعت أمس وأودت بحياة أكثر من 50 مصليا مع عشرات الإصابات الخطرة في مسجدين في نيوزيلندا الكثير من التفاصيل التي رصدتها وسائل التواصل وشهادات الشهود والمصابين فضلا عن معلومات نشرتها الصحف الغربية والإسلامية.

وبحسب ما انفرد به موقع قناة "العالم" الإيرانية فإنه قبل تنفيذ الهجوم تم زرع ١٢ قنبلة في المنطقة نفسها التي تحيط بالمسجد ومتصلة بالتفجير عبر الهاتف المحمول عن بعد، حيث قامت السلطات بتفكيكها بعد أن أخلت كل المنازل من السكان، وأن السلاح المستخدم صناعة إسرائيلية وهو سلاح آلي أتوماتيكي يقوم بإطلاق محتوي الخزنة كاملا في دفعة واحدة من دون الضغط على الزناد لكل طلقة، وفوارغ الطلقات أكدت أنها كلها صنعت في إسرائيل.

الحرب على الدولة العثمانية

وبالطبع كلنا عرفنا مدلولات التواريخ التي خطها الإرهابيون على الأسلحة المستخدمة في الجريمة وكلها كانت تخص انتصارات الجيوش الصليبية على الدولة العثمانية أو الدولة الأموية.

يأتي ذلك بعد في إطار سلسة من انتشار الكراهية انتشرت في أوربا ضد الإسلام ممثلا في الدولة العثمانية ، فالعام الماضي قامت النمسا بإغلاق سبعة مساجد وطرد عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدي فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

يتلاقى ذلك مع حملة مسعورة في كل الإعلام الغربي تقريبا تصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه ديكتاتور ومراوغ وغير ذلك من اتهامات لا يوجد دليل واحد يؤيدها، رغم أنه رئيس منتخب بشكل حقيقي ويحكم بقوانين أقرها برلمان منتخب بشكل حقيقي أيضا وأحدث نهضة شاملة غير مسبوقة في تاريخ تركيا.

وها هو الصحفي في صحيفة "كورنث" اليونانية "تيرونى سيرا" يقول "كنا سعداء بتشتت المسلمين، ولا نريد أن يأتي رجل يلم شملهم ويجمعهم من جديد. لا نريد أردوغان".

والحقيقة أنك لا تستطيع أن تميز بين الدولة العثمانية وسياساتها وبين غيرها من إمبراطوريات كانت سائدة كالإمبراطوريات: البريطانية والفرنسية والروسية والنمساوية وغيرها في العالم آنذاك سوى أنها الإمبراطورية المسلمة، فإن كانوا هم نظما مستبدة كانت هي كذلك، والعكس صحيح، فهى احتلت أو فتحت أو استعمرت تماما كما احتلوا أو فتحوا أو استعمروا، وكانت غير ديمقراطية تماما كما كانوا، وعاشت في القرون الوسطى بما فيها من تخلف تماما كما هم عاشوا.

الخلاصة أن الدولة العثمانية كانت مثل كل الدول المسيطرة آنذاك ولكن الانفراد بكراهيتها دون غيرها يعود لكونها مظلة للعالم الإسلامي الذي كان وما زال تستهدفه الإمبراطوريات الأخرى بالافتراس.

الإعلام المصري

من الغريب أن تجد بعض رجال الإعلام المصري يحاولون استغلال قتل المسلمين في نيوزيلندا بأنه ردا على "الإرهاب العثماني"، ولم يتصرفوا بنفس القدر من الإدانة والتنديد الذي تصرفوا به بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة "شارلي أبدو" الفرنسية على سبيل المثال وهى جريمة إرهابية مدانة.

وكما يتهمون الإسلام بأنه دين انتشر بحد السيف وهو قول مغلوط، يتهمون الدولة العثمانية بذلك، وكأن الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش وفرسان الهيكل كانت تمارس أعمالا ديمقراطية وكأن أوربا وعصورها المظلمة وإمبراطوراتها التي انتعلت العالم وأذلته قديما وحديثا كانت أكاذيب..

فضلا عن أن الدولة العثمانية عندما بسطت سيطرتها في الغالب علي العالم الإسلامي، ولم تمارس طغيانا على شعوبه بل حمتهم وحررتهم من طغاتهم المتناحرين على إذلالهم، وضمنت لتلك الشعوب حرية الثقافة واللغة والاعتزاز القومي، كما ضمنت حقوق الأقليات غير المسلمة ولم تكرهها على الإسلام كما أكرهت أوربا الأقليات المسلمة على التنصر أو الموت.

خطة تشويه الدولة العثمانية قديمة بدأت حينما تم تعليم الطلاب والتلاميذ "مساوئ" الحكم العثماني لمصر، رغم أن تلك المناهج ذاتها تدرس لطلابها وتلاميذها "فوائد" الغزو الفرنسي لمصر والتي لقبوها بـ "الحملة" إنكارا لحقيقتها الاستعمارية وراحوا يحتفلون في وزارة الثقافة بتلك الحملة كما فعلت وزارة الثقافة المصرية فيما بعد.

ما كشفت عنه جريمة نيوزيلندا أن أجواء الحروب الصليبية لم تمح من الذهن الغربي، وإن هذا الذهن يريد منا أن ننسى حروب الدولة العثمانية دفاع عن العالم الإسلامي، الحنين للتاريخ العظيم شرف.

..............................................

الخميس 25 أبريل 2019 15:22

تساؤلات عن الحضور الصوفي في السياسة!

سيد أمين

استمر حراك السودانيون أكثر من ثلاثة أشهر لم  يستطع  أن يؤثر في السلطة بأي شكل كان ، ولما أوشك هذا الحراك أن يخمد ، جاءت دعوة زعيم حزب الأمة السوداني صادق المهدي وهو حزب إسلامي صوفي للجماهير بالنزول في 6 ابريل الماضي فانتقل الحراك من الموات إلي الحياة النابضة بالحركة والثورة ، وما هي إلا أيام حتى تم اقتلاع البشير في انقلاب عسكري ، ليذوق الرجل من نفس الكأس الذي أذاق منه المهدي والترابي.

نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما يحدث في السودان، ولكننا نتحدث عن النشاط السياسي للحركة الصوفية والتي من المفترض فيها الزهد وترك ما لقيصر لقيصر لتتفرغ هي للاتصال والوصل بالله تعالى، مع أن من حقها الإنساني أيضا ممارسة العمل السياسي لا شك.

الصوفية والثورة المضادة

الحركة الصوفية كانت واحدة من أهم العناصر التي حرص مدبرو الثورة المضادة في مصر على جرها بقوة في المعترك السياسي بعد ثورة يناير والعمل على كسب ودها لغرض في نفس يعقوب، تارة عبر اختلاق دعايات إعلامية بأن هناك سلفيين متشددين يعتزمون هدم الأضرحة، هنا تسرع قوات من الجيش والشرطة بحماية الأضرحة فيطمئن قلب الصوفيين، مع أنه بقليل من التمحيص ستكتشف أن من أطلق تلك الدعايات هي أبواق الثورة المضادة ومن استخدموهم للترهيب كـ "حزب النور" هم حاليا من أنصار الثورة المضادة.

وتارة عبر جر التيارات الإسلامية الأخرى إعلاميا للطعن في صحة وجود كرامات لأولياء الله وزيارة القبور والصلاة في المساجد ذات الأضرحة وغيرها من الأمور العقائدية التي لا يصح مناقشتها في غير الإعلام المتخصص، فضلا عن إثارة فتنة انتشار التشيع في مصر والتي نجم عن اغتيال أسرة شيعية في بني سويف، والمطالبة بإغلاق مسجد الحسين بسبب "تسلل" الشيعة إليه واكسائه بكسوة شيعية.!!

وبالطبع ازدادت تلك القلاقل المفتعلة مع تولي الدكتور محمد مرسي الحكم، حتى بدا دعم الصوفيين للانقلاب واضحا وصاروا يخرجون في تظاهرات مناوئة له كأي حركة سياسية، المهم أنه بعد الانقلاب حرص السيسي بشدة على زيارة مشايخ الطرق الصوفية كل عام والتقرب منهم، حتى وجدنا منهم من يعتبر أن قتل معارضي السيسي أو معارضي الانقلاب عملا محببا لله، ووجدنا من يصف السيسي ووزير داخليته محمد إبراهيم بأنهما رسولان من رسل الله.

حيرة واندهاش

في الحقيقة أنا محتار بشدة من توجهات الحركة الصوفية المصرية التي أنتمي إليها قلبا وروحا والتي تقدر بنحو 77 طريقة صوفية، تتفرع إلى ٦ طرق رئيسة هي: "الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية ، البدوية، العزمية ، القادرية "وأحتاج أن أعرف معايير العدالة والظلم فيها ، ومواصفات من يحبونه ومن يكرهونه ، فلو كان معيارهم مدى الالتزام بحب الله ورسوله، فهم ساندوا الاحتلال الإنجليزي في مصر وهو شجعهم على فتح الزوايا والتكايا وحماية مهرجاناتهم بل وعمدوا إلى نشر التصوف في كل بقاع القارة السمراء، ولو كانوا يؤيدون السلطة على طول الخط فلماذا وقفوا ضد مرسي وكان رئيسا للبلاد ومن قبله اللواء محمد نجيب وكان رئيسا للبلاد وصاحب سلطة وهو أعلى الرتب العسكرية بين إقرانه من "الضباط الأحرار" .

ولو كان الأمر بالزهد والعزوف عن الدنيا فلماذا انخرطوا في دعم كل حركات الجيش وانقلاباته؟ بدءا من انقلاب 1952 الذي سموه ثورة مباركة واعتبروا أن عبد الناصر مثلهم الأعلى، وأيدوا السادات الذي كان يحرص على حضور كل احتفالاتهم بنفسه وأصدر لهم مجلة "التصوف" عام 1979 كما ناصروا اتفاقية كامب ديفيد المشبوهة رغم الإجماع الوطني المصري والعربي والإسلامي على رفضها، وكما فعل السادات فعل مبارك وتقرب منهم بشدة.

وما أن أعلن عبد الفتاح السيسي ترشحه لرئاسة الجمهورية حتى اتجه الصوفيون نحو تأييده بشكل مفرط بزعم أنه "صوفي" وذلك وفقًا لتصريح "زين العابدين فهمي سلامة" خليفة خلفاء الطرق الرفاعية الذي قال نصًا "السيسى محب للطرق الصوفية لأنه صوفي الأصل".

يأتي ذلك رغم الفارق الكبير الواضح للعيان بين ممارسات الصوفية الداعية للزهد والورع والرحمة، وبين تصرفات السلطة السياسية التي يقودها السيسي وما تذيقه للشعب من مذلة وهوان.

قوة الصوفية

إن أشد ما يدهشني فعلا هو أن المتأمل للمشهد السياسي العالمي على مر التاريخ يؤكد أن إي نظام سياسي يتقرب للصوفية ينجح في نيل مراده بدءا من الدولة العثمانية التي دامت نحو ستة قرون، نهاية بالحركات السياسية العلمانية والشيوعية والقومية المناوئة لمبارك ومهدت لثورة يناير، والتي كانت تقوم بالتوجه بمسيرات إلى مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة ومسجد الإمام الحسين لممارسة عملية "تقليب الحصر" كدلالة لجلب النقمة على مبارك ورفضهم له.

ويجدر الإشارة إلى أن معظم كبار رؤساء قطاعات الحكم في الدولة المصرية هم من المنتسبين للحركة الصوفية، قضاة، مستشارين، جنرالات، إعلاميين، جهات تنفيذية وغيرها.

الكثيرون من المتصوفة يعزون سبب قوة الصوفية إلى "الميتافيزيقا" وأنها تدير حكومة "روحية" قوية لا نراها فيما يسمونه بـ "الحكومة الخفية لآل البيت" في البلدان المسلمة، وأن تلك الحكومة تدين لها بالخضوع الحكومات التي نعرفها.

يبدو الأمر غير منطقي ولكن هل من تفسير أخر؟

..............................................

الأحد 5 مايو 2019 15:59

هؤلاء قادوا المعارضة من الخارج!

سيد أمين

لعل ما جرى ويجري من قبل الأبواق الإعلامية والنخبوية الموالية للنظام في مصر ضد كل المعارضة المصرية في الخارج، وآخرهم الدكتور أيمن نور بسبب دعوته لمائة شخصية مصرية للحوار من أجل خروج مصر من مأزقها الراهن، وما تعرض له قبله الفنانان عمرو واكد وخالد أبو النجا على خلفية شهادتهما في الكونغرس الأمريكي عن أوضاع الحريات في مصر، من التشهير والسب والتحريض ، والاتهام بالخيانة العظمى واتهامات أخرى غير أخلاقية ، فضلا عن فضيحة شطب عضويتهما في نقابة الممثلين ودعاوى سحب الجنسية منهما، يطرح تساؤلات كثيرة حول مقياس الوطنية في مصر خاصة أن نفس تلك الإجراءات اعتبرت سلوكا وطنيا من قبل تلك الأبواق حينما ذهب عدد من الفنانين والإعلاميين لنفس تلك الجهات لإقناعها بضرورة الانقلاب على حكم الدكتور مرسي.

لذلك نحن نذكرهم بأن السيسي نفسه ذكر في أحد حواراته المتلفزة أنه بينما كان وزيرا للدفاع تواصل مع مسؤولين أمريكيين مؤكدا لهم نية الجيش الانقلاب علي الدكتور مرسي الذي هو بحكم القانون القائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما أكد الكاتب المقرب من السلطة مكرم محمد أحمد أن السيسي أجرى عشرات الاتصالات مع الأمريكان في ذلك الوقت.

المعارضة في الخارج

بعض الناس يحلو لهم - من قبيل الجهل أو المزايدة - ترديد دعايات تلك الأبواق وتوجيه اتهامات العمالة والخيانة للإعلاميين والصحفيين والنشطاء والسياسيين والحقوقيين ممن فروا للخارج للنجاة بأعمارهم وأعمار أسرهم، أو حريتهم وحرية أسرهم العامة والشخصية، وذلك بدلا من أن يدينوا الأسباب القاهرة التي دفعت هؤلاء - وهم بمئات الآلاف ومن الفئات الأكثر تعليما وثقافة ووعيا - ليتركوا ديارهم وأوطانهم وأصحابهم وذكرياتهم ويحاولوا الانطلاق من نقطة الصفر في حياتهم البديلة على أمل العودة وقد زال عن مصر مرضها.

يتجاهل الببغاوات الذين يرددون تلك الدعاوى أن كل من حاول المعارضة في الداخل بأي شكل إما اعتقل أو قتل أو جرى تكميم فمه، حتى من كانوا في صف تلك السلطة، بدءا من رئيس أركان الجيش السابق حتى مدير حملة السيسي الرئاسية نفسه ونائبه، ولك أن تتصور بعد ذلك ما جرى للمعارضة الراديكالية.

الغريب أن تلك الأبواق التي تطالب المعارضين في الخارج بالعودة لممارسة المعارضة في الداخل، هي ذاتها من تطالب من يعارض في الداخل آن يلملم أشياءه ويرحل "والباب يفوت جمل".

والأغرب أن يقتنع بالدعايتين المتناقضتين نفس هؤلاء الكائنات السيساوية من بسطاء الناس، رغم أنهم يرون بأم أعينهم وقائع التنكيل التي تمارس لكل من يتجرأ على الاعتراض في الداخل، والأحكام المغلظة بتهم وجرائم لم يراع من لفقها أي عناية في حبكتها لتبدو منطقية، في بلد لم ينجح حكامه في شيء إلا في بناء السجون، ولا يعمل شيء فيه بانتظام إلا المحاكم والمقاصل.

هجرة العسكر

الرد التاريخي يقول إن الجنرال شارلي ديغول كان رجلا عسكريا إلا أنه فر إلى الجزائر عقب الاجتياح النازي لبلاده في الحرب العالمية الثانية ومنها خاض حرب التحرير بمساعدة القوات الغربية الحليفة.

الزعيم الشيوعي الكوبي تشي جيفارا خاض معارك تحرير بلاده من الحكم العسكري الموالي لأمريكا من خارج البلاد بدءا من المكسيك والكونغو وبوليفيا رغم أنه كان مدعوما من الاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم عسكريا.

وعربيا، رغم أن صدام حسين كان رجلا شبه عسكري – كان عضو منظمة شبيبة شبه عسكرية-  إلا أنه فر إلى مصر معارضا لحكم عبد الرحمن عارف وعاد ليكون أحد رجال ثورة 1968 البيضاء، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية التي تبنت عمليات النضال المسلح في الداخل الفلسطيني كانت كافة قيادتها خارج فلسطين المحتلة لفترة طويلة.

وهناك عشرات النماذج للكفاح المسلح من خارج البلاد لسنا بصدد الحديث عنها في هذا الحديث ولا حتى نحبذها أو ندعو لها.

هجرة الأنبياء

الرد الديني يأتي من الأنبياء وهم المدعومون إلهيا، فقد هاجروا من مواطنهم هم أيضا، تارة حماية لدينهم ولتجنب طغيان حكام بلدانهم والمتنفذين فيها وشدة بطشهم وما فيه من إيذاء وعذاب وطرد ونفي وسبي، وتارة لأخذ الاستعدادات وإعداد العدة لنشر الدين بين الناس سلما أو حربا وعتقا للضعفاء من براثن الظلم والعبودية، بينما كانت غاية الهجرة عند الأنبياء هي حماية أنفسهم وأتباعهم من أجل أن يبقوا أحياء حتى يمكنهم الله من إتمام دعوتهم.

وما زالت تلك هي أساليب القهر الرئيسية عند الطغاة لإيذاء الدعاة والمصلحين والخيرين ودعاة العدل والحرية والديمقراطية، بل وأضافوا عليها المحاكمات الجائرة التي تقضي بحرمان المعارضين من الحق في الحياة، تماما كما فعل فرعون في سجن سيدنا يوسف وإن كان طغاة اليوم هم أشد منه قسوة وظلما وفجورا!

وكان ممن هاجر من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وصالح وموسى ومحمد عليهم جميعا السلام، بينما تم تهديد سيدنا شعيب بالنفي، في حين تم سجن النبي يوسف عليه السلام، فيما استخدم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الهجرة مرتين، الأولى حينما أمر أنصاره بالهجرة للحبشة، والثانية حينما هاجر هو مع أنصاره من مكة للمدينة.

وهذا إبراهيم - عليه السلام - هدده أبوه بالرجم أو بالطرد، وهذا لوط - عليه السلام – طالبوا بأن ينتهي عن دعوة الناس للحق أو يخرج، لكنه لم ينتهِ ، بل أعلن أنه يبغض عملهم ، هنا جاءه الوحي يأمره بالهجرة، وترك هذه القرية العاصية.

هجرة السياسيين

ولما لا يهاجر السياسيون ليناضلوا من الخارج في حين فر قبلهم رجال الدين أصحاب الصيت والأتباع، بل وفر العسكريون القادرون على المقاومة عسكريا، بينما هاجر الأنبياء والرسل المدعومون من رب العالمين والذين إذا دعوا الله بالسلامة والتمكن لاستجاب لهم؟

فلكل دولة عسكرية في العالم بأسره – وهذا النوع هو جل نظم حكم عالمنا العربي تقريبا – توجد أحزاب سياسية تناضل من الخارج لاستعادة الديمقراطية فيها، أو حتى لتدشينها وإسماع صوتها ومطالبها للنظام الحاكم أو للشعب ، مهما اختلفنا أو اتفقنا حول تلك المطالب ..

وكان من أبرز هؤلاء السياسيين مثلا رجل الدين الشيعي الإمام الخوميني الذي قاد معارضته السلمية لنظام الشاه الإيراني من فرنسا ، ولما اختمرت الثورة في وجدان الناس هناك عاد إليها محررا، والشيوعي فلاديمير لينين الذي قاد الثورة البلشفية من سويسرا وغيرهم الكثيرون.

علما بأن الاغتراب عن البلاد لم يكن أبدا ميزة بل كان عقابا بدليل أن الاستعمار كان يعاقب السياسيين المناوئين لسلطته بالنفي.

..............................................

الثلاثاء 16 يوليو 2019 20:51

حول الاستخدام السياسي للرياضة

سيد أمين


بعد وقبل وأثناء كل جريمة سياسية مباراة لكرة قدم، وبقدر حجم  وأهمية المباراة تكون الجريمة، هذا هو الحال في أغلب دول وطننا العربي عامة وفي مصر خاصة، ولم يعد خافيا على أي راصد الربط المذهل بين استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي قبيل أيام من بطولة كاس الأمم الأفريقية وفي نفس يوم إعلان فوزه بانتخابات الرئاسة عام 2012،  وما تلاه من رفع أسعار الكهرباء والوقود والمياه ورسوم النقل والعديد من السلع، وتمرير العديد من القوانين المرفوضة شعبيا ومنها قوانين بيع الجنسية مثلا، كل ذلك حدث أثناء إقامة مباريات تلك الدورة الرياضية.

الاستخدام السياسي للكرة لا يخفى على أحد مطلقا، بل إن يد الأمن امتدت لمسافة طويلة في التحكم في مشاهير تلك اللعبة وتوجيههم أو صناعتهم ووأد من لا يسير على نهجهم، وهناك أيضا من يتحدث عن أن النفوذ السياسي امتد حتى في نتائج القرعة والمباريات باتفاقات سرية مع الحكام وفي تشكيلات الفرق وغيرها خاصة أثناء الأحداث السياسية الساخنة، خاصة إن كان من شأن ذلك إشباع عواطف ورغبات قطاعات من الجماهير في الشعور بالانتصار، وهو الشعور الذي إن لم يتحقق في الكرة قد يتحقق في مجالات أخرى أهمها السياسة. كما أنه من المهم جدا صناعة ولاءات فكرية تقدم جاهزة لحشود الشباب بدلا من تركهم يقومون بتكوين تلك الولاءات بأنفسهم وما ينطوي على ذلك من مخاطر سياسية.

وتحاول تلك النظم أيضا ترسيخ اعتبار وجود هذا المنتخب وانتصاراته كدليل قاطع لا يقبل الشك على وطنية القيادة السياسية وعلى عظمة إنجازاتها، وعن نهوضها بالبلاد، محاولة أيضا عبر ابتداع تلك النماذج من الوطنية الزائفة إخفاء فشلها أو تأمرها على شعبها.


نماذج سريعة للاستغلال

ولعل ما تردد مؤخرا عن قيام رأس الحكم في مصر بتوبيخ نجم ليفربول محمد صلاح مؤخرا بسبب إصراره على الارتباط بالنجم المغضوب عليه من تلك السلطة محمد أبو تريكة صحيحا، خاصة أن توجهات الرجل المدافعة عن القدس وعن المسار الديمقراطي في مصر لم تكن ظاهرة أو متوقعة لديه من قبل وإلا لكانوا تدخلوا مبكرا لمنعه من تحقيق مكانته تلك.

وعربيا، هناك واقعة فريدة ظهر فيها جليا الاستخدام السياسي للرياضة، إذ طفق الصراع السري بين رموز فساد نظامي مبارك وبوتفليقة ليخرج للعلن عبر صراع دامٍ في مباراة حدثت عام 2009 في مدينة أم درمان السودانية بين منتخبي البلدين وتم إنتاج هذا الصراع ليبرر النظامان أسباب فساد العلاقات بينهما.

وأيضا يأتي ما حدث في كأس بطولة آسيا 2019 التي أقيمت في أبو ظبي حينما رفضت السلطات الإماراتية وجود مشجعين للفريق القطري واضطهدت مشجعيه ولاعبيه على خلفية الصراع السياسي بين النظامين، إلا أن المنتخب القطري رد هذا الغبن بمنتهي الاحتراف والسلمية حينما استطاع الفوز بالبطولة.


 الاقتصاد الرياضي

والحقيقة أن هناك أموالا ضخمة تضخ في سوق الرياضة المصرية والعربية، ولكن للأسف تضخها الدولة من جيوب دافعي الضرائب لتذهب إلى جيوب قلة من الإعلاميين والصحفيين وطواقم العمل الرياضي.

ولما انكشف هذا الاستنزاف الرياضي راحت تلك النظم تشيع أن اهتمامها بتنظيم المباريات وإنفاق الملايين عليها، رغم الجهل والفقر المستشري، يأتي لكونها نشاطا اقتصاديا، وأنها يمكن أن تتقوت كدول كثيرة من ريع هذا العمل وتجهزه ليكون مصدر دخل قومي!

ومصيبة المصائب أن التوجيه الإعلامي الذي تمارسه تلك النظم نجح في إقناع الملايين بأن المواطن "الصالح" هو ذلك المواطن المنغمس بالاهتمام الرياضي ببساطته ووداعته وسلميته وخدمته لنفسه وللمجتمع، والمنسحب من الاهتمام بالشأن العام لبلاده، لا سيما السياسي منه، العازف عن الخوض في غمار الأشياء المعقدة التي تضر ولا تنفع، والتي لا يمارسها إلا مأجور خائن من خونة الأوطان "الطالحين".

كما تروج الميديا" دائما لعقد مقارنة ليست في محلها بين انغماس المرء فى تشجيع الرياضة وبين أن ينضوي في قائمة "الحشاشين" و"المدمنين"؟ متجاهلة عشرات الخيارات الأخرى.

والحقيقة أن هناك شبابا واعيا ووطنيا ومثقفا ومع ذلك يحبون مشاهدة الرياضة ولا يمارسونها، رغم أنهم لم يقعوا ضحية لتضليل الإعلام وتوجيه السلطة، ويرون أن هذا القمار قمارا محمودا لا ضرر منه، وإلا ما ميز المشجع لاعبا عن آخر بسبب ثقافته وسلوكه فضلا عن أدائه الرياضي.

وفي المقابل أيضا، هناك قلة من النظم تهتم بتنمية وعي شبابها ورفاهية مواطنيها ومع ذلك تهتم أيضا بتنظيم مهرجانات الرياضة.

ومن شواذ القاعدة أيضا أن نظاما عربيا سابقا راح يحظر بث مباريات كرة القدم إعلاميا ويحظر وجود المشجعين في الملاعب أصلا وقال إن الكرة من يلعبها.


الرياضات الجماعية لا الفردية


لكن قوى الحكم المحلية الاستبدادية شجعت الرياضات الجماعية ككرة القدم مثلا ورسخت مشاهدتها - لا لعبها - في عقول البسطاء وراحت تضفي على فعالياتها صفة الوطنية، فصار المنتخب المحلي منتخبا وطنيا وصار فوزه من الأعمال الوطنية الكبرى التي ينبغي على الوطنيين الشعور بالمجد والفخار إزاءها.

ولعل السبب وراء التشجيع المتزايد من قبل تلك النظم للرياضات الجماعية لا الفردية هو عدم رغبتها في خلق زعامات فردية قد يتعلق بها الجمهور فتمثل صوتا قد يعلو على صوت القيادة شخصيا التي لا يجب أن يعلو صوت على صوتها، ولذلك راحت "الميديا" الصهيونية تحارب نجومية الراحل "محمد على كلاي" بسبب إسلامه، فيما جرى التركيز على نجوم الشذوذ وأغاني البوب وغيرها.

وأيضا ظاهرة حب الجماهير لـ "أبو تريكة" لاعب كرة القدم الشهير والمعروف بمعارضته للنظام العسكري الحاكم في مصر مثال جيد على مدى خطورة "الزعامات الرياضية الفردية"، وذلك لأن الجماهير أيدت سلوكه وتوجهه الفكري قبل أن تؤيد سلوكه الرياضي، وقد نجح الرجل في الحالتين.

كما أن السلطة حاولت مرارا استثمار شعبية النجم محمد صلاح في عدة مواضع أهمها الادعاء بتبرعه لصندوق "تحيا مصر" وهو ما تم نفيه بشكل أو بآخر ثم مطالبته بتأييد انتخاب السيسي لولاية ثانية، ثم محاولة استثماره سياسيا في موضوع شركةwe .

.............................................

يوليو 15, 2019

السر الحقيقي في أزمة الصحافة المصرية

سيد امين

تتعالى أصوات من داخل إعلاميي النظام الحاكم حاليا في مصر تردد أن غالبية أعضاء نقابة الصحفيين المصريين حاليا ليسوا بصحفيين حقيقيين، وأنهم حصلوا على عضوية النقابة حينما كانت حكرا لتيارات سياسية معينة كاليساريين والإخوان المسلمين حينما كانت شخصيات منهم تهيمن على النقابة في فترات سابقة، ومؤخرا قال أحد هؤلاء في برنامجه على احدى الفضائيات أن 80% من صحفيي مصر ليسوا أصلا بصحفيين.

ورغم أن الإعلامي صدق في جزء من كلامه، إلا أنه على الأرجح لم يكن يقصد هؤلاء منتحلي الصفة، ولا الذين حصلوا على عضوية النقابة بالواسطة والمجاملة وأحيانا بالرشوة، ولا من دست بهم الأجهزة الأمنية بين الصحفيين، ولكنه قصد هؤلاء الذين لديهم مواقف سياسية وفكرية مناوئة للسلطة، وهو في الحقيقة الدور الواجب على الصحفي الحقيقي كمراقب للمجتمع وناقل لنبضه وليس كموظف لدي السلطة ومهلل لإجراءاتها.

معركة سلم النقابة

والحقيقة أن هناك فعلا أعدادا كبيرة من أعضاء نقابة الصحفيين ممن لم يكتب أحدهم خبرا أو مقالا في حياته المهنية كلها، بل أن كثيرا منهم لا يجيد حتى القراءة والكتابة بشكل لائق بممتهن تلك المهنة، لكن السبب في هذا الخلل لا يعود كما تريد أبواق السلطة إيهامنا لفساد المعارضة، ولكن إلى فساد السلطة التي أرادت في لحظة ما، وفي خطوة غير مسبوقة، منح قطاعا كبيرا من المرشدين الأمنيين عضوية تلك النقابة مع مجموعات أخرى من “المشتاقين” و”السبوبجية”، من ثم مواجهة متظاهري سلم النقابة الذين صاروا شوكة في قلب رأس السلطة تسبب لها إحراجا عالميا بالغا بسبب قلة أعداد مناصريه من هذه الفئة التي دائما ما تجذب أنظار الرأي العام العالمي.

وبالتالي فإن الزج بتلك المجموعات الدخيلة يمكنها مع زيادة أعدادها انتزاع هذا السلم وتحقيق التوازن ليصبح لمبارك أعداد كبيرة من الصحفيين المؤيدين، وان ليس كلهم من المعارضين له، وأن الجميع كمؤيدين سواء أو معارضين يتظاهرون بحرية تامة

ونجم عن هذا سيادة نمط ذلك الصحفي الذي يحفل سجل حياته المهنية بكل ما هو مدح وإنشاد وتطبيل للسلطة في كل شيء وعلى أي شيء، فيكره ما تكره ويحب ما تحب، وينفذ ما تريد، ويدعو لما تدعو، وللأسف فان هذا النوع من الصحفيين “المحمولين جوا للمهمات الوطنية العسيرة” هو من يسيطر على المناصب القيادية في هذه المهنة، بينما الموهوبين بلا عمل.

ديمقراطية مشبوهة

حدث ذلك في مواجهة الغضب الذي كان يحتدم شعبيا وحتى داخل بعض الجهات السيادية للدولة التي كانت تخشى من قيام مبارك بنقل السلطة فعليا لابنه جمال الذي كان يحكمها بالفعل سرا، وتفويت ما تعتبره حقها الذي ورثته من السابقين في احتفاظها بكرسي الرئاسة والجهات والوزارات المتنفذة، ومن المرجح أن ما جرى في نقابة الصحفيين جرى أيضا في العديد من النقابات لا سيما النقابات المهنية.

لكن ماذا جرى؟

كان المشهد قبل عام 2005 لا يحوي في مصر إلا صحيفتين أو ثلاثة صحف خاصة، يتمتع بعضها بهامش يجيز لها انتقاد الخفير و”مكتب” الوزير، في عمليات كانت موجهة امنيا في الغالب لإعطاء صبغة أجواء الحرية الصحفية، ومن أجل إلهاء الناس بنزاعات مفتعلة، ثم مع اتساع رقعة الرفض الشعبي للسلطة المستبدة توسعت رقعة الانتقاد المسموح به لتشمل الوزير وحتى رئيس الوزراء، ثم عمدت السلطة إلى اصطياد عدة عصافير بحجر واحد وهي فتح باب إنشاء الصحف الخاصة والحزبية بشروط ميسرة، وهو ما يمكنها من استغلال الإجراء دعائيا للتدليل على اتساع سقف الحريات الصحفية والعامة في مصر على نقيض ما يروج له المعارضون، لكنها تستغل ذلك سرا في تأسيس أعداد كبيرة من الصحف لتكون سببا في قيد ألاف الموالين لها في نقابة الصحفيين وما أن أنجزت المهمة حتى توقفت تلك الصحف بزعم التعثر.

كان الصحفيون يتندرون أن هناك صحفا قيدت إعدادا من الصحفيين المزعومين بنقابة الصحفيين أكثر من عدد النسخ التي طبعتها تلك الصحف منذ صدورها، وأن هناك صحفيين ترقوا في مؤسساتهم بشكل تخطى الجميع رغم ضحالة فكرهم وقلة ثقافتهم، كما أن هناك صحفيين أخرين لم يعرفوا إلا بقدرتهم العجيبة على تعيين الناس في المصالح الحكومية وقضاء حاجيات يصعب قضائها والأغرب هو تودد المسئولون لهم!

واستمر النظام الحالي على نهج سابقه، فبنظرة سريعة على تطور أعداد الصحفيين المقيدين بجداول النقابة ستكتشف أنها قفزت في السنوات العشر الأخيرة لتقترب من ضعفي العدد الذي كانت عليه طوال تاريخها، فيما تناقصت أعداد الصحف الصادرة وصار غالبية الصحفيين بلا عمل أو يعانون من بطالة مقنعة خاصة في الصحف القومية.

لكن ما يخيفني أن تكون تصريحات إعلاميي النظام تلك هي تمهيد لخطوات ضد الصحفيين المفصولين والذين هم بلا صحف والمعارضين بحجة أنهم صحفيين دخلاء على المهنة رغم أن حبهم للمهنة هو من جعلهم كذلك

..................................................................................................

يونيو 25, 2019

أبدًا لم يرحل أيقونة ثورة مصر

سيد أمين 

رغم طعم المرارة في الحلق إلا أنه لم يفاجئني قط خبر استشهاد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر في محبسه، فذلك كان متوقعًا منذ اليوم الأول لاعتقاله عام ٢٠١٣، سواء أكان ذلك بالإهمال الطبي أو حتى بدس سم ممتد التأثير ومتراكم المفعول في طعامه وشرابه على غرار ما حدث مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وذلك لأن صمود الدكتور محمد مرسي في محبسه وامتلاكه صك الشرعية التي تسلمها من أشهر انتخابات نزيهة في تاريخ مصر ظلت طيلة ستة سنوات من الانقلاب هي الحائل الأكبر دون أن يهنأ النظام الحاكم بانقلابه، وأداة الابتزاز الكبرى التي تمارسها كل نظم العالم شرقًا وغربًا عليه، فضلا عن أن ما يمتلكه مرسي من معلومات وشهادات كانت تشكل “تهديدًا” لآخرين، وهى ما عبر هو – رحمه الله – عن وجودها في إحدى أشهر التسريبات الصوتية لمحاكمته، مؤكدًا أنه لديه معلومات كثيرة تفيد أنه مهدد بخطر القتل وأنه أيضًا يهدد آخرين.

ربما تلك المعلومات التي كان يملكها مرسي ويريد البوح بها للمحكمة ولو في جلسة سرية كانت مدعاة للعمل على منع وصول صوته للجماهير أو حتى للمحكمة وهيئة دفاعه وأسرته، تارة عبر العوازل الزجاجية الجبارة التي قد تتحكم في وصول الصوت من عدمه، وتارة عبر منعه من لقاء أسرته طيلة ستة سنوات سوى ثلاثة مرات فقط تحت ضغوط دولية كما يتردد، وكذلك منعه من مقابلة هيئة دفاعه لفترات طويلة، وتارة ثالثة عبر منع وصول صوته للجماهير في تلك المحاكمات عبر منع إذاعة محاكماته بزعم إمكانية تواصله مع الإرهابيين من خلالها، ناهيك عن حرمانه من الرد على سيل الاتهامات التي يروجها الإعلام المصري عنه من طرف واحد.

والواقع أنه بعد كل جريمة سياسية مباراة كرة قدم، وقبل كل جريمة سياسية مباراة لكرة القدم، وبقدر حجم المباريات تكون الجريمة، هذا هو الحال في أغلب دول وطننا العربي عامة وفي مصر خاصة، ولم يعد خافيًا على أي راصد نابه الربط المذهل بين استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي قبيل أيام من بطولة كأس الأمم الأفريقية إلى جانب تواجد عدة قرائن أخرى منها أنه استشهد في مشهد واضح أنه أعد بدقة ليكون علنيًا في جلسة محاكمة وفي شهر يونيو الذي يتخذه النظام لاستدعاء ظواهر توطيد حكمه كدعاية لنجاحه السياسي، والمدهش أن مرسي استشهد في نفس اليوم الذي اعلن فيه فوزه في الانتخابات عام 17 يونيو 2012 قبل ستة سنوات.


أيقونة الثورة


كما كان مرسي أحد أهم من اعتقلتهم السلطة حين تفجرت ثورة يناير، كان هو أيضًا نتاجًا لأول انتخابات ديمقراطية شهدتها مصر بعد الثورة، وكان صموده وثباته ورفضه لكل إملاءات الغرب أثناء عام حكمه تمثيلًا صادقا للثورة ومطالبها المنادية بالاستقلال ورفض التبعية، فضلًا عن أنه كان تعبيرًا صادقًا عن دولة الحرية والديمقراطية التي تمنتها الثورة والتي تتيح لكل مواطن أن ينتقد رئيس الجمهورية ليس عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ولا في مظاهرات وندوات واعتصامات وخلافه، بل أيضًا في وسائل إعلام الدولة ذاتها دون خوف أو وجل، ثم كان صمود مرسي في محبسه بعد الانقلاب ورفضه التسليم بسلطة الأمر الواقع سببًا في استمرار روح الثورة في قلوب المصريين حتى الآن رغم القمع المفرط الذي استخدمته الثورة المضادة طيلة تلك السنين الطويلة.

كل ذلك جعل الرئيس مرسي استحق بجدارة لقب “أيقونة الثورة” حتى وأن كلفه ذلك حياته وحرية أسرته ولولاه لكانت ثورة يناير حلمًا من أحلام الكرى أمن المستبدون استحالة تكرارها.

وكأن الرجل تزوج زواجًا كاثوليكيًا من حب الوطن للدرجة التي جعلت آخر كلماته في المحكمة “بلادي وأن جارت علي عزيزة” ليرد ردًا بليغًا موجزًا على سيل اتهامات التخوين التي أطلقها إعلام الثورة المضادة والتي حرموه أيضًا من تفنيدها.


تخليد ذكراه


كنت اعتقد أن السلطة الحاكمة في مصر أكثر ذكاء من أن تدفن جثمانه ليلًا وسرًا ودون حضور إلا عدد قليل من أسرته، كان يمكنها أن تتجنب الجنازة الشعبية الواجب إقامتها له التي تخشاها إلى إقامة جنازة عسكرية كما تفعل مع كل رئيس لمصر، وهو ما توقعته خاصة أنه رأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم منصبه، لكن ما حدث كشف عن أنهم يخشونه حيًا وميتًا وتجاوزوا القانون والدستور والعرف في كل إجراءات التعامل معه.

فعل الأمريكان ذلك مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، تعمدوا تشويه صورته بكثير من الادعاءات، وضعوه في حفرة ثم أخرجوه منها لكسر هيبته – رغم أنهم تركوه يرد على الادعاءات على عكس ما حدث لدينا – لكن الاحتلال زال فيما مثل الرجل أسطورة عربية، وأيقونة الوطنية ليس في العراق فحسب بل لدي كل الشعوب الطامحة في الاستقلال في العالم، ولذلك سيخلد التاريخ مرسي كما خلد ذكر صدام وخلد من قبله عمر المختار وأحمد عرابي وغيرهم.

شئنا أم أبينا فقد دخل مرسي التاريخ من أوسع أبوابه، وموته لن يقضي على ثورة يناير بل سيفجرها من جديد، فقد زال السبب الذي استخدمته السلطة للحفاظ على حالة الانقسام التي صنعتها في المجتمع المصري، وأصبح الجميع يد واحدة من أجل استكمال ما بدأوه عام ٢٠١١ ولم يستكملوه، خاصة أن القدر يغلي بالغضب.

..............................................................

يوليو 27, 2019

تساؤلات حول الزعيم

سيد امين

لم اندهش أبدا من مشاركة نتنياهو في احتفالات “ثورة” 23 يوليو1952 بالسفارة المصرية بتل أبيب، ولا من كلمته فيها التي جاءت كوصلة غزل فيها وفي رأس الحكم الحالي، ولا من الفرحة التي نطقت بها ملامح وجهه قبل كلماته، فهذا يؤكد ما ذهب له الناقل والعاقل وهم كثر بأنها كانت ثورة أمريكية من أجل الإطاحة بالملك الذي تحالف مع الألمان في الحرب العالمية الثانية سرا، ومن أجل التمهيد لصناعة استقلال وهمي وطرح نظام عسكري تدعم كل تصرفاته الكيان الصهيوني.

منذ فترة طويلة انتشر على شبكة الإنترنت فيديو لمقابلة أجراها السفير المصري لدى الولايات المتحدة محمد كامل عبد الرحيم عام 1953 مع التلفزيون الأمريكي أكد فيها لمحاوريه أن مصر يمكنها تجنيد حتى مليون جندي وأنه يمكنهم أن يكونوا تحت تصرف الولايات المتحدة شريطة أن تساعد في الإنفاق عليهم، وقال أن مصر ليس لديها عداء مع إسرائيل (1) ليكون هذا هو أول دليل مادي على أن عبد الناصر كانت تربطه علاقات جيدة بأمريكا لم تتوقف عند المعونات الغذائية وذلك على عكس ما عرف ويشاع حتى لو فسرها البعض في طور البرجماتية السياسية ، ثم توالت الشهادات وصولا للفيلم الشهير بـ “الملاك” (2) والذي يروي تفاصيل عن عمالة أشرف مروان لإسرائيل ما ألقي بمزيد من التساؤلات حول الرئيس الذي يعادي إسرائيل ويعمل على حماية مصر والوطن العربي كله منها بينما يعمل زوج ابنته الكبرى جاسوسا لها.

وفي خضم ذلك جاء سجال العام الماضي الذي دار بين أمين الجامعة العربية الأسبق عمرو موسى والذي كان يسوق نفسه من قبل كدبلوماسي ناصري الهوى وبين عبد الحكيم نجل الزعيم، حيث شكك الأول في انحياز والد الثاني للفقراء (3)، وهي من أقوى الصفات التي يشهد بها له المصريون ممن عاصروا حقبته، ثم بلغت المفاجآت ذروة تشويقها حينما قالت نجلته الكبرى منى أن والدها لم يكن أصلا يعتبر إسرائيل العدو الأول للعرب بل بريطانيا والإخوان، لتضربه بذلك في مقتل لدي من أيدوه بشدة لشعاراته المناهضة لهذا الكيان(4).

وليس ذلك فحسب بل نقلت التسريبات فيديو تتراقص فيه في حفل زفاف ابنها أحمد أشرف مروان بحضور ما قيل إنه ديفيد جوفرين السفير الصهيوني نفسه (5)، وهو ما عزز لدى البعض رواية فيلم الملاك، وعززتهم معادلة منطقية تدعم أن الوطنية والنضال لا يتيح للمرء امتلاك المنتجعات الفارهة كما هو الحال عند مروان، ما دفع أسرة “مروان” لإصدار بيان يكذب الواقعة ويقول إن من قالوا عنه أنه السفير الصهيوني هو العريس نفسه.

وتأتي كل تلك التساؤلات في ظل التساؤل الكبير القديم حول تنظيم الضباط الأحرار الذي قاد انقلاب يوليو 1952 وكان عبد الناصر أبرز قياداته حيث يعتقد كثير من المراقبين أنه تنظيم صنع في دوائر الاستعمار البريطاني إما بالأمر المباشر أو عبر الخداع المخابراتي، وأن الهدف منه ومن الانقلاب لم يكن تحقيق استقلال مصر، ولكن تعيين وكلاء محليين ضمن خطة طويلة الأمد في تغيير شكل الاحتلال المباشر للاحتلال بالوكالة.

ومن جانبها راحت صفحة إسرائيل الرسمية على الفيس بوك “إسرائيل بالعربي تزيد الطين بلة بقولها إن ” إسحاق رابين رئيس وزراء الكيان الأسبق حينما كان قائدا عسكريا التقي عبد الناصر لقاءا ودودا على الغداء خلال حرب الفالوجا عام 1948!!(6).

ثم راح يستحاق ليفانون، السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة يلفت الأنظار إلى الأخطر وهو أن المسلسل العربي المصري “حارة اليهود” يحكى في الأصل عن قصة حب بين الراقصة اليهودية ريتا وجمال عبد الناصر (7). ما يطرح أيضا اندهاشا جديدا من أن يكون حي الجمالية بالقاهرة – حيث حارة اليهود- مسقط رأس اثنين من أربعة عسكريين حكموا مصر، عبد الناصر والسيسي، أحدهما حارب إسرائيل من ناحية ويطلب دعما أمريكيا من ناحية أخرى، والأخر باع كل مصر من أجل السلام الدافئ معها (8 و 8).

غشاوة.. زالت أو غشت

المنتقدون لناصر يقولون أن الصورة التي بدا عليها عبد الناصر إعلاميا كبطل قومي تحدى الإنجليز وقاد بلاده للحرية والتطور كانت أكبر بكثير من إفرازات حركة يوليو، وأن هناك نية مبيته لتقديمه بالصورة التي بدا عليها، كما أنه عطل المسار الديمقراطي لمصر حينما دعم مسار عسكرة الدولة داخل تنظيم الضباط الأحرار، وحتى الحروب التي يقال أنه خاضها ضد الإمبريالية كانت هي الأخرى وهم، بدءا من نكبة 1948 التي لا يعرف أحد حتى الآن لماذا سمح الإنجليز الذين يسيطرون على قناة السويس وسيناء للقوات المصرية بالعبور إلى فلسطين من خلالها، ولا نعرف أيضا كيف تحولت قضية “اختلاسات مالية” في التسليح كشفها الديوان الملكي نفسه وقدم فاعليها للمحاكمة عام 1950 إلى قضية “أسلحة فاسدة” ثم حصل مرتكبوها على البراءة عام 1953بعد الإطاحة بالملك؟!!. بحسب ما أوضحه المؤرخ العسكري أحمد حمروش وآخرون. (9)

ورغم أن هناك بعض الشهادات تقول إن عبد الناصر أصيب في تلك الحرب، ولكن أيضا تأكد للعلن أنه والأميرالاي سيد محمود طه وآخرين حوصروا في الفالوجا في أكتوبر 1948 وبعد أربعة أشهر قام إسلاميون بشن هجوم وحرروهم.

وكان عدوان 1956 غامضا ولم يفهم مغزاه، نظرا لأن بريطانيا سحبت جنودها طواعية عام 1954، فلماذا ذهبت طواعية لتعود بحرب؟ وهل حقا ما ردده البعض أن دخول بريطانيا الحرب كان لتسويق عبد الناصر كبطل قومي؟ ولماذا تركت القاهرة مدن القناة تواجه العدوان الثلاثي بالمقاومة الشعبية فقط لا غير؟

وامتدت التساؤلات الحرجة أيضا إلى نكسة 1967حيث راح البعض يقرأها أنها ليست نتيجة لإهمال من قادة الجيش، ولكنها كانت لحظة تضحية كبيرة بعرائس الماريونت من أجل تمكين إسرائيل من التمدد على رقعة أرض كبيرة لتساوم عليها مستقبلا.

وطالت الاتهامات بالتآمر جمال عبد الناصر حتى من قبل زملائه الضباط الأحرار مثل زكريا محيي الدين الذي أكد في مذكرات له أن عبد الناصر دبر 4 تفجيرات وأحداث كبرى ليلصقها بمعارضيه لا سيما الإخوان المسلمين منها حادث محاولة اغتياله في منشية الإسكندرية (10).

وقال الشاعر عمر بهاء الدين الأميري سفير سوريا في السعودية عام 1954 في حديث قديم له لمجلة المجتمع الكويتية: أن السفير الأمريكي وودس وورس زاره في مكتبه ذات مرة وكان يعرف بتعاطفه مع الشعب الفلسطيني ودار بينهم حديث حول الإخوان الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام في مصر ومدى التواطؤ الغربي في الوقائع، وان من ضمن ما قاله إن مهمة الضباط الأحرار هي تجميد القضية الفلسطينية لمدة عشرة سنوات.

إصلاحات ذات وجهين

الجميل حقا في عصر عبد الناصر أنه تميز بالإصلاحات الكبيرة ونمو الروح الوطنية التي نفتقدها الآن، إلا أن البعض يقرأ الأمر من زاوية أخرى تتهمه بقهر فئات من المجتمع، وأن الكثير من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي قام بها، تحتمل التأويل وهو ما يتفق مع رؤية عمرو موسى.

فمجانية التعليم التي نسبت إليه، أقرها أصلا رئيس وزراء الملك أحمد نجيب الهلالي عام1944، وقوانين الإصلاح الزراعي التي أنصفت الفلاح بحق، فتتت الرقعة الزراعية المصرية بشكل خطير، وكان يمكن إنصاف الفلاح بان تظل تلك الرقعة كتلة موحدة ملكا للدولة – وسياسة التأميم مستعرة آنذاك – ويظل الفلاح عاملا عليها بأجر كبير أيضا.

حتى عشوائيات القاهرة الكبرى الحالية يحيلونها لحقبة عبد الناصر وأنها تمددت والتهمت مئات الآلاف من أفدنة الأراضي الزراعية الخصبة، وكان يجب على الدولة توجيه هذا التمدد إلى الصحراء وتخطيطه بدلا من صناعة قنبلة حزام العشوائيات الحالية.

***

لكننا لا زلنا نتمسك بأهداب الأمل، فكل تلك التساؤلات تبقى لغزا يحتاج إلى إجابات لتكشف لنا ما جرى في تلك الحقبة لنعرف حقيقة عبد الناصر، هل كان صرحا شامخا، أم فقط صرح من خيال؟

شخصيا أتمنى أن يكون عبد الناصر لا زال صرحا شامخا، فنحن في حاجة إلى رمز مثله.

................................................................................

الجمعة 26 يوليو 2019

فخاخ الديمقراطية العربية

سيد أمين

تستخدم الديمقراطية ونظام حكم الأغلبية في كل بقاع العالم أسلوب إدارة يستنبط منه رغبات الناس وتوجهاتهم في الطريقة المثلى التي يرونها لإدارة شؤون بلادهم، وقد رسخ في وجدان المجتمعات الغربية أنه لا بديل عن اللجوء للمسارات الديمقراطية وإلا فإن البديل سيكون العودة لعصور الظلمات.

أما المجتمعات العربية حيث تهيمن عليها النظم العسكرية والاستبدادية، فان للديمقراطية استخداما أخر، ألا وهو اعتبارها مجسات لمعرفة من يؤيدون هذه البدعة وأعدادهم ومواطن قوتهم من ثم الانقضاض عليهم وتغييبهم في سراديب السجون والمنافي أو إبادتهم وإلباسهم رداء الخيانة وإعطاء من يفكر بالطريقة نفسها درسا بليغا بأنه يمضي على طريق الهلاك.

المؤسف أن الغرب الذي آمن بفكرة الديمقراطية ومنتجاتها وتسببت في كل نهضته الحالية، هو نفسه من يدعم مغتالي تلك الفكرة في الوطن العربي ويحمي من يفجرون بحار الدم في وطننا من أية هبات شعبية.

مصائد عربية

ففي مصر استخدم هامش الديمقراطية الذي تم السماح به فيما بعد ثورة يناير من أجل هذا الغرض، ولما انتهي الرصد والإحصاء انقرض معه هذا الهامش ليصل لما هو أضيق مما كان قبلها، وصار كل رموزه وأحزابهم وحركاتهم في المنافي والسجون والقبور.

وفي الجزائر أقيمت مصيدة الديمقراطية وما إن وقع الصيد فيها حتى أقيمت المقاصل ووقعت المجازر وغرقت البلاد في الدم والظلام عشر سنوات سوداء، وحدث الأمر نفسه في لبنان إلى أن انتهت الديمقراطية هناك بمحاصصة طائفية مدعومة بما يشبه الوصاية الدولية لكل مكون من مكوناتها، وفي اليمن انتهت فترة الديمقراطية القصيرة بحرب طائفية ثم حرب إقليمية وغزو خارجي مدعوم غربيا، وفي ليبيا تكرر ما حدث في اليمن ولكن تم الغزو الأجنبي عبر وكيل محلى، أما المشهد السوداني فهو يسبر بخطوات المشهد المصري نفسها وقد يكون له المآل نفسه.

ولقد علمتنا الحوادث أنه ما إن يتعرض النظام الاستبدادي لموجة من الانتقادات أو المطالبات الديمقراطية حتى يسارع بالرد عليها بإعادة تصديرها في شكل صراع وطني أو قيمي، يزداد هذا الطرح قوة وتكرارا وإلحاحا كلما ازدادت حدة تلك المطالبات وارتفع صداها واتجهت إلى طريق الحسم.

وتأتى المقارنة بين قيمتي "الأمن والحرية" أو "الاستقرار والحرية" كنموذجين أوليين من تلك الصراعات القيمية التي يتم التلويح بها إعلاميا ويرافقها عادة تنفيذا عمليا على الأرض عبر وسائل الترويع المتعددة والتي غالبا ما تكون في صورة غير رسمية كي ترسخ بها هذه النظم أطروحاتها في الأذهان.

وتخشي هذا النظم أكثر ما تخشي من قيمتي"الحرية والعدالة" نظرا لكونها راسبة رسوبا مدويا فيهما أقعدها مقاعد الاستبداد بجدارة فصار ذلك وسماً لا تعرف إلا به.

كما تأتى أيضا مقارنات تتميز بالإسفاف والابتذال في مقدمة ما تروج له وسائل إعلام النظم المستبدة وكأنها مسلمات عرفت بتلازمها، مثل الربط بين الصحة التي "يمتعون" بها الفقير والمرض الذي يلاحق الغنى وكذلك السعادة التي يعيشها من لا مال له والثراء الذي لا يشعر صاحبه معه بالسعادة.

وتستمر مثل هذا النظم في طرح تلك اللامنطقيات متحاشية في الوقت ذاته التذكير بفضائل منطقية قيمتي الحرية والعدالة، بل إنها كثيرا ما تتطرق لوصم الحرية بالفوضى والعدالة بسوء التقدير وإهدار الكفاءات متجاهلة أن المرض في الغالب لا يصيب إلا الفقراء أما الأغنياء فيتغلبون عليه بأموالهم، والسعادة لا يشم ريحها الجائع.

فشل عام

والواقع أن النظم المستبدة عادة ما تكون فاشلة في احترام كل القيم حتى تلك التي تقول إنها تنجح فيها بجدارة، كالأمن وذلك لأنه لا مفهوم للأمن لديها إلا الأمن السياسي وما عدا ذلك من أمن فهو مجرد مكرمات تتكرم بها على الرعايا، وحتى مفهوم الأمن السياسي يقوم لديها على إفناء الآخر أو على الأقل إقصائه نهائيا بحجة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وهى المعركة التي لا تكون لدى مثل تلك النظم إلا ضد الشعب نفسه في اغلب الأحيان.

والواقع أن حجم الإسهامات في "خلطة" القيم يعد الفيصل الأول في تصنيف ديمقراطية النظم السياسية أو استبدادها, فقد لا يحقق نظام ما تطورا في  تداول السلطة ومع ذلك يصعب وصمه بالنظام الاستبدادي نظرا لكونه يحترم كل القيم الأخرى لا سيما قيمتي "الحرية والعدل" فضلا عن حرية التفكير والاعتقاد , ويحقق لمواطنيه السعادة والأمن وغيرها , ولعله لا يكون مصادفة أن نعتبر أن نظاما ملكيا كبريطانيا هو قلعة الديمقراطية في هذا العالم مع أنه لا يوجد به تداول للسلطة نظرا لطبيعة نظام الحكم فيها.

بينما هناك جمهوريات أخري نظامها يدعى تداول السلطة ويسمح لمواطنيه بالحريات الشخصية ومع ذلك يتصدر النظم الموغلة في الاستبداد حيث لا عدل ولا قانون ولا حرية سياسية وبالقطع لا سعادة، ولدينا جمهوريات أمريكا اللاتينية نموذجا لمجتمعات أفعمت بالحرية الشخصية من دون السياسية وغابت عنها العدالة.

خلاصة القول إن الأمم الحرة الراسخة تدوم بالديمقراطية فيما تزول الدول المستبدة بانكارها واستخدامها كفخاخ للخداع والتخبئة.

.......................................................................

الاثنين 12 أغسطس 2019 23:08

"تدويل المقدسات" الحديث الشائك

سيد أمين

على ما يبدو أن النظام العالمي، الذي يعلم الجميع من يديره، هو من يصر على أن تبقي جميع مقدسات المسلمين سواء في فلسطين أو في الأراضي الحجازية تحت السيطرة، بهدف استخدامها رهينة أو أداة ضغط لابتزاز المسلمين أو بعضهم وتركيعهم للإرادة الغربية.

فيما تظل أصداء نداءات تدويل الأراضي المقدسة أو حتى استقلال إدارتها في شبه الجزيرة العربية تتردد كثيرا على مر التاريخ الحديث وذلك خوفا على سلامة تلك المقدسات وحرصا على سهولة وحرية الوصول إليها ، أو خوفا من سوء وفساد وانحراف السلطات السياسية المشرفة عليها ، أو خشية أن تستغلها الإدارة الراعية لها سياسيا منحا ومنعا، وذلك بداية من تلك المطالبات التي نادت بها مصر واندونيسيا والهند عام 1927 مع هدم المساجد والأضرحة التي بدأت الدولة السعودية الثالثة عهدها بها ، نهاية بنداءات معمر القذافي وصدام حسين عام 1990 التي كانت ترددها اذاعة العراق انذاك وأنشد لها المطربون العراقيون الأناشيد وصولا إلي المطالبات الإيرانية المتكررة.

وامتدت الدعوى حتى وصلت للنقابات ومنها مطالبات نقابة الأئمة بتونس بذلك حتى وصل الأمر لإنشاء بعض المتحمسين منظمات تطالب بذلك ومنها "الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين" أو"الحرمين ووتش"، والتي عقدت مؤتمرها الأول في 9 من يناير/كانون الثاني قبل الماضي بأندونيسيا.

وكان حزب "مصر الفتاة" المصري أبرز الأحزاب التي كانت دعوة تدويل المقدسات سببا في تجميده.

منجم لا ينضب

لكن تلك الأصداء ترتفع وتخبو بين الحين والأخر طبقا للتداعيات الناجمة جراء إساءة استغلال النظام السعودي لهذه المقدسات سياسيا وهو له في هذا تاريخ طويل، حيث يعتبرها جزءا من ميراثه الخاص يتصرف فيها وفي زائريها كما يشاء، وليست ملكا لأمة تعدادها يقترب من الملياري مسلم، معتبرا أن دعوات التدويل بمثابة إعلان حرب، وهوما يفسر العداء الشديد الذي كانت تكنه السعودية لعبد الناصر وصدام لا سيما تجاه العقيد الليبي معمر القذافي بسبب إصراره على هذا المطلب.

والحقيقة أن المقدسات الإسلامية لا تمثل ثقلا سياسيا كبيرا للنظام السعودي فحسب بل تمثل منجما هائلا لا ينضب من الثروة لا يبذل في استخراجها أدنى مشقة، فعائدات الحج والعمرة تدر عوائد مالية ضخمة تقدر بحسب بعض المصادر بنحو 16 مليار دولار سنويا فيما قدرها مركز "بي.إم.إي ريسيرش" - إحدى شركات مجموعة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني - بنحو 12 مليار دولار وذلك من خلال حجوزات الفنادق والمواصلات والهدايا والطعام والرسوم وغيرها.

هذا المعين الذي لا ينضب شجع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على طرح خطة لتنويع مصادر الدخل بالمملكة لتستقل عن النفط وتركز على "السياحة الدينية"، حيث يقصد المملكة بسبب تلك المقدسات نحو 20 مليون حاج ومعتمر سنويا، وهناك خطط للوصول بهم إلى 30 مليون حاج ومعتمر في رؤية 2030 التي يروج لها الإعلام السعودي.

المنع والتضييق

وتأتي إجراءات المنع والتضييق والترويع التي اتخذتها السلطات السعودية تجاه حجيج دولة قطر وقيام الإعلام السعودي بتخيير القطريين بين خيانتهم لوطنهم أو الحج، كواحدة من تلك الإجراءات التعسفية التي تخلط فيها بين ما هو ملك لها وما هو ملك للإسلام والمسلمين.

ورغم أن قطر من أكثر دول العالم التي اتهمتها السعودية بالسعي لتدويل المقدسات، إلا أن الواقع يقول أن قطر رغم أنها هى الدولة الوحيدة التي مورست ضد حجيجها أوسع الانتهاكات من قبل السلطات السعودية ، ومع ذلك لم تطلب من الأمم المتحدة آو اليونسكو أو أية جهة أخرى تدويل الأراضي المقدسة و- هو مطلب مشروع لها ولغيرها - واكتفت بمطالبة تلك المنظمات الأممية وقف استمرار استغلال السعودية لهذه المقدسات بشكل انتقائي خاصة بعدما فشلت الوساطات، وغيبت الجامعة العربية ، وأصاب الشلل مجلس التعاون الخليجي، وتعاظمت المضايقات لحجيجها، ورفضت الجِهات المسئولة عن الحَج في السعوديّة تسجيلهم الكترونيًّا، وتأمين سلامتهم، خاصة بعد حَصْر ذهابِهم وعودتهم لأداء مناسك الحج عبر طريقين مَحدودين وغير مباشرين، واستخدام شركات طيران أخرى غير الخطوط الجوية القطرية وهو ما حدث العام الماضي، وهذا يَعني "تَصعيب" سفر الحجّاج القطريين والمقيمين.

والواقع أن هذه المضايقات والإهمالات تتم مع حجيج كل دولة أو جهة أو طائفة لا تتفق وهوى الإدارة السعودية، وهو ما لفت نظر الهيئة الأمريكية للحريات الدينية الدولية (USCIRF) ، فراحت تسلط الضوء عليها وتصفها بالانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية خاصة ضد الشيعة ، وهو أيضا ما جعل طهران تؤكد تعرض حجيجها للكثير من تلك المضايقات والتي تسببت في أحد المرات عن مقتل 500 حاج إيراني رميا بالرصاص المباشر بعد مشاركتهم في مظاهرات البراءة من تل أبيب ، وقبلها قتل أيضا 1500 آخرين في نفق المعيصم عام  1990 ووقائع أخري متعددة.

ولقد وصل الاستخدام السياسي للشعائر المقدسة أن قام أحد أئمة النظام السعودي في فبراير 1998بسب الشيعة وتكفيرهم، بينما كان الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني أحد المصلين خلفه في خطبة الجمعة بمكة المكرمة، وبالطبع كلنا نعرف أن لا شيء هناك يحدث إلا بتوجيه خاصة مع السجال الدائم بين إيران والسعودية.

وفي عام 2006 قامت الإدارة السعودية بمنع الحجاج العراقيين من الحج وراحت تخوض سجالا سياسيا مع تلك الحكومة الحليفة لطهران، كما أنها لذات السبب منعت الحجاج السوريين من الحج لبضعة سنوات على التوالي رغم عدم الإعلان عن ذلك رسميا، وهو الأمر نفسه الذي اتبعه مع الحجاج اليمنيين الذي تخوض السعودية حربا شرسة ضد بلادهم.

ومن المدهش ان تمتد المضايقات للدرجة التي تجعل السلطات السعودية تمنع حجاج بعض الدول من العودة بقارورات مياه زمزم أو التصوير داخل الحرم.

ويتعرض الكثير من الحجاج لاسيما اللاجئين السياسيين المعارضين للدول الحليفة للسعودية للاعتقال وتسليمهم لدولهم.

دلائل التملك

وتشير وقائع التاريخ أن السلطات السعودية تعتبر منذ نشأتها أن المقدسات الإسلامية التي تحت رعايتها هي ملك لها، بدليل أن من أوائل القرارات التي أصدرها الملك المؤسس عبد العزيز أل سعود بعد قيام الدولة الثالثة عام 1929 قرارا لا يزال معمولا به حتى الآن يقضي بأنه "لا يسمح بعقد اجتماعات لمناقشة الدين أو المسائل الدنيوية الخاصة به من دون موافقة من الملك".

ومن دون استشارة المسلمين، قامت الدولة السعودية بعد تأسيسها بهدم الأضرحة والآثار الإسلامية، حتى طال الأمر هدم البيت الذي ولد فيه الرسول في مكة المكرمة وضريح السيدة خديجة وبيت أسد الله حمزة وجميع بيوت أل البيت، فضلا عن هدم غار ثور وسد غار حراء بالصخور، كما هدموا المساجد التي تركها العثمانيون بحجة أنها مساجد صوفية رغم أنها ليست بها أضرحة، واحتج المسلمون حول العالم لكل ذلك لكنهم استسلموا على ما يبدو لضغوط بريطانية.

ونقل موقع "بي بي سي" البريطاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تقريرا للكاتب المهتم بالآثار الإسلامية في السعودية أندرو جونسون تحت عنوان (مكة تحت التهديد: خطة لتدمير منطقة مسقط رأس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستبدالها بقصر ملكي كما أن 95 % من المباني والمناطق الأثرية التي تعود لآلاف السنين تم تدميرها وإحلال فنادق ومراكز للتسوق محلها، مشيراً إلى أن عمليات التوسعة دمرت مؤخرا أعمدة شيدت قبل 500 عام لتخليد ذكرى الإسراء والمعراج.

فيما أشارت الباحثة السعودية وابنة مدينة مكة هتون الفاسي أستاذ تاريخ المرأة والكاتبة في جريدة الرياض سابقا في فيديو مصور لها أن هناك تدميرا وإزالة ممنهجة للآثار المقدسة في مكة والمدينة من أجل محو هويتهما وان عامودا عرف باسم عامود المعراج يجري استخدامه كلوحة لكتابات ملاحظات البناء في المدينة.

وتدل كافة الشواهد أن الحديث حول تدويل الأراضي المقدسة في السعودية ووضعها تحت إدارة منظمة العالم الإسلامي أو أية جهة إسلامية متفق عليها، حديث غير مرض عنه غربيا بدليل أنه رغم كثرة تلك الدعوات في الغرف المغلقة إلا أن القليل فقط من الدول هي من جهرت بها.

الحقيقة أن تحرير المقدسات من هيمنة أي نظام سياسي او جماعة او طائفة او مذهب اسلامي يعد في حد ذاته امرأ مقدسا لو كنا نطلب حقا فصل السياسة عن الدين ولا يمثل ذلك عملا عدوانيا ضد النظام السعودي إن كان يريد من أمره رشدا.

............................................................

أغسطس 5, 2019

البعض يخوضونها حربًا على الإسلام

سيد امين

لا تنفصل الحروب المتكررة التي تتعرض لها تركيا بتاتا عن التوجه الذي انتحته بالانفتاح باتجاه الوطن العربي والإسلامي والعودة للثقافة الإسلامية بعد طول تغريب، وقد وعى حزب العدالة والتنمية والسيد رجب أردوغان ذلك وراح يؤكد متحديا بان تركيا دولة مسلمة وان السر وراء الحرب على تركيا هو كراهية البعض للإسلام.

ومن الواضح أن الكثير من الحروب التي تشتعل في كثير من بقاع العالم مصدرها كراهية البعض للإسلام، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشير في العديد من الأحاديث الصحفية له بأنه يعتبر “الإسلام” عدوا لأمريكا وانه ينبغي منع المسلمين من دخول هذا البلد ، وراح يؤكد بعد هجوم إرهابي نفذه مسلم “مثلي” ضد ملهى ليلي للمثليين بأمريكا أن رؤيته حول المسلمين تتعزز ، ناهيك عن اعتباره بان وجود 200 ألف لاجئ سوري في أمريكا يعني وجود 200 ألف إرهابي وان ملايين المسلمين جول العالم يحملون الحقد في قلوبهم تجاه أمريكا.

ونفس هذا المعنى ردده مايكل فلين مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي عام 2017 مؤكدا آن الإسلام سرطان خبيث في جسد 1.7 مليار مسلم يجب استئصاله كما تم استئصال النازية والشيوعية من قبل.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب قد أعلنها صريحة في تسعينيات القرن الفائت عقب سقوط الاتحاد السوفيتي بأن أمريكا هزمت الفاشية – في إشارة ضمنية لهتلر وموسوليني -، وهزمت الشيوعية، وبقيت الحرب على الإسلام، وذلك قبل أن يخرج مساعدوه ليعلنوا أنها كانت مجرد زلة لسان.

وامتد الأمر إلى مطالبة سياسيين ومشاهير غربيين – وعرب للأسف – بحذف آيات من القرآن الكريم بدعوى التحريض على العنف متجاهلين كتبا مقدسة لديانات أخرى تحمل نفس المعاني، والغريب أن التحريض على الإسلام وصل لدرجة أن البعض تظاهر يجهرون فيها بالإفطار في نهار رمضان، ما جاء كدلالة واضحة أن الحرب التي تشن باسم الحرية هي حرب علي الإسلام في الأساس.

يأتي ذلك رغم كل هذا الاحتراب وسيول الدماء المسلمة التي تنهمر حول العالم وآلاف ساعات البث في آلاف الفضائيات التي تفرغت لهدم الإسلام في النفوس وشيطنة رجال الدين الإسلامي والمتدينين المسلمين دون غيرهم بالدراما والأخبار وصولا إلى برامج الطبخ والرياضة، إلا أننا قد نجد هناك من حسان النوايا يشككون في أن هناك حربا تشن على الإسلام من الأساس، فما بالك لو قلنا لهم أنها أيضا حربا عالمية لا تقل ضراوة عن حربين عالميتين خاضتهما البشرية القرن الماضي.

ومع ذلك لا يفوتنا التأكيد أيضا انه كما يوجد في الغرب من يكرهون الإسلام ويحاربونه، يوجد كثر بينهم من يدافعون عنه أكثر من دفاع المسلمين أنفسهم عنه.

الأمصال الميتة

ومن أنجع وسائل الحرب على الإسلام استخدام فكرة “الأمصال”، وهي تلك التي تستخدم في الطب لمكافحة الأمراض من خلال حقن الخلايا أو الميكروبات الحية بخلايا أو ميكروبات أخرى ميتة فتقتلها.

وتعود أهمية تلك الطريقة لوجود إيمان راسخ لدى خصوم الإسلام استقوه من تجارب التاريخ بأنه دين لا يمكن قهره في مواجهة مباشرة نظرا لعمق تأثيره في نفوس المؤمنين به لدرجة تجعلهم يقدمون حياتهم وأغلى ما يملكون لنصرته دون ندم، وأدرك هؤلاء الخصوم أيضا أن أضمن وسيلة للنصر عليه لا تأتي إلا من أتباعه وممن ينتسبون إليه، لذلك ليس من الصدفة أن يزجر ويضيق الخناق على كل مؤمن محافظ نابه، فيما يفتح باب الإعلام على مصراعيه لكل ناعق مشكك هادم من نماذج تلك الأمصال.

وإمعانا في التضليل تسبغ تلك الأمصال الميتة بصفات تغري الناس بالإنصات إليها بوصفهم من المفكرين المجددين الذين يطرحون أطروحات مقنعة، تبدو لسامعيها منطقية للغاية، رغم أن الثابت أن الأديان عامة لا تقاس شعائرها بالعقل لكونها تتحدث في كثير من فقهها عن غيبيات تفوق قدرات ومقاييس البشر المنطقية والعقلية ولكن يجب الإيمان بها جملة واحدة نقلا لا عقلا.

النزوع الإنساني

ومن الأساليب أيضا، استبدال التعاليم الدينية بالقيم الإنسانية، وخطورة هذا الأسلوب أن الفرق بين هذا وذاك لا يلفت انتباه العامة بسهولة خاصة أن هناك تشابها ظاهريا كبيرا بينهما حتى وإن اختلف الجوهر أو تناقض.

فالزنا مثلا هو فعل محرم في الإسلام وله عقوبة مغلظة، لكن إنسانيا هو علاقة خاصة مرحب بها ولكن يجب فقط سترها، وينطبق على من يخترق هذا الستر عرف “العيب” الذي صار هو الأخر عرفا مهددا بالزوال في مجتمعاتنا.

كما أن أهم فرق بين ما هو ديني وما هو أنساني أن العرف الاجتماعي قابل للتطور والتغير والزوال أما الفقه الديني فثابت لا يمكن تغييره.

ويتم التكريس للنزوع الإنساني كبديل للنزوع الديني في الأعمال الدرامية والفنية “الراقية” والهادفة والتي تحظى باحترام المشاهدين، وفي المقابل فان الأعمال التجارية أكثر وضوحا في عدائها فهي تحطم ما هو ديني وما هو إنساني معا.

ويضاف إلى ذلك محاولة “فتكنة” الإسلام وجعله دينا للسلوك الفردي، ويؤكد مستشرقون غربيون مثل “أرنست رونان” أن الإسلام لا يبقي إلا كدين للمجتمع ـ وانه ولو حصر في السلوك الفردي فسيندثر.

تشويه بيئة الإسلام

وتشمل الحرب أيضا الإساءة إلى كل ما يرتبط بالإسلام من شخوص ورموز وعادات ودول وثقافات ولكن كل ذلك دون الإشارة إليه مباشرة. كأن تهاجم مثلا الشخصيات الرمزية الإسلامية ونصمها بالإرهاب والدموية أو إتباع أساليب الغدر والخيانة أو الولع الجنسي وما إلى ذلك من نقائص، والافتراءات التي طالت صلاح الدين الأيوبي وعمرو بن العاص وأبي هريرة والبخاري ومسلم نموذجا.

وتهاجم أيضا تراث وثقافة العرب – التي هي في الأساس ثقافة الإسلام – واتهامها بالهمجية والتخلف والبداوة وعدم مواكبة الحضارة

وكما أن اعتبار معاناة أوربا من الاستبداد وحكم إمبراطورياتها العضود في القرون المظلمة لا يعبر عن المسيحية، وجب القول إن نظم الحكم المسلمين المستبدة لا تعبر أيضا عن الإسلام الذي سبق الجميع بالحديث عن الشورى والعدل والإحسان.

ولذلك ليس مستغربا أن نصف الهجوم على الدولة العثمانية – كممثلة لدولة الإسلام آنذاك وأحد أهم أسباب بقائه- ووصمها بالتخلف والاستبداد دون الحديث عن الوضع العالمي وما فيه من استبداد أفدح، هو قدح في الإسلام.

وأيضا يتم صناعة تعارض بين القومية العربية والإسلام من خلال أحزاب وحركات تتمسح بالرداء القومي ومع ذلك تحتقر حقيقة ارتباط القومية العربية العضوي بالإسلام وتحتكر الوطنية لنفسها، وفي عكس الاتجاه تقريبا يتم السعي لتخريب علاقة الإسلام بالقوميات الأخرى بمحاولة وصمه بأنه دين العرب لا سواهم، وبعد ذلك تأتي مرحلة تعظيم الاختلافات المذهبية داخل الإسلام وصب الزيت على نارها المستعرة.

المواقع الإباحية

أما عملية إفساد المجتمعات الإسلامية فهي تجري بخطى حثيثة وراسخة من خلال وسائل الإعلام والدراما والإنترنت وغيرها، ووصلت مستوى من النجاح لدرجة أنها أثرت في شرائح واسعة من المجتمع وأقنعتها بأن الانحراف الفكري والسلوكي قد يكون حلا لكثير من المشكلات الحياتية، وتم ذلك بتواطؤ واضح من النظم الحاكمة.

وفي عام 2011 وحيث كان المجلس العسكري يحكم مصر عقب الثورة، ارتفعت أصوات تطالب بحجب المواقع والفضائيات الإباحية فخرج على الفور الخبراء المحمولون على عجالة يؤكدون استحالة ذلك ماليا وتقنيا، إلا أنه في عام 2017 مع ذروة الثورة المضادة حجبت السلطات في أسبوع واحد ما قدره 500 موقع الكرتوني وعشرات الآلاف من صفحات الفيس بوك وتويتر فقط لأنها كانت تعارض النظام العسكري الحاكم، وفي المقابل اختفت أصوات الخبراء المحمولون أو خرجت لتبرر أهمية الحجب، فيما تضاعفت أعداد المواقع الإباحية!

الإسلام يتعرض لحرب ضروس وعلى كافة الأصعدة لكن أخطر ما فيها أن المسلمين أنفسهم لا يعتقدون أن هناك حالة حرب على دينهم.

دولة الخلافة

وفي الأصل ، كانت الحدود الجغرافية الفاصلة بين مناطق تواجد شعبنا العربي أو أمتنا الإسلامية، هي نتاج لجريمة شنعاء ارتكبها ألد أعدائنا فينا بغية إذلالنا وتركيعنا وتمزيق وطننا الكبير ، وقطع أرحمنا وتفريق وحدتنا ، ثم قاوم أجدادنا بكل عزم هذه الفتنة الكبرى بوصفها عملا يتنافى مع مبادئ الوطنية وتعاليم الدين التي تلزمهم بأن المسلمين أمة واحدة، إلا أنهم هزموا، ففرضت تلك الحدود عليهم فرضا ، وكانوا يكنون لها كل الأسف والإنكار ولكنهم مع مرور الوقت اعتادوا عليها حتى جاء الوقت الذي يقيسون فيه الوطنية بمدى تقديس تلك الحدود، بل أصبح الانتماء لها أهم من الانتماء للجنس والعرق والدين والثقافة، ثم مع زيادة انحطاط عصر الانحطاط ، تبدلت المعايير وأصبحت الوطنية هي أن تقدس تلك الحدود تارة وتبرر بيعها وإهدائها وإيجارها تارة أخرى، تماما كما يفعل الوثني الذي يصنع إلها من العجوة ليعبده وحينما يجوع يأكله.

وعموما لو كان هناك فضل لأحد بعد الله في بقاء حضارة الإسلام لكان للدولة العثمانية حتى وان كانت تعبر عن حكم عضود لا يمثل مبدأ الشورى الإسلامي، فهي ظهرت في عزم تساقط الممالك الإسلامية كأعشاش القش أمام جحافل المغول القادمين من الشرق ، وسيول المتطرفين الصليبيين القادمين من الغرب والذين أبادوا كل مظهر للحياة في طريقهم في تلك الأثناء، كما أنها في ظل انحسار العالم الإسلامي وفقدانه الملايين من شعبه وأراضيه كانت الدولة العثمانية هي من تجهض العدوان تارة وتدعو للإسلام تارة في زمن كان كل شيء فيه يؤخذ اغتصابا.

شعارات الوحدة

ولأن الشعوبية هي الوضع المثالي بما فيها من ضيق أفق وانتهازية ونفاق لتمكين الإمبريالية واستخدامها كبديل عن الانتماء للوطن للأوسع والأعم توجب صناعة مرحلة وسيطة يتم خلالها نقل الناس لحالة الضيق وذلك عبر نقلهم من الانتماء لدولة الإسلام التي اعتادوها كما كان في الدولة العثمانية , ولو ظاهريا – والتي انهارت بفعل الضربات الغربية في الحرب العالمية الأولى وتغلغل جواسيسه في داخل الجيش التركي وخيانة قادة الحلفاء المسلمين العرب – إلى الدولة القومية وهى الأصغر قليلا ثم استمر التقزيم وصولا للأمة الشعب وربما الأمة المدينة في الطريق.

وينبغي هنا التأكيد أن الدولة القومية تلقي قبولا في قلوب العرب وعقولهم نظرا لاعتزازهم المعروف بأسلافهم، إلا أن هذا النوع من الدول لم يكن أيضا مسموح به إمبرياليا أيضا بدليل ما جرى فيما بعد مع صدام حسين في العراق، ولكن تم استدعاء طيفه وإفشاله ليؤدي انتقالا ناجحا للشعوبية.

لذلك فليس عيبا أن تحن كعربي إلى الوحدة العربية والعودة لحدود ما قبل سايكس بيكو، وهو ما تعلمناه في المدارس واعتبرنا أن إنشاء الجامعة العربية عام 1946 بمثابة اللبنة الأولى لها، وليس عيبا أيضا أن تحن كمسلم لدولة الخلافة الإسلامية التي اختزلنا كل تاريخها الذي استمر 6 قرون حامية للإسلام والمسلمين في العالم في نصف القرن الأخير منه، والذي بدأت فيه تنهار حينما اتبعت سياسة “التتريك” عبر الجمعية المشبوهة “الاتحاد والترقي”.

رغم أن تلك الدول هي شجعت عبر الممثل السامي للاتحاد الأوربي “كاثرين أشتون” الانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر، وهي من غضت الطرف عن جميع جرائمه وراحت تدعمه بكل ثقل لها.

هم لماذا يكرهون الدولة العثمانية دون كل الدول التي كانت قائمة آنذاك؟ هل لأنها مثلا كانت دولة غير ديمقراطية؟ إذن فليدلني أحدهم على اسم دولة واحدة كانت تعتمد الديمقراطية في هذا الوقت، وهل كانت فرنسا دولة ديمقراطية وهي تجتاح العالم وترتكب المجازر بحق شعوبه وقومياته وتخيرها بين الموت أو اعتناق دينها والتزام ثقافتها؟ هل كانت بريطانيا العظمى التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس دولة ديمقراطية؟ هل كانت الإمبراطورية الروسية دولة ديمقراطية وهي تستذل الشعوب المسلمة وتمسح هوياتهم وديانتهم؟

هل كانوا يكرهون الدولة العثمانية لأنها كانت إمبراطورية وراثية؟ فهل كانت هناك غير تلك النظم، جميع نظم الحكم كانت ممالك آنذاك إلى أن تفجرت الثورة الفرنسية لتتحول بعدها فرنسا إلى جمهورية ولكن وراثية!؟

يقولون إنها كانت دولة غير ديمقراطية، ولم يقولوا لنا أن كل نظم الحكم آنذاك لم تكن تعرف الديمقراطية، ويقولون إنها كانت إمبراطورية تخضع عددا من الشعوب والقوميات المختلفة تحت لوائها، ويتجاهلون أنها كانت مظلة لشعوب وقوميات مسلمة تكن لها الولاء والاحترام، ويتجاهلون في الوقت ذاته الإمبراطوريات الغربية التي كانت تناصبها العداء والتي استذلت شعوب الأرض وقتلتها ونهبت ثرواتها وأجبرتها على اعتناق دينها وتبني ثقافتها.

يقولون إنها كانت دولة متخلفة، مع أن أوربا لا الدولة العثمانية هي التي عاشت طيلة قرون ما يعرف بعصور الظلام.

..............................................................

الأحد 22 سبتمبر 2019

ماذا لو تنحى السيسي؟

سيد أمين

لا يعرف أحد على وجه اليقين إجابة لسؤال: هل سيبقى السيسي حاكما لمصر مطيحا كعادته بكل الدعوات المطالبة بتنحيه عن الحكم أو حتى بإجراء عمليات مصالحة مجتمعية وفتح المجال العام والإفراج عن المعتقلين ؟ أم أن هناك صراعا داخل أروقة السلطة أخذ في الاحتدام - على ما يبدو - ولن يتوقف حتى يتمكن الطرف المصارع من طي صفحته تماما.

هنا نتحدث حول الصورة التي ستكون مصر والوطن العربي وحتى الكيان الصهيوني عليها في حال خروج السيسي من السلطة.

البعد العربي

عربيا سيكون هذا الحدث ضربة قاصمة للمحور المعادي للربيع العربي، حيث سيفقد معينا كانوا يأملون في أنه لن ينضب من المقاتلين ليخوضوا من خلاله حروبهم التي أشعلوها في جميع أرجاء الوطن العربي تقريبا، لكن مع مرور ست سنوات من حكمه من دون أن يحقق لهم هذا المطلب بشكل "دافق" كما كانوا يتوهمون، فإنهم بلا شك سيتألمون كثيرا ولكن ليس لفقده بل لأنهم استثمروا فيه عشرات المليارات من الدولارات منحا لا ترد على أمل تحقيق وعد "مسافة السكة" الذي ذهب مع الريح.

وسيفقد مشروع الجنرال خليفة حفتر في ليبيا رافدا مهما من الدعم العسكري بكل تشكيلاته وأنواعه فضلا عن الدعم الدبلوماسي والإعلامي، ما يجعل من انهياره مسألة وقت خاصة أنه لا يعتمد في الداخل الليبي على ظهير شعبي حقيقي.

وسيفقد القطاع العسكري المشارك في حكم السودان بصيص أمله في وجود نصير قريب داعم له متى رغب في التملص من الاتفاق الموقع مع قوى الحرية والتغيير، ما شكل حظا حسنا لشعب السودان.

ولعل أي راصد بقليل من التأمل سيدرك أن هناك ثلاثة محاور متصارعة للسيطرة على الوطن العربي، الحلف السني المتحمس للربيع العربي وسيطرة الشعوب وداعم للمقاومة، والحلف الشيعي بزعامة إيران وهو حلف داعم للمقاومة لكن موقفه متذبذب من الربيع العربي حيث لا يوليه أهمية إلا متى خدم مصالحه، أما الحلف الثالث فهو الشرق أوسطي بزعامة اسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين وسلطة السيسي، وهو حلف كاره للربيع العربي وللمقاومة ويدعم التطبيع ويعمل على "تزعم" إسرائيل على الوطن العربي.

مع اسرائيل وغزة

أما تداعيات الحدث فيما يخص إسرائيل وقطاع غزة والسلطة الفلسطينية فهى معلومة للجميع، حيث ستمثل سقوطا مدويا لصفقة القرن ولمشروع الشرق الأوسط الجديد اللذين تتبناهما إسرائيل، وانتصارا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وسيمثل الأمر أيضا انتكاسة كبيرة لمساعي تولي مستشار محمد بن زايد رئيس دولة الامارات العربية والقيادي المنشق عن حركة فتح محمد دحلان مقاليد رئاسة السلطة الفلسطينية خلفا لمحمود عباس "أبو مازن".

البعد الداخلي

غني عن البيان أن مصر بحاجة ماسة إلى مصالحة داخلية بين مكونات الشعب المصري بعد ذلك الانقسام الوطني الخطير الذي غذته بصورة ممنهجة واساسية أجهزة اعلام السلطة عقب انقلاب يونيو/حزيران 2013 وانساقت إليه كنوع من رد الفعل وسائل إعلام المعارضة، وهو ما لا يمكن حدوثه في ظل بقاء السيسي في السلطة، حيث يتخذ من تقسيم المجتمع إلى أهل شر وأهل صلاح وفلاح، وتغذية الصراع بينهما منهجا ثابتا لاستمرار حكمه.

وأيضا المجتمع بحاجة إلى فتح المجال العام ورفع سقف الحريات السياسية وحريات التعبير والتجمع السلمي والتظاهر والاحتجاج مع استعجال الاصلاح التشريعي والشرطي والتعليمي والاقتصادي والقضائي والإعلامي وغيره، والأهم هو الإفراج عن المعتقلين ورفع المظالم عن كاهل الشعب، وهو ما لا يمكن حدوثه في ظل بقاء السيسي في السلطة الذي يتخذ من الخوف سبيلا للجم المجتمع وتطويعه لتنفيذ رؤية يحتفظ بها لنفسه.

مصر بحاجة إلى برنامج إنقاذ اقتصادي عاجل ينقذ مصر من استمرار تنفيذ البرنامج الذي يعتمده نظام السيسي القائم على الاقتراض وتراكم الديون للدرجة التي جعلت البعض يتحدث عن قرب إفلاس مصر.

المجتمع يحتاج الي برامج متنوعة في كافة المجالات تحقق تكافل اجتماعي حقيقي ينقذ ملايين الأسر من السقوط في براثن الفقر المدقع وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل المؤشرات السلبية للاقتصاد المصري.

المصريون يحبون الجيش  ويضعونه في مكانة عالية في قلوبهم، ولا يمانعون أبدا من الانفاق عليه، لكنهم يتأففون من الظواهر التي تم وضعه فيها بعد انخراطه في الأعمال المدنية كتجارة الخضراوات والفواكه والأسماك واللحوم وغيرها ويعتبرونها إهانة كبيرة لا يرضونها له.

هذه مجرد لمحة عامة سريعة على الصورة التي سيكون عليها الوضع في حال تنحي أو استقالة أو عزل السيسي.

..............................................

الجمعة 11 اكتوبر 2019 20:14

تطبيقات عربية حول نظرية البصق في الطعام

سيد أمين

أحيانا تعبر سلوكيات بسطاء الناس عن معانٍ ومدلولات عميقة ربما لا نصدق أنها هى ذاتها تطبق في أدق نظريات الادارة السياسية الرائجة في العالم، من تلك السلوكيات لجوء بعضهم لـ "البصق في الطعام" حينما يكون في حالة منافسة حامية مع أخرين للانفراد به، مدركا أنه بهذا التصرف المقزز

سيكسب المعركة بشكل نهائي وبأقل جهد ويخلو له الطعام بلا منازع.

كان يفعلها أيضا الشباب في أوائل القرن الفائت حينما كانوا يقومون ببتر أطرافهم لصناعة عاهة مستديمة تحول دون تجنيدهم إجباريا لخدمة الانجليز في الحربين العالميتين.

هذا السلوك -وبصورة مغايرة - سبقهم إليه العبد الصالح في السفينة التي خرقها كي يعيبها، مع فارق جوهري هو أنه خرقها لحمايتها وإبقائها لأصحابها المساكين بدلا من أن يستولى عليها الملك الظالم، وليس لكي يستولي هو عليها.

ترمب والسعودية

لكن بقليل من التمعن ستجد أن هذا السلوك يفعله الكثيرون من قادة وسياسيي العالم أيضا، ففي مواجهة المتأففين من سياساته سواء من داخل حزبه الجمهوري أو من المعارضين الديمقراطيين ، لجأ الرئيس الامريكي دونالد ترمب لاتباع تلك السياسة حينما حول عمليات استنزاف أموال بعض دول الخليج العربي لا سيما المملكة العربية السعودية من عملية روتينية تجري منذ عقود في سرية ويستفيد منها أي حاكم أمريكي سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا مقابل الصمت عن استبدادها وانتهاكاتها لحقوق الانسان ، إلى عملية علنية لا يصح بعد افشائها الابقاء عليها إلا في وجوده، وإذا اختفى فإنه لا يصح لمن يأتي بعده من دعاة الديمقراطية الابقاء على رموز تلك النظم في الشرق الأوسط مع المحافظة على تلك الشعارات التي يرددها ، خاصة مع قوله أنها لا تستطيع أن تحافظ على وجود حكمها لمدة أسبوع واحد دون الدعم الأمريكي، ما يعني أن بقاء هذه الكراسي هو قرار أمريكي خالص، خاصة أنها هى من تقمع الناس وتقطع أوصال من يختلف معها في الحرم الدبلوماسي الخاص بسفاراتها كما فعلت مع خاشقجي.

ترمب قصد بذلك وضع من يأتي بعده بين خيارين، إما فقدان هذه الرافد الهائل من الأموال والانتصار للقيم الامريكية المعلنة الداعمة لحقوق الانسان، وهو خيار صعب، أو أن يسلك ذات المسلك ويلقي بالشعارات التي يتم تسويقها للناس في سلة القمامة، وهو المرجح.

ذات الطريقة استطاعت بها الولايات المتحدة الايقاع بالاتحاد السوفيتي، حينما استطاعت تجنيد قيادات في الدولة الشيوعية كجواسيس ليقوموا بتعيين الأقل كفاءة على رأس المؤسسات، وهى السياسة التي أدت في النهاية لانهياره دون قتال.

البصق السعودي في اليمن

السعودية من جانبها راحت تطبق ما طبقه عليها ترمب ولكن على اليمن وجماعة قبلية فيه، فبعدما فشلت وحلفائها الإماراتيين والغربيين في الاستيلاء على كل اليمن في حرب غير متكافئة دامت خمس سنوات بدعوى الدفاع عن شرعية الرئيس عبد ربه هادي ضد مهدديها الحوثيين، راحت توعز لمقاول الاعمال القذرة "الامارات" لتعصف ميليشياتها بشرعية هادي وجيشه والاستيلاء على الاراضي التي كانت تسيطر عليها قواته تمهيدا لتقسيم اليمن والاستيلاء على جزء منه.

البصق السعودي في اليمن يتمثل في مبدأ يقوم على نظرية تخريب اليمن وفي حال العجز عن الاستيلاء عليه كاملا ينبغي تقسيمه والاكتفاء بالسيطرة على جزء منه عبر حكومة تدين بالولاء لها خاصة أن الجزء المسيطر عليه هو مدينة تطل على رأس "باب المندب" لما يمثله من من موقع استراتيجي.

تخريب مصر

الفكرة نفسها يمارسها أيضا رأس السلطة في مصر، ولكن بطريقة عكسية، حيث أثقل كاهل البلد بالديون والأعباء والالتزامات الدولية والداخلية التي تجعل من الشاق على من يأتي بعده أن يستطيع ادارتها أو يفي بتلك الالتزامات، خاصة أن الدين الخارجي تضاعف لما يقترب من الأربعة أضعاف، والدين الداخلي اقترب من الأربعة تريليونات وتضاعف أيضا ثلاثة أضعاف ما كان عليه، وخدمة الدين تلتهم أكثر من ثلثي الموازنة.

كما التزم بالتزامات دولية متنوعة ما كان يستطيع أي حاكم مصري أخر الموافقة عليها لكونها تجور على حقوق المصريين، كالتنازل عن جزر تيران وصنافير، وتوقيع صفقة القرن وسد النهضة وتوطين اللاجئين والحد من الهجرة غير الشرعية لأروبا ودفن النفايات النووية، والتوجه نحو الفاشية العلمانية تحت شعار "تغيير الخطاب الديني" - الاسلامي فقط - وتغيير هوية الدولة العربية والاسلامية وتغيير العقيدة الحربية للجيش وغيرها.

بذلك ضمن أنه لا يمكن لطامح أن يقترب من كرسي الحكم مع كل هذا الخراب حتى لو كان مرضي عنه غربيا، وكذلك يصعب على الغرب التفكير في تغيير رأس الحكم في مصر مع كل هذه الوعود التي ما كان يحلم أن يأتي من ينفذها له في مصر.

وقد عبر السيسي نفسه عن تلك السياسة حينما قال موجها كلامه لمعارضيه يحثهم على الاستسلام لإدارته بأن مصر من بعده لن تصلح له ولا لهم.

البصق في القطاع العام

النظرية طبقها أيضا مبارك وسابقه السادات لتبرير بيع القطاع العام بثمن بخس، خضوعا لما يقال إنها شروطا سرية لاتفاقية كامب ديفيد تقضي ببيع القطاع العام من أجل حرمان الجيش من الرافد المالي الوطني الذي يغذيه واخضاعه لرحمة المعونة العسكرية الامريكية.

خطة البصق في القطاع العام كانت تتم عبر تغيير قيادات الشركات العامة الناجحة واستبدالهم بآخرين فاسدين ومتأمرين مع تعميم سياسة اقصاء الكفاءات داخلها واستبدالهم بقليلي الخبرة.

لكن المؤسف أن بصقات ترمب كانت من أجل رفاهية بلاده، بينما بصقات من يدعون أنهم من بني جلدتنا هي من أجل زيادة معاناة بلادنا.

..............................................................................

الأربعاء، 09 أكتوبر 2019 :

وجهة نظر أخرى حول حرب أكتوبر

ونحن نعيش أجواء انتصارات الماضي في جو من انتكاسات الحاضر، لم يعد خافيا على أحد أن ما تحقق من انتصارات في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بسواعد الأبطال من جنود وضباط وجبهة شعبية عربية واسعة ومتلاحمة امتدت من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، تحول بقدرة يد مقتدرة إلى هزيمة نكراء في النتائج، وبدلا من أننا كمصريين نكون قد حررنا سيناء، اكتشفنا أن إسرائيل هي من تحكم القاهرة ذاتها. من هنا بدت تتردد الكثير من الأقاويل حول تلك الحرب التي لا نؤكدها ولا نكذبها، ولكننا بحاجة ماسة لقتل "الفأر" الذي يلعب في عب البعض منا نحوها، ويجعلهم يحملون وجهة نظر خاصة بهم عنها.

اكتشفنا ذلك عقلا ونقلا، بدءا من محاضرة آفي ديختر، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي، في معهد أبحاث الأمن القومي التي نشرتها صحف إسرائيلية عام 2009، حول موقف إسرائيل من انفجار أي ثورة في القاهرة تطيح بنظام الكنز الاستراتيجي، مبارك، وقوله نصا "إن إسرائيل لن تقبل بذلك أبدا حتى لو اضطرت إلى الكشف عن وجود سرايا عسكرية سرية لها بالقرب من القاهرة وإجهاض الثورة عسكريا"، وانتهاء بادعاءات إسرائيلية تقولها علنا بأن الحرب كانت انتصار عسكريا إسرائيليا وليس مصريا (1).

شهادات موجعة

ولذلك ذهب البعض بخياله بعيدا وتصور أن هناك مؤامرة كبرى، تضخمت فرسمت حربا حقيقية، ترضي المصريين في شكلها العام المباشر وهو النصر، وترضي الكيان الصهيوني بالنتائج، وساقوا العديد من الشواهد التي قد تفضي إلى ذلك، ودللوا على ذلك بما أعلنته صفحة إسرائيل بالعربي على فيسبوك عام 2016 بأنها علمت بقرار السادات بتطوير العبور من خلال نقل القوات المخصصة لتأمين منطقة الدفرسوار إلى شرق القناة وقت اتخاذه. والسؤال من نقل إليها هذا القرار الذي أصر عليه السادات، رغم اعتراض القيادة العليا للقوات المسلحة وعلى رأسهم الفريق سعد الدين الشاذلي، معللا ذلك بأنه إذا خرجت القوات خارج مظلة الدفاع الجوي المصرية فستصبح هدفا سهلا للطيران الإسرائيلي، وهو ما حدث فعلا، علما بأن هذا القرار غيّر مسار الحرب ونتائجها (بشهادة السادات نفسه)، حيث أنقذ حياة عشرة آلاف جندي إسرائيلي، واستهان بحياة سبعين ألف عسكري مصري (ضباط وجنود)، كثير منهم قضى نحبه.

أيضا هناك ما أعلنه محمد حسنين هيكل ووزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر في الثمانينيات؛ بأن السادات أبلغ الأمريكان عشية السادس من أكتوبر "منفردا" بعدم نيته تطوير الهجوم والتوغل في سيناء، ما أدى إلى تكثيف هجوم الجيش الصهيوني على حلفاء مصر في جبهة الجولان السورية وإلحاق الهزيمة بهم.

وهناك شهادة للفريق عبد المنعم خليل، قائد الجيش الميداني الثاني، والتي قال ما معناه أنه في صباح يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر وصلته أنباء تفيد بتسلل سبع دبابات للعدو غربا من عند منطقة الدفرسوار، ولم يصدق نفسه ساعتها، بعد النصر الكبير الذي حققوه ابتداء من يوم 6 و7 و8 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 إلى فترة الوقفة التعبوية (التي طالت بلا داع) مرورا بقرار تطوير الهجوم شرقا، والذي جاء بأوامر من الرئيس السادات شخصيا، وكان قرارا سياسيا محضا ولم يكن عسكريا في شيء، ما تسبب في تدهور الموقف، ابتداء من ليلة 13 حتى صباح 16 تشرين الأول/ أكتوبر فقد كان الموقف حرجا (2).

وهناك شهادات موجعة للفريق سعد الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والمؤرخ العسكري جمال حماد، وآخرين كثر، تحمل ألغازا حول تعامل السادات مع الحرب.

ثم جاء مؤخرا فيلم "الملاك" الشهير الذي تؤكد فيه إسرائيل بأن "أشرف مروان"، زوج ابنة عبد الناصر كان عميلا لها، وأنه هو من قد زودها بتفاصيل ووقت الهجوم. وعلامة الاستفهام هنا أن مروان كان صديقا مقربا جدا وموثوقا من "السادات"، حتى أنه عينه المستشار السياسي والأمني له!!

كما أنه قد يبدو عاديا في دولة كمصر أن يبقي بطل النكسة في الحكم، وأن تطالبه الجماهير باستكمال المهمة، لكن اللافت المدهش حقا أن إسرائيل، وهي كيان يمتاز بالتعددية السياسية، (داخل الطائفة اليهودية) لم تعاقب موشيه ديان، رئيس أركان جيشها، الذي من المفترض أنه هُزم في الحرب، بل رقته بعدها إلى وزير للخارجية ليبلور اتفاقية السلام مع السادات بعد ذلك!!

علامات استفهام!!

ومن غير المستساغ أن نعزو سبب ضعف جيش الاحتلال في سيناء في يوم العبور، إلى انشغالهم بالاحتفال بعيد الفصح اليهودي؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لحرر الفلسطينيون بلادهم في أي عيد فصح سابق بنفس الطريقة، ولأصبح من قواعد شن الحروب في العالم عامة هو التوافق مع أيام أعياد الخصم، فضلا عن أن هذا العيد أساسا هو لتخليد ذكرى "الخروج من مصر" وظلم فرعونها وصمود اليهود في وجهه، ما يعنى أن قتال المصريين في هذا اليوم أمر محمود.

كما أنه من المثير للخزي أن تقوم القوات الإسرائيلية عقب التوغل في غرب القناة بعد أحداث "الثغرة"، وإغلاق طريق مصر السويس، وتدمير كل وحدات الجيش التي صادفتها، بعمل حيلة لأسر أكبر عدد من الجنود المصريين لمقايضتهم بأسراهم الذين أسرتهم السرية المضادة للدبابات، ومنهم قائد الفرقة "119 مدرعات" الإسرائيلية، عساف ياجوري، في ثالث أيام الحرب.

تضمنت الحيلة (بحسب شهادات حية لمن خاضوا الحرب) بأن توجهت سيارات نقل مصرية، تقل جنودا صهاينة يرتدون ملابس مصرية، إلى "نقاط الشاردين"، التي أنشئت من أجل تجميع ضحايا "الثغرة" على غرار ما حدث في النكسة، ثم يدعي هؤلاء الجنود الجواسيس بأنهم كلفوا بنقل زملائهم في تلك المواقع إلى مواقع بديلة وقسموهم إلى مجموعات طبقا لكشوف كانت بحوزتهم، ثم قاموا بنزع السلاح منهم في الطريق بدعوى التأمين، ثم اقتادوهم إلى صحراء النقب كأسرى، وقد أسر بتلك الطريقة آلاف الجنود بسهولة ويسر. والسؤال: من أخبر الصهاينة بأماكن نقاط الشاردين، ومن أعطاهم كشوف الأسماء؟

ومن دلائل تحول الانتصار إلي هزيمة بعد أيام من انطلاق الحرب هو عقد مفاوضات الكيلو 101، بين مصر وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة، للوصول إلى تحديد خطوط وقف إطلاق النار. ولمن لا يدري، فالكيلو 101 يقع بالقرب من مدينة العاشر من رمضان حاليا، على مشارف القاهرة، وهي آخر نقطة وصلت لها القوات الإسرائيلية في الثغرة.

الأديب الكبير يوسف إدريس طرح أيضا في مقال قديم منسوب له نشرته صحيفة عكاظ الكويتية في تموز/ يوليو 1983، تساؤلات مهمة كان ملخصها تأكيده باستحالة أن تكون ثغرة الدفروسوار هي نتاج عمل 24 ساعة من قبل العدو الصهيوني، متسائلا كيف يمكن لهذه القوات عبور غرب القناة وإنشاء طريق مرصوف، مع أن إحداث طريق في أسوان يربط بين ضفتي النيل بهذه الكيفية يستغرق شهورا، وقناة السويس هي أعرض وأعمق من النيل! معبرا عن خوفه من أن تكون الثغرة قد أنشئت قبل بدء حرب أكتوبر نفسها، لاستخدامها إعلاميا في تلك اللحظة وتمرير وضع ما (كامب ديفيد).

جاءت تلك التساؤلات أيضا في كتابه "البحث عن السادات" الذي مُنع من النشر داخل مصر، والذي قام العقيد الليبي "القذافي" بطباعته بعد ذلك.

الجانب الآخر

وعلى الجانب الآخر، فإن مواسم حرب أكتوبر تقترن هناك في إسرائيل بالانتقادات الحادة للجيش حول تقاعس الجيش الصهيوني عن صد الهجوم في بداياته، وليس نهاياته، رغم توقعه المسبق بالحرب، ما وفر دماء نحو ألفي قتيل صهيوني، بل إن صحف عبرية طالبت مؤخرا صراحة بضرورة الاحتفال بانتصارات أكتوبر.

وها هو بيني غانتس، أول رئيس أركان حرب بعد تلك الحرب، يؤكد بشكل قاطع أن "حرب تشرين/ أكتوبر بدأت كوسيلة دفاعٍ لصد العدو، وتحولت، فيما بعد إلى انتصار كبير للجنود"، فيما يصفها المعلق الإسرائيلي يسرائيل هرئيل، في مقاله له في صحيفة "هآرتس" في أواخر أيلول/ سبتمبر 2017 بأنها "كانت انتصارا غير مسبوق".

أما ليغال كيبنس فنشر في كتابه "الطريق إلى حرب" وثائق تثبت أن السادات حاول أن يتوصّل إلى استسلام منذ تولى السلطة، والتسليم بإخراج مصر كليّا من الصراع العربي الإسرائيلي.

الشهادات هنا وهناك كثيرة، وقطعا نتمنى لجيش مصر الانتصار في أي حرب ضد أي معتد، لا سيما الكيان الصهيوني، لكنها فقط تساؤلات تجول في الأذهان حول أسباب تحول حرب من المفترض أننا كسبناها إلى هزيمة!

لا يمكن تخبئة ضوء الشمس.

..............................................................

الجمعة، 29 نوفمبر 2019 :

العراق.. فخ امريكي لايران

سيد أمين

يبدو أن ايران سقطت في الفخ الذي رسمته لها أمريكا قي العراق بعد أن احتلته عام 2003 ، حينما أشركتها واشنطن النفوذ في هذا البلد الثري الذي ناصبهما العداء لعقود، مقابل وقف دعوتها للشيعة العراقيين للانخراط في المقاومة العراقية التابعة لنظام صدام حسين ، أو حتى عدم مساندة المقاومة التي ابداها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في مدينة النجف أنذاك.

الفخ الذي سقطت فيه ايران هو أنه بدلا من أن تستثمر نفوذها الدينى والسياسي وحتى العسكري للمساهمة في صناعة دولة حضارية متسامحة مرفهة تكون عنوانا مشرفا لإيران ولأصدقائها في العراق، تماهت أو حتى اكتفت بالصمت عن تحويل العراق إلى مقتلة طائفية كبيرة ، تؤلب صراع المذاهب في الوطن العربي بأكمله وهو ما خصم منها رصيدا كبيرا كان يكنه لها كثير من العرب السنة بصفتها أحد ركائز محور المقاومة ضد النفوذ الصهيو امريكي، فخسرت أصدقاء كثر في الوطن العربي اعتقدوا أن مصدر داء العراق ليس الغزو الامريكي وويلاته فقط بل النفوذ الايراني فيه.

مؤشرات موجعة

وكذلك لم تعمل ايران – عبر نفوذها- على مكافحة الفساد في هذا البلد الذي جعله كأحد أغنى بلدان العالم نفطيا يعيش أزمة في الكهرباء يخرج الناس للتظاهر ضد انقطاعها المستمر في الصيف، وهو ما لم يكن يحدث حتى في ظل الحرب العراقية الايرانية أو الحصار الغربي الذي فرضع لى هذا البلد بعد ذلك ، فضلا عن تصدره كل قوائم العالم في مؤشرات الفقر والفوضي والقهر والبؤس والبطالة والجوع والمرض والفساد والجهل والاقصاء، وصار مضربا للأمثال السيئة لدى بلدان عربية – كمصر مثلا – التي كان يتطلع شعبها ذات يوم لأن يعيش رفاهية شقيقة في بغداد، وذلك بعد أن كان يتصدر قوائم الرفاهية والرعاية الصحية ومكافحة الفساد والتعليم والقوة العسكرية وغيرها في زمن صدام حسين.

كل ذلك جعل الكثير من العراقيين يحنون لزمن صدام حسين حتى من قبل أشد الكارهين له ويتذكرون عهده بكل حب وامتنان.

النفوذ الروحي

بالقطع ساهمت امريكا في تعميق كل المسالب التي يعيشها العراق بعد 2003 بهدف دفع العراقيين للثورة على النفوذ الايراني وتجريدها من نفوذها الروحي في نفوس الطائفة الشيعية من جهة ومناصبة السنة العداء لها بسبب الاعدامات والاغتيالات وقوانين المحاصصة والاقصاء التي بدأت بقوانين “اجتثاث البعث” وغيرها.

كل تلك الفخاخ الامريكية أتت ثماره فأنجبت الحراك الذي يشهده العراق حاليا حيث أن المدن ذات الاغلبية الشيعية هى من بدأت بالحراك وهى الأكثر اشتعالا، بل أن المتظاهرين اقتحموا القنصلية الايرانية في أكثر مدن العراق قداسة دينية للطائفة الشيعية ورفعوا عليها العلم العراقي عليها لساعات، وحاولوا تغيير اسم شارع يسمى باسم المرجع الاعلى للثورة الاسلامية في ايران “الخوميني” إلى اسم شارع الشهداء ، وما في ذلك من دلالات قوية.

تساؤلات ملحة

بلا أدني شك أن الحراك الشعبي في بلدان الهلال الشيعي “العراق ولبنان ومن قبله السوري الذي انضم بالولاء السياسي وليس بعدد السكان” له ما يبرره ، وأنه تفجر بنوازع شعبية خالصة، وأن محاولات البعض وصمه بالممول هى محض افتراء ، ولكن ومع ذلك تبقى تساؤلات مهمة حول تزامن تفجر الحراك في العراق ولبنان ، وحول اهتمام دول داعمة على طول الخط للثورة المضادة كالسعودية والامارات والبحرين ومصر للحراك في هذين البلدين – ومن قبلهما السوري قبل أن تكشف عن زيف نواياها مؤخرا – وقيام وسائل اعلامهم بفرد مساحات اعلامية كبيرة لتغطيته ، وهو ما يوجب على المتظاهرين توخي الحذر في أن يتم توجيههم إلى وجهات تفيد مصالح تلك الدول في صراع المحاورفي المنطقة العربية، وهو ما يتعارض بالتأكيد مع مصالح الثورة التي ينشدونها.

وأيضا هناك تساؤلات حول السر الذي دفع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للتأكيد قبل تفجر الحراك بأيام “أن العراق لن يدخل في سياسة المحاور الدولية”، وهل يعد ذلك ارضاء لأمريكا على حساب ايران؟ ، أم أنه فقط ذرا للرماد في عيون الحساد؟ ، أم أنه كان تمهيدا لما هو أت؟.

ظهور البعث

وما دلالة لقاء أجرته قناة RT الروسية مايو الماضي مع قيادي بعثي عراقي يكنى ابو الحسن طالب فيه عزة ابراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وأمين عام القيادة القطرية لحزب البعث العراقي بالتنحي لشباب الحزب والتصالح مع ايران وحزب الله لخوض غمار حرب التحرير ضد النفوذ الامريكي ، وموضحا في الوقت ذاته بأن صدام حسين تصالح مع ايران قبل سقوط حكمه بايام وجرى تبادل زيارات بين بغداد وطهران سرية وعلنية قبل وأثناء العدوان الامريكي عام 2003 ، ومذكرا بأن من غزا العراق ليست ايران ، ولكن امريكا وحلفائها ، وأن ايران وجدت امرا واقعا تعاملت معه.

يطرح اللقاء تساؤلات حول مغزى هذا الظهور، وهل هو لخطة فعلا كانت طهران تخطط لها باعادة البعث العراقي للعمل ؟، أم ان اللقاء كان استباقا لخطة امريكية في نفس هذا السياق؟.

……

العرب يتضامنون بشدة مع شعب العراق الذي ذاق الويلات في العقدين الاخيرين ويتمنون له ان ينال حريته دون أن يقع فريسة مجددا للمؤامرات الدولية وصراعات المحاور.

...............................................

الخميس، 28 نوفمبر 2019 :

وصفة سحرية وراء إقلاعي عن التدخين!

سيد أمين

بيني وبين التدخين سجال طويل، استنزف تقريبا ثلثي عمري، أمضيت جزءا كبيرا منه لا أتخيل أبدا أن يمر يوم أو ربما سويعات قلائل دون تقبيل السيجارة، حتى إن طرح فكرة الإقلاع عنها لم يكن يخطر ببالي أساسا، وتغاضيت عن كثير من مضارها طالما أمكنني التعايش معها، مثل صعوبة التنفس والنهجان من أقل مجهود أبذله، وسواد الأسنان الذي كان كثيرا ما يشعرني بالحرج فحرصت دائما أن أخفيها أثناء كلامي وتبسمي، فضلا عن رائحة الفم الملبدة بالنيكوتين التي كانت تنفر مني بعض الناس خاصة من غير المدخنين.

رغم أنها كانت مرحلة الشباب وما فيها عادة من خوض غمار التحديات، إلا أن عجزي عن الإقلاع عن التدخين كان شديدا للدرجة التي حينما خيرت فيها بين السيجارة وإتمام الخطوبة اخترت بكل أسف وعجز الأولى.

تجربة فاشلة

ولكن متى وكيف أقلعت؟

بالطبع قد يكون الحديث في مثل هذا الموضوع خاصة مع الظروف السياسية التي تمر بها مصر الأن هروبا، لكنه هروب مستساغ يقدم تجربة قد تكون مفيدة للحريات ولكن لحريات من أسرتهم السيجارة وحولت حياتهم وحياة أسرهم إلى جحيم.

بدأت الحاجة للإقلاع عن التدخين حينما زادت حدة الشعور بالاختناق والإرهاق بدون داع، فبحثت عن الوسيلة دون جدوى إلى أن وفقني الله لقراءة إعلان عن شاي مبتكر أنتجته إحدى الشركات المصرية من أعشاب طبيعية يساعد في الإقلاع عن التدخين.

كانت فكرة هذا المنتج بحسب ما تقول نشرته آنداك إنه يقدم مزيجا من منتجات تكافح أعراض انسحاب النيكوتين في الجسم، و"زغللة" العيون، وضعف التركيز مع بديل للنيكوتين لا يسبب الادمان.

وبالطبع لم يكن أمامي سوى التجريب، وجربتها، وكانت المفاجأة على عكس ما توقعت حيث نجحت التجربة وأقلعت عن التدخين بمنتهى السهولة، واستمر الحال هكذا لمدة عام كامل حتى هذا اليوم الذي قبلت فيه تدخين سيجارة قدمها لي صديق قديم، فوجدتني أدخن سيجارة كل من يقدمها لي في هذا اليوم، حتى قمت بشراء علبة السجائر وبعد ذلك عدت مدخنا شرها أكثر مما كنت.

يأس وأمل

لم أكن قلقا، فقد كان الأمل يحدوني أنه مع توفر قليل من الإرادة، والعودة لاستخدام المنتج السابق فإنني سأقلع من التدخين بسهولة مجددا، وذلك مع أول معاناة أعانيها.

وبعد سنوات عادت الأعراض أكثر فداحة فتوجب على حينئذ العودة لاستخدام الترياق، وبالفعل عدت لشراء المنتج ومع استخدامه اكتشفت للوهلة الاولى أنه تم غشه، ذهبت لمقر الشركة الرئيسية فقالوا إن هذا هو المنتج الذي يبيعونه منذ البداية ولم يطرأ عليه تغيير!

بعد أشهر أحضر لي صديق قادم من ايطاليا عقارا فيه 60 حبة تؤخذ كل واحدة بتوقيت محدد، وقال لي إن نشرته تقول إنه كلما شعرت بالتدخين يمكنك أن تدخن الى ان تجد نفسك لست بحاجة إلى التدخين، حينها ستكون أقلعت.

ورغم أن المنتج كان مكلفا جدا على صديقي إلا أنه لم يؤثر في شراهتي للتدخين.

جربت أيضا في سجالي مع التدخين، السجائر الإليكترونية فكانت رغم كلفتها سريعة الأعطال والعطب والفشل، وبدت كما لو كانت مزحة في موضع الجد.

بالطبع كل من حاول الإقلاع عن التدخين مر بمرحلة استخدام السيجارة المزيفة التي تعطى نكهة ومذاقا مزيفا أو منفرا، والسيجارة خفيفة النيكوتين والقطران، أو لجأ إلى التقليل التدريجي لعدد السجائر التي يدخنها يوميا، أو حتى اللجوء لتدخين "الشيشة"، وأيقن أنها تجارب موغلة في الفشل.

طوق النجاة

بعد أن صار الإقلاع عن التدخين هو قضية حياتي كلها، نصحني صديق بأن اتحدث إلى أحد الاشخاص يملك قناة فضائية إسلامية وأنه يبيع منتجا مجربا في ذلك وبالفعل تحدثت معه فنصحني باستخدام ملعقة من طحين "اللوبيا" كلما وجدت رغبة في التدخين، مع الإكثار من شرب العرقسوس والباذنجان النيئ وعصير الجرجير.

وبالفعل وبدون مبالغة، جربت استخدام اللوبيا المطحونة ونجحت في التخلص من مشكلة كادت تقضي على حياتي.

................................................................

لمحة عن معاناة تلك الفئة

الأحد 29 ديسمبر 2019 18:25

سيد أمين

استطاع الفيديو المؤثر الذي بثته أخيراً  زوجة الدكتور شادي الغزالي حرب، عن معاناة زوجها في المعتقل ومعاناة مائة ألف معتقل أخرين ومعهم أسرهم وأطفالهم وأحبابهم، وما صاحبه من مشاركات وتفاعلات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ايقاظ مشاعر الألم لمن سكنت عنده تلك المشاعر أو ذبلت انسانيته.

في الواقع ان الشيء المتاح لجميع المصريين الان هو المعاناة، فالغالبية في مصر تعاني، وكل يعاني بطريقته ولأسبابه، فمنهم من يعاني الفقرَ أو المرضَ أو الظلم، ونقصاً في الأموال والثمرات، ومنهم من يعاني سلبه أدميته وحقه في الحياة ويعيش جحيما لا يمكن تحمله، وهو ما نقصده هنا.

يخرج مواطن تلك الفئة من بيته كل صباح وأسرته ليست على يقين أنه سيعود ، فإلى حين عودته سيكون محشورا في مخاوف العقل الباطن لديها، بين احتمالات أن يعود إليهم جثة بسبب تصفيته من قبل أجهزة الأمن في اشتباك مسلح مزعوم للتغطية على جريمة أخرى ارتكبتها ذات السلطة كما حدث في واقعة العمال الخمسة الذين تمت تصفيتهم واتهمتهم السلطة بقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني، أو أن يقرأوا خبر انتحاره أو تفجيره نفسه في موكب وزير أو مسئول لم يكن قد سمع حتى باسمه من قبل. وإن نجا من ذلك فلا يزال الموت يطارده في حادث طريق في بلد يحتل  المركز الأول عالميا في عدد ضحايا الطرق ، أو بسبب اعتداء بلطجية عليه لأي سبب كان، أو أن تختطفه مافيا الأعضاء البشرية، ليتم تقطيعه وبيعه لإصلاح ما فسد من جسد هذا الوزير أوذاك الأمير أوصاحب السلطة، وذلكم الثري والمسئول، أو تختطفه مافيا شركات الأدوية العالمية لإجراء تجارب عليه بدلا من الجرذان. وفي أفضل أحوال الاختطاف تختطفه عصابات طلبا للفدية، أو يتم اختطافه من قبل جهات أمنية مجهولة، واخفاؤه قسريا ليظهر بعد أسابيع أو أشهر من البحث المضنى في المستشفيات وأقسام الشرطة متهما في إحدى القضايا الهلامية التي تعج بها المحاكم الآن.

بينما تحولت السجون وأقسام الشرطة والمحاكم والمشارح عند تلك الفئة إلى معالم مؤثرة في حياتهم اليومية من لم يزرها هو فقد زارها أحد اقاربه أوجاره أو صديقه.

متلازمة الخوف

أينما ولى مواطن هذه الفئة وجهه يلاحقه الخوف، بكل أنواعه وأشكاله، فهو مدان بدون اتهام أو تحقيق أو حتى جريمة، والاعلام الرسمي يحرض علي قتله صباح مساء.

هو يعاني الخوف الموسمي من القتل أو الخوف من الخطف أو الاعتقال لا سيما في أيام الفشل والاضطراب السياسي. يسايره خوف دائم من أن تنتهك حياته الخاصة عبر زوار الفجر الذين يتوقع في أي لحظة انتهاكهم لحرمة منزله، وسرقة أمواله وتكسير مقتنيات العمر وجرجرته إلى غياهب الجب، يتلوه خوف أقل وطأة وأكثر ايلاما من فقد العمل ومورد الرزق القليل الساتر من الفضح بين الناس، والخوف من الاستمرار في الفقر والخوف من الانتقال من مرحلة الفقر التي يعيشها غالبية المصريين إلى مرحلة الفقر المدقع.

ويخاف من أن تنزع منه مصريته ذاتها واستباحته في ماله وخصوصيته وعرضه، بل وتنزع عنه وطنيته ويتهم حينئذ بالخيانة العظمى ويكون سحب الجنسية منه مكرمة تنقذ رقبته من حبل المشنقة.

كذلك مع تنامي اجراءات نزع الملكية في البلاد من الجنوب لليسار يعيش شأنه كل مصري حالة خوف من أن يتم نزع أرضه لأي سبب تراه السلطة ودون أن تمنحه الحق في التعويض الملائم.

مواطن تلك الفئة شأنه شأن كل المصريين يعاني الخوف من أن يصيبه أو يصيب أحد أفراد أسرته مرض مزمن بسبب تلوث الماء واختلاطه بالصرف الصحي وتلوث الهواء وتلوث الطعام بالأوبئة والمواد المسرطنة، مما يعجزه عن تدبير نفقات العلاج الباهظة.

التكيف مع المهانة

بالطبع يتقاسم مواطن تلك الفئة كل ما يعانيه باقي المصريين، حيث يعيش رحلة مهانة صار الكثيرون يتكيفون ويتعاملون معها، مهانة يتلقاها المهندس والطبيب والكبير والصغير والموظف و"العامل الأجري" وصحيح الجسد ومعتله من قبل رجال الأمن تارة والخارجين عن القانون تارة أخرى، وذلك عند دخوله أي مصلحة حكومية أو رسمية، وقرب الكمائن وأقسام الشرطة حيث يجب عليه أن يتقبل كل ما قد يحدث معه دون حتى أن ينبس ببنت شفة، وإلا لن يرى الشمس ثانية، وكذلك حينما يسير في الشارع أو في منزله أو عمله.

رسخ في ذهنه أضعاف ما رسخ في وجدان اي مواطن مصري بأنه أقل أهمية وقيمة من رجل الجيش أو الشرطة أو القضاء أو رجل الأعمال وحتى من "المواطنين الشرفاء"، حتى لو حصل على أفضل تعليم وأفضل تربية، وكان أكثر ثقافة ووعياً، وحظي بالتقدير من جهات علمية واجتماعية مهمة خارجية أو داخلية.

معاناة الأمومة والطفولة

المعاناة في تلك الفئة طالت جميع أفرادها حتى الاطفال، الذين ولدوا وتربوا لم يعرفوا إلا أبا شهيدا أو سجينا أو هاربا داخل مصر أو خارجها، وبدلا من ان يوفر لهم هذا الأب الأمان الذي يحتاجه كل طفل، كان ابتعاده عنهم هو الأكثر أمانا لهم، فتسرب كثير منهم من التعليم للعمل من أجل الانفاق على امهاتهم وأخواتهم.

أما البنات فهن الأخريات يعشن مأساة من نوع خاص، فلا أحد يجرؤ للتقدم للزواج منهن خشية ان ينالهن ما نال ذويهن من جور، حتى صديقاتهن يبتعدن عنهن لذات السبب، دعك عن الظروف الاقتصادية الطاحنة، التي تلقي بظلال أشد قتامة عليهن دون سواهن، بسبب افتقارهن العائل والحرمان من العمل، والتجريد من الأموال.

بالتأكيد عرفتم من تكون تلك الفئة إنها فئة المنتمين إلى جماعة الاخوان المسلمين التي تصمها السلطة بـ"الارهابية"، مع شباب الحركات التي أمنت بثورة يناير / كانون الثاني ،ووصمت بذات الصفة، كحركة شباب 6ابريل/ نيسان، وحركة الاشتراكيين الثوريين، وائتلاف شباب الثورة وغيرهم

..........................................................

قمة الاستقلال وتكسير المحاور

الإثنين، 30 ديسمبر 2019 01:13 م بتوقيت غرينتش0

سيد أمين

تعتبر القمة الإسلامية المصغرة التي دعا إليها رئيس الورزاء الماليزي مهاتير محمد وانعقدت في العاصمة الماليزية كوالالمبور في الأيام الماضية، بحضور زعماء أربعة دول وممثلين عن 18 دولة إسلامية، لطمة قوية في وجه سياسة المحاور السائدة في العالم الإسلامي، وهي السياسة التي تذكيها سياسات القوى

الإمبريالية الغربية في عالمنا الإسلامي الذي يمثل 24.8 في المئة من سكان العالم، من أجل أن تبقيه رهنا للصراعات الداخلية والمذهبية والفومية والعرقية.

ورغم أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان كان من أكثر المتحمسين لعقد هذه القمة، بجوار تركيا وقطر وماليزيا وإيران وإندونيسيا، إلا أنه اعتذر عن الحضور بعدما هددته الرياض بطرد أربعة ملايين عامل باكستاني لديها وبسحب ودائع من البنك المركزي الباكستاني، كما أكد الرئيس التركي.

إلا أن هناك تفسيرا آخر يبرر هذا الغياب، وهو رغبتها في تهدئة التوتر مع جارتها النووية الهند التي ستعتقد على الفور أن هذا الإجراء معاد لها.

بعد ذلك تراجعت إندونيسيا عن إرسال نائب الرئيس لسبب غير مفهوم؛ يرجح أنه نتيجة للضغوط الخليجية، وهو ما قد يكون عبر عنه وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله بأن بعض الدول الإسلامية تخوض حروبا سرية نيابة عن القوى العظمى.

سحق المحاور

ولعل سياسة المحاور التي خطتها الأنامل الغربية بهدف التقوّت عليها عبر إذكاء الصراع بينها كانت أكثر وضوحا في منطقتنا العربية، حينما وجدت بعض الدول العربية التي تدافع عن موروثها الثقافي والحضاري نفسها طرفا في هذه المحاور، تماما كالمحور السني الذي تشكل بشكل غير مقصود تحت وقع المصالح القُطرية والثقافية لأعضائه، وهو الذي تنجرد فيه تركيا وقطر وحكومة الوفاق الليبية وحركة حماس، وهو أيضا المحور المدافع عن الهوية الإسلامية السنية للبلاد، وكذلك المحور الشيعي الذي تندرج فيه إيران والعراق وسوريا وحزب الله والحوثيون، وهو المحور المدافع عن الهوية الثقافية الإسلامية الشيعية، ثم المحور الشرق أوسطي وهو المحور الداعم لصفقة القرن والشرق الأوسط الجديد بزعامة إسرائيل، وفي هذا المحور تتربع السعودية والإمارات والبحرين وحفتر ومصر.

وكان يأمل المشاركون في المحور الشرق أوسطي في أحداث صدام سني شيعي يحقق له تفوقه، وقد تم إيجاد بؤر صدام جاهزة لتحقيق ذلك أبرزها "سوريا" و"لبنان"، فيما كان من المتوقع ردا على ذلك وإجهاضا للخطة؛ أن يتم التوافق بين المحورين السني والشيعي من أجل إفشال مؤامرات المحور الشرق أوسطي، إلا أن قمة كوالامبور قامت بسحق كل تلك المحاور الثلاثة واعتمدت محورا واحدا، هو الولاء لاستقلال وتكامل الأمة الإسلامية بشقيها السني والشيعي في كافة المجالات، ما يحقق استقلالها السياسي، والتأكيد على أن قضية فلسطين هى القضية المحورية للعالم الإسلامي، وقربا وبعدا من ذلك يمكنك تصنيف الدول.

قمة الاستقلال

يمكننا ببساطة تعريف قمة كوالالمبور بأنها قمة "الاستقلال" للشعوب الإسلامية من قيود التبعية للخارج، وهو ما يتضح من محور أجندة القمة الرئيسية "دور الرؤى التنموية في الوصول إلى السيادة الوطنية".

وهي المعاني التي عبر عنها جميع القادة المشاركون في القمة، بدءا من كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ التي دعا فيها إلى اعتماد أساليب التفاوض والحوار في حل القضايا العالقة بين الدول ورفض استخدام أساليب القوة والحصار والتجويع وإملاء الرأي، وهو ما يتطلب حدا أدنى من الإجماع على منح صلاحيات أوسع للمؤسسات الدولية التي لا يسود فيها حق الفيتو لهذه الدولة أو تلك.. والرئيس التركي أردوغان الذي انتقد المذابح التي يتعرض لها المسلمون في العالم، وقال إن أكثر من ثلاثة أرباع ضحايا الحروب في العالم مسلمون، وجهر بتكرار الدعوة بأن العالم أكبر من الممثلين الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، والذين لا توجد بينهم دولة مسلمة واحدة.. وكلمة رئيس الوزراء الماليزي الذي قال صراحة إن العالم الإسلامي لا زال تحت الاحتلال الغربي، وكذلك الرئيس الإيراني الذي أكد أن التدخلات الخارجية في عالمنا الإسلامي، بالإضافة إلى التطرف، هي أحد أبرز أسباب معاناة أمتنا.

ومن اللافت أن جميع المداخلات والكلمات أجمعت على ضرورة اعتماد الحوار كوسيلة لحل المشكلات بين الدول الإسلامية، أو بين الدول الإسلامية وباقي دول العالم، وأن القمة ليست موجهة ضد أحد وليست بديلة عن أي منظمات أخرى، في إشارة إلى منظمة التعاون الإسلامي (كما تعتقد السلطات السعودية التي رفضت الحضور وسط مخاوف من سحب القمة لتأثيرها السياسي بوصفها بلاد الأراضي المقدسة) بقدر أنها تهدف لتجاوز معاناة شعوب العالم الإسلامي.

وأعطى حضور 450 من والمفكرين والمثقفين للقمة مؤشرات واضحة بأن الهدف منها هو النهوض العلمي بأمة المسلمين، ومحاولة انتشالها من براثن الجهل الذي يخلق الاحتياج للغرب وما ينتجه ذلك من تبعية.

يجدر بالذكر أن الإسلام يعد ثاني أكبر دين في العالم ويدين به 1.9 مليار، يمثل السنة فيهم 80-90 في المئة (تقريبا 1.5 مليار نسمة) والشيعة 10-20 في المئة تقريبا (170-340 مليون نسمة)، بحسب دراسات دولية حديثة.

ولم يكن مفاجئا أن تعادي بعض الأنظمة المرتمية في أحضان الهيمنة الغربية قمة تسعي لاستقلال العالم الإسلامي، فذلك نشاط متفق تماما مع أدوارها الوظيفية الدولية.

وعلى أي حال، ومهما كانت نتائج القمة وأعداد المشاركين فيها، إلا أنها كانت جرس إنذار قوي موجه للعالم بأن العالم الإسلامي بشخصيته القديمة المستباحة لم يعد مقبولا.


............................................................................

مقالات عام 2020

.......................................................................

سيد أمين يكتب: ما بين تفجيرات مقديشو.. وحصار طرابلس

نشر المرة الاولى في  عربي 21 

الإثنين، 06 يناير 2020 12:00 ص بتوقيت غرينتش

حينما نبحث عن العقول المدبرة للتفجير الإرهابي الذي حدث عند نقطة تفتيش مزدحمة في العاصمة الصومالية مقديشو السبت قبل الماضي، والذي أودى بحياة 150 قتيلا ونحو 90 من الجرحى، لا بد أن نفتش في المعطيات السليمة بغية الوصول إلى النتائج السليمة، ونأخذ في الاعتبار كثرة الطامعين في الحصول على موطئ قدم على السواحل الغربية للقرن الأفريقي وباب المندب، التي تقع عليها دولة الصومال، وتمثل موقعا استراتيجيا متميزا، فيما تطمح السعودية والإمارات لتنصيب حكومة موالية لها على سواحله الشرقية في اليمن.

الصراع التركي الإماراتي

ولكي نضع النقاط فوق الحروف، لا بد أن نعرج على العلاقات الصومالية الإماراتية، حيث سعت دولة الإمارات العربية لإقامة علاقات متميزة مع دولة الصومال، حيث وقعتا مذكرة تعاون ثنائي بين البلدين أواخر عام 2013، تلا ذلك توقيع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري عام 2014، إلا أن العلاقات ساءت عام 2018 إثر قيام حكومة الصومال بإنهاء

الوجود العسكري الإماراتي في أراضيها، وإلغاء اتفاقية شراكة بين شركة موانئ دبي والحكومة الإثيوبية لتشغيل ميناء بربرة، مع مصادرة عشرة ملايين دولار في حقيبتين وصلتا على متن طائرة إماراتية خاصة إلى مطار مقديشو، وتعتقد الحكومة الصومالية أنهما كانتا في طريقهما لدعم حركة التمرد (وهي التي تقودها حركة الشباب المجاهدين التي أطاحت بحكم الديكتاتور سياد بري عام 1990 واستولت على الحكم، إلا أنها تناثرت وتقلص نفوذها عام2007 ). هنا ردت الإمارات بإغلاق "مستشفى الشيخ زايد" في العاصمة الصومالية، وعزت ذلك إلى "نقص التمويل"، فيما شن إعلامها حربا دعائية ضد حكومة الصومال.

ويمكننا ببساطة أن نعزو هذا التوتر في العلاقات الصومالية الإماراتية إلى الغضب من تنامي العلاقات الصومالية التركية في المجالات كافة بشكل كبير، عقب إعادة أنقرة عام 2011 فتح سفارتها التي أغلقتها في مقديشو عام 1991، وهي العلاقات التي توجت أواخر عام 2017 بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج؛ تركز على بناء قوات عسكرية صومالية محترفة، وتضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى.

الصراع حول ليبيا

ولذلك، فحينما نحاول فهم المتورطين في الحادث الإرهابي، لا بد أن نضع تلك المعطيات في الاعتبار خاصة في ذلك التوقيت، حيث تلتهب في أقصى الشمال على ساحل البحر المتوسط جبهة الصراع بين تركيا والحكومة الشرعية الليبية من جانب، والجنرال الأمريكي المتمرد خليفة حفتر وقواته المدعومة من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل واليونان من جانب آخر، وتتزايد دقات طبول الحرب بين الجانبين يوما بعد يوم.

وبالطبع، سيسعى كل جانب لاستخدام أقصى إمكانياته من أجل إضعاف قدرات الطرف الآخر في لعبة "عض الأصابع" من أجل إشغاله في توترات مناطق نفوذه حول العالم، لدرجة جعلت بعض المحللين السياسيين يعتقدون أن تزايد الهجمات الروسية على مدينة إدلب السورية هذه الأيام، هو أيضا محاولة لتصدير أزمة لاجئين جدد لتركيا، لشغلها عن المسار الليبي الذي تشارك روسيا بقوات غير رسمية لدعم التمرد هناك.

يدعم ذلك التصور أن جماعة الشباب التي أزيحت بالقوة سابقا، والتي كانت دوما تسارع بشيء من الزهو لإعلان مسؤوليتها عن أي عملية تنفذها لتبثت قدرتها على التأثير وامتلاكها زمام المبادرة العسكرية، تأخرت هذه المرة لإعلان مسؤوليتها عن الانفجار قرابة أربعة أيام كاملة، بخلاف مواقفها في التفجيرات الإرهابية السابقة.

المهندسون الأتراك

وهناك نقطة أخرى يجب عدم إغفالها أبدا، وهي أن السيارة المفخخة التي استهدفت نقطة التفتيش، كانت على ما يبدو تستهدف مجموعة مهندسين أتراك يعملون في تشييد طريق من نقطة التفتيش إلى المدينة، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وهو ما جعل الخبراء الأمنيين الصوماليين والأتراك، يؤكدون أن المستهدف من التفجير، هم أصلا المهندسون الأتراك، وذلك لتوصيل رسالة لأنقرة بأن مصالحها في الخارج تحت مرمى النيران، وهي الرسالة التي تؤكد أيضا أن المتضرر من التقارب التركي الصومالي هو صاحب المصلحة الأولى من التفجير، فضلا عن أن استهداف المهندسين الأتراك هو في الواقع استهداف لأحد أقوى الأدوات التي تسخرها تركيا من أجل التقارب مع شعوب العالم، حيث ينفذ هؤلاء المهندسون (مثلهم مثل جميع الكوادر التي تقدمها تركيا لحلفائها) أعمالا تحظى باهتمام شعبي وتلامس حاجات الناس.

المخابرات الصومالية وضعت يدها على المنفذين للهجوم دون أن تفصح عنهم، ولعل المعطيات السابقة التي سردنا قد أوصلتنا إلى المجرم الحقيقي الذي ربما تقصده المخابرات الصومالية.

ويشير الهجوم إلى أن أعداء تركيا في الخارج لا يتورعون عن قتل الأبرياء من أجل توصيل رسالة بائسة وغبية ومخضبة بالدم.


.............................................

سيد أمين يكتب: سليماني.. مغزى الاغتيال والانتقام

نشر المقال للمرة الاولى في عربي 21 

يأتي اغتيال الجنرال في الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، عقب وصوله إلى العراق، برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس وعدد من الجنرالات الآخرين كتغير دراماتيكي مفاجئ في السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه منافسي وجودها في الشرق أو الشرق الأوسط، من قبيل القوى الصاعدة كتركيا وإيران أو حتى باكستان.

فقواعد الصراع التي اعتمدتها أمريكا منذ عقود كانت ترتكز على إثارة الضغائن بين تلك القوى الجديدة وإذكاء الصراع بينها، وتقريب إحداها على حساب الأخرى، لتحصل أمريكا مقابل ذلك على امتيازات أو مكاسب مادية أو صفقات بترولية وغيرها، مع احتفاظها بقنوات تواصل سرية مفتوحة مع الجميع. هذا إلى جانب اتباع سياسة "حافة الهاوية" ضد التطلعات العسكرية لتلك الدول. ولعل مواقف واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني أو صفقة الصواريخ الروسية لتركيا والضجة التي أثيرت حول القس الأمريكي أندرو برونسون الذي اعتقلته أنقرة بتهمة التجسس وأفرجت عنه بعد حبس عامين، كانت خير مثال لتك السياسة.

وكان الخطر الأكبر الذي تخشاه واشنطن دوما هو توحد تلك القوى أو توحد السنة والشيعة في المنطقة.

وعبر المليشيات التي مولها المال السعودي والإماراتي، نجحت أمريكا في تحويل سوريا إلى منطقة صدام مذهبية ثابتة بين المذهبين تحول دون وحدتهما، ما أبقى النزاع دائم الاشتعال والتأجج وأضعف قدرتهما على مقاومة العدو المشترك، إسرائيل.

وللأسف سقطت إيران بعمق في هذا الفخ خوفا من افتقاد مجالها التأثيري الطبيعي في سوريا والعراق، وفقدان خط التواصل الجغرافي الرابط بينها وبين حزب الله في لبنان، خاصة بعدما رضيت بمهادنة الاحتلال الأمريكي في العراق وتقاسمت سلطته معه، ظنا منها أنها ستزيح (عبر شعبيتها ونفوذها المذهبي الإقليمي) النفوذ الأمريكي في نهاية المطاف.

اكتشاف الفخ

استمرت الاستراتيجية الأمريكية تؤتي أكلها حتى تنبهت الدول المشاركة في قمة كوالالمبور بماليزيا للأمر، ورأت أن الانقسام بين محوري المقاومة الإسلامية هو ما شجع أعداء المسلمين في العالم أجمع على التجرؤ عليهم، فعقدوا قمتهم في نهاية العام 2019المنصرم. وأكد القادة المشاركون على سياسة التوحد ونبذ الشقاق بين المسلمين، والقفز على هذا الانشقاق والعمل على إعادة اللحمة بين المسلمين، والعمل كفريق واحد كان من أبرز مظاهره حضور دولة إيران للقمة. هنا جوبهت القمة بحملة إعلامية إسرائيلية وأمريكية وخليجية محرضة، ما مثّل انكشافا للشرك وبدء سياسة اللعب على المكشوف بين تلك القوى ودول المحور الصهيوني، أو ذلك المحور الذي يتبنى الشرق أوسطية وصفقة القرن و"تزعيم" إسرائيل على الوطن العربي.

ومن مؤشرات التقارب السني الشيعي البارزة تعاطي إيران مع مقترحات إعادة اللحمة؛ التي كان أبرزها صمتها عن عملية نبع السلام التركية في سوريا، وما رددته صحف روسية بأن هناك توافقا إيرانيا روسيا بأن سوريا الجديدة لن يكون فيها بشار الأسد حاكما.

تغير الصراع

 إزاء هذه التطورات غيّرت أمريكا وحلفاؤها في إسرائيل والخليج أوراق اللعبة، وراحت تفتعل معركة مباشرة باستهداف أبرز الشخصيات العسكرية لأحد جناحي هذا التحالف الجديد، لتجني من وراء الحدث عدة مكاسب، أهمها ضرب الأمثال على القدرة العسكرية والاستخبارية لهذا الجناح، أيضا للجناح الآخر، وخطب ود بعض دول الخليج التي كادت أن تفقد الأمل في قدرة أمريكا على مجابهة إيران رغم الأموال الضخمة التي تجبيها منها، فضلا عن اختبار إصرار القوى الأخرى على السير في طريق الوحدة الإسلامية أو كسر هذا التحالف، والعودة لمربع إذكاء الصراع السني الشيعي، وإذا لم تقم بهذا الدور فإنها ستكون حينئذ محط العمليات الانتقامية القادمة، خاصة بعدما رأت هذه الدول بنفسها أنه لا عزيز عند أمريكا وقت الشدة.

وفي المقابل، وإزاء هذا الانكشاف المبكر للمؤامرة الأمريكية التي أرادت بها أمريكا تغيير آليات الصدام البارد إلى الصدام الساخن والحاسم لصالح أمريكا كقوة عالمية، كان الرد الإيراني العنيف سيعطي أمريكا ضالتها، لذا ارتأت إيران ضرورة أن يكون الرد كبيرا في مدلولاته، صغيرا في أضراره لا سيما البشرية، ولذا جاء قصف القواعد الأمريكية في العراق باهتا، ما حرم أمريكا من مبررات الرد الحاسم وأجبرها على العودة للحرب الباردة.

لعل القيادة الإيرانية ارتأت أن الانتصار الحقيقي لدم سليماني يتركز في عملية استنزاف عسكري بطيء وطويل الأمد، تجبر |أمريكا في نهاية المطاف على سحب قواعدها العسكرية من العراق وسوريا.

ارتباك

احتفال ثوار سوريا بمقتل قاسم سليماني وهم من تيار المقاومة "السنية"، وتنديد فصائل المقاومة الفلسطينية "السنية" أيضا بمقتله، يعكس بشكل جلي الارتباك الكبير الذي تشعر به فصائل المقاومة السنية العربية، ليس تجاه "سليماني" فقط، بل تجاه إيران نفسها، وهو الارتباك الذي تسبب فيه المشهد السوري، والذي انتقل فيه الدور الإيراني من دور الضحية المقاوم لدى عموم العرب والمسلمين إلى دور الجلاد الطائفي الظالم، وذلك تحديدا هو صلب الفخ الذي جنت إيران ثماره الآن، وليس من المستبعد أن يتكرر السيناريو في المحاور الاستراتيجية لكافة القوى الإسلامية الأخرى، وهو ما يوجب على الجميع التخلي عن بعض المكاسب الخاصة من أجل نجاح الوحدة الإسلامية الناشئة وتخفيف.

ليتنا ندرك قبل فوات الأوان.

.............................................

سيد أمين يكتب: يناير هذه المرة مختلفا

عوامل عديدة تجعل من ذكرى ثورة يناير هذا العام ليست كسابقاتها ، وهي العوامل التي أدركتها السلطة أيضا فانعكست بحالة التشديد الأمني التي بلغت ذروتها ، متمثلة في تفشى الكمائن في كل الشوارع ، وتفتيش هواتف المارة لا سيما الشباب منهم ، والتكثيف الاعلامي المنصب ليل نهار على قنوات المعارضة في الخارج لا سيما الشرق ومكملين ووطن ، وانهمار الشائعات المختلقة وما فيها من تشنيع على بعض الشخصيات المؤثرة في الحالة الثورية ، لا سيما الفنان والمقاول محمد علي الذي دعا لتظاهرات ذكرى الثورة هذا العام ، وكثير من الاعلاميين خاصة معتز مطر ومحمد ناصر.

وتبقى من أهم العوامل التي تجعل تلك المرة مختلفة، أنها جاءت بعد أشهر قليلة من تظاهرات 20 سبتمبر 2019، وهى التظاهرات التي دلت بشكل واضح على أن هناك قطاعات من الجيش والشرطة متضامنة مع أي حراك في الشارع.

وبما أن من دعا لتلك التظاهرات هو ذاته من دعا لتظاهرات ذكرى الثورة فإن احتمالات تحقق نفس النتيجة وارد جدا ما قد يشجع الناس للنزول.

وفاة الشرعية

ومن أهم العوامل التي من المتوقع أن تساهم في دعم الحراك هي حالة الوحدة التي تحققت لدي جميع معارضي النظام، كاسرة حاجز الانقسام الذي قام بتصنيعه وتغذيته طوال السنوات الماضية عملا بسياسة "فرق تسد"، وضمن له الاستمرار في الحكم.

وكان استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي في محبسه، أحد أهم عوامل توحيد الصف الثوري، على عكس ما كان يعتقد النظام، بل إن موقف الغرب الذي ظل داعما للسيسي طيلة تلك الفترة سرا وعلنا خيفة أن يعود مرسي والإخوان لحكم مصر من الممكن أن يكون قد تغير هذه المرة لا سيما بعد إعلان الأخوان بأن شرعية الرئيس سقطت باستشهاده، والثورة الآن في يد الشعب.

وهي الواقعة ربما ذاتها السبب الذي يجعل مواقف قيادات في الجيش والشرطة والجهات الأمنية الفاعلة قد تغير 

موجة الربيع العربي

ولعل المآسي التي عاشها العرب في ظل جرائم الثورة المضادة في حق الربيع العربي في موجته الأولى سواء في مصر أو اليمن أو سوريا أو حتى ليبيا والسودان، ونجاح اعلام الثورة في نقله للإعلام الخارجي ساهم في تغير مواقف الحكومات الغربية بعدما تم فضحها أمام شعوبها بأنها تدعم النظم الديكتاتورية سرا وتدينها او تتجنبها علنا، وهو التغير الذي لم يكن واضحا من قبل كما هو الأن، ومانشتات الصحف والفضائيات الغربية تشهد بذلك.

ثم جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي في العراق ولبنان، وتسارع النظم الغربية لدعمها بشكل قد يجعل البعض يشكك في ضلوعهم في تفجيرها، جعل البعض يتساءل: ألم يكن في مصر ثورة كما هي الآن في العراق، فلم سارعت هنا في دعم الثورة، وسارعت هناك في دعم الثورة المضادة؟

كما أن هناك حالة انكشاف واضحة التصقت بالنظام لا سيما في تعاملاته الخارجية، حيث إن ما يعتبره رأس النظام "جونا"، كشف في حقيقته أن هناك تنازلا لا يقل عن "تيران وصنافير" قد حدث في البحر المتوسط، وبدلا من أننا كنا نصدر الغاز لإسرائيل بربع سعره الحقيقي – وهو عمل مكروه ومقيت وطنيا – صرنا نحن من نستورد الغاز منها بأضعاف سعره، حيث جرى تبديل مثير في المواضع، وصارت اسرائيل موجودة في كل مطبخ مصري

الظروف الداخلية

وتبقى من عوامل تنامي الآمال بنجاح الحراك هذه المرة انهيار الحالة الاقتصادية لعشرات الملايين من المصريين بصورة غير مسبوقة من قبل، وتزايد وسائل الجباية ونهب الأموال، وتفشي الأوبئة والأمراض، والانفلات الامني، واستمرار سياسة الاستدانة، والتفريط في تراب الوطن … ألخ، وهي العوامل – لا سيما الاقتصادي منها – التي يثق غالبية الناس في أنها ستؤدي حتما في نهاية المطاف لواحد من اثنين، إما ثورة عارمة قد تأتي بعد فوات الأوان وانعدام إمكانية الإصلاح، أو خراب غير مسبوق سيقضي على حاضر مصر ومستقبلها.

كما أن وجود عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون قد أفاد النظام في السنوات الماضية بوصفهم رهائن يتم استخدامهم للضغط على ذويهم ليقبلوا بالاستكانة، إلا أنه يمكن هذا العام أن يؤدي نتيجة عكسية حيث طالت فترة الاعتقال دون بوادر أمل مع تنامي حالات الوفاة في المعتقلات بالإهمال الطبي واقتناع العديدين بأنهم لن يخرجوا إلا موتى.

لكل هذه الأسباب انتعشت آمال المصريين بنجاح حراك هذه المرة

.............................................

سيد أمين يكتب: قصة خليفة حفتر!

مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل ، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح"

لا ننكر أن هناك قسطا كبيرا من الناس لا يعير لمسألة العدالة أو الديمقراطية أو الخير والشر بالا، ويسخر من مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها، ويتركز كل اهتمامه على مسألة الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا مات فيه الجميع.

فانحيازات هذا الصنف دائما مبنية على موقف الدولة، وهي المحصورة لديه فقط في مظاهر سلطتها وسطوتها وحتى استبدادها، وأهم أدواتها بالطبع قواتها المسلحة.

لهذا لا عجب في أن تجد بعض الناس يدافعون عن ديكتاتور عسكري لم يصل حتى لامتلاك سلطة حقيقية مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة سلطة مدنية منتخبة ممثلة شرعية للدولة ومعترف بها دوليا، وهي المميزات التي في الغالب يعتبرونها عيوبا مقابل ما يمتلكه حفتر من عيوب يعتبرونها مزايا، كعدم احترامه لحرية الناس وحقهم في الاختيار.

فحفتر والنظام الذي اقامه في مدينة "بنغازي" برعاية رعاة الثورات المضادة في الوطن العربي، لعب كثيرا على طريقة تفكير هؤلاء "الدولجية"، حينما سمى الجيش الذي أسسه باسم "الجيش الوطني الليبي" فدغدغ خيالات هؤلاء بأنه مناضل وطني قاد الجيش الليبي "الوطني" ليقهر عناصر"المليشيات الإرهابية" الذين انقضوا على الدولة، وتناغما مع ذلك كثيرا ما أطلق اعلامه عليهم لفظ "الجرذان" الذي كان يطلقه معمر القذافي عليهم في 2011، محاولا بذلك توثيق نفسه أمامهم بأنه الوريث الشرعي لدولة القذافي.

ولعل قيام مكونات دينية متطرفة كالجامية المدخلية في ليبيا، والمعروفة بتبني النهج "الدولجي"، بالانحياز لحفتر ومليشياته يعني أن تلك السياسة لاقت ارتياحا لدى البعض، للدرجة التي جعلت أنصار القذافي نفسه في "سرت" يتجاوبون معها ويرحبون باستيلاء قواته على مدينتهم عوضا عن قوات حكومة الوفاق الشرعية.

لكن سرعان ما خرجت قيادات القبيلة التي ينتمي اليها القذافي واعلنت عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع وأنها غير طامحة في الحكم ولا تسعى له، وقد نالت كفايتها منه.

كشف الأباطيل

بالطبع تلك الدعايات السمجة لا يمكن أن تنطلي ألا على قليل الخبرة السياسية وعديم المعرفة بتاريخ الدولة الليبية ومسيرة القذافي وأحداث الواقع.

فلو تعاملنا بمنطق وراثة حكم القذافي، وهو منطق باطل ومذموم، فالجنرال المتقاعد خليفة حفتر لا يصلح وريثا للقذافي بينما ابنه سيف الاسلام القذافي نفسه حي يرزق، وابن عمومته قذاف الدم على قيد الحياة.

كما أن مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح" وهى التي تعني ببساطة أن جميع فئات الشعب هى ذاتها قوات الجيش، وقد تعني بشكل أخر عدم وجود جيش نظامي للبلاد أصلا، وتقوم النظرية على أنّ جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح سنويا، في حين أن الجيش الذي يقوده حفتر أسس بعد سقوط القذافي عام 2011.

وها هى الشهادات تتوالى لتثبت أن جيش خليفة حفتر "الوطني" ما هو إلا مجموعات من المرتزقة تم استئجارهم من قبائل الجنجاويد بالسودان وتشاد ومصر والأردن وسوريا وشركات أمنية أوكرانية وروسية، لدرجة جعلت المسماري المتحدث باسم جيش حفتر يقر بوجود العسكريين الروس كما أقر بوجودهم الرئيس الروسي نفسه، ونجد أن الممول الرئيسي المشتبه به في تمويل تأجير هؤلاء المرتزقة السعودية والإمارات، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اختصهما القذافي بالعداء سواء قبل الثورة أو أثنائها ، وألقى عدة خطابات موجهة لقادتهما تطالبهم بعدم تأجير "الجرذان" وعدم التأمر على ليبيا.

كما أن فرنسا الداعمة الكبيرة لحفتر هي ذاتها أبرز الجهات التي دعمت الإطاحة بالقذافي.

 حياة متمردة

حياة خليفة حفتر الذي يقترب من الثمانين "مواليد 1943" مليئة بقصص التمرد ، فبعدما ساهم في انقلاب 1969 في ليبيا والذي يعرف باسم ثورة الفاتح من سبتمبر التي أوصلت القذافي للحكم ، أرسله القذافي عام 1987 للمشاركة في الحرب ضد دولة تشاد المدعومة "فرنسيا" لكنه وقع في الأسر ومعه700 من قواته واتهمته تشاد باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا ، فاستدار على من أرسله، وقام هناك بدعم خارجي بتشكيل تنظيم عسكري بهدف الإطاحة بالقذافي لكن الأمر افتضح لدى القذافي فاصدر عليه أحكاما بالإعدام، ما جعله يعقد صفقة "تجنيده" مع الأمريكان لكي تُطلق تشاد سراحه ، ويؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي انبثق عنها "الجيش الوطني الليبي" بدعم أمريكي كامل في كينيا، وفي عام 1990 يسافر إلي فرجينيا ليقضي فيها أكثر من عقدين من الزمان ويحصل على الجنسية الامريكية، ولما حدثت الثورة الليبية هنا ارسلت أمريكا "مجندها الثمين" ليساهم في إسقاط القذافي على أمل أن تنصبه حاكما على هذه الدولة الثرية، إلا أن يقظة الثوار حالت دون حدوث ذلك حتى تلك اللحظة.

الغريب أنه حينما تم أسر حفتر في تشاد كانت رتبته عقيد، ولا يعرف للآن من منحه رتبة المشير تلك التي يحملها.

قصة تمرد

للجنرال العجوز قصص أخرى أكثر غرابة وتشويقا، منها اتهامه من قبل المتحدث السابق باسم "جيشه" محمد الحجازي بالاستعانة بـ "السحر" واستجلاب سحرة من النيجر وتشاد بهدف إخضاع المحيطين به.

وروى المتحدث العسكري السابق قصة على هذا المنوال، مشيرا إلى أن المحيطين بحفتر أتوا له بساحر دفعوا له نصف مليون جنيه ليبي ، ليصنع له خاتما يضعه في يده، به فص يقولون إن جنيا خادما يقبع داخله، وهو ما يجعل الناس حين يحضر حفتر تهتف وتصفق.

على ما يبدو أن الدولجية يحبون من يخدعهم!

........................................................

سيد أمين يكتب: ورحل مبارك.. خبر تمنيناه فلما رحل ترحمنا عليه!

كان من الممكن أن يكون الخبر الذي أعلنه التلفزيون المصري اليوم حول وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كفيلا وحده بأن يهز مصر من شمالها إلى جنوبها فرحا في الغالب أو حزنا أحيانا، بل وأن يكون الخبر في حد ذاته ثورة قبل الثورة، وأن يتصدر كافة وسائل الاعلام العالمية بلا استثناء، لو كان حدث ذلك قبل عشر سنوات من الآن.

وقتها كان سيعتبر الناس ذلك تغييرا ربانيا – حتى لو كان شكليا – في حكم وصل لمرحلة قصوى من الاستقرار والثبات والتجذر، لدرجة أدرك معها خصومه أنه لا يمكن اسقاطه بفعل عمل شعبي.

وربما فتح هذا الحدث أفاق الأمل لدى الحالمين لخلق مسار ديمقراطي كامل وتداول للسلطة بعدما تاقت نفوس الناس آنداك لأن يسمعوا لـ "ملهم" غيره يقضي على الفساد والمحسوبية والرشوة ويعطي اعتبارا لدولة القانون، كما يحدث في كثير من بلدان العالم المبتلاة بـ "داء الديمقراطية".

خبر باهت

لكن فيما يبدو أن الله لم يرد للمصريين السعادة، فقد جاء خبر وفاة الرجل وقد صار أكثر الناقمين عليه آنداك مترحمون على أيامه، وأصبحنا نوازن بين الشر الذي تمنينا زواله والأشر الذي وقعنا فيه، والضر الذي كان والأضر الذي أمسى جاثما على صدورنا، وأصبح حال أكثر من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة يردد المثل "ما اسخم من ستي إلا سيدي".

وقد تلقى المصريون الخبر بشيء من الفتور، تماما كما يتلقى أحدهم خبر وفاة شخص يعرفه بشكل سطحي في العمارة أو الشارع الذي يقطن فيها، وقد ساهم في صناعة هذا الفتور تكرار الأخبار التي تداولتها المواقع طيلة السنوات الماضية عن وفاته أو وفاة السيدة زوجته ثم يثبت كذبها.

وكذلك حالة الانشغال التي يعيشها المصريون جراء همومهم الداخلية وغلاء المعيشة لم يترك لهم مجالا للتفكير كثيرا في هذا الحدث الذي لا يغني أو يسمن. 

وفي الواقع كان هناك فقر ولكن لم يكن هناك جوع كما هو الآن، ووجد فساد ولكن كان يوجد تكيف شعبي معه، وكان هناك ظلم ولكن كان معه شيء من ردع بسلطة القانون، وكان للشرطة تغول ولكن كان هناك ما يردعها من قوى مجتمع مدني واعلام ونخب وقضاء فضلا عن أنها كانت تقوم بدور في حفظ الامن في الشارع ولم تكن هي مصدر الفزع لدى الناس كما يحدث حاليا.

كانت المؤسسات مترهلة وفاسدة ومع ذلك حاولت أن تحتفظ بالحد الأدنى من مهام وظيفتها، ولم تهدرها وتقوم بعكسها كما يحدث الان.

لجأت السلطة آنداك لتغليف مواقفها وإجراءاتها بمبررات تبدو منطقية بدلا من تلك السلطة التي تقوم بتصنيع الخطأ من أجل تبرير الخطيئة التي ستقوم بها.

كانت سلطة مبارك تحاول الظهور بمظهر الديمقراطية بينما تجتهد سلطة السيسي في التدليل على قسوة إجراءاتها القمعية وأنها تنفذ ما تريد دون الحاجة للتبرير ودون أي رادع على الإطلاق، حتى صار الجميع يدرك أن ما تريده السلطة تفعله بأقسى الطرق وأكثرها وحشية

واحد من الناس

 كنت واحدا من الناس الذين انشغلوا كثيرا بصحة مبارك ورأيت في أخبار مرضه قبل ثورة يناير نافذة للتغيير، ولما حدثت الثورة وتنحى الرجل اعتبرت أن أعظم احلامي في الحياة تحققت، وأن شمس الحرية أشرقت على مصر، لدرجة أنني في يوم من غير أيام المظاهرات تعمدت أن أصلي صلاة الشكر بميدان التحرير.

وأسست مع زملاء حركة صغيرة طموحة تحت مسمى "الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك "، استضافتني بسببها معظم الفضائيات المصرية، وأسهبت في تعديد جرائم مبارك حتى ركزت في أحداث التسعينيات الخاصة بقمع الجماعات الإسلامية وما شابها من جرائم حتى بدأ الإعلام ينصرف عني، وقتها شعرت أن من ارتكب تلك الأحداث كان ما زال حاكما وينوي أن يكررها، وقد كررها بشكل أكثر بشاعة وفجاجة.

وقتها خشيت أن يتم تسخيري دون قصد وتسخير الحركة في تحقيق أهداف خاصة بنزاع بين أقطاب السلطة العسكرية الحاكمة، فأعلنت إلغائها.

ولعل القرار الذي اتخذته السلطة بتشييع مبارك في جنازة عسكرية، بزعم كونه أحد كبار قادة القوات المسلحة في حرب أكتوبر لدليل بين أن النظام الحاكم هو النسخة الأكثر قمعا واستهانة باردة الشعب من نظام ثرنا عليه في يناير 2011،

بينما قام نفس هذا النظام بدفن أول وآخر رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر سرا وفي جنح الظلام ودون تحقيق جدي في ملابسات استشهاده.

......................................

سيد أمين يكتب: كورونا.. هل هو حرب بيولوجية؟

السينما الأمريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل.

في عام 2011 أنتجت السينما الأمريكية فيلما مدهشا أسمه "المرض المعدي" أو "Contagion" من إخراج ستيف سوديربيرغ، يوثق انتشار مرض معد مصدره "شربة الخفافيش" ، وانطلقت العدوى من وسط مدينة مزدحمة بالسكان لتقتل ملايين البشر في كوكب الارض.

ثم أنتج في عام ٢٠١٤ مسلسلا أمريكيا أسمه السفينة الأخيرة the last ship"" عن رواية صدرت عام 1988 تحمل الاسم نفسه لويليام برينكلي يتحدث عن فيروس دمر العالم، والغريب أنه في يعض المشاهد يتحدث عن أن الوباء انتشر في القاهرة والحكومة المصرية تسترت عليه حتى أصبح خطرا وجوديا عليها"

وهناك أعمال سينمائية أمريكية أخرى تتحدث عن ملامح المشهد العالمي الحالي، مثل فيلم "Outbreak" أو "تفشى الوباء" الذي أنتج عام 1995، ويتحدث عن وباء يدمر الجهاز التنفسي وينتشر بسرعة شديدة في العالم انطلاقا من قرود في "زائير".

وفيلم "I Am Legend" أو الناجى الوحيد ويتحدث عن حرب بيولوجية نجمت عن تصنيع فيروس معدي ينتقل بالتنفس ويدمر العالم، ومثله أيضا فيلم "الحجر الصحى" "Quarantine" ، وفيلم "Flu" أو "الأنفلونزا القاتلة".ذلك بخلاف سلسة أفلام الزومبي الأمريكية الشهيرة تتحدث عن نفس الموضوع تقريبا.

كل تلك الأعمال تثير علامات تعجب حول دقة السينما الأمريكية في تجسيد خطر الفيروس، بحقائقه واحتمالاته التي نعيشها الآن، بلغت من التطابق درجة أنها حددت أن مصدر الوباء الخفافيش، وأنه انطلق من مدينة مزدحمة، وأنه يصيب الجهاز التنفسي، وأن القاهرة تتكتم.

تماما مثلما تنبأت تلك السينما بوصول شخص الرئيس الأمريكي بصورته وشخصيته للبيت الأبيض والتي جسدها الفيلم الكرتوني "عائلة سيمبسون" الذي أنتج في عام 2000.

ما يثير علامات استفهام حول ما إذا كان هذا التشابه مجرد صدفة، أم استباق نشر لمعلومات عسكرية أو علمية دقيقة تحصلت عليها، أم إن هناك أشقياء "أشخاصا أو دولا" قاموا بتطبيق هذه الأعمال السينمائية على أرض الواقع كما فعل "أحمد بدير" في فيلم "بطل من ورق"؟

تنبوأت أم معلومات؟

لكن الأمر يزداد دهشة حينما تعرف أن السينما الامريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل في أسواق الصين، قبل انتقاله بسرعة إلى مختلف بقاع العالم"

فيما قام مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي البريطاني العام الماضي بعمل محاكاة لمواجهة فيروس مشابه يقضي على 85 مليون شخص في أشهر قليلة، وتنقل عن الدكتور إريك تونر العالم بالمركز لاحقا أنه لم يشعر بالصدمة عندما ظهرت أنباء عن انتشار فيروس كورونا.

وسيبلغ التشويق مبلغه حينما تعلم أنه في 2018 صدرت تحذيرات علمية من تعتيم عن خطط عسكرية أمريكية لتحويل الفيروسات إلى "فئة جديدة من الأسلحة البيولوجية" ونشر الفيروسات المعدلة وراثيا بالمحاصيل في إطار برنامج Insect Allies، وهو ما نفته تماما وقتها وكالة (داربا) صاحبة البرنامج مؤكدة أنها تحاول فقط تعديل المحاصيل باستخدام الفيروسات لإحداث تغييرات جينية عليها، بينما نقلت مواقع عن القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأميرال الأمريكي جيمس ستاف أنه حذر في مقال سابق له بمجلة فورين بوليسي من أخطار حرب بيولوجية متوقعة قد تقضي على خمس عدد سكان العالم.

الحرب البيولوجية

تباينت الاتهامات بتصنيع الفيروس بين الدول العظمى ولكنها انحصرت بين أمريكا والصين وإسرائيل، إذ اتهم ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق داني شوهام الذي درس الحرب البيولوجية الصينية، فى حوار له مع صحيفة الواشنطن تايمز الصين بأنها أنتجت الفيروس كورونا فى مختبر بمدينة ووهان الصينية، ضمن برنامج سري للأسلحة البيولوجية

وعلى غرار اتهام رئيس الحزب الليبرالي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي والمعروف بآرائه المتطرفة بشأن وقوف أمريكا وراء الفيروس، اتهم بطل فيلم "Outbreak" الحكومة الأمريكية بالمسؤولية عن إنتاجه.

ولم يستبعد الروسي إيغور نيكولين المسؤول السابق قي البعثة الأممية للأسلحة البيولوجية أن يكون الفيروس جاء نتيجة حرب بيولوجية واختار صانعوه مدينة ووهان التي تقع في قلب الصين ذات الكثافة السكانية لينطلق منها.

أصحاب هذا التوجه يدعمون حجتهم بما تردد عن أن فيروس إنفلونزا الطيور الذي ضرب العالم في عام2010 كان نتاجا لأبحاث بيولوجية أمريكية في مختبرات لها بإندونيسيا.

قارب النجاة

عمليات الإبادة الجماعية ليست مستبعدة في السلوكيات الاستعمارية، بل إن هناك بعض الفلاسفة الغربيين برروا لها وحذروا من أن زيادة أعداد سكان العالم بشكل كبير قد يقضي على فرص ما أسموه السعادة البشرية، واقترحوا نظرية غير أخلاقية بالمرة من أجل ذلك اسموها "قارب النجاة" تقترح التضحية بالحمولة الزائدة من القارب لكي ننقذه من الغرق، وأنصار هذه النظرية الفجة يشجعون أعمال الإبادة الجماعية.

عموما فإن سلوك مسلك الحرب البيولوجية ليس ببعيد في السياسات الخارجية للدول العظمى، فقبيل غزو العراق عام 2003 م خرجت العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية لتؤكد أنهم يجرون أبحاثا من أجل إنتاج مواد بيولوجية تستهدف العراقيين وحدهم، وتلاها مزاعم إعلامية ترددها وسائل التواصل عن وجود مركز أبحاث اسرائيلي بريطاني مشترك لاستخلاص فيروس لقتل العرب.

..................................................

سيد أمين يكتب: من يقف وراء محاولة اغتيال حمدوك؟

 نقلا عن موقع عربي 21

قد يحمل اتهام النظام السوداني السابق بالتورط في محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك شيئا من العمق، لكن الأعمق منه توجيه أصابع الاتهام إلى المستفيد من توجيه تلك الأصابع لهذا النظام الراحل.

فمن يوجه الاتهامات سيخلق بلا ريب انقساما مجتمعيا حادا في هذا البلد، من خلاله وصم قطاع عريض من الشعب بالارهاب، ما يعني ضرورة مواجهته بذات السلاح، وبالتالي عليه أن يتخير ما بين الإبادة أو الإقصاء.

وهي ذات الاتهامات التي حاولت سلطة الجار الشمالي للسودان أن تواجه بها جزءا كبيرا من الشعب، وبررت من خلالها تكميم الأفواه والحريات، واستباحة الدماء، وجرّمت حقهم المشروع في المواطنة والتعبير والاحتجاج والتظاهر، مستظلة بشعارات زائفة، بدأتها من الإرهاب المحتمل حتى وصلت للمعركة التي لا يجب أن يعلو صوت فوق صوتها.

والقول بأنه من مصلحة النظام القديم تخريب المسار الديمقراطي للسودان أملا في العودة للحكم، هو في الواقع قول يحمل قدرا من السذاجة؛ لأن أوضاع السودانيين الاقتصادية في ظل النظام الجديد لم تختلف كثيرا عن حالها في ظل النظام القديم، بل إنها ساءت بشكل كبير دون أن يكون للبشير والأحزاب الإسلامية أي تدخل فيها.

يحدث هذا السوء رغم تدفق المعونات والمنح والقروض على الحكومة الجديدة من القوى الخليجية الراغبة في ضم الخرطوم لأحلاف اقليمية معينة، ورغم رفع قسم كبير من العقوبات الأمريكية والأوروبية عن السودان، وهي العقوبات التي كبلت نظام البشير وأوصلت الوضع الاقتصادي إلى حد الثورة عليه.

كما أن تحميل النظام السابق مسؤولية الانهيار الاقتصادي في السودان (رغم مساوئه التي لا تعد ولا تحصى) فيه تحامل كبير عليه، لأنه أصلا لم يتسلم السودان واحة خضراء فبوّرها، لكنه تسلمها من سابقيه، وهم كثر، على هذا الخراب، فأهمل فيها كما سيهملها من يحكمون الآن.

شيطنة الإسلاميين

وعلى غرار ما حدث في شمال الوادي من ظهور، حركات وجماعات لم يسمع بها ولا بنشاطها الشارع المصري قط سوى بعد انقلاب 2013، حدث في جنوبه، وخرجت بيانات من جهات غير معروفة من قبل تعلن تحملها المسؤولية عن التفجير. والغريب أن جميعها تحمل مسميات أو شعارات ذات طابع إسلامي، منها مثلا "حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان" و"داعش السودان".

كما ترافق مع الدقائق الأولى للهجوم، إسراع أحزاب وجهات وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحاكم بإدانة حزب البشير واتهامه بالتورط في الحادث، رغم عدم وجود أي دلائل توحي بذلك، واستباقا لأي تحقيقات.

وهذا يوحي بأن الهدف هو شيطنة الحركات والأحزاب الإسلامية السودانية، رغم أنها نفت علاقتها بالحادث جملة وتفصيلا، وسارعت للتعبير عن إدانته في اللحظات الأولى، فضلا عن أنها الأحرص على ألا يتكرر المشهد المصري في السودان.

واللافت أن صحف وفضائيات الإمارات والسعودية ومصر دون سواها، اهتمت بالحادث اهتماما كبيرا، وتوجهت بـ"ربطة معلم" باتهام الإخوان في تدبير الحادث، داعية لسرعة تصفيتهم من المجتمع السوداني.

الرابح والخاسر

في الواقع هناك فئات كثيرة ستستفيد من الحادث، وفي المقابل هناك جهة واحدة تضررت بشدة منه.

أول المستفيدين من الحادث، هي تلك الدول التي تناصب الإسلام السياسي العداء، وتحاول أن تقصيه من السودان، وأن توجد لنفسها موطئ قدم ينافس الوجود التركي في جزيرة سواكن والصومال، لا سيما في هذا البلد صاحب السواحل الهائلة على البحر الاحمر، والمعبر الحيوي لأدغال أفريقيا، والأراضي الزراعية الوفيرة. وفي مقدمة هؤلاء الإمارات والسعودية ومصر.

ثاني المستفيدين، هي القوات المسلحة التي تم إرغامها عبر المظاهرات والمسيرات وتردي الحالة الاقتصادية وغيرها على القبول بمشاركة القوى المدنية في الحكم، وهذه القوات بحاجة لتبرير العودة للقبضة الحديدية تدريجيا حتى يتسنى لها في نهاية المطاف الإطاحة بحلفائها المدنيين، على غرار ما حدث في مصر.

ولا ننسى أيضا أن هناك عدة محاولات انقلابية نفذتها جهات في الجيش في وقت سابق، لكنها فشلت.

ثالث تلك الجهات هي التيارات ذات الطبيعة الراديكالية في القوى المدنية، كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والتي تريد صبغ أيديولوجيتها على الحكومة، وهي بالمناسبة من أكثر الكارهين للتيار الإسلامي.

يأتي رابعهم الحركات المسلحة في السودان، وهي كثيرة وقادرة على تنفيذ أجندتها بقوة السلاح.

ورغم كل ذلك، فإن البعض يحلو له تحميل حزب البشير المسؤولية رغم أنه هو الخاسر الأكبر من سلوك هذا المسلك، وأن زيادة معاناة الناس جعل البعض يترحم على أيامه، على غرار ما حدث في مصر.

...............................................

سيد أمين يكتب: في مصر.. ضحايا مجهولون لكورونا

نقلا عن عربي 21

لا تقتصر مخاطر تفشي فيروس كورونا في مصر وما تلاه من إجراءات اتخذتها الدولة للحد من انتشاره؛ على من يمرضون به أو على ذويهم فقط، ولكن يتخطاه ليترك آثارا كارثية على فئات واسعة في دولة يعتاش قطاع كبير من سكانها على مدخولاتهم المادية اليومية أو الشهرية.

ومشكلة هذه الفئة أنها لا تمتلك مدخرات أو عوائد مادية ثابتة، ولو توقف أحدهم عن العمل يوما واحدا فإنه سيعرض نفسه وأسرته للجوع، في ظل غلاء تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى أن هذه الفئات تسكن في الغالب مساكن إيجارات جديدة تقتطع جزءا كبيرا من مدخولاتها المادية.

ورغم عجز كثير من المواطنين عن مواجهة تكاليف المعيشة في ظل الظروف المعيشية العادية، فإنهم مع تفشي الوباء وما قد يعقبه من إجراءات تفرضها الدولة، سيكونون قد فقدوا مورد رزقهم، ومطالبين في الوقت نفسه بزيادة إنفاقهم لتغطية مستلزمات الوقاية من إصابتهم وذويهم بالفيروس القاتل، خاصة أنهم الفئة الأقل في الرعاية الصحية.

الفئات المتضررة

فعلت وزارة القوى العاملة خيرا حينما قررت منح أصحاب العمالة المؤقتة راتبا قدره 500 جنيه (30 دولارا) شهريا، وهو رقم مع زهادته إلا أننا نشك أصلا في صحة تطبيقه، وفي عدد من سيستفيدون منه، ونأمل ألا يكون مجرد "لقطة" من "لقطات" خادعة اعتادها المصريون السنوات الماضية.

فهناك قائمة طويلة ممن سوف تتأثر أعمالهم جراء تفشي الفيروس وستستحيل حياتهم مع فرض الدولة حظرا للتجول، أو ستتوقف أعمالهم جراء الذعر الذي ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.

فهناك ما بين 2.4 مليون (حسب الإحصاءات الرسمية) إلى 5 ملايين عامل (حسب إحصاءات أهلية) من العمالة غير المنتظمة، والتي تتضمن عمال "اليومية" والتراحيل والمعمار والمقاهي ومحطات الوقود والباعة الجائلين وغيرها، وتتسع رقعة إعالة هذه الفئة لما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون نسمة.

وهناك أيضا فئات توجب طريقة عملها التعامل المباشر مع الجماهير وتسلم وتبادل النقود والأوراق، ما يضاعف تعرضها للإصابة بالفيروس، ومن أمثلة هؤلاء محصلو الأتوبيسات والقطارات والمترو وحتى شركات الطيران، فضلا عن سائقي السرفيس والتكسي والتوكتوك، أيضا محصلي المستشفيات والنوادي وغيرها.

كما تشمل المعاناة الأيادي العاملة في قطاعات الصحة والعناية الصحية والخدمات المعاونة من طواقم التمريض وحتى عمال النظافة، بمن فيهم أولئك العاملون في الشوارع العامة، وجميع هؤلاء معرضون بشكل مباشر للمرض. بل إن تفشي الوباء يفرض عليهم مسؤوليات أكبر في حين أن بعضهم ليس بوسعه تحمل تكاليف الرعاية الصحية التي يشارك في صناعتها.

ونحن هنا نستثني الأطباء الذين يقع عليهم دور البطولة في هذه الحرب الحقيقية، لكونهم يتلقون محفزات مالية وطبية تبدو مقبولة وإن كانت في حدها الأدنى.

كما امتد خطر كورونا ليقطع أقوات العاملين المستقرين في القطاع الخاص، كالمدارس الخاصة على سبيل المثال، حيث استغلت كثير من اداراتها قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة 14 يوما، فمنحت العاملين لديها اجازة دون راتب، ما يخشى أن تحذو حذوه الشركات والمكاتب الخاصة حال تمديد وتعميم الاجازات، وتحرم المواطنين من أموال هم في أمس الحاجة لها.

وقد تندهش إن علمت أن غالبية أئمة المساجد معينون بعقود ؤؤقتة ويتقاضون رواتبهم بناء على عدد الصلوات التي قاموا بإمامتها وخطب الجمعة التي حضروها، وإغلاق المساجد سيعرض تلك الفئة لفقدان مورد رزقهم.

واجبات الدولة

في الواقع، إن الجميع في مصر سوف يتأثرون بدرجة ما من تفشي وباء الكورونا، وواجب الدولة والمجتمع هو حماية الفئات الفقيرة والمسحوقة وتقديم يد العون لهم لمجابهة هذا الخطر الوجودي الجسيم.

ويبقى من أولى واجبات الدولة الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجونها، وهم بعشرات الآلاف، خاصة أنهم الأكثر عرضة لتفشي الوباء بسبب تكدس السجون وسوء التهوية والتغذية فضلا عن ضعف مناعة المعتقلين التي يلهبها سوء الحالة النفسية جراء الحبس الطويل غير المبرر.

ومن واجباتها توفير الطعام والدواء والرعاية الصحية لغير القادرين طوال فترة تلك المحنة، وأن تسقط التزاماتهم المادية من فواتير ماء وكهرباء وغاز وإنترنت وغيرها حتى جلاء المحنة، لأنه كما للدولة حقوقا على أبنائها فإنها ملزمة بتأدية واجباتها تجاههم، وإن لم تؤدها فلا يحق لها الحديث عن الحقوق وذلك ببساطة لأنه لا وطن بلا مواطن.

كما يجب على الشعب عدم التكالب على تخزين السلع والبضائع ما يؤدي لرفع أسعارها بصورة جنونية، فيعجز الفقير عن الحصول عليها، لأن ذلك ليس من خلق المسلم المحب لدينه ووطنه.

................................................

سيد أمين يكتب: المشاهد الخمسة في مقالات "نيوتن"

كان من الممكن أن يمر المقترح الذي طرحه من يكتب تحت اسم "نيوتن" المستعار في مقاله بجريدة المصري يوم الأحد الماضي 12 ابريل بعنوان"استحداث وظيفة" وما أعقبه من مقال أخر بعنوان "حاكم سيناء" مرور الكرام، لولا عدة مشاهد داخلية وخارجية لا يمكن أبدا تجاهلها والقفز عليها.

المشهد الأول:

أولى تلك المشاهد هي أن المنطقة المستهدفة بالاقتراح بأن يتولى أمرها حاكم خاص لمدة ستة سنوات بعيد عن سيطرة حكومة القاهرة المركزية، هي نفسها سيناء التي ذكرت العديد من التقارير والمصادر المسئولة المعلنة والمجهولة، العربية والاجنبية والمصرية والاسرائيلية، بأنها جزء من "صفقة القرن".

و"صفقة القرن" هي مصطلح كان أول من أعلنه صراحة هو عبد الفتاح السيسي في لقاء شاهده العالم أجمع مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب عام 2017مبديا حماسة ودعما كبيرا لها، قبل أن يعود لينكر معرفته بهذا الأمر، ثم يجري بعدها تغيير مسمى الصفقة اعلاميا لتكون أكثر نعومة تحت مسمى "صفقة تبادل الاراضي". 

وبالتالي فإن حديث "نيوتن" هو أقرب ما يكون لطرح رؤية جديدة على نفس قواعد صفقة القرن، مع طرح تعديل بسيط هو بدلا من التنازل عن جزء من سيناء لحكم أجنبي، هو التنازل عن كل سيناء لحاكم "ذا هوية مصرية" يفعل بها ما يشاء. 

ولم يقل المقال ما إذا كان هذا الحاكم واعوانه ممن اشتروا الجنسية المصرية مؤخرا ام لا؟

المشهد الثاني:

من التدليس أن يقوم "نيوتن" بتبرير طرحه بأنه الحل الوحيد في التغلب على بيروقراطية الدولة التي تحول دون تنمية سيناء، والقاصي والداني يعلم ان تنمية سيناء لا ينقصها أليات وكفاءات وخبرات ولكن أهم ما ينقصها هو صدق النوايا السياسية في تنميتها، خاصة مع ما يتردد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 أن هناك بنودا سرية لم يطلع عليها الشعب تقضي بتقاسم ثروات سيناء مع اسرائيل.

وكذلك بأنها ستبقى رهن التفريغ العمراني كمسافة آمنة بين البلدين وممنوع احداث اية تنمية فيها.

قد يكون ها الكلام ليس صحيحا ولكن التجربة الفعلية على الارض أيدته، فسيناء 2020 لا تختلف كثيرا عن سيناء 1979 سوى أن قرى ومدن فيها ازيلت من الوجود، بمعنى انها أهملت أكثر وفرغت أكثر ولا شأن للكفاءة والأليات بذلك.

بل أن اتفاقية السلام التي كانت مدتها 20 عاما انتهت 1999 وكانت هناك فرصة للتخلص من اعبائها لكن ما جرى هو تمديد الاتفاقية وبالتالي تمديد قيود غياب سيناء، فإذن المسألة كانت ارادة سياسية وليست كفاءات.

المشهد الثالث:

ضرب "نيوتن" المزعوم مثالا بالمكان المرجو أن تكون سيناء مثله لو تحقق مقترحه وهو "هونج كونج"، والواقع يقول أن هذه المدينة الصينية كانت تحت السيادة البريطانية لمدة قرن من الزمان بالتأجير قبل ان تعود للصين، بما يعني انها كانت تحت حكم اجنبي في حين أن المفروض في سيناء انها تحت السيادة الوطنية المصرية.

كما أن هونج كونج نمت بشكل سريع بسبب ما يمكن ان نسميه المكايدة الغربية التي تريد ان تبدو انها تتفوق على الصين حضاريا وهو ما ليس موجودا في مشهد سيناء، إلا اذا كنا نريد كمصريين أن نتفوق على بعضنا حضاريا، أو أن أجنبيا سيديرها.

والواقع أن اقليم هونج كونج لم يختلف كثيرا تنمويا عن الصين نفسها بلد المليار ونصف المليار نسمة، بدليل أن أوربا وأمريكا يستعينون بالخبرات الصينية في كافة مناحي الحياة، والصين هى الدولة الأعلى انتاجا قوميا في العالم.

المشهد الرابع:

نيوتن عرج في مقاله إلى التجربة الماليزية ومهاتير محمد، والواقع أن هذه التجربة لم يقتصر نجاحها على اقليم من اقاليمها ولكن شملت كل ارجاء الدولة، وكانت الديمقراطية وحرية تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير هي مفتاح هذه التجربة.

وهو ما يفتقده المشهد المصري تماما، وكان الاجدى الاقتداء بهذه التجربة لتنفيذها في كل ارجاء مصر لتنمو كل محافظات الجمهورية واقاليمها سويا.

كما أن مهاتير محمد الذي يشير إليه نيوتن بالتقدير لوطنيته واستنارته هو ذاته من هاجمه اعلام الدولة المصرية لعقده قمة "كوالالمبور" الاسلامية مع تركيا وإيران وقطر وممثلي باكستان واندونيسيا 

المشهد الخامس:

كل من يعرف حالة حرية الرأي والتعبير في مصر الأن يدرك يقينا أنه لا يجرؤ أحد أن يكتب مقالا بمثل تلك الخطورة القومية في الصحيفة الأكثر انتشار في مصر دون أن يكون مكلفا به من قبل السلطة.

كما أن هناك العديد من الآراء تقول ان اختيار الصحيفة والصحفي لكتابة هذا المقال له دلالة فريدة، فهناك العديد من الآراء – التي لا نستطيع التأكد من صحتها – تؤكد ان صلاح دياب مالك صحيفة المصري اليوم هو ذاته من يكتب تحت اسم "نيوتن"

ولذلك وجب الخروج من حالة اعتباره مجرد رأي شخصي إلى تحليل أهدافه، فهل هو جس نبض للمجتمع، أم لفئات داخل الجيش والسلطة كانت ترفض "صفقة القرن"؟ 

غدا سنعرف والحبل على الجرار

....................................................

سيد أمين يكتب: مواقف مشرفة للزعيم الكوري.. مات أو لم يمت!

رغم أن الحكام المستبدين والطغاة يملأون عالمنا اليوم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، إلا أن "الميديا العالمية" المعروف تدفقها من الغرب والشمال إلى الشرق والجنوب، نجحت نجاحا مبهرا في جعل الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" – الذي تتضارب الأنباء حول وفاته من عدمها – أيقونة لهذا النوع من الحكام.

 وتجاوز تأثير تلك "الميديا" بسطاء الناس وعامتهم حتى وصل إلى النخب السياسية والمثقفة في العالم التي باتت تتصرف بناء على ما تتلقاه منها من معلومات، وما تبثه من أخبار شبه يومية عن التصرفات بالغة القسوة أو الغرابة التي تنسبها له ولحاشيته.

من نماذج تلك الأخبار مثلا أنه قتل وزير دفاعه بصاروخ مضاد للطائرات بسبب أنه لم يحزن بما يكفي في حفل تأبين أحد اقربائه، وأنه أصر على اعلان فوز فريق بلاده لكرة القدم بكأس العالم، رغم أن فريق بلاده لم يتأهل أصلا للعب في كأس العالم، بخلاف "الصورة النمطية" التي رسمها الاعلام عن حياة الشعب الكوري الشمالي المعتادة، حيث الفقر المدقع، والعمل بنظام السخرة، وعبادة "كيم جونغ أون" وعائلته بالإكراه، والبلاد المتأخرة حضاريا، ناهيك عن أن هناك مخبر لكل مواطن يراقبه حتى في احلامه.

بالتأكيد "لا دخان بدون نار" وبعض تلك المعلومات تبدو قريبة من الحقيقة لا سيما فيما يخص مسألة الحريات، لأن كوريا الشمالية شأنها في ذلك شأن كل بلدان العالم التي يحكمها نظام شمولي أو استبدادي، كما هو الحال في معظم بلداننا العربية التي تذبح الصحفيين وتقطعهم في دورها الدبلوماسية.

ولكن الكثير من تلك الأخبار بدا انها مبالغ فيها، فـ"جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" ليست دولة متخلفة حضاريا والأبراج والمنشآت العملاقة فيها تشهد، فضلا عن أنه لا يمكن أن تكون متخلفة وهي تهدد القوى العظمى في العالم عسكريا.

عموما، يعيق أي باحث عن حقيقة ما يجري في كوريا الشمالية أنه لا يجد ما يستقي منه معلوماته غير الميديا الغربية وما تنشره، وهو ما يفقد المعلومات جديتها.

ولقد جربنا نحن كعرب تلك الميديا في القضية الفلسطينية وغزو العراق والموقف الغربي من المقاومة وحتى من الاسلام السياسي.

المواقف العربية

نحن كعرب لا يعنينا في مواقف كوريا الشمالية أو زعمائها سوى مواقفهم من قضايانا، وهي في الواقع مواقف مشرفة منحازة بقوة للحق العربي في فلسطين والعراق.

فرغم أن الكثير من البلدان العربية طبعت مع اسرائيل ومنهم من ينتظر أو يطبع خلف الستار، لم تعترف كوريا الشمالية بدولة اسرائيل، وبل وتصفها بكيان استعماري تابع لأمريكا، وتعترف في المقابل بدولة فلسطين على كل أراضيها بما فيها الأرض التي أقيمت عليها دولة اسرائيل ذاتها. وطبقت نفس الأمر في مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.

وانتهجت موقفا داعما للتسليح المتطور لكل الدول التي صنفتها "أمريكا" في عهد جورج دبليو بوش بـ "محور الشر" – والتي كانت هي على رأسهم – كعراق صدام حسين، وليبيا القذافي، وسودان البشير، وحزب الله وحماس وسوريا وإيران.

وهناك حرب دعائية معلنة مستعرة بينها وبين إسرائيل سواء أو الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن كوريا الشمالية استبعدت مواطني الدولتين بالإضافة إلى مواطني اليابان وفرنسا من السياحة في اراضيها في وقت مبكر من انفتاحها المحدود على العالم.

الموقف من إيران

 اللافت أن ثلاثة من زعماء الدول التي صنفتها أمريكا بالدول المارقة قد قضوا أو اقصوا من الحكم، فيما يواجه الآخرون متاعب كبيرة ما بين الحصار أو الحرب.

ولعل هذه الرؤية كانت أيضا مدعاة لتمسك كوريا الشمالية باستراتيجيتها في انتاج أكبر قدر من اسلحة الردع الشامل كالأسلحة النووية والذرية وحتى الهيدروجينية، التي تشير التقارير الاعلامية وتكهنات المراقبين بانها استطاعت تملكها.

ويذهب المراقبون إلى أنه بسبب تشابه التشدد في الموقف الأمريكي تجاهها وتجاه إيران، فمن المحتمل أن يكون التعاون العسكري الكوري الايراني لا سيما في المجال النووي عميقا أيضا.

الموقف المصري

ورغم أن بوصلة مصر السيسي السياسية معروفة ومعروف من يرعاها في العالم، إلا أن اخبارا ترددت الاعوام الماضية تناقض هذه التوجهات، وتتحدث عن ضبط البحرية الأمريكية أسلحة كورية في بواخر مصرية متجهة إلى مناطق غير معلومة، الأمر الذي لا يمكنها التسامح، إلا إذا كان هذا التواصل تم بناء على طلب من "قيادتها" لغرض ما، واستجابت له كوريا الشمالية نظرا لحاجتها الى تسويق بضاعتها الرائجة "السلاح".

مواقف كوريا الشمالية تحت حكم اسرة "الوالد  المؤسس"، تتفق تماما مع الحق العربي، وبرغم ذلك فإن الميديا العربية تسير على نهج الميديا الغربية في التشنيع عليها.

بالحق وبالباطل، ودون التأكد للتمييز بين ما هو حق وما هو باطل!

........................................................

سيد أمين يكتب: لماذا تفشى الوباء يا سيادة الوزيرة؟

 لم أستغرب أبدا – على العكس من كثيرين – من تصريح وزيرة الصحة المصرية حينما أحالت ارتفاع نسب تفشى الاصابات بوباء كورونا في مصر إلى تراجع وعي الشعب وعدم التزامه بتنفيذ إجراءات الوقاية المتبعة.

فوزيرة الصحة هي في الحقيقة تتبع نظام حكم دأب منذ أن  تولى الحكم قبل سبع سنوات على الفشل، ثم الهروب بسهولة من عواقب النتيجة بتحميل الشعب المسؤولية باعتباره "الحيطة الواطية".

تختلج في صدور المصريين ردود كثيرة جدا على هذا الادعاء الباطل، لكن "الأسلم لنا" القول بأن تعامل السلطة المصرية مع الوباء كان يشوبه إهمال معتاد في دولة عتيدة البيروقراطية، وأن قلة الخبرة في مثل هذه الجائحة غير المسبوقة هي من أربكت التعامل معها فجاءت كما لو كانت مؤامرة.

دعنا نكن ممن يحسنون الظن ونرفض القول بأن هناك أيادي آثمة تعمدت التلكؤ والتباطؤ في مكافحة تفشي الفيروس في البلاد، بل وإنها تعمدت عبر لجانها الإلكترونية وأبواقها الإعلامية التقليل من خطره الجسيم على أجساد الشعب المصري.

ودعنا أيضا نعتبر أن الاعلام المصري المعروف للقاصي والداني بأنه لا ينطق إلا بأمر من يأمره في كل صغيرة وكبيرة، كان هذه المرة ينطق عن الهوى الشخصي فهون من الوباء بدعاياته الساذجة كقوله إن معدة المصري الذي يفطر على "الفول والطعمية" ويتناول الغداء "ملوحة" و"فسيخ"و"شلولو" تهضم الزلط، وصولا لترويج إعلامك لمن يطالبون بعلاج الوباء بعصير البرسيم.

وعلى منوال هذه المبادرات الشخصية – وهي غير معهودة في مصر منذ 2013 – أطلق فنانون وصحفيون وسياسيون مقربون من السلطة حملات دعائية تهون من خطر الفيروس وتساوي بين "كورونا" و"المكرونة"، وترفض أي إجراءات حمائية بخصوصها.

تربح سياسي

تعالي يا سيادة الوزيرة نتكلم من البداية، فقد كان أول ظهور معروف لفيروس كورونا في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019 في مدينة ووهان الصينية، وما هى إلا أسابيع حتى ضرب دولا عدة في العالم من بينها دول عربية كثيرة يوجد فيها ملايين العمال المصريين.

وبالتالي فإن انتقال الوباء لمصر كان أمرا متوقعا بل وبديهيا مع فتح مطارات وموانئ البلاد على مصاريعها لكل القادمين من دول العالم بما فيها تلك الدول التي تفشي فيها الوباء.

وبكل تباه استقبلت مصر مئات السائحين من الصين وإيطاليا – في عز تفشي الوباء في بلادهما – بل وتم زيادة حجم الواردات من الصين رغم إعلان الصحة العالمية أن الفيروس ينتقل أيضا عبر الأسطح المختلفة ومن ضمنها لا شك أسطح تلك "المنتجات".

لعلك يا سيادة الوزيرة أكثر مني دراية بأن النظام حاول التربح اقتصاديا وسياسيا من تفشي الفيروس عبر إرساله مساعدات طبية لدول ذات نفوذ واقتصادات عملاقة، لا يذكر اقتصادنا بجوارها، رغم أن الداخل المصري وبالأخص المستشفيات في أمس الحاجة لها، وشاهدنا نزيف الطواقم الطبية النادرة والمدربة جراء عدم وجود كمامة أو مطهر.

ونحن هنا لا نلقي بالا لما يتردد من أن المساعدات المقدمة لإيطاليا كانت في الاصل عربونا لدور منتظر لها في دعم الجنرال حفتر أو كـ “دية" لردم قضية ريجيني، وإلا كانوا قدموها لمن هم في حاجة أكثر إلحاحا إليها من المصريين المصابين بالفيروس، وإن كان لابد من الخارج فالجار المحاصر في غزة أولى بالمعروف.

لابد أنك تعرفين يا سيادة الوزيرة أن المعتمرين العائدين من الأراضي المقدسة لم يوقع على أغلبهم الكشف الطبي، وتم الاكتفاء بتقديم النصح والارشاد لهم بالمكوث في البيوت، وبالطبع فإن التزامهم بمضمون النصح مشكوك في حدوثه.

إهمال أم مؤامرة

لكن هل يمكننا يا سيادة الوزيرة تصنيف إصراركم على عدم وجود مصابين بكورونا في مصر حتى 9 من مارس/آذار الماضي حين وفاة السائح الالماني على أنه مجرد "إهمال"، في حين تطاردون من ينشر خبرا عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود إصابات بالوباء وتتهمونه بأنه يردد شائعات، بدلا من شكره لخوفه على صحة الناس؟

ثم تلا السائح الالماني ظهور وفيات من المصريين ما يؤكد أن الوباء كان داخل البلاد بينما كنتم تنكرون وجوده.

ألم يلفت انتباهك يا سيادة الوزيرة أن الصحف الصينية والأمريكية والكندية ومن دول أخرى نشرت تباعا – قبل الاعتراف الرسمي بأكثر من شهر – أخبارا عن اكتشاف عشرات الإصابات بكورونا من مسافرين قدموا لها من مصر، فلماذا كان الإنكار الرسمي المصري؟

إجراءات متأخرة

دعينا نتفق يا سيادة الوزيرة أنه في بعض الأحيان يتحول الإجراء الملح إلى إجراء عديم الفائدة ما لم يتخذ في الوقت المناسب، وهذا ما حدث.

فبعد ارتباك وقرارات متضاربة أوقفت الدراسة، ولكن بعد فوات الأوان والمرض ينتشر في ربوع الوطن، وحتى هذا الإيقاف كان للطلاب فقط، وكأن المدرسين والإداريين محصنون من الوباء.

ثم فُرض حظر للتجوال من المغرب للصباح تُرك خلاله كل شيء يعمل بطبيعته، الأفراح والمقاهي والنوادي، ثم بعد انتقادات للتهاون في الحظر فرضت غرامة على المخالفين، وكأن المرض ينام في باقي اليوم، وهو ما تسبب في زيادة التكدس في المترو والقطارات وغيرها وبالطبع صنع بيئة مناسبة لانتشار الفيروس.

أنتم المسؤولون يا سيادة الوزيرة عن تفشي الوباء، فالهدف من الحظر لم يؤدِ وظيفته، والتجمعات التي يمنعها بالليل موجودة بالنهار في مقار الحكومة وفي وسائل النقل كافة والمحاكم والشهر العقاري وغيرها.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

........................................

سيد أمين يكتب : ماذا يعني تحرير الوطية؟

يبدو جليا أن تحرير قاعدة الوطية المركز العسكري الكبير لمليشيات الجنرال المتمرد خليفة حفتر في الغرب الليبي، ثمرة كبيرة من ثمار الاتفاق الأمني الموقع بين حكومتي طرابلس وأنقرة نهاية العام الماضي.

فهذا الاتفاق وما أعقبه من تطبيقات على الأرض، كان سببا حاسما في تغليب كفة الحكومة الشرعية، لدرجة أنه في نصف يوم فقط تهاوت المدن والمناطق الاستراتيجية التي استولت عليها قوات حفتر كصرمان وصبراته والجميل ورقدالين وزليطن والعجيلات والعسة ومليتن أمام الجيش الليبي في 13 من أبريل/نيسان.

والملفت أنه في تلك المدة الزمنية القصيرة سيطرت حكومة الوفاق على مسافة 500 كيلومتر ممتدة على طول الشريط الساحلي الغربي حتى الحدود مع تونس، وهي المساحة التي كانت قوات حفتر وما لديها من مرتزقة أجانب وسلاح غربي متطور قد أمضت أشهرا طويلة من أجل الاستيلاء عليها.

ولعل هذه الانتصارات العسكرية الكبيرة المتلاحقة تفسر السبب وراء الضجة الكبيرة التي أثارتها الدول الداعمة للجنرال المتمرد تنديدا بالاتفاق الأمني حين توقيعه، نظرا لكونها تعلم أن التعاون العسكري الليبي التركي سيقلب كفة الموازين تماما ويدفن مشروع حفتر ليس في الغرب الليبي فحسب، بل في عموم ليبيا، في التراب.

قاعدة الوطية

بعد تحرير مدن الغرب الليبي، اتجهت الأنظار إلى قاعدة الوطية التي تم تشييدها خلال الحرب العالمية الثانية، واتخذتها قوات حفتر مخلب قط لترويع مدن الغرب الليبي، حيث تسببت الطائرات التي تنطلق منها في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء من المدنيين في طرابلس ومدن أخرى جراء القصف العشوائي والانتقامي.

وخطورة هذه القاعدة التي تمتد على مساحة كبيرة تصل إلى 50 كيلومترا، في أنها تقع على امتداد منطقة مكشوفة وغير مأهولة تجعل أية قوات مهاجمة برا أو جوا عرضة للقصف بالأسلحة الثقيلة، كما أن بعدها عن طرابلس العاصمة بمسافة 150 كيلومترا فقط جعلها شوكة عصية على الكسر تنغص على أهل طرابلس أمنهم.

بالإضافة إلى تحصيناتها القوية، ووعورة الطرق الرابطة بينها وبين قاعدة الجفرة التي تبعد عن طرابلس650 كيلومترا جنوبا وتستخدم نقطة دعم وحشد رئيسية لقوات حفتر، وتربط بين قواعده في شرق البلاد وجنوبها.

كما أن "الوطية" أيضا تعتبر نقطة ربط بين المدن التي لا زالت تحت سيطرة حفتر كالرجبان والزنتان والأصابعة والعربان وهي المناطق التي تمثل خزانا بشريا له بجانب المرتزقة الأجانب.

وهذه الخصائص هي ما جعلت هذه القاعدة حصينة أمام قوات "فجر ليبيا" التي كانت تبعد عنها بمسافة 30 كيلو مترا فقط من دون اقتحامها لمدة عامين، وهى أيضا التي مكنت ميليشيات حفتر من سرعة استرداد أربعة مناطق ومدن من الاماكن المحررة في الغرب الليبي هى رقدالين وزليطن والعجيلات والعسة.

ولذلك صار هناك اقتناع كبير لدى الكثيرين بأن تحرير هذه القاعدة مسألة حياة أو موت للحكومة الشرعية، ولأهميتها تلك ركزت الجهد العسكري عليها، حتى وقفت قوات الجيش الليبي على مشارفها نهاية مارس/ذار الماضي، ودمر منظومات الصواريخ الروسية التي كانت تتحصن بها، ونجح في قطع المؤن والامدادات عنها حتى تم تحريرها اليوم دون أي خسائر بشرية في صفوفه.

ما بعد المرحلة

لا شك في أن تحرير قاعدة "الوطية" يعد انتصارا كبيرا لقوات حكومة الوفاق، حيث إن الامتيازات الكبيرة التي كانت تتمتع بها مليشيات حفتر بسبب امتلاكها تلك القاعدة، قد آلت الآن إلى حكومة الوفاق، ما يمكنها من درء الهجمات التي كانت تنطلق منها نحو المدن الخاضعة للحكومة الشرعية.

بالإضافة إلى أنها تمكن الحكومة الشرعية من تشغيل بعض المرافق المعطلة بسبب كثافة هجمات طائرات حفتر المسيرة، مثل مطار زوارة.

وسيمكّن تحرير تلك الوطية الجيش الليبي من الانتقال لطور الهجوم بدلا من الدفاع، فيهاجم قوات حفتر في حي بني عشير جنوب العاصمة طرابلس، ويهاجم قواته أيضا في مدن الرجبان والزنتان، وبالطبع سيساهم في إحكام الحصار على مدينة ترهونة التي يتوقع تحريرها الأيام القليلة القادمة.

وسيكون للقاعدة بلا شك دورا مهما في تحرير الجنوب الليبي وخاصة قاعدة الجفرة.

وينبغي على قوات الجيش الليبي التحصن في القاعدة مع تزويد قدراتها الخاصة بالدفاع الجوي والمضادات الأرضية من أجل استهداف الطائرات المسيرة التي من المتوقع أن يستخدمها حفتر في الأيام القادمة لاستعادتها، والتي كان نقصها بسبب حصار القاعدة وقطع الإمدادات عنها سببا رئيسيا في تمكين الجيش الليبي من السيطرة عليها.

المسار السياسي

 وعلى المسار السياسي، فالجميع يعلم أن الغرب يعترف بحكومة الوفاق علنا، ويدعم مليشيات حفتر سرا، إلا أن انقلاب الموازين العسكرية لصالح طرابلس بعد الدعم اللوجيستي والفني والعسكري التركي لها، جعل بعض تلك الدول تراجع حساباتها.

فخرجت تصريحات أمين عام حلف الناتو التي عرض فيها تقديم خدماته للحكومة الشرعية، وكذلك تصريحات السفارة الأمريكية في طرابلس عن أنه لا جهة معترف بها في ليبيا سوى حكومة الوفاق، كما صار الموقف الإيطالي أكثر حيادية.

ومع هذه الانتصارات على الأرض وما واكبها من وضوح في الموقف الدولي يتوجب على الحكومة الليبية اقتناص الفرصة، وطرح مبادرة للم شمل الليبيين على مشروعها الديمقراطي، والتداول السلمي للسلطة، والعفو العام.

وأن تؤكد في خطابها العام أنها لا تقاتل من أجل فرد ولا حكومة كما يفعل حفتر، ولكنها تقاتل من أجل وطن حر ديمقراطي.

فجر ليبيا يلوح في الأفق.          

................................................

سيد أمين يكتب: من منى مينا؟.. ومن زوجها الاخواني؟!

حملة ضارية ومنظمة تشنها أبواق إعلامية في مصر ليست ضد جماعة أو حزب أو حتى دولة، كما تعودنا دائما، ولكن هذه المرة ضد الدكتورة "منى معين مينا غبريال" الشهيرة بـ "منى مينا" وكيل نقابة الأطباء السابق والمنسق العام لحركة أطباء بلا حقوق بسبب تصريحات أغضبت السلطة حول سوء تعامل وزارة الصحة مع مرضي وباء الكورونا لا سيما من الأطباء وانتقادها لنظام التكليف الجديد، فانهالت عليها البلاغات.

ورغم أنها مسيحية، راحت تلك الأبواق تتهمها بالخيانة وبالتالي الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ولما صار الأمر مثيرا للضحك، وجدت الأبواق ضالتها في زوجها المسلم المهندس سعيد أبو طالب لتلصق به تهمة الأخونة، رغم أن الرجل من كوادر التنظيمات الشيوعية العتيقة في مصر.

فسعيد أبو طالب هو واحد من مؤسسي حزب "العيش والحرية" اليساري، وبدأت علاقته باليسار حينما التحق بهندسة عين شمس منتصف السبعينيات حيث أصبح كادرا سريا من كوادر تنظيم "المطرقة" الشيوعي الناشط في هذا الوقت، والذي تفكك بعد مقتل السادات عام 1981، وحينما تم التفكير في إعادة تشكيله في عام 1983 فوجئوا بقضية "التنظيم الشيوعي المسلح" دون أن يكون لهم معرفة بالأمر.

كما أن سعيد أبو طالب تربطه علاقات وطيدة بقيادات شيوعية تاريخية، وهو ما ينفي عنه تماما تهمة الأخونة، فهو تلميذ نجيب من تلاميذ الزميل "حمدي" وهو الاسم الحركي لأحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، بصفته عضو اللجنة القيادية، مسؤول التنظيم والاتصال بالمطرقة، كما يقول سعيد أبو طالب في حوارات صحفية.

والأهم أنه عضو جماعتي المهندسين الديمقراطيين و"مصريون ضد التمييز الديني" واللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي، وهي بلا شك تكشف عن بعده.

هي هي .. كما هي:

والحقيقة لا أعرف ما السر الذي يجعل إعلام السلطة يجتهد لإلصاق تهمة الأخونة لكل من يتبنى وجهة نظر لا تعجبه دون أن يسعي أن يرد عليها بالتفنيد والحجة، مع أنه يمكنه أن يعترض عليها بمنطق "الفتونة" دون أن يقدم الحجة والبراهين، ولن يجرؤ أحد على الاعتراض.

والأسئلة الأهم، كيف تكون الدكتورة منى مينا أو زوجها على صلة بالإخوان، بينما هي من قادت إضرابات الأطباء في أكتوبر/ تشرين 2012 المطالبة بالكادر وتحسين ظروف عمل ورواتب الطبيب وتعيين الخريجيين الجدد وتقديم خدمة طبية متميزة للمريض وتأمين المستشفيات ورفع ميزانية وزارة الصحة، كما أصيبت ابنتها الطبيبة والناشطة "سلمى" بطلقات خرطوش الداخلية في تلك الأحداث، وخرجت في وسائل إعلام الدولة لتكشف عن ذلك؟

أليست هي من كانت ضيفا يوميا على شاشات كل القنوات الفضائية، وعلى صدر صفحات الصحف القومية الخاضعة للدولة لتعرض وجهة نظرها منذ إضراب الأطباء الأول في مايو/ أيار 2011 والثاني في أكتوبر/ تشرين 2012؟

أليست هي نفسها ذات المطالبات التي تتحدث عنها في إضرابات الأطباء 2016 والآن؟

ألم تشكل احتجاجات2012 التي اندلعت بعد أربعة أشهر فقط من توليه الحكم، ضغطا شديدا على حكومة الرئيس الدكتور محمد مرسي؟.

وإن لم تتصدر الدكتورة منى مينا المشهد في الحديث عن أي مطالبات صحية تلزم الطبيب أو حتى المريض فمن يتحدث عنهما؟!

وهي من شغلت معظم المناصب النقابية الخاصة بالمهنة لعقود وأول سيدة تتفرد بمنصب أمين عام الأطباء، فمن يتحدث إذن؟

وما الذي تغير الأن فضاق صدر الإعلام والدولة بها، وكيف تحولت البطلة: "قديسة الأطباء" أو "سيدة مصر الأولى" و"الأم المثالية لشباب الاطباء" "ومسيحية التحرير" كما كانوا يسمونها إلى خائنة الآن، رغم أن مطالبها ذات المطالب، ومواقفها ذات المواقف، ما يؤكد أنها لم تتغير.

مواقف إنسانية

المواقف الإنسانية لا تتجزأ عند الإنسان السوي، فللدكتورة منى مينا طبيبة الأطفال مواقف تكشف عن عمق إنسانيتها، منها موقفها عام2003 حينما ألقى القبض عليها في مظاهرة منددة بالغزو الأمريكي للعراق حيث تعرضت للضرب والاعتقال بعد محاولتها إفلات متظاهرة من قبضة مخبرين كانوا يعتدون عليها بالضرب، وللهزل وجهت لها تهمة "سحل" رجال الشرطة وسرقتهم!!

وكيف أنها تطوعت لعلاج المهاجمين والثوار في "موقعة الجمل" دون تمييز، وكيف رفضت تسليم المصابين في أحداث 28 يناير/كانون الأول 2011 الموجودين في المستشفى الميداني لرجال الأمن.

مواقف منى مينا المتعددة جعلتها أيقونة نسوية ونقابية من طراز فريد شكلت بوتقة صهر لعناصر الوحدة الوطنية المصرية، فهي مسيحية متزوجة من مسلم، وهي يسارية تناصب الاستبداد، وهى نقابية دفعها العمل النقابي للالتحام مع الشأن العام.

في الواقع أن منى مينا إنسانة متحيزة لإنسانيتها.

.......................................................

سيد أمين يكتب: ما وراء "مبادرة المهزوم".. على من يراهن خليفة حفتر؟!

في الواقع أن المبادرة المصرية لحل الصراع في ليبيا تقدم ترياق الحياة للجنرال العجوز خليفة حفتر بعد الانهاك الذي لاقته قواته والفرار المتكرر من قاعدة لقاعدة ومدينة إلى مدينة، وتساقط قلاعه العسكرية بشكل درامي أمام الجيش الليبي الشرعي في طرابلس.

ورغم أنه من المستغرب أن يطرح الطرف المهزوم مبادرة سلام تضمن بقائه في المشهد، دون أن يمتلك القوة التي تجبر المنتصر على ابقائه حيا وعدم الاجهاز عليه، إلا أنه أيضا – يا لغرابة – يقدم مبادرة لا تسعى لحل الصراع في ليبيا جذريا، ولكن فقط تؤجله إلى حين، وهو بالطبع ما سيرفضه الطرف المنتصر، وقد رفضه فعلا.

فمن الواضح أن تأجيل الحرب لمدة عام ونصف، هي عمر الفترة الانتقالية في المبادرة، يقصد من ورائها أن يلتقط حفتر أنفاسه، وخلالها ستعمل القوى الدولية والاقليمية الراعية له على تغيير المشهد العسكري الداخلي لصالح الجناح الموجود فيه، وتعقيد المشهد الدولي أمام الأتراك والحيلولة دون تدخلهم في الصراع الليبي متى اندلعت الحرب فيه مجددا، أو متى وقع انقلاب عسكري على المجلس الرئاسي المقترح، كما فعل حفتر نفسه على المجلس الحالي.

ويراهن حفتر، الذي يعلم يقينا أن مبادرته مرفوضة لكونها مناورة مكشوفة تهدف لنجدته، على كسب بضعة أيام لحين اعادة التمركز في مرتفعات الرجمة شرق مدينة بنغازي، ودعم وتأمين الحمايات العسكرية فيما تبقى لديه من مدن، حتى يمكنه من خلالها الامساك بأوراق تفاوض وضغط، أو القفز لعملية اعلان حكم ذاتي عليها، والتلويح بتقسيم ليبيا أو تنفيذ ذلك بالفعل.

كما يراهن أيضا على استصدار قرار من مجلس الأمن يلزم الحكومة الشرعية بوقف العمليات القتالية والقبول بمبادرة القاهرة.

ومن المخاطر التي يجب على الجيش الليبي الانتباه لها جيدا، وربما يراهن على حدوثها حفتر أيضا، هو أن يتمدد في المدن المحررة على تلك الرقعة الهائلة من الاراضي بشكل يفوق طاقته التأمينية، وأعداد قواته، ودون أن يهيئ لها دفاعات قوية، فتصبح نهبا للعمليات الارهابية والفوضى، وحرب العصابات، ولذلك ينبغي عليه ألا ينتقل من تحرير مدينة إلى أخرى دون الامساك تماما بزمام أمور كل مدينة محررة.

كما ينبغي على الجيش الليبي سرعة تجريد قوات حفتر من المناطق النفطية والاستراتيجية، مستغلا انهيار معنوياتها بسبب الهزائم التي  منيت  بها، وقبل التدافع الدولي المتوقع حدوثه الأيام المقبلة، الذي سيرفض أي حرب بجوار تلك الآبار، وستكون ورقة رابحة يلعب بها حفتر. 

هزائم دبلوماسية

ويتوالي تساقط المدن من بين حوافر حفتر بعد أن قاب قوسين على فرض سياسة الأمر الواقع والاستيلاء على العاصمة، وذلك حينما وجدت طرابلس وحكومتها الشرعية المعترف بها دوليا حليفا قويا وهو تركيا.

ويخطئ من يتصور أن قوة تركيا تتركز في الدعم العسكري الذي تقدمه حيث تطور عتادها وخبراتها الفنية العسكرية، وإنما في قوتها الدبلوماسية حيث أنها بدت قادرة على تحييد الكثير من داعمي حفتر الرسميين والسريين.

ووضحت تلك القوة الدبلوماسية التركية بعد تحييد الموقف الايطالي، والاعلان المتكرر لروسيا عن عزوفها عن الملف الليبي، وأن ما يعيق دعمها الوفاق هو رفضها الافراج عن السجناء الروس في طرابلس، وأن الروس الذين يقاتلون بجوار حفتر والمقدر عددهم بنحو 1200 فرد هم تابعون لشركة أمنية خاصة ولا يمثلونها.

ولعل زيارة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج لموسكو مؤخرا ستخلق تغييرا كبيرا على الموقف الروسي الايام القادمة.

وظهرت القوة الدبلوماسية التركية أيضا في ابراز دعم حلف شمال الاطلسي والدعم الأمريكي للحكومة الشرعية، وهو ما انعكس في صورة فتور في الموقف المصري ومبادرته البائسة.

وأحسنت تركيا صنعا حينما لم تتدخل بقواتها مباشرة في الازمة الليبية، لأن الخطة في المعسكر الأخر كانت على ما يبدو التركيز على تحقيق خسائر في تلك القوات بأي ثمن كان، يعقبها تأليب دعائي واعلامي للشعب التركي على حكومة اردوغان.

التحريض على الثورة

ولقد ساهم في تحقيق الانتصارات السريعة للجيش الليبي عدم اقتناع معظم الليبيين بجدوى النزاع وفائدته عليهم، واعتبروه سفكا للدماء الليبية على مذبح "جنرال عجوز"، دمية في يد مشغليه الدوليين، يحلم بالحكم والسيطرة، وبناء ديكتاتورية جديدة في البلاد تابعة كليا للخارج، وأكثر قمعا من سابقتها.

فلحكومة فائز السراج المعترف بها دوليا خصائص تفتقدها حكومة حفتر غير الشرعية، من أهمها أنها لا تحارب من أجل شخص أو جماعة، ولا تسعي لاحتكار السلطة، وتتبنى خطابا تصالحيا ووحدويا وديمقراطيا لكافة أرجاء ليبيا وكافة طوائفها.

 وكان لهذا الخطاب التصالحي على ما يبدو اثر كبير لدى أنصار القذافي الذين يدركون أن حفتر ومن جاءوا به من أمريكا هم من قصفوا مدينتهم إبان أحداث ثورة فبراير2011 وقتلوا أبناءهم بطائرات الناتو.

ولعل ما حدث من تصدي ابناء مدينة بني وليد لميليشيات حفتر رسالة بليغة تدعم هذا التصور، خاصة أن بني وليد كانت من أكثر المدن ولاء للقذافي.

وربما يقود هذا الخطاب الرصين والوطني لأحداث تغير كبير في مدن الشرق الليبي، التي يتوقع ثورتها ضد حفتر ما أن وجدوا الفرصة لذلك، بينما تتردد أنباء عن انشقاقات داخل كتلته العسكرية.

يأتي ذلك، بخلاف حفتر الذي أخضع القبائل والعائلات في بنغازي والشرق الليبي بالقوة ونكل بمعارضيه، ووزع المناصب والثروات على أبنائه وذويه وعائلته، واختطف النساء وقتلهن كما حدث مع نائبة بنغازي بمجلس النواب الليبي سهام سرقيوة، التي تم اختطافها من منزلها عقب انتقادها تصرفاته ولم تظهر منذ سنوات.

فضلا عن قيامه بالاستعانة بفئات ارهابية سامت الناس سوء العذاب مثل عصابات الكاني، وجماعات متطرفة مثل الجامية المدخلية ، بالإضافة إلى انكشاف أمر تبعيته للخارج واستعانته بالمرتزقة الأجانب من كل حدب وصوب لقتل الليبيين بأموال ليبيا.

اقرأ المقال هنا على قناة الجزيرة مباشر

...................................

سيد أمين يكتب: الذين هربوا الى الصحراء

يهيأ لي أن العاصمة الإدارية التي يشيدها السيسي في الصحراء بالقرب من قناة السويس ويجري التخطيط لنقل مقار الحكم ودواوين الحكومة إليها، ما هي إلا تكرار للمنطقة الخضراء التي شيدها الاحتلال الأمريكي في بغداد لحماية قيادات جيشه وحلفائهم العراقيين، لكنه تكرار بالغ الكلفة والفجاجة.

حيث يتشابهان في الأسوار العالية، وفي التأمين بالكمائن والكيانات العسكرية والكاميرات وفي الكروت الذكية التي تمنح للمواطنين ليتسنى لهم الدخول، رغم أن من فعل الإجراءات في العراق – وهى الأقل تأمينا من نظيرتها المصرية – قوة احتلال أجنبي.

سلوك عسكري

عموما فإن فكرة إنشاء عاصمة إدارية للبلاد ليست بجديدة، فقد طرحها الحكم العسكري كثيرا كإجراءات تأمينية، ولكن كانت كلها تجارب فاشلة، إما بسبب الزحف العمراني القادم نحوها من القاهرة القديمة، وإما لنقص التمويل، أو لكليهما.

فقد حول عبد الناصر حي مصر الجديدة النائي في صحراء شرق القاهرة والذي تأسس عام 1910 سكنا لنخبته العسكرية وحول فندق هليوبوليس الفخم إلى قصر جمهوري، وأسكن في هذا الحي الجاليات الأجنبية، وأنشأ بجواره مطار القاهرة ليسهل حركة الانتقال للخارج؛ فيما لجأ مبارك لمدينة نصر لإسكان أسر العسكريين ولتكون امتدادا لحي مصر الجديدة، ولما فشلت التجربة أقام مدينة القاهرة الجديدة.

ثم قام بالاحتماء بمدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء معظم الثلاثين عاما التي أمضاها في الحكم، مستفيدا في ذلك بالعوازل الصحراوية والبحرية، فضلا عن قلة أعداد السكان الذين كانوا في الغالب من نخبته الأمنية، هذا بالإضافة إلى الأسوار العالية التي تحيط بقصوره هناك.

أما السيسي فلم يكتف فقط بإنشاء العاصمة الإدارية، ولكن أنشأ أيضا مدينة العلمين الجديدة التي أسموها "مدينة الأحلام"، دون أن تكون هناك أدنى حاجة لها، لتبقى مقرا أكثر تحصينا بالصحراء من العاصمة الإدارية ، وبالطبع انشأ فيها قصرا جمهوريا حصينا. 

سلوك استعماري

سادت ثقافة العوازل الحصينة في القرون الوسطى وما قبلها، ومن أبرز أمثلتها عالميا سور الصين العظيم، فيما كان ما يشبهه بشكل أصغر سور القاهرة الفاطمية في مصر، وكان الهدف من تلك الأسوار آنذاك هو حماية البلاد والناس من الأعداء الخارجيين، في وقت كانت تسود فيه شرعية البقاء للأقوى.

وحينما غزا الانجليز مصر راحوا يعزلون مناطق القاهرة الخديوية وهي المبنية على الطراز الأوربي ليقطن فيها قادتهم العسكريون وجاليتهم وحلفاؤهم المصريين بينما جعلوا دخول عوام المصريين إليها يتم أيضا بالكروت.

ومن قبل هؤلاء فعل نابليون نفس ما فعله "السيسي" وراح يحتمي بصحراء المقطم المرتفعة ليتخذ منها مقرا للحكم، ويتخذ منه منصة لضرب القاهرة والجامع الأزهر بـ "القنابر".

لكن رغم ذلك زال عنها حكم الفرنسيين والإنجليز وبقيت مصر.

كما أن سور الصين العظيم لم يمنع المغول من غزو تلك البلاد حيث فتح أبوابه أمامهم جنود مرتشون، ولم يمنع سور القاهرة الفاطمية الناصر صلاح الدين من الإجهاز على الدولة الفاطمية للأبد.

تجربة كاشفة

هناك في بورما تجربة عالمية فريدة في مدى اهتمام الحكام العسكريين بإنشاء عواصم إدارية ليحكموا بلادهم من خلالها.

وتقول تقارير صحفية إن منجمين أخبروا الحاكم العسكري عن قرب تفجر احتجاجات شعبية عارمة، وإن الكثافة السكانية في العاصمة "يانغون" ستكون عامل حسم لانتصار تلك الثورة، ونصحوه بالانتقال سريعا لعاصمة حصينة.

وعلى عجل نقلت حكومة بورما عاصمتها إلى منطقة غير مأهولة تدعي "بينمانا" تبعد عن العاصمة القديمة 400 كيلو متر، وحصل كبار موظفي الدولة على إخطارات بسرعة استعدادهم وأسرهم وممتلكاتهم للانتقال إلى العاصمة الجديدة خلال يومين فقط، حيث أقاموا في الخيام لحين الشروع في إنشاء العاصمة.

ومن المهم التأكيد على أن احتماء الحكام بالكانتونات والجيتوهات أو العوازل الطبيعية والمناطق "الخضراء" ، هو إجراء طبيعي ومقبول إن تعلق فقط بالشؤون الحربية.

 وفي المقابل يعد إجراء مثيرا للارتياب والدهشة حينما تتم ممارسته على الشعب بما يحمله ذلك من تمييز بين أبناء الشعب الواحد.

سياسة الهروب للعوازل الطبيعية هي تدليل قوي بحد ذاتها على أن الحاكم الذي يسلك هذا المسلك هو حاكم ظالم وغير ديمقراطي، ولن يحسن من قبح ديكتاتوريته اقتياده للدراجات أو الطائرات بين حشود مصطنعة ومزيفة.

حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر.

اقرأ المقال كاملا هنا على قناة الجزيرة مباشر

...................................

سيد أمين يكتب: فرنسا أم الدولة العثمانية؟.. متحف الإنسان يشهد

 نشر المقال المرة الاولى في عربي 21

أهم ما أحيته واقعة استعادة الجزائر لرفات العشرات من شهدائها ومقاوميها المحفوظة في ما يسمى "متحف الإنسان" في فرنسا، والذي يتم فيه الاحتفاظ بنحو 18 ألف جمجمة، هو مدى استهانة هذا البلد بحقبته الاستعمارية بحقوق الإنسان، وأن تلك الاستهانة والتنكيل بأجساد الضحايا لم تنته مع انتهاء حقبة فرنسا الاستعمارية، بدليل تباهيها بجرائمها السابقة واحتفاظها برؤوس ضحاياها حتى اليوم

وبدليل آخر؛ أن النفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة خاصة في الشمال الأفريقي لم يتوقف حتى الآن، وأن فرنسا لا زالت تتدخل في سياسات العديد من تلك الدول.

ورغم بشاعة السلوك واستهانته بالإنسان المنصوص على احترام كرامته في جميع الأديان السماوية، تتزين الكثير من الكنائس الغربية بجماجم الموتى، مثل كنيسة سيدليك في دولة التشيك التي تتزين برؤوس آلاف من ضحايا الحروب الصليبية، وكذلك معبد الجماجم في مدينة شيرمنا ببولندا وغيرهما.

الدولة العثمانية

ورغم أن مثل هذا المتحف موجود منذ عقود في فرنسا، إلا إننا لم نسمع أبدا تنديدا ولا إدانة من قبل الدول الأوربية الأخرى (الاستعمارية سابقا) لوجوده، وكأن شعاراتها باحترام حقوق الإنسان حيا وميتا لا تنطبق فقط إلا حينما يكون الشخص المدان مسلما، فيتم حينئذ توظيفها توظيفا سياسيا، تماما كما تفعل تلك الدول مع ما تسميها "مذبحة الأرمن" والتي يراد منها النيل من الدولة التركية.

ولنا أن نتخيل أن الدولة العثمانية هي من مارست هذا الفعل، أو هي من قطعت رؤوس آلاف من ضحاياها من غير المسلمين في أوروبا واستقدمتهم إلى إسطنبول وأنشأت بهم متحفا لا زال مزارا سياحيا، حين إذن كيف سيكون رد فعل العالم الغربي؟

بالقطع كانوا سيتهمون الدولة العثمانية بالوحشية والإرهاب ومعاداة حقوق الإنسان، وأنها لا تقل شناعة وإجراما عن التتار، وأن السلاطين العثمانيين لا يقلّون إجراما وبربرية عن أفعال جنكيز خان وهولاكو وتيمور لينك؛ والأهرامات التي شيدوها من رؤوس الضحايا في كافة البلدان التي اجتاحوها.

وربما حينئذ ستنتقل حالة التحريض على تركيا من الدعوة لحصارها اقتصاديا وسياسيا؛ إلى التدخل فيها عسكريا ثأرا لأرواح الضحايا.

وبالقطع سوف يتم استغلال هذا الفعل العثماني الافتراضي من أجل التشنيع على الدين الإسلامي، وأخذه ذريعة لتأكيد أنه دين يتسم بالإرهاب والعنف والدم، وأنه انتشر بحد السيف.

الهجوم على الإسلام

والواقع أن هناك من يردد عن الإسلام نفسه هذه الاتهامات فعليا دون أن يقدم بيّنة على ادعائه، فمعظم ضحايا الإرهاب في العالم اليوم هم من المسلمين، ومعظم الضحايا بالأمس هم أيضا من المسلمين، وهم من ارتُكبت ضدهم المذابح المروعة الموثقة في التاريخ، وهم من استُعمروا ونُهبت ثروات بلادهم، واستُعبدوا وبيعوا كرقيق.

وإن أوروبا وأمريكا، وليست إسطنبول ولا القدس أو مكة، هما من كانتا تميزان بين الناس بسبب بشرتهم أو دينهم، فتعطيان أحدهم الحق في أن يستعبد الآخر وأن يستحل عرضه وماله ونفسه بمباركة تامة من الدولة، وأحيانا من الجهات الدينية نفسها.

الحريات العثمانية

كان أحد رؤساء بلدية إسطنبول يسير في الشارع، فلفت انتباهه وجود حمار مربوط ومحمل بأثقال كبيرة لا يقدر على حملها، فاقترب منه وقام بإنزال الأحمال منه وأمر بالبحث عن صاحبه، فوجده يدخن التبغ في حانة قريبة، فأمر بعقابه، ثم تم سن لوائح للرفق بالحيوان.. هذه قصة حدثت في ظل الدولة العثمانية تجاه حيوان، فما بالك لو كان الأمر يتعلق بالإنسان؟

ورغم أن الدولة العثمانية عانت من حروب مستمرة من قبل الإمبراطوريات الغربية المختلفة عنها دينيا، إلا أنها خصّت المسيحيين داخلها بالعديد من الامتيازات السياسية والتجارية، حتى أنها سمحت للمسيحيين الأرمن ببناء كنائسهم داخل الأستانة، في الوقت الذي كانت الدولة البيزنطية من قبل تمنعهم من ذلك بزعم أنهم "هراطقة".

وفي ذروة المد الاستعماري الغربي وما أحاط به من ممارسات تحط من كرامة الإنسان المختلف، ألغى السلطان العثماني محمود الثاني تجارة الرقيق الأبيض في أوائل القرن التاسع عشر، فتحرر جميع العبيد من يونانيين وجورجيين وأرمن وشركس، وأصبحوا مواطنين عثمانيين يتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها الأحرار.

وبالقطع كانت للدولة العثمانية أخطاء، شأنها شأن كل الإمبراطوريات القائمة آنذاك، ولكنها أبدا لم تلج في الحط من كرامة الإنسان بسبب اختلاف في الدين والمعتقد، حيا أو ميتا.

المدهش أن فرنسا صاحبة متحف "الإنسان" الذي ينتهك كرامة الإنسان؛ حاول الإعلام الغربي والمحلي العربي المضلل تقديمها كدولة مؤسسة لمبادئ حقوق الإنسان الحديثة.

فوجدنا من يتناسى مئات الألوف من ضحايا الحملة الفرنسية على مصر والشرق العربي ويصفها بالحملة التنويرية، ومن يهلل لإعادة تنصيب تمثال ديلسبس فوق قناة السويس التي استشهد فيها قرابة المئة ألف مصري جوعا.

...................................

سيد أمين يكنب: وحضر معهم قوم شعيب !!

نقلا عن عربي 21

مع تقزم حجم رغيف الخبز من 150 جراما إلى 90 جراما في مصر، وما لاحق ذلك من نقمة شعبية انطلاقا من مبدأ "عض قلبي ولا تعض رغيفي"، إلا أن آخرين رأوا أن هذا الوزن الذي أعلنوا عنه أيضا لم يلتزموا به، وأن وزن الرغيف قد يصل إلى 60 جراما ليفقد ثلث وزنه المعلن.

وفي الواقع اعتاد المصريون على هذا الأمر وعلى كثير من التعريفات غير المنطقية في حياتهم العامة، وتعاملوا معها ليس فقط كأنها منطقية ولكن أيضا بديهية، وأبرز مثال لذلك تعايشهم مع معايير خاصة بهم اتخذوها دونا عن العالم كله وأدوات قياسه.

فالنصف لدى المصريين ليس أبدا 50 في المئة من قيمة الشيء كما هو الحال في كل العالم، ولكنه قد يصل حتى 75 في المئة منه كما هو الحال مثلا في خصومات تذاكر القطارات والطائرات والمترو، وأحيانا يتجاوز ذلك لما فوق الـ80 في المئة كما هو في تعريفات أجرة سيارات الأجرة و"الخدمات".

كما أن وحدة الوزن "الكيلو" التي يعرفها العالم بأنها 1000 جرام، نراها في كثير من التعاملات في مصر مختلفة أيضا. ففي عبوات السكر والأرز والدقيق التي يتم بيعها على بطاقات التموين، نجد أن الكيلو قد يتضاءل ليصل وزنه إلى ما دون الـ70 في المئة منه. وطال نقصان الوزن في تلك المنتجات حتى تلك العبوات التي تباع في السوق الحرة مع تحسن طفيف، ليصل وزن الكيلو إلى 900 جرام مثلا. وما ينطبق على السكر ينطبق أيضا على مساحيق الغسيل والأجبان والمكرونة، وحتى الكراسات والكشاكيل وغيرها.

ونجد الأمر نفسه يتكرر في عبوات الزيت التمويني التي من المفترض أنها تساوي لترا، أي ألف مليلتر، لكننا نجدها قد تقزمت بشدة لتصل إلى ما دون الـ 700 مليلتر. وينطبق هذا الأمر على كثير من السوائل، حتى الغازية ومياه الشرب.

وبالقدر نفسه، فإن أسطوانة البوتاجاز التمويني سعة 12 مترا مكعبا تناقصت لتصل إلى ما بين 6 إلى 9 أمتار مكعبة فقط من الغاز، وهو ما تسبب في شكاوى كبيرة في القرى خاصة، مع انعدام بدائل هذا المنتج وتخصيص أسطوانة واحدة لكل منزل شهريا بسعر 60 جنيها.

وما طال الأوزان طال أيضا المساحات والأطوال، فيمكنك الآن أن تشتري وحدة سكنية بمساحة 150 مترا مربعا مثلا، ولكن إذا ما قمت بقياسها فستجد أنها لا تتجاوز بأي حال الـ120 مترا. والعجيب هنا بأنهم يبررون هذا النقص بأنه انتقص كتعويض للشارع والمنور والسلم، وكأن هناك عمارة يمكن أن تبنى بدون تلك المشتملات البديهية، والأعجب هنا أن البائع ليس مقاولا جشعا ومدلسا، ولكنها الدولة نفسها التي يجب أن ترعى القانون وتحميه.

شركات المحمول

وامتد مهرجان إهدار المعايير في مصر إلى حجم الدقيقة في خدمات الهاتف المحمول، التي وصلت - بحسب مراقبين - إلى 45 ثانية بدلا من الـ60 ثانية، كما أن هناك شكوكا متداولة بأن الشهر المحاسبي للمحمول لا يصل إلى الثلاثين يوما، ولكنه يتوقف عند 28 يوما فقط. وفي المقابل تحاول شركات المحمول تبرير ذلك وتؤكد أن السبب يعود إلى استخدامات تكنولوجيا الجيل الرابع بما تمتاز به من جودة، أو لأنها تسحب سحبا كثيفا من باقات الرصيد ما يؤدي إلى نفادها بسرعة.

كما أن هناك شكوى من عموم المصريين بأن أغلب شبكات المحمول في مصر ضعيفة للغاية، ولا يصل مدى إرسالها إلى كثير من المنازل والمناطق.

وعلى ذكر المحمول وشبكاته، فإن هناك مسألة يتندر منها المصريون، وهي أنهم حينما يشترون "كارت الشحن" فئة العشرة جنيهات مثلا، فإنهم يشترونه بـ11 أو 12 جنيها، ليجدوا فيه رصيدا لا يتجاوز السبعة جنيهات، ويتساءلون: ما محل فئة العشرة جنيهات من هذا وذاك؟

المهم أن حتى تلك السبعة جنيهات لا تستقر عند هذا الحد، فسرعان ما يتم خصم ضرائب غير معلومة منها، ليصل الصافي ما دون الخمسة جنيهات. وإذا قمت باستخدام خدمة "سلفني شكرا" واستلفت رصيدا بمبلغ أربعة جنيهات، فإن إجمالي ما تتحصل عليه هو 2.50 جنيه.

وكأنها "فرة" أصابت القوم، حيث راح عبد الفتاح السيسي نفسه يقول ذات مرة في خطاب رسمي له، إنه لا يريد أن تكون الاثنان هي حاصل جمع واحد زائد واحد، ولكنه يريدها أن تكون ثلاثة وأربعة وخمسة.

غش البشر

ظاهرة الغش طالت كل شيء تقريبا في مصر حتى البشر، وأصبحت سلوكا معتادا تم تجميله ليعتبر نوعا من الشطارة و"الفهلوة".

الغش في البشر مارسته الدولة أولا ثم انتقل إلى الشعب، فلأن النظام كان بحاجة ماسة إلى أنصار لتبني مواقفه المتدنية في كل المجالات بعد أن نفر منه المبدعون، راح يتبنى أنصاف المواهب ويخدم عليهم إعلاميا ليظهروا كقامات فكرية كبيرة مساندة له، ما أنتج فنانا كبيرا ليس بفنان، وأديبا كبيرا ليس بأديب، وحاملا للقب دكتور لم يمر حتى بالجامعة أصلا، ومفكرا ليس له أي عمل فكري، وداعية لا يعرف إلا ما يعرفه العوام عن الدين، ومثقفا لم يقرأ كتبا، وعالما ليس بعالم.. إلخ.

وحينما أدرك الناس أن الدولة تحتفي بالأدعياء وقليلي الموهبة، راحوا هم يستحسنون النصب فيما بينهم، ما أنتج مجتمعا كذوبا فاسدا، كل معاييره مختلة.

وبقي أن نقول؛ إن الغش جريمة لا تتفق مع حضارة أمة مسلمة؛ ضرب الله لها الأمثال في كتابه الكريم بقوم سيدنا شعيب الذين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

وكل الشواهد تؤكد أن المجتمع المصري الفاسد هو مطلب مشترك لنظم الحكم الاستبدادية، ومن يديرها في الخارج من القوى الاستعمارية.

...................................

سيد أمين يكتب: حروب صامتة يخوضها المصريون

تماما كما كان يحدث في كل عصور الاضمحلال التي كنا نقرأ عنها في كتب التاريخ يحدث الآن في مصر سيادة المادية المفرطة في مقابل القيم الروحية الصادقة، دعم وترويج الشك المذهبي في مقابل تسفيه الشك المنهجي الراغب في الوصول للحقيقة، العصف بأهم مكونات المجتمع كالروابط العائلية والجهوية وصولا إلى تفسيخ الخلية الأولى في المجتمع وهي الأسرة ليصبح كل فرد فيها لا يمثل إلا نفسه، يترافق مع ذلك تجريم الوازع الديني والمجتمعي والتراثي في نفوس الناس، وخنق قادة الرأي المجتمعيين وتسفيههم والحط من شأنهم وإحلالهم بقادة رأي مصطنعين يفتقدون لأي مضامين فكرية ذات قيمة، كل ذلك جزء يسير للغاية من حرب شاملة يتعرض لها بنيان المجتمع المصري منذ عقود لاسيما في العشرية الأخيرة من التاريخ، بما يجعلها تعادل في خطورتها أعنف حروب الإبادة التي عرفها التاريخ.

صارت هناك حربا صغيرة أحيانا أو كبيرة في أحيان أخرى داخل كل بيت أو أسرة أو عائلة أو قبيلة أو حي أو قرية، تصغر معها معاناة الناس من الاكتواء بنار الاستبداد أو غلاء الأسعار ونضوب الدخول والموارد، وبالتالي ففي مثل تلك الظروف فإن مسألة الاستقلال الوطني والحفاظ على أراضيه وحماية المقدسات أصبحت رفاهية لا يملكها اغلب الناس، ولعل ذلك هو ما يفسر أسباب صناعة ما سبق.

ومن الخطأ الجسيم النظر إلى تلك الحروب بأنها معارك في درجة متدنية، وذلك لأن الثابت عند علماء الاجتماع مثلا أن الظلم الاجتماعي أشد وطأة من الظلم الاقتصادي والسياسي، ورغم ذلك نجد أن كثيرا من الكتاب والباحثين الجادين يستهينون به، رغم أن أعظم الثورات في التاريخ كانت في الأصل هي ثورات اجتماعية كالثورة البلشفية والفرنسية وحرب الاستقلال الأمريكية، وحتى الديانات المختلفة هي في الغالب تطبيقات اجتماعية.

عودة الثأر

م تكن واقعة مصرع ابن المنوفية الشاب محمود البنا العام الماضي والتعاطف الشعبي الواسع معه إلا تعبير عن حالة رفض شعبي قاطعة لواقع أليم يعيشونه صباح مساء من تفشي أعمال البلطجة مع سهولة الإفلات من العقاب وعدم وجود تشريعات لحماية الشهود، يغذيه تفشي المحسوبية والرشوة في مؤسسات العدالة، فضلا عن ضعف القوانين الرادعة، بالإضافة إلى اهتمام السلطة بالحفاظ على أمنها السياسي وردع المعارضين السياسيين وترويعهم، تارة بيدها عن طريق التلاعب بالقوانين، وتارة أخرى بإطلاق يد البلطجية والمسجلين خطر والخارجين عن القانون في المجتمع.

كان من الطبيعي إزاء هذا أن يفقد الناس ثقتهم في الدولة ويعودون لحماية أنفسهم بأيديهم، فرغم أن ظاهرة الثأر كانت قد أوشكت على الانتهاء من قاموس الحياة المصرية، إلا أنها عادت مؤخرا بقوة إلى المجتمع المصري بحيث لم تعد غالبا أي قرية أو مركز من مراكز الجمهورية إلا وتشتعل فيها معركة ثأرية طاحنة تحصد الأرواح وتروع الناس، وتكاد تحذر كل تفصيلة من تفاصيل أحداثها بقرب انهيار دولة القانون، وأن القوانين بدلا من أن تقتص للمظلوم من الظالم قصاصا رادعا، تعمد غالبا ادوان انفاذ القانون للتعامل مع قضية العدالة طبقا لمصالحها مع أطرافها وثقلهم في المجتمع، فيما يبقي السبب الأبرز وراء تنامي الظاهرة هو فقدان الثقة بقوة القانون واعتباره ذاته أداة للإفلات من العقاب وليس أداة للعقاب.

ويبقى القول أن السلطة مدعوة بإلحاح لاستخدام نفس القوة التي ردعت  بها الآلاف من معارضيها بعد ثورة يناير وما قبلها، لردع الخارجين عن القانون.

وتضج وسائل الإعلام كافة وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير عن قصص الثأر التي تفشت في المجتمع دون وجود إحصاءات رسمية لذلك، نظرا لان الكثير من تلك الحوادث يتم تكييفها قانونيا – باصرار من الاهالي- بصفات مغايرة دون الإفصاح عن تاريخ الصراع وحقيقته.

انتشار المخدرات

غني عن البيان أن للسلطات المتعاقبة مآرب أخرى في تنامي ظاهرة تعاطي وتداول المخدرات، تارة بغض الطرف وتارة بالتجاهل وتارة بالتهاون، وأحيانا بالاشتراك والتشجيع، وهو ما كشفته واقعة “عزت حنفي” الشهيرة والتي جرت أحداثها في محافظة أسيوط، مطلع الألفية الجديدة، والتي جسد جزءا من حقيقتها فيلم “الجزيرة”، واعترفت بها السلطة آنذاك.

كما أن التعامل الأمني مع الظاهرة أعطى شعورا لدي الناس بانها لا تحاربها ما شجع بعض نواب برلمانها وكذلك فنانون وباحثون وأكاديميون للمطالبة بتقنين تدلها وتعاطيها، يأتي ذلك رغم أن البرلمان “نظريا” شدد عقوبة تداول تلك المواد لتصل إلى الإعدام.

الإحصاءات الرسمية تؤكد أن 10.4%، من المصريين يتعاطون المخدرات مع انخفاض سن التعاطي إلى تسعة سنوات، وأن 79% من الجرائم التي تُرتكب في مصر ترجع إلى تعاطيها.

الاتجار بالبشر

 “البلطجية” هم أصحاب اليد الطولى في أي نزاع، شجعهم على ذلك تراخي الدولة في التعامل معهم بالقوة اللازمة، ما أرسل لهم رسائل خاطئة بأنهم مميزون لديها، واعطى ذات الرسائل للمجتمع بضرورة الاستكانة لهم نظرا لما يملكونه من نفوذ، وخاصة بعدما تم الاحتفاء بهم وضهم في أعمال الخدمة المدنية للدولة ومنح رموزهم الإعفاءات التقديرية لهم.

كما أن الإعلام الرسمي ساهم في تشجيع تلك “الظاهرة” عبر إنتاج أعمال درامية عديدة تمجد شخصية البلطجي وتبرر له إجرامه، وتعلي من الدوافع التي  ساهمت في تشكيل شخصيته، كالمظلومية أو التمرد على الظلم الاجتماعي أو للدفاع عن النفس وغيرها.

وزاد من الطين بلة أن اللصوص الذين كانوا قديما يسرقون في غفلة من الزمان ممتلكات الناس وأموالهم، لم يكتفوا بإظهار سطوتهم وفعل ذلك عنوة، بل تمادوا واخذوا يسرقون الناس أنفسهم ويبيعونهم لعصابات تجارة الأعضاء البشرية تارة، ولشركات الأدوية العالمية تارة أخرى لتجري عليهم تجاربها الطبية حتى صارت مصر من كبريات الدول في هذه النشاط الوضيع الذي جرى تقنينه عام 2017، أو يقومون باختطاف الضحايا مقابل الفدية أو ابتزاز ذويهم أو الاغتصاب في حالة الإناث، الوقائع شائعة جدا في المجامع المصري ونسجت حالات من الخوف والهلع فيه.

المواقع الإباحية

تأتي المواقع الجنسية والإباحية عبر الانترنت وأحيانا عبر بعض الاقمار والفضائيات لتحطم ما تبقي من قيم وعادات ونوازع دينية لم تحطمها الدراما العربية المنحطة، ورغم أنه قد أثيرت ضجة في مصر بداية عام 2012 مطالبة بحجب تلك المواقع وتعللت الحكومة وقتها بأن هذا الإجراء سيكلف المليارات وأنه شبه مستحيل فنيا، إلا أن حجب السلطة حاليا مئات المواقع السياسية وترك تلك المواقع لتتضاعف يؤكد أن السلطة كانت راغبة فيها لحاجة في نفسها.

ونحن في غنى بالقطع من الحديث عن الأضرار التي تتسبب فيها تلك المواقع علي النشء والشباب في استسهال الرذيلة والشذوذ، ما يقود لقصص مروعة عن كل جرائم الاغتصاب والفجور والشذوذ وزنا المحارم التي تمتلئ بها الصحف المصرية وترويها الحكايات الهامسة، وصارت ظواهر لافتة للمتأملين.

مشكلات بالجملة

هناك جملة من المشكلات التي تعانيها الأسرة المصرية قد تكون بواعثها في الغالب اقتصادية،ومنها تفشي ظواهر العنوسة لدي الشباب من الجنسين وبالطبع فإن وجود هذه الحالة لدي الفتيات – وهي تتخطي حاجز الـ10 ملايين بحسب الإحصاءات الرسمية – تسبب توترا كبيرا لأسرهن خوفا على مستقبلهن بعد فقدانهن عوائلهن، وكذا تفشي ظاهرة الطلاق – حالة طلاق كل دقيقتين – وتنامي ظاهرة تملص أرباب الأسر من الإنفاق عليها بسبب البطالة وتدني الأجور، ما أنتج ظاهرة المرآة المعيلة والتي تعول نحو 3.5 مليون أسرة “نحو 20 مليون نسمة “.  

كما أن إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض مزمن عادة ما يسبب ارتباكا لجميع أفراد أسرته حتى لو كان مقتدرا ماديا، فهناك جهات تقدر وجود نحو 2.6 مليون مريض بالفشل الكلوي، و 8.2 مليون مريض بالسكري، و1130 مريض سرطان لكل مليون نسمة، فضلا عن 10.6 مليون معاق، ناهيك عن عشرات الأمراض الأخرى، وأن كل مريض من هؤلاء يشاركه آلامه العديد من أهله وذويه.

في الواقع أن الشعب المصري يعاني الآن حربا بيولوجية ونفسية واقتصادية وسياسية شاملة هى الأخطر منذ نشأة مصر.

اقرأ المقال على موقع المعهد المصري للدرسات

...................................

Egyptians Are Fighting Silent Wars

by - SAYED AMIN

What is currently going on in Egypt is the same as it used to happen in all eras of decay that we have been reading about in history books, where excessive materialism prevails at the expense of sincere spiritual values, doctrinal skepticism is supported and promoted while methodological skepticism that are aimed at reaching the truth is dispelled, and the most important components of society, such as family and regional ties, are destroyed up to attempts to disintegrate the Egyptian family.

In coincidence with this, religious, societal, and heritage tendencies are criminalized, and societal opinion leaders are stifled, dispelled, demeaned, and replaced with fake opinion leaders that lack any intellectual value. In fact, this is only an extremely small part of an all-out war that has been targeting the structure of Egyptian society for decades, especially in the last decade.

Several conflicts, sometimes small and other times big, have been erupting within homes, families, tribes, neighborhoods, or villages, to distract people from their long suffering from tyranny and their worsening living conditions resulting from the price hikes and depletion of incomes and resources . In such circumstances, Egyptians may in no way have time or opportunity to think about important and fundamental issues such as national independence, preservation of the homeland, or protection of sanctities - which perhaps explains the reasons behind existence of such conflicts and internal wars.

It is a grave mistake to underestimate such internal conflicts, as sociologists, for example, confirm that social injustice is more severe than economic and political injustices. , We find that many serious writers and researchers underestimate social injustice, despite the fact that the greatest revolutions in history - such as the Bolshevik and French revolutions and American War of Independence - were originally social revolutions; and even different religions have often been seen as a kind of social revolution.

The phenomenon of blood feuds is back again

The murder of the young man Mahmoud al-Banna, Menoufia, lower Egypt, last October - at the hands of another young man, Mohamed Ashraf Rageh and some of his friends, when the former confronted the latter to defend a young girl from harassment by Rageh and his friends - and the widespread public sympathy with him, was an expression of a state of categorical popular rejection of the painful reality that they have been experiencing day and night, including the widespread acts of bullying, with impunity of perpetrators amid absence of legislation to protect witnesses. All this is fed up by the spread of favoritism and bribery in justice institutions, as well as lack of deterrent laws, in addition to the authority's interest in preserving its political security and deterring and intimidating political opponents, sometimes by tampering with laws,and at other times by unleashing thugs, criminals registered as a security risk, and outlaws in society.

Accordingly, it has been natural for people to lose confidence in the State and attempt to protect themselves with their own hands. Although the blood feuds phenomenon had almost disappeared from the dictionary of Egyptians' daily life, it has recently returned strongly to Egyptian society, where most villages and administrative centers throughout the country are witnessing ferocious blood feuds incidents, claiming lives and terrifying them, which threatens with imminent collapse of the State of law.

Instead of taking action against the oppressor in favor of the oppressed for achievement of deterrence, authorities deliberately ignore law enforcement with the aim of securing of its own interests with perpetrators. The main reason behind the growth of this phenomenon remains due to loss of confidence in the power of law, considering it a tool for impunity rather than a tool for application of punishment.

Anyway, the authorities that have oppressed thousands of opponents since the January revolution (2011) and even before, are urgently required now to use such force for deterrence of outlaws. All media outlets, especially social networking sites, are filled with stories of blood feuds that take place in Egyptian society, without availability of official statistics in this regard, given that many of these incidents are not registered as blood feuds upon insistence of people complicity of authorities.

Drug abuse and trafficking

It goes without saying that the successive Egyptian governments have other objectives from the growth of the phenomenon of drug abuse and trafficking, where authorities turn a blind eye to the phenomenon, ignore and neglect it; and in other times, they participate in such unlawful activities and encourage them. The relation between authorities and drugs gangs was partly revealed through the famous story of “Izzat Hanafi”, the head of a drugs gang in Nekhila, Assiut, Upper Egypt, in early 2004, which later turned into a cinematic movie, “Al-Jazeera ”, Starring the actor Ahmed El-Saqa - which was recognized by authorities at the time.

Moreover, the security dealing with the phenomenon of drug abuse and trafficking gave people an impression that it was not sincerely fighting it, which prompted some parliamentarians, as well as some artists, researchers and academics to demand legalization of drug abuse and trafficking, despite the fact that the Parliament "theoretically" tightened the penalty of drug trafficking to reach death penalty.

Official statistics confirm that 10.4% of Egyptians are drugs abusers, with the decline in their (drug abusers) age to nine years, taking into account that 79% of the crimes committed in Egypt are due to drug abuse.

Human trafficking

 “Thugs” are the main component in any conflict, where they have been encouraged to do so through the State's laxity in dealing with them with use of due force against them. This has sent them embedded messages about the government's protection of thugs, and that the community should submit to them, given the influence they possess, especially after the government celebrated those criminals, included them in the State's civil service work, and granted discretionary exemptions to prominent figures of them.

The official government-owned media outlets also contributed to encouraging this “phenomenon” through producing many drama works that glorify thugs and justify their crimes by allegations of grievance, rebellion against social injustice, self-defense, or others.

The situation was further exacerbated by the fact that thieves, who used to steal people's property and money in the past, started to steal people themselves and sell them to human organ trade gangs at times, and international pharmaceutical companies to conduct their medical experiments on them at other times. Furthermore, they also kidnap victims for ransom, extorting their families, or just for raping females; which has led to spreading fear and panic in Egyptian society.

Porn websites

Sexual and pornographic movies usually come via the Internet or some TV satellites channels to destroy the remaining values, customs and religious tendencies that have not yet been destroyed by Egyptian and Arab drama. Although an uproar was raised in Egypt in early 2012, calling for the blocking such websites, and the government at the time justified failure to block them by the required high costs (allegedly billions) and the allegation that it was almost technically impossible, but the recent blocking of hundreds of political websites belonging to opponents and excluding closure of porn websites confirms that all past allegations raised in 2012 were not true.

Too many problems

There are numerous problems that Egyptian families suffer from, which may have mostly been driven by economic problems, including the spread of spinsterhood among young people of both sexes. Of course, the outbreak of spinsterhood among girls –exceeding 10 million, according to official statistics– causes great tension to their families; as well as the phenomenon of divorce –a case of divorce every two minutes– and the growing phenomenon of the escape of the family breadwinner due to unemployment and low wages, which has resulted in the rise of the growing numbers of female breadwinners that support about 3.5 million families, about 20 million people

Also, when a family member suffers from a chronic disease, this usually causes confusion for all members of the same family:

Some statistics estimate that there are about 2.6 million patients with kidney failure, 8.2 million with diabetics, and 1,130 cancer patients per million people, in addition to 10.6 million disabled people, not to mention dozens of other diseases, where parents and other family members of these patients share their pain.

In fact, the Egyptian people are now suffering from a comprehensive biological, psychological, economic and political war, which is viewed by some as the most dangerous war in Egypt's history.

It was posted on Egyptian Institute for Studies.

...................................

سيد أمين يكتب: لماذا تفشل المنظومة التعليمية في مصر؟

أيام قلائل ويبدأ في مصر عام دراسي جديد، تتضاعف معه معاناة الأسر المصرية التي تعاني الأمرّين أساسا من غلاء تكاليف المعيشة، وتدني الدخول وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتفشي الأمراض وغيرها.

حيث تبقى الأسر بحاجة لميزانيات مالية كبيرة من أجل الدروس الخصوصية التي صارت لصيقة بالتعليم رغم تجريمها قانونا، وميزانيات الزي والكتب والكراسات، والسيارات والحافلات المدرسية، بخلاف المصروفات المدرسية والشخصية وغيرها.

ومع أن كثير من الأسر تعتبر أن تلك الأوضاع وحدها كفيلة بجعلها تدير ظهرها للعملية التعليمية ما رفع نسب التسرب من التعليم الأساسي مع تفشي ظاهرة أمية المتعلمين، إلا أن الكثيرين زادوا الأمر تعقيدا باعتقادهم أنه لا جدوى من التعليم أساسا، لأن خريج الجامعة – رغم ما أُنفق فيه من مال وجهد ومعاناة – سينافس في نهاية المطاف غير المتعلمين في سوق الأعمال الحرفية واليدوية، وأن قيمة العلم – في مقابل قيمة الرشوة والفهلوة والبلطجة – لم تشفع لصاحبها من عدم التنكيل به في أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة العتيقة والبيروقراطية، أو حتى تحول دون اتهامه بالجهل.

عملية اقتصادية

ويسود اعتقاد كبير عند أولياء الأمور وحتى المعلمين أنفسهم أن العملية التعليمية في مصر جرى تخريبها وتحويلها لعملية جباية اقتصادية تهتم بكل شيء إلا التعليم.

 وهناك قناعة سائدة بأن قرار بدء العملية الدراسية الأساسية منتصف الشهر القادم لا يقصد منها سوى سرعة تحصيل المصروفات الدراسية –التي ضوعفت إلى أكثر من أربعة أضعاف عما كانت عليه العام الماضي– وبعدها سيجرى وقف الدراسة حضوريا على وقع جائحة كورونا والمتوقع أن تتفاقم مع حلول الشتاء.

واللافت هنا أن وزارة التعليم تقوم سنويا بتغييرات غير ذات قيمة في صياغة ومقررات المناهج قاصدة من ذلك حرمان التلاميذ من تبادل الكتب وإعادة استخدامها في العام التالي، ما يضطرهم إلى شرائها من الوزارة بأسعار تفوق تكلفتها الفعلية.

ومن الخطط التي أعلنت وزارة التربية والتعليم عن دراسة إمكانية تطبيقها في هذا الشأن فتح منصات تعليم إليكترونية يقوم الطلاب بالاشتراك فيها مقابل رسوم شهرية لكل مادة، وهو ما يعني حرفيا في حال تطبيقه إلغاء مجانية التعليم التي تآكلت “فعليا” خلال السنوات الماضية رغم احتفاظها ببعض القشور.

بالإضافة إلى أن تجربة التعليم عن بعد ستكلف الأسر الفقيرة أموالا كبيرة في “باقات الإنترنت” المرتفع سعرها أصلا. 

 إثقال ورتابة

والواقع أن تجربة التعليم حضوريا في مصر كانت هي الأخرى مثالا للفشل الذريع، فبعد أن استمع الطالب للتو إلى درس ممل عن “الفيزياء” دام 45 دقيقة، دخل مسرعا إلي درس مثله ولكن عن “الكيمياء”، وما أن انتهي منه حتى دخل درسا آخر عن “الجبر” ورابع عن “الجغرافيا” وخامس عن “اللغة الإنجليزية” ثم “اللغة العربية” ثم سابع عن “التاريخ” وثامن عن “الهندسة” وتاسع عن “اللغة الفرنسية”، ليخرج هذا النابغة من المدرسة التي دخلها في السابعة صباحا نحو الثالثة عصرا قاضيا نحو 8 ساعات كاملة يتخللها راحة دامت 45 دقيقة يليها كثير من الواجبات والمراجعات التي يتوجب عليه أن يتفرغ ما تبقى من اليوم لإنجازها، ولكن هذا لا يحدث لأنه في اليوم التالي سيعيد الكرّة ذاتها بينما تبقى مسألة إنهاء الواجبات هي مهمة الدروس الخصوصية يليها النوم دون إتاحة أي فرصة لالتقاط الأنفاس ولا المراجعة ولا الاستيعاب.

هذا الطالب الذي توحي تلك الدروس بأن الوزارة تعتبره طالبا عبقريا، كثيرا ما تجده في نهاية المطاف لا يجيد حتى القراءة والكتابة لا بالعربية ولا بأي لغة أخرى، وغالبا ما يلجأ في النهاية إلى شراء شهادة المؤهل من الكليات والمعاهد الخاصة، لينتقل من أعداد الأميين إلى أعداد أمية المتعلمين، وكل ما أخشاه أن تكون كل تلك المقدمات تهدف إلى صناعة هذه النتيجة بشكل متعمد.

ما يؤكد ذلك أن المدارس الدولية والأجنبية في مصر لا تجهد طلابها بهذا الشكل، لكون المناهج أقل وأكثر تلخيصا، وعدد الدروس اليومية أو الأسبوعية أقل بكثير، فضلا عن إتاحتها للطالب كثيرا من المزايا منها اختيار المناهج التي يستذكرها في كل مرحلة.

وإذا كان الفشل في التعليم العام بهذه الحالة فان الفشل في التعليم الأزهري مستفحل بشكل أكبر خاصة أنه أكثر كثافة في المناهج والأعداد، وأنه مستهدف بالتهميش والإلغاء تماشيا مع الحرب على الخطاب الإسلامي.

شهادات دولية ومحلية 

وطبعا غني عن البيان أنه طبقا لبيانات رسمية دولية، فان مصر تذيلت قوائم جودة التعليم في العالم وسبقتها في ذلك كل أمم العالم تقريبا بلا استثناء وذلك قبل أن تخرج من التصنيف الدولي نهائيا. والكل يعلم أن التعليم تدهور في “السبعين عاما الماضية” لدرجة غير مسبوقة بدءا من شهادة العالم فاروق الباز الذي أكد في قناةdmc    أن جودة التعليم المصري تدهورت في الـ 50 أو الـ 60 سنة الأخيرة بشكل كبير، وصولا إلى المصري البسيط الذي طال به العمر ليتعامل مع متعلمي اليوم فأدرك أن ثقافة الحاصل على شهادة البكالوريا “الثانوية العامة القديمة” أعلى من ثقافة الكثير من حملة دكتوراه الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية الآن.

مخطط جديد

في الحقيقة أن تصريحات طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المتناقضة حول التعليم في مصر من آن لأخر والتي تارة فيها يعترف بالفضيحة بعد أن كان يتجمل ويشيد بالمسار التعليمي وتارة أخرى يتجرأ ويطالب بتخصيص 11 مليار جنيه للوزارة وإلا فإنه سوف “يغلقها”، وهى تصريحات لا يمكن أن تصدر دون ضوء أخضر، وحوادث تسريب امتحانات الثانوية العامة التي أصبحت عادة سنوية بديهية، كل ذلك يطرح تساؤلات أكثر مما يجيب عنها، حول ما يجري إخفاؤه للتعليم في مصر، خاصة أن الوزير نفسه أشار إلى هذه الخطط حينما قال “إن حلم مصر الأكبر هو وضع نظام جديد ومبتكر للتعليم في مصر”.

ولذلك فمن حق أي قائل أن يقول أن أي مخطط تنفذه دولة – وليس شركة أو جمعية – لما لها من إمكانيات،  يجب أن يكون محسوبا بدقة في كافة مراحله، وأن هذا المخطط حينما يكون قائما على ركيزة “الإنترنت” فمن البديهي أن يكون أول ما يحسب حسابه هو وجود تلك المادة حين إطلاقه.

الغريب أنه بعد طول احتفالات رسمية بهذه المنظومة وما يرافقها من طول فشل، تم العام قبل الماضي امتحان غالبية الطلاب بالنظام القديم مع غض الطرف رسميا عن انتشار “الغش” الذي انتاب تلك الامتحانات، وذلك بسبب مسئولية الدولة عن وقوع الطلاب في هذا المأزق.

ويترافق مع هذا الفشل تنامي ظاهرة صفحات “تشاومنج” على الفيس بوك التي  بات يعتقد الناس أنها أيضا ظاهرة مقصودة لسبب لم يتضح بعد، فكيف تنجح هذه الصفحات سنويا في الوصول إلى أسئلة امتحانات الثانوية العامة ونشرها قبل أيام من الامتحانات الرسمية، وما هو الهدف والمكسب العائد للقائمين عليها من وراء تلك الجريمة والمخاطرة، وكيف يحدث ذلك رغم قيام أجهزة سيادية تتسم بغاية السرية بطباعتها وتوزيعها بنفسها، وإعلان الداخلية عدة مرات القبض على أصحاب تلك الصفحات مع عدم اختفاء الظاهرة؟

وفي العام الماضي وتحت ضغط جائحة كورونا تم تجريب الامتحانات عبر الإنترنت وما يطلقون عليه “البحوث” فكانت النتيجة فضيحة علمية، وجاءت بعيدة تماما عن العلم والتعليم

كامب ديفيد والتعليم

ليس سرا أن اتفاقية كامب ديفيد تستهدف غرس ثقافة الاستسلام والتبعية، والدعوة للاستسلام العربي للمخطط الصهيوني والتطبيع معه وتذويب القضية الفلسطينية، واستبدال الوطن العربي بالشرق أوسطية التي تضم “إسرائيل” والدعوة للشعوبية في مواجهته، وحذف آيات الجهاد من التعليم والإعلام وحتى في خطب المساجد وتغيير تفسيراتها، واستبدال الحلال والحرام في وجدان الناس بالخطأ والصواب، وتخريب وإلغاء التعليم الديني والأزهري، وتشويه صور الرموز الدينية والجهادية التاريخية وغيرها.

ومن المعروف أيضا أن بعضا منها تحقق والبعض منها سيتحقق إما “بثورة دينية” أو بـ “منظومة تعليمية جديدة”.

...................................

Why Egypt's educational system is a failure?

 by - Sayed Amin

at   Egyptian Institute for Studies.

With the start of the new scholastic year in Egypt, the suffering of Egyptian families doubles, mainly from the high cost of living, low incomes, high rates of poverty and unemployment, the spread of diseases, and others.

Families still need large financial budgets to provide for their children's private tuition, which has become inseparable from education despite it is legally criminalized, in addition to the high cost of school uniforms, set books, notebooks, school fees, transportation (school buses), pocket money, and others.

Although many families believe that these conditions alone are sufficient to make them turn their backs on the whole educational process, which was behind raising the dropout rates at the basic education stage, with the spread of the phenomenon of illiteracy of the educated, many have Made the matter more complicated by believing that education is useless in the first place, because the ultimate fate of university graduates - despite the money, effort and suffering spent on them - is to compete with the uneducated in the handicraft market. They also believe that the value of education - against bribery, fahlawa [1] , and bullying - does not rid a university graduate from not being abused in police stations, the State's bureaucratic institutions, or even from being accused of ignorance.

Economical process

There is a great belief among parents and even teachers themselves that the educational process in Egypt has been sabotaged and transformed into a levying economical process that takes care of everything but education.

There is a prevailing conviction among Egyptians that the decision to start the new scholastic year for basic education pupils in mid-October is only intended to speed up the collection of fees that have quadrupled compared with last year's fees. Some believe that school attendance is likely to be suspended later due to the impact of the coronavirus pandemic, which is expected to worsen with the advent of winter.

It is noteworthy here that the Ministry of Education annually makes invaluable changes in school curricula, with the intention to prevent students from exchanging books and reusing them in the following year, prompting them to buy them from the ministry at prices that exceed the actual cost of these books.

Among the plans that the Ministry of Education has announced that it is studying the possibility of its implementation in this regard is to open electronic learning platforms in which students must join in return for a monthly fee to be paid for each discipline. In addition, the distance learning experience is likely to cost the poor families big money in the already expensive "internet packages".

Overburdening and monotony

In fact, the experience of teaching in attendance in Egypt is also an example of a catastrophic failure.

After the student attends a boring 45-minute physics lesson, he quickly attends a chemistry lesson, then an algebra lesson, a geography lesson, an English language lesson, an Arabic language lesson, a history lesson, a geometry lesson, and a French lesson , and so on - where a school child attends school lessons from seven am to around 3 pm, for about eight hours interspersed with a rest for 45 minutes. After this tiring school day, students are required to do a great deal of daily homework and reviews that devour the rest of the day, which makes the issue of doing school homework to some students remains the task of private tuition. After that, the pupils go to bed without having any opportunity to take a breath, review, or comprehend their daily lessons. However, most pupils remain unable to read or write,neither in Arabic nor in any other language.

On the contrary, the international and foreign schools in Egypt do not put their students under such stress, because the curricula are less quantitatively and more summarized; and the number of daily or weekly lessons is much fewer, in addition to numerous advantages provided to pupils and students, including the right to choose the curricula that they can study for each stage.

However, the failure of Al-Azhar education is more widespread compared to the public education, especially as it is more intense, with respect to curricula and numbers of disciplines, in addition to being targeted with marginalization launched in coincidence with the war on the Islamic discourse.

International and domestic certificates

Of course, it goes without saying that, according to official international data, Egypt came at the bottom of the list of world countries with respect to education quality, where almost all world nations preceded Egypt in ranking, before the nation finally failed to even come Within the international classification of education quality.

Everyone knows that education has deteriorated in the “last seventy years” to an unprecedented level. For example, Egyptian / American scientist Farouk El-Baz confirmed in an interview with the Egyptian DMC TV channel that the quality of Egyptian education has significantly deteriorated over the last 50 or 60 years. Also, the simple Egyptians that have long lived to deal with today's university graduates, realize that the culture of some of holders of the old “high school” certificate or the so-called baccalaureate holders is much deeper than the culture of many holders of PhD and other scientific degrees from private universities and institutes these days.

New scheme

In fact, Egyptian Minister of Education Tariq Shawky's contradictory statements [2] about education in Egypt from time to time raise many questions on what is being hidden about education in Egypt, especially since the minister himself referred to some thought-out education plans, saying , “Egypt's greater dream is to establish a new and innovative education system.”

 However, some argue that a scheme implemented by the State - not a company or association - must be carefully calculated in all its stages; and because this scheme is based on the use of internet, it is self-evident that the first thing to be calculated should be to ensure all students' access to the internet before the scheme is launched.

 The strange thing is that after the official celebrations of this new system, despite the failure that has been accompanying it, the majority of students, two years ago, performed their exams under the old system, amid an official tendency to turn a blind eye to The spread of the phenomenon of “cheating”, perhaps because of the State's responsibility for implicating students into this dilemma.

Added to this failure, is the emergence of the phenomenon of Chao Ming Facebook pages, where excerpts of some of Egypt's national high school exams are leaked, that some now believe it is a deliberate phenomenon intended for an unknown reason. People ask how such Facebook pages annually succeed in reaching the high school exam questions and posting them on the internet a few days before the official exam date, despite the fact that sovereign bodies undertake the task of exam printing and distribution in the utmost secrecy degree, and also despite the Ministry of Interior's announcement for several times that admins of those Facebook pages were arrested, amid continuation of the phenomenon?

Last year, under the pressure of the coronavirus pandemic, online examinations and the so called “student researches” were applied, but the result was a scientific scandal that was completely far from science and education.

Camp David and Education

It is no secret that the Camp David Accords were aimed to inculcate the culture of surrender and subordination in Egyptian society, calling on Arabs to surrender to the Israeli scheme, normalizing with it, liquidating the Palestinian cause, replacing the “Arab Nation” with the “Middle East” that includes “Israel”, amid other calls for populism to confront the Arab Nation approach, remove the Quran jihad verses from education, media, and even in mosque sermons, and change their interpretations, in addition to sabotaging and Azhar education and distorting the image of historical religious and Islamic jihad symbols, and others.

Footnotes

 [1] An Egyptian term usually used to refer to knowledge obtained via intuition, experience, and wit, not from formal education and methodical pursuits

[2] Sometimes Egyptian Minister of Education Tariq Shawky admits to the education scandal in Egypt after he used to beautify and praise the educational process, and at other times he demands the allocation of EGP11 billion to the ministry, otherwise he will “close it” , statements that cannot be issued without having a green light, in addition to the incidents of leaking high school certificate exams, which have been done regularly on an annual basis

...................................

سيد أمين يكتب: القول السيار في واقعة ابن المستشار

المقال نشر للمرة الاولى في عربي 21

هاجت الدنيا وماجت في مصر عقب قيام طفل يبلغ من العمر 13 عاما ابن أحد المستشارين بالسخرية من رجل مرور بطريقة مسيئة بينما كان يقود سيارته المرسيدس في حي المعادي الراقي بالقاهرة، ورغم أن الواقعة مسيئة وبالغة الفظاظة والنفور، إلا أنها في الواقع تعبر عن حالة مجتمع يعاني من أمراض عضال نخرت فيه حتى النخاع. 

وبعيدا عن أني أعرف جد الطفل معرفة عن قرب وهو مستشار جليل لم ينشأ في بيئة تتوارث السلطة وما يقترن بها من فساد، وإنما إلتحق بالسلك القضائي في لحظة نادرة كانت فيها العدالة قائمة، وكان معيار الكفاءة له شئ من الاعتبار، ليصبح بعدها رئيس محكمة جنايات شهدت محاكمات فارقة في تاريخ مصر أشهرها محاكمة الجاسوس عزام عزام وسب جيهان السادات وغيرها، فضلا عن ورود اسم والد الطفل "المستشار أيضا" في كثير من البيانات التي كانت تصدرها حركة استقلال القضاة أثناء فترة حكم مبارك، ولم يتسنى لي التأكد من مواقفه تلك لعدم قربي منه. 

مواقف الكبار 

المهم أن الجميع صب عبر وسائل التواصل الاجتماعي جام غضبه على والد الطفل الذي لم يحسن تربيته بالقدر الكافي، وهو أمر مفهوم ومقدر، ورغم أنه مهما قيل عنه وعما فعله إلا أن ذلك لا يغير حقيقة أنه طفل طائش كمعظم أبناء الطبقات التي توافر معها المال والسلطة ونزق الشباب، وأن هناك وزيرا للعدل قال "نحن القضاة هنا على ارض هذا الوطن أسياد وغيرنا هم العبيد"، هذه واحدة من التصريحات التى أدلى في برنامج "مصر اليوم" أثناء حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، وأضاف أن "اللى يحرق صورة قاضي يتحرق قلبه وذاكرته وخياله من على أرض مصر". 

ودافع عن توريث القضاء حيث انتشر له مقطع فيديو عام 2012 و أعلن فيه بشكل صريح بضرورة تعيين أبناء القضاة بنفس المهنة بغض النظر عن التقديرات التى حصلوا عليها . 

وأضاف "لا تراجع عن تعيين أبناء المستشارين في السلك القضائي شاء من شاء وأبى من أبى، ومن يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يُرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تكون قوة فى مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها". 

وتناسوا أيضا ما قاله وزير أخر للعدل عـن رفض تعيين ابن عامل النظافة فى القضاء، وحينما تم انتقاده لم يتراجع الرجل معـتبراً أن ما قاله يرضى ضميره!! 

وما قاله الطفل هو في الواقع يعبر عن قناعة تامة تفشت لدى قطاع لا بأس به من المشتغلين في السلك القضائي وليس أطفالهم فحسب بأنهم الأعلون، وبالتالي لا يجب غرس الرأس في التراب والتغاضي عن موطن الداء وهو التوريث في مناصب السلطة الذي جعل رئيس احد المحاكم في الدلتا يعين قرابة 40 شخصا من أقاربه في المحكمة التي يترأسها. 

ينبغي للقائمين على أمر الدولة وسلامتها الإيمان بأن سياسة التوريث في مناصب السلطة بقدر ما أنها تؤمن استقرارا نسبيا للحكم إلا أنها قد تؤدي بالنظام ككل للانهيار التام ، تماما كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق. 

تساؤلات مهمة

وهناك تساؤلات عديدة في الفيديوهات المنسوبة إلى الطفل أهمها من صورها؟ ومن نشرها على وسائل التواصل؟ ومن أعطاها هذا الزخم الكبير من التفاعل؟ 

خاصة ان الكثير من أبناء السادة المسئولين في مصر يمارسون تقريبا نفس العربدة وربما على نطاق أوسع وأعمق وأكثر ضررا ولكن لم يسمح لأحد بانتقادهم؟ 

وكيف تعامل رجال الشرطة مع الواقعة بأدب جم وتساهل لحد الانبطاح على خلاف ما هو معروف من سلوك للشرطة في العالم كله من غلظة لاسيما في مصر؟ وعلى خلاف ما يجب فعله بالفعل مع من يمارس هذه التصرفات الشائنة؟ 

ولماذا وجدنا الصحف المصرية المعروفة بقربها من النظام تنشر عناوين عن الواقعة تؤدي لاستثارة مشاعر الناس ، على خلاف سلوكها المعتاد في مثل تلك الحوادث من التبرير والتلفيق والتغطية؟. 

ولماذا لم تفرد تلك الصحف صفحاتها لوالده ليوضح فيها ظروف الواقعة أو حتى يشرح فيها موقفه للمجتمع كما يحدث مع كل من هم منتسبين للسلطة؟ 

هناك شيئا غامضا ربما تكشف عنه مجريات الأحداث بخصوص تلك الواقعة. 

وهل سيؤدي اعتذار والده عن هذا التصرف الذي صدر من ابنه الى إخماد موجة الغضب ؟ أم أن هناك من يسعى لابقاء النار مشتعلة لغرض في نفسه؟ 

وطبعا كل ما قيل لا يعفي الطفل أو والده من المسئولية.

...................................

سيد امين يكتب: نظام السيسي وسد النهضة ..تواطؤ أم مغالبة؟

هاجت الدنيا وماجت من التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آخر مؤتمر انتخابي له قبيل بدء الانتخابات الرئاسية حول حق مصر في قصف “سد النهضة” ما لم تجلس إثيوبيا معها للاتفاق على صيغة ترضي جميع الأطراف.

البعض اعتبرها ضوءً أخضر للنظام في مصر في قصف السد بالصواريخ، والبعض اعتبرها محاولة من ترامب لتكرار تجربة استدراج مصر للحرب ضد إثيوبيا على غرار ما فعلته أمريكا سابقا في مسألة الإيحاء للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بحق بلاده في غزو الكويت!!

والبعض رآها تحريضا على إثيوبيا وإهانة للنظام المصري الذي اتخذ مواقف غير حادة في تعامله مع هذه الكارثة، رغم التصعيد الكلامي الذي يبديه المسئولون الإثيوبيون، وذلك بسبب تنامي علاقة مصر سواء أو إثيوبيا بالصين وروسيا، أو أن ترامب قصد من تصريحاته حفظ ماء الوجه أمام منتقديه الأمريكيين الذين رأوا أن واشنطن أعدت الوجبة ولكن أكلتها منهم بكين.

والبعض ذهب إلى منحى أبعد أنها تكذيب غير مباشر لما يتردد من أن بناء السد تم باتفاقات سرية بين دولتي المصب وإثيوبيا وبرعاية أمريكية تحت إدارة ترامب.

وعلى كل حال، فليس سرا أبدا أننا اعتدنا أن المايسترو الأمريكي هو من يحرك كل قضايانا صغرت أم كبرت، وأن جميع أطراف اللعبة المعنية بالسد غير راغبة في العزف النشاز دون إرادته، وحتى إن رغبت فهي غير قادرة.

نظرية المؤامرة

وبالتالي فلو سلمنا بهذا، فيمكننا ببساطة اعتبار رفع السودان من قائمة العقوبات الأمريكية، وقفزة البرهان الكبيرة نحو التطبيع مع إسرائيل، وما تلاها من الاهتمام الصهيوني بعلاج الناشطة المؤيدة للتطبيع “قدح الدم” قبل أن يعاجلها انتهاء الأجل، ودعم حميدتي للثورة المضادة في ليبيا، والتغلغل الإماراتي في اقتصاد السودان، دلائل كافية لذلك.

وفي الضلع الثاني من المربع الذي يضم السودان وإثيوبيا ومصر وإسرائيل، تأتي التصريحات الإثيوبية المتكررة صادمة ومستفزة، وتحمل استعلاءً لم يعهده المصريون من دولة أفريقية أو نامية أو عربية، جعل الكثيرين منهم يغيّرون نظرتهم “الذهنية” المتواضعة عن أديس أبابا.

وفي الضلع الثالث للمربع، كان رد الفعل المصري بائسا ومنسحقا لدرجة أنه نجح في نقل شعور الخوف إلى نفوس الناس، وأنه ليس بيدنا كمصريين سوى الرجاء والأمل بأن تتراجع إثيوبيا عن مواقفها خطوة وسنرضى نحن بأي قدر من التنازلات، وكأنه يقودنا للحظة يحدثنا فيها عن حكمة التعامل مع الأمر الواقع.

ولقد مرر الإعلام الرسمي المصري عبر محلليه مفاهيم من عينة أنه لا يمكن لمصر أن تضرب السد بالصواريخ لأن دولا كالصين وإسرائيل تحميه بمنظومات رادعة، وأن السودان التي كنا على ثقة بدعمها لنا تخلت عنا، وبالتالي فلا حدود مباشرة بيننا وبين إثيوبيا لنضربه، وأننا لو ضربناه فعلا فإن انهياره سيكون كارثة أيضا علينا.

وفي الضلع الرابع للمربع، نسمع من حين لأخر عزفا إسرائيليا رنانا وكأنه ينتظر الأمر من المايسترو بالانطلاق ليسيطر على كل السيمفونية.

فتارة نراه متألقا في السودان، وتارة نراه متألقا في إثيوبيا وخاصة في موضوع سد النهضة والترحاب الكبير بنتنياهو في البرلمان الإثيوبي وكلامه الصريح هناك بأن إسرائيل ستستفيد من مياه النيل.

وبما أننا نؤمن بأن الجميع يدين بالطاعة للعازف الأمريكي فلابد أن جميع المواقف معدة سلفا من أجل تبرير الاستسلام للأمر الواقع، وتوصيل المياه لإسرائيل كحل وحيد للأزمة.

والتبرير هنا لم يقصد به إقناع الشعب فقط، ولكن إقناع جهات داخلية ما لم تكن تصدق أن هناك عملا سريا كان يجري العمل فيه مسبقا له لنصل إلى هذا المشهد.

وخطورة انكشاف ذلك أنه سيقود بالضرورة لدعم التشكيك في حملات كثيرة تخوضها الدولة المصرية منها الحرب على الإرهاب، وتغيير الخطاب الديني، وتفريعة السويس، وصفقة القرن، وغيرها الكثير مما تقوله المعارضة.

وفي هذه الحالة قد يجمح خيال البعض حول أن ما تسرب عن تأجير مصر لقاعدة في جنوب السودان- إن صح الخبر الذي أذاعه التلفزيون الرسمي لجنوب السودان ونفته حكومته- بأنه لـ “ممارسة التهويش” ضد القواعد التركية في الصومال والسودان وجيبوتي، وليس ضرب سد إثيوبيا.

نظرية المغالبة

كل ما سبق يبقى مجرد تصور من محض خيال، وكثيرون ممن يرفضون نظرية المؤامرة يرفضونه، ويتصورون أن الأمر متعلق بإمكانيات المغالبة التي تحظى بها كل دولة، وان المصالح فقط هي من تتحكم والقوة تسيطر، وأنه لا مكر معد مسبقا ضد مصر.

ويزعمون أن إثيوبيا وإسرائيل وجدتا ضالتيهما في التعاون المشترك، وأن السودان ارتأت الانحياز للجانب الأقوى في المعادلة وهو من يملك البحيرة والماء وبالتالي الكهرباء ويصادق من يملك القوة العسكرية والنفوذ الدولي، وأن تعاونها معهما حقق لها نجاحا من أول وهلة برفع العقوبات عنها.

وقياسا بذلك -إن صدقت النوايا – فلنبحث سويا عن أهم أدوات القوة التي تمتلكها مصر والتي يمكن أن نعددها في الآتي:

-يتوسط سد النهضة الموقع الجغرافي لمواطن قبائل الأوروم التي ينتمي غالبيتها للإسلام حيث يبدون اعتراضا على بنائه بعد انتزاع الحكومة أراضيهم منهم، ويطالبون بالانفصال عبر جبهة تحرير إقليم أورومو.

فيما يشكو المسلمون الذين يتجاوز عددهم من 45% الى 56% من عدد السكان حسب بيانات مراكز بحثية، ونحو 34% حسب البيانات الرسمية من التهميش والاضطهاد، وللأزهر الشريف تأثير بالغ عليهم.

يمكن لمصر اللعب بتلك الورقة، كما يمكنها اللعب بورقة الكنيسة المصرية حيث يشكل المسيحيون الأرثوذوكس هناك نحو50% من سكان إثيوبيا “حسب الإحصاءات الرسمية”، وهم الفئة المتنفذة في البلاد، وذلك عبر ممارسة الكنيسة القبطية أدوات الضغط المتاحة لديها.

– إثيوبيا تعاني من عدم إطلالها بشكل مباشر على البحر ما اضطرها لاستئجار حصة من ميناء بور سودان البحري عام 2018 وحصة من ميناء جيبوتي الرئيسي تربطه بأديس أبابا بخط حديدي، فضلا عن امتلاكها “قاعدة عسكرية بدعم فرنسي” هناك، وكلتا الدولتين الشقيقتين السودان وجيبوتي يمكنهما الضغط بتلك الورقة.

ويمكن في هذا الإطار الضغط باستخدام ورقتي قناة السويس لمصر وباب المندب في اليمن وفرض رسوم إضافية على البضائع الإثيوبية أو التلويح بمنع عبورها.

– وتعاني إثيوبيا من حركات انفصالية متعددة خاصة في إقليم أوجادين الذي سلمته بريطانيا لها اقتطاعا من الصومال عام 1954 رغم انتمائه عرقيا ودينيا للصومال واليمن، ولا زال هذا الملف يحتاج لداعم لتحريكه.

– كما دعم العرب وخاصة السودان والصومال إريتريا في الحصول على الاستقلال من إثيوبيا في القرن الفائت، يمكن لمصر الآن دعمها في مواجهة الضغوط الإثيوبية التي تمارسها عليها منذ الانفصال.

– وكما تتاح الخيارات العسكرية في الضغط المصري، تتاح أيضا ورقة الاستثمارات ويمكن لمصر ممارسة الاستثمار لا سيما الزراعي والحيواني في هذا البلد ما يعود بالنفع على البلدين.

ولو صدقت هذه التصورات يمكننا حينئذ استخدام قاعدة جنوب السودان المزعومة لعمل عسكري ضد السد.

هذه “بعض” من أوراق الضغط المصرية والسودانية في كارثة مهولة بحجم سد إثيوبيا يمكن استخدامها إن سلمت النوايا.

لا مجال للصمت على من يسلب من النيل هبته.

لقراءة المقال هنا على المعهد العربي للدراسات

...................................

Sisi Regime, Renaissance Dam, and American Attitude


by - Sayed Amin

at   Egyptian Institute for Studies.

The statement made by US President Donald Trump during his last election conference before the start of the presidential elections concerning Egypt’s right to bomb the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) unless Ethiopia agrees on a formula that can satisfy all parties – sparked a great deal of controversy on this sensitive issue.

While some considered Trump’s statement as a green light for the regime in Egypt to bombard GERD with missiles, others considered it incitement against Ethiopia, and insult to the Egyptian regime -which failed to take a decisive stance in handling this disaster despite the escalating tone of the Ethiopian officials’ discourse against Cairo- due to the growing relationship of both Egypt and Ethiopia with China and Russia. In this regard, some observers suggest that Trump may have wanted to lure Egypt into war against Ethiopia, similarly to what happened with former Iraqi President Saddam Hussein, when he was given a green light by the US ambassador to Iraq to invade Kuwait!!

However, others believe that Trump’s comment was as a kind of indirect denial of what has been reported that the construction of the dam was carried out through secret agreements between the downstream countries and Ethiopia, under the auspices of the United States during the Trump administration.

Anyway, it is not a secret that we have become used to the fact that the American maestro is the one that orchestrates all our issues, whether small or large, and accordingly, all strings of the game regarding GERD are in his hands and subject to his own will.

 The conspiracy theory

Therefore, if we accept this fact, we can simply consider the following as sufficient evidence:

– Removing Sudan from the US list of terrorism and accordingly exempting it from sanctions,

– The big leap of Lt. General Abdel Fattah Al-Burhan, head of the Sudanese Sovereign Council, towards normalization with Israel, and the subsequent Zionist interest in treating the pro-normalization activist, Amb. Najwa Gadaheldam before she died after being infected with COVID-19,


– The support provided by General Mohamed Hamdan Dagalo -generally referred to as Hemetti- Vice President of the Sudanese Sovereign Council, to the counter-revolution in Libya, and

– The UAE’s permeation into Sudan’s economy.

On the other hand, the repeated Ethiopian statements are shocking, provocative, and haughty, something that the Egyptians have not experienced before from an African, developing or Arab country, which made many Egyptians change their “mental” image of Addis Ababa as a modest country.

In the face of all this, the Egyptian reaction was so miserable and crushed that it succeeded in transmitting the feeling of fear to the souls of the people, and worked to convince Egyptians that their country could do nothing but hope that Ethiopia would take even one step back with respect to its tough positions, as the regime would accept any concession, whatever it was – in attempt to interpret this betrayal as wisdom in dealing with the status quo.

The Egyptian official media passed through its analysts concepts such as:

– Egypt cannot bomb the Ethiopian dam with missiles because countries such as China and Israel are protecting it with the use of deterrent defense systems,

– Sudan, which Egyptians were confident of its support, has abandoned its northern neighbor. Consequently, Egypt would not be able to strike GERD due to lack of direct borders between Egypt and Ethiopia, and because its collapse would be a disaster for Egypt.

On the Israeli side, it seems that it has been waiting for a green light from the United States to intervene and act on the whole issue.


Sometimes Israel emerges in Sudan, and sometimes it emerges in Ethiopia, especially on the issue of the Renaissance Dam, not to forget the grand reception and welcome with which Netanyahu was received in the Ethiopian Parliament and his frank comment there that Israel would benefit from the Nile water.

Since we believe that all these regimes are just obedient servants of the US administration, all these positions must be pre-meditated in order to justify surrendering to the fait accompli and deliver water to Israel as the only solution to the current dam crisis.

Such justifications are not only intended to persuade the Egyptian people, but also to convince parties within the regime that never believed that a clandestine activity was carried on behind the scenes to reach this point.

This fact being exposed will necessarily lead to questioning many campaigns waged by the Egyptian regime, including the war on terrorism, changing the religious discourse, the Suez canal duct, the deal of the century, and many other topics that the opposition monitors.

In this case, some can imagine that what has been leaked about Egypt’s leasing a military base in South Sudan – if the news aired on South Sudan’s state television is correct, although it was denied by its government – may be targeting Turkish bases in Somalia, Sudan and Djibouti, and not for attempting to strike Ethiopia’s dam.

The confrontation approach

However, many of those that reject the conspiracy theory suggest that the whole thing is related to the confrontation capabilities available to each country, arguing that only power and interests matter in this regard, excluding any pre-meditated deception against Egypt.

They also claim that Ethiopia and Israel have interests in maintaining joint cooperation between them; and that Sudan decided to side with the stronger side, the party that owns the lake, water, and accordingly electricity (Ethiopia); and makes friends with those that possess military power and international influence (Israel), where the Sudan-Israeli cooperation has resulted in success lifting sanctions against Sudan from the first moment.

The question here is, what are the most important power tools or pressure cards that Egypt possesses?

Egypt’s pressure cards

– The Grand Ethiopian Renaissance Dam is geographically located in the area that is considered the home of the Oromo tribes, the majority of which are Muslims, and they are against construction of the dam there after the Ethiopian government had snatched their lands from them; and they call for secession from Ethiopia through the Oromo Liberation Front. Meanwhile, Muslims whose number is estimated at 45% to 56% of the population according to data from some research centers, and at 34% of the population according to official data, complain of marginalization and persecution. In this case, given the fact that Egypt’s Al-Azhar has a great influence on the Muslim Oromo tribes, the Egyptian government can use this pressure card.

– Egypt can also use the pressure card of the Egyptian Orthodox Church, where the Orthodox Christians make up about 50% of Ethiopia’s population, according to official statistics, and they are the most influential group in the country.

– Ethiopia suffers from lack of a direct access to the sea, which forced it to rent a share from Port Sudan in 2018 and a share from the main port of Djibouti that is linked it to Addis Ababa via a railway, in addition to having a “military base with French support” there. In this case, both Sudan and Djibouti can help Egypt use this situation as a pressure card on Ethiopia.

– It is also possible to use the Suez Canal in Egypt and Bab al-Mandab in Yemen, as two pressure cards on Ethiopia, by imposing additional duties on Ethiopian goods, or threatening to block their transit.

– Ethiopia suffers from multiple separatist movements, especially in the Ogaden region that Britain delivered to it from Somalia in 1954, despite its ethnic and religious affiliation to Somalia and Yemen – another pressure card that can be activated.

– Arab countries, especially Sudan and Somalia, had supported Eritrea in gaining its independence from Ethiopia in the last century. Likely, Egypt can now support Eritrea in the face of the Ethiopian pressures practiced against Asmara since its secession.

– Egypt can also use the investment card, where Egypt can invest there, especially in agriculture and livestock, for the benefit of both countries.

– Finally, with regard to the military options, Egypt can use the alleged military base in South Sudan, if there is any, to carry out military action against the dam.

These are only “some” Egyptian and Sudanese pressure cards that can be used in the face of a disaster of the size of the Grand Ethiopian Renaissance Dam.

...................................

سيد أمين يكتب : معايير حكم الأغلبية في مصر والوطن العربي وأمريكا

الانبهار الذي عاشه المصريون ومعهم إخوتهم العرب وهم يشاهدون الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي جرت بين بايدن وترامب، وكيف أن الرئيس الأمريكي “السابق” ترامب وحملته، كانوا يتصرفون بوصفهم “معارضة” منزوعة السلطات، وكيف أن القضاة المنتمين للحزب الجمهوري والذين عينهم “ترامب” في مناصبهم بالمحاكم العليا خذلوه حينما طلب منهم وقف التصويت في بعض الولايات انحيازا للقانون، وكيف كان فرز الأصوات وغيرها من تصرفات غير معهودة في عالمنا العربي.

يتوازى ذلك الانبهار مع انبهار أخر جرى في مصر من الانتخابات البرلمانية المصرية، ولكنه انبهار مساوي له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه!!.

وفي الواقع أن تجارب الاحتكام لرأي الأغلبية في مصر سواء أو في جميع أرجاء هذا الوطن المبتلى بحكم العسكر أساء كثيرا للفكرة على ما بها من نقاء ومنطقية، وحولها إلى ظاهرة عبثية تحمل قدرا كبيرا من التهريج، حيث جرى التحايل عليها بطرق شتى حتى صارت تعبيرا أكيدا عن حكم الأقلية.

حكم الأغلبية ما له وما عليه

في الغرب، جاء اللجوء لحكم الأغلبية بعد تجارب مريرة دامت لقرون من صور الاستبداد والصراع في جميع الاتجاهات ولكافة الأسباب، فعمَّ الخوف والجوع والجهل والتخلف، هنا اجبروا تحت وطأة هذه الظروف للتخلي عن أنانيتهم ومصالحهم الفردية الضيقة، وقفزوا على متن سفينة حكم الأغلبية وخضعوا لاشتراطاتها وتجاوزا عن انتقاداتها.

ومن ضمن تلك الانتقادات الموجهة لهذا النظام من الحكم، أنه يساهم في صناعة ديكتاتورية الأغلبية ويحرم الأقلية مهما كان عددها من إنفاذ رأيها، بل ويجبرها على الخضوع لرأي الأغلبية مهما كان خاطئا.

ومن الانتقادات أيضا أنهم يرون أن الإجماع على رأي ما لا يعني أبدا صحته، بخلاف أنه يمكن أن يُبنى رأي الأغلبية على معلومات مضللة، وبالتالي يتم خداعهم والتأثير على مواقفهم عبر الدعاية الإعلامية ومن خلال نقص الوعي وقلة المعرفة، فضلا عن إيمانهم بحقيقة أن معظم الآراء التي غيرت العالم وحسنت بيئته كانت أراء فردية.

حكم الأقلية في الوطن العربي

تستطيع أن تجزم أنه لا يوجد حكم أغلبية في معظم البلدان العربية، لأنها إما محكومة بنظم حكم ملكية وبعض تلك النظم ما زالت لا تمتلك مرجعية دستورية ولو شكلية، وإما نظم حكم عسكرية أو طائفية أو عشائرية منفردة او مجتمعة، وتحاول مسايرة الموضة العالمية بإخراج نظم حكمها بصورة كما لو كانت تعبير عن حكم الأغلبية.

وهذه الصيغة الزائفة هي الصورة المُرضية والمقبولة غربيا، لكونها تحقق له مصالحه من جانب، وتستوفي الشكل الديمقراطي من جانب آخر، رغم أنه يدرك يقينا أنها لا تمثل إرادة الأغلبية.

وللأسف كثيرا ما تواطأت تلك الدول في صناعة هذا الشكل من الحكم، فقد عملت على استبدال الحكم المنتخب برأي الأغلبية في مصر بحكم عسكري يرتدي ثوب الأغلبية، ولنا في الدعم الأوروبي غير المعلن أو حتى القليل المعلن منه إعلاميا وسياسيا أو ما ظهر منه عبر متحدثته كاثرين آشتون التي حثت المتظاهرين في ميدان التحرير عام 2012 على الاستمرار من أجل الإطاحة بالنظام، خير دليل.

وبنظرة متأملة في أغلب بلدان وطننا العربي ستكتشف بسهولة أن ما ينتج تحت شعارات حكم الأغلبية هو حكم الأقلية أو “اتحاد الأقليات” وهم من يحرصون على إقصاء الأغلبية.

 النموذج المصري

 ترافقت مع الانتخابات الأمريكية انتخابات أخرى برلمانية في مصر، وبالطبع عقد مقارنة بين الحدثين هو في الواقع مقارنة بين الثريا والثرى، ولكننا نحن هنا سنحاول المرور عبر أهم معوقات قيام حكم الأغلبية في مصر بالطريقة الصحيحة.

 1- الأحزاب الوهمية :

 بالقطع ستندهش لو عرفت أنه يوجد في مصر 104 حزب سياسي تربط بينهم جميعا صفات بأنه لا يوجد إيديولوجية أو برنامج حزبي واضح أو مفهوم، ولا يوجد من خلفه هدف سياسي جاد يحظى بشعبية، ويتسم جميع رجالها بدعم النظام الحاكم وقيادته، ويتصدر القيادة فيها أشخاص يعانون من الجهل السياسي والمعرفي، ولا يوجد لها أنصار حيث لا تزيد شعبية أغلبيتها عن الـ 5 ألاف عضو اللازمة لتأسيس الحزب قانونا، وفي الغالب لا يعبر عن وجود الحزب سوى مقر بائس في شقة هنا أو هناك، كما أن مفهوم تأسيس الحزب عند كثير من مؤسسي تلك الأحزاب لا يختلف كثيرا عن إنشاء محل بقالة، وبالتالي فان انتخابات تدور بين عناصر منتمية لهذه الكيانات بالقطع سيعزف عنها الناس.

وفي المقابل يتم منع الأحزاب ذات الإيديولوجيات الواضحة بدءا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من ممارسة أنشطتها بمزاعم “جنائية” أو “دستورية” رغم أنها تحظي بشعبية ضخمة، وفي الغالب يتم حظرها أو دس عناصر أمنية بها لتفجيرها من الداخل.

2- ضعف الوعي السياسي:

عمل النظام العسكري الحاكم منذ انقلاب 1952 جاهدا على تسطيح وعي الناس وتجهيلهم، وإيهامهم عبر وسائل الإعلام التي يحتكرها بشكل مباشر أو غير مباشر بأن جماعات المعارضة عموما هي دكاكين – للمزايدة والتربح والابتزاز، ما تسبب في عزوف الناس عن العمل والمشاركة السياسية خاصة لما رأوه في أحزاب “الأنابيب” التي أنشأها النظام والقائمين عليها من نقائص.

وفي السنوات العشر الأخيرة أضيفت إليهم تهم العمالة للخارج وخيانة الوطن والإرهاب وذلك ردا على الطفرة الثقافية التي اكتسبها الناس من الممارسات الجادة للنشاط السياسي للأحزاب التي نشأت بعد ثورة يناير قبل القضاء عليها، كل ذلك جعل الناس ومعهم رجال “الأحزاب القائمة نفسها” يخشون الجهر بالمعارضة.

وكان البديل إزاء ذلك هو أن يستبدل الشعار السياسي بالشعار الخدمي المناطقي والجهوي، بمعني أن يكون برنامج المرشح في العمل النيابي عبارة عن لائحة بقائمة أعمال كإنشاء كوبري أو معدية أو مدرسة أو وحدة صحية.. إلخ في دائرته الانتخابية، ورغم أن ذلك من أعمال الإدارات المحلية “سواء معينة أو منتخبة” الروتينية إلا أن النائب عادة ما يعجز عن تنفيذها، فيلجأ للاستفادة من وصوله للبرلمان بتعيين عدد من أقاربه في دوائر السلطة المختلفة كالشرطة والجيش والقضاء والسلك الدبلوماسي.

وبالطبع فإن مثل هذا النائب لا تعنيه السياسات العامة للدولة وسيوقع على ما يطلب منه دون اكتراث للنتائج والأخطار.

أبرز ملامح عدم إنفاذ حكم الأغلبية في ضوء العملية الانتخابية الأخيرة في مصر:

1ـ الترهيب والترغيب: ترهيب المواطنين بدفع غرامات نظير عدم مشاركتهم في الانتخابات وتعقبهم أمنيا، وترغيبهم عبر توزيع الكراتين الخاصة بالسلع الغذائية والأموال على المواطنين من قبل جميع المرشحين والأحزاب القائمة، من أجل حثهم على المشاركة في الانتخابات، ورغم ذلك لم تتعدى نسبة المشاركة المعلن عنها رسميا 28% في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، وأن أكثر من ثلث المصوتين أبطلوا أصواتهم.

2ـ ضعف المنافسة: رغم أن جميع الأحزاب القائمة في مصر لا تعتبر أحزابا معارضة للسلطة الحاكمة وإنما تتدرج بشكل مختلف في القرب منها أو البعد عنها، إلا أن المنافسة الحزبية جرت بين حزب السلطة وقائمته وبين أخرى للأحزاب الأقرب لها، فيما شاركت قائمة الأحزاب الأبعد من السلطة طمعا في الإفراج عن معتقليها، وبارك النظام مشاركتها من اجل تنفيس جزء يسير من الغضب الشعبي.

3ـ ضحالة وعي المرشحين: أظهرت الدعاية الانتخابية والمؤتمرات التي دعا لها بعض المرشحين والأحزاب في جميع الدوائر تقريبا ضحالة فكرهم وثقافتهم وكانت مثالا للتندر والسخرية، فضلا عن أن يكونوا ممثلين لإرادة الشعب.

خلاصة

في الواقع، إن ما حدث في أمريكا انتخابات تعبر عن حكم الأغلبية، وما جرى في مصر شئ يبدو كأنه انتخابات ولكنه لا يعبر إلا عن حكم الأقلية.

  نشر المقال للمرة الاولى في المعهد المصري للدراسات

...................................

Criteria of Majority Rule in Egypt, Arab World and US

by-Sayed Amin

Egyptian Institute for Studies.

Citizens in Egypt and other Arab countries have been fascinated by the recent  US presidential election 2020 and the rivalry between Joe Biden and Donald Trump, especially that the “former” US President Trump and his campaign were acting as an “opposition” force whose powers have been removed; and how judges belonging to the Republican Party, whom Trump had appointed in US supreme courts, sided with the law and let him down when he asked them to block voting in some states, against the norms in the Arab world.

Meanwhile, unlike the popular fascination by the American elections, there was a feeling of disappointment in Egypt with respect to what happened in the so-called parliamentary “elections”, where results usually come according to what the intelligence services that support the ruling regime in Egypt want!

In fact, under the rule of the military, whether in Egypt or elsewhere, the practice of elections in such distorted way, while falsely calling this act ‘appeal to the opinion of the majority’, has greatly offended the pure idea of elections, and turned it into an absurd phenomenon, and accordingly the whole process has become an expression of the rule of the (military) minority, not the real majority.

Rule of the Majority: For and Against

In the West, the resort to majority rule came after centuries of bitter experiences of tyranny and conflict that had led to spread of fear, hunger, ignorance and backwardness. Under the pressure of these circumstances, Western societies found themselves compelled to abandon their selfishness and narrow individual interests, and decided to appeal to the opinion of the majority and agreed on the rule of the majority.

Among several criticisms directed to the democratic system of government is that it leads to dictatorship of the majority and deprives the minority, regardless of their number, from manifesting their views, and ultimately forces the minority to submission to the opinion of the majority, no matter how wrong it may be.

Among other criticisms to the opinion of the majority, some see that unanimity on one opinion does not at all mean it is the right thing, as the opinion of the majority may be based on misleading information to deceive the masses and influence their positions through media propaganda amid their lack of awareness and knowledge.

Rule of Minority in Arab World

In fact, there is no rule of majority in most Arab countries, as they are either governed by monarchical systems of government, some of which still do not have a constitutional reference, albeit formal; or governed by military, sectarian or tribal regimes that are only keen to formally go in line with the global system and portray their ruling regimes as expressive of the rule of the majority, of course against the truth.

Unfortunately, this false formula of elections is satisfactory and acceptable to Western countries, as it achieves their interests on the one hand, and provides a democratic picture, albeit formal, on the other, although they certainly realize that the outcome of such rigged elections does not at all represent the will of the majority of people.

However, the West has unfortunately in most cases backed creation of such form of corrupt governments. Even, it has worked to replace the elected government that was expressive of the opinion of the majority in Egypt with a military government that falsifies facts and portrays the rule of the tyrannical military minority as the rule of the majority through rigged elections that do not express the real opinion of the masses. In this regard, we must not forget the European media and political support, whether declared or unannounced, that has been provided to the military coup in 2013. An evidence of this Western hypocrisy is the attitude of EU High Representative of the Union for Foreign Affairs and Security Policy Catherine Ashton, when she urged the anti-Morsi protesters in Tahrir Square in 2012 to maintain their demonstrations in order to overthrow the regime (the democratically elected government for the first time in Egypt).

With a closer look at most regimes in Arab countries, we can easily find out that the results of rigged elections under the slogans of rule of the majority are, in fact, a clear embodiment of the rule of the minority that is keen to exclude the true majority from power with the blessing of Western countries.

The Egyptian Model

At the time when the US presidential election was ongoing in the United States, parliamentary “elections” were held in Egypt. Of course, a comparison can never be made between the two events, but hereunder we will try to discuss the most important obstacles to the rule of the majority in Egypt:

1- Fake Parties:

Of course, the reader would be surprised to knnw that there are 104 political parties in Egypt that all lack any clear ideology, party platform, or serious political goals supported by masses. Almost all leaders of these sham parties suffer from political and cognitive ignorance, but have the support of the ruling regime and its leaders! These parties do not have real supporters, as most of them do not have more than the 5,000 members required to foundation of the party. Often, the presence of the party is expressed by a miserable headquarters in a flat here or there. Also, the concept of launching a party to many founders of the current political parties in Egypt is not much different from opening a grocery store. This is why people are reluctant to join these parties or participate in any elections.

On the other hand, parties that have clear ideologies, from the far right to the far left, are prevented from carrying out any activities under “criminal” or “constitutional” allegations, despite their popularity. Therefore, such parties are either banned or detonated from within by security services.

2- Poor Political Awareness:

Since the 1952 coup, the ruling military regime has worked hard to dismiss and avoid people’s awareness, and delude them through the media outlets that it monopolizes, directly or indirectly, that opposition groups in general aim at outbidding, profitmaking and blackmailing, which prompted people to abstain from engagement in political action.

Over the last ten years, the regime has added to the opposition charges of treason and terrorism, in response to the cultural boom that Egyptian people gained from the serious practices of political activity by the parties that arose after the January Revolution before their subsequent elimination. This has made both the Egyptian people and leaders of the existing sham parties afraid to speak out against the regime.

Therefore, the program of a candidate for parliament membership has become only a list of services that he/she intends to pursue implementation with various government bodies, such as building a bridge, school, hospital, etc.; even though such activities must be included in the routine work of local administrations, whether appointed or elected. However, a member of parliament usually cannot fulfill even such promises to his electorate, so he/she ultimately resorts to achievement of personal benefit from the parliament’s membership by mediating to appoint a number of his relatives in key authority departments such as the police, the army, the judiciary and the diplomatic corps.

Of course, these members of parliament are not concerned with the regime’s general policies; therefore, they approve any bills submitted by authorities to Parliament without regard for their consequences and dangers.

Key features of the lack of enforcement of the rule of the majority in Egypt in light of the recent election process:

1- The “carrot and the stick” approach: where the government intimidates citizens by threatening to impose fines for not participating in elections and chasing them by security organs, while at the same time encouraging citizens to participate in elections by distributing money and cartons of food commodities among them by candidates and parties. Nevertheless, the officially declared turnout did not exceed 28% in the first phase of the House of Representatives elections, where more than a third of voters nullified their votes.

2- Poor competition: Although all the existing parties in Egypt are not considered opposition parties, but rather vary in terms of proximity or distance from the ruling authority, partisan competition took place between the list of the regime’s main party and a list submitted by parties closer to it. However, some parties that are a little farther from the government participated in elections in the hope of releasing some of their detainees, a move that the regime welcomed with the aim of venting a small part of the mounting popular anger against the government.

3- Shallow awareness of candidates: The election propaganda conferences organized by some candidates and political parties in almost all electoral districts showed their shallow thought and culture, which exposed them to ridicule, as candidates for representing the will of the people.

In fact, the recent US presidential election is expressive of the rule of the majority, but what has taken place in Egypt is something else – although it may sound like “elections” but its outcome only manifests the rule of the military minority.

...................................

سيد امين يكتب : ملاحظات على نظرية العَوْد الأبدي

نشر في المرة الاولى على موقع عربي 21

مع ظهور وباء الكورونا بداية عام 2020، راح الكثيرون يرددون أن هناك لغزا في رقم عشرين، وأن كل عام يوافق الرقم عشرين من كل قرن يتفشى فيه وباء قاتل يفتك بمئات الآلاف من البشر، فما بالك لو كان الرقم يحتوي على ذات الرقم مرتين هذا العام!

أصحاب هذه الرؤية دللوا على ذلك بأنه في عام 1720 ضرب الطاعون مدنا أوروبية وخاصة في فرنسا مخلفا 100 ألف قتيل، وفي 1820 ضربت الكوليرا دول شرق آسيا وخاصة إندونيسيا والفلبين وقتلت ما يقرب من 100 ألف آخرين، وفي 1920 ضربت الإنفلونزا الإسبانية العالم أجمع وخاصة إسبانيا وأوربا، فخلفت هذه المرة ما يقرب من 100 مليون قتيل.

وزاد هؤلاء المندهشون بقولهم أن كل اعوام الرقم 20 في التاريخ الأقدم كانت كلها تحمل دلالات غامضة، فأعوام 1420 و1320 و1220 و820 و720 و620 و520 وما قبلها، كانت جميعا - بحسب موسوعة "ويكيبيديا - أعواما كبيسة، وبالقطع نعرف أن العوام يربطون بين الأعوام الكبيسة والنحس.

وأهلكت الأوبئة عبر التاريخ العديد من القوى العظمى؛ فقد ساهم الطاعون في تدهور اليونان القديمة، ولعبت الملاريا التي تفشت في جنوب أوروبا في القرن الخامس دوراً كبيرا في انحدار روما القديمة، وكان الناجون يعانون من نوبات حمى منتظمة لبقية حياتهم ما جعلهم غير قادرين على العمل بجد ما ساهم في تدهور الزراعة.

وفي بريطانيا أنهى الجدري عهد أسرة ستيوارت؛ ذات الأصول الأسكتلندية، حيث حكمت بريطانيا حتى عام 1714، كما دمر جيش نابليون في روسيا بسبب أوبئة "الحمى النمشية"، وهو مرض معد بسبب بكتيريا الكساح، و"الزحار" أو التهاب الأمعاء.

حقب التاريخ تتكرر

وللمتأمل في التاريخ سيكتشف بسهولة أن حقب التاريخ نفسها تتكرر أيضا، حيث يبدأ كل قرن بموجة من تفشي العدوانية يقوم بها القوي على الضعيف، ويستمر التوتر والخراب والاضطرابات الداخلية والخارجية في بداية كل قرن، ثم تحدث عملية استقرار نسبي ثم عملية تنمية ثم عملية انهيار جديدة.

بل إن الأحداث نفسها تتكرر أو تتشابه، تماما كما وصف الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيافيللي مراحل نمو الدول وانهيارها بقوله: "عندما وصلت الدول إلى أعلى درجات كمالها، سرعان ما بدأت بالانهيار. بنفس الطريقةبعد أن قلصتها الفوضى وغرقت في حالتها المتناهية من الانحطاط، عاجزةً عن الانحدار أدنى من ذلك، تصعد مجدداً من رحم الحاجة، وهكذا، تنحدر تدريجياً من الخير إلى الشر وترتقي من الشر إلى الخير".

فمثلا شهدت بدايات القرن السابع عشر انتصار الصفويين على الدولة العثمانية، وحرب الثلاثين عاما في أوروبا والشهيرة بـ"الثورة البوهيمية"، والحرب العثمانية البولندية.

وشهدت بدايات القرن الثامن عشر العديد من الثورات منها الثورة الفرنسية والأمريكية، واندلاع حرب الشمال العظمى بين روسيا والدنمارك، والنرويج ضد السويد، وحرب إنجلتر ضد فرنسا المعروفة بحرب "الخلافة الإسبانية".

وشهدت بدايات القرن التاسع عشر ثورة العبيد في هايتي وانتقلت تلك الثورة الى الكثير من بقاع العالم الاستعماري، كما شهدت أتون الحملة الفرنسية على مصر وحملة فريزر على مصر، وتوغل الاستعمار البريطاني في العديد من بقاع الأرض، وصعود محمد علي وخوضه العديد من الحروب ضد الدولة العثمانية مدعوما من فرنسا.

وفي بدايات القرن العشرين حدثت الحرب الأولى التي غيّرت شكل العالم، واستبدلت الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية والمجرية والعثمانية بإمبراطوريات جديدة.

وشهدت بدايات القرن الحادي والعشرين عمليات الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، والعديد من الثورات في البلدان العربية.

لعبة التشابه

وإذا كانت للأرقام دلالات واسعة في التاريخ حملت البعض على اعتناق مفهوم التكرار التاريخي أو "العَود الأبدي" الذي كُتب عنه بصيغ مختلفة منذ القدم، ووضحت الملاحظة على المجتمع على يد المؤرخ اليوناني قبل الميلاد بوليبيوس، ونظَّر لها في القرن التاسع عشر كل من الشاعر الألماني مؤلف نشيد النازي الوطني، هاينرش هاينه، والفيلسوف الملحد فريدريك نيتشه، فإن المدهش حقا أن تتكرر نفس الأحداث أيضا في أزمنة أخرى ومع أشخاص آخرين، وكأن الحياة عملية ديناميكية متى توافرت لها أسباب معينة أنتجت نتائج معينة، فمثلا الأسباب التي أدت إلى الثورة البلشفية بداية القرن العشرين هي نفسها الأسباب التي أدت إلى انكسار تلك الثورة وزوال الاتحاد السوفييتي في نهاية ذلك القرن.

والتآمر الغربي وأتباعه العرب على الدولة العثمانية بداية القرن العشرين يشبه لحد كبير التآمر على الدولة التركية الأردوغانية في القرن الحادي والعشرين، من نفس الجهات والعناصر.

نعم التاريخ يتكرر ولا داعي للإطالة في سرد الأمثلة، ولكن ينبغي التنبيه على أن دراسته بصورته الحقيقية هي في الواقع دراسة متعمقة في المستقبل.

...................................

سيد امين يكتب: المطبِّعون الجدد .. من يربح ماذا؟

لم تحرز إسرائيل انتصارا كبيرا يستحق هذا الصخب والاحتفالات في حزمة التطبيع العربية الجديدة الموقَّعة معها، مع الإمارات والبحرين  والسودان، تماما كما لم تحرز انتصارا  في الحزمة القديمة إبان توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، وذلك لأنها في الحزمة الجديدة فقط أخرجت العلاقة الخبيثة من الظلام إلى العلن، وهى لم تطبِّع أبدا مع الشعوب العربية ولم تحترم إرادتها قط، ولكنها طبَّعت مع نظم حكم يعلم القاصي والداني أنها خاضعة كليا أو في أحسن الظروف جزئيا لقوى الخارج لا سيما الولايات المتحدة التي هي حليف إسرائيل الكبير، وبالتالي فان النجاح هنا سيكون مشكوكا فيه.

كما أنها بإشهارها حزمة المطبعين الجدد تلك، أراحتنا وأراحت كافة الوطنيين من مهمة البحث والبرهنة والتدليل على العلاقات الخبيثة التي تجمع تلك النظم بالكيان الصهيوني، وقطعت خطط التخبئة والخداع التي كانت تمكِّن هذه النظم من بث سمومها في كل أعمالنا الجمعية العربية الوطنية على قلتها، حيث صارت الصورة الآن أكثر وضوحا.

ورغم العار الذي يلاحق من سِلك هذا المسلك إلا أن التجارب السابقة أثبتت لنازعي رداء الوطنية والولاء الجدد أن من سبقوهم لارتكاب هذه الفعلة القبيحة لم ينعموا بـ “الجزرة” أبدا وأن إسرائيل هي التي تقطفها دائما لنفسها، فما خلت مصر والأردن من الهموم الاقتصادية ولا صارت القاهرة ولا عمّان فيينا الشرق، بل انتقلوا جميعا من طور الندّية إلى الأتباع.

أدوار واحدة:

ـدول الخليج المهرولة للتطبيع هي في الواقع تمارس هذا الدور منذ عقود، وخطواتها الخارجية تتوافق تماما مع المصالح الإسرائيلية، فهي تعادي من يعادي إسرائيل، كالتيار الإسلامي “حماس والإخوان”، والتيار القومي كـ “صدام حسين والقذافي وعبد الناصر، والتيار الاشتراكي كـ “المنصف المرزوقي” في تونس، والتيارات الاشتراكية في الوطن العربي.

وفي المقابل هي تسالم من يهادن إسرائيل ويساندها ككل الحركات اليمينية المتطرفة في كافة بقاع العالم من الهند لأوروبا لأمريكا.

وبعض هذه النظم ظل لعقود يخدم إسرائيل بما هو أعمق كثيرا من الملفات المعلنة لاتفاق التطبيع المزعوم، لدرجة أن البعض ذهب أن إنشاء تلك الكيانات كان في الأصل من أجل حماية إسرائيل وتفتيت وحدة العالم الإسلامي ضدها، للدرجة التي تجعلك تشك بأنها تدفع ثمن كل رصاصة أطلقها الكيان الصهيوني تجاه أبناء شعبنا في فلسطين أو لبنان أو حتى في سيناء، وتخدّم بكل جد وهمة وبذخ على سياساتها وأهدافها في مصر وليبيا و شرق المتوسط  وتونس و البحر الأحمر و اليمن.

والمتأمل للمشهد العربي الآن سيكتشف بسهولة أن الدمار الذي أحدثته الدول التي هرولت تجاه إسرائيل في الوطن العربي أضعاف ما كان يمكن أن تحققه إسرائيل بعشرات النكسات والهزائم له، فقد نقلت المجابهة بين الأقطار العربية وإسرائيل إلي مجابهة بين شعب عربي وأخر، ومجابهة بين فئات داخل الشعب نفسه، وهو ثمن كثير للغاية لن تدفع إسرائيل له مقابل يعادل حجم الخيانة.

خسارة أم مكسب؟

ومن المنطقي أن نعرف أن من يلجأ إلى التطبيع من النظم العربية يكون في حاجة إلى إحداث نهضة اقتصادية وإنعاش اقتصادي، أو يكون الشعب نفسه بحاجة الى هذا الأمر، فيضطر ذليلا إلى التخلص من أعباء الالتزامات الوطنية والأخلاقية التي فرضت عليه كشعب عربي ومسلم تجاه أشقاء آخرين له تعرضوا للنفي والتهجير والإبادة.

لكن المدهش هنا أن من يقودون مسيرة التطبيع الجديدة في الوطن العربي من دول النفط والجاز ليسوا بحاجة الى الحزمات الاقتصادية التي يمكن أن تمنحها لهم إسرائيل، بل على العكس تماما، فهم من سيدفعون للكيان الصهيوني وسيساعدونه في كسر ما تبقى له من عزله، وسيروجون لمنتجات المستوطنات التي “يحظرها” الغرب نفسه، ويندد بالاستيلاء عليها، وسيدعمون قضاياه في المحافل الدولية، رغم أن انتصاره في أي قضية تعني بكل بساطة خسارة فادحة للشعوب العربية.

وبالتالي فان الهدف من تلك الهرولة لإشهار العلاقة الخبيثة مع  تل أبيب هو فقط السعي نحو الإنعاش السياسي لنظم فقدت كل المبررات الأخلاقية لوجودها، وصارت تمثل احتلالا محليا لشعوبها.

فلا هي نظم منتخبة، ولا هي حتى نظم “ملكية دستورية”، ولا هي ديمقراطية،  ولا هي نظم راشدة، هي فقط نظم عائدة من ظلام القرون الوسطى، فدستورهم إرادة الحاكم، يرتكبون الفظائع والجرائم النكراء دون مسائلة، وينشرون عظام المعارضين، ويتخذون أسرهم سبايا وعبيد، والمصدر الوحيد الذي يستمدون به شرعيتهم لدى الغرب منذ عقود بأنهم يقفون مع غلاتهم ومتطرفيهم في نفس الخندق حربا على العروبة والإسلام.

وفي تقديري أن انكشاف تبني إسرائيل لهذه النظم سيضرها على المدى القريب أكثر مما يفيدها، حيث يوضح صورتها الحقيقية للعالم ككيان عنصري فاشي، لا يلتحم إلا مع النظم الفاشية التي تضاهيه، وهى الصورة التي عكفت لعقود على نفيها وسعت لتزييفها غشا وخداعا.

وعلى المدى البعيد ستضطر إسرائيل لوقف عملية تلويث سمعتها التي بذلت الكثير منذ نشأتها على ترسيخها في “الميديا” الغربية خداعا وتضليلا وكذبا، وستتخلص من هذا الحمل الثقيل بعد أن بهت بريقه وجف ضرعه، وأصبحت مثالبه أكثر من مزاياه.

اقرأ المقال هنا في المعهد المصري للدراسات 

...................................

سيد أمين يكتب: الغرق في شلالات الوطنية الزائفة

في اللغة، لو طلبت من أحد أن يسقي”الشجرة المثمرة” فهذا يعني من ضمن ما يعني أن هناك أيضا أشجارا غير مثمرة، وبالمثل لو كنت تعيش في القاهرة ووجدت سيارة مكتوبا عليها “الشرطة المصرية” فهذا يعني ضمنا أن هناك شرطة غير مصرية في هذه المدينة، وهو بالطبع أمر ليس حقيقيا، ما يبعث على الدهشة من هذه التسمية، خاصة أن هذا التمييز العجيب صار منذ 2013 مشاع الاستخدام في كافة أجهزة الدولة وأدواتها، حيث تشيع شعارات من عينة الجيش “المصري”، والقضاء “المصري”، والسكك الحديدية “المصرية”، والمترو “المصري” وهكذا.

ولو كان هذا التعريف التمييزي يقتصر فقط على المنشآت الكبرى للوزارات والمصالح لكان الأمر مقبولا، ولكن الغريب أن تجد الجندي والقاضي والكمساري وحتى عمال النظافة وغيرهم يحملون تلك الشارات.

قد يقول قائل إن الهدف من تعميم هذا السلوك هو غرس قيم الوطنية والانتماء للوطن والاعتزاز به في نفوس الناس، وهو قول مردود عليه بأن قيم الوطنية لا تغرس في النفوس بالشعارات ولكن بالممارسات والأفعال.

فإذا وجدت رجل الأمن مثلا يقوم بدوره الذي يتقاضى عليه راتبه فعلا ويحافظ على أمني وسلامتي، فإنني بلا ريب سأكن له الحب والاعتزاز، أما إذا كان هذا الرجل لا يكترث لا بأمني ولا بسلامتي، بل إنه هو نفسه الذي يشكل أحيانا تهديدا لهما، فإن حمله لهذا الشعار سيفهم منه حينئذ الخداع والتمويه، كما أنه لا يفترض بي إعلان حبي له إن شئت كتمه، ولا لوم علي أن شعرت تجاهه بنقيض ذلك، طالما لم اخرق حريته وحقوقه الإنسانية.

استنزاف الوطنية

وعلى طريقة بطولات “دون كي شوت”، عاش المصريون في السنوات الماضية ما يشبه أجواء انتصارات عبد الحليم حافظ الغنائية، وفتوحات أحمد سعيد الإذاعية، ومغامرات رأفت الهجان التجسسية، والخطب الحماسية الملقاة في غير محلها.

فهذه البطولات مع كل ما بذل فيها من جهد لم ينقصها أن تكون مهيبة سوى نجاحهم في تسويق العدو الجديد، تركيا بديلا عن إسرائيل، وطرابلس بدلا من القدس، انتهاء إلى الانتصار على الكورونا بـ “الشلولو” و “الفول المدمس”.

وفي نفس السياق، وفي إطار إلباس الوطنية لغير موضعها، تم ربط لفظ وطني بكل شيء يمت للسلطة بصلة وبكل مسلك أو تصرف تتصرفه، بدءا من أنها السلطة الوطنية – وكأن هناك سلطة أخرى في مصر لكنها غير وطنية – مرورا بجهاز أمن الدولة الذي بعد أن أدى دوره في إخماد جذوة ثورة يناير أسبغت عليه الصفة فصار أمنا وطنيا، بجوار الجيش الوطني والشرطة الوطنية، والمؤسسات واللجان أو الأمن السيبراني والتدريب والطرق وغيرها، وحتى شركات الخدمات المعاونة الوطنية، انتهاء بمحطات الوقود “وطنية”.

ولكي لا تصاب بالتشبع من طوفان “الوطنية” التي انتسبت إليها كل هيئة أو جهاز مستحدث في هذا العصر “الوطني” الذي يجري فيه التنازل عن أرض مصر بكل وطنية، يمكنك كمواطن “وطني” التنويع والعودة لمصطلحات الأقدمين “القومية” التي تركت دون تغيير بعد.

وطنية زائفة

الوطنية التي يروج لها المروجون الآن والتي حاولوا تقديمها تارة كظاهرة صوتية للنشء في شكل أنشودة مدرسية صارت أمثولة للسخرية، وتارة أخري كظاهرة تاريخية كما حدث في مسلسل “ممالك النار” دخلت كسابقتها في سباق للسخرية لأن بطل الواقعة كان عبدا مملوكيا، وعبورا أيضا بمسلسل الاختيار الذي من ينتقده يصبح خائنا، ومن لم يشاهده وطنيته ناقصة ويجب توجيهه وإرشاده.

وحتى فشلوا في تقديمها كظاهرة غنائية في “بشرة خير” و “إحنا شعب وانتوا شعب” وحتى اختزالها في شعار “تحيا مصر 3 مرات” الركيك الذي يستخدمونه كتوقيع بعد أي وصلة نفاق.

كلها ظواهر تذكرنا بطقوس إيمان الأقدمين من عبدة الأوثان، حينما كان الوثنيون يذهبون للوثن الإله قبل أن يغيروا على قوافل التجارة المارة بالقرب منهم وذلك لتقديم القرابين والنذور والتذلل له بالأدعية من أجل أن يوفقهم “الوثن” في سلب ونهب تلك القوافل الآمنة المسالمة وسبي نسائها وبيع رجالها كعبيد، فكان إيمانهم شكلي وغايتهم غير نبيلة.

العكس تماما

الغريب أنه وسط هذا الهطول للوطنية، لا تجد في مصر إلا ما هو يفتقد لأي قدر من الوطنية، جزر البلاد الإستراتيجية تُباع، والمياه البحرية وحقول الغاز توهب للأعداء ونعود لنشتري منه الإنتاج، وشركات تنتمي لدول بعينها تسيطر على اقتصاد البلاد وجنسية البلاد تباع كبضاعة رخيصة وتسحب كخلاص من قيود السجن للمعتقلين، وشعب يُهَجّر، واقتصاد يتهاوى، ونيل يجف، وبلاد تتربع دون منازع على المناصب الأولى عالميا أو عربيا في الفساد والبؤس والانتحار والبطالة والأمراض والاستدانة والفقر والقمع والسجن والقتل خارج إطار القانون وإهدار حرية التعبير وحقوق الإنسان، وحلم أحلام جل شبابها الهجرة للخارج فارين بأحلامهم وأمانيهم ومستقبلهم.

السلطة ومعارضتها الشكلية أغرقا المجتمع في شلالات من الوطنية الزائفة، فأدرك الناس زيفها فردوها على المجتمع بمزيد من الإحباط واليأس والانتحار والانحراف والإجرام.

اقرأ المقال هنا في المعهد المصري للدراسات

...................................

Egypt Plunging in Falls of “Fake Patriotism”

 by-Sayed Amin

Egyptian Institute for Studies.

If someone asks you to look at “the fruitful tree”, this may imply that there are other “fruitless trees” nearby; and likewise, if you see a police patrol in Cairo streets with banners of “Egyptian Police” highlighted on vehicles, this may give an impression that there is non-Egyptian police operating in the Egyptian capital, which, of course, is not true.

So why do authorities insist on using two words, i.e. “Egyptian Police”, while one word, “Police”, is enough to convey the intended meaning?

In fact, this strange approach has been adopted by authorities since 2013, and has expanded to include all state agencies and services, where you can see, for example, the “Egyptian army”, the “Egyptian judiciary”, the “Egyptian railways”, the “Egyptian subway”, and so on.

If the use of such phrases were only limited to major installations of ministries and departments, things would have been more acceptable; but it is strange to find soldiers, judges, ticket inspectors, and even dustmen and others having badges with the modifying word “Egyptian” affixed to their uniforms.

Some might argue that generalization of such titles is aimed at instilling the values of patriotism, belonging to the homeland, and national pride in the souls of citizens. However, others believe that such approach is not correct, arguing that values such as patriotism are not instilled in people by repeating or chanting slogans but rather through practices and actions.

To make this proposition clearer, let us just think of the following:

When policemen, for example, do their job for which they are paid perfectly and preserve the security and safety of citizens, people will undoubtedly show respect and pride of them. On the contrary, when policemen fail to care about the security or safety of citizens and even pose a threat to their security and safety, then people will of course fear and even hate them, despite the badge of “Egyptian Police” they are affixing to their uniforms. In fact, such badges in this case will never be able to help instill patriotism and belonging to the homeland in the hearts of citizens; rather they will be a sign of plain deception. Therefore, a citizen is not supposed to express appreciation of persons that do not deserve it; rather, they cannot be blamed if they feel angry towards such “Egyptian” policemen that do not watch over their security nor guarantee their safety, but with no violation of the freedom and human rights of policemen.

Draining patriotism

Similarly to Don Quixote’s victories, the Egyptians have experienced fake victories over the past few years, which reminds people of those fake victories that used to be promoted in the songs of the late famous Egyptian singer Abdel Halim Hafez during the Nasserite era, and likewise the hollow statements that used to be read by the radio broadcaster Ahmed Saeed in the Egyptian Radio’s news bulletins at the time, as well as all the enthusiastic speeches delivered in the wrong place and situation.

In this way, the regime’s mouthpieces have been promoting that the new enemy has become Turkey instead of Israel, that the national target is to overthrow Libya’s UN-backed Government of National Accord rather than to liberate Jerusalem from the Zionist occupation, and that the COVID-19 can be defeated by a 5,000-year-old Egyptian dish called “shalawlaw”, and “fava beans”, a popular Egyptian dish.

In the same context of fake patriotism, the adjective “national” in the sense of highlighting “patriotism” has been linked with everything related to the existing government and authority, starting from the “national authority” -as if there is another authority in Egypt that is not national- through the State Security Apparatus, that after it had succeeded in suppressing the January revolution, acquired the characteristic of “national” where its name changed into the National Security Apparatus, in addition to the “national army”, the “national police”, and the “national” institutions, committees, cybersecurity, training, roads, and even the “national” logistic companies, where the adjective “national” has also become a proper name for a series of petrol stations owned by the army, “Wataniyah” the Arabic word for “National”.

The flood of fake “patriotism” has overwhelmed everything related to the ruling regime in this “national” era, where the regime that claims patriotism ceded the country’s land and wealth to other countries!!

Fake patriotism

This kind of patriotism that is still being promoted by supporters of the ruling regime in Egypt has been highlighted in the form of a school song “Alo Aih Aleina?” (What did they say about us?) to be repeated by pupils; a popular song to be circulated among people such as “Boshret Kheir” or “We’re a people and you’re another people”, addressing dissent; a historical TV serial such as “Kingdoms of Fire” or “The Choice”, whose critics are accused of being traitors. Even “patriotism” from the point of view of the regime has been manifested in an arrogant slogan “Long live Egypt-3 times” that is used in the context of hypocrisy. However, instead of instilling real patriotism in the people, these manifestations of fake patriotism have become subject to ridicule and mockery by citizens.

Exactly the opposite

It is strange that in the midst of these sweeping torrents of pseudo-patriotism, one can hardly find any aspects of real patriotism, where:

– Egypt’s strategic Red Sea islands of Tiran and Sanafir have been waivered or sold, vast areas of exclusive economic zones have been abandoned, and many natural gas fields have been ceded;

– Companies belonging to certain countries (most notably the UAE) almost control the country’s economy;

– Egyptian citizenship is being sold as cheap goods, while it is stripped off Egyptian citizens for political purposes;

– Egyptians, especially in Sinai, are displaced and their houses are demolished;

– The Egyptian economy is almost collapsing;

– Egypt’s historical rights in Nile waters are threatened;

– Pervasion of corruption, misery, suicide, unemployment, diseases, debts, poverty, oppression, imprisonment, and extra-judicial killing; and absence of freedom of expression and human rights;

– Most young people in Egypt dream of emigrating abroad to fulfill their aspirations and secure their future.

The regime and its dependent opposition at home have plunged the Egyptian society into falls of false patriotism. However, the people’s awareness of the reality of this situation was reflected in the Egyptian society in the form of frustration, despair, suicide, deviation and criminality, not patriotism

.

...................................

مقالات عام 2021

...................................

سيد أمين يكتب: دردشة عن البركة وعلم العدد

يناير 05, 2021

 يحلو للناس الحديث عن الغيبيات أو اللامنطقيات و"الميتافيزيقا" أو علم "ما وراء الطبيعة" ، فهي راسخة ومتجذرة في عقول وأفئدة الناس ، من خلال التجربة أحيانا والنقل عبر الرسل والأنبياء والصالحين في أغلب الأحيان.

ويجتهد كثير من الناس لإظهار تشبثهم بحبائل المنطق في تبرير تصرفاتهم ، ويكرسون جل جهدهم للظهور بكونهم أناسا منطقيين، مع أنهم في كثير من الأحيان لا ينتصرون للمنطق ولا يعملونه أو حتى يعلمونه، لكنهم يمضون خلف تلك البواعث الداخلية العميقة المدهشة التي توجههم إلي فعل هذا ورفض ذاك وحب هذا وكراهية ذاك.

نحن لسنا هنا بصدد الحديث عن الأديان فهي "تابوهات" مقدسة تؤخذ بماهيتها كما هي وكما اخبرنا عنها الرسل والأنبياء والصالحين بما لها من نسق ، وهذا مصدر الإعجاز والحيرة فيها ، ولسنا أيضا بصدد الحديث عن السحر والمس والحسد رغم أن ذلك يأتي ضمن هذا النوع من التفكير وان كان قد صبغ بصبغة الابتذال والسوقية من فرط الحديث عنه.

ظواهر أخري

ولكن نحن بصدد ظواهر أخري لما يرد عنها نقلا ولم يستطع أن يفسرها لنا العلم لكنها حقائق يقينية يعيشها الناس منذ نشأة الخليقة ،وإلا فما تفسير أن يشعر أحدنا أحيانا انه عاش تلك اللحظة أو الموقف من قبل، أو أن يتوقع أحدنا حدوث شيء ما فيحدث تماما كما توقع دون وجود أي مسببات منطقية له ، أو أن يشعر بمشاعر الحب والاحترام والسكينة والأمن تجاه شخص لم تلتقيه في حياتك من قبل أبدا، وتشعر بمشاعر مناقضة تماما تجاه أخر مجرد أن تراه ، أو أن يتواصل اثنان كلا منهما في نصفي الكرة الأرضية ذهنيا دون سابق معرفة، أو أن يتعثر أحدنا مرارا في زيجته أو عمله أو تجارته دون وجود أي معيار منطقي بأي شكل ، لا في الشكل ولا اللون ولا القبح ولا الجمال ولا اللون ولا الجنس ولا الدين ولا العلم وغيرها.

وما معني الإيمان السائد عند الناس جميعا بالبركة والنحس حيث كانوا يقومون قديما بنثر حبوب القمح ليبنوا عليها جدران المنازل طمعا في النماء والرخاء ، ويقوم أصحاب المحال بسكب الماء أمام محالهم قبل بدء العمل طمعا في زيادة البيع وكثرة الزبائن؟ وما هو سر القدرات الخاصة؟

الإجابة علي تلك التساؤلات غاية في الصعوبة ولكنها قد تنقلنا جبريا إلي الحديث عن الإله الواحد الذي لم ندركه ولم نراه ولكن بصمات وجوده وخلقه لنا واضحة، تنقلنا تارة إلي النسق المنطقي وتارة إلي النسق غير المنطقي وهو ما يحيلنا إلي الاعتقاد الديني أيضا ، والغريب أن كل الأديان تقريبا تحيلنا إلي معني واحد تقريبا، الخلق الأول والبعث والخلود

لذلك أعتقد أن الحياة لا تسير علي نسق منطقي واحد، ولا حتى علي النسق المنطقي فقط ، بل تسير علي رجلين اثنتين إحداهما نسق منطقي والأخر غير منطقي.

مَنطَقة اللامنطقي

في إطار "مَنطَقة" اللامنطقي يؤكد المتصوفة أن كثيرا من الناس ارتقوا لدرجات قصوى من الإيمان بالخالق العظيم وذابوا في الوجد للقائه، فتحقق لديهم الصفاء الوجداني والذهني في صورة حدس صوفي شديد الصدق، يحميهم من الذلل، ويقرءون به المستقبل، ويستدلون بفعاليته بمدي قربهم من الخالق.

وللحقيقة أن هذا الحدس الصوفي موجود بذات المعنى في كثير من العقائد والأديان وله نفس الآثار ما يدل في قراءة أخري علي وحدة المعبود وإن كانت تختلف صور عبادته.

لذلك كانت القدرات الخاصة التي منحت أيضا لبعض الأفراد حتى من غير المسلمين، بل ومن غير المؤمنين أو المتصلين صوفيا ، مثار حيرة بالغة لما لها نفع شديد ليس للأفراد فحسب بل حتى للدول.

ويحكى أن أكثر ما كان يؤرق المخابرات الغربية والأمريكية أثناء فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق ، هو نفوذ هؤلاء الأفراد الخطرين الذين يعتبرون أجهزة تنصت واستقبال واتصال بالغة التطور تقوم بمهام يستحيل كشفها أو حتى رصدها.

الغريب ان المخترع والفيزيائي والمهندس الكهربائي والميكانيكي الصربي الأمريكي "نيكولا تسلا" الذي يعد أحد أكثر البشر عبقرية ونبوغا علميا قال : "من يعرف عظمة الأرقام ٣ و ٦ و ٩ ،فقد وجد المفتاح للكون" ،وكان مهووس بالرقم ٣ لدرجة أنه كان يدونه حوله ويرسم به المثلثات.

حكايات متناثرة

ولقد ارتبطت الأماكن والمنازل في وجدان كثير من الناس بعوامل الرزق أو الشح فكانوا ينثرون الحبوب كالقمح والأرز والشعير في أساسات البنايات الجديدة جلبا للنماء والبركة.

وكثير من الناس كانوا يتشائمون ويتفائلون من أرقام بعينها ، فأرقام3و5 و7 و9 مثلا مثيرة للتفاؤل لديهم ، والغريب أنها ذاتها أرقاما محبذة أيضا في طقوس كثير من العبادات، فالصلاة عند الإسلام خمس والرقيات الشرعية ثلاثة أو خمسة أو سبعة، والسموات سبع، والأرض سبع طبقات ،وهكذا.

ويرتبط الرقم ٣ في معظم الثقافات بالتقديس ،والحياة والتغير والتطهير والولادة وحتى الحياة الاخرى ، وكثير من الثقافات القديمة، لديها ٣ رموز وآلهة مزعومة من المصرية القديمة مرورا بالهندوسية وانتهاء بمبدأ التثليت في بعض الديانات وفي بعض مذاهب المسيحية يعتبرون أن الله تعالي ثالث ثلاثة.

كما ان القرآن حافل بذكر رقم ثلاثة "أزواجا ثلاثة ، وعززنا بثالث ، ظلمات ثلث ،ذي ثلاث شعب ، وغيرها" وكذلك عدة الأرملة في الاسلام "٤ أشهر أي ثلث السنة، و١٠ ايام أي ثلث الشهرأيضا" فضلا عن أن الطلاق ثلاثة ، وتسبيحات الثلاة ثلاثة ، والاذكار والرقى اغلبها ثلاثة، وهناك معجزات كبيرة في علم العدد.

وفي الهندوسية الرقم ٣ مقدس ،فالآلهة ٣، وشيفا ثالث الآله له ٣ أوجه و أحوال و سلاحه ثلاثي والحياة ثلاث مراحل و ثلاث رحلات والوعي ٣ مراحل.

والشمعدان الذي يمثل أعظم رمز ديني لليهود هو سبع شمعات، وحتى الماسونية أو البنائيين الأحرار وهي منظمة أخوية عالمية يتشارك أفرادها عقائد وأفكار واحدة فيما يخص الميتافيزيقيا وتفسير الكون والحياة والإيمان بالخالق ، لها ثلاثة درجات " العمي الصغار، الماسونية الملوكية ، الماسونية الكونية".

بينما أرقام 13 و19مثلا مجلبة للشؤم وينبذها كثير من الناس لاسيما في الغرب، لدرجة أن الكثير من الفنادق العالمية ألغت رقم 13 في غرفها واحتالت عليه برقم 12 مكرر.

السبب غير مفهوم ولكن يتردد انه الساحرات كن في روما عددهن 12 ساحرة ويجتمعن مع الشيطان صاحب الرقم 13 وأن حوّاء أعطت آدم التفاحة ليأكلها في يوم 13 من الشهر وأن قابيل قتل هابيل في مثل هذا اليوم.

وترتبط البركة أيضا بالزوجة وقد يكون طلب إبراهيم من ابنه إسماعيل عليهما السلام تغيير عتبة بيته لسبب من هذا القبيل.

ويتردد أن مسألة النحس والبركة تبرز قوة أثارها طبقا لمدي إيمان صاحبها باللامنطقيات ومن يخشي العفريت "يطلع له" كما يقول المثل المصري.

اقرأ المقال كاملا على موقع رقيم

...................................

سيد امين يكتب: الهرمجدون .. هل جمعت بين ترامب واليهود وفرقت بينهما؟

مارس 01, 2021

رغم أن الرئيس الامريكي المثير للجدل دونالد ترامب قدم لاسرائيل ما لم يقدمه أحد لها من قبل ، بدءا من زوج ابنته لليهودي جاريد كوشنر وعينه وزيرا لخارجيته، ثم قراره بنقل سفارة بلاده الى القدس واعترافها بأن كامل المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل، ومعها الجولان السورية المحتلة ، ثم تدبيره لصفقة القرن التي تنهي القضية الفلسطينية صالح اسرائيل ، نهاية بموجة التطبيع الاجباري التي فرضها علي “أثماله” العربية مع هذا الكيان، رغم كل ذلك لم يحظى ترامب برعاية اللوبي اليهودي في امريكا على ما يبدو ما تسبب في سقوطه الذريع .

تأثيرات انتخابية

تشير المعلومات الى أن هناك اكثر من 6ملايين يهودي يقطنون في عدد من الولايات والمدن الامريكية المهمة مثل نيويورك ولوس انجلوس وميامي وسان فرانسيسكو وشياغو ، واغلب تلك المناطق صوتت لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة وأن هذه الجالية اليهودية كان بامكانها بمفردها أن تحقق الفوز لترامب لو صوتت له في تلك الولايات وحققت التعادل بينه وبين بايدن بحيث يتم خصم هذا العدد من الـ 86 مليون الذين صوتوا لبايدن ويضافوا للأصوات التي حصل عليها ترامب ليصل عدد المصوتين له الى 80 مليون شخص ، فضلا عن قوتها الاجتماعية والاقتصادية التي كان يمكن استخدامها لاقناع أو اجبار شرائح أخرى من غير اليهود للتصويت له.

وبالطبع كل ذلك كان سينعكس ايجابا على اصوات ترامب في المجمع الانتخابي.

بالقطع ستثير تلك التكهنات دهشة الكثيرين واستنكارهم لها ، فلماذا يقابل اليهود اليد التي امتدت لهم بالعرفان بهذه الضربات الموجعة؟ وهل فعلوا ذلك كرها لترامب ام حبا في بايدن؟

تأثيرات عقائدية

يرد الداعمون لهذا التوجه بمعلومات اكثر غرابة تتعلق كلها بالتوجهات الدينية لكل من الصديقين “اللدودين” والذين جمعت بينهم الايديولوجية الدينية وهى التي فرقت بينهم أيضا في أخر المطاف.

فمن المعروف ان ترامب واحدا من الرءوساء الامريكيين الذين عرفوا بتأثرهم بشدة بمرجعيتهم الدينية البرستانتيه المشيخية ، وانه توجه الى الكنيسة القريبة من البيت الابيض حاملا الانجيل حينما داهم المحتجون الرافضون لسياساته المكان ليعلن للعالم تمسكه بوجهته العقائدية في بلد يتحلى ولو شكليا برداء العلمانية.

وحتى حينما هاجم انصاره مقر الكونجرس بعد اعلان فوز بايدن كان كثيرون منهم يحملون صلبانا ،وبينهم عدد من العرافين وقراء الحظ والطالع، وقيل انه كان بينهم قارئ الطالع الخاص بترامب نفسه.

ويقولون ان تدين ترامب بهذا المذهب – كما يقولون – جعله يؤمن بشكل جازم بضرورة وقوع معركة “الهرمجدون” او معركة “نهاية العالم” التي ستحدث بين السيد المسيح “عليه السلام ” بعد عودته الثانية كممثل لقوى الخير، ويين من لا يؤمنون به وسيفنيهم جميعا في “مدينة القدس” كممثلين لقوى الشر.

“مع ملاحظة أن وقوع تلك المعركة الفاصلة بين قوى الخير والشر في نهاية الزمان يؤمن بها انصار الديانات السماوية الثلاث ولكن يروونها بطرق مختلفة وكل فصيل بنسب الانتصار فيها لنفسه”.

الجديد هنا أن ترامب – بحسب المؤمنين بهذه النظرية – يعتقد أن اليهود من ضمن قوى الشر التي سيتم افنائهم، وأنه مع تخريب مدينة القدس لابد من تدمير هيكل داوود” أو”سليمان”.

ونظرا لأن هذا الهيكل غير موجود كي يتم هدمه ، فإنه من الضروري مساعدة اسرائيل لبسط سيطرتها الكاملة على كامل مدينة القدس، وتمكينها من اعادة بناء الهيكل أو العثور عليه أسفل “المسجد الاقصى” من ثم تهيئة الأجواء لعودة المسيح وهدمه، وتخريب القدس ،والقضاء على كل قوى الشر يهودا ومسلمين.

ولليهود سببا اخر للخلاف مع ترامب ، وهو أن الرجل يؤمن تماما بوجوب سيطرة الجنس الابيض على الحكم في امريكا بعدما افقدتهم “سياسة التجنيس والهجرة والمعايير الديمقراطية” السيطرة على مفاصل الحكم هناك ، بينما اليهود لا ينتمون للجنس الابيض ، وهم ايضا يؤمنون بانهم الافضل لكونهم “شعب الله المختار” كما يزعمون.

لذلك رأي اليهود أن اكتمال نصر ترامب وتمكنه من احداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة في امريكا وفي العالم لن تصب في النهاية لصالحهم.

الساسة الامريكيون ومعركة النهاية

والحقيقة ان هناك الكثير من الساسة الأمريكيون ينتهجون نهج ترامب ، وبحسب كتاب “النبوءة والسياسة” للكاتبة الأمريكية جريس هالسيل فإن النبوءات التوراتية تحولت في امريكا إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية وكلهم يعتقدون قرب وقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح.

وفي هذا المعنى تحدث الرئيس الأمريكي ريجان عام 1980م في مقابلة متلفزة أجريت معه مع الاعلامي المسيحي المتدين جيم بيكر قائلا: “إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون”.

وفي تصريح آخر له: ان هذا الجيل بالتحديد هو الذي سيرى هرمجدون.

أما الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش فقد نقلت عنه مجلة دير شبيجل الألمانية عام 1988 قوله “منذ ذلك الوقت أصبح بوش واحداً من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح وهذا ما دعاه إلى القول: بأن المسيح هو أهم الفلاسفة السياسيين في جميع الأزمنة لأنه ساعدني على التوقف عن شرب الخمر”.

ويتضمن كتاب “لو كررت ذلك على مسامعى فلن أصدقه” لمؤلفه الصحفى الفرنسى “جان كلود موريس” أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكى “جورج بوش الابن” والرئيس الفرنسى السابق “جاك شيراك”، والتى كان يجريها الأول لإقناع الثانى بالمشاركة فى الحرب التى شنها على العراق عام 2003، بذريعة القضاء على “يأجوج ومأجوج”.

ويقول مؤلف الكتاب ان بوش الابن كان من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وكان مهووساً منذ نعومة أظفاره بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس فى المعتقدات الروحية المريبة، وفى مقدمتها (التوراة)، ويجنح بخياله الكهنوتى المضطرب فى فضاءات التنبؤات المستقبلية المستمدة من المعابد اليهودية المتطرفة.

وفي عام 1991 واثناء الحرب على العراق نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الحاخام «مناحيم سيزمون»، الزعيم الروحى لحركة حياد اليهودية، مفاده بأن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح “اليهودي” المنتظر.

وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدرفي قبرص عام 1990 يقول:توجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في امريكا وكل دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد دولة إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين.

وهناك في الحقيقة العديد من التصريحات التي يدلي بها مسئولون أمريكيون وغربيون تكشف عن سيطرة هذه العقيدة على سياستهم الخارجية والداخلية

اقرأ المقال كاملا على موقع رقيم

...................................

سيد أمين يكتب : "صاحبة الجلالة".. من تحرير الوطن لتحرير الكراسي

نشر المقال لأول مرة في عربي 21

بعضهم لجأ لاستئجار مقهى وأحيانا اضطر للعمل فيه، أو استأجر محلا ليبيع فيه البقالة أو الخدمات المكتبية أو مهمات الكمبيوتر، وبعضهم افتتح مطعما يبيع فيه الفول والطعمية، وأفقرهم من قام بتمويل "عربة فول" من تلك العربات التي تنتشر في كل مدن مصر وأحضر أقارب له للعمل عليها، ومنهم من اقترض من البنوك ليحصل على سيارة يديرها كسيارة أجرة.

وهناك من هم من ذوي الأطيان - وهي تقاس بالقراريط في الغالب - عاد إلى مسقط رأسه في ريف مصر وراح يربي الماعز والخرفان، ويزرع ويسقي وينافس الفلاح في صنعته.

هذه ليست ترديات أو حتى سرديات عن أحوال العمالة الموسمية  ولا عمال التراحيل، ولكننا بلا خجل نتحدث عن المهن البديلة التي يمتهنها قطاع لا بأس به من الصحفيين المصريين حاليا، والذين ينتظرون بفارغ الصبر الزيادة الحكومية الدورية لبدل التدريب والتكنولوجيا مع كل انتخابات للتجديد النصفي، والتي ستحل في 19 آذار/ مارس الجاري، وهو البدل الذي تحول إلى الراتب الوحيد لغالبية الجمعية العمومية للصحفيين مع زهادته وضآلته، ولا يزيد عما يقدر بنحو 120 دولارا.

كما أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعملون بصورة أو أخرى في مجال السمسرة وبيع الأراضي، وبعض النافذين منهم وهم قلة طبعا لجأوا إلى القيام بأعمال الوساطة وتخليص مصالح المستضعفين من الناس مقابل أجر أو عمولة، والأخطر من ذلك أن العاملين في قطاع الإعلانات وهم بالقطع الأيسر حالا والأوفر حظا بينهم - رغم أنه نشاط مجرم بنص لوائح عضوية نقابة الصحفيين - صاروا هم أغلب ملاك الصحف الجديدة وهم من يسيطرون على المجال، وبالطبع كل ذلك أثر سلبا على حياد الصحفي ومهنيته.

لذلك فقد الناس ثقتهم في هذا المجال تماما، وانحدرت صورة الصحفي النمطية في مخيلتهم لدرجة سحيقة تجعل بعضهم يربط بين الصحفي والنصاب، بعدما كان من أعلى عشر مهن مرتبة وحصانة ودخلا وإعمالا للمبادئ والمثل في البلاد، وللأسف قد ساعدت الدراما الرسمية التي تنتجها الدولة في ترسيخ هذا المفهوم في العديد من أعمالها.

وفي كثير من الأحيان هذه الصورة جعلت الناس يربطون بين الصحفي ومخبر الشرطة الذي يتخلى عن حياده؛ ويسخّر قلمه ليكتب ما تمليه عليه أجهزة الدولة أو ممثلوها ويكون شاهد زور جاهزا.

بدون أدنى مبالغة هذه عينة كاشفة عن أحوال الصحفيين المصريين ومصادرهم المالية التي تضج بها اعترافات بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأحاديث الجانبية بين بعضهم البعض، ما يؤكد انهيار هذا المجال في مصر، ولولا دخل زهيد تؤمنه نقابة الصحفيين لأعضائها شهريا تحت بند بدل التكنولوجيا والتدريب (2000 جنيه أو ما يعادل 125 دولارا)؛ لوجدنا الصحفيين المصريين يتسولون، فما بالك بمن لم يستطيعوا الانضمام لهذه النقابة بسبب قيود متعددة وهم أضعاف أعداد أعضائها.

أسباب أمنية

ساهم في حالة السقوط لقطاع الصحافة في مصر ما يعانيه الصحفيون من تكميم للأفواه وإغلاق للمنابر الإعلامية الجادة ومطاردة القائمين عليها، تأكيدا لذلك الشعور المتصاعد بالغبن والجور والإذلال جراء تلك القبضة الأمنية بالغة الضراوة عليهم، والتي حولت اشتغالهم بالمهنة إلى سُبة في جبينهم تعرضهم لمخاطر أمنية هائلة، لا سيما من يحملون منهم كاميرا توثق الأحداث أو تخصصوا في مجالات تتنافر مع نشاطات الحكومة.

وفيما يبدو أن هناك خيوطا جديدة تتكشف عن المؤامرة الكبيرة التي تحاك ضد هذه المهنة، كشفت عنها تصريحات أحد نواب البرلمان في مصر بضرورة تغيير قانون نقابة الصحفيين.

ولا جدال في أن التغيير المزعوم إما أنه سينسف أي دور للنقابة للسيطرة وإدارة العمل في المهنة ويجعل المهنة مشاعا كأرض خصبة للذباب الالكتروني، أو أنه سينزع عنها اختصاصاتها ومكتسباتها ومكتسبات الصحفيين، أو أنه سيحد من الانضمام إليها، لتقع النقابة ومعها المهنة بين خطري الإفراط أو الإغلاق.

وعمدت السلطات منذ ظهور حركات مناوئة للسلطة في العقدين الأول والثاني من القرن الحالي وانضمام أعداد كبيرة من الصحفيين لها، إلى دس العديد من عناصرها الأمنية ليكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين لصناعة توازن بين المؤيدين والمعارضين، وبالغت في الأمر حتى تحول عدد أعضائها في العقد الثاني بدلا من ستة آلاف عضو إلى ما يزيد عن 13 ألف عضو، بينما تقلصت الصحف والمواقع العاملة في المجال الصحفي إلى ربع ما كان عليه الأمر في العقد السابق له.

ونتج عن ذلك وجود الكثير من منتسبي نقابة الصحفيين المصريين لا يجيدون القراءة والكتابة.

كما توسعت السلطات في حجب المواقع الالكترونية لتصل لأكثر من 500 موقع، بدعاوى التحريض على مصر ودعم الإرهاب، والغريب أن بينها مواقع دولية شهيرة مثل bbc ورويترز.

أسباب اقتصادية

ونتج عن ذلك تراجع الكوادر الخبيرة والكفاءات وحملة الرسالة، ليتصدر بدلا منهم قليلو الخبرة والانتهازيون، وهو الذي انعكس بشكل واضح على تراجع مستويات التوزيع وعزوف القراء عن قراءة الصحف الورقية، لدرجة جعلت التسريبات المتداولة بين الصحفيين تكشف أن الصحيفة الكبيرة التي كانت توزع في اليوم الواحد أكثر من مليون نسخة صارت الآن توزع ما لا يزيد عن 15 ألف نسخة فقط؛ أغلبها اشتراكات حكومية، كما أن التسريبات تكشف أن هناك صحفا أخرى لا توزع يوميا أكثر من 300 نسخة.

ولا شك أن مزاحمة الفضاء الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لهذه الصحف كانت معول هدم كبير لها.

وما يدل على أن لسياسة التحرير العامل الأكبر في هذا الانهيار أن القراء انصرفوا عن متابعة مواقع الصحف القومية والخاصة الحليفة لها أيضا على الإنترنت، وصار السبب الأول لزيارتها معرفة توجهات وقرارات الدولة.

العمل بالسخرة

كثير من الصحف العاملة في مصر تستغل حاجة صحفييها للحصول على عضوية نقابة الصحفيين - الذي تقرنه لوائح النقابة بخطاب منها وفترة عمل تتجاوز العام وتوقيع صك التأمين الاجتماعي - فتقوم قبل ذلك بإجبارهم على العمل بالسخرة، كأن تجعلهم يعملون فيها لسنوات مقابل أجر زهيد لا يزيد أبدا عن ألف جنيه وقد يصل إلى 300 جنيه، وأحيانا تجعلهم يعملون دون أجر نهائيا.

ووصل الانحدار لدرجة أن يقوم أحدهم بدفع مبلغ كبير للصحيفة من أجل الحصول على خطاب التقدم لعضوية النقابة، فيما كانت هناك صحف يمثل لها ذلك مصدر دخلها الرئيس!!

وأخيرا، لك أن تتخيل أن نضال الصحفيين الذي كان يدافع عن تحرير الوطن بأسره قديما وتحسب له السلطة لهم ألف حساب؛ صار عاجزا عن تحرير كراسي النقابة التي تم جمعها والإغلاق عليها في مخازن الدور الخامس، أو يسعى لتحرير سلم النقابة (هايد بارك مصر سابقا) من السقالات.

هل تبقى للصحافة في هذه الأجواء.. رسالة؟!

...................................

سيد أمين يكتب : تفسيرات روحية لحالة الأمة المزرية

مارس 30, 2021

يذهب بعض بسطاء السوريين إلى أن سبب تفشي القتل والموت في سوريا يعود لاستجابة ربانية لدعاء درج السوريون للتخاطب به بعضهم البعض، ويقولون أن لفظة "الله يقبرك" وتعني أن "تموت وتدفن في القبر" ، وانها هي من تسببت في كل شلالات الدم التي تساقطت في سوريا ،حتى وإن كان يتم التخاطب به بين الأهل والأصدقاء على سبيل الدعابة ودون قصد.

فيما يدعمهم أشقاؤهم من بسطاء المصريين ويؤكدون تصديقهم لهذه المدلولات والتأثير للكلمات العابرة لدرجة توجب عليهم الرد على من يقول شيئا سلبيا بعبارة "فال الله ولا فالك" وذلك لكبح التأثير السلبي لكلماته السيئة، ويقولون أن الدعاء بـ"خراب البيت" الذي يردده المصريون بشكل فيه شئ من الدعابة والتلقائية في أحاديثهم ، هو ما تسبب في أن تكون مصر هي من الدول الأعلى عالميا في منسوبات الطلاق بين الزوجين وتفتت الأسرة و"خراب البيوت"ـ ويختزلون الأمر برمته بعبارة "السم في اللسان".

ويؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما أخبر بأن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً،  فيما يقل الله في محكم كتابه "ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد".

الغريب أنه رغم كون مثل تلك التفسيرات عن تأثير الكلام تعتبر في شق كبير منها أشياء "لا معقولة" إلا أن علماء نفس غربيون راحوا يبحثون عن جانب علمي لها .

فقد نشرت مجلة "جورنال سايكولوجيكال ساينس" الامريكية بحثا عام 2008 توصل فيه باحثون نفسيون إلى أن هناك جانباً في المخ قد يكون مسئولا عن التجارب والكلمات المؤلمة التي يتعرض لها الإنسان وهو القشرة المخية التي تقوم بعمليات معقدة تشمل التفكير والإدراك واللغة وإن هذا الجزء من المخ يحسن قدرة الإنسان على التكيف مع الجماعات والثقافات كما أنه مسئول عن رد الفعل على الألم الذي له علاقة بالجماعة.

الدعاء على الظالمين

قديما وحتى وقت قريب – وربما لا زال – كانت النظم الحاكمة في العالم تجبر الأئمة في المساجد ، والقساوسة في الكنائس ، والرهبان في المعابد ، بالدعاء للحاكم أو الملك أو السلطان وبعض النافذين في الدولة بالسداد والنصر وتمام الصحة وطول العمر.

لذلك لم تعتري أمثال هؤلاء، وبعض المشتغلين في علوم اللاهوت والروحانيات والميتافيزيقا ، الدهشة كثيرا حينما عاقبت السلطات المصرية الداعية الإسلامي واسع الصيت محمد جبريل قبل أعوام بسبب دعائه على الظالمين رغم أنه تجنب الاقتراب من الحاكم أو الحكم أو المتنفذين في الدولة، لأنهم يعلمون تأثير هذا الدعاء القطعي، كما تندرنا جميعا حينما صدرت الأوامر شفاهة لأئمة المساجد تحرم عليهم الدعاء على الظلمة والظالمين ، فاختفى هذا الدعاء تماما من منابر مساجد الدولة ، واعتبرناها دليلا كافيا على من أمر.

وفي تصوري أن القرار جاء انسجاما لرؤية ميتافيزيقية خارقة للطبيعة مفادها أن إجماع الناس على الدعاء بأي شئ لابد أن يتم الاستجابة ، ولذلك فان الدعاء بطول العمر وجعلها كلمة مقترنة بأسماء الأمراء والملوك لا سيما في الخليج ، يوحى بوجود توصيات من خبراء في الميتافيزيقا ورجال الدين بذلك.

وربما يكون الأمر قد تجاوز ذلك للدرجة التي تجعل من أنه متى تحقق إجماع أو شبه إجماع بين الناس على وجود "بركة" أو استجابة أو فك كرب أو قضاء حاجة في "شجرة أو شيخ أو مكان أو في فعل معين" فان ذلك أيضا يتحقق بدرجة ما.

ولعل التفسير الذي يذهب إليه بعض المصريين حول سر المثل الشعبي "احنا دافنينه سوا" يشير إلى هذا المعني بشكل كبير.

حيث يقولون أن أخوين فقيرين كانا يمتلكان حمارا أطلقا عليه لقب "أبو الصبر" لشدة صبر على معاناته معهم ، وكان يمثل كل ثروتهما ، فلما مات حزنا عليه بشدة ودفناه وأقاما عليه خيمة ليبكيان تحتها ، ولما سألهما المارة قالوا أنهما يبكيان لموت "أبو الصبر"، فتعاطف معهم الناس وظلوا يشاركونهما البكاء ظنًا منهم أنه رجلا صالحا صاحب كرامات فأغدقا عليه بالقرابين ورووا عنه الكرامات لسنوات ، ولم يفتضح أمره إلا حينما اختلف الشقيقان حول قسمة تلك العطايا وأراد أحدهما أن يحوز أكثر من الآخر فاخذ يقسم بمقام "أبو الصبر" انه الأكثر اجتهادا وخدمة للمقام ، فنهره الأخر بين الناس قائلا "نسيت الحمار، داحنا دافنينه سوا".

هذا هو احد التفسيرات مع إنني لا أجزم بصحتها.

الفعل العكسي

ويقول بعض المنجمين ومفسري الرؤى والأحلام أن قصك لرؤياك لكارهيك تجعلها تنقلب عكسا عليك، فإذا حلمت بشر حاق بك وقصصته عليهم يذهب شره ، خاصة أنهم يؤكدون أن الرؤيا السيئة تقع في خلال ثلاثة أيام على الأكثر من حدوثها وبعد ذلك تفنى.

وهذا فيما يبدو هو السر الذي يجعل الفضائيات العربية لا سيما المصرية والمعروف بتمكن أجهزة المخابرات منها بشكل كامل تحفل في مطلع كل عام جديد بأخبار الرؤى والأحلام وقراءات الطالع والفلك والنجوم التي تتحدث عن المؤامرات ومحاولات الاغتيالات التي ستطال قادة بلدانهم ، وكأنهم يعلنونها على الملأ لتفشل.

فقد خلق الله الطريقين ، طريق المنطق وطريق اللا منطق، فعلم الإنسان المنطق بأن منحه العقل ، فسعى ونمى ، وفي أي مكان أو زمان يفعل المنطق ما تعجز عنه كل الألسنة واللغات في تسهيل التفاهم بين الناس وتوسيع أرضية المسلمات بينهم حتى صاروا يختلفون في كل شيء تقريبا ولكنهم يتفقون حوله ،ولذلك نجد الباغي الغاصب لاملاك غيره لا يقوم بالطعن في مسلمات المنطق حول قواعد التملك ولكنه يسعي إلى منطقة حجته في الاغتصاب وإسباغها سبغة العدل.

وعلم كائنات أخرى لا نعرفها اللامنطق وجعله طريقها فسعت ونمت أيضا، ولذلك فان كل ما يفتقد للمنطق يشار إليه بأنه قد مسه السحر فتغيرت خواصه وحواسه، ولو تفرغت لدقائق لتنظر حولك بقليل من التركيز حول ما هو منطقي وما هو سحري لاكتشفت الكثير.

وتبقى الحقيقة بأن كل ما قلناه من قبل قد يكون شعاع هارب من عالم اللامنطق نحاول أن نبحث له عن تفسير، وهو لا يفسر.

اقرأ المقال كاملا هنا على رقيم

...................................

سيد أمين يكتب: ملاحظات على انقلاب تونس

ما حدث في تونس كان انقلابا ولكن بطريقة مبتكرة، فهو عسكري ولكن لم يظهر فيه العسكر علنا إلا تحت غطاء تنفيذ أوامر الرئيس المدني المنتخب، متناسون في ذلك أن البرلمان أيضا منتخب وهو ممثل الشعب مصدر السلطات، ولا يحق للرئيس حله ولا تجميده وأن الفيصل بين الجميع هو الدستور وقرار الرئيس يخرقه بشكل واضح.

وأيضا هو انقلاب مدعوم إقليميا مع أنه لم يظهر فيه الإقليم بأمواله وتحالفاتهم الدولية علنا حتى الآن على الأقل، لكن ظهر بإعلامه المزيف للحقائق، بل والمختلق للأكاذيب والذي يقوم بإضفاء الشعبية والبطولة على أعمال البلطجة والحرق والنهب وخرق القانون التي قام بها خارجون عن القانون ضد مقار حركة النهضة وأحزاب متحالفة سياسا معها.

المدهش أن من قام بالانقلاب على الدستور ومعايير ثورة الياسمين هناك، هو أستاذ قانون دستوري، وهو ثمرة من ثمار ثورة الياسمين.

الحصاد المر

هو انقلاب قديم تمت تسويته على نار هادئة حتى يكتسب زخما شعبيا قبل أن يخرج للعلن، وذلك من خلال تحميل حركة النهضة -التي تمتلك الأغلبية غير المطلقة في البرلمان- بمفردها إعلاميا كل أوزار المعاناة التي يعيشها المواطن التونسي وتعيشها من قبله البلاد، مع أنها لا هى ولا غيرها من أحزاب تونسية لها علاقة بخراب اقتصادي وشيك لبلد عاش لعقود نهبا للفساد والاستبداد وحكم الفرد، فضلا عن قلة موارده الاقتصادية.


ومع ذلك فشلت حركة النهضة وفشلت وسائلها الإعلامية في شرح الحقائق للناس تارة تحت أنها أمور معروفة بالضرورة، وتارة أخرى لاعتبارات سياسية لا ينبغي أن تخرج للعامة، وفي أحيان كثيرة بسبب كثافة الهجوم الإعلامي الكبير الموجه نحوها رأت أنه بالتزامها الصمت تخمد اشتعال النار.

وجراء ذلك ظلت تتناقص شعبية الحركة في الشارع التي بعدما احتلت وحدها نحو 40% من برلمان الثورة “المجلس الوطني التأسيسي التونسي عام 2011” أصبحت تمثل الآن نحو 25%منه فقط ، وهو ما كان يستلزم أن تقوم الحركة بدراسة أسباب هذا التناقص الكبير ووضع حد سريع لوقف تآكل شعبيتها.

هشام المشيشي

ومن عجيب العجائب، أن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الذي حاز الغضب الأكبر من قبل المؤيدين لانقلاب قيس سعيد بسبب فشله في تحسين الاوضاع الاقتصادية للبلاد، كان في الأصل من اختيار الرئيس نفسه، وكان مستشارا قانونيا له، وعينه بنفسه وزيرا لوزارة سيادية مهمة كالداخلية، وفي المقابل كانت حركة النهضة من أبرز من اعترضوا على قيامه بتشكيل الحكومة قبل أن ترضخ لضغوط رئاسية لقبول حكومته في البرلمان.

ثم بعد ذلك تبدلت المواقف، ليصير الرئيس ضد المشيشي والنهضة معه مع حدوث متغير مهم للغاية وهو أن الشارع ضاق ذرعا بهذا الانسداد السياسي والفشل الطويل من الحكومات المتعاقبة.

وبالطبع وقوف النهضة مع المشيشي بعدما احترقت صورته شعبيا تسبب في مزيد من التشويه لها، ولم تجنِ جراء ذلك إلا الأشواك.

رغم أن المشيشي أيضا لم يكن أصلا صانعا للفشل في الازمة التونسية بل أنه جاء ورحل والازمة في أوج اشتعالها.

هيبة البرلمان

كما أن عجز البرلمان عن تشكيل حكومة مستقرة متوافق عليها طيلة السنوات الماضية لا تتحمل أوزاره الحركة ذات الأغلبية فقط، بل كتل اخرى كثيرة معها لم ترق إلى مستوى المسئولية وحولت البرلمان إلى ساحة لتحقيق أجندات خارجية ومناكفات خرجت في كثير من الأحيان على حدود اللياقة والأدب والعمل السياسي والتشريعي، وظهر من خلفها التمويل الخارجي.

ومن ضمن هؤلاء النموذج الذي تبنته النائبة بكتلة الدستورى الحر عبير موسي ابنة الدولة العميقة والتي تنتسب لأب كان يعمل في الأمن القومي التونسي، والتي حالت عدة مرات دون أن يلقي رئيس البرلمان كلمته كما حدث في  20 يوليو/تموز 2020 خلال افتتاح جلسة كانت مخصصة للإعلان عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد، وحملت موسي خلالها لافتات تطالب بطرده من المجلس بوصفه “إرهابي”، مرددة داخل المجلس شعارات عدائية بذيئة.

ولأن التسامح المفرط يشجع على التمادي، لم يمسها أحد بسوء على هذه الجرائم، ولذلك لم تتوقف هى عن ارتكاب ذات الجريمة، ما أخل بهيبة البرلمان كثيرا في الداخل والخارج، رغم أن كتلتها البرلمانية لا تشكل سوى 16 نائبا من إجمالي 217 نائبا يمثلون إجمالى عدد نوابه، تشارك النهضة فيهم بنحو 54 نائبا وبأكثر من ضعف هذا العدد كحلفاء من أحزاب أخرى.


استدعاء الجيش

ما يبدو من الصراع الذي يطفو على السطح الآن في تونس أنه لا يزال مدنيا مدنيا، وإن حسنت النوايا فإنه يمكن حله بالطرق الديمقراطية، والخوف كل الخوف أن يتمادى الرئيس في الزج بالجيش في هذا الصراع مستعملا صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، وقتها قد يقوم الجيش بالانقضاض على الجميع بما فيهم سعيد نفسه وثورة الياسمين التي أتت به وبالنهضة.

هذا الزج بدت ملامحه بقيام سعيد بإصدار أوامر للجيش بإغلاق البرلمان وبتهديده في الخطاب الأزمة بأن من يطلق رصاصة واحدة سوف يواجه بوابل من الرصاص، ما يعني أن هناك نية لاستدعاء القوة في الصراع السياسي، وأنه من الممكن أن يتحول لصراع دموي لتدخل تونس المدخل إلى دخلته دول عربية أخرى كثيرة.

ما يطمئن الكثيرين أن الجيش التونسي لم يتدخل كثيرا في السياسة وأنه لم يوجه سلاحه لشعبه.

ولكن إغراءات السلطة وذهب المتربصين قد يغري.

...................................

سيد أمين يكتب: تناقضات قيس سعيد

 أغسطس 28, 2021

حينما أعلن عن فوز قيس سعيّد بمنصب رئيس الجمهورية التونسية بنسبة 72% من أصوات الناخبين عمّت أجواء الفرحة العالم العربي ليس لفوزه فحسب -فهو ليس معروفا خارجيا بالقدر الكافي وربما داخليا حيث حصل فقط على 18.5% من إجمالى الأصوات في الجولة الأولى- ولكن لسقوط منافسه نبيل القروي ممثل الثورة المضادة.

وازدادت الفرحة حينما زفت الأخبار أنه أستاذ قانون دستوري ما يعني أنه سيكون رجلا عادلا وحاكما بالقانون والدستور لينهي للأبد عصر حكم الفرد الذي عانته تونس قبيل الثورة.

كما أشيع عنه توجهاته العروبية وسيسعى لإنهاء أيّ رواسب للحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، ثم جاءت طريقة خطابه باللغة العربية الفصحى لتدخله القلوب العربية من أوسع أبوابها، لأن ذلك يعد الدليل البيّن على فشل مشروع (فرنسة) تونس العربية.

لكن توالي الأحداث في تونس أثبت أن المظاهر خادعة، وأن الرئيس ينهض كل صباح على إصدار قرارات تصعيدية جديدة من شأنها تعميق الانقسام في البلاد والتي كان آخرها قراره بتمديد فترة تجميد عمل البرلمان لمدة شهر آخر، وسط مخاوف مشروعة من أن يقفز قفزة كبيرة ويحل حركة النهضة.

 انقلاب على الدستور

لم يكن أحد يتخيل أن حراس الدستور في بلادنا هم أول من ينقلبون عليه، لكن هذا ما يحدث عادة في بلادنا، حيث تلقى الدستور التونسي أول طعنه له من فقيهه الرئيس قيس سعيّد الذي تجاهل نصوصه الواضحة الصريحة كما في المادة 80 الشهيرة، وراح يجمد عمل البرلمان المنتخب شعبيا دون وجه حق مع أن من حق البرلمان سحب الثقة منه وهذه أوضح اختصاصاته ولم يفعلها.

وقام الرئيس المدني المنتخب بالعودة للوراء حيث الدولة البوليسية التي أسسها زين العابدين، وأطلق يد القوى الأمنية في ترويع المعارضين والبرلمانيين المنتخبين وقوى المجتمع المدني والإعلاميين والصحفيين، ووصل الترويع لدرجة أن يتم الاعتداء على رئيس الوزراء نفسه حينها بالضرب لإجباره على الاستقالة.

مع ملاحظة أن القوى التي تمثلها حركة النهضة والقوى المتحالفة معها في البرلمان هى ذاتها القوى التي حشدت شعبيتها لإنجاح سعيّد في الانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه، فكيف يتم الرد عليها بخرق الدستور والتنكيل بالهيئة التشريعية؟

سيناريو جديد

كما أن المحاولات المتكررة التي يعلن فيها عن محاولة اغتيال سعيد صارت هى الأخرى مثارا للسخرية والتندر.

فبعد الفضيحة التي نجمت عن فشل تمثيلية الطرد المسموم الذي قالت مصادر رسمية بالقصر الرئاسي التونسي، في فبراير/ شباط الماضي، إنه وصل للرئيس وتسبب في أن أغمي عليه وفقد البصر، ونقل إعلام تونس الرسمي الخبر وتناقلته عنها على الفور فضائيات عديدة لتشنع على حركة النهضة، سرعان ما تم تكذيب الخبر رسميا أيضا بعدما اتضح أن الرئيس قيس سعيد  كان يستقبل في التوقيت نفسه ضيوفا من الخارج، وقالوا إن الرئيس بخير والطرد لم يتم فتحه أصلا وسيتم التحقيق في الواقعة!

ثم تجمد الخبر في الثلاجة لشهور عدة حتى خرج الرئيس قيس سعيد نفسه ليعلن عن تطوير جديد للتمثيلية الفاشلة ويعلن أن هناك جهات إسلامية تسعى لاغتياله دون أن يقدم دليلًا واحدًا على صحة كلامه وضلوع الإسلاميين فيها.

ثم سرعان ما ألقت السلطات القبض على رجل واحد تم اتهامه بهذه المحاولة وبحسب فضائيات “خليجية” قالت إنه “داعشي” قدم لتونس عن طريق ليبيا.

وخطورة الحدث تكمن في أنه ينقل المعركة السياسية إلى معركة عسكرية وبالطبع سيتفيد منه ذلك الطرف الأقوى.

قوى الثورة المضادة

لا أحد ينكر أن الإمارات التي التقى قيس سعيّد مؤخرا وزير خارجيتها هى الوكيل الرسمي لكل قوى الثورة المضادة في الوطن العربي ، وحينما نجد أن تلك الدولة تقدم، في يناير/كانون الثاني الماضى، منحة لتونس “نصف مليون جرعة لقاح كورونا ” ولم يعلن عنها شعبيا إلا بعد مرور أشهر عدة تثور تساؤلات كثيرة عن السر وراء هذا التكتم.

ثم جاءت الفضيحة عندما وجدنا أن الفنانين التونسيين الذين خرجوا ليشكروا الإمارات لهذه المنحة هم أنفسهم من غنوا لقرارات سعيّد الانقلابية، وبالربط بين الموقفين نعرف من الذي يدير الأحداث ويوجه نخب الثورة المضادة.

والأدهى أن من نشرت صحف أوربية عن قيامهم بارتكاب جريمة الاعتداء على رئيس وزراء تونس المُقال ليسوا عناصر أمن تونسيين، ولكن عناصر مخابرات ينتمون لدولة الإمارات العربية، ما يعنى أن تونس تسير بخطى سريعة على درب الثورة المضادة والتبعية الغربية وليس التحرر والاستقلال.

ولذلك فلا غرابة أن تجد الإعلام الإماراتي هو الداعم الأول لقرارات قيس سعيّد.

الموقف من فرنسا

وفي يونيو/حزيران 2020، اختار سعيّد فرنسا لتكون وجهته الأوربية الأولى عقب توليه مهام منصبه، ليرسخ بذلك استقرار العلاقات مع باريس، وهى الدولة التي زارها بعد ذلك مرات عدة.

ورغم أن قيس سعيّد كانت له قبل توليه منصبه شعارات قومية نحو معاداة الغرب إلا أن موقفه من قضية الاعتذار الفرنسي عن احتلال بلاده وما ارتكبته فيها من جرائم كان مثارا للغرابة، وحمل دفاعا عنه لا يجرؤ أن يتبناه أكثر الفرنسيين تطرفا ودفاعا عن ماضيها الاستعماري، حينما وصفه بأنه كان حماية فرنسية على تونس وليس احتلالا كما كان في الجزائر، بل وراح يستغرب المطالبات الشعبية والبرلمانية التونسية التي تدعوه لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن تلك الحقبة وتساءل عن جدوى مطالبتبها بالاعتذار بعد 60 عاما من الاستقلال.

والأغرب أن هذه التصريحات جاءت بعد مدة وجيزة من اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بارتكاب فرنسا لجرائم ضد الانسانية في الجزائر.

ولا أدري كيف تناسي سعيّد جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، وإن كان لا بد من تذكير فعليه أن يراجع قصائد أبي القاسم الشابي عن تلك الحقبة وهو شخص عاصرها ومطلع عليها لكونه كان ابن قاض تونسي كبير آنذاك، وهي أيضا القصائد التي اتخذت منها الثورة التونسية شعارات لها، تلك الثورة التي أتت به رئيسا لتونس.

وللأمانة حتى لا نحمل على الرجل فإن له موقفا مقبولا في هذا الشأن من مسألة الفرانكوفونية -منظمة الدول الناطقة بالفرنسية- حينما قرر أن يستضيف قمتها في جزيرة “جربة” ما تسبب في إثارة استياء فرنسا نظرا لكون المدينة صغيرة ولا تناسب الأبهة المفروض توافرها للملوك والرؤساء الذين سيحضرون القمة الخاصة بالإمبراطورية الفرنسية، مع أن الأكثر جرأة هو الانسحاب من عضوية تلك المنظمة لكون تونس دولة عربية.

في الحقيقة لو كان هناك لقب يجب أن يحمله سعيّد لكان.. رجل التناقضات!

للمزيد: https://ajm.me/tcqypd

...............................................................

سيد أمين يكتب: الاعتداء على الهوية الثقافية

بينما كنت أتسوق مع صديق لي في “مجمع تجاري” في منطقة راقية شرق القاهرة، ذهبت إليها صدفة ولست من سكانها، لفت انتباهي أن أغلب المحال تكتب أسماءها بلغات اجنبية غالبا ما تكون الإنجليزية وأحيانا اخرى باللغة الفرنسية خاصة في المحال العاملة في مجالات العطور وحاجيات الجمال والأناقة للنساء.

وغابت اللغة العربية من أغلب اليافطات لدرجة أنني تراهنت مع صديقي عن أن يوجد لي محلا يرفع يافطات مكتوبة باللغة العربية، وحينما وجدها كانت الكلمة عربية وحروفها لاتينية.

وهي في الحقيقة ظاهرة ليست قاصرة على المناطق الراقية كما أشرت سابقا ولكنها تتفشى في كثير من المحال والعلامات التجارية في مصر كلها بما فيها المناطق الشعبية، وفي محال يرتادها أحيانا من لا يجيدون القراءة والكتابة أساسا.

ولذلك فالأمر مثير للسخرية، فالمحال والبضائع وإرشادات البيع والشراء مكتوبة بلغات أجنبية، بينما البائع والمشترى يتحدثان العربية، ويتبادلان الحديث عن مميزات البضائع ونقائصها باللغة العربية، وأحيانا البضاعة نفسها مصرية، فلماذا ذلك الجنوح للاغتراب؟

بعض التجار يعتقدون أن الأسماء الأجنبية تضيف لمحالهم الفخامة والعراقة واالعالمية، وتكسبهم ثقة الزبائن وتوحي لهم بجودة البضائع ما ينعكس عليهم بمزيد من المكاسب، والبعض الآخر يفعلها دون أن يعي ذلك، ولكنه التقليد الأعمى.

وفي اعتقادي أن الأصل في اللجوء للكتابة باللغات الأخرى هو فقط لخدمة الجاليات غير العربية التي تعيش في مصر، وهم لا يمكن أن يكونوا أكثر من 2% من عدد السكان، كما أن بعضهم يتحدثون ويقرأون أيضا العربية.

تجارب الأمم

أتذكر ما قصه قريب لي يعيش في كوريا الجنوبية من أن أهلها بطبيعتهم يأبون النطق أو الكتابة بأي لغة غير لغتهم إلا في الضرورة القصوى للتعامل مع الأغراب، وأنهم يعتبرون الكوري الذي يتحدث معهم باستخدام مفردات من لغات أخرى بمثابة نقيصة فيه مثيرة للخزي وليس للفخر كما هو الحال عندنا.

وقرأت أن فرنسا قامت القرن الفائت بفرض غرامة ألفي فرنك على كل من يستخدم كلمة أجنبية واحدة يوجد لها مقابل في اللغة الفرنسية، كما أحيت الصين عقب الاستقلال مباشرة لغتها القديمة حتى تبدأ بها نهضتها الحديثة الحالية، وفعلت ذلك أيرلندا أيضا التي ثارت على اللغة الإنجليزية وأحيت لغتها الأيرلندية.

ولنا في الكيان الصهيوني عبرة فحينما راح ينشئ دولته المشئومة لم يكتف فقط بتكديس السلاح وصناعة الأحلاف الدولية التي تحميه ، بل راح قبلها ينتشل اللغة العبرية من الانقراض ويجعلها لغته القومية ويفرض على شعبه تعلمها والحفاظ عليها ، وراح يسرق الأحياء والقرى والمدن العربية ويسميها بأسماء عبرية ، فإذا كان هذا ما يفعله السارق فكيف يفرط المالك فيما امتلك؟

وحتى في عالمنا العربي هناك أيضا تجربة رائدة في احترام اللغة العربية وتعريب الشوارع كما حدث في عراق صدام حسين، وسوريا التي كسرت أكذوبة أن العلوم الحديثة لا يمكن تدريسها بغير لغاتها الغربية وراحت تعرب العلوم في كل مراحله ومسمياته وأنجبت علماء نوابغ في كافة المجالات العلمية.

اعتداء غاشم

المؤلم في الظاهرة – التي تفشت بشكل كبير مؤخرا- أنها تمثل اعتداء غاشما على الهوية الثقافية المستقرة للشعب المصري، وتنتزعه انتزاعا من عالمه المعلوم إلى عوالم أخرى يجهلها وليس بحاجة لها.

قد يعتقد القارئ أنني أهول من أخطار تلك الظاهرة حينما أطالب بتشريعات تحد منها، وتلزم الشركات والمحال باختيار أسماء عربية لها، وتلزمها بأن تقوم بعمل لوحات العلامات التجارية والدعاية الخاصة بها بأشكال جمالية محددة ذات معايير موحدة، تحافظ من ناحية على الهوية الثقافية الخاصة بأغلب السكان، ومن ناحية أخرى تحقق المشهد الجمالي وتنمي الذوق العام.

مجمع اللغة العربية أدرك خطر الظاهرة متأخرا عام 2017 وأعدّ مشروع قانون لحماية اللغة العربية، يلزم المعلنين بأن تكون الإعلانات باللغة العربية، إضافة إلى تسمية الشوارع بأسماء عربية، كما أكد القانون تعريب تدريس العلوم في المدارس والجامعات، وأن يتم منع الحديث باللغات الأجنبية في الأعمال الدرامية والسينمائية والفنية، وضرورة أن تكون النقود والعملات المصرية والأوسمة وغيرها من الأوراق الرسمية للدولة مكتوبة باللغة العربية.

ولم يحدد المشروع سبل ضبط المخالفين ولاجهات الضبط أو تلك المناط بها مراقبة الأمر، ولم يلزم الشركات الخاصة بضرورة أن تتعامل باللغة العربية في مكاتباتها الداخلية أو مع عملائها.

ورغم أن مشروع القانون يعد وثبة كبيرة في الدفاع عن الهوية الثقافية المصرية، إلا أنه على الأرجح لم ير النور حتى الآن لسبب غير معلوم، أو أنه اقر تشريعيا وحبست إرادة تنفيذه في الأدراج!!

الأغرب أن جهات غير معلومة حشدت عام 2018 لمظاهرات محدودة أمام ديوان وزارة التربية والتعليم، صبيحة تصريحات تلفزيونية للوزير بتعريب المناهج للمرحلة الابتدائية بالمدارس “التجريبية”،  ولم يمض 48 ساعة حتى تراجع الوزير عن تصريحاته ليكون هو أسرع تراجع عن تصريحات  لمسؤول مصري، ما ألقى شكوكا حول مدى جدية إطلاقها.

يأتي ذلك رغم أن التظاهر بدون إذن مجرم قانونا وهناك من تظاهروا في نفس التوقيت لأسباب أخرى ما زالوا حتى الآن رهن الحبس الاحتياطي.

ولعلك حينما تعرف أن الدولة لم تشيد أي مدارس تعليم أساسي عربية تذكر منذ عام 2010 ، وانصب كل جهدها في إنشاء مدارس اللغات “التجريبية والخاصة” طيلة تلك الفترة. سيزول الاندهاش.

نحن على مشارف بيع الهوية!

...................................

سيد أمين يكتب : صلاح سالم.. قصة أطول شارع وأشهر غرام

7/10/2021

أغلب المصريين لا يعرفون شيئا عن صلاح سالم إلا أنه اسم لأطول شارع يشق وسط القاهرة شرقا وغربا، مثله مثل تلك الرتب العسكرية المتناثرة هنا وهناك والتي تسمى بأسمائها معظم الشوارع والميادين والمنشآت في كل بر مصر.

وقلة يعرفون أنه جنرال عسكري ومع ذلك لا يعرفون في أي زمان كان ولا بطولته التي استحق بسببها أن يسمى هذا الطريق الطويل الحيوي باسمه.

صلاح سالم هو شقيق جمال سالم عضو مجلس قيادة “ثورة يوليو الأمريكية” ونائب رئيس الدولة، والذي ما إن تخرج في الكلية الحربية عام 1938 حتى تم ايفاده إلى “بريطانيا ثم أمريكا” بحجة العلاج ولإعداده على ما يبدو للمشاركة في مجموعة “الضباط الأحرار” لاتمام الانقلاب المنظور، وكان واحدا من أبرز رجالاته.

وقد قام جمال سالم بتقديم شقيقه الأصغر صلاح الذي تربى في السودان وتخرج في الكلية الحربية عام 1942 إلى مجموعة الضباط المختارين للمشاركة في معركة الفالوجا “حرب فلسطين عام 1948” من أجل تبييض صورتهم استعدادا للمهمة المرتقبة، وكانت هذه الواقعة هى بوابة السعد التي فتحت على جميع من شاركوا فيها أبواب السلطة فيما بعد، رغم أنهم لم يحققوا أي انتصار بل إنهم هزموا أو “تهازموا” وحوصروا لعدة أشهر ولم يتم تحريرهم إلا على يد لواء الإخوان المسلمين.

إعدام الملك

عُرف عن صلاح تحمسه لإعدام الملك، ثم عداؤه الشديد لرئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب لدرجة أنه راح يتهمه بالشذوذ، ويسبه ويهينه في كل مناسبة بتحريض من عبد الناصر، وصار دوره محصوراً في تصفية شعبية نجيب بأي شكل كان في الشارع استعدادا للانقلاب عليه.

وفي العدوان الثلاثي عام 1956، لم يكن صلاح ملما بكل تفاصيل اللعبة، فسارع بمطالبة عبد الناصر بأن يسلم نفسه للقوات البريطانية لإنهاء الحرب، وبالطبع عبد الناصر رفض، فذهب إلى السويس لدعم المقاومة الشعبية!

وقد أثقلت المناصب الكثيرة أكتاف الرجل في عمره القصير حيث توفي عند سن 41 عاما متأثرا بالفشل الكلوي، فقد تولى وزارة الإرشاد القومي وتم تعيينه كمبعوث لحل النزاعات الدولية، ورئاسة هيئة الاستعلامات وصحيفتي الشعب والجمهورية ومؤسسة دار التحرير، وللعبث فبدلا من أن يترقى كضابط لرتبة نقيب بالجيش عينوه نقيبا للصحفيين.

عرف عن “سالم” البذاءة وسلاطة اللسان على حد وصف عبد الناصر ومحمد نجيب على السواء له، وأن طموحه الشديد لتولي منصب رئاسة الجمهورية أقلق منه عبد الناصر فازاحه من أغلب مهامه، بحجة فشله في مفاوضات انفصال السودان، فيما يرى صلاح نصر وزير المخابرات أن صلاح سالم كان على يقين بأن واشنطن لها دخل في إسقاطه لاتصاله بالسوفيت.

قصة الأميرة فايزة

وعلى غرار قصة شقيقه جمال سالم مع سلوى، كانت من أشهر قصص صلاح هى تحرشه بالأميرة فايزة شقيقة الملك وزوجة الأمير محمد على رؤوف الذي كان يكبرها بخمسة وعشرين عاما، ومع تواتر المضايقات الأمنية بحثا عن ثروات العائلة لتأميمها، آثر السلامة وفر هاربا للخارج، فيما منعتها السلطات من السفر.

الروايات كثيرة منها ما يتحدث عن أن صلاح سالم كان يقود بنفسه تلك المضايقات ويعبث بمتعلقات الأميرة الشخصية أمام زوجها لإذلالها، وأنه سكن في أحد القصور “المؤممة” بالقرب من قصرها بجاردن سيتي لمحاصرتها والتضييق عليها لتستجيب لرغباته.

وعرف الجميع في الداخل والخارج بالواقعة حتى قامت صحف بريطانية بالنشر عنه، ما أغضب عبد الناصر بشدة منه وأمر برفع حظر السفر عنها.

فيما تؤكد روايات أخرى أن الأميرة شكت لصلاح سالم من تلك التصرفات ومع تعدد اللقاءات بينهما، وهي فاتنة الجمال وقع في غرامها، فاستغلت هي هذا الأمر لاستخدامه لتهريب مجوهرات العائلة في فجوات الكتب والمراجع التي تم نقلها للخارج.

وتضيف أن صلاح سالم طلب من عبد الناصر السماح لها للسفر لطلب الطلاق من زوجها ثم تعود ليتزوجها، ولكنها لما سافرت بالقطع لم تعد.

الطهر الثوري

اعترف الكاتب موسى صبري وهو مقرب من صلاح سالم في مذكراته بالوقائع لكنه راح يعزيها إلى الحب المتبادل بين الاثنين الذي بدأ مع معاقبته لضابط قام بالعبث في ملابس الأميرة الداخلية أثناء تفتيشه لمنزلها، فذهبت إليه لتشكره فنشأت بينهما صداقة.

ويقول صبري: تحولت الصداقة إلى حب عنيف، وكان صلاح سالم يذهب للقائها فى شاليه بمنطقة الهرم وهو يقود سيارة جيب عسكرية، وكان كل أعضاء مجلس قيادة الثورة يستخدمون هذه السيارات فى تنقلاتهم تعبيرا عن الطهر الثوري، وقال صلاح سالم إن عبد الناصر استمع منه بإنصات كامل ولم يعترض، وقال لي لا داعي يا صلاح أن تذهب فى سيارة جيب، ربما يراك أحد معها فى هذه السيارة وستكون فضيحة، خد سيارتى الأوستن الخاصة عندما تكون على موعد بها، وبالفعل هذا ما حدث، وكان يروى له تفاصيل كل لقاء بالتفصيل!

وتابع “ذات يوم فوجئ صلاح سالم بقرار منشور فى الصحف بمصادرة أملاك أسرة محمد على ولم يكن صلاح سالم يعرف شيئا عن هذا القرار. ولما فاتح جمال عبد الناصر فى ذلك كيف لا أعرف، أجابه عبد الناصر كنت أخشى أن تبلغ الأميرة فايزة بهذا القرار قبل صدوره”.

شارع صلاح سالم

عبد الناصر أزاح صلاح سالم من جميع مهامه وكاد ينسى الناس اسمه حتى مات متأثرا بالفشل الكلوي والسرطان وكان حينئذ عبد اللطيف البغدادي وزيرا للشئون البلدية والقروية يفتتح مشروعا اقتطعه من طريق المقطم فلما سمع بخبر الوفاة أطلق عليه طريق صلاح سالم، ولم يعرفوا بعد أنه سيصير بهذه الشهرة، وإلا أطلقوا اسم الزعيم عليه كما أطلقوا اسمه على مدينة ناصر ومنشأة ناصر.

مات سالم ولم يبق منه إلا سيرة تحرشه بالأميرة فايزة وأهم شارع في القاهرة

...................................

سيد أمين يكتب: عبد القدير خان.. عالم غير مصير أمته

ودّعت دولة باكستان الأحد الماضي 10 من اكتوبر/ تشرين الأول الدكتور عبد القدير خان الشهير بأبي القنبلة النووية الباكستانية.

يعد خان واحداً من أكثر الشخصيات العلمية المسلمة اثارة للاحترام والتقدير في العالم الإسلامي، ليس لنجاحه الباهر في انتاج القنبلة النووية الباكستانية لتكون أول قنبلة نووية اسلامية فحسب، بل أيضا لامتلاكه الطريقة العلمية التي اختزل بها الوقت الذي تستغرقه صناعتها إلى الربع تقريباً.

هذا الاختزال مكن باكستان من مفاجأة العالم بنجاحها في تصنيع قنبلة نووية وسط دهشة القوى الغربية التي اعتقدت أن المساعي الباكستانية لامتلاك سلاح ردع نووي يجابه القنابل النووية الهندية ما زالت في طورها الأول، وأنها يمكنها عرقلتها بوسائل متعددة كالحصار والانقلابات العسكرية خاصة مع طول فترة التصنيع التي تصل إلى عقدين من الزمان.

فضلا عن أن هذه المساندة العلمية التي قدمها خان حققت لباكستان نصرا استراتيجيا كبيراً في صراعها المحتدم مع الهند، ونسبت لها ثقلا عسكريا ودوليا في مواجهة هذه الجارة العملاقة التي سبقتها بإجراء أول تفجير نووي لها عام 1974 وتتميز بثروتها السكانية الهائلة البالغة مليارا ونصف المليار نسمة تقريبا.

لذلك فبعد التفجير الهندي مباشرة، قامت باكستان باللجوء إلى فرنسا لتطوير مفاعلها النووي الصغير الذي اشترته من كندا عام 1972 وقام علماء باكستانيون بتطويره، إلا أن فرنسا انسحبت بعد الضغوط الامريكية ما دفع رئبس الوزراء ذو الفقار على بوتو إلى تكليف عبد القدير خان بإدارة المشروع فأنجزه في ست سنوات فقط.

مسيرة خان

كعادة كل النوابغ في بلاد العالم الثالث، كان كلما تقدم لوظيفة يقابل بالرفض حتى بعد حصوله على درجة الماجستير بزعم قلة خبرته.

لكن كان للقدر كلام آخر حيث دفع ذلك الرفض عبد القدير خان ليكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ويعود ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن من دون رد أيضا، إلى أن تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية العالمية ليشغل وظيفة كبير خبراء المعادن لديها فصار بنبوغه أحد أبرز علمائها.

وعقب الهزيمة الثقيلة لباكستان في حرب عام 1971 ثم قيام الهند بتفجيرها النووي 1974، رأي خان أنه حان الوقت الذي يقدم فيه خدماته لبلاده فأرسل إلى رئيس الوزراء الباكستاني رسالة يعرض فيها المساعدة فاستجاب لها الثاني بكل ترحاب.

يقول “أبو القنبلة النووية الباكستانية ” في مقال له إن: “أحد أهم عوامل نجاح برنامجنا النووي في زمن قياسي، كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك، كان الحفاظ على أمن الموقع سهلاً بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي.”

وقالت بي نظير بوتو – ابنة ذو الفقار علي بوتو- والتي أصبحت رئيسة للوزراء فيما بعد، إنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة المفاعل وإن والدها أخبرها أن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول العام 1977.

ويعود الفضل في ذلك الانجاز السريع لخبرة أبي القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.

تشويه عبدالقدير خان

ما إن أعلنت باكستان عن تفجيرها النووي الأول حتى ثارت حفيظة أمريكا وفرضت حصاراً اقتصاديا خانقاً عليها، خاصة أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون صدقوا على عدم تطوير باكستان لأسلحة نووية كشرط تشريعي يمنحهم حق تمويلهم المناهضين للسوفييت في أفغانستان عبر الاراضي الباكستانية.

فلما استتب الامر وتأكد أمر امتلاك باكستان للقنبلة النووية، وجهت سهام التشويه إلى خان نفسه فاتهمه بحث أجراه معهد كارينجي للسلام بسرقة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم من المنشأة الهولندية التي كان يعمل بها.

وهو قول مردود عليه بأن معجزة خان ليست في التكنولوجيا النووية نفسها، ولكن في الطريقة التي استخدمها لتسريع إنتاج القنبلة.

ثم اتهمته الولايات المتحدة بتبادل الأسرار النووية مع إيران وكوريا الشمالية وليبيا والعراق في التسعينيات وهي الاتهامات التي استخدمتها واشنطن لإقناع شركائها الغربيين بمؤازرتها في فرض العقوبات على باكستان.

وكانت أقسى المكائد التي تعرض لها خان تلك التي اتته من بني قومه حيث وضعه الديكتاتور الباكستاني الجنرال برويز مشرف عام 2001 رهن الإقامة الجبرية، على خلفية الاتهامات الأمريكية، فيما رد خان باتهام برويز مشرف بالعمل على تطبيق الأجندة الأمريكية في البلاد.

ومع تزايد الضغوط الخارجية على باكستان، أراد خان أن يجنبها الصدام مع أمريكا فظهر في الرابع من فبراير/شباط 2004 على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية إلى دول أخرى، نافيا أية مسؤولية لبلاده فيها، ومع التضامن الشعبي والاسلامي الكبير معه لم يكن أمام حاكم باكستان آنذاك إلا العفو عنه.

الغريب أك ن رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار القنبلة النووية تعرض لانقلاب عسكري من قبل الجنرال ضياء الحق حيث سجن ثم تم إعدامه ووضعت ابنته أيضا رهن الإقامة الجبرية.

رحم االله عبد القدير خان الذي تعلم علما نافعا نفع به وطنه وأمته ودينه.

...................................

سيد أمين يكتب: ظاهرة “الحَوَل” القومي.. وصلت تونس!

فقد التيار القومي في الوطن العربي بريقه الذي كان عليه طيلة العقود الماضية لأسباب مخزية منها مؤازرته للنظم الاستبدادية أينما حلت أو تفشت، فضلا عن عدائه غير المبرر للتيار الإسلامي، وتقوقعه حول الشخص وليس الفكرة..

وتجاهل أنصاره في ذلك حقائق أكدتها التجربة: أن الاستبداد غالبا هو نتاج للتبعية للخارج وهو الأولى بالمحاربة لو كانوا حقا يسعون لاستقلال ووحدة القوم..

وأن “الإسلامي” ليس عدواً بل هو ابن الفصيل الأقرب إليهم فكرياً عملا بمبدأ أن الإسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة، وأن الإسلام هو النهج الرباني الأقدس الذي قدمه النبي العربي -عليه الصلاة والسلام- للعالم.

وعلى إثر ذلك “الحَوَل”، انحرف المشروع القومي على يد بعض منتسبيه من كونه مشروعاً تقدمياً وحدوياً جامعاً لأبناء الأمة بجميع توجهاتهم الفكرية والمعتقدية وحتى الاثنية إلى مشروع إقصائي استبدادي، منشغل بالبحث عن أدوات الهدم لا البناء، والتفريق لا التوحيد.

البعثي والناصري

هذا “الحَوَل” ساهم بشكل كبير في اندثار القاعدة الشعبية للتيار الناصري التي شهدتها الساحة العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي، لينتهي به المطاف إلى هلام وحالة صوتية بائسة فاقدة للمنطق تتمركز حول تعظيم شخص عبد الناصر وليس حول سبل رعاية ونهضة المجتمع..

خاصة أنهم لم يقدموا طرحا للقومية العربية ذي قيمة منفردة سوى خليطاً من الشعارات الاشتراكية التي تجاوزها الزمن مع عبثيات باءت بالفشل..

فيما نسف “الحول” مبكرا الولع المتوقع بفكر “البعث” بين الشباب العربي الطامح لتحقيق الوحدة العربية، وجعله حزبا محلا للشبهات والصفات المشينة حتى لو لم تكن فيه.

ولقد انتبه البعث في نسخته العراقية متأخرا لخطورة تحويل علاقات التكامل مع التيار الاسلامي إلى عداء، فطرح صدام حسين قبيل احتلال بغداد ما أسماها النزعة الايمانية لربط العروبة بالاسلام.

وبعد ذلك استكمل نائبه عزة الدوري هذا التحول باطلاقه “الطريقة النقشبندية” لتنظيم عمل المقاومة المسلحة العربية والاسلامية ضد الاحتلال الامريكي، وهي الحركة التي كانت مثالاً عملياً قوياً على وحدة شباب التيار القومي والإسلامي في ساحات التحرير.

وعلى النقيض تماما ، فإن تجربة الحزب في سوريا جعلت من مجرد ذكر اسم “البعث” يوحي للأذهان بإيحاءات تعد مرادفا للدم والظلم والطائفية والاستقواء بالأجنبي وطوابير اللاجئين والهاربين.

ولعل المؤسف حقا هنا أن نجد أن من احتمى بالطائفة والأجنبي وكان مضربا للأمثال في الفظاعة “ما زال باقيا على كرسي الحكم” على أنقاض شعبه، أما من توجه للإيمان والصمود في وجه الأجنبي وحظي بحب قطاع كبير من الشارع العربي فقد “رحل”.

الأحزاب الناشئة

ولما كان ذلك يحدث في  الأصول والنماذج الكبيرة من الأحزاب المنتمية للتيار القومي ، فإن الفروع لابد لها أن تسير على نفس الخطى من “الشف” والتقليد وتتقوقع في نفس الأهداف لتكرر في النهاية نفس الفشل.

وعلى سبيل المثال، سلك غالبية القوميين الحزبيين في تونس نفس الطريق الداعم للديكتاتوريات، فما أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد بالانقلاب على الديمقراطية حتى سمعنا على الفور ومن دون تريث صدى إشاداتهم بهذا الانقلاب يصم الآذان..

وراحوا يبررون إشادتهم بانقلاب سعيد على البرلمان بأنه لا يعبر عن رأي الشارع التونسي وأنه تم انتخابه بالرشى واستغلال حاجة الناخبين.

ورغم أنه تبربر كاذب وسخيف يهين الملايين من الناخبين التونسيين، إلا أنه أيضا مردود عليه بأنه إذا استجاب الشعب لهذه الرشى غير مغصوب ولا مجبر، ولا مخدوع أو مغيب وعيه، وراح يصوت لمن لا يريد، فالعيب هنا إذن في الشعب.

وتناسي هؤلاء كذلك أن شرعية الانتخاب التي يهاجمونها في أعضاء البرلمان هي نفسها من خولت السلطة للرئيس الذي يؤيدونه.

ومما لا شك فيه أن الذين فجروا ثورة الياسمين لا ينقصهم الوعي ولا الجرأة للتحدي والرفض، ولا يمكن أن يقبلوا بالعودة لزمن كانت تزور فيه إرادتهم، كما لا توجد آلية أخرى معروفة لقياس إرادة الشعب غير الانتخاب، ولا توجد غيرها لاختيار برلمان أو رئيس جديد.

حركة الشعب

كما أن اتهامات بطلان البرلمان لو صحت فستنسحب أيضا على البرلمانيين مؤيدي قرارات الرئيس، ليصبحوا هم من فاقدي الشرعية لأنهم سيكونون حينئذ قد فازوا بالرشاوى مثلهم مثل بقية زملائهم، ومن بين هؤلاء نواب كتلة حركة الشعب “القومية” الممثلة بنسبة 6,7% في البرلمان بـ 15 نائبا..

وهى الكتلة التي عرف عن أمينها العام “زهير المغزاوي” حبه الشديد للرئيس السوري بشار الأسد لدرجه أنه وصفه في مؤتمر بدمشق مؤخرا بأنه قائد عظيم، وأن الحرب التي يخوضها هي نفس الحرب التي تخوضها تونس الآن، وأن الشعب التونسي يؤيد بشار الأسد في حربه ضد الإرهاب!!

ويلاحظ هنا أن “المغزاوي” وثب بالصراع التونسي من طبيعته السياسية المعتادة بين الكتل المنتخبة ديمقراطيا إلي صراع عسكري، وكأنه يرحب بتكرار التجربة السورية المريرة في تونس.

كما أنه خول لنفسه التحدث باسم الشعب التونسي رغم أن كتلته البرلمانية لا تمثل في خيارات هذا الشعب التصويتية سوى 6% مقارنة بنحو 59% لحركتي النهضة والكرامة.

عموما فإن ما يبعث على الطمأنينة هو أن الجيش التونسي أكثر عقلانية واستقلالا من نظيره السوري، وأن هناك أصواتا قومية تونسية ما زالت تتمسك بالمسار الديمقراطي.

ويبقى السؤال: هل سيتخلص الفكر القومي من شوائبه أم سيواجه خطر الانقراض؟

...................................

سيد أمين يكتب: الجزائر.. خطوة لخلع بقايا ثوب الاستعمار

حالة من الاحتفاء سادت بين النخب الثقافية العربية جراء قيام السلطات الجزائرية بإصدار قرار بتعميم صارم للتعامل باللغة العربية في جميع الدوائر الرسمية للبلاد.

ويتوافق هذا التعميم مع تصاعد أصوات النخب السياسية المعرّبة في الجزائر الداعية للتوجه نحو فضاء وتكتلات أخرى تمليها العروبة والإسلام.

أهمية القرار أنه يأتي بعد سجال كبير بين الرئيس تبون وخلفه الشعب الجزائري والعربي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول طبيعة وجود الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي، فضلا عن أنه جاء مغايرا لتوجه كثير من نظم الحكم العربية للاعتناء باللغة الإنجليزية على حساب العربية.

وأهمية القرار أنه يمثل ضربة جديدة للسياسة الفرنسية المعنية بالاستعمار الثقافي أتت من بلد يحتل فيه الناطقون بالفرنسية المرتبة الثانية بعد فرنسا.

موقف مبدئي

 الموقف الجزائري الأخير هو امتداد لموقف مبدئي يسعي لاستكمال خلع الثوب الفرنسي الذي حاولت فرنسا إلباسه للجزائر جبراً عقب اجتياحه في القرن التاسع عشر، وهو الثوب الذي عبرت عشرات الثورات الشعبية العارمة -والتي قوبلت بالمذابح الوحشية- عن عمق الرفض الشعبي الجزائري لارتدائه.

وما يدلل على عمق الرفض أن تلك المذابح استمرت علي مدار 132 عاما، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد، وفي قول آخر 6 ملايين شهيد، ومع ذلك لم يتوقف الشعب الجزائري عن المقاومة حتى أجبر مستعمريه للاعتراف بحقه في تقرير المصير في النهاية.

كما أن القرار الجزائري الأخير ليس جديدا من نوعه، فهو يسير في إطار أحكام المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن اللغة العربية هى اللغة الوطنية والرسمية للبلاد، ويطابق أيضا القانون 05-91 الصادر في يناير1991 لنفس الغرض.

ويعززه رفض الجزائرعضوية المنظمة الفرانكوفونية (تجمع الدول الناطقة بالفرنسية) منذ المشاركة فيها في بيروت عام 2002، بينما قلصت مشاركاتها في كل القمم اللاحقة لدرجة “ضيف خاص”، ومن المتوقع أن تمتنع الجزائر عن المشاركة نهائيا في القمم القادمة في حال تصاعد السجال بين البلدين.

وهناك روافد شعبية تدعم عدم الانضواء تحت الرداء الفرنسي منها أن المثقفين الجزائريين يرون أن تلك المنظمة هى امتداد للمظلة الاستعمارية الفرنسية، والانضمام لها يعد تنكرا من الجزائريين اليوم لنضالات وتضحيات أسلافهم بالأمس.

ومن بين هؤلاء المثقفين وزير الثقافة الأسبق محي الدين عميمور الذي يرى أن ” منظمة الفرانكفونية تندرج في إطار الاستعمار الجديد، وفرنسا تستعمل الفرنسية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية بدون الاهتمام بمصالحنا”. وقال “لن نسمح للفرانكوفونية بأن تكون حصان طروادة داخل أسوار بنائنا السياسي والاقتصادي”.

 ليست العربية فقط

لم تقف دوافع سياسية أو اقتصادية فقط وراء دعوات تمزيق الرداء الفرنسي للجزائر، بل هناك أيضا دوافع علمية منها ما كشفته وزارة التعليم العالي من أنها أجرت استبيانا اختار فيه 93% من المستجوبين تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية، فيما فجر عالم الرّياضيات الجزائري أبو بكر سعد الله في مقال له بعنوان “ماذا تبقى من الفرنسية في مجال البحث العلمي؟” نقاشا حادا حول إفلاس اللغة الفرنسية في المجال العلمي وصارت مهملة لدى الدّوائر الأكاديمية الغربية التي تعتمد اللغة الفرنسية في البحث العلمي..

وضرب سعد الله مثلا بجامعة “سودبيري” بكندا التي أجرت تخفيضاتٍ هائلة في النفقات بإزالة ما يقارب من نصف البرامج المقدَّمة باللغة الفرنسية، واستغنت عن الكثير من مدرّسي الفرنسية، مع انهيار أكبر جامعة كندية بسبب هشاشة اللغة الفرنسية التي تعتمدها.

لذلك قررت وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي اعتماد اللّغة الانجليزية في المدرسة العليا للذّكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات، في إطار إحلال الانجليزية محلّ الفرنسية في الأوساط العلمية، على اعتبار أن اللّغة الفرنسية لم يعُد لها مكانٌ في مجال البحث العلمي باعتراف الفرانكفونيين أنفسهم.

خاصة بعدما أصبحت معظم الدراسات العلمية والأعمال الثقافية والأدبية متوفرة في العالم بتلك اللغة، فيما تتمركز الجزائر في مؤخّرة الترتيب العالمي للدول الناطقة بها.

ويأتي القرار بعد اهتمام منظمة الكومنولث “الدول الناطقة بالانجليزية” بالجزائر كمجال خصب محتمل تزاحم فيه اللغة الانجليزية الفرنسية.

وفي كلا الحالتين سواء تم اعتماد العربية أو الإنجليزية، فإن الخاسر الوحيد بلا شك هو فرنسا ولغتها الفرنسية التي ستفقد نفوذها الثقافي العميق في هذا البلد.

السلاح الفعال

ومع تنامي نفوذ روسيا والصين وتركيا عالميا في العقود الثلاثة الأخيرة، صارت فرنسا أكثر حاجة لاستغلال أمثل لسلاحها الأكثر فعالية (اللغة الفرنسية) من أجل مواكبة هذا التطور ووقف تواضع نفوذها الخارجي.

بدأت هذا الاهتمام من داخل أراضيها، فأصدرت عام 1994 قوانين تجعل الفرنسية إلزامية في جميع أشكال البث التلفزيوني ما يعني دبلجة كل البرامج الناطقة بلغات أجنبية، وألزمت محطات الإذاعة تشغيل أغان فرنسية بما لا يقل عن 40% من محتوى البث، تلاها إصدار العديد من القوانين والقرارات واللوائح التي تجرم الحديث بغير الفرنسية.

وفي موقف له دلالاته، انسحب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لفترة قصيرة من جلسة في قمة للاتحاد الأوربي عام 2006 احتجاجا على مخاطبة رئاسة جماعة ضغط تابعة للاتحاد الأوربي زعماء التكتل باللغة الإنجليزية.

كما حث وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستير أبناء وطنه على الحد من استخدام مفردات اللغة الإنجليزية في كلامهم، رغم أن الرئيس الفرنسي نفسه كان يستخدم أحيانا بعض المصطلحات الإنجليزية في حديثه.

كل ذلك يكشف مدى عمق الضربة التي يمكن أن توجهها الجزائر لفرنسا في حال تنفيذ قرارها بشكل صارم، فيما يبقى الأمل الفرنسي الوحيد هو أن يتم تعليق التنفيذ كسابقة ليصبح كالعدم؟ وهل ستنجح جماعات الضغط الفرنسية؟

اقرأ المقال كاملا على روابط الجزيرة مباشر

للمزيد https://ajm.me/skx6tu

...................................

سيد أمين يكتب: لا أحمس جدّي.. ولا نفرتيتي جدّتي

أنا مصري أعيش في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد، ولا أشعر أبدًا بأن أحمس جدّي ولا نفرتيتي جدّتي، ولا أشعر بأن تلك القبور والمعالم لها أي قداسة في قلبي.

لكني -مع ذلك- أعتز بها أيضًا كما يعتز الأمريكي بتاريخ بلاده، وما تركه الهنود الحمر عليها من آثار، مع أنهم ليسوا أجدادًا له، وكما يعتز الإسباني ببقايا التاريخ العربي في الاندلس؛ مع أنهم ليسوا اجداده أيضًا، وكما يعتز الاتراك ببقايا آثار الدولة البيزنطية.

وأقر بأنني إذا نطقت اللغة الهيروغليفية، فلن أنطقها إلا على سبيل التندّر والمزاح، أو من قبيل المتوارثات، مثلها مثل مفردات كثيرة ذرتها علينا رياح تعدد الثقافات التي تزاحمت على هذا البلد، دون أن تؤثر على ثقافته النهائية، العروبة والإسلام.

إنها حركة التاريخ التي لا يريد البعض أن يؤمن بها لغرض في القلوب، فيتباكون بصوت عال، على أننا نعيش بهوية مزورة، ولغة ليست لغتنا، وثقافة ليست ثقافتنا.

وبغض النظر عن كذب هذا الادعاء، فالحقيقة أن من يدّعى ذلك هو أيضًا لا يمثّل الفراعنة، وليس ابنا لهم، ولكنه يريد الانتقام من الثقافة الحالية والتشويش عليها.

من يفعل ذلك يبتدع بدعة لم يأت بها أحد من قبل، ودون حاجة إليها، فلم نسمع -مثلًا- في الأمم الأخرى أن هناك من يسعى لإحياء البابلية أو الآشورية أو الفينيقية أو الأمورية أو غيرها.

وإذا تحنا الباب لإحياء الماضي في مصر، فإننا -حتمًا- يتوجب علينا إحياء الثقافات البطلمية واليونانية والرومانية والبيزنطية والصومالية والحبشية وحتى الهكسوسية، فهذه الحضارات تعاقبت على حكم مصر لآلاف السنين بشكل متصل، أكبر مما نعرفه عن الحضارة الفرعونية.

وبالطبع، ما ينطبق عليها جميعًا ينطبق أيضًا على الفتح العربي واللغة العربية، وهي حالة مستقرة منذ ما يقرب من 1400 سنة في هذا البلد.

الأمة المصرية

منذ عقود، تعلو بعض الأصوات وتصخب، ناهشة في هوية البلاد، وتسعى جاهدة لإحداث شرخ يفصل بين هذه الثقافة وهذا الوطن، ثم سرعان ما تخفت وتموت حينما لا تجد صدى الصوت الذي يطيل عمرها.

بدءًا من دعاية الأمة المصرية التى وجدت بيئة خصبة لها بعد اتفاقات كامب ديفيد، وما أحدثته من قطيعة عربية لنظام السادات، وصولًا إلى تلك الكتابات المتناثرة التي بدأت تعلو مجددًا في الصحف المصرية التي تحاول تعميق هذا الشرخ، وبث روح الصدع فيه.

فبعد معاهدة السلام، وجد السادات نفسه وحيدًا منبوذًا، فحاول الخروج من هذه العزلة، بتبرير ما حدث، وطرح اقتراح الأمة المصرية، وكان هدفه حينئذ سياسيًّا بحتًا، لا يهدف إلى نهش هوية البلاد المستقرة بشيء.

لكنه فوجئ -كما فوجئ الجميع- بقفز توفيق الحكيم قفزة كبيرة لنفي عروبة مصر، هنا ثارت ثائرة المثقفين من مختلف التيارات، وراحوا يفندون تلك المزاعم، ويقتلعونها في المهد.

ثم مرت البلاد بمحاولات، أحيانًا فردية وأخرى منظمة، تارة في صورة أحزاب أو جمعيات تدعو إلى الفرعونية، وتارة للتقليل من شأن اللغة العربية، فأنشأ بعضهم صحفًا مادتها الأساسية اللهجة العامية، بما فيها من انعدام للقواعد وتوافر السوقية والابتذال، بهدف تحقير لغة القرآن، لكن المجتمع لفظهم سريعًا وفشلت التجربة.

ومنذ أيام، وجدنا من يصف الفتح العربي لمصر بأنه كان احتلالًا، داعيًا إلى إحياء اللغة الهيروغليفية، تمامًا كما فعل الدكتور وسيم السيسي في مقال له بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

ونحن هنا لا نهاجم الرجل، فله الحق في التعبير عن رأيه كما يشاء، كما أن للأخرين الحق في انتقاد توجهه والرد عليه.

تمامًا كما ننتقد مزاعم زاهي حواس التي رددها في محاضرة لطلاب جامعة القاهرة عام 2019، وقال فيها “نحن نتكلم اللغة العربية لكننا لسنا عربًا، ونقول إننا في أفريقيا لكننا لسنا أفارقة، نحن شعب إلى الوقت الحالي له شكل خاص وطبيعة خاصة نابعة من 5 آلاف عام”.

العروبة ثقافة أو نسب

رغم وجود عشرات الملايين من المصريين الذين ما زالوا يحتفظون بتسلسل تاريخهم العربي وأنسابهم العربية، فإن الواقع يقول إن العروبة ليست انتسابًا لكنها ثقافة، فكل من دان بالإسلام وتثقف بثقافته وتحدّث بلغة قرآنه في تعاملاته اليومية، هو في الواقع عربي.

ونقول كما قال الزعيم الوطني مكرم عبيد الذي كان يحفظ القرآن رغم أنه مسيحي، فكان يردد دائمًا: أنا مسيحى دينًا ومسلم وطنًا.

…..

بلا شك ستفشل كل محاولات تغيير الهوية العربية لمصر، كما فشلت في أعتى الحقب الاستعمارية.

للمزيد: https://ajm.me/4nfmh6

...................................

سيد أمين يكتب: العربية.. أهانها الأعراب وأكرمها الأغراب

في الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقد عبر الإنترنت من 13 إلى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ضمّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الخط العربي إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

ورغم أن الخبر يبدو سارًّا -وهو فعلًا كذلك- فإنه جاء متأخرًا كثيرًا، خاصة إذا قورن الأمر بلغات وخطوط أخرى اعتنت بها اليونسكو ولم تكن أكثر انتشارًا من اللغة العربية، التي يوجد نحو مليارَي شخص تقريبًا في العالم يتحدثون بها ولو في صلواتهم.

واللغة العربية تستحق أكثر من ذلك، فهي من فرط تداولها بين الناس، جرى اعتمادها عام 1973 ضمن ست لغات رسمية للأمم المتحدة، بجوار الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والصينية، بجانب أنها لغة رسمية معتمدة في نحو 20 منظمة دولية أخرى.

ومن حيث الأصل، فالعربية تندرج في عائلة اللغات السامية الوسطى، التي تضم الآرامية والأمهرية والكنعانية والعبرية والفينيقية والصهيدية.

عناية الأغراب

 ورغم أن الاعتناء باللغة العربية بدأ يتلاشى في موطنها الأصلي، فإن هناك أممًا أخرى قدّرت قيمة تلك اللغة واعتنت بها، منها كوريا الجنوبية التي اختارتها لغة أجنبية ثانية في البلاد بعد الإنجليزية، وتقرّر اجتياز امتحان فيها شرطًا للالتحاق بالجامعة، مع أنها تدرس في 6 جامعات وطنية بالبلاد.

وكذلك فعلت فرنسا وبلجيكا التي بدأت اعتمادها في التعليم الثانوي والاعدادي ضمن لغات عدة أخرى.

وهكذا في بولندا، حيث خصصت جامعة كوبرنيكوس بمدينة تورون قسمًا خاصًّا باللغة العربية، يختص في تدريس الأدب والثقافة العربية.

وأظهر تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات الشرقية أن عدد طلاب اللغة العربية في البلاد ارتفع منذ العام 2001 بنسبة 250% عما كان عليه قبل ذلك الوقت.

وأكدت مجلة (Science) المهتمة بالبحوث العلمية أن العربية ستشغل المرتبة الثالثة بين اللغات الأكثر انتشارًا بحلول العام 2050، بعد الصينية والهندية، وقبل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وهي اللغات الأكثر انتشارًا الآن.

واشارت المجلة العالمية إلى اتساع شرائح الراغبين في تعلّم العربية، وانتقالها من المستشرقين والمترجمين إلى جميع الشرائح المجتمعية، مثل الصحفيين والحقوقيين والمحامين والأطباء وغيرهم، وأن السبب في ذلك يرجع إلى تزايد أعداد من يعلنون إسلامهم حول العالم.

وخصصت وزارة التعليم الأمريكية دعمًا ماليًّا سخيًّا لتدريسِ اللغات الأجنبية المهمة، وعلى رأسها اللغَة العربية، وقدّمت مِنحًا للراغبين بتعلّمها في مصر والأردن ولبنان وتونس، وصارت محطّ اهتمام العديد من الوزارات الأمريكية وليس فقط المراكز المتخصصة في الشرق الأوسط.

تفوّق العربية

وتمتاز اللغة العربية عن سائر اللغات بأنها تحتوي على حروف غير موجودة في أي لغة أخرى، مثل حرف “الضاد” الذي سُمّيت باسمه لتميّزها به، بجانب أنها لغة القرآن الكريم أعظم الكتب التي يتناقلها البشر، ولا يجوز قراءته إلا بها.

كما تحتل اللغة العربية المركز الأول بين اللغات في عدد المفردات التي تبلغ نحو 12 مليونًا و303 آلاف كلمة من دون تكرار، أي أكثر من 20 ضعفًا لعدد كلمات اللغة الإنجليزية التي لا تتجاوز 600 ألف كلمة، في حين أن اللغة الألمانية بها 5 ملايين و300 ألف كلمة، والكورية مليون و100 ألف مليون كلمة، والفرنسية 150 ألف مفردة، و130 ألفًا للروسية، و122 ألفًا للصينية، وهذا المؤشر اللغوي يدل على ثراء تلك اللغة مقارنة بغيرها من اللغات.

ولك أن تتخيل أن العربية تمتلك بمفردها 16 ألف جذر لغوي، في حين أن اللغة اللاتينية التي تنبثق منها معظم لغات أوربا الشرقية تمتلك 700 جذر لغوي فقط.

وأن الحرف العربي يُكتب به العديد من لغات العالم، منها الفارسية والكردية والأردية والملايوية والتركية سابقًا.

قداسة العربية

‏ ناهيك عن القداسة التي أضافها القرآن إلى تلك اللغة، حيث كرّمها في مواقع عدّة، بقول الله تعالي: {بلسانٍ عربيٍّ مُبين}..{إنّا أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{إنّا جعلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{وكذلكَ أنزلناهُ حُكمًا عربيًّا}..{هذا لسانٌ عربيٌّ مُبين}..{وكذلكَ أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{قرآنًا عربيًّا غيرَ ذي عِوَج}..{كتابٌ فُصّلتْ آياتُهُ قرآنًا عربيًّا}..{هذا كتابٌ مُصدّقٌ لسانًا عربيًّا}.

وقال عنها رسول الله ﷺ: “أحبُّوا العربَ لثلاثٍ، لأنّي عربيٌّ، والقرآنُ عربيٌّ، وكلامُ أهلِ الجنّةِ عربيٌّ”.

وروى ابْنُ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ ﷺ قال: “فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ” (رواه البخاري).

وقد قال: “أَوَّل مَنْ فَتَقَ الله لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَة إِسْمَاعِيل” (حديث حسن سنده ابن حجر في الفتح وصححه الألباني).

كما ورد في أهميتها ما قاله عنها الفاروق عمر رضي الله عنه: “تعلَّموا العربية فإنها تُثبت العقل وتزيد في المروءة”، وما كتبه إلى أبي موسى: “أما بعد فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي” رواه ابن أبي شيبة وسعيد ابن منصور والبيهقي في الشعب.

وقال فيها الخليفة عبد الملك بن مروان: “أَصلِحُوا أَلسِنَتَكُم فَإنَّ المَرءَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ فَيستَعِيرُ الثَّوبَ والدَّابَةَ ولا يُمكِنُه أنْ يَستَعيرَ الِّلسانَ، وَجَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَتُهُ”.

……

والخلاصة أن لغتنا العظيمة هانت علينا، فهُنّا في ألسنة الناس.

تابع المقال على الجزيرة مباشر هنا

...................................

مقالات عام 2022

...................................

سيد أمين يكتب: "الاستبداد الديمقراطي" عند عصمت سيف الدولة

في كتابه القيّم (الاستبداد الديمقراطي)، قسّم المفكر القومي الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة ظاهرة الاستبداد إلى ثلاثة أقسام متباينة “استبداد متخلف واستبداد متحضر واستبداد ديمقراطي”، تتفق جميعا في النتيجة، في حين تختلف في الأشكال والأساليب والوسائل والمبررات.

ويستعرض في قسم الاستبداد المتخلف عددا من نظريات الديمقراطية، خاصة

نظرية (جورج بوردو) عن الديمقراطية “الحاكمة والمحكومة”، حيث ديمقراطية فعلية “حاكمة” تعبّر عن شعب حقيقي، وغايتها خلق عالم جديد متحرر.

وديمقراطية “محكومة” تستوفي جميع أشكال الديمقراطية: الانتخابات والحياة النيابية والحرية الفردية وغيرها، ومع ذلك فقرارات السلطة الناجمة عنها لا تعبّر عن إرادة الشعب الحقيقي، وتكمن غايتها في تسكين المجتمع لا نهضته.

ويرى أن الديمقراطية المحكومة هي في الواقع “استبداد متحضر” فهذا -مثلا- نظام ديمقراطي كامل شكليا، يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه، لكن كل ما في الأمر أنه “شعب زائف لا يعبّر عن الشعب الحقيقي”.

وأهم ما يميز هذا النوع من الاستبداد، أنه لا يستدعي شعارات الاستبداد ومبرراته القديمة، بل يضفي عليها صفة الخضوع لإرادة المجتمع.

حلم بعيد المنال

والمؤسف حقا أن الانتقال من الاستبداد المتخلف إلى الاستبداد المتحضر، لا يزال حلما بعيد المنال لدى شعوبنا التي ما زالت ترزح تحت نير الاستبداد المتخلف.

ويكشف سيف الدولة أن اتجاها يسود لدى المفكرين الغربيين ينكر صحة التاريخ الديمقراطي الذي يتباهى به الغرب، لا سيما أمام حقيقة أن الحرية والمساواة بين الناس لم تكن موجودة أصلا في الحضارتين الإغريقية واليونانية، ولا شك أن غياب المساواة بين الناس يهدم بديهيات الديمقراطية.

وللتدليل على ذلك، يستدعي رؤية أعظم مفكري هذا التاريخ (أرسطو) القائلة بأن كل إنسان ليس مواطنا، وأن الطبيعة خلقت رجالا ليحكموا وآخرين ليطيعوا، وأنها جعلت من حق العقلاء والحكماء أن يكونوا سادة، وأن يكون القادرون جسمانيا على تنفيذ ما يصدر من أوامر عبيدا.

ويؤكد سيف الدولة أن من البديهيات التي ينكرها المستبدون “تعدد” الأفراد في المجتمع “الواحد”، وهو ما ينتج عنه تناقض محتوم، بسبب اختلاف الاحتياجات الفردية من شخص إلى آخر، فيلجؤون إلى ممارسة عمليات الإلغاء، فإما إلغاء التعدد، أو إلغاء المجتمع، أو إلغاء الاحتياجات.

وقد يلجأ المستبد المتمكن إلى إلغائها جميعا بحجة أنه “إله” أو يملك الحق الالهي، أو أنه “رب الأسرة” والأكثر دراية بمصالحها، كما الحال في الاستبداد المتخلف، أو الإيهام باحترامها مع عدم تمثيلها تمثيلا صادقا، كما في الاستبداد المتحضر.

ويعزو سيف الدولة جنوح المستبد إلى الاستبداد، بأنه العودة إلى مرحلة الطفولة، وخلالها تبرز ظاهرة النزوع إلى التدمير كما يفعل الطفل، حينما يفتقد مصدر اللذة.

وبالتالي، فإن قرارات السلطة الديمقراطية الحقة -هنا- لا بد أن تكون خاضعة لرأي أغلبية المجتمع، حتى لو كان رأيا مشكوكا في صوابه.

الاستبداد الديمقراطي

فرّق سيف الدولة بين الاستبداد البرجوازي والاستبداد الديمقراطي، ورأى أن أسلوب البرجوازية في استبدادها، أو -على الأصح- في تغطية استبدادها، هو اللجوء إلى نظام التمثيل النيابي، في حين لم يتم التسليم بأن التمثيل النيابي أسلوب ديمقراطي خالص.

وعلى النقيض تماما، يرى سيف الدولة أن الاستفتاء الشعبي هو أصل الديمقراطية، ولا يعترض عليه إلا المستبدون، وهذه الميزة تجعله صالحا ليكون ستارا عصريا مروعا -ولا نقول رائعا- للاستبداد، لأن من يعارض هذا الأسلوب هنا سيكون كمن يعارض الديمقراطية ذاتها.

ولمّا كانت مخالفة الدستور -في ذاتها- استبدادا محرّما، فإن كل استفتاء شعبي يخالف الدستور هو ستار ديمقراطي للاستبداد، أو كما نسمّيه استبدادا ديمقراطيا، إلا الاستفتاء على الدستور وتعديلاته.

وفي المقابل، يكون الاستفتاء الممكن “دستوريا” غطاء للاستبداد، حينما يكون مستحيلا موضوعيا، بمعنى أنه يستثني فئات من المجتمع، بسبب عدم قدرتها على الاختيار الصحيح، بسبب صغر السن وعدم التمكن من الإدراك.

ويعتقد سيف الدولة أن الفارق الدقيق بين الاستفتاء الشعبي الذي يعبّر عن إرادة الشعب، والاستفتاء الشعبي الذي يغطي على قبح الاستبداد، هو أن ينحصر الاختيار بين “نعم” و “لا” في حين أن الموضوع المستفتَى عليه يتطلب أسئلة غير ذلك.

ورغم إيمانه بأن الاستفتاء الشعبي هو أبرز دليل على الديمقراطية، فإن سيف الدولة راح يستعرض عشرات الأساليب والنماذج التي اتبعها المستبدون المصريون، فحوّلوا هذا المظهر الديمقراطي إلى محفل استبدادي يغاير طبيعته تماما.

ويرى سيف الدولة أن المنظمات التي سُمّيت “أحزابا” في فترة الثمانينيات والتسعينيات، جاءت صراحة وعلنا وقطعا نتيجة قرار منفرد تمت صياغته خارج نطاق الدستور وبالمخالفة لأحكامه الأساسية، ولم يهتم أحد حتى بالتظاهر باحترام الدستور، بل اهتم أصحاب القرار والمنتفعون منه بإقامة “المظاهرات الفكرية ترحيبا بالأحزاب الوليدة سفاحا”.

ثم بدأت السلطات البحث عن طريقة التحوّط ضد المسؤولية، بإسناد القرار إلى الإرادة الشعبية أو إشراك الشعب في خرق الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي، فأُقحِم قرار إنشاء الأحزاب في كل الاستفتاءات التي حدثت بعد ذلك.

……..

هذه كانت مجرد قشور لمحتوى كتاب مهم، لكاتب كبير، يُعد واحدا من أهم الكتب العربية التي تحدثت عن فلسفة الاستبداد، وتناولته بشيء من التأطير والتنظير.

رابط تخطي الحجب على موقع الجزيرة مباشر: https://ajm.me/pfsmxd

...................................

سيد أمين يكتب: فضفضة حول الفشل “الجمهوري” العربي

المتأمل في طبيعة نظم الحكم في عالمنا العربي والإسلامي، لا يحتاج إلى أن يبذل جهدًا كبيرًا ليكتشف جليًّا أن سيادة ثنائية “الاستبداد والفساد”، هي القاسم المشترك بينها، وأنه إذا كانت هناك خصال أخرى واصفة لها، فستكون بلا شك “التخلف”، ولو أوهمت شعوبها، والعالم بخلاف ذلك، عبر اتباع نظام “البهرجة” بمشروعات الأكبر والأطول والأضخم.

الفشل الجمهوري

ولن يمكث هذا المراقب طويلا ليكتشف بسهولة أيضا، أن هناك صفة رابعة تخص تحديدا البلدان ذات النظام الجمهوري منها، وهي “الاضطراب السياسي”.

ثم سرعان ما يخرج بيقين أن نظام رأي الأغلبية -وهو جوهر فكرة الاحتكام إلى الجمهور- مهدر تماما في تلك البلدان، وأنه لا يعدو عن أن يكون ديكورا زائفا، ظاهره تمثيل الأغلبية، وحقيقته تحمل أقسى وأقصى درجات الإقصاء لهم، وأنه تعبير صادق عن حكم الأقلية.

ومكمن الخطورة هنا، أن هذا النظام الجمهوري، في حال فساد آليات اختياره، يحمل في طياته خداعا كبيرا وظلما بينا لشعوبه، فيحرم الناس من حقهم في الجهر بالمظلومية، تحت زعم أن هذا الحكم هو في الأصل من اختيارهم.

وفي ظل هذا الوضع الملتبس، يتنامى الشعور بالغبن الوطني، وعدم الانتماء، وتزداد الفجوات بين طبقات المجتمع، وتتفكك اللحمة الوطنية، وتكون النتيجة الصراع والاضطراب وغيرها من الصفات، التي تتسم بها جمهورياتنا العربية على وجه الخصوص.

ومن عيوب النظم الجمهورية العربية، أو التي من المفترض تعبيرها عن اختيارات الأغلبية، أنها إذا أصابت وأنجزت؛ فذلك بفضل حكمة رأس الحكم، وإذا عجزت وفشلت؛ فذلك بسبب قلة وعي الشعب، وعدم قدرته على مواكبة وطنية الزعيم ودأبه وحكمته.

وفي أحيان أخرى، حينما تتصارع أجنحة أجهزة الحكم في الدولة فينتصر الفرع الأضعف، على الأصل المتحكم، يتم عزو الخراب إلى فشل الحكام السابقين المتحكمين.

وبذلك تتوزع المكافآت لتصب في يد شخص واحد ودائرته الضيقة، وتتبدد العقوبات على المجهول غالبا، أو يتم استخدامها لتصفية حسابات سياسية.

أرسخ الديمقراطيات

الديمقراطية لا تفرق بين الممالك والجمهوريات أبدا، فرغم أن “المملكة المتحدة” مملكة فإن دعاة الديمقراطية والجمهورية ومنظريها حول العالم، ظلوا لقرون -وما زالوا- ينظرون إليها بوصفها النموذج الأمثل  لحكم الأغلبية، والتعبير الصادق عن إرادة الجماهير.

والمدهش أن تجد أن الكثير من النظم الوراثية الأوربية كإسبانيا والسويد والنرويج والدنمارك وبلجيكا ولوكسمبورج وغيرها، صاروا هم أيضا مضربا للأمثال في حكم الأغلبية واحترام حقوق الإنسان.

هذا في حين أن كثيرا من النظم الجمهورية في الغرب والشرق، لا سيما في وطننا العربي، صارت هي الأخرى مضربا للأمثال في العالم أجمع، ولكن للقمع والاستبداد وحكم الأقلية.

وقد يستنكف البعض أن أضرب مثلا بديمقراطية بريطانيا ويقول إنها كانت قوة استعمارية عالمية، وهذا صحيح جدا، بل ونزيد أنها ارتكبت من الجرائم في مستعمراتها ما يندى له الجبين، وهي المتسببة في مأساة الشعب الفلسطيني، وهي التي أسست النظم الجمهورية الخادعة في مستعمراتها السابقة.

لكنها مع ذلك كانت أكثر رحمة من الاستعمار الفرنسي، الذي من المفترض فيه أن يكون تعبيرا عن خيارات الجماهير، وثورته الشهيرة التي حولت الحكم من دكتاتورية وراثية، إلى دكتاتورية عسكرية متوحشة.

ومع ذلك فالحديث هنا لا يدور أساسا حول سلوك هذه النظم خارجيا، ولكن حول سلوكها الداخلي مع شعوبها.

العدالة هي الحل

كان من الممكن أن نستخلص أن النظام الجمهوري نظام فاشل لا يحقق العدالة، ولا حكم الأغلبية، لولا أن مد الخط باستقامته يجعلنا نراه ناجحا جدا في تركيا والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وإيطاليا وكندا، وغيرها.

كما أن التطبيق الصحيح لفكرة الجمهورية في هذه البلدان، خلق حالة مثالية من العدالة، نراها نحن في بلادنا نوادر تستدعي الاندهاش، مع أننا نحن الأمة التي جعلها الله تعالى تأمر بالعدل والإحسان.

فقدان تلك العدالة في عالمنا العربي هو المشكلة الحقيقية، سواء في الممالك أو الجمهوريات، وبسبب غيابها تحول السجال السياسي الطبيعي الناجم عن اختلاف الآراء بين البشر، إلى صراع دامٍ، يأكل فيه القوي الضعيف، وتدفع البلاد بسببه الثمن فادحا.

نخلص من تلك الفضفضة إلى أن النظام الجمهوري العربي، هو في الواقع استبداد مقنّع، يعادي الجماهير، ويسومها سوء العذاب، ويحتال على الديمقراطية.

والواقع يشهد.

...................................

سيد امين يكتب: لطمة إسرائيل في أفريقيا.. مثالية تحتاج إلى استكمال

الجهد الذي بذلته دولة الجزائر الشقيقة، برفقة جنوب أفريقيا ونيجيريا، من أجل الحصول على الدعم الأفريقي اللازم لتجميد القرار السابق لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بإضافة إسرائيل بصفة “مراقب”، هو قطعا جهد مشكور يستحق التقدير، وهو محط ثناء كبير في الشارع العربي والإسلامي بالفعل.

لكننا إذا نظرنا نظرة أكثر تعمقا، فسنجد أن الأمر برمته يمثل وصمة عار كبيرة في جبين الدول العربية، حينما عجز بعضنا أو حتى تواطأ لمنع إصدار القرارالأصلي محل الحديث.

وكان الاتحاد الأفريقي قد شكّل في القمة الـ35 له، لجنة من ستة رؤساء دول -بجانب الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ماكي سال- وهُم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس النيجيري محمد بخاري، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس الكاميرون بول بيا، ورئيس رواندا بول كاغامي، لبحث الأمر.

ونجحت اللجنة في تجميد القرار، مع أن هذا الانتصار يحتاج إلى مزيد من الجهد والدعم، ليكون قرارا نهائيا وليس مؤقتا كما هو الحال الآن.

تبدل المواقف

المهم في الموضوع ليس تجميد القرار أو تأييده، ولكن في انهيار النفوذ العربي لدرجة جعلت إسرائيل تتجرأ وتطرح هذا الطرح، ويصمت عليه الجميع العام الماضي، في قارة كانت منذ عقود قليلة داعمة بشكل شبه كلي للقضية الفلسطينية والحق العربي، وكانت تقف في نفس الخندق الذي يقف فيه العرب. وكانت دولة فلسطين تشارك منذ زمن منظمة الوحدة الأفريقية بصفتها ضيف شرف في القمم الأفريقية.

والحقيقة أنه يجب عدم إلقاء اللوم على دول الاتحاد الأفريقي، خاصة دول جنوب الصحراء الكبرى التي تعاني الفقر ومعضلات متنوعة، ودفعت ضريبة رفضها مصافحة يد إسرائيل الممتدة إليها بينما الدول العربية تهدر أموالها في الغرب والشرق إلا في أفريقيا.

لأنه لا يُعقل أن تبقى هذه الدول على مواقفها من إسرائيل، بينما العرب أصحاب القضية هم من هرولوا للتطبيع مع إسرائيل، ووصل بهم الانحدار إلى درجة التحالف معها عسكريا، بعد أن كانت هى العدو الأول والوحيد لأمة العرب.

بل إن هناك تقارير تتحدث عن قيام دول عربية -يكاد يعرفها الجميع- بفرض عقوبات اقتصادية على دول أفريقية لإكراهها على سرعة التطبيع.

بينما تتحدث صحف إسرائيلية مثل “جورزاليم بوست” عن أن هناك 21 دولة ذات أغلبية مسلمة في القارة السمراء خاضت معركة لتجميد القرار، من إجمالي 55 دولة أعضاء بالاتحاد.

والمؤسف حقا في هذا الادعاء -إن صح- أن تعارض القرار 21 دولة فقط، بينها دول ليست ذات أغلبية مسلمة مثل جنوب أفريقيا، في حين أن القارة بها 26 دولة ذات أغلبية مسلمة، وكثير من باقي الدول يمثل المسلمون فيها الأقلية الكبرى.

والمفجع أن “تدّعي” الصحيفة الإسرائيلية أن دولا مثل السودان والمغرب وتشاد كانت تقف مع الموقف الإسرائيلي.

ولعله من المهم أن نذكر أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد الذي اتخذ قرار الضم بشكل منفرد في يوليو/تموز 2021، كان رئيسا لمجلس وزراء تشاد، مما يؤكد وجود تدخلات لحكومة بلاده في هذا الموقف.

البعد الأمني

في العقد الأخير أهمل العرب أفريقيا تماما، وتركوها نهبا للتدخلات الدولية، فتصارعت الضباع جميعا للاستحواذ على الفرص الخصبة فيها، واحتدمت التدخلات الإسرائيلية والفرنسية والروسية والأمريكية والصينية والبريطانية والهندية فيها، ولم نجد دولة عربية أو مسلمة واحدة تدرك هذا الخطر إلا تركيا التي دخلت هى الأخرى في الصراع بمشروعات تنموية واستثمارية في العديد من دولها.

ولم تدرك الدول العربية -لا سيما في الجزء الأفريقي منها- أن علاقاتها مع الدول الأفريقية ليست ترفا، لكنها هدف وجودي لأمنها القومي، لا يقل بتاتا عن أهمية التسليح.

بينما قامت دول عربية أخرى بالاستثمار في أفريقيا ليس من أجل دعم المصالح العربية، ولكن من أجل دعم مصالح تحالفاتها مع إسرائيل.

ونجم عن هذا الغياب تفجّر مشكلات غاية في الخطورة أهمها، إنشاء سد النهضة الإثيوبي، وانفصال جنوب السودان، والانفراد الفرنسي بدول الصحراء الكبرى.

صاحب النفوذ الأوسع

وإحقاقا للحق، فقد أدرك الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي أهمية أفريقيا مبكرا، فكان لنفوذه دور ملموس داخل القارة السمراء، استطاع من خلاله تعويض غياب الدور العربي، حتى إن فكرة تأسيس الاتحاد الأفريقي جاءت بمبادرة منه خلال القمة الأفريقية في مدينة سرت عام 1999، قبل انتخابه رئيسا له عام 2009.

وكان الهدف من ذلك أن يكون الاتحاد مظلة جامعة لجميع الدول الأفريقية الـ55 وليس 35 دولة فقط، كما كان الحال في منظمة الوحدة الأفريقية المنحلة، مع تعديل آليات التصويت فيه.

وكان للقذافي أنشطة كبيرة ومتنوعة في معظم أرجاء القارة، لدرجة جعلت وكالات الأنباء العالمية تصفه في تقارير لها بأنه صاحب النفوذ الأوسع في القارة السمراء.

وقد حذّر الباحث المتخصص في الشؤون الليبية بكلية دارتموث بالولايات المتحدة ديرك فاندويل عام 2010 من تنامي نفوذ ليبيا بقوله إن دورها إحدى القصص التي لم تسطر بعد، ولم يلتفت إلا قليلون لخطورته، والأمر المثير بالطبع هو حجم ما يمكن أن يمنحه القذافي لها وما ترغب الدول الواقعة جنوب الصحراء في تقديمه له.

في الختام، نقول إن اللطمة التي تلقتها إسرائيل في أفريقيا كانت قوية ومستحقة، ولكن ينبغي الحذر من اتفاقات تحت الطاولة.

...................................

سيد أمين يكتب: أوكرانيا.. فضحت الشرقي والغربي

كشف الغزو الروسي لأوكرانيا، وما رافقه من مواقف ودعوات وتصريحات من البلدين أو حلفائهما، عن التناقضات الجسيمة للسياسات الدولية، حيث ظهرت جلية مرة أخرى المعايير المزدوجة التي يتعامل بها المجتمع الدولي غربه وشرقه في قضايا العالم.

فإذا أجرم القوى فسيلتزمون معه بحدود السياسة والدبلوماسية، وإذا اخطأ الضعيف أو أساء التقدير نسفوه من وجه البسيطة نسفًا.

وتجلت تناقضات ما يسمى بالمجتمع الدولي، وغالبا ما يقصد به الدول الأقوى في العالم، في مواقف هذا المجتمع من اجتياح الدول المستقلة والاستيلاء عليها أو تدميرها، وفي عمليات الإغاثة واللجوء وحماية المدنيين، وفي توصيف عمليات المقاومة: هل هي مقاومة وطنية أم ميليشيات إرهابية؟

ولتوصيف هذه الحالة بشكل أدق دعنا نتفق على أن المعركة الدائرة الآن بين القوات الروسية والأوكرانية هي في الحقيقة معركة بين روسيا وحلفائها كالصين وكوريا الشمالية، وبين أمريكا وحلفائها الأوربيين، والفرق فقط في أنها تدور على أرض التماس بين المتصارعين وهي أرض أوكرانيا.

اجتياح الدول

مما لا شك فيه أن قيام روسيا وهي قطب عالمي يحسب له حساب، بمحاولة اجتياح دولة ضعيفة كأوكرانيا، جريمة تخلّ بنظام العالم، وتؤسّس لنظام متوحّش يلتهم فيه القويّ الضعيف.

ومما لا شك فيه أيضا أن هبّة أمريكا لنجدة الضعيف هي أمر يساعد على استمرار بقاء النظام الدولي، الذي يبقى رغم هشاشته أفضل بكثير من سيادة منطق الغابة.

لكن للأسف لا هذه ولا تلك يهمها كثيرا فكرة احترام استقلال الدول، فالقوي دائما يفرض منطقه بقوته، وهو واثق من أنه سيحدث في النهاية تقاسم المصالح بين الأقوياء.

فلم تلتفت روسيا ولا أمريكا لمنطق احترام استقلال الدول واستقرار النظام العالمي، حينما اجتاحت كل منهما دولة صغيرة اسمها أفغانستان، وقتلت الناس وأزالت حكومات شرعية وعينت حكومات تابعة بدلا منها.

ولم تلتفت أمريكا إلى هذا المنطق حينما غزت العراق وقتلت مئات الآلاف من شعبه، كما لم تأبه روسيا بإرادة الشعب السوري وحقه في تغيير نظام حكمه، بل أقامت هناك أبشع مسلخ بشري شهده القرن الحادي والعشرين لأبناء هذا الشعب الشقيق، ونفس الأمر تماما فعلته في الشيشان أيضا.

ولم نجد قلقا روسيا أو صينيا على نظام العالم حينما أحدثت أمريكا مأساة العراق، لم نجد كذلك قلقا أمريكيا وأوربيا حينما أحدثت روسيا مأساة سوريا أو الشيشان.

كنا نسمع فقط تصريحات إعلامية سرعان ما تخفت حينما تتم التسويات بين الأقوياء.

مقاومة أم مليشيات إرهابية؟

لا يوجد تعريف محدد يميز الفرق بين المقاومة والمليشيات الإرهابية، لكن الواقع أثبت أنه يتم تعريفها حسب المستفيد منها أو المتضرّر.

فإذا كانت تحقق مصلحة أيّ دولة كبرى فستصبح هنا “مقاومة” وسهبّ كل الحلفاء لنجدتها، وإذا كانت ستضر بمصالح ذات الدولة، فهي قطعًا مليشيات إرهابية، وسيهبّ الجميع لعقابها.

ولما كان الأمر كذلك، أعلن الرئيس الأوكراني عن فتح باب التطوع للأجانب من خارج البلاد في الجيش الأوكراني، وصمتت على ذلك أمريكا التي كانت في حرب ضروس ضد المقاومة العراقية والمقاومة الأفغانية، وكانت تسمّيهما المليشيات الإرهابية، مع أن عناصر هذه المقاومة هم أبناء البلد، وأمريكا هي الغازية.

وفي المقابل نددت روسيا بالدعوة الأوكرانية واعتبرت ذلك تحشيدا للمرتزقة والمليشيات الإرهابية، في حين أن مليشيات “فاغنر” الروسية تسرح وتمرح في شرق ليبيا، وتقتل أبناء البلد الحالمين بالحرية في بلدهم.

إغاثة اللاجئين وحقوق الإنسان

لم ينفطر قلب أيّ رئيس روسي أو أمريكي أو أي من الحلفاء الغربيين على مأساة اللاجئين السوريين الذين شبعت أسماك البحر المتوسط من التهام أجسادهم، وجمّد الجليد أبدانهم.

فلم تسع روسيا لإقناع بشار الأسد بحق شعبه في اختيار رئيسه، والبقاء في أرضه، وأنه هو الذي يجب أن يرحل وليس هم، وهذا هو ألف باء المنطق.

وعلى الجانب الآخر، لم تقم أمريكا بالذهاب إلى سوريا من أجل إنقاذ الأبرياء، بل اتجهت إلى زيادة تدفق شلالات الدماء هناك بقتل المزيد من الشعب بوصفهم إرهابيين.

ولم تفعل روسيا شيئا للاجئين العراقيين الذين تسببت أمريكا في مأساتهم، كما لم تفعل أمريكا شيئا للاجئين الشيشان الذين تسببت روسيا في مأساتهم.

لكن حينما يتعلق الأمر باللاجئين الأوكرانيين فإن قلب أمريكا وحلفائها يتسع لهم جميعا، نكاية في روسيا. وقطعًا ستجد روسيا المناسبة التي ترد فيها على أمريكا بالمثل.

وفي نفس الأزمة تجلّى أحد مظاهر التفريق في التعامل بين اللاجئين، حينما شكا قسم منهم خاصة الأفارقة والعرب من قيام الدول التي فروا إليها في أوربا بمعاملة اللاجئين الأوكران معاملة تفضيلية.

هذه مجرد مقابلة كاشفة لموقف واحد من مواقف قطبي العالم، وكيف أنهما ينظران إلى العالم من نظاراتهما الخاصة، وأن قوة كلّ منهما تكفي لأن تفرض رؤيتها على من حولها من الصغار، ويجلس العالم مستمعًا بإنصات وترقّب وحذر.

روسيا أم أمريكا؟

أنا شخصيا لو خُيِّرت بين مرجعية أمريكا ومرجعية روسيا، لاخترت الاستقلال التامّ لبلادنا عن التبعية للقوى العظمى، ولكن لو فاضلت بين الدولتين فقطعًا سأختارأمريكا، لأن لديها على الأقل الديمقراطية التي نحلم نحن بها، حتى لو كانت تطبقها فقط داخل حدودها.

أوكرانيا نالت الجزء الأكبر من التعاطف في الشارع المصري والعربي لأنها تذكرنا بمآسينا في العراق وسوريا وليبيا، ومع ذلك يبقى الشارع العربي أيضا حذرًا من المواقف الأمريكية، بسبب انحيازاتها للنظم الاستبدادية في عالمينا العربي والإسلامي.

حينما يكون الضحايا عربًا أو مسلمين فإنهم يقعون عادة بين فكّي كماشة الاستبداد الشرقي والغربي ولا نصير لهم إلا سواعدهم.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

...................................

سيد امين يكتب: في هذا نجحت الدراما التركية

استطاعت الدراما التركية في السنوات الأخيرة كسب اهتمام شرائح واسعة من الجماهير داخل أراضيها وخارجها، وصارت سلاحا أمضَى وأحدّ من كثير من وسائل الردع المعروفة.

فبعدما نجحت سابقا في لفت انتباه الشباب والمراهقين عبر قصص الحب والغرام أحيانا، والمؤامرة والجريمة أحيانا أخرى، وثبت وثبة قوية نحو مستهلكين أكثر عددا ونضجا وتأثيرا، بدرامتها التاريخية، لتزيل عقودا من التجهيل المتعمد بهذا التاريخ المجيد.

حيث استطاعت أن تزيل بسلاسة ولين تحسد عليهما، اللبس والغموض الذي أريد له أن يكتنف تاريخ الدولة السلجوقية مثلا، وهي دولة لها تضحيات عظمى في إفشال أعظم الحملات الصليبية، وكذلك الدولة العثمانية التي كان لها تأثير عميق في تاريخ العالم الإسلامي والعالم أجمع.

فقد أغنت هذه الدراما بذلك عن عدد كبير من الكتب والوثائق والمحاضرات والندوات، وتركت لدى النشء والأجيال القادمة رواية موثقة تتحدث عن الحقيقة التي يريد كثير من النافذين في واقعنا المخزي أن تختفي إلى الأبد، وسط طوفان من الروايات الأخرى التي صُنعت بإتقان وصُرفت عليها مليارات الدولارات من أجل تزوير التاريخ.

ولقد زادت الدراما التاريخية التركية -مثل “قيامة أرطغرل” و”المؤسس عثمان” و”كوت العمارة” و”السلطان عبد الحميد” و”ألب أرسلان” و”بربروسا” و”الملحمة” و”يونس إيمرة” و”الفاتح” وغيرها- من وعي الناس بتاريخ الإسلام والمسلمين، حينما شرحت للعالم حقائق كان يصعب على غير المراقبين إدراكها بسهولة.

الفتح والغزو

ومن تلك الحقائق أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يدعي أعداؤه، بل كان الفتح أو الغزو هو السلوك السائد في تلك الأزمنة، عملًا بقاعدة إن لم تبادر أنت بادر أعداؤك، لا فرق في ذلك بين مسلم أو مسيحي أو حتى وثني مغولي.

لكن الفرق الناصع الذي أضافه الإسلام في فتوحاته عامة، وهو دين الرحمة والأمر بالعدل والإحسان، هو أنه لم يجبر أهل البلاد المفتوحة على الدخول فيه، ولم يتخذهم عبيدا.

ولذلك بقي الكثير من رعايا الدولة العثمانية في عشرات الدول الأوربية التي خضعت لحكمها عدة قرون على دينهم، في حين ظلت محاكم التفتيش في الأندلس ومتحف الإنسان في فرنسا شواهد واضحة على مر الزمان للاستخدام الوحشي الحقيقي لنظرية حد السيف التي أريد وصم الإسلام والمسلمين بها.

وهذا ما نجحت الدراما التركية في تقديمه للناس بما يلامس حقيقة الإسلام وحقيقة التاريخ.

وفي رأيي أن هذا الفرق الخطير كان في حد ذاته سببا لملامسة الإسلام قلوب الباحثين عن الحرية، خاصة مع وصول المجتمعات الغربية حينئذ، حدا من الاستهانة بالإنسان جعلها تنقسم إلى أربع فئات: غالبية كاسحة من العبيد تملكها أقلية ضئيلة من السادة، وبينهما يتناثر قليل من الأحرار، وكثير من “الأقنان”.

ولمن لا يعلم فالأقنان هم فئة من العبيد ارتقت إلى خدمة الكنيسة، حيث ارتهنوا هم وأسرهم وأحفادهم وأجيالهم القادمة، ليكونوا خداما لقسّ بعينه في الكنيسة ولذريته ومن يخلفه، وبالطبع كلما زادت رتبة المتبوع زادت قيمة الأتباع.

وعموما فهم أفضل حالا من العبيد حيث كانوا يحصلون على كم أكبر من الطعام، مقابل جهد أقل في العمل.

النظافة والمدنية

كثيرا ما حاولت الميديا الغربية وصم الإسلام والمسلمين بالتخلف، وبأنهم بدائيون يفتقدون للنظافة الشخصية أو البيئية، وأن الحملات الاستعمارية الغربية هي التي انتشلتهم من هذا الوحل.

والمؤسف أن تسير الدراما التاريخية العربية أيضا خلف هذا التصور، لدرجة جعلت بعض “المستغربين” من بني جلدتنا في مصر يحتفلون بـ”الحملة الفرنسية” بوصفها حملة تنوير، رغم أنها قتلت عشرات الآلاف من المصريين وسرقت كل ما أمكنها سرقته، من الآثار حتى أبواب المنازل.

وقد أبرزت الدراما التركية التاريخية عكس ذلك تماما، فأظهرت المسلمين وهم يقفون على قدم المساواة مع أبناء الحضارات الغربية، بل إن نظافة المسلمين وتحضرهم كان سببا في دخول الكثير من الأوربيين الإسلام.

والحقيقة أن الأوربيين كانوا يعتقدون أن الاغتسال كفر، فلا يقرب المرء منهم الماء إلا مرة أو مرتين طيلة حياته، بحسب مذكرات النمساوي ساندور موراي والمؤرخ الفرنسى دريبار وغيرهم.

أما بخصوص المدنية، فإن كتاب “ما هية الحروب الصليبية” للدكتور قاسم عبده قاسم -وهو مرجع فريد وموثق في هذا المجال- يسوق عشرات الشهادات على أنه لم يكن في أوربا كلها في هذه الأزمنة ما يمكن تسميته مدينة، بل كانت كلها قرى متفاوتة البدائية.

“بطلوع الروح”

ما كان للدراما التركية التاريخية تحديدا أن تنال تلك المكانة الكبيرة بمئات الملايين من المشاهدين في العالم أجمع، إلا بسبب احترامها لثوابت مشاهديها ومعتقداتهم، وقيامها بالعمل لخدمة قضاياهم الكبرى التي تتعدى المصالح السياسية والحزبية والقطرية الضيقة.

وعلى النقيض من ذلك تماما، تأتي بعض الأعمال الدرامية المصرية لتطعن الإسلام في مقتل، بتشويه من لديهم التزام ديني وإظهارهم بمظهر المخادعين والجاهلين والخونة والمجرمين، مع تحبيذ من يسلكون عكس هذا المسلك.

وبدلا من أن تنقرض تلك الظاهرة التي كان من ضمن أعمالها قديما “الإرهابي” و”الجزيرة 2″ و”غرابيب سود” وغيرها، عادت مجددا بـ”بطلوع الروح” وهو المسلسل الذي وُجِّهت إليه انتقادات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشويهه صورة المسلم الملتزم تحت مبررات واهية.

ورغم أن بعض هذه الأعمال أُعد بشكل ما لدعم مواقف السلطة تجاه الحياة السياسية، فإن الحماسة الفنية وانفلات المعيار نقلا هذه الأعمال من الحرب السياسية إلى الحرب على الإسلام نفسه، بما لا يخدم مصالح الدولة المصرية.

ولن نستفيض في تقديم النماذج المسيئة لتاريخنا وديننا في الدراما المصرية لأنها كثيرة ومعروفة وقديمة.

نصيحة لكل من يقوم على أمر هذه الصناعة في أي مكان: المشاهد يفرز الغثّ من السمين، فإما أن يدير ظهره فتخسروه، وإما يستقبلها فتكسبوه.

...................................

سيد أمين يكتب: العرب.. ضحايا صراعات الأفيال

29/3/2022|آخر تحديث: 30/3/202201:30 AM (مكة المكرمة)

ليس هناك جديد على الإطلاق، انقسم السادة؛ فانقسم التابعون، انقسم المستعمرون الجدد؛ فانقسمت المستعمرات الجديدة، تحاربت روسيا وأمريكا في أوكرانيا؛ فتحارب العرب والمسلمون.

الروس يعلنون وصول آلاف المقاتلين “الشرق أوسطيين” لمساندة الحق الروسي في أوكرانيا، والأمريكان يعلنون وصول آلاف المقاتلين “الشرق أوسطيين” لمساندة الحق الاوكراني.

تمامًا كما كنا قبل آلاف السنين، العربي التابع للفرس يقاتل العربي التابع للروم، العربي الموالي للإنجليز والفرنسيس يقاتل العربي الموالي لدولة الخلافة العثمانية.

لا يوجد إطلاقًا مشروع استقلال عربي موحد، وإن وُجد فهو محض أحبار سوداء محبوسة في أوراق جامعة العرب التي هي في الواقع دمية بيد السادة الكبار في موسكو وواشنطن وعواصم العالم الكبرى.

ولمّا استمرت هذه الأوضاع المخجلة لآماد طويلة، صار لدينا أقوام مختلّو المنطق، ونظم معتلة، لا تؤمن أصلًا بفكرة الاستقلال الوطني، رغم أنها لا تترك مناسبة محلية إلا وتتحدث فيها عنها وعن حماية الأمن القومي، وهي لا تقصد منها إلا استخدامها وسيلة لتدمير خصومها من بني جلدتها.

لكن من ستر الله ورعايته أن هذا الاستقطاب الذي يحدث بين النظم، وهو استقطاب تبعية، يقابله استقطاب من نوع آخر بين الشعوب، لا ينحاز ولكنه يفاضل بين الضار والأشد ضررًا، ويتوحد في رفض سياسات الخصوم الكبار.

لماذا يكرهوننا؟

لو كنت مكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسألت نفسي: لماذا هناك أصلًا من يكرهنا من الشعوب العربية ونحن من وقفنا في صفهم ضد الإمبريالية الغربية في الحقبة السوفيتية، وحُلنا دون إعادة فرض الاستعمار عليهم؟

لماذا يكرهنا بعضهم، وقد كان وجودنا في منتصف القرن الماضي سببًا في حد ذاته لقيام الاستعمار الغربي بالجلاء من أراضيهم طواعية، خوفًا من دعمنا للثورة العربية الحقيقية التي كانت تختمر في النفوس، عقب انكشاف زيف الثورة العربية التي أتت بهم بديلًا عن الدولة العثمانية؟

لماذا هناك من يكرهنا الآن والشعب العربي برمته كان منحازًا لنا من قبل؟

نحن من ساندنا شعب مصر، وأوقفنا العدوان الثلاثي عليهم عام 1956، ونحن من أوقفنا الحصار الذي فُرض عليها وعلى جميع دول المواجهة، ونحن من ساعدهم في بناء السد العالي فأنقذ بلادهم من العطش والفيضان؟

لماذا يكرهوننا ونحن فقط من مد يد العون لهم؟ ماذا تغيّر؟

وفي المقابل، لو كنت مكان الرئيس الأمريكي جو بايدن لسألت نفسي: لماذا غالبية الشعوب العربية شامتة فينا وفي موقفنا من غزو أوكرانيا؟ لماذا يؤيد كثير منها الاستعمار هنا وهم أكثر من عانوا منه؟ لماذا ينحازون إلى نظام استبدادي في حين أنهم أكثر من عانوا من الاستبداد ويحلمون بالخلاص منه؟

لماذا يكرهوننا ونحن نقتطع من قوت شعبنا لنقدم المعونات لهم؟ ونحن من ندعم الهياكل الديمقراطية لديهم؟ لماذا يشمتون فينا ونحن بلد ديمقراطي وهم يحلمون بأن يكون لديهم مثل ديمقراطيتنا؟

آثار فؤوسكم

لا بايدن ولا بوتين ولا أي من قادة القوى الغربية أو الشرقية بحاجة إلى التفكير طويلًا للبحث عن إجابات لهذه التساؤلات.

فدفاتر ظلمكم لنا كبيرة، ولا يمكننا أن نصدّقكم وهذه آثار فؤوسكم تشق أفئدة المحدثين والقدامى من أهل فلسطين والعراق وليبيا ولبنان والصومال والجزائر وتونس والمغرب ومصر والسودان وأفغانستان وغيرها، ولا زالت مخالبكم مغروسة في معظم عواصمنا العربية والإسلامية.

الإجابات سهلة جدًّا، وأنتم تعرفونها ولكنكم لا تريدون أن تلتفتوا إليها، أو تعيروها اهتمامًا، لأن شعوبنا ليست محط اهتمامكم.

تعرفون أن كل ما يحدث لنا هو تقريبًا آثار أيديكم، حيث تبيت عواصمكم على أضواء المهرجانات والاحتفالات، وتبيت عواصمنا على أصوات طلقات الرصاص والاغتيالات والإعدامات.

وتكتظ عواصم العالم أجمع بلاجئينا وفارّينا ومستضعفينا، كما تمتلئ خزائنكم بذهبنا ونفائسنا وآثارنا.

الأوكرانيون كأي شعب عربي عانى ويلات تدخلاتكم، وصار ضحية لكم، لكن الفرق هنا أن شعوبنا دفعت الفاتورة كاملة دون أن تدمع عين علينا.

من “نقرة” إلى “دحديرة”

من الآخر، يمكن لكل الرعاة العمالقة أن يعلموا بأن شعوبنا العربية والإسلامية اكتشفت بجلاء أنها وقعت بين فكّي رحى، بين الضار والأشد ضررًا، والمُرّ والأكثر مرارة.

والجميع يعلم أن انتصار أمريكا المطلق لا يعني إلا بقاء الوضع العربي على حافته الملتهبة، واستمرار واشنطن في دعم النظم الاستبدادية العربية، دون الاستماع جديًا لمطالب الشعوب وحلمها في الحرية، بينما تغض الطرف عن مقابلة الأفكار بالسجون والمعتقلات.

أما انتصار بوتين الحاسم فهذا يعني إطفاء بصيص الأمل نهائيًّا عند كل الحالمين بالحرية، ووجوب الاستعداد لحقبة شديدة الاستبداد لا تقابل الأفكار إلا بالرصاص.

وإن الفرق بين أمريكا وروسيا، هو كالفرق بين من يؤمن بالديمقراطية ولكنه يسخّر كل جهده للاحتيال عليها بحيث تكون هى والعدم سواء لدى غيره، ومن لا يؤمن بها أساسًا ولا يفوّت مناسبة دون التنكيل بها.

ولذلك، فقد حان الوقت لكي يدركوا أن الشعوب كائنات حية، ولا ترضى أبدًا أن تصبح مجرد أحجار على رقعة شطرنج يلعب بها أفيال العالم.

الشعوب لا تريد أن تخرج من “نقرة” فتسقط في “دحديرة”، كما يقول المثل الشعبي.

...................................

سيد أمين يكتب: عمران خان يدفع ثمن وطنيته

كان لطبيعة شخصية عمران خان رئيس وزراء باكستان السبب الأكبر الذي أدى إلى سحب البرلمان الثقة من حكومته.

فملامح شخصيته الصادقة جعلته يجهر بمشاعره وحقيقة مواقفه في جميع القضايا الدولية والمحلية، غير عابئ بما يمكن أن تسببه له من أزمات خارجية وداخلية، وهي المواقف التي إن امتلك القوة لتنفيذها لكان من شأن ذلك تغيير تحالفات باكستان الدولية، وتحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية لصالح البرلمان.

لكنه للأسف لم يكن يمتلك تلك القوة في بلد عُرف بهيمنة المؤسسة العسكرية عليه، وهي المؤسسة التي تجنح بشكل واضح نحو الولايات المتحدة الحليف الرئيسي الكبير لعدو الشعب الباكستاني، الهند.

كما لم يفلح عمران خان في تحرير إسلام أباد من الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ولا في الحد من تردي الأوضاع الاقتصادية الداخلية، مما خصم من الشعبية الجارفة التي حظي بها في الشارع.

أسباب خارجية

ومن تلك التوجهات التي تميز بها عمران خان موقفه الهادف إلى الحياد الدولي بديلًا عن “التبعية أو حتى التحالف” مع الولايات المتحدة، وتعزز ذلك بتوقيع باكستان عام 2019 أكبر صفقة سلاح مع روسيا بقيمة 9 مليارات دولار، سبقتها عام 2018 صفقات تسلح بقيمة 6.4م ليارات دولار مع الصين.

تواكب ذلك مع موافقة باكستان على مشروع طريق الحرير الصيني، وهو ما عدّته أمريكا ضربة قاصمة لمحاولاتها حصار الصين.

ورغم تأكيد خان رغبته في إقامة علاقات متوازنة مع واشنطن وموسكو وبيجين على حد سواء، فإن الرد الامريكي جاء سريعًا في أغسطس/آب عام 2019، عبر قيام الهند بإلغاء الحكم الذاتي الدستوري لولاية جامو وكشمير الباكستانية التي تحتلها، وعملها على تغيير هويتها عبر التهجير القسري للسكان ونزع الهوية الوطنية منهم، وتدمير دور عبادتهم.

ورغم حساسية الموقف لدى باكستان لاعتبارها أن الاجراء الهندي جريمة لا تُغتفر، كان يجب على الولايات المتحدة اتخاذ مواقف قوية تجاة نيودلهي، فإننا وجدنا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب يزور الهند في فبراير/شباط 2020 وكأنه يبارك الإجراء ويدعم تصرفات رئيس وزراء الهند المعادية للمسلمين عامة وباكستان خاصة.

وزاد الأمر توترًا حينما قام عمران خان بالمسارعة في إقامة علاقات طبيعية مع حركة طالبان الأفغانية بعد عودتها إلى الحكم، في حين أن الولايات المتحدة التي عقدت اتفاق سلام بعد حرب دامت عقدين معها لم تكن سعيدة بهذا الترحيب، ربما لأنها كانت تخطط لخنقها وإفشالها اقتصاديًّا.

إلى أن انقطعت شعرة معاوية تمامًا برفض حكومة عمران خان التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

بل وانتقاد خان بشدة أمريكا والاتحاد الأوربي على مطالبته بذلك، قائلاً “هل نحن عبيد لكم لنفعل ما تقولون؟ عندما انتهكت الهند القانون في كشمير المحتلة، هل توقف أي منكم عن التجارة معها أو قطع العلاقات معها؟”.

وممّا ألهب الغضب الغربي على عمران خان أيضًا مواقفه القوية من الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وسعيه لإقامة تحالف إسلامي مناهض للهيمنة الأمريكية والغربية.

أسباب داخلية

وتقف قيادات من الجيش الباكستاني حجر عثرة دائمًا أمام أي تحوّل إلى نظام ديمقراطي في البلاد، وتدعم أي انقلابات على النظم المنتخبة، التي كان آخرها الانقلاب على حكومة نواز شريف عام 1999 بعد محاولاته تمرير تعديل دستوري يدعم تطبيق الشريعة، بجانب إجرائه 6 تجارب نووية.

ثم إجباره على الاستقالة مجددًا عام 2017 بعد عودته إلى الحكم في عام 2013، وسعيه للتقارب مع إيران والصين وروسيا بعقد صفقات ومشروعات تجارية، هنا استغل أعداؤه الموالون للمؤسسة العسكرية ما عُرف بتسريبات بنما، ليستدلوا بها على ارتكابه قضايا فساد ثم يطيحون به من الحكم، رغم عدم صلته بالقضية.

ما حدث لرئيس وزراء باكستان الأسبق نواز شريف في عودته الأخيرة تكرر مجددًا مع عمران خان، ومن المتوقع أيضًا تلفيق تهم تمنعه من العودة إلى المنصب.

خاصة أن هناك معلومات تتردد بين نواب البرلمان الباكستاني بوقوف الجيش وراء الأحداث، وأن أفرادًا منه تواصلوا معهم وطلبوا منهم سرعة الاجتماع مرة أخرى لسحب الثقة من عمران خان، بعد أيام قليلة من فشل المعارضة في تنفيذ هذا الإجراء.

انقلاب معايير

ويمكننا طرح مثال على انقلاب المعايير في هذا البلد الإسلامي الكبير تاريخيًّا، بقيام الجنرال برويز مشرف رئيس وزراء باكستان عام 2001 بوضع عالِم مكّن البلاد من الحصول على القنبلة الذرية والوقوف بندية أمام الهند رهن الإقامة الجبرية لعدة سنوات، وذلك بدلًا من الاحتفاء به وتكريمه.

بينما رد أبو القنبلة النووية الباكستانية باتهام الديكتاتور مشرف بالعمل على تطبيق الأجندة الأمريكية في البلاد، وهو ما يلامس الحقيقة، إذ إن الاتهامات التي وُجّهت إليه بتسريب معلومات نووية إلى إيران أطلقتها أصلًا أمريكا، إلا أن الجيش الباكستاني أجبر عبد القدير خان على الاعتراف بها.

بل إن العقوبة طالت أيضًا رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، صاحب قرار امتلاك تلك القنبلة، إذ تعرّض هو الآخر لانقلاب عسكري نفّذه الجنرال ضياء الحق وسُجن ثم أُعدِم، ووُضِعت ابنته بينظير بوتو أيضًا رهن الإقامة الجبرية.

ولمّا وصلت ابنته إلى الحكم بعد ذلك، وراحت تكشف التدخلات الأمريكية في البلاد، تعرّضت هي الأخرى للاغتيال، وكانت قد قالت في تسريبات لها إن واشنطن عرضت عليها البقاء في الحكم ونيل رضا المؤسسة العسكرية عنها مقابل الولاء.

………..

عمران خان -مثله مثل كل محب لبلاده ودينه وأمته في معظم بلدان العالم الاسلامي- قد يكون مصيره السجن.

...................................

سيد أمين يكتب: “لعنة الفراعنة”.. ما علاقة الآثار بالجان؟!

منذ فترة ليست بعيدة، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على رجل الأعمال حسن راتب رئيس أمناء جمعية مستثمري سيناء وصاحب قناة المحور، والنائب بالبرلمان علاء حسانين، بتهمة الاتجار في الآثار.

وجاء في الاتهامات التي تداولها الإعلام المصري، أنهما اتخذا المظهر الصوفي ستارًا لعقد جلسات لممارسة السحر وتسخير الجان، من أجل استخراج الآثار وتهريبها إلى الخارج مقابل عشرات الملايين من الدولارات.

وبعيدًا عن التفاصيل الكثيرة التي تضمنتها هذه القضية، والتي لا تعنينا في هذا المقام إلا لكي نطرح على هامشها سؤال: ما علاقة آثار الفراعنة بالسحر والجان؟

الإجابة تأتينا من المناطق والبلدات التي تحتفظ في باطنها ببقايا تلك الآثار، حيث تعج بالكثير من الحكايات المثيرة التي تُعد في العديد من جوانبها خارقة لحدود المنطق، وزاخرة بالميتافيزيقا.

حيث يمكنك أن تسمع قصصًا عن الأسر التي انتقلت في ليلة وضحاها، بفضل عائدات “الدفائن النفيسة” التي استخرجتها من باطن الأرض، من شظف العيش إلى رغده، ومن السكن في بيوت مبنية من الطوب اللبن إلى العيش في ما يشبه القصور، وامتلاك “الفلل” في أرقى أحياء المدن والساحل الشمالي وغيرها.

ويمكنك أيضًا سماع القصص المؤلمة عن أسر أخرى كانت مستقرة ماليًا واجتماعيًا، وفجأة أصابتها “لعنة الفراعنة”، فمات أو أصيب عائلوها بأمراض فتاكة مزمنة، أو ضربها “النحس” فتسرب أبناؤها من التعليم، أو افتقرت ولم يعد أفرادها يمتلكون حتى “اللظى”، والسبب يرجع إلى أنهم حاولوا فعل الشيء نفسه الذي فعله جيران لهم، ولكنهم فشلوا.

وتسمع هنا وهناك وشوشات عن وسطاء نافذين كثر برفقتهم أجانب، يقومون بشراء تلك الدفائن الفرعونية بعشرات الملايين من الجنيهات، وأحيانًا الدولارات، رغم أنها لا تُقدَّر بثمن، وينقلونها إلى الخارج.

 الميتافيزيقا

كثيرة هى روايات الثراء والفقر بسبب استخراج الآثار، فمنها الحديث ومنها القديم، ولم تنقطع نهائيًا في هذه المناطق، والرابط بينها جميعًا هو الاعتماد الكلي على “الميتافيزيقا” ورجالها.

فالبحث عن الأثر يعتمد في المقام الأول على رأي ونصائح العرّاف أو الساحر، الذي يمارس طقوسًا غريبة معيّنة، بعدها يقوم بتحديد مكان الدفينة وهيئتها، والحرس الملازم لها من الجن، والمطلوب لشراء ودّ هؤلاء الحراس ليوقفوا حمايتهم لها.

وبحسب الروايات المتداولة، فإن استخراج الخبيئة يتوقف على قوة العرّاف، فقد يكون متمكنًا فينجح في مفاوضاته “الافتراضية” مع الجن، ويخفّض من سقف شروطهم بما يمكن تحقيقه، ويؤمّن سلامة أهل البيت، هنا يصبح الأمر سعدًا على الجميع، ويطرقون باب الثراء دون مضرة أو خوف من انتقام.

وقد يكون العرّاف ضعيفًا أو قليل الحيلة، فيخدعه الحراس، أو لا يستطيع السيطرة عليهم، هنا يعيثون انتقامًا من البيت واصحابه، تخريبًا ومرضًا ونحسًا وما إلى ذلك.

والجدير بالذكر أنهم يطلقون لفظ “الشيخ” على العرّاف، مع أنه قد لا يكون كبيرًا في السن، وقد يكون مسلمًا أو مسيحيًا.

تساؤلات مشروعة

بالطبع هذا الكلام لا يصدّقه عقل، لكنه أمر واقع، أثبتته التجارب، فصار من المسلّمات لا يحتاج إلى تدليل عليه لدى قطاعات كبيرة من الناس، ويبقى أمر تكذيبه هو أسرع طريق لراحة البال والتمسك بأهداب المنطق.

ولأن التفكير إفراز طبيعي عند الإنسان، كما يقول المفكر الوجودي الروسي “ديستوفسكي”، تنبثق تساؤلات كثيرة، لكنها تبقى دون إجابة شافية و”منطقية”، عن ميراث السابقين، وكيف بنوا الأهرامات؟ وكيف نقلوا آلاف الأطنان من الأحجار إلى آلاف الكيلومترات في الصحراء؟ وكيف حنّطوا الموتى؟ وكيف؟ وكيف؟

وهذه التساؤلات لا تتوقف فقط عند الحضارة الفرعونية، ولكنها -في ما يبدو- تمتد إلى كثير من الحضارات القديمة غربًا وشرقًا.

لكن تصديق هذه الرؤية ينقلنا إلى التساؤلات الأهم :هل هناك سحر في حضارة الفراعنة؟ وهل يستطيع الجن صناعة المسلّات والتماثيل والتحف؟ وهل يتدخل الجن في عمل الإنسان؟

رؤية مؤيدة

الإجابة تأتينا من القرآن الكريم، وهو يزخر بما يدلل على ذلك، منها ما يقوله تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 12-13).

وكذلك توجد إشارة أخرى إلى تلك القدرة التي منحها الله تعالى للجن، لدرجة تجعل جنّيًا صغيرًا واحدًا منهم يستطيع إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ قبل أن يقوم النبي سليمان -عليه السلام- من مجلسه {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} (النمل: 32).

ولم تقتصر الأدلة على القرآن فقط، ولكن امتدت أيضًا إلى التوراة والإنجيل، حيث ذُكر الجن فيهما أكثر من 200 مرة، وكثير منها تتحدث عن القدرة التي أعطاها الله لهم.

رؤية نافية

ورغم هذا الإقرار الرباني بقدرة الجن في صناعة التماثيل والمحاريب، فإن هناك من يقول إن الله تعالى سخّر الجن لفعل ذلك لنبيّه سليمان، ويسخّره لمن يشاء غيره، وذلك استثناء من القاعدة بأن الشيطان لا يملك ضرًّا ولا نفعًا للانسان، وأن كيده كان ضعيفًا.

ويذهب آخرون -لتأكيد عدم وجود أي علاقة بين الحضارة الفرعونية وأعمال الجن والسحر- إلى أن الجن موجود في كل بقاع العالم، ولو كان يستطيع بناء أهرامات ونحت تماثيل، لرأينا هذه الأعمال العجيبة في أرجاء الأرض كافة، وليس في مصر وحدها.

………..

هذا المقال لا يؤكد ولا ينفي، لكنه يعيد طرح تساؤلات بحثًا عن إجابات.

للمزيد: "https://ajm.me/wufma8"8 

...................................

سيد أمين يكتب: لماذا استهدفت إسرائيل شيرين أبو عاقلة؟


استيقظ الناس اليوم على نبأ ضحية جديدة من ضحايا الحقيقة في هذه البقعة المظلمة بظلم الاحتلال والتواطؤ الدولي، حيث ارتقت شيرين نصري أنطون أبو عاقلة والشهيرة بـ”شيرين أبو عاقلة” مراسلة شبكة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة شهيدة أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة

شيرين أبو عاقلة التي طالما أطلت على الملايين حول العالم بوجهها البريء من قناة الجزيرة لتؤدي رسالتها الإعلامية، قتلت اليوم بطلقة في الرأس أطلقها قناص إسرائيلي، وأصيب معها زميلها الصحفي بشبكة الجزيرة على السمودي برصاصة في ظهره.

لماذا قتلوها؟

شواهد كثيرة تؤكد أن استهداف شيرين أبو عاقلة كان متعمدا، لما تتميز به من نشاط وجرأة جعلها تصبح مثالا نادرا للإعلامي الدءوب، صاحب الرسالة، الذي لا يغيب عن أداء الدور المنوط به ويوثق جميع الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني حتى لو كلفه الأمر حياته، لتصبح كاميرته وكلماته في حد ذاتها وثيقة إدانة دامغة لقاتليه.

شهرة شيرين أبو عاقلة والمهام الصحفية الخطيرة التي قامت بها، تجعلها وجها مألوفا بشدة للمهتمين بالشأن الفلسطييني في العالم أجمع، وبالتالي فإنه ما من شك أن معرفة عناصر قوات الاحتلال بها أيضا قوية جدا، حيث حضرت معهم على مدار عقود أينما كانوا لتوثق عدوانهم.

وحينما استشهدت الراحلة كانت ملتزمة بارتداء سترتها الإعلامية مثلما كانت تفعل دائما، برفقة زملاء لها يرتدون السترات نفسها، وتقف في ركن منزوٍ بعيدا عن الاشتباكات التي يزعمها الاحتلال عادة في كل عدوان يقوم به، خاصة أنه في لحظة الاغتيال لم تكن قد بدأت أي مقاومة أو إطلاق نار، وبالتالي فإنه لا مجال للخطأ والالتباس.

ومما يؤكد استهانة قوات الاحتلال بأرواح الطواقم الإعلامية العربية عبر استهدافهم قتلا وسجنا وإصابة حالما نجحوا في توثيق جرائمها التي تصر على إخفائها، قيامها باستهداف منزل الصحفي الشهيد يوسف أبو حسين بغارة جوية مطلع العام الجاري، إلا أنها مع ذلك نادرا ما قامت بإلحاق الأذي بزملائهم من الإعلاميين والمراسلين الغربيين.

لكن حتى في رحيلها، لم تكف شيرين أبوعاقلة عن توجيه الصفعات على وجه الاحتلال حينما كشفت زيف ادعاءاته بأنه لا يستخدم إلا الرصاص المطاطي وقنابل الدخان لفض التجمعات، بينما اخترقت رصاصاته الحية رأسها لترديها شهيدة في الحال، وهي التي لم تمسك بسلاح ولا حتى بحجر.

رحلت شيرين أبو عاقلة أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الأقصى” كما لقبتها كثير من وسائل الإعلام العربية والدولية، وتركت إرثا كبيرا من المواد الإعلامية المهمة التي يندر أن تتوافر لأي شبكة اعلامية أخرى.

سياسة إخراس الأصوات

مع توجه إسرائيل لاستكمال تهويد القدس والاستيلاء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة أو هدمها، رصدت مراكز حقوقية عن تزايد استهداف تل أبيب للطواقم الإعلامية حيث سجلت هذا العام فقط وقوع 150 اعتداءً على الصحفيين والطواقم الإعلامية من بينها إطلاق الرصاص الحي، أدت في إحداها إلى قتل صحفي، وإصابة 40 آخرين بعضهم اصابات أدت للعجز الدائم، و35 اعتداء جسديا بالضرب والسحل، فضلا عن 28 حالة احتجاز واعتقال لصحفيين فلسطينيين، وتدمير 23 مكتب صحفي جراء القصف، و20 حالة إبعاد ومنع من التغطية الصحفية، واستمرار منع طباعة صحيفتين في الضفة، وحالة إغلاق مطبعة، بحسب تقارير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

فيما رصدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، قيام إسرائيل بقتل 48 صحفيا فلسطينيا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 بينهم 22 صحفيا في العقد الأخير فقط، فضلا عن آلاف الانتهاكات الأخرى التي قد تفضي إلى الموت لاحقا.

قناة الجزيرة

هكذا تستمر قناة الجزيرة بطاقم مراسليها في مهمتها التي تتفرد بها تقريبا للكشف عن حقيقة ما يجري في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في ترويع واستهداف الإعلاميين دون حسيب أو رقيب.

ولعل استهداف مراسلي مكتب الجزيرة وإعلامية متميزة مثل شيرين أبو عاقلة وبعض المكاتب الإعلامية الداعمة للمقاومة الفلسطينية يعد في حد ذاته دليلا بيّنًا على أن إسرائيل تضمر مزيدا من التنكيل بالشعب الفلسطيني وتخطط لفرض تغيير تاريخي في القدس خلال الأيام القادمة، وأن في تخطيطه العمل على مرور الجرائم في صمت، ولكنها أبدا لن تمر.

وداعًا شيرين

وداعا شيرين أبو عاقلة.. الإعلامية التي آثرت ألا تتزوج من بشر، وذلك لأنها تزوجت مهنة البحث عن الحقيقة.

 "https://ajm.me/vujq56"56

...................................

سيد أمين يكتب: متى تدرك إسرائيل أن العالم كشف حقيقتها؟


 “مسيرة الأعلام” التي نفّذها المستوطنون المتطرفون، لا تعبّر إلا عن عجز إسرائيل عن تهويد القدس طيلة عقود من الاحتلال، وقطعا ستزيد من سمعتها سوءا، خاصة مع الجيش العرمرم الذي حشدته من أجل تأمين تلك المسيرة، خوفا من أصحاب الأرض الحقيقيين رماة الحجارة.

حكام إسرائيل لا يريدون مواجهة الحقيقة بأن العالم كشف حقيقتهم

فقد حلّت ذكرى قيام دولة إسرائيل هذه المرة مختلفة قليلا عما قبلها، فتل أبيب لم تكد تهنأ بعد بالهرولة العلنية لبعض العواصم العربية للارتماء في أحضانها، والدعم الباطن والظاهر لمشاريعها الاستيطانية، حتى واجهت ضجرا من تصرفاتها الحمقاء لدى حلفائها القدامى في أوربا وأمريكا والعديد من بقاع العالم على إثر إقدامها على اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ثم زادت الطين بلة حينما واجهت بعنف غير حضاري تشييع جنازتها.

صحيح أن هذا هو سلوك إسرائيل المعتاد منذ 74 عاما بعد قيامها على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، إلا أن الله العلي القدير يشاء أن يفك هذه المرة اللجام المربوط على لسان الحلفاء بعد طول صمت وتبرير، فتصدر التنديدات الشديدة من العواصم الأوربية بالجريمة وتطالب بالعقاب.

وليس رجما بالغيب أن العاصفة التي أثارها استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة ستهدأ مع مرور الزمن، وستفلت إسرائيل من العقاب، كما تعودنا في جميع القضايا العربية معها، بسبب التواطؤ في صورته الغربية أو حتى العربية، ولكن يقينا أن مزيدا من السخام قد نال الصورة البيضاء التي حاولت الدعاية الإسرائيلية صناعتها على مدار عقود.

تحوّل الرأي العام العالمي

وبات واضحا أن الشعوب الغربية صارت الضاغط الأساسي على حكوماتها من أجل كبح شطط إسرائيل وإجبارها على احترام حقوق الفلسطينيين، وهو ما أجبر تلك الحكومات المنحازة على أن تتصرف -ولو فوق الطاولة على الأقل- بتصرفات الحكومات المحايدة.

فانتشرت الجمعيات المناصرة للقضية الفلسطينية، وصار معتادا خروج مظاهراتها وإجراء فعالياتها في عواصم أوربا، لتطوي زمنا كان فيه مجرد حمل علم فلسطين هناك جريمة تستوجب غضب الشعب قبل الحكومة، ومن عجب أن ذلك يحدث بينما تمنع معظم الأنظمة العربية شعوبها من تنظيم مثل تلك المظاهرات.

بالتأكيد حدث ذلك بفضل أسباب عدة، منها تطور الإعلام العربي المهني، وكانت قناة الجزيرة ومكاتبها في الأراضي المحتلة جزءا مهما منه، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تنجح الرقابة المفروضة عليها في منع وصول الحقيقة إلى الناس بمختلف لغاتهم وأجناسهم وأديانهم.

ولأن دولة إسرائيل قامت في الأساس على مجموعة من الأساطير والأكاذيب، فإن وصول الحقائق إلى الخارج وما أحدثه من تحوّل في الرأي العام العالمي تم استيعاب خطورته مبكرا، فأنشأت عام 2015 وزارة خاصة تأخذ على عاتقها مهمة تحسين الصورة وإعادتها إلى سابق عهدها.

الضربة كانت قوية، فالضغط الإسرائيلي نجح فقط في دفع بعض الحكومات الغربية إلى التضييق على حركات التضامن مع فلسطين، إلا أن الصدمة التي تلقتها تلك الحكومات هو وقوف البرلمانات والمنظمات المدنية في الصف الأول دفاعا عن تلك الحركات.

كما حدث مع شبكة “صامدون” التي استقبلها نواب في البرلمان الأوربي، وحركة “فلسطين ستنتصر” التي حرضت عليها السفارات الإسرائيلية في فرنسا وألمانيا، ومع ذلك لم تستطع إصدار أحكام بحلها.

التحول داخل إسرائيل

يوميا يتوسع تطبيع الدول مع إسرائيل رسميا، ويزداد عدد الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات رسمية معها، وبعضها يعقد معها تحالفا ضد عدو غير معلوم، لكن في المقابل يزداد التحول الشعبي الغربي، ويزداد معه التحول داخل إسرائيل نفسها.

ففي إسرائيل تتوسع أيضا مساحة الرفض لممارسات الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وتتدرج  بين المطالبة بالتعايش المشترك إلى تفكيك دولة إسرائيل، وقد تسببت تلك الحركات في إحداث تحول في ضمير اليهود، تعكسها تقارير تنامي ظاهرة الهجرة من إسرائيل إلى خارجها في العقود الأخيرة.

وها هي دائرة الإحصاء الإسرائيلية تشير في تقرير لها صدر عام 2013 إلى ارتفاع هروب العقول والكفاءات العلمية بنسبة 26% عما كان عليه الأمر عام 2003، وبالتأكيد زادت تلك النسبة كثيرا بعد معركة سيف القدس عام 2021، وهى المعركة التي وضعت المدن الإسرائيلية كافة تحت رحمة صواريخ المقاومة في غزة.

وهناك دراسة إسرائيلية صدرت عام 2018، تؤكد أن عدد الذين تركوا إسرائيل بلغوا خلال العقود الأخيرة مليونا ونصف المليون نسمة، وهو رقم ضخم للغاية في دولة لا يتعدي عدد اليهود فيها ستة ملايين نسمة تقريبا.

ومن أمثلة تلك الحركات، “ناطوري كارتا” (اليهودية الحقة) وهى حركة قديمة ترفض وجود دولة إسرائيل أساسا باعتبار أن إنشاءها مخالف لتعاليم موسى عليه السلام، وتؤمن بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على كامل أراضيه من البحر إلى النهر، وينتشر أعضاؤها في مدينة القدس.

وكذلك حركة “JVP” أو “صوت يهودي للسلام” وهي حركة شاركت في أسطول الحرية لكسر حصار غزة عام 2011، وجمعية “زوخروت” الهادفة إلى تعميق الوعي لدى اليهود بالأزمة الفلسطينية.

وكذلك هناك الطائفة الحريدية المعبّرة عن اليهود المعارضين للنزعة الصهيونية، وأيضا “ترابط” وهي حركة ترفض النزعة الاستعمارية لإسرائيل، و”فوضويون” وهى حركة أُسِّست للتعبير عن رفض الجدار العازل الإسرائيلي.

ولعل واحدة من تلك المنظمات، وهي “بتسيلم” (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) حينما سارعت في تقرير ميداني لها بتفنيد وتوثيق زيف ادعاءات الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي، وادعى فيه أنه لإطلاق نار من فلسطيني على شيرين أبو عاقلة.

………..

ذكرى النكبة تأتي هذه المرة والفضيحة تحيط بإسرائيل من كل جانب

...................................

سيد أمين يكتب: هكذا نرد على ازدراء حكومة الهند للإسلام

 تتزايد حدة الإساءات التي تلحق بالمسلمين والمقدسات الإسلامية في الهند يوما بعد يوم، والمثير أن تلك الإساءات تأتي من الحزب الحاكم للدولة وليس من قبل فئات أو أحزاب تفتقد دبلوماسية العمل السياسي المتزن المتفق عليها وتظهر احترام الأقليات ولو على خلاف ما تبطن، خاصة لو كانت أقليات ضخمة تمثل 15% من عدد السكان كالأقلية المسلمة البالغة 195 مليون نسمة، وفقًا لتعداد 2020.

كانت آخر تلك الإساءات تلك التي أطلقها مطلع الشهر الجاري المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم هناك، واعتُبرت إساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتسببت في غضب واسع داخل الهند وخارجها، ناهيك عن إساءات شبه يومية من قبل متطرفين هندوس ضد المسلمين، تنتصر فيها السلطة غالبا للجانب الهندوسي، وتعاقب الأقلية المسلمة.

ومن ذلك على سبيل المثال قيام حكومة ناريندرا دامودارداس مودي العام قبل الماضي بتهجير مسلمي ولاية آسام بشمال شرقي البلاد، والاعتداء عليهم والتنكيل بهم وإزالة مساكنهم بحجة أنها مقامة على أرض مملوكة للدولة، وهدم المساجد وبناء معابد هندوسية على أنقاضها، ومنع الحجاب في كثير من الجامعات. هذا فضلا عن ضمّ أراضي إقليمي جامو وكشمير المحتلة إلى الهند رسميا، وضرب عرض الحائط بالمناشدات الأممية بالانسحاب منها أو منحها الاستقلال.

وكذلك انتشار لقطات مروعة لاعتداء الشرطة على أحد المسلمين وإصابته بالرصاص وظهور جنود وهم يدوسون بقسوة بالغة جسد الرجل الجريح، وهي أمثلة من أحداث تتكرر بشكل متقارب تاركة خلفها انطباعا سلبيا في عموم العالم الإسلامي.

المقاومة الاقتصادية

إن صدقت النيات فإنه يمكننا في الدول العربية الضغط على الحزب اليمني المتطرف الحاكم هناك من أجل تعديل سلوكه ومنع عناصره من توجيه الإهانات إلى الاسلام، وذلك عبر عدة وسائل أهمها الضغط الاقتصادي الذي يشمل مثلا: مقاطعة المنتجات الهندية أو حتى التلويح بذلك لا سيما من قبل دول الخليج العربي التي تعد الأكثر استخداما للمنتجات الهندية.

ويعد الشاي والقطن واللحوم من أكثر المواد التي تقوم الدول العربية باستيرادها من نيودلهي، في حين  تستورد الهند ثلث احتياجاتها من الطاقة من دول الخليج.

مع توقف ذات الدول عن استقدام العمالة الهندية واستبدالها بالعمالة العربية أو البنغالية والباكستانية.

وتمثل عوائد العاملين في الخارج رافدا كبيرا من روافد الاقتصاد الهندي، حيث احتلت صدارة قائمة الدول المستقبلة للتحويلات من الخارج في 2018 بقيمة 78.6 مليار دولار طبقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، وهناك إحصاءات أخرى تقول إن 55% من تلك العائدات تأتي إليها من دول الخليج العربي وحدها.

كما يعيش نحو 8.5 ملايين هندي في دول الخليج العربي خاصة دولة الإمارات العربية، ونظرا لزيادة أعدادهم يحلو لبعض الهنود القول بأن دبي هي خامسة أكبر المدن الهندية.

وفضلا عن ذلك ينبغي مقاطعة الدراما الهندية وتوقف الفضائيات العربية عن عرضها لهذه الأعمال خاصة أن العديد منها يظهر المسلمين متطرفين ومتعصبين وخونة وعملاء للخارج، بينما يظهر أتباع الديانات الأخرى ولا سيما الهندوسية أصحاب قيم ومثل.

ولعل من أسباب انتشار هذه الدراما في بعض الفضائيات العربية رخص أسعارها، مما يسمح لأصحاب القنوات الخاصة بتحقيق أرباح طائلة من وراء عرضها، وهنا يجب إيجاد حل يجعل تلك القنوات تحافظ على أرباحها مع التوقف عن عرض الدراما الهندية نصرة للإسلام والمسلمين.

ومما يجب ذكره أيضا أن هناك من يتوسع في استخدام الدراما الهندية فقط من أجل التشويش على الدراما التركية التي تعد المنافس الأقوى في الفضائيات العربية.

وتمثل صناعة الدراما في الهند أحد روافد الدخل القومي الهندي المهمة حيث تدر مليارات الدولارات سنويا مما جعلها تتصدر هذا المجال عالميا في 2013 طبقا لتقارير نشرتها مجلة التايمز.

المقاومة السياسية

ظلت الهند فترة طويلة من تاريخها تحت الحكم الإسلامي، وكان الحكام المسلمون هناك يحترمون فيها تعدد الأديان، ولم تتنام فيها الكراهية بين الطوائف أبدا، لكن حينما سقطت تحت الحكم البريطاني بدأت تهب فيها رياح التعصب الديني والقومي والثقافي بين كافة الديانات والطوائف الكثيرة المنتشرة في هذا البلد، طبقا لسياسة فرق تسد التي اتبعتها بريطانيا في كل مستعمراتها.

وهو ما أدى في النهاية إلى انشطار الهند الموحدة إلى عدة دول هي باكستان وبنغلاديش وجامو وكشمير.

ومع ذلك كانت الهند قريبة لدرجة كبيرة من العالم الإسلامي ومناصرة للعديد من قضاياه، وانطلقت منها مجموعة عدم الانحياز التي تأسست إبان الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية المسماة حلف وارسو، والكتلة الغربية المعروفة بالحلف الأطلسي، وبالطبع كانت الكثير من بلدان العالم الإسلامي تنضوي في هذه المجموعة.

وتتمثل المقاومة السياسية في التضامن أو التلويح بالتضامن مع عدوتَي الهند التقليديتين وهما الصين وباكستان، خاصة أن باكستان تلتقي مع أمتنا العربية في العديد من الروابط الدينية والثقافية والتاريخية، وتحتاج إلى الدعم الاقتصادي بكافة أشكاله حيث إنها تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة تهدد استقرارها.

كما يجب على الدول العربية استغلال علاقاتها المتميزة بواشنطن من أجل تحفيزها على ممارسة الضغط على نيودلهي لتحسين حقوق الأقليات المسلمة.

……

وأخيرا.. إذا لم نهرع نحن المسلمين للدفاع عن الرسول الكريم، فمتى ولمن نهرع؟

رابط تخطي الحجب: "https://ajm.me/xnysy9"9

...................................

سيد أمين يكتب: مأساة العربية في موطنها

هناك العديد من الأخطار التي تواجه اللغة العربية في داخل أقطارها، وتشكل تهديدا جوهريا لها، ورغم ذلك لا وجود لأي ردّ جادّ ومناسب من قبل الجهات المختصة بحماية الثقافة والتراث والهوية تجاهها، خاصة أن اللغة تشكل في الواقع هوية البلاد، وبالانتساب إليها أطلق علينا “البلاد العربية”.

وما يزيد الطين بلة، أن الإعلام بكافة أنواعه الرسمي والخاص، يتصدر قائمة أكثر الوسائل مساهمة في تسارع وتيرة هذا الانهيار، مع ملاحظة أن هذا الإعلام في البلدان العربية -بكل أنواعه أيضا- يخضع لرقابة الدولة الصارمة، ولا يمكن أن يمرّ أي توجه فيه دون رغبة السلطة.

ومن جانب آخر، أضفت مسألة العولمة، والتفوق التكنولوجي الغربي، وتدفق الإعلام من شمال العالم إلى جنوبه حيث تقبع أمتنا العربية، والإعلام الإلكتروني، ولغته، وأدواته، وطبيعة مستخدميه، تعقيدا كبيرا للأزمة، مسّ بضرّ جميع لغات العالم تقريبا، وفي مقدمتها العربية.

ومصدر فداحة الضرر الواقع على اللغة العربية هنا يعود إلى ما تمتلكه من رصانة وبلاغة لا تتناسب مع تعجل ومحدودية ثقافة ووعي الكثير من مستخدمي تلك التقنيات والتطبيقات.

وفي المقابل جاء الأمر ذاته بفائدة كبيرة للغات المسيطرة على الإنترنت في العالم كالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية.

 اللهجات العامية

وتأتي مشكلة اللهجات “العامية” أو “الدارجة”، لتضرب اللغة العربية في مقتل، نظرا لأن الطعنة هنا تأتيها من الناطقين بها، وممن يفترض فيهم حمايتها.

فالعامية لم تكتف بابتذال الكلمات والمصطلحات وتسطيحها، بل إنها اختلقت كلمات ومصطلحات ومعاني لتشكل قواميس خاصة بها، وجرى الترويج لها تحت شعارات خادعة، كالشبابية، والعصرية، وخفة الدم.. إلخ.

هذا الابتذال أضر خارجيا باللغة العربية حيث كان سببا في وقف بعض الجامعات العالمية إيفاد طلابها لدراسة العربية في بيئتها الأصلية، لأنهم كانوا يعودون ولم يتعلموا العربية، ولكنهم تعلموا لهجات البلاد التي أوفدوا إليها.

والأنكى من ذلك أنه تم “تغريب” ونبذ من يتحدث العربية الفصحى في الشارع ووسائل الإعلام، والسخرية منه، باعتباره يعاني من إعاقة ذهنية، مع أنهم هم -وليس هو- الأحق بتلك السخرية.

وهناك من دلل على أن انتشار اللهجات العامية في البلدان العربية تم بقصد استعماري، حيث ذكرت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد في كتابها “تاريخ الدعوة إلى العامية في مصر”، أن هذه الدعوة بدأت في منتصف القرن التاسع عشر على يد كتاب ومستشرقين أجانب، ونجح الأمر بعد دعوات “التمصير” التي حدثت بعد ذلك، فخرجت “العامية المصرية”.

وغني عن البيان أن الاستعمار البريطاني حينما عجز عن فرض لغته في البلاد بسبب تفشي الفقر والأمية، عمل على فصل مصر من محيطها العربي تحت دعاوى “تمصير” لغتها العربية.

ولكن من بوارق الأمل، أن العامية العربية واجهت أيضا معضلات في طريقها لتحل محل العربية الفصيحة، أهمها أن كل قطر أو إقليم عربي صارت له لهجته الخاصة، مما تعذر معه انتشار لهجة عامية موحدة، ورجح انتشار اللهجات العربية المسيطرة بسبب السينما والإعلام ووسائل التواصل، كالمصرية والسورية، فقلل ذلك من حدة تشظي اللهجات.

كما زكى شعور الانتماء العربي حالة التفاعل بين اللهجات المحلية والتقريب بينها، خاصة أن العربي من الخليج إلى المحيط مهتم بطبيعته بما يحدث في باقي الأقطار العربية، وبالتالي فهو مضطر لفهم لهجاتها والتواصل مع سكانها، وهو ما ساعد على تقريب الألسنة.

كما أن الكثير من اللهجات الدارجة في مناطق البادية لا تزال تستخدم الألفاظ والمصطلحات التي امتازت بها العربية الرصينة.

اللغات الأجنبية

ومن الأخطار التي تحيق بلغتنا القومية، ذلك السيل الجارف من المدارس الأجنبية التي تفشى إنشاؤها في جميع البلدان العربية، يرافقه طوفان من مدارس اللغات الخاصة والحكومية، بما لا يتناسب في الكم والكيف مع المدارس المعنية بتدريس العربية.

وخذ مثلا مصر؛ فقد كشفت دراسة بجامعة جنوب الوادي تحت عنوان “نشأة وتطور مدارس اللغات التجريبية الرسمية في مصر وبداية انتشارها” للباحث صبري الأنصاري إبراهيم وآخرين أن “مصر انفردت عن باقي الدول العربية والإسلامية في نهاية السبعينيات بإنشاء مدارس لغات رسمية، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 94 لسنة 1985لتنظيمها”.

وغني عن البيان أنه جرى في ذات التوقيت، توقيع اتفاقية كامب ديفد التي أحدثت تطبيقات شروطها السرية التي تتكشف بين الحين والآخر تغييرات سلبية كبيرة في المجتمع المصري، ومن غير المستبعد أن يكون تغيير طبيعة التعليم بينها.

ولقد كانت هناك اعتراضات كبيرة من قبل التربويين والمهتمين بالتعليم على تلك المدارس لما تؤدي إليه من تشتيت الهوية الوطنية والإضرار باللغة العربية، لكن الأمر استقر لهذه المدارس وبدأت تتوسع حتى وصل عددها طبقا لإحصائية حديثة لوزارة التربية والتعليم المصرية إلى 2397 مدرسة.

هذا في حين تتردد معلومات بين التربويين -لا نستطيع التحقق منها- بأنه منذ عام 1990 لم يتم بناء مدارس حكومية عربية جديدة.

يقابل ذلك تقزيم لدور المدارس الأزهرية، سواء في الكليات التي يمكن الالتحاق بها، أو في توظيف خريجيها، مع كثافة المناهج، وعجز هائل في المعلمين، وزيادة نسب التسرب التعليمي، كل ذلك غيبها من أولويات الطلاب وأولياء الأمور، وأخرجها من المنافسة.

كما يظهر الإعلام شريكا في الجريمة مرة أخرى، حيث تظهر الأعمال الدرامية والفنية أن من لا يدخل في حديثه الكلمات الأجنبية هو الأقل تعليما ووعيا وثقافة مقارنة بغيره.

……

لذلك يجب على الحكومات العربية أن توقن بأنه لا يمكن أن يستقر انتماء في نفوس طلاب لا يتعلمون لغتهم، ولا يدرسون ثقافتهم، وأن من يزرع الشوك يجني الجراح.

لقراءة المقال كاملا |https://ajm.me/w8753t

...................................

سيد أمين يكتب: العدالة الغربية كما نتوقعها.. شيرين أبو عاقلة نموذجا

ليس من المستغرب أبدا أن ينتهي فريق التحقيق الأمريكي إلى النتائج التي توصل إليها في واقعة اغتيال الجيش الإسرائيلي لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في شهر مايو/ أيار الماضي، وإعلانه عن وجود أضرار بالغة في المقذوف الناري الذي اغتيلت به الصحفية البارزة حالت دون التوصل إلى نتيجة واضحة بشأنه، وهو الإعلان الذي يعني ما يشبه قيد الجريمة ضد مجهول.

حاول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس شراء الخواطر العربية بالإشارة إلى احتمال تورط الجيش الإسرائيلي في الجريمة، لكن دون أن يدينه حينما قال إن “المنسق الأمني لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن هذا كان مقصودًا، بل نتيجة ظروف مأساوية خلال عملية عسكرية بقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد فصائل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 11 مايو/ أيار 2022 في جنين، أعقبت سلسلة من العمليات الإرهابية في إسرائيل”.

ولم يقل برايس ما هو السبب وراء قيام الفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وهو أنهم يطالبون بجلائها عما تبقى من أراضيهم التي تحتلها منذ 1967، مع فك الحصار الخانق المفروض عليهم برا وجوا وبحرا.

طرف في الجريمة

عموما عدم الاندهاش من تلك النتائج يعود في الأساس إلى عدم حياد من أوكل إليه التحقيق، حيث وجدنا أن من يرعى القاتل هو نفسه من يقوم بدور القاضي، فضلا عن أن كل تاريخ هذا القاضي معنا وفي كل الوقائع الأخرى المماثلة كان دائما انحيازا فاضحا للآخر.

وقد جاءت الطامة حينما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف أنه تم إخضاع الرصاصة لاختبار باليستي في مختبر الطب الشرعي الإسرائيلي من قبل هيئات مهنية إسرائيلية حضرها ممثلون محترفون من USSC، من أجل تحديد السلاح الذي أطلقت منه.

وبثير هذا التصريح الكثير من السخرية؛ فرغم أن إسرائيل هي المتهمة الوحيدة في الجريمة فإن اللجنة الأمريكية سلمتها الرصاصة التي اغتيلت بها شيرين أبو عاقلة لتجري تحقيقات حولها.

ولأنهم أعطوا القط مفتاح الكرار، خرج المتحدث ليقول إنه في ضوء حالة الرصاصة ونوعية العلامات الموجودة عليها فقد تبين أنه لا يمكن تحديد ما إذا كانت قد أطلقت من السلاح الذي تم اختباره أم لا!!

ويبقى السؤال الأخطر وهو أنه طالما أن المقذوف وقع تحت يد جيش إسرائيل فما المانع من تبديله أو تزييفه أو الإمعان في طمس معالمه، تحرّزًا من وصوله إلى جهات تحقيق دولية؟ ولماذا كانت أمريكا تضغط على السلطة لتسلّمه منها؟ ولماذا استجابت السلطة؟ وهل هناك شيء تحت الطاولة؟

جهات مختصة

وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي أن هناك جهة اختصاص تمتلك الشرعية الكاملة لإجراء التحقيقات في مثل هذه القضايا وهي النيابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية التي وقعت الجريمة في الأراضي الخاضعة لها، وبما أن حكومات العالم بما فيه أمريكا تعتد نتائج التحقيقات النيابية في أي بلد في العالم، فإنه ينبغي لها أيضا الاعتداد بنتائج التحقيقات التي تقرها النيابة الفلسطينية.

وها هي النيابة العامة الفلسطينية ترد على التقرير الأمريكي بقولها إن “أحد عناصر القوات الإسرائيلية أطلق عيارا ناريا أصاب شيرين، بشكل مباشر في الرأس، أثناء محاولتها الهرب، مما أدى إلى تهتك الدماغ، والتقارير الفنية الموجودة لدينا تؤكد أن الحالة التي عليها المقذوف الناري قابلة للمطابقة مع السلاح المستخدم”.

وجاء في تقريرها الفني أن الطلقة من عيار 5.56 ملم، وله علامة وخصائص تطابق سلاح قنص نصف ناري يستخدمه الجيش الإسرائيلي من ماركة “مني فورتي روجر”، وأنها تحتوي على “جزء حديدي خارق للدروع”، وقد اخترقت ذراع خوذة القتيلة، واصطدمت بالجمجمة، وأن إطلاق النار جاء من نقطة ثابتة بشكل مباشر من الناحية الجنوبية، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية، ولم تكن هناك أي مواجهات مسلحة في مكان الحدث.

وأضافت أنها هي السلطة المختصة بإجراء التحقيق، وأن أي تحقيقات تجريها أي جهات أخرى ليست ملزمة لها قانونًا، وستلجأ للجنائية الدولية.

هذه هي نتائج التحقيقات الفلسطينية، ويجب على الجهات الأمريكية والغربية التعامل معها بالجدية الواجبة، حتى لا ترسب العدالة الغربية مجددا في الامتحانات الفلسطينية المتكررة، وتهدر قيمها الديمقراطية التي تتباهى بها على حسابات السياسة الدولية والمصالح الخاصة.

...

على العموم فالنتيجة التي قررت أمريكا أن تنهي بها المشهد كانت متوقعة منذ البداية، وكل فلسطيني يعلم تماما أن حق أي شهيد فلسطيني لن تعيده محاكم دولية.

...................................

سيد أمين يكتب: بذريعة الاقتباس والتمصير.. شاعت السرقات الفنية في مصر

جددت فضيحة اتهام الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف المصممة المصرية غادة والي بـ”سرقة” أربع لوحات من أعماله، واستخدامها في جداريات محطة مترو “كلية البنات” بشرق القاهرة، الحديث عن ظاهرة السرقات الفنية والفكرية وتفشيها في مصر.

خاصة حينما تكون تلك السرقات الفنية مقرونة بوقائع فساد واستنزاف لأموال الدولة، وهو ما توافر أيضا في تلك الواقعة التي تردد أن “ستوديو والي” -وهي الوكالة التي تديرها المصممة المصرية- تقاضى عشرات الملايين من الجنيهات مقابل تزيين المحطة بتلك الجداريات، بينما لم تتغرم الوكالة في تنفيذها أكثر من أربعة آلاف جنيه في أعلى تقدير، وهي ثمن طباعة “الاستيكرات” الخاصة بتلك الرسوم والعمالة والمواد اللازمة لتركيبها في المحطة.

وبعد قليل من تلك الفضيحة، نشر مراقبون عاملون في المجال ذاته على صفحاتهم في فيسبوك ما قالوا إنها وقائع سرقات أخرى قامت بها غادة والي لأعمال فنية تخص تصميمات دعاية سياحية لمدينة الأقصر نفذتها سبع فتيات، وهو الاتهام الذي لم يتسنّ بعد تأكيده.

وبعيدا عما يتواتر في تفاصيل واقعة محطة المترو من اعتذارات الهيئة القومية للأنفاق والشركة الفرنسية المسؤولة عن تشغيل الخط الأخضر الثالث، للفنان التشكيلي الروسي وللجمهور عن الواقعة، إلا أن الحقيقة تقول إننا في مصر نتعايش منذ عقود مع كثير من الأعمال المسروقة، ولكن رافق اللصوص شيء من التوفيق فمرت المسروقات بسلام.

فما كاد المجتمع المصري يفيق من تداعيات تلك الفضيحة حتى وجدنا فنانة روسية أخرى تدعى فيرا زولوتاريفا، تتهم مصممي أزياء مسلسل “أحلام سعيدة” بسرقة تصميماتها لترتديها الممثلة يسرا، بينما ردت ياسمين القاضي -مصممة أزياء يسرا- بأنها قامت بشراء تلك التصميمات من أحد المحال ولا شأن لها بالواقعة.

ولعل السبب في الضجة الكبيرة التي أثيرت حول مثل هذه الوقائع، وهي في الواقع تستحقها، هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وإفلات تلك الوسائل من الرقابة الحكومية ولو جزئيا، وتقريبها بين أقطار العالم، مما جعل أخبار تلك السرقات سريعة الوضوح والشيوع والفضح، ولا يمكن أبدا تخبئتها بغربال.

طرب مسروق

ولو تتبعنا أمر السرقات الفنية في مصر لوجدنا أن هناك عشرات الأعمال الفنية إما مسروقة كليا أو جزئيا أو تم اقتباس الفكرة، والغريب أن المؤلفين كانوا لا يرون في ذلك حرجا حال تم اكتشاف تلك السرقات، فيعللون ذلك بأنهم قاموا بتمصير الأفكار.

ومن نماذج السرقات أو الاقتباسات أو الممصّرات -سمّها كما شئت- لحن أغنية “معانا ريال” لأنور وجدي وفيروز عام 1950 المسروق من لحن أوكراني، وألحان أغنيات “تملّي معاك” لعمرو دياب، و”طمّني عليك” لمحمد فؤاد، و”جتلك” لمصطفى قمر، و”كل الأوقات” لسميرة سعيد، وغيرها، وأحيانا تترافق سرقة اللحن مع سرقة التوزيع الموسيقي أيضا.

لكن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب امتلك الجرأة ليعترف في حوار صحفي بأنه كان يمارس هذا النوع من الممارسات في بداية مشواره الفني، واقتبس لحن “يا ورد مين يشتريك” من بيتهوفن، و “أحب عيشة الحرية” من فلكلور روسي، وقال “كان لا بد أن أقول ممن اقتبستهم، وهذه كانت حركة بايخة مني”.

وتشيع في شارع الفن والغناء في مصر قيام غواة شهرة زائفة، وأحيانا شعراء وأدباء ومطربون، بشراء الأشعار وكلمات الأغاني بقليل من الجنيهات من الشعراء والمؤلفين المبتدئين ونسبتها إلى أنفسهم.

صُنع في مصر

ولا تخلو الدراما الرمضانية كل عام من حدث الاتهامات المتبادلة بالسرقة، سواء للحن أو أغنية أو تصميم وأحيانا للقصة كلها، كما حدث عام 2019 من قيام روائية سعودية تدعى نور عبد المجيد برفع قضية تتهم فيها المؤلف محمد عبد المعطي باقتباس أحداث روايتها “باسكالا” في مسلسل “حكايتي”، وما حدث أيضا مع مسلسل “الهيبةـ الحصاد” الذي يثير البعض اتهامات بأنه مقتبس من مسلسل أمريكي يدعى “الأقنعة الهزيلة”.

ومن أمثلة الأعمال التي أثيرت حولها اتهامات بكونها مسروقة أو مقتبسة كليا من أعمال أجنبية، أفلام قام ببطولتها الفنان عادل إمام، مثل (واحدة بواحدة) المأخوذ من فيلم “lover come back” الأمريكي، و(حنفي الأبهة) من فيلم “hours 48″، و(خمسة باب) من فيلم “Irma le douce”، و(شمس الزناتي) وأعمال أخرى له.

وهناك أيضا أفلام (حلاوة روح) (أمير الظلام) (بطل من ورق) (التوربيني) (الإمبراطور) (الحرب العالمية الثالثة) (عريس من جهة أمنية) (الحاسة السابعة) (طير إنت) (جوازة ميري) (الفيل الأزرق) (جيم أوفر)، وغيرها.

ومن المثير للسخرية أن من بين تلك الأعمال فيلمًا يحمل اسم (صُنع في مصر) رغم أنه مسروق من الفيلم الأمريكي “Ted”.

السرقات الشعرية

السرقات الفنية لم تترك الشعر ينجو لحال سبيله، فالسرقات كما طالت شعراء محدثين طالت في الأكثر شعراء قدامى جدا، مثل الشاعر الكبير ابن عروس، الذي ولِد في القرن السابع عشر في قوص بمحافظة قنا، ويعد كثير من المراقبين قصائده بأنها كانت من أكثر الأعمال التي جرى السطو عليها أو محاكاتها من كبار الشعراء وصغارهم.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما تتمتع به مربعاته الشعرية من موسيقى رنانة وحكمة بليغة مختصرة، والأهم من هذا وذاك أن مخطوطاته الشعرية لم تكن متاحة للعامة ولم تحظ بكثير من الشهرة، مما جعلها مطمعا لكل سارق أو مقتبس.

ولو بحث أحدنا قليلا على شبكة الانترنت لوجد قصصا كثيرة عن وقائع لسرقات تشمل كتبا وأبحاثا ورسائل ماجستير ودكتوراه، بل ومقالات رأي.

……

السرقات الفنية والأدبية في مصر شائعة، ولا يتكشف منها إلا النزر، إذ يراهن السارق على ضعف الذاكرة، ويأمن تماما العقاب.

...................................

سيد امين يكتب: لماذا نهدر تميزنا وننافس على الذيل؟

لا ندري ما السر وراء هذا السعار الذي يجتاح الحكومات العربية للتنكر لهويتها عبر طمس اللغة العربية والنزول بسن تعلّم اللغات الأجنبية إلى رياض الأطفال، وهو القرار الذي اتخذه وزير التعليم المصري السابق الدكتور طارق شوقي، وهو السن الذي يحتاج فيه الطفل إلي تعلّم الحروف الأولى من لغته القومية وإتقانها، وليس التشويش والإثقال عليه بتعلم لغات الآخرين.

يأتي هذا القرار ضمن جملة إجراءات سابقة اتخذها هذا الوزير، بجعل اللغة الإنجليزية هى اللغة التي سيجري بها تعلم كافة المواد العلمية والإنسانية في جميع مراحل التعليم الابتدائي الرسمي.

ولا نعرف ما الداعي للسعي وراء التخلص من موروثاتنا الثقافية والحضارية التي نتميز بها، وتجعلنا محطا لأنظار العالم الباحث عن التفرد والاقتداء، الذي نملك كل أدواته عبر الاعتناء بلغتنا العربية التي شرّفها الله بالقرآن الكريم لتكون لغته الوحيدة، ومع ذلك نلقي بذلك أرضا ونهرول لننضم إلى حشد لا يمكننا أبدا أن نكون إلا في نهاية ذيله.

علما بوجود عشرات من الدراسات قد نتطرق إليها في مرات أخرى أجراها علماء مصريون وعرب وأجانب تؤكد جميعها أن أداء الأطفال الذين يتعلمون لغة واحدة كان أفضل من أداء ونتائج الأطفال الذين يتعلمون لغتين حيث يعانون من مخاطر دينية وثقافية ولغوية وعاطفية.

وهي النتائج التي يراها المصريون الآن عمليا في الواقع جراء هذا الاضطراب التعليمي حيث إن عوائد التحصيل العلمي منخفضة للغاية، وكانت نتائجها عدم تعلم الأطفال لا العربية ولا الإنجليزية.

مبررات واهية

التعليل لأهمية تعلم اللغات الأوربية لا سيما الإنجليزية أو الفرنسية بكونها لغات العلوم أمر قد يحظى بوجاهة ما في بادئ الأمر، لكن وجاهته تزول سريعا لتحل محلها علامات استفهام كبيرة إن لم نجد لها إجابات مقنعة على جملة من التساؤلات أهمها:

لماذا نعلّم أطفالنا في المراحل التعليمية المتقدمة في رياض الأطفال والابتدائية والإعدادية لغات غير لغتنا القومية المنصوص عليها دستوريا بناء على موروثاتنا الحضارية والثقافية، بينما كان يمكننا أن نعلمهم تلك اللغات في مراحل تعليمية متأخرة بما يتناسب مع حاجتهم الفعلية لتلك العلوم وسوق العمل؟

فنحن مثلا لم نجد مؤسسات علمية غربية صغرى أو كبرى تطلب اطفالا عربا للالتحاق بها للتعلم أو العمل، لكي نسعى لتقديم ما تحتاجه أسواقها منهم، بل إن عمالة الأطفال تحت أي مسمى أمر مخالف للقوانين الصارمة لعمالة الأطفال في المجتمعات الغربية، وهي الصرامة التي نحن بحاجة إليها أكثر من حاجتنا لتعلم لغتهم.

ولماذا نعلمها لجميع الطلاب إجباريا ونحرمهم من حقهم في الاختيار بين تعلمها من عدمه، ونكلف أسرهم المنهكة اقتصاديا أعباء مادية ثقيلة تزيدهم فقرا على فقر، وتزيد أعباءهم مرة أخرى حينما تنفق الدولة مئات المليارات من الدولارات عليها فتلجأ لتعويضها من جيوب ذويهم في صورة ضرائب ورسوم وغيرها.

بينما عدد من يمكنهم استثمار ما تعلموه من تلك اللغات لا يكاد يُذكَر، مقارنة بالأعداد الكبيرة للطلاب الذين أُنفِقت عليها تلك الأموال الطائلة، التي لو مُنحت لهم بعد التخرج أو استُثمرت اقتصاديا لكانت سببا في رقي البلاد ورفاهية مواطنيها.

وهل هناك جدوى أو قيمة واحدة من أن يتعلم أطفالنا التاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية والفكرية باللغة الإنجليزية؟

في حين أن تعليمهم هذا باللغة العربية أسهل وأوقع وذو مردود استيعابي أوسع، ووطني أعمق بما يعزز قيم الانتماء الوطني والثقافي لدى هؤلاء النشء، فضلا عن أنه لا يمكن أن تجد أمة واحدة في العالم كله تدرس تاريخها وآدابها لطلابها بغير لغتها الأصلية.

السعي وراء تحقق الفائدة العلمية

ويبقى السؤال الأهم، وهو: هل كل الشعوب التي أهدرت لغتها القومية وتعلمت الإنجليزية أو الفرنسية وصارت تتحدث بها في الحياة اليومية صارت شعوبا متقدمة؟

الإجابة تأتينا من قارات العالم الست، لا سيما أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، فأخبار الجريمة والفساد والمجاعات والجهل والتخلف فيها تتصدر نشرات الأخبار في فضائيات العالم مثلها مثل باقي دول العالم وربما أكثر وقعا، فما الجديد الذي نسعى لتحصيله من وراء تعلم طلابنا تلك اللغات على المشاع؟

الاستثمار في اللغة العربية

بدلا من الجري وراء قطار التبعية الثقافية، يمكن لدولة مثل مصر أن تستثمر حضاريا واقتصاديا في الإنفاق على تعلم اللغة العربية وتتلقى مردودا هائلا منها، فمصر واحدة من أكبر بلدان العالم التي يتحدث سكانها اللغة العربية، وتمتلك أعظم معاقل تعلمها التاريخية وهو الأزهر الشريف.

بينما هناك ما يقرب من 57 دولة حول العالم ديانتها الرسمية هى الإسلام، فضلا عن ضعف هذا الرقم في دول أخرى يمثل فيها المسلمون أقليات بنسب متفاوتة، وبالتالي فهي بحاجة إلى المتكلمين باللغة العربية الفصحى لتعليم أبنائهم لغة دينهم، وهي بحاجة أيضا لمن يملكون خبرات في كافة المجالات الأخرى ممن يجيدون العربية، في مثل هذا يمكن لنا الاستثمارالاقتصادي، ونجاحنا في ذلك مضمون.

كما يمكننا أيضا العودة إلى عصر كان فيه الأزهر منارة الحضارة ومحجا لراغبي العلم من أصقاع العالم كافة، وتعظيم هذا الشأن واستغلال ذلك في عودة مصر لتحتل مكانتها القديمة بين أمم العالم بعلمها وثقافتها وليس بعلم وثقافة الآخرين.

…….

نأمل من وزير التعليم الجديد في مصر تدارك الأخطاء، وأن يعلم الأطفال العربية، وعندما يجيدونها يعلمهم لغة غيرها، فمن خرج من داره قلّ مقداره.

المصدر : الجزيرة مباشر

...................................

سيد أمين يكتب: إفريقيا تخلع عباءة فرنسا

عام بعد عام، ينسلخ غرب إفريقيا أكثر فأكثر من العباءة الاستعمارية الفرنسية التي ارتداها قسرا حينا من الزمن، وارتداها عبر وكلاء فرنسا الإفريقيين قسرا أيضا حينا آخر.. تفقد باريس أجزاء من إرثها الإمبراطوري ومصادر قوتها الاقتصادية والسياسية بوتيرة متسارعة وذلك بفقدها مساحات ضخمة من الأراضي التي كانت تعتبرها الحديقة الخلفية لنفوذها الجيوسياسي في القارة السمراء.

أتت الضربة الأخيرة لهذا النفوذ من دولة مالي وتسببت في إجلاء باريس آخر جندي من جنودها الذين أرسلتهم إلى هناك بزعم مكافحة الإرهاب عام 2013 من الأراضي المالية. وما إن تمت تلك العملية حتى قامت حكومة باماكو باتهام القوات المنسحبة في شكوى رسمية قدمتها إلى مجلس الأمن بالتجسس عليها ودعم “الجهاديين” في أراضيها.

ذلك الانسحاب وما أعقبه من اتهام سبب لفرنسا إحراجا كبيرا، خاصة أن قواتها التي انسحبت إلى النيجر، ما إن وصلت إلى هناك حتى خرجت في نيامي مظاهرات شعبية تطالب بجلائها من البلاد أيضا، ولما منعت الحكومة تلك المظاهرات أطلق المتظاهرون حملة توقيعات شعبية لتنفيذ مطالبهم.

وفي العام الماضي تفجرت مظاهرات في دولة بوركينا فاسو تطالب برحيل القوات الفرنسية القادمة إليها من ساحل العاج، مما أجبر تلك القوات على الإسراع في الانضمام إلى قوات فرنسا في مالي.

يأتي هذا الرفض المتنامي للوجود الفرنسي على الأراضي الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى لينسجم مع نفس الرفض للنفوذ الثقافي الفرنسي في بلدان شمال تلك الصحراء كتونس والمغرب، وقيام الجزائر بجعل الإنجليزية لغتها الثانية في البلاد بدلا من الفرنسية.

هذا فضلا عن أن انسحاب القوات الفرنسية الذي تم بناء على تفجر مظاهرات شعبية في مدن شمال مالي تطالب برحيلها وتمهلها ثلاثة أيام للتنفيذ، كان في حد ذاته إهانة لباريس التي تزعم أن وجود قواتها في بلدان إفريقيا جاء تلبية لرغبة الشعوب الإفريقية.

قصة الرحيل

كان للصراع الشديد بين الرئيس المالي بوبكر كيتا المدعوم من قبل فرنسا الذي صعد إلى الحكم عام 2013 في انتخابات وصفتها المعارضة والمنظمات الدولية بأنها مزورة؛ وبين حركة 5 يونيو (تجمُّع القوى الوطنية المدعومة شعبيا) هو أول انهيارات الوجود الفرنسي في مالي.

وقد سرّع ذلك الانهيار ما ترافق معه من تردّ في الأوضاع الاقتصادية والحقوقية واختناق سياسي، واستمرار الاحتجاجات في المدن الرئيسية للبلاد ضد الفساد والغلاء والوجود الأجنبي، مع تنامي العمليات الإرهابية التي كان من المفترض أن القوات الفرنسية جاءت أصلا للحدّ منها، مما عجّل بانقلاب عسكري في 18 أغسطس/آب 2020.

لكن العسكر المتمردين انصاعوا للضغوط الفرنسية وقبلوا بأن يعود الرئيس بوبكر كيتا ليتولى فترة انتقالية مدتها عام، إلا أنه قبل أن يمر ذلك العام قام عسكريون بقيادة العقيد عاصمي كويتا بالانقلاب مجددا على “كيتا” في 24 مايو/أيار 2021، وتحالفوا مع قيادات حركة 5 يونيو المناهضة للوجود الفرنسي في البلاد.

ترافق ذلك مع إحداث تغييرات عميقة في بنية القوات المسلحة المالية تهدف لعزل كبار الضباط الذين لا يرون أي غضاضة في التبعية لفرنسا، ليحلّ محلّهم آخرون من صغار الضباط الذين يحملون نزعات وطنية استقلالية.

البديل الروسي

لكن للأسف، هناك اتهامات بأن عمليات التخلص من النفوذ الفرنسي في إفريقيا لا تتم لصالح الاستقلال بل لصالح إيجاد موطئ قدم لروسيا في إفريقيا، وهو أمر -إن كان صحيحا- لا يحمل ألمًا مضاعفا لفرنسا وحدها، بل لحلفائها الأوربيين والأمريكيين أيضا.

هذا الاتهام تصر عليه فرنسا ربما رغبة في استدرار تضامن الأمريكان والحلفاء الأوربيين معها، وحثهم على استعمال نفوذهم لدى الدول الإفريقية من أجل العمل على إبقائها هناك.

لكن مع ذلك هناك شواهد تدعم صحة هذا الافتراض، وهي أنه في السنوات الخمس الماضية وحدها أبرمت روسيا عدة اتفاقات عسكرية مع مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى وموريتانيا، لتفتح تلك الاتفاقات سوق السلاح الروسي أمام هذه الدول.

ولم يتوقف الأمر عند مجرد فتح أسواق الأسلحة فحسب، بل تخللتها أيضا اتفاقات تتعلق بنشر قوات فاغنر كما حدث في إفريقيا الوسطى وليبيا، وهي قوات تحرص الحكومة الروسية في المناسبات العامة على اعتبارها تابعة لشركة خاصة لا تمثل روسيا، في حين تؤكد كل ممارسات تلك القوات أنها ممثلة لحكومة موسكو.

وقد كشفت وثيقة عسكرية ألمانية أن قوات ألمانية تابعة لبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة رصدت عشرات من أفراد قوات أمنية يُفترض أنها روسية في مطار جاو بشمال مالي، وهو نفس يوم رحيل القوات الفرنسية.

انهيار نظام فوكار

كل الأدلة تؤكد أن إفريقيا تعمل بشكل حثيث على إكمال خلع العباءة الفرنسية والتخلص نهائيا من النظام الذي أنشأه جاك فوكار عام 1962 بتكليف من الرئيس الفرنسي شارل ديغول حول صياغة علاقة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في إفريقيا، مما جعل البعض يعتبر فوكار “مهندس الاستعمار الفرنسي” الحديث لإفريقيا.

وهو النظام الذي قام على إبرام فرنسا عقودا سرية أو معلنة مع حكام الدول الإفريقية تحميهم من الانقلابات العسكرية وتضمن سلامتهم وعائلاتهم مقابل مليارات الدولارات وآلاف الأطنان من الثروة المعدنية والنفطية التي تتمتع بها القارة السمراء، وهو ما يفسر وجود آلاف من الشركات الفرنسية في كافة المجالات تسيطر على الأوضاع الاقتصادية في أغلب بلدان غرب إفريقيا.

لكن تمادي فرنسا في امتصاص ثروات الدول الإفريقية في حين يموت الشباب الأفريقي غرقا في البحر المتوسط لكي يأخذ الفتات من ثرواته التي استحوذت عليها باريس، جعل فكرة الخلاص تختمر في العقول. لأن جحا أولى بلحم ثوره.

...................................

سيد أمين يكتب: يبغونها عوجا.. العالم يخوض معركة الشذوذ الجنسي

لا أحد يعرف السر الذي يجعل من المجموعات المثلية أو بالأدق “الشواذ” حول العالم تستخدم ممارساتها بشكل دعائي ودعوي، مع أنه كان يمكنها أن تكتفي بالمطالبة بعدم تعقبها طالما أن نشاطها يجري في الخفاء، مثله مثل كل العلاقات الجنسية السليمة أو الشاذة، والمشروعة أو المحرمة والمجرمة على حد سواء.

ولا نعرف أيضا ما الدواعي المنطقية لما يتردد عن أن هناك ضغوطا تمارس على الحكومات العربية من أجل إباحة الشذوذ، بل والدعاية له، وهو الفعل الذي قبل أن يُجرم قانونا، محرم شرعا في الأديان السماوية وفي كثير من العقائد الأخرى.

والأهم أنه يكون سببا للخزي والعار اجتماعيا لمن ينخرط فيه، وبالتالي فالحكومات ليس بيدها فعل شيء لتمرير ممارسات يلفظها المجتمع، خاصة أنها تهدد أولى وحداته وهي الأسرة.

صحيح أن تلك الضغوط قد حققت نجاحا طفيفا فيما مضى، لكنه أيضا ليس النجاح الذي تريده الجهات الضاغطة.

ذلك النجاح الشكلي تدلنا إليه أحاديث جانبية كثيرة تتناثر في أكثر من بلد عربي وإسلامي تفيد أن الشذوذ الجنسي واحد من مفاتيح الترقي في السلم الحكومي، وأنه يمكن أن يكون في حد ذاته سببا لشغل المناصب القيادية لاسيما في المجالات الاجتماعية والفنية والأدبية.

يحدث ذلك في حين أن دولا غير مسلمة كروسيا مثلا تعرف قوانينها الزواج بأنه ما يتم فقط بين الرجل والمرأة، ويحكى في ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سخر من رفع السفارة الأمريكية في بلاده علم المثليين قائلا إنه يعكس التوجه الجنسي للموظفين فيها.

دين جديد

وبحسب احصاءات الأمم المتحدة؛ يعيش واحد من كل خمسة أطفال في العالم في فقر مدقع، مع مخاطر تعرض 160 مليون طفل للموت جوعا في الأعوام السبعة القادمة، مع مقتل 167 ألف شخص نصفهم عرب في عام 2015 وحده، فيما فتكت الامراض والأوبئة بالملايين.

مع تفجر النزاعات بكافة أطيافها، وتنامي الديكتاتوريات وتراجع خريطة الديمقراطية في العالم بسبب الانتهازية الغربية، وكذب شعاراتها الزاعمة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي اتضح أنها تقتصر على حقه في الشذوذ والإلحاد.

لذلك لا يوجد أي سبب مقنع يبرر ترك حماة حمى الحرية في العالم تلك المقتلة الكبيرة الدائرة في كثير من بلدان العالم ضد الإنسان بسبب عقيدته أو فكره أو عرقه، وذلك الموت المتربص به جوعا وحرقا وغرقا ومرضا وفقرا، وينشغلون بتطويع العالم للانشغال بقضية لا تمس سوى 2% من سكانه، اللهم إلا إن كانوا يَبْغُونَهَا عِوَجًا لإفساد الأرض.

ولعلهم يبغونها كذلك فعلا بدليل أن تلك المجموعات هي من تتحرش بالمجتمعات بغية أن تحوز على إعجاب الآخرين وتنال دعمهم، بل وتجعلهم يسلكون مسلكهم، وتلطخ من لم ينخرط أو حتى يتأفف من الانخراط فيها؛ بالعنصرية ومعاداة حقوق الإنسان.

هدف أممي

وبدلا من قصر أنشطتها على أعضائها، تشيع أبواقها مناخا يؤكد بأنه من كمال صلاح المرء الإيمان بهذا الشذوذ والدفاع عنه، مع أنه لو طبقت على هذه الدعوات معايير الديمقراطية، فلا مانع أبدا من الاعتراض السلمي عليها، شأنها شأن كل النشاطات والأفكار التي يتبناها الإنسان ومن المتوقع أن يخطئ أو يصيب فيها.

وتهتم ماكينة الدعاية للشذوذ بالنشء، فنجد فضائيات للأطفال تدعو، ودراما تدعم، وإعلام مشبوه يدافع، ونجد كبريات شركات الإنتاج الإعلامي الخاص بالأطفال مثل والت ديزني تعلن تحويل 50% من شخصياتها الكرتونية إلى شخصيات ذات ميول جنسية مثلية، كما أباحت 28 دولة في العالم الزواج الرسمي بين المثليين.

ولم يتوقف الأمر عند الجمعيات الأهلية والفضائيات وما شابه، ولكن دخلت الأمم المتحدة على الخط وراحت تبارك هذا القبح وتدعو إليه بعشرات المقاطع المصورة، بل إن قوانين الأسرة والطفل التي اعتمدتها كمعيار فيما يعرف بقوانين “السيداو” هى نفسها القوانين الداعية لتفتيت الأسرة، وانفراط الرقابة الأبوية، وتشجيع انحراف الأبناء.

وللأسف هناك الكثير من قوانين الأحوال الشخصية التي تسن في بعض بلدان العالم الآن تراعي هذه المعايير النموذجية، تحت دعاوى الحرية الشخصية وهي الدعاوى التي تم تحميلها كل النقائص التي لا تستحقها.

ولا نعرف هل كل هذا الزخم المدافع عن الشذوذ المقصود منه هو جعلنا نتساهل معه، أم يريدوننا أن ننخرط فيه، فنصبح لا مؤاخذة شواذ؟!

ولك أن تتخيل مثلا أن الكثيرين ممن يدافعون عن مسيرات ومهرجانات واحتفالات المثليين ويصفونها بأنها تعبير عن الحرية الشخصية، هم أنفسهم سيكونون المبادرين بالهجوم على أي أنشطة تكذب وقوع الهولوكوست أو تمجد هتلر أو موسوليني مثلا،، مع أن ذلك في الأساس هو نشاط فكري بحت حتى لو اختلفنا معه.

الواقع أننا حينما أطلقنا مصطلح المثلية الجنسية على الشذوذ الجنسي بما فيه من وضوح، وقعنا في الفخ وخسرنا شوطا من المبارزة، وعملنا بأنفسنا على تحسين الوقع النفسي البغيض لتلك الفاحشة.

يجب أن نخوض المعركة بمسمياتها.

للمزيد: https://ajm.me/fnzwxz

...................................

سيد أمين يكتب: نظرية تخفيض عدد سكان العالم.. هل لا تزال قيد التنفيذ؟

 مع جفاف الأنهار في أوربا والعديد من بقاع العالم، وتوالي الكوارث الطبيعية والبيئية والصحية، والاقتراب من شفا صراعات وحروب نووية مدمرة بين أقطاب العالم، أصبح المناخ مواتيا ليرتفع ذلك الصوت الذي كان يهمس بأن نظرية “قارب النجاة” هي الآن قيد التنفيذ.

وهي تلك النظرية التي نسبت إلى نظريات التنمية -زورا وبهتانا – والتي تصور أن سكان العالم يستقلون مركبا مزدحما في عرض البحر يكاد يغرق بهم، وأنه يجب التخلص من بعضهم ليتمكن الآخرون من النجاة.

ونظرًا إلى وحشية تلك الرؤية جرى تخفيف وقعها على الأسماع على يد جاريت هاردن أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورينا الأمريكية بقوله إن العالم الغني يعيش في قارب مزدحم، أما الدول النامية فسكانها في الأسفل يصارعون الغرق في بحر من الجوع والأمراض والأوبئة والصراعات، وسيكون خطأ جسيما أن يسمح الأغنياء لهم بالتعلق بالمركب، وإلا فسيموتون جميعا، ولذلك يجب قطع المعونات بكافة أشكالها عنهم.

وهو التعديل الذي يساوي صراحة طرح المخايرة بين أن يموت الناس بطلقات الرصاص المباشر أو العشوائي، مع أن الألم والنهاية واحدة.

كما قدم رجل دين إنجليزي يدعى توماس مالتوس منذ قرنين نظرية لاقت اهتماما كبيرا لدى الساسة الاستعماريين آنذاك، تؤكد أن نمو الإنتاج في العالم لا يتواكب نهائيا مع زيادة عدد سكانه، مقترحا تصحيح الخلل باستخدام تدابير وقائية للسيطرة على هذا النمو، وتشمل هذه التدابير تنظيم الأسرة، وتشجيع العزوبة وتأخّر الزواج.

ولا نعرف بعد هل اللجوء إلى هذه النظريات والتخلص من الفقراء أو سكان العالم النامي هو الحل لإنقاذ العالم، أم أن هناك تخطيطا جرى لإفقار هذا العالم وخاصة الإسلامي منه وتفجيره بالصراعات الداخلية، وإفشاله طمعا في الوصول إلى تلك النتيجة؟

الحي والميت

كما لم يقل لنا المنظرون كم عدد سكان العالم المطلوب إنقاذهم، ولا المطلوب إغراقهم أو تركهم يموتون غرقا، إلا أن الإجابة هنا تأتي من المجهول.

المجهول يمثله ما يعرف بألواح جورجيا “الولاية الأمريكية” حيث عثر فيها على خمسة ألواح جرانيتية فخمة يعتقد أنها صنعت في أوج غمار الحرب الباردة عام 1980 ولا يعرف صانعها.

يزن الحجر الواحد منها 40 طنا بطول خمسة أمتار نقشت فيها عشرة وصايا بالعربية والعبرية والبابلية واليونانية والسنسكرينية والهيروغليفية، والإنجليزية، والإسبانية، والسواحلية، والهندية، والصينية، والروسية، ويعتبر الكثيرون أنها هي ذاتها وصايا الماسونية.

وكان من أهمها: ابقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة، وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع، وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة، تحكموا في العاطفة وفي العقيدة وفي التقاليد وفي جميع الأشياء بمنطق معتدل.

كما تأتي إجابة أخرى من سياسيين أمثال “سوسان جورج” مدير شؤون الشرق الأوسط في الأمم المتحدة التي كشفت في كتابها “تقرير لوغانو” أن فريقا غربيا متعدد الجنسيات يضم سياسيين وعسكريين ورجال مخابرات وعلماء أعدوا في تسعينيات القرن الماضي تقريرا عملوا على تنفيذه للحد من تنامي الأجناس الأخرى غير الغربية، عبر الحد من تطور الرعاية الطبية وزيادة نسبة الخصوبة.

ويأتي الرد أيضا من هينري كسينجر وزير خارجية أمريكا الذي أشار أيضا إلى وجوب أن يكون لتخفيض عدد سكان العالم والعالم الثالث خاصة الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الأمريكية.

وأوصي في وثيقته السرية NSSM-200 التي أعدها عام 1974 ورفعت عنها السرية عام 1990 ووضعت في الأرشيف الوطني الأمريكي؛ بضرورة العمل على خفض عدد سكان 13 دولة نامية من أجل تأمين مصادر الخامات وهذه الدول هي مصر، وتركيا، وبنغلاديش، وباكستان، ونيجيريا، والمكسيك، وإندونيسيا، والبرازيل، والفلبين، وتايلاند، وإثيوبيا، وكولومبيا، والهند.

كما فأجأ  تيد تورنر إمبراطور الإعلام الأمريكي -وهو صاحب عدة قنوات عالمية منها CNN- العالم، في مقابلة مع مجلة أودوبون عام 2008 بتأكيده أنه “سيكون إجمالي عدد سكان العالم من 250 إلى 300 مليون شخص في عام 2025”.

القتل الرحيم

بالطبع لم يدع مؤيدو هذه النظرية وهم كثيرون في المجتمعات الغنية في الشرق والغرب إلى القتل المباشر لسكان العالم بالطريقة التي صورتها مجموعة أفلام مارفل الأمريكية وخاصة في جزئها الرابع حيث يسعى “ثانوس” الشرير الذي يمتلك كافة مقومات الذكاء والقوة المطلقة لإبادة أعداد كبيرة من البشرية باستخدام تلك القوة.

ولكن عبر أهم تلك الوسائل التي أجمعت عليها كافة التقارير والتي يمكن إيجازها في عبارة واحدة وهي محاربة الأسرة بصورتها التقليدية، من خلال تشجيع العزوف عن الزواج التقليدي، والشذوذ الجنسي والانحراف الأخلاقي، وتحديد النسل، والإجهاض، وخفض نسب الخصوبة، وتدمير الاستقرار الأسري بعوامل اجتماعية أو اقتصادية.

ولم تتضمن التقارير الأساليب الأشد قسوة التي يتفجر من حين إلى آخر ما يدعمها من أخبار مثل نشر الأوبئة والأمراض وتسميم الماء والطعام والهواء، وخفض الرعاية الصحية، وتفجير الصراعات والحروب، ونشر الآفات التي تبيد الزراعات والمحاصيل. ولعل تتالي تفشي الأوبئة في الأعوام الأخيرة قد فتح مجالا لذلك.

المفيد في الأمر أننا الآن صرنا على علم بتلك المؤامرات التي تحيط بنا من كل جانب، في حين كانت الأجيال السابقة تتجرع مراراتها ولكن لا تستطيع بلورتها، وبالطبع حينما تكشف المؤامرة مبكرا فحتما ستفشل كليا أو جزئيا.

والأهم من ذلك أن نتيقن أن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، مع ضرورة توخينا ما أمرنا به من كياسة وحذر.

...................................

سيد أمين يكتب: القواسم المشتركة بين جيفارا والقرضاوي

يشاء الله أن تتوافق الذكرى الخامسة والخمسين لوفاة المناضل اليساري الأرجنتيني الكبير تشي جيفارا مع نفس الشهر الذي توفي فيه المفكر الاسلامي الكبير د.يوسف القرضاوي، ولم يمر هذا التوافق إلا ليكشف لنا معه تناقضا كبيرا في مواقف “النخب الرسمية” لا سيما في عالمنا العربي من الرجلين.

ونحن نقصد بمصطلح  “النخب الرسمية” تلك النخب التي تربت علي يد النظم الحاكمة، أو تلك التي سُمح لها بالنمو والترعرع لكونها تضطلع بأدوار معينة أو تحمل قناعات خاصة توافق هوى تلك النظم.

ومصدر التناقض هنا هو أنهم برروا، وعللوا، وبجلوا، واستماتوا دفاعا عن أقوال وأفعال قالها وقام بها شخص يتبعه رهط من الناس، أدت إلى إزهاق أرواح أناس أخرين، وتسببوا في انقلابات عسكرية مسلحة في أكثر من دولة لاتينية وأفريقية، بغض النظر عن خطأ ذلك من صوابيته..

في حين أنهم صبوا جام غضبهم على شخص آخر، وشيطنوه، ونكلوا بمحبيه، وأحرقوا كتبه التي لم يقرؤوها، – وهى الكتب التي لو استطاعوا قرأتها ما استوعبوها- رغم أنه لم يحمل السلاح، ولم يدع حتى لحمله، ولم يقتل أحدا، ولم يدع حتى لقتله، وكل ذلك لأنه فقط  تجرأ وأيد مطالب الشعوب في الحرية والاستقلال.

والغريب أن المشهد الأول الذي يخص تشي جيفارا- وأنا بالمناسبة أحبه وأقدر تضحياته للدفاع عن المظلومين الرازحين تحت نير الاستبداد- حدثت فصوله عيانا جهارا ولا ينكره أنصاره بل يفتخرون بها، ولا توجد حاجة لتحضير العفريت للتدليل عليه، فقط نقرأ جزءا من مذكراته ومذكرات رفاقه وسيصبح الأمر واضحا..

لكنهم في المشهد الثاني حينما لم يجدوا ما يدينون به الشيخ؛ راحوا ينسبون إليه ما لم يقله ولم يفعله في محاولة فاجرة لصناعة العفريت، مع أنه أيما كانت مواقف الرجل فهي في النهاية لا تعدو أن تكون في إطار حق التعبير..

مع أنه في رأيي يمكن حصر الاختلاف بين الاثنين في أن الأول رأى وجوبية التغيير بالقوة، بينما جاء رأي الثاني في وجوبية التغيير بالدعوة والكلمة الحسنة والدفاع عن النفس، وذلك في إطار اجتهاداته الشرعية، ومن عجب أن الثاني هو من يتعرض للهجوم وحده، مع أنه لو طبقنا نفس القياسات لكان الأول أولى به.

سر الهجوم

ورغم هذا المدح؛ إلا أن التاريخ لو عاد مجددا بتشي جيفارا، وشرع في نضالاته الثورية ثانية لرأينا نفس هؤلاء المادحين له يذمونه، ويشيطنونه، وذلك لأنهم حينما مدحوه كانوا فقط يسايرون الموضة، ولم ينزعج موجهوهم من هذا البطل نظرا لأنه كان ظاهرة فردية وانتهت.

وأيضا لأنه ليست لديه مجموعات أيديولوجية عريضة ومؤثرة في عالمنا العربي يمكنها أن تحدث تغييرا بكتلتها العددية، في حال مدحه أو ذمه، ولذلك فإن الحديث عنه يمكن اعتباره “عندهم” مجرد ترويح وتسلية..

فيما يحدث العكس تماما مع القرضاوي، فأنصار الرجل في بلادنا لا تحصيهم الشمس، جزء كبير منهم مؤدلجون عقديا، وقضيتهم الأولى في الحياة هي الانتصار لعقيدتهم الدينية، وإحداث تغيير جذري في الحياة السياسية باتباع أساليب الديمقراطية أو بغيرها، ليعيشوا كما يريدون هم وليس كما يريده لهم غيرهم.

التحيز الأعمى

لم أقرأ للشيخ القرضاوي كتابا واحدا -وهذه نقيصة بي- ولكنني سعيت في السنوات القليلة الماضية لقراءة أي شي استشف من خلاله سبب الحرب التي يشنونها عليه، فقرأت له بضعة مقالات متناثرة، عرفت منها عمق تفكيره وجديته ونجاعة اطروحاته، وعرفت أنهم حتما لذلك يكرهونه.

لست هنا بصدد الحديث عن القرضاوي أو جيفارا بذاتيهما، فكلاهما وجد ظلما وراح يواجهه بطريقته، ولكن أتعجب عن تلك الازدواجية التي تصيب هذه النخب الصناعية حينما يمس الحديث من يتبني الفكر الإسلامي.

حيث يعتقدون أنهم يحررون الناس من الأوهام الذهنية، بينما هم أنفسهم ضحايا وقعوا أسرى لصورة نمطية بثها إعلام موجه طيلة عقود، أخرجتهم  من حدود التهجم غير المبرر على مظاهر التدين الإسلامي والمتدينين المسلمين دون سواهم، إلى التهجم على الإسلام نفسه دون سواه.

فوقعوا ضحايا لبطولات زائفة، لا يصفق لها إلا كل الكارهين لأمتنا وديننا، وذهبوا كما ذهب دون كيشوت ليحاربوا طواحين الهواء.

مع ملاحظة أن أعظم دعوات وتنظيرات الحياة الهانئة للبشرية وهى “الديمقراطية” بدأت أصلا كفكرة فردية، وعوقب صاحبها وقتها بالإعدام، ومع ذلك عاد له حقه فكرمه التاريخ، وكرم تلميذه أفلاطون ليبقيا كليهما من أيقوناته الثابتة، فيما بالكاد يتذكر احد اسم من أصدر حكما باعدامه.

ولو تحرر الجميع منه ومن الأحكام المسبقة أو المبنية على أحكام ذهنية سابقه التجهيز لوصل الناس سريعا لطريق الرشاد. لكن الغرض مرض.

للمزيد https://ajm.me/jbfnys

...................................

سيد أمين يكتب: هؤلاء سبقوا شامبليون في فك رموز الهيروغليفية؟

“التاريخ يكتبه المنتصرون”، صدق رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل حينما قالها، ولعله حينئذ كان يعرف حجم التزوير والعبث الذي مارسه هو وأمثاله المنتصرون في هذا التاريخ، وكيف أنهم نجحوا في تحويل أكاذيب بينة إلى حقائق راسخة لا تشوبها شائبة، حتى صدقها المهزوم نفسه من فرط تكرارها.

هناك أكذوبة شهيرة من هذا النوع، ترسخت في الأذهان حتى استحال تكذيبها، رغم وجود العديد من الأدلة التي تدعم ذلك. إنها تتعلق بمن استطاع فكّ رموز اللغة الهيروغليفلية.

حجر رشيد

فقد اقترن اسم حجر رشيد وفك الرموز التي كانت محفورة عليه بجهود العالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون عام 1822م، وهو الإنجاز الذي مهد الطريق للتعرف جليا على اللغة الهيروغليفية وحروفها، وهي معلومة لا تزال تدرس للنشء حتى الآن في المناهج المدرسية المصرية، رغم أن العديد من العلماء المسلمين خاصة الكيميائيين منهم أمثال جابر بن حيان وذي النون المصري وابن وحشية النبطي وغيرهم كانوا قد سبقوا العالم الفرنسي إلى فك رموز تلك اللغة بأكثر من 800 سنة، وجاء محور اهتمامهم بها لاعتقادهم أنها تحوي معلومات مهمة عن الكيمياء.

وترك هؤلاء الكثير من المخطوطات والكتب منها كتاب “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام”، وهو الكتاب الذي حققه الباحث جمال جمعة، وتُرجم إلى عدة لغات، وهو متاح للقراءة والاقتناء عبر المنصات الرقمية، حيث تناول فيه أبو بكر بن وحشية النبطي الكيميائي واللغوي العراقي الذائع الصيت في القرن العاشر الميلادي 89 لغة بالشرح والتفصيل وجاءت من ضمنها اللغة الهيروغليفية.

وكان مستشرق نمساوي يدعى جوزيف هامر قد قام بترجمة هذا الكتاب عام 1806م تحت عنوان “الأبجدية القديمة والشخصيات الهيروغليفية”، ونشره في لندن قبل إعلان شامبليون اكتشافه بعام.

كما سبقه الكيميائي جابر بن حيان في القرن السابع الميلادي، بنشره الكثير من معاني رموز وحروف تلك اللغة ضمن كتابه “الحاصل في علم الميزان”، ثم كتاب عبد السلام المقدسي “حل الرموز ومفاتيح الكنوز” في القرن السادس الهجري، وكذلك تأكيد “أيوب بن مسلمة” المقرب من الخليفة المأمون في مخطوطة له، أنه تمكن من قراءة النقوش المصرية القديمة.

وقد تلاه “ثوبان بن إبراهيم” أو “ذو النون المصري”، وهو عالم مصري من مركز اخميم بمحافظة سوهاج كان علما بين علماء زمانه في الكيمياء واللغة خاصة الهيروغليفية، وله كتاب باسم “حل الرموز وبرء الأرقام في كشف أصول اللغات والأقلام” يكشف فيه تفاصيل دفائن تلك اللغة.

وضمّن الكيميائي العراقي أبو القاسم العراقي عام 1506م كتابه الأقاليم السبعة جدولًا لترجمات الحروف البرباوية (أي الهيروغلفية)، وكذلك ابن الدريهم في كتابه “مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز”، وابن إسحاق الكندي في كتابه “رسالة الكندي في استخراج المعمى”.

وجل هذه الكتب والمخطوطات محققة ويمكن الاطلاع عليها في المكتبات التاريخية العراقية والسورية، فضلا عن المكتبات الإلكترونية.

أسباب منطقية

ولا يقتصر الأمر على الوثائق والكتب، بل هناك أسباب أخرى أكثر منطقية تجعلنا نصدق أن العلماء العرب والمصريين كانوا أسبق في حل طلاسم الهيروغليفية، منها أن العرب حينما فتحوا مصر كانت هذه اللغة لا تزال حية في الألسنة وإن شوهتها لغات الرومان واليونان وغيرهم ممن احتلوا مصر عدة قرون، لكنها لم تنقرض.

كما أن مصر لم تكن طوال العصور السحيقة بمعزل عن جيرانها العرب، فالتواصل بينهم كان مستمرا سواء لأغراض التجارة أو تحصيل العلوم أو حتى الحرب والاستعدادات العسكرية، وبالتالي فلابد من أنهم كانوا قد تبادلوا فهم اللغتين العربية والهيروغليفية وتحدثوا بها.

كما أن حقائق التاريخ تؤكد استقرار القبائل العربية الكنعانية في دلتا مصر مدة طويلة في العصور الفرعونية، ويعتقد بعض المؤرخين أن مصطلح الهكسوس هو في الأصل الاسم الذي أطلقه المصريون على الكنعانيين عندما حكموا مصر.

بل إن آثار تلك اللغة باقية إلى اليوم، فالطقوس والصلوات في الكنائس المصرية لا يزال بعضها حتى الآن يستخدم لغات قديمة كالهيروغليفية والسريانية والآرامية والرومانية، فضلا عن أن هناك مفردات هيروغليفية قليلة لا تزال متداولة في الشارع المصري، مثل كاني وماني، والسح الدح امبو، وغيرها.

والأهم أن إنكار ذلك سيعني حرفيا أنه لم يبق من سلالة الفراعنة أو المصريين القدماء الذين يطلق عليهم “الأقباط” أحد في مصر، لا مسلم ولا مسيحي، وأن سكان مصر هم مزيج من العرب والرومان واليونان والبطالمة والأحباش والنوبة وغيرهم إلا المصريين وهو في الواقع قول غير منطقي إطلاقًا.

فالمنطقي أن المصريين القدماء كانوا موجودين في المجتمع بعد الإسلام ودخل جلهم في الدين الجديد، وامتزجوا باللغة العربية وتناسلوا مع القبائل العربية فصاروا عربًا.

كل ذلك يعني أننا لم نكن بحاجة إطلاقًا إلى أن يعبر الفرنسي جاك شامليون البحار لكي يعلمنا حقيقة الحروف الهيروغليفية.

……

المؤسف أن حجر رشيد نفسه الذي تدور حوله كل تلك المعركة التاريخية، والذي تمر مئتا عام على فك رموزه هذه الأيام، استولت عليه بريطانيا وحبسته في المتحف البريطاني بلندن، ضمن مجموعة نادرة من الآثار المصرية، ولم تُبذَل أيّ جهود حقيقية لاستعادته.

زوّروا التاريخ وسرقوا الحجر.

...................................

سيد أمين يكتب: عمران خان يواجه عاصفة التلطيخ

كان من المتوقع تمامًا أن يصدر حكم من مفوضية الانتخابات باستبعاد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من العمل السياسي لمدة 5 سنوات، فالقضاء الباكستاني شأنه شأن أي قضاء يقع في دولة تسيطر عليها سلطة عسكرية، يدور في فلكها ويعبّر عنها، لا سيما لو جاءت تلك السلطة عقب انقلاب “مقنَّع” على سلطة مدنية.

جاء الحكم الزلزال ليزيل من أمام المتحكمين في السلطة الباكستانية منافسًا عتيدًا يدين له عشرات الملايين من الباكستانيين بالولاء ويعدّونه بطلًا قوميًا، لا سيما من طوائف الشباب المطالبين بمدنية الدولة ووقف سيطرة الجيش على العمل السياسي، والاستقلال عن النفوذ الغربي، وذلك بسبب خطاباته وسياساته الساعية للتملص من الهيمنة الأمريكية على البلاد، ومحاربة الفساد المستشري بين الطبقات العسكرية والقضائية، وتنويع مصادر السلاح، والانفتاح على حركة طالبان.

خاصة أن خلفه شهباز شريف أحد رجال المعارضة البارزين الذي انتخبه البرلمان الباكستاني رئيسًا للوزراء في أبريل الماضي ضمن حكومة ائتلافية لحزبي الرابطة الإسلامية والشعب الباكستاني جاء لمنصبه بفوز يسير بنحو 174 صوتًا من أصل 342 صوتًا.

وفيما يبدو أن من يلعب خلف الكواليس هناك أراد أن يستكمل حرق زعماء المعارضة التي بدأها بعمران خان حينما جعل أعضاء من حزبه “حركة الإنصاف” بالإضافة إلى نواب آخرين من كتل برلمانية أخرى موالية يخذلونه في تصويت على سحب الثقة منه في أبريل الماضي، مع تسرب معلومات عن تلقيهم “تهديدات من جهات أمنية” في حال التصويت لدعمه.

ثم استمر هذا اللاعب في مهمته ليطول الحريق عدوه وخليفته شهباز شريف الذي ينتمي لأسرة أرستوقراطية، فضلًا عن أنه شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف -الذي انقلب عليه الديكتاتور برويز مشرف عام 1999- فسمحوا له بالفوز في تصويت البرلمان بفارق ضئيل، ليتولى منصبه وسط أجواء اقتصادية وأمنية عاصفة لا يمكن أن يجتازها أكثر السياسيين حنكة وحيطة.

في حين كان يمكن لهذا العابث خلف الكواليس بتوجيه النواب ضد شهباز أيضًا، لولا أن هناك حاجة في نفسه كان يريد أن يقضيها، وهو ضرب العصفورين المتنافسين بحجر واحد.

فالوضع الاقتصادي للبلاد مزريّ، والتضخم والدين الداخلي والخارجي هائل، مع تراجع كبير لقيمة الروبية الباكستانية، وهي الأجواء ذاتها والأسباب نفسها التي ورثها عمران خان من سابقه وخفضت من حماسة أنصاره له، فما بالك إذا كان كثر من الباكستانيين يرون أن شهباز متورط في التآمر على عمران خان ويذوق الآن الكأس نفسه الذي أسهم في سقايته له.

تنفيذ الحكم

والسؤال الأكثر أهمية الآن في المجتمع الباكستاني ولدى المراقبين لشأن هذا البلد الكبير: هل سيمر هذا الحكم؟ وهل سينال الرجل مصير مشرف أم بوتو؟

التجربة أثبتت أن الأحكام في باكستان كما في عالمنا الثالث كله تمر طبقًا لطبيعتها ولمن صدرت ضده أو لصالحه، وطبقًا للأضرار أو المنافع التي ستنجم عنها.

فهناك حكم نادر أصدرته محكمة باكستانية في ديسمبر 2019 ضد الجنرال برويز مشرف بالإعدام مع تعليق جثته أمام البرلمان لثلاثة أيام، إلا أن الجيش استاء من إدانة أحد جنرالاته بمثل هذا الحكم، فسارع المدعي العام الذي تم تعيينه في ظروف مرتبكة ليعلن أن حكمًا من هذا النوع “غير دستوري وغير أخلاقي وغير قانوني”، وأن القضاء “ألغى كل شيء”.

في حين أن محكمة أخرى كانت قد أصدرت حكمًا بالإعدام على ذي الفقار علي بوتو بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق عليه بتهمة فضفاضة أسموها “إهدار الممارسات الديمقراطية”، ونُفّذ الحكم فعليًا عليه في أبريل ١٩٧٩ بدلًا من تكريمه لكونه راعيًا لأهم إنجاز في تاريخ باكستان وهو حيازتها للقنبلة النووية.

المؤشرات تتجه لتنفيذ سيناريو “بوتو” وأن أحكامًا قد تصدر مستقبلًا بإعدام “عمران خان”، لكن هناك صعوبات كثيرة تحول دون الوصول لهذا السيناريو أهمها شعبيته الجارفة في الداخل، والكاريزما العالمية التي تملكها الرجل بصفته سياسيًا سواء أو لأنه واحد من أشهر 6 لاعبي كريكيت في العالم جعلته رمزًا دوليًا.

وهو ما قد يخشى معه تنفيذ سيناريو رئيسة الوزراء “بينظير علي بوتو” التي تم اغتيالها في مؤتمر انتخابي عام 2007 لمنعها من الوصول إلى كرسي رئاسة الوزراء مرة جديدة، ولعل “عمران” يدرك تلك المخاطر، وهو السيناريو الذي جرت محاولة فاشلة له صباح اليوم الخميس بينما هذا المقال في طريقه للنشر.

القضية والطعن

من الواضح أن عمران خان واثق جدًا من اتساع شعبيته بدليل المظاهرات المليونية التي قام بها طيلة الأسابيع الماضية نحو العاصمة إسلام أباد لإسقاط الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة، أما بخصوص الحكم المثير للضجة فقد تم الطعن أمام محكمة إسلام أباد العليا لإسقاطه هو أيضًا.

ولعل هذه الثقة وتلك المثابرة وما تركته من انطباعات هي من دعت بابار افتخار المتحدث باسم الجيش يعقد مع قائد وكالة الاستخبارات الرئيسية الجنرال نديم أنجوم، مؤتمرًا صحفيًا نادرًا يهاجم فيه عمران خان، ويؤكد فيه أن الجيش لن يقوم بدور غير دستوري ولا يقحم نفسه بالسياسة.

علمًا بأن “انجوم” كان واحدًا من أبرز الشخصيات التي اعترض “عمران خان” على توليها منصبها، لكن إرادة السلطة العسكرية انتصرت في النهاية.

وإذا كان هذا الجدل بسبب الحكم إلا أن تفاصيله هي محط الدهشة، وهو يتعلق باتهام “خان” ببيع “ساعات ملكية” قيمتها 650 ألف دولار أمريكي قدمت له أثناء فترة رئاسته للوزراء كهدايا شخصية، وهي الاتهامات التي نفاها تمامًا وعدّها محاولة لوصمه بالفساد، وهو الرجل الذي كانت خطته الأساسية محاربته، فضلًا عن صدور الحكم من محكمة غير مختصة.

الأحداث في باكستان رتيبة، ولم يتغير شيء منذ الاستقلال، أدوات في الظاهر والمتحكمون خلف الكواليس.

……

من البداية كنا ندرك أن من يعادي النفوذ الغربي في بلادنا لن يستمر.

...................................

سيد أمين يكتب: العروبة.. فازت بكأس العالم

بدون مبالغة، يمكننا القول إن الفائز الحقيقي من مونديال كأس العالم لكرة القدم في دورته القطرية، هو الهوية العربية بجذورها الإسلامية، وإن قطر، وهي دولة صغيرة المساحة عظيمة التأثير استطاعت أن تحفر بمفردها في وجدان من يتسيدون هذا العالم، حقيقة أن هناك أمة تضرب جذورها في عمق التاريخ، تسكن حيزا جغرافيا يمتد عبر قارتين، لها هى أيضا مساهمات كبيرة في ميراث حضارة هذا الكوكب.

الأداء القطري في تنظيم هذا المونديال العالمي الفريد الذي يقام لأول مرة في تاريخه في دولة عربية أو مسلمة، جعل العالم الحر لا ينبهر فقط بأداء الفرق والمنتخبات وما قدمته من مفاجآت غير متوقعة، ولكن ينبهر أيضا بمعرفة قيم حضارية مختلفة ولكنها أكثر سموا ورقيا.

ولأول مرة أيضا صارت نشرات الأخبار العالمية لا يقترن فيها اسم “العربي” بالأوبئة والفساد والاستبداد والحماقات والحروب والانقلابات والمؤامرات والجرائم، لكن برسائل الإبداع والتألق والتعايش المشترك المبني على الاعتزاز بالهوية.

كان يمكن لقطر أن تنحني أمام عاصفة الانتقادات التي سرت في “الميديا” الغربية وتقبل بوجود مظاهر الفجور والشذوذ التي صارت تصاحب دورات كاس العالم، وكان لديها من المبررات ما يكفي ويفيض، وهي المبررات التي كان سيتذرع بها آخرون لو أقاموا هم هذا الحدث العظيم، لكن خيرا فعلت حينما تمسكت بحضور هويتها العربية والمسلمة، فاحترمها المنصفون الغربيون، وزادت هيبتها ومكانتها في قلوب الشرقيين.

اللغة العربية

أنا لم أتشرف بالذهاب لقطر أبدًا لكن ما عرفته عنها حتى قبل كأس العالم، أنها تعتز باللغة العربية اعتزازا واضحا حتى أن معظم اللافتات في الشوارع، وكما تظهر عبر المشاهد التي تبثها الشاشات حول المونديال أغلبها مكتوبة باللغة العربية بجانبا لغات أخرى أحيانا.

هي ملحوظة من جملة ملاحظات قد تبدو بسيطة لدى البعض، لكنها في الواقع شديدة الأهمية لكون “الهوية” وفي القلب منها “اللغة والدين والعادات والتقاليد” هي محور الاشتباك والتفاهم بين الأمم على مر التاريخ.

هذا يحدث بينما نحو 8 مليارات شخص حول العالم يلتفتون الآن نحو هذا البلد، وعشرات أو ربما مئات الألاف من الوافدين الأجانب يزورونها هذه الأسابيع لحضور المهرجان، وكان يمكنها أن تتذرع بما تتذرع به غيرها بأنهم يسحقون هويتهم ولغتهم من شوارعهم من أجل تشجيع السياحة أو حتى مواكبة “المدنية والنهضة العلمية”، ثم كانت النتيجة أنه لا جاء السائحون ولا جاءت المدنية، ولكن أصبح الناس غرباء يعيشون بهويات مستعارة.

ومن أجمل ما عرفت هو أن اللغة العربية في قطر بخلاف أنه منصوص عليها في الدستور كلغة للبلاد إلا أن هناك أيضا العديد من القوانين التي تشدد على احترامها منها مثلا القانون: رقم 7 لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية ودعمها في كافة الأنشطة والفعاليات والوزارات والجهات والمؤتمرات، مع معاقبة المخالفين، وفرض تدريسها في كافة المؤسسات التعليمية بالدولة.

وتلاه إطلاق “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، وهو مشروع فريد عملاق معني بإنشاء معجم تاريخي يؤصل للغة العربية عبر آلاف السنين وحفظ مدلولات وتطور ألفاظها عبر التاريخ ، وكذلك مبادرة “TED بالعربي”، وهي منصة عالمية تستقطب المفكرين والباحثين والفنانين وصناع التغيير من الناطقين باللغة العربية في العالم.

من فات قديمه تاه

في القرنين الأخيرين من الزمان كان التدفق الحضاري يأتي دائما من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق، لكن من اللحظات الفريدة التي تحققت في هذا المونديال أن هذا التدفق عاد لطبيعته ليكون من الجنوب للشمال ومن الشرق للغرب ولو لأسابيع معدودة.

فقد كان من الممكن لقطر أن تتهرب أيضا من انتساب ثقافتها للخيمة، كما يردد الحاسدون والماكرون، ولكن حكمتها البليغة التي أذهلت منتقديها جاءت عبر تحفة معمارية لـ”استاد” على شكل خيمة، وكأنها تقول للعالم إن تلك الخيمة العربية هى إحدى مفردات التراث العربي الذي نعتز به، سكن أسلافنا فيها ومنها انبعثت النهضة لقصورالعالم أجمع بالاسلام وبالرسالة التي بشر بها راعي الغنم، في وقت كان فيه يسكن أسلاف هؤلاء الناقمين الغابات وفجوات الجبال.

كان الناقمون يتوقعون أن يجدوا القطريين وأشقائهم العرب يرتدون ملابس العراة ويحملون شارات الرينبو، ويدوسون في تلك اللحظة كل القيم الحضارية التي انبعثت من شبه الجزيرة العربية للعالم، لكن ما حدث في كثير من التفاصيل التي رافقت الحدث العالمي كانت العكس تماما.

عموما، هى أيام وينتهي المونديال وقد لا يقام ثانية في بلد عربي أو إسلامي، لكن الرسالة الثقافية التي حملتها الإجراءات المصاحبة له في هذه المرة ستمكث طويلا في وجدان الملايين من عشاق كرة القدم، وستغير بشكل جذري الصورة الذهنية عن هذه البقعة من العالم، الثقافة والتراث والدين وحتى كرة القدم.

العروبة انتصرت في مونديال قطر.

...................................

سيد أمين يكتب: انتخابات قيس سعيّد.. تتحدث عنه

رفع الشعب التونسي صوته عاليا، وقال كلمته في مسار 25 يوليو الذي سلكه الرئيس التونسي قيس سعيّد دون وجود أي حاجة إليه، فقاطع الانتخابات التشريعية التي قاطعتها معه أيضا غالبية الأحزاب التونسية، حتى تلك التي كانت تدعم المسار السياسي الإقصائي للرئيس.

وجاءت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات كاشفة لكونها لا تزيد على 8.8% بواقع 803 آلاف شخص، وفقا لما أكدته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي نسبة المشاركة الأدنى على الاطلاق بعد ثورة الياسمين، وربما في كل الانتخابات في تاريخ هذا البلد بعد الاستقلال.

والمقارنة الفاضحة في هذه النسبة أنها جاءت بعد الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2019 والتي كانت نسبة المشاركة فيها 41.3%، ومع ذلك اتهمتها المعارضة آنذاك -التي تحالفت بعد ذلك مع قيس سعيّد- بأن البرلمان الناجم عنها لا يعبّر عن الشعب، وذلك في إطار المكايدة لكتلة الأغلبية التي تتزعمها حركة النهضة.

ولعل هذه النتيجة هي في حد ذاتها تحمل استفتاء على شعبية قيس سعيّد وعلى مساراته التي سلكها منذ أن جاء إلى الحكم، وبالقطع سيكون لها تأثيرات داخلية وخارجية كبيرة مستقبلا عليه وعلى حكومته، لعل أقربها تصعيب موافقة صندوق النقد الدولي على طلبه قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار.

خلط للأوراق

وعلى الفور بعد اعلان هذه النسبة، خرجت الأحزاب والأبواق المدافعة عن مسار قيس سعيّد الإقصائي، وتلك التي كانت تسايره لكنها لم تستطع الاستمرار في ذلك بسبب التخبط الشديد الذي يعتري مساره، لتمارس عملية تشويش وخلط للأوراق في محاولة بائسة للدفاع عنه ورفع الحرج البالغ الذي أصابه وأصاب أنصاره.

منها قولها إن الشعب لم يقاطع الانتخابات، ولم يستجب لدعوة المعارضة بمقاطعتها، ولكنه فقط “عزف” عنها بعد الفشل الذي لحق بالبلاد طيلة العشرية الماضية، التي أفسحت المجال لمشاركة حركة النهضة في الحكم.

ثم قامت تلك الأبواق بتوجيه الإهانة إلى الشعب التونسي بأكمله، بقولها إن ضعف المشاركة يعود إلى غياب المال السياسي والرشى التي كان يوزعها بعض السياسيين على الشعب لحثهم على المشاركة، وهو الاتهام الذي يعني أن غالبية من صوتوا في كل العمليات الانتخابية السابقة -وهم يمثلون نصف الشعب التونسي- كانوا مجرد مأجورين.

ولك مثلا أن تتخيل أننا لو صدّقنا بحسن نية أو حتى بسذاجة هذا الزعم، فهل يجعلنا ذلك نقول بأن 90% ممن شاركوا في انتخابات 2014 البرلمانية “التي كانت 69%” كانوا من المأجورين.

كما راحت بعض الأصوات تردد أن حماسة الناس للعمل السياسي قلت تدريجيا عما كان عليه الأمر بعد الثورة، مع أن الواقع العملي يكذّب ذلك الادعاء أيضا، فقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الخاصة بالجمعية التأسيسية في ظل المناخ الثوري عام 2011 نحو 54%، وبعد ذلك بثلاث سنوات عام 2014 قفزت إلى 69%، وحتى إن نسبة المشاركة في الانتخابات التي جاءت بقايد السبسي المحسوب على نظام بن علي تجاوزت 64%.

والواقع أن التونسيين لم يعرفوا نسبة المشاركة الضئيلة إلا في تلك الانتخابات التي يدعو إليها قيس سعيّد، سواء البرلمانية محل الحديث، أو في استفتائه الدستوري الذي لم يشارك فيه إلا 27% من الناخبين، مما يعني أنه دستور لا يمثل كل الشعب، وهو ما تقوله المعارضة.

تبادل الأدوار

الغريب في أمر المشهد التونسي أن مفهوم المعارضة يشوبه الكثير من الالتباس، فالمعارضة التونسية الآن هي في الواقع القوى الشعبية المنتخبة التي تم إقصاؤها من البرلمان ومن الحكومة بقرارات غير دستورية للرئيس قيس سعيّد، ليحل محلها قوى أخرى غير منتخبة شعبيا، وتصير الممثلة للحكومة وللدولة، وهو الوضع الذي تتوافر فيه كل صفات الانقلاب.

وبدلا من أن ينصاع الرئيس للدستور الذي وقف حائلا دون تنفيذه مساره “غير المفهوم” و”غير المهم”، راح الرجل يغيّر الدستور بما يوافق هواه، فقاطعه الشعب وصوّت عليه ربع من يحق لهم التصويت فقط.

وبدلا من أن يهتم بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد كما وعد، وصلت الأحوال في عهده إلى حالة مزرية، ووجدناه يتفرغ بشكل شبه كامل لإدارة المعارك مع الجميع.

فتارة يخوض معركة من أجل رغبته في تنصيب هشام المشيشي المحسوب على نظام بن على رئيسا للوزراء، ولما استقر له الأمر ونجح في تعيينه وجدناه يعود ليخوض معركة أخرى من أجل إقالته بالمخالفة للدستور.

وتارة أخرى يهاجم الاستعمار الفرنسي لبلاده، ولما استقر له الأمر وجدناه يشيد به ويعتبره تحالفا بين بلاده وفرنسا.

بخلاف معاركه الأساسية مع حركة النهضة والبرلمان والقضاء واتحاد الشغل والحركات الثورية ومع الرئيس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي وغيرهم.

وجدناه في كل شيء يفعل الشيء ونقيضه، ولو تحقق له ما يريده اليوم لربما وجدناه غدا يخوض معركة من أجل الخلاص منه.

لا أحد يعرف ماذا يريد قيس سعيّد، ولو كان قيس سعيّد نفسه!

...................................

سيد أمين يكتب: ليت اسرائيل تعي الدرس

لو كنت مكان قادة اسرائيل لاستخلصت العبر الكافية من مواقف الجماهير العربية تجاههم وتجاه إعلامييهم في مونديال قطر، ولشرعت على الفور بالهرولة -بأقصى سرعة- نحو حل سياسي سلمي يضمن للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة على أراضيه المحتلة عام 1967، والتوقف عن ممارسات استعداء الشعب العربي التي تجريها عبر صناعة ودعم ديكتاتورياته، وزرع الفتن والمؤامرات بينه.

فبحسابات المكاسب الآنية ستكون اسرائيل بذلك قد سكبت الماء على النار المتقدة في صدور مئات الملايين العرب وملياري مسلم تجاهها، بدلا من السكب المستمر للبنزين عليها الذي عملت عليه منذ نشأة كيانها عبر الاغتيالات، والهجمات الجوية الوحشية على بيوت الآمنين في المدن والقرى الفلسطينية المحتلة، مخلفة قوافل شهداء تعج بهم مدن غزة والضفة الغربية يوميا، وبيوت مهدمة، وأمهات ثكالى، وحصار خانق..

فضلا عن أنها بالحسابات بعيدة المدى ستكون قد استطاعت الهرب بمسروقاتها الأصلية من الأراضي الفلسطينية المسماة “اسرائيل” وطوت قسما كبيرا من سجل النزاع القائم على الفعل ورد الفعل، ووقتها يمكن للجميع الحديث عن القواسم المشتركة بين العرب والعبرانيين، والمسلمين واليهود في التاريخ، بلا خجل ولا تخوين.

خاصة أن اليهود لم يكونوا هم الأعداء الأصليين للمسلمين في أي حقبة من حقب التاريخ سوى بعد إنشاء هذا الكيان، بل إنهم حينما تعرضوا للمظلومية في الأندلس وحتى في روسيا القيصرية وأوربا والعديد من بقاع العالم مثلهم مثل المسلمين، كان العالم الاسلامي هو الملاذ الآمن لهم، وكان المسلمون هم المدافعون عنهم.

ناهيك عن أننا حينئذ سيحلو لنا الكلام عن التشابه الكبير في الحدود والفقه بين اليهودية والإسلام، وعن الانتماء لسيدنا إبراهيم الأب لإسماعيل وإسحاق.

قصر نظر

لكن إسرائيل كما عودتنا دائما، لا تعير بالا لا بالحسابات الآنية ولا البعيدة سوى بما تملكه من وسائل الرعب، والمثل يقول “الطمع قلّ مما جمع”، فالسياسة الاسرائيلية الدائمة قائمة على نهب ما يمكن نهبه، وقتل ما يمكن قتله، وتخريب ما يمكن تخريبه، وهو الأمر الذي حتما ستدفع ثمنه مهما طال الزمن.

ولم تدرك بعد أنه قد تهاوت -مع تطور وسائل الإعلام الحر- ادعاءات المظلومية التي تقوتت عليها طيلة تاريخها، وظهر للرفيق والغريب نهم قادتها للدم.

ولم يأت في حسبانها أن المقاومة الفلسطينية تكسب مزيدا من التعاطف الشعبي العالمي كل يوم، وتتضخم رقعة الالتفاف حولها في الداخل بوصفها طوق النجاة الذي يحمي ما تبقى من مقدرات الشعب الفلسطيني.

ولعله من العقل أن تدرك أن تجاربها السابقة طيلة 74 عاما من القمع والوحشية لم تستطع خلالها ردع المقاومة الفلسطينية، ولا حتى إخافتها، لا بالطائرات، ولا بالمسيرات، ولا بالمفخخات، ولا بكل مقومات القوة الإسرائيلية بما فيها الأسلحة النووية.

وعليها أن تصدق أن من لم يخشاها ذات يوم حينما كان شبه أعزل يملك أسلحة بدائية وعزيمة لا تلين، يمكن أن يتم ردعه وهزيمته وقد امتلك هو الآخر وسائل الردع الكافية، وصار يملك أيضا الصواريخ والمسيرات؟ وصار يؤلم الغاصبين ويرد لهم الصاع بالصاع؟

إذن عليها أن تبقى على يقين أن الوضع القائم قد يكون نافعا في حقبة معينة من التاريخ، كالتي نعيشها نحن العرب الآن، حيث نظم رسمية تعيش هوانا غير مسبوق، ويتم التحكم بها كعرائس الماريونيت من قبل أمريكا والقوى الغربية وأحيانا من تل أبيب نفسها، وحيث تتلقى إسرائيل دعما غربيا غير محدود.

لكن لو قرأوا التاريخ جيدا لاكتشفوا أن التغيير قد يأتي فجأة، وأن موازين القوى قد تتغير أيضا فجأة، وبالتالي ستنهار كل العوامل التي تسببت في بقاء إسرائيل طيلة العقود الماضية، وسيعرفون وقتها أنها كانت مجرد غفوة بمقاييس التاريخ، وأن هذا الواقع المرير آخذ في الإدبار.

الفخ الإسرائيلي

هناك نفر من اليهود يعارضون قيام دولة إسرائيل، ويرون أن تعاليم موسى عليه السلام تنهى عن وجود كيان خاص لهم، وأن إنشاء هذه الدولة أضر بسمعة اليهودية كدين، ومن أبرز هؤلاء الناس منتسبو حركة ناتوري كارتا الذين يزيد عددهم عن 20 ألف شخص، وبالمناسبة هذا عدد له حسابه بالنسبة للعدد الإجمالي لليهود في العالم.

لكن البعض يزيد عليهم القول إن من ساهموا في إنشاء دولة إسرائيل، لم ينشئوها إلا تخلصا من أذى اليهود في أوربا، ومن أجل إبقائها شوكة في خاصرة المسلمين والعرب.

وأضيف إلى ذلك أن هناك من يقول إنهم أنشئوها لتوفير الأجواء اللازمة لتحقق نبوءات دينية خاصة بهم، تعنى بتجميع الأعداء جميعا “اليهود والمسلمين” في هذه المنطقة المقدسة حتى يتسنى للمخلص الخلاص منهم جميعا، وبدء الألفية السعيدة.

والملاحظ أنه في كل التفسيرات حتى الكهنوتية منها كان إنشاء هذه الدولة خلاصا من اليهود وليس دعما لهم، وبالتالي فإذا غيّر الداعم الغربي خطته في أي لحظة، أو حتى اختلت موازين القوى لديه، فلن يكون الأمر خيرا أبدا لهذا الكيان.

كل ذلك يجب أن يحفز اسرائيل على الاحتماء بالسلام الحقيقي، وليس ذلك السلام القائم على لي الذراع والإجبار على الابتسام المصطنع، والتطبيع غير الطبيعي، والضغط على الحكومات وشرائها.

السلام القائم على احترام حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته دون أي قيود، وعلى تخليها عن سياسة نفث سمومها في البلدان العربية، حتى لا تكون عاقبة ذلك تكرار ما حدث بعد فشل غزوة الخندق.

مع ملاحظة أنه لا الفلسطينيين ولا العرب سيفنون، وأنهم فقط ينحنون للريح ولا يسقطون.

اقرأ المقال هنا على موقع قناة الجزيرة مباشر

...................................

مقالات عام 2023

....................................

الوطنية من حب الوطن إلى تقديس الفرد.. عبد الناصر نموذجا

سيد أمين

18/1/2023

لست أدري ما الذي يبرر تلك الموجة السياسية العارمة السائدة في وطننا العربي في تقديس الشخص لا الوطن، والبحث عن الانتصار للولاء بدلا من الانتصار للحقيقة، والاعتناء بالإجراءات والصورة وليس بالجوهر والنتيجة، مع أن حكمة الزمان تقول إن العِبرة بالنهاية.

ورغم النهايات الواضحة وضوح الشمس، فإن البعض يصر على المراوغة والخداع، والاستمرار في تقديس “تابوهات” أضرت أكثر مما أفادت، وقد يكون هؤلاء النسّاك في محرابها هم أنفسهم من متضرريها، لكنهم فقط لا يحسبون الأمور بمنطق العقل والحقيقة، ولكن بمنطق “المكابرة”، والإصرار على الانتصار للولاءات الزائفة، وكأننا في مباراة شطرنج، وليست أمورا تحدد مصائر أوطان وأرواح بشر.

مشهد واحد

خذ لقطة من هذه في مصر، فمثلا، ليس سرّا أن اتفاقية “السلام” مع إسرائيل وشروطها المجحفة المعلنة -وغير المعلنة التي باتت معروفة للجميع- طوّقت مصر بشدة لعقود، وحرمتها تماما من تنمية سيناء والاستفادة القصوى والمثلى من مواردها.

وليس سرّا أيضا أن مصر أُجبرت على توقيع تلك الاتفاقية لأنه لم يكن باليد حيلة لاسترداد أراضيها، كما سوّق الإعلام المصري لفترة من الزمن.

مع أن ذلك أعدم مصر وحوّل مسارها السياسي من قيادة تيار الممانعة العربية إلى قيادة تيار التطبيع، وكانت نتيجة ذلك إهدار ثروات البلد في الرشاوى والفساد الذي صاحب عملية “الانفتاح الاقتصادي” التي كانت في الواقع تنفيذا لأمر بيع القطاع العام، وحرمان الجيش المصري من أهم روافد تمويله ليتم تعويضه بالمعونة الأمريكية.

وقبل ذلك، خاضت مصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي استُشهد فيها آلاف الجنود وثكلت بسببها آلاف الأمهات، وأُنهك فيها الاقتصاد المصري بشدة.

وإذا كان الحال كذلك في الانتصار، فما بالك بنكسة يونيو/حزيران 1967 التي هي في الواقعة هزيمة نكراء لم تحدث في تاريخ حروب العالم، حيث أبيد عشرات الآلاف من الجنود المصريين دون حتى أن يتمكنوا من إطلاق الرصاص في الهواء، ولأن تفاصيل ما جرى كثيرة وجميعنا يعرفها فلا داعي لتكرارها، ولكن يكفي أن نقول إنه لولاها ما حدث ما بعدها، وما وقعنا في فخاخ اسرائيل الآن.

فضلا عن أننا في غنى عن الحديث عن تأثيرها السياسي والاقتصادي والنفسي على الوطن وشبابه، وتأثيرها العسكري الذي انعكس بصورة كارثية على ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء، والذي لا يزال سمه ساريا إلى اليوم.

فإذا كانت كل هذه المصائب هي مجرد آثار معلنة لهزيمة عسكرية واحدة حدثت منذ أكثر من نصف قرن، من هزائمه المتعددة في اليمن والكونغو و1956 وغيرها، أليس من الطبيعي أن نعتبر أن جمال عبد الناصر الذي يناسب هذا الشهر ذكرى ميلاده “أبو الهزائم”، بدلا من تقديسه واعتباره النموذج الكامل للوطنية دون دليل واحد؟

ظاهرة صوتية

ولا أرى بطولة إطلاقا في أن يخطب الرجل بأنه سيلقي إسرائيل ومن يقف وراءها في البحر، فهذا قد يكون مشهدا تمثيليا لا يتناسب مع المواقف الجادة، ولكن البطولة أن تفعل ذلك حقا بها، وتحرر الأراضي المحتلة لا أن تضاعفها للقادمين بعدك.

ولعله ليس من الصدفة أبدا أن كل معركة تخوضها تخسرها خسارة فادحة، دون مسوغات موضوعية لذلك، لا سيما أن إسرائيل آنذاك لم تكن إلا في حجم محافظة مصرية دون امتلاكها سلاحا استراتيجيا كما هو الآن، وكان حجم التعاضد العربي والإسلامي والعالمي جبارا، لدرجة أنه بإمكانه مع قليل من الجهد العسكري لدول المواجهة خنق إسرائيل وتحرير فلسطين كاملة في أيام معدودات، لكن الإرادة في ما يبدو كانت مخصصة فقط للقطة.

هذا نموذج لإخفاق واحد من إخفاقات قائد قدسوه لدرجة أن أحدهم وصفه بأنه “آخر الأنبياء”، ولا يزال آخرون يمارسون تلك النسك رغم الانكشاف الكامل للمشهد، وما زالت أنقاض الدمار تملأ المكان.

حب من طرف واحد

ولطالما تساءلت عن السبب الذي يدفع قامات كبيرة إلى السقوط في هذا الفخ المهين، لكني سرعان ما أتدارك أن كبرها هذا ربما جاء فقط بسبب تسليط الإعلام الأضواء عليها.

وفي حالة هؤلاء المتيمين القدامى والمحدثين، نكتشف أنهم يعيشون حبا من طرف واحد، يهرول خلاله المحبون خلف المحبوب ويتفنون في استخراج المآثر له، في حين أن المحبوب لا يبالي، وربما كان يسخر في قرارة نفسه بسفه المحبين وضيق أفقهم.

فما المتعة التي يجدونها في ممارسة هذا النشاط المريب الذي دفعت شعوبنا وبلادنا بسببه ثمنا باهظا، فقرا وظلما واستبدادا وتخلفا، ونزف فيه شبابها الدماء على عتبات اللا شيء، حتى أنهم لم يفعلوا كما فعل أصحاب الجاهلية الأولى الذين لم يتشبثوا بأوثانهم التي عبدوها أبا عن جد، حينما أتتهم دعوة الخلاص؟

قد أكون مخطئا في كل تقديري، ولكن فليأتني أحدهم بما يقنعني عسى أن أعود من الناسكين!!

...................................

حينما يعادي المتطرفون أردوغان والإسلام؟

سيد أمين

26/1/2023

لعل الأمر مدعاة إلى التأمل فعلا، فكلما زاد حقد متطرف غربي أو شرقي على الإسلام، سبّ رموز الدين الإسلامي ومقدساته وهاجم تركيا وأردوغان، وكلما أراد الغربي أن يعبر عن قوة الحضارة الغربية في مقابل الحضارة الإسلامية هاجم الإسلام ورموزه ثم الدولة العثمانية والدولة التركية وأردوغان.

هناك حالة ربط دائم بين تركيا والاسلام في العقلية الغربية، وهناك إجماع غير محسوس في العقل الباطن الغربي على أن أردوغان هو من يمثل العالم الإسلامي رغم أنه لا يحكم إلا دولة واحدة فقط من نحو 56 دولة مسلمة في هذا العالم، ولا تمتاز هذه الدولة بينهم مثلا بأنها الأكثر سكانًا، ولا أنها تستحوذ على مقدسات الإسلام، ولا حتى أنها تتكلم بلغة القرآن، بل إنها من دونهم جميعا لها دستور يقول إنها دولة علمانية.

وقد وصل الأمر إلى أنه في عام 2018 أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدى فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

كما أن الإرهابي الذي أطلق النار ببندقيته الرشاشة فقتل أكثر من 50 مصليًا في مجزرتين بمسجدين في نيوزيلندا عام 2019 كتب رسائل على الأسلحة تحمل تواريخ تشير إلى أن المذبحة تأتي ردًّا على انتصارات الدولة العثمانية والسلجوقية على الحملات الصليبية.

وفي إطار الحرب المتصاعدة بين تركيا وفرنسا لجأ الرئيس الفرنسي إلى تشجيع إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، باعتبارها حرية تعبير وهي الرسوم التي احتجت عليها أنقرة ضمن عدد كبير من دول العالم الإسلامي عقب نشرها في السويد والدنمارك، وهنا رد عليه أردوغان بدعوة الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلا إن ماكرون بحاجة إلى الرعاية العقلية.

الإساءة سياسية

كثير من المؤشرات تشير إلى أن الواقعة التي جرت في السويد الأسبوع الماضي هي في الأصل سياسية، وأن سلطات السويد أرادت الرد على الوقوف التركي دون انضمامها إلى الحلف الأطلسي بالموافقة على تظاهرة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا حركة إرهابية فيها إساءة لصورة أردوغان، وبقيام المتطرف الدنماركي بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.

وأكدت هذه الرؤية ما جاء في نص طلب التظاهرة، فبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة ستكهولهم فإن مواطنا دنماركيا سويديا يمينيا متطرفا قدم طلبا لتنظيم تظاهرة أمام السفارة التركية، كتب فيه تنظيم “مظاهرة ضد الإسلام في السويد عبر حرق القرآن ومظاهرة ضد رجب أردوغان الذي يضع عقبات أمام حرية التعبير في السويد”.

لعل تلك الواقعة باختيار وقوعها أمام سفارة تركيا تعزز من صحة الرؤية الخاصة بأنهم يهاجمون الإسلام من أجل الإساءة إلى تركيا وقيادتها، وهي الرؤية التي عارضها مراقبون منهم الإعلامي المصري عمرو أديب فحاولوا التقليل من شأن الواقعة والإساءة إلى أردوغان، وتناسوا أن ذلك يرفع من مكانته ولا يحط منها.

وربما أدركت القيادة التركية الأمر، فراحت تصعد من لهجتها اتجاه الواقعة بإلغاء زيارات كانت مقررة لوزير الدفاع ورئيس البرلمان السويديين لأنقرة، بل قامت تركيا بتكليف محامين سويديين بمقاضاة مرتكب الواقعة.

المعارك الداخلية

العجيب أن معارك أردوغان مع المعارضة التركية في الداخل يدور كثير منها أيضا حول الإسلام، وموقف الدولة منه ومن مظاهره، وخاصة مسألة منع أو إتاحة ارتداء الحجاب التي يشتعل الآن أوارها بسبب اتجاه حزب العدالة والتنمية لتحصين حرية ارتدائه في البلاد دستوريًّا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار القادم.

وقد أكدت استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة جهات استقصاء مستقلة بعضها علماني التوجه، أن ما بين 55% و70% من الأتراك يفضلون التدين وعودة المظاهر الإسلامية إلى تركيا.

لذلك تقوم الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بمحاولة الظهور بمظهر من يكنون للإسلام التقدير في دعاياتهم الانتخابية، رغم التاريخ الممتد لهذا الحزب في العداء للمظاهر الإسلامية، مما يدل على أنهم أدركوا أن المصدر الرئيسي لشعبية أردوغان وحزبه هو الدفاع عن تلك المظاهر.

ولقد وصل التماهي إلى درجة قول كمال كليشدار أوغلو زعيم هذا الحزب العلماني إن “الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رُفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام”.

وذلك للتخفيف من وطأة تصريح أطلقه نائبه يلماز أوزتورك الذي دعا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إعادة الأذان باللغة التركية، كما كان يفرضه هذا الحزب قسرًا على الدولة التركية في عقود مضت، ودفع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس رأسه ثمنًا لإعادته باللغة العربية.

كل الدلائل تشير إلى أن أعداء أردوغان في الخارج والداخل نصبوه حاميًا للإسلام، سواء كان الأمر حقيقيًّا أم لا.

...................................

قيس سعيد والمسارات الغامضة

سيد أمين

21/2/2023

يتلقى الرئيس التونسي قيس سعيد الصفعة تلو الأخرى من الشعب التونسي من دون أن يتعظ، أو يطور مساراته -التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة- لتكون مقبولة شعبيا، فيقع دوما في نفس الشرك الذي نصبه للآخرين، بعدما أصمّ أذنيه عن جميع الناصحين الذين لم يألوا جهدا في نصحه بكافة الطرق بضرورة التراجع عن مسار 25 يوليو/ تموز الغامض الذي فرضه على الشعب التونسي، من دون هدف منطقي يستحق اللهاث خلفه.

لكنه أصرّ على الهرولة إلى الأمام، واضعا نصب عينيه تجارب آخرين نجحت مثل الهرولة في إبقائهم في السلطة، متناسيا اختلاف تونس عن غيرها في أن لديها قضاء لا يزال خارج التدجين ولو نسبيا، وجيشا لم ينغمس بعد في الحياة السياسية حتى الثمالة، وأن الشركاء أو الرعاة الغربيين مشغولون الآن بإشعال أو إطفاء عشرات من النيران المشتعلة الأولى كثيرا بالاهتمام.

ولا يدري أحد ما العائد على تونس، أو شعبها الذي يعاني الأمرين اقتصاديا، أو على التجربة الديمقراطية، ولا على قيس سعيد نفسه، من تلك المسارات والحروب “الدون كيوشتية” التي يخوضها، في حين كان الأولى به الاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بدلا من تنظيم انتخابات وراء انتخابات وراء انتخابات تقاطعها الأغلبية الكاسحة التي لا تجد جدوى لها، والسعي لعسكرة البلاد واعتقال الحقوقيين والنشطاء والصحفيين والبرلمانيين وقادة الأحزاب المعارضة انتهاء بطرد الأمين العام لاتحاد النقابات الأوربية.

ردود سعيد

لم يتعظ بأن نسبة المشاركين في الاستفتاء الدستوري لم تتجاوز11% من الناخبين وهي أقلّ نسبة مشاركة في كل تاريخ تونس، ولم يتعظ بنزول عشرات الآلاف في عدة تظاهرات متتالية يطالبونه بالتوقف الفوري عن كل الإجراءات التي اتخذها منذ أن جاء للسلطة، ولم يتعظ بفشل ما أسماه الاستشارة الإليكترونية وما نالته من سخرية وانتقاد واسع في البلاد، ولم يتعظ بمهزلة الحوار الوطني التي أقصى منها الجميع وراح يتحاور مع أنصاره، فراح يمضي قدما إلى إجراء انتخابات برلمانية كانت نتائجها هي الأخرى مقروءة منذ البداية، وحصلت المشاركة فيها على نفس النسبة التي حصل عليها دستوره.

ولعل المدهش حقا هو تعليق الرئيس على نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في جولتيها، حيث لم يجد ردا على نتائج الجولة الأولى التي جرت في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي شارك فيها التونسيون بنسبة 11%، سوى قوله “إن نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدورة الأولى بل بالدورتين” وإن “المشككين يشبهون من يعلنون نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول”.

وحينما أعلنت نتائج دورة الإعادة في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي وكانت بنفس نسبة المشاركة في الدور الأول راح يردد مبررا عجيبا لا نعرف كيف اقتطعه ويحاول جعله منطقيا وهو أن نحو 90% لم يشاركوا في التصويت لأن البرلمان لم يعد يعني شيئًا بالنسبة لهم، وعلى طريقة مات المولود وماتت الأم ولكن نجحت العملية علق قائلا “إن الأهم أننا حافظنا على مواعيد الانتخابات”.

وبالقطع إزاء مثل هذه التبريرات قد يتساءل أحد: بما أن البرلمان القديم فاشل، والبرلمان الجديد فاشل، والدستور القديم فاشل، والدستور الجديد فاشل، والحكومة القديمة فاشلة، والحكومة الجديدة فاشلة، لماذا لا نجرب تغيير قائد السيارة نفسها لعل تونس تصل إلى وجهتها بسلام؟

وحصر سعيد الوطن في ذاته وصار كل من يخالف توجهاته عدوا لهذا الوطن.

النواب الجدد

مشهد الانتخابات التشريعية الأخيرة يشي بالكثير، فبغض النظر عما يردده كثير من المراقبين التونسيين عن أن المرشحين في الانتخابات البرلمانية هم في الغالب شخصيات غير معروفة، وليس لهم سوابق في العمل النيابي حتى لو في المجالس القروية سوى عدد قليل منهم ينتمي لأسر الحظوة لنظام بن على، فإنهم أيضا يتحدثون بنغمة واحدة تشبه خطاب الرئيس عن المؤامرة وقوى الشر والمخربين والإرهابيين ونحو ذلك، وبرامجهم لا تعدو برامج رئيس حي أو شيخ حارة، وليست برامج نواب برلمانيين لهم خطط قومية.

ومن الملفت للنظر أن هناك نوابا في البرلمان فازوا بعدد أصوات يزيد قليلا عن ألف صوت، وهو رقم ضئيل للغاية لا يعبر حتى عن أصوات حارة من الحارات، في حين أن أعلى الأصوات كانت متدنية أيضا وزادات قليلا عن ثمانية آلاف صوت.

كما أصابت الرئيس قيس سعيد أيضا لامة إضافية من تلك النتائج عبر رسوب معظم المرتبطين به من التيارات الناصرية، ولا سيما أحمد شفتر أحد أبرز الداعمين له والمبررين لكل خطواته أمام منافسه مسعود قريرة، رغم كل ما كان يحظى به من دعم إعلامي داخلي وخارجي، إذ حصل على ما يزيد قليلا على ألفي صوت فقط.

ولكي تكتمل دائرة الملهاة في هذه الانتخابات التي قاطعتها جميع الأحزاب الشعبية في تونس بجميع توجهاتها، تبيّن أحد المنافسين في جدول الإعادة لم يحصل على أي صوت، أي أنه لم يحصل حتى على صوته، وفاز مرشحون بالتزكية في بعض الدوائر لعدم وجود منافس.

ورغم تلك النسب المتدنية في المشاركة فإن مراقبين محليين شككوا في حدوث تزوير على نطاق واسع في النتائج، وإن كنت أنا شخصيا أعتقد أن من يستطيعون تزوير الانتخابات هناك كان بإمكانهم أيضا تزوير نسب المشاركة، كما يحدث في كل الانتخابات في البلدان العربية، وتجنيب جبين الرئيس هذه الوصمة، إلا إذا كان في جراب الحاوي ما لم نره بعد.

لو كنت مكان الرئيس قيس سعيد لتركت التونسيين يكتوون بنار قلة وعيهم لتحرقهم الأخطار التي لا أراها إلا أنا، وحرمتهم من جنتي، ورحلت!!

...................................

الزواج الحرام.. العلمانية والقومية العربية

سيد أمين

27/2/2023

 لا أعرف كيف تم دس العلمانية في الفكر القومي العربي، خاصة أن هذا النوع من العلمانية يتقوت على أيديولوجية وضع الدين في حالة الاصطدام مع القوم، في حين أن القوم أنفسهم -وهم الواجب على القوميين أن يبرزوا ويُعلوا من شأن خصائصهم الفريدة- لا يقدسون إلا هذا الدين بل ويعدّونه المميز الوحيد لقوميتهم، والأسمى مرتبة منها.

ولِمَ لا؟ وهو الدين الذي ميزهم بأنه اتخذ منهم رسولا يُذكر اسمه في كل صلاة يوميا في أرجاء العالم كافة، واتخذ من لغتهم التي تُنسب إليها قوميتهم لغة وحيدة لأسمى مراجعه المقدسة.

أكاد أجزم بأن ثمة مؤامرة فكرية عشناها على مر العقود الماضية، وضعت العربة أمام الحصان، تعالت فيها فكرة القومية العربية على هذا النحو المريب والمعوج فاتخذت من الإسلام خصما لها، بدلا من أن تجعله عمودها الفقري، مما نجم عنه أن تهالكت العربة وكاد الحصان يفلت من بين يديها ليذهب إلى أقوام آخرين تقدّر قوته.

تجربة الدولة العثمانية

لعل تلك الفكرة تنامت في وطننا العربي بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1923، وهي الدولة التي كانت تقدّر خصائص العربية وتعلي من شأنها ولم تجرؤ أبدا على الاستهانة بها، فكان هذا سببا من أسباب التمدد الهائل لها في رقعة خريطة العالم، مساحة وزمنا، وكان سببا أيضا في أن تقدّر الأمصار كلها تلك الخلافة العظيمة.

خاصة حينما جعلت اللغة العربية جزءا أصيلا من الهوية القومية التركية، وجعلتها لغة العلوم والثقافة والتعليم، رغم أن التركية كانت هي اللغة الرسمية في الداخل التركي في حين كانت العربية والتركية والفارسية هي اللغات الرسمية للخلافة العثمانية، وبذلك حظيت العربية بنصيب هائل من العناية فصارت لغة تفكير حضارية في كل الأصقاع الإسلامية التي تستظل بمظلة الباب العالي.

ولهذا، فحينما يئس الاستعمار الغربي المتربص بالإمبراطورية الجامعة للعالم الإسلامي من إمكانية كسرها عسكريا وسياسيا وثقافيا، لجأ إلى تفتيتها من الداخل عبر الزج بالكثير من المخدوعين والمتأمرين وضحال الآفاق في جميع أمصارها، ليدعوا إلى فصل قومياتهم عن الإسلام، فخُدع الترك بالتتريك، وخُدع العرب بالدولة العربية الكبرى، وخُدع الفرس بإعادة أمجاد الأكاثرة والساسانية، وهكذا في القوميات كلها.

وكانت النتيجة أن سقطت الدولة العثمانية لكن لم تنهض تركيا ثانية لعقود طويلة بخلاف ما أرادها المنكمشون في داخلهم، وسقط العرب والفرس في الاستعمار الحقيقي والمتخفي بدلا من أن يتحرروا، وتفتت رقعة بلادهم أيما تفتيت.

علمانية هنا ودينية هناك

في حين أن دول أوربا ربطت لفترات طويلة في تاريخها بشكل مباشر بين الهوية القومية والدينية، لدرجة يمكن فيها اعتبار أن نزاعاتها التي أدت إلى كل الحروب الداخلية والخارجية المعروفة بينها، كانت في الأصل نتائج للتعصب المذهبي والقومي بينها.

فضلا عن أن العلمانية نفسها هناك أُقرّت للحيلولة دون الفشل الدائم في منع الصدام القومي والمذهبي، وقد ساعد على نمو التجربة ونجاحها هناك افتقار المسيحية إلى “الفقه “و”طقوس الحياة اليومية” التي تتوافر في كثير من الأديان في العالم ومنها الإسلام.

لذلك نجد الفلسفة العلمانية الغربية الظاهرة تقول “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، لكننا نحن -المسلمين- مأمورون في ديننا بأن نُحكّم الدين عندنا في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، لأن ديننا هو دين ودنيا، وبالتالي فحينما نتحدث عن القومية العربية فلا بد من ربطها بالإسلام.

كما يوجد الكثير من الأحزاب القومية، والدول القومية، والأقاليم القومية، يكون فيها الدين أو المعتقد أو الثقافة هي المحاور الأساسية لتشكل الانتماء القومي، لا سيما في الهند وبورما والكثير من بلدان شرقي آسيا، وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.

بل إن هناك أناسا من أوطان وأجناس ولغات وألوان متنوعة، تمترسوا حول دين جامع بينهم ليجعلوه هو القومية التي تجمعهم، تماما كما فعلت “إسرائيل”، التي لم تكتف بأنها سرقت الأرض التي تجمعت عليها كل هذه الأجناس غصبا، بل أقرت قوانين تسلب من غير اليهودي مواطنته، وبالطبع تقصد بها صاحب الأرض الأصلي.

ولعل من العجيب حقا أن تجد أحزابا قومية في العالم غير الإسلامي تحتفي عمليا بدين القوم الذين تمثلهم، في حين أن قوميينا العلمانيين يجعلونه مجرد شعارات لزوم “اللقطة” يرفعونها بخجل وعلى استحياء كلما اقتضت المنفعة، وفي كثير من الأحيان يقودون حملات الصدام معه.

والخلاصة أن كثيرا من القوميين العرب ولأسباب مريبة بدّلوا انتماءهم إلى قوميتهم بالانتماء إلى فكرة العلمانية الفضفاضة، وليتهم فهموا جوهرها، فهم استخدموها -فقط- لكسر الإسلام، وما هو بمنكسر حتى تقوم الساعة.

…..

بعد كل ذلك يأتي السؤال: لماذا نحن -العرب- صرنا نغمط الحق ونغبط الباطل، ونجيد تحطيم مصادر قوتنا بأيدينا في المجالات كافة؟

...................................

لهذا يصرون على حبس عمران خان

سيد أمين

16/3/2023|آخر تحديث: 19/3/202310:15 AM (بتوقيت مكة المكرمة)


قد لا يصدق أحد في الشرق الأوسط أن هذه الحملة الأمنية الصارمة التي تشهدها باكستان هذه الأيام من أجل تنفيذ حكم قضائي بالقبض على رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، إنما هي لمحاكمته في قضية اتهامه ببيع 4 ساعات ذهبية تلقاها هدايا في فترة توليه السلطة تقدر قيمتها بنحو 100 ألف دولار فقط.

ولا يصدق أيضا أن عمران خان نفسه هو من بادر بتقديم وثائق لهيئات ضريبية تثبت أنه قام بشرائها من أمواله الخاصة بصفته من أشهر لاعبي الكريكيت في العالم سابقا، ومن حقه بيعها في أي وقت، خاصة أنه في عام 2019 أصدرت مفوضية الانتخابات الباكستانية تقريرا بامتلاكه ثروة قيمتها نحو 700 ألف دولار وقصرا قيمته 4.7 ملايين دولار أمريكي هي حصيلة بيع شقته في لندن.

ومصدر عدم التصديق هنا هو تلك المبالغة التي يحلو للإعلام الغربي والحكومي الباكستاني على حد سواء وصفها بجمل كبيرة من عينة “محاكمته بتهم فساد” أو “قضية الهدايا الثمينة”، وذلك بغرض أن يأخذها من لا يدري على عواهنها فتتخلق لديه صورة ذهنية سيئة عن الرجل، في حين أن المبلغ محل الحديث -إذا صدقت تلك الاتهامات- لا يتعدى مصروفات تكفي ليوم واحد من فسدة بلادنا.

تاريخ من اللامنطق

ولعل هناك من يستغرب عدم قيام عمران خان بتسليم نفسه لحضور جلسة محاكمته خشية اغتياله، لكن من يعرف التاريخ هناك يدرك ببساطة أنه لا مكان أبدا للمنطق فقد اغتيلت رئيسة الوزراء بينظير بوتو وسط حشد من جماهيرها، وأُعدم أبوها ذو الفقار علي بوتو بينما كان رئيسا للوزراء وهو الذي خطط لتملك بلاده القنبلة النووية، أما عبد القدير خان الذي أهدى البلاد هذه القوة الاستراتيجية فتم سجنه وتخوينه ومنعه من السفر حتى مات في ظروف غامضة، خاصة أن الرجل تعرض فعلا لمحاولة اغتيال في نوفمبر 2022 أودت بحياة أحد أنصاره وأصيب هو في قدمه مع آخر.

وليس من العجيب أن عمران خان حينما علم بما يدبر له بسحب الثقة من حكومته في البرلمان، استخدم في 3 أبريل/ نيسان 2022 حقه القانوني في إعلام رئيس باكستان بطلبه حل البرلمان لكن بدلا من أن يستجيب الرئيس للطلب كما هو متعارف عليه، وجدنا البرلمان يعقد في 10 أبريل من نفس الشهر جلسة غامضة وعلى عجلة لم تتح لأعضاء حزب الإنصاف الذي يترأسه خان حضور الجلسة، ويقوم بسحب الثقة من الحكومة.

ولعل هناك دلالات كبيرة في أن حدة الهجمة على عمران خان التي حدثت أثناء فترة حكمه تصاعدت بعد تقربه من روسيا والصين وسعيه للتكامل مع حركة طالبان أفغانستان، وهو ما أعلنه عمران نفسه -قبل أن يطاح به- من أنه تلقى تهديدات أمريكية.

نية مبيتة

المهم أن خان سارع بتقديم تعهد خطي للقوات التي تحاصر قصره في وسط إسلام آباد وتقود اشتباكات عنيفة مع أنصاره بأنه سيمثل أمام المحكمة، لكن فيما يبدو هناك نية لتصويره على أنه يستهزئ بأحكام القضاء وأنه يعتبر نفسه فوق القانون.

ولو كان في الأمر قدر من الحكمة لقبلت قوات الأمن التعهد وانتظرت الساعات الثماني والأربعين الباقية على موعد المحاكمة، فإذا أخل الرجل بتعهده كرت مجددا على قصره وأبطلت مزاعمه، لكنها رفضت قبول التعهد، مما يؤكد أن النية مبيتة للتصعيد وإخفاء الرجل في السجون بأي ثمن كان قبل المحاكمة المزعومة للحيلولة دون تواصله مع أنصاره، وهي إرهاصات تشير إلى نية لإدانته قبيل الانتخابات المقبلة في إقليم البنجاب.

وإذا نجا خان هذه المرة من الإدانة فقد أُعدّ له شرك محكم بسيل من البلاغات ضده بلغ 83 بلاغا، مع قضيتين أخريين تفصل فيهما المحاكم في البلاد، إحداهما حول ازدراء القضاء، والأخرى متهم فيها بالإرهاب!!!

وقد ظهرت النيات السيئة مبكرا حينما عينت لجنة الانتخابات الباكستانية في يناير/ كانون الثاني الماضي مرشح الحكومة المركزية سيد محسن رضا نقوي رئيسا مؤقتا للوزراء في إقليم البنجاب بعد حل عمران برلمان الإقليم الذي يسيطر عليه حزبه، وجاء قرار اللجنة بحجة فشل الحكومة والمعارضة على مدى أسبوع في اختيار شخص يشغل منصب رئيس الحكومة.

 شعبية جارفة

لكن الأمر الذي يحسب له الجميع حسابا هو أن عمران يتمتع بشعبية جارفة في عموم باكستان ولا سيما في البنجاب وبين قبائل البشتون التي ينتمي إليها والتي تعتبر واحدة من أكبر قبائل باكستان وأفغانستان.

ومع تدني مستوى عمل حكومة شهباز شريف، وتردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد، نظر كثير من الشباب الباكستاني إلى عمران خان على أنه الرجل المخلص للبلاد من الفساد وأنه الأجدر بتولي زمام الأمور.

ولعل هذه الحالة ومخاطر تحديها هي الشيء الوحيد الذي حال دون إخفاء عمران خان في ظروف سريعة وغامضة، وهي في نفس الوقت التي تبقي موقد النار متقدا.

...................................

هل شاهد العالم جنة أمريكا في العراق؟

سيد أمين

23/3/2023

عشرون عامًا مرت على سقوط عاصمة الرشيد، لم ينهض العراق بعدها إلا بوجع، وما نام إلا على وجع، وبين الوجعين صنوف متعددة من الأوجاع، فذاق من الديمقراطية المزعومة التي روجت لها أمريكا وحلفاؤها الثلاثون كل خراب ودمار.

وبالقطع لسنا بحاجة لسرد فظائع ما جرى، فهو حديث مؤلم على النفس الذكية من جهة، ووقائعه معروفة للناس من جهة أخرى، ويكفي أن نقول إن كل شيء فيها صار مهيئًا للسرقة والبيع، الأرواح والأعراض والخبرات والآثار والتاريخ والأموال.

الخسائر كلها بالملايين إن لم تكن بالمليارات، ملايين الشهداء ومرارات الفقد للأحباء شيبًا وشبابًا وأطفالًا ونساء، ملايين اللاجئين والمشردين في الداخل والخارج، ملايين الفقراء الذين لا يجدون ما يقتاتون عليه بعد أن كانت بغداد أو “البغددة” مرادفة للرفاهية والترف الذي حلمت به الكثير من الشعوب.

بعدها احتل العراق الصدارة في كل ما هو مشين، الأقل في جودة التعليم، الأدنى في الرعاية الصحية، الأكثر انفلاتًا أمنيًا، الأعلى في معدلات الفساد، الأكثر هدرًا للموارد، فأصبح العراقيون الأقل سعادة في العالم، بعد أن كانوا الأفضل.

تقلص حلم العراقي الذي بلغ عنان السماء ذات يوم إلى مجرد توافر موارد الطاقة والكهرباء رغم أن بلده يحتل صدارة منتجي البترول، واضمحل حلمه لأن يهاجر إلى بلاد كان شبابها يذهب للعراق بحثًا عن الرزق.

انكفأ العراق على نفسه عقدين من الزمان يحاول أن يلملم آثار الانشطار الذي خلفه الغزو الأمريكي للبلاد، الذي مزق البلاد شر ممزق، فتشظت اللحمة التاريخية بين مكوناته إلى شيعي وسني، وعربي وكردي وتركماني، ومن بين كل فئة فيهم تفرق الناس بين موالٍ لأمريكا، وموالٍ لإيران، فيما صار المجُّرم بين هذا وذاك أن تكون مواليًا للعراق.

سقوط المزاعم

سقطت المزاعم جميعها التي اتخذتها أمريكا ومن معها سببًا لارتكاب هذا الخراب كله بحق العراق وشعبه، ولكن لم تسقط آثار الجرائم، ولن ينسى أحد أن العراق ما عاد للعراقيين بعد.

سقطت مزاعم النووي التي اتخذوها كحصان طروادة للتنكيل بهذا البلد المقاوم، وأقر القاصي والداني بعدم امتلاك العراق برنامجًا للسلاح النووي تمامًا كما كانت تقول قيادات هذا البلد قبل العدوان، ولكن الغرض مرض والنية مبيتة.

وفي نظري يحق لكل بلد في العالم امتلاك الأسلحة التي يريدها لحماية أمنه، طالما كان هناك من يمتلكون مثلها ويهددون استقراره.

وسقطت أيضًا مزاعم محاربة الاستبداد، فالقاصي والداني يعرف أن الولايات المتحدة هي من ترعي الاستبداد في بلداننا وتدافع عنه، ولولا حمايتها له ما كان حال العرب كما هو عليه الآن.

وسقطت مزاعم تهديد الأمن الإقليمي حيث أن من يتخذونه ذريعة لغزو العراق هم أنفسهم من يسمحون لإسرائيل بأن تقصف أي بلد عربي دون حتى كلمة تنديد واحدة، ويبررون لصواريخها أن تنطلق فتقتل من تقتل في لبنان وسورية والسودان والعراق وإيران، ويتسترون عليها كأبشع وآخر قوة احتلال عسكري في التاريخ.

كما أن قولهم بأن أمريكا تسعى لنشر الديمقراطية في العالم ليعد من قبيل الكذب البواح، فأصابعها واضحة في تخريب ثورات الربيع العربي المطالبة بالديمقراطية والاستقلال الوطني، وهي الثورات التي إن نجحت لأقصت نفوذها المتزايد تمامًا من هذه البقعة من العالم.

الفوضى الخلاقة

أليس هذا المشهد هو المجال التنفيذي للفوضى التي وصفتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس بالخلاقة؟ أليست هي “خلاقة” بالفعل، ولكن من المنظور الاستعماري الغربي الهادف لمحو كل مراكز التأثير والاعتراض في عالمنا العربي، وهو ما حدث فعلًا؟

ألم يكن العراق ضمن الدول التي وصفتها القائمة التي حددتها الولايات المتحدة في العقد الأخير من نهاية القرن المنصرم بالدول المارقة، التي تقصد بها تلك الدول الرافضة للانضواء تحت العباءة الأمريكية والغربية؟

وقد بدأت تلك القائمة بخمس دول فقط حتى انتهت بعد الإضافات لتشمل عراق صدام حسين، وليبيا القذافي، ويمن علي عبد الله صالح، وسوريا الأسد، وسودان البشير، وغزة حماس، وإيران الإسلامية.

وشملت القائمة من غير دول الشرق الأوسط كذلك أفغانستان طالبان، بالإضافة إلى كوريا الشمالية والصين وروسيا.

وبنظرة تأمل واحدة على الخريطة العربية ستدرك أنه قد حدث لباقي الدول العربية التي شملتها القائمة الأمريكية ما حدث للعراق بالضبط من تخريب واستدمار.

سقوط الأمة

في الواقع أن سقوط بغداد عام 2003 لم يكن إدانة للعراق ولا لجيشها الذي قاوم حتى الرمق الأخير أعتى إمبراطوريات العالم الحربية دفاعًا عن استقلاله، ولكن كان سقوطًا للنظام الرسمي العربي الذي دشنته بريطانيا في منتصف القرن الماضي، وتأكيدًا للمؤكد بأن الجميع يقبعون داخل الحظيرة ولا مجال للتمرد عليها.

فيما جاء الربيع العربي بعد ذلك محاولة فاشلة -ستَترى بعدها المحاولات الناجحة- لدفن ما سقط.

...................................

الإبراهيمية.. حوار أم دين جديد؟ "رؤية مغايرة"

سيد أمين

منذ أكثر من عقد من الزمان حذرت الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة اللغة الفرنسية التي ذاع صيتها، ليس بسبب ما ترأسته من مناصب علمية عديدة في مجال تخصصها، ولكن بسبب نشاطها الدعوي؛ من مخطط ماسوني خطير لتخريب الأديان، ودمجها في دين واحد يسمى الدين الإبراهيمي.

لم يأخذ كثيرون هذا التحذير على محمل الجد لكونه خارج نطاق المعقول، واتهم آخرون الدكتورة زينب بـ"التهويل"، لكن الأيام أثبتت أن تحذيراتها كانت جادة جدا، خاصة حينما اجتمعت وفود من عدة دول لافتتاح بيت العائلة الإبراهيمية، التي تضم مسجدا وكنيسة مسيحية وكنيسا يهوديا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

البيت تمت الدعوة لتدشينه خلال زيارة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر برفقة بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني للإمارات عام 2019 وتوقيعهما على وثيقة "الأخوة الإنسانية"، إلا أن ما تبع هذا الإجراء من دعوات لتوحيد الديانات السماوية الثلاث في دين واحد، جعل الرجلين لم يشاركا في حفل الافتتاح الذي تم في شباط/ فبراير الماضي.

شيخ الأزهر

على ما يبدو أن الشيخ الطيب استوعب الشَرَك الذي أرادوا إيقاعه فيه هناك، فراح يوضح موقفه بانتقاد هذه الدعوة الخبيثة في أثناء حضوره حفل افتتاح بيت العائلة المصرية، قائلا؛ إن هناك محاولة للخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري، وبين امتزاج هذين الدِّينين، مؤكدا أنَّ اجتماع الخلق على دِين واحد أو رسالة سماوية واحدة مستحيل، ووصفها بأنها تبدو في ظاهرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، لكنها في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار". 

حتى قامت الأمانة العامة للبحوث الاسلامية بالأزهر في منتصف الشهر الجاري بإصدار بيان قوي، مؤكدة أن الديانة الإبراهيمية كفر صريح بالإسلام، ولا تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه، وتُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

بهذا، قلب الطيب الطاولة على من ظنوا أنهم نجحوا في خداعه، بما يمثله منصبه كشيخ للأزهر من قامة كبيرة جدا في العالم الإسلامي، فتغيرت نبرة التفاؤل عندهم إلى تشاؤم، وتوخى الجميع الحذر.

محاولات خداع

هناك من يحاول أن يوعز للناس بأن الفكرة جاءت فقط عقب توقيع الإمارات والبحرين اتفاقات للتطبيع رسميا مع إسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأن نص الاتفاق المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية لا يتحدث عن دين جديد، ولكن عن تآخٍ وحوار سلام بين الديانات السماوية الثلاث.

لكن التحذيرات التي أطلقها مراقبون كُثر، منهم أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان بجامعة الأزهر د. إسماعيل علي، والدكتورة زينب عبد العزيز التي أسلفنا الحديث عنها، عن هذا المخطط، حدثت قبل عقدين من الزمان، وقبل وصول ترامب للسلطة في أمريكا، وبالتأكيد قبل التطبيع "الرسمي" الإماراتي مع إسرائيل، يلقي ظلالا من الشك عليها، يؤيدها ما سرده الإعلام الغربي من دلائل على أن دينا جديدا يتشكل في الأفق.

والتاريخ يثبت ذلك، ففي 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1986 دعا بابا الفاتيكان السابق إلى إقامة صلاة مشترَكة من ممثلي الأديان السماوية الثلاثة، وذلك بقرية أسِيس في إيطاليا، ثم كرر هذه الدعوة مرات أخرى باسم "صلاة روح القدس"، ونفس الأمر فعله بابا الفاتيكان الحالي عام 2021 في أثناء زيارته إلى مدينة أور العراقية.

ويقول الدكتور إسماعيل علي: "نقرأ منذ 1811 عن "الميثاق الإبراهيمي الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين، رسّخه لويس ماسينيون في مقالة نشرها عام 1949، ثمّ تحوّلت الديانات الإبراهيمية إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها".

الكاسب والخاسر

كثير من المراقبين يرون أن الدعوة الإبراهيمية -في بُعدها الذي يصفها بأنها مجرد دعوة للاحترام المتبادل وتعظيم نقاط الالتقاء بين الديانات الثلاث-، لا يصب إلا في مصلحة اليهودية، حيث إنها هي الدين الذي يؤمن به الآخران، وأن الخاسر هو الإسلام لكونه الدين الذي لا يؤمن به كليهما، بينما هو يؤمن بهما.

ولعل تلك الرؤية وما قد يكون خطط له خفية من التحول التدريجي من "الحوار بين الكيانات المنفصلة" إلى "المزج في كيان واحد"؛ هو ما جعل الشيخ الطيب يتراجع، فيما يرى آخرون أن الخاسر الأكبر حينئذ ستكون المسيحية، حيث إن اليهود والمسلمين متفقون دونها تقريبا في معظم المسائل اللاهوتية، وهناك تشابه كبير في الفقه والحدود بينهما، ومن ثم فإن فرص التفاهم معها ستكون الأقل.

وبين هذا وذاك، يأتي فريق ثالث يرى أن الغانم الأكبر هو الإسلام، حيث ستمنحه فرصه ذهبية لشرح مبادئه السامية للعالم بعيدا عن حملات التشويه، ما يمكنه من محو الصورة النمطية التي صنعتها الدعاية المتطرفة عنه في العالم، وبأنها دعوة للمباهلة بهدف إظهار الحق وإزهاق الباطل، تمكينا لقوله تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:64).

وكذلك هي فرصة لتقديم رؤية إسلامية للوصايا التي قدمها اليسوع عليه السلام لأحد كتبته في الإنجيل بقوله: "إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (مر 12: 29).

ورأى هؤلاء أن الفهم العميق للبيت الإبراهيمي في منظوره كمنبر للتفاهم والحوار بين الأديان، سيقود الجميع في النهاية إلى الإسلام، وأن ذلك ما قد يكون دفع بابا الفاتيكان إلى عدم حضور حفل الافتتاح.

على كل حال، يجب أن نأخذ في الحسبان أن فكرة التآخي على ما فيها من مثالية، هي ذاتها الشعار الذي تستخدمه الماسونية لتحقيق مآربها الشريرة، لا سيما لو تحولت لدين جديد، كما قد يتم الترويج لها مستقبلا.

اقرأ المقال هنا على عربي 21

...................................

أصوات العالم الإسلامي في الانتخابات التركية

سيد أمين

14/4/2023

لم يحدث أن اهتم العالم بانتخابات محلية لأي دولة في العالم من غير الدول العظمى كأمريكا وروسيا، كما يهتم بنتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية المزمع إجراؤها في مايو/أيار المقبل، بل أن الملايين حول العالم يهتمون بمعرفة دقيق تفاصيلها بشكل أكبر مما يهتمون بأي انتخابات سواها.

وكما ينقسم الناخب التركي بين دعم هذا أو ذاك، كطبيعة أي انتخابات ديمقراطية، نجد أن المميز هنا أن العالم أيضًا ينقسم معها الانقسام ذاته، فهناك من يدعم أردوغان والتحالف الحزبي الذي يقوده، وهؤلاء هم في الغالب من “الشعوب” الإسلامية وشعوب دول العالم النامي من غير المسلمين، وفي المقابل نجد هناك من يسعى إلى إسقاطه حتى دون أن يدعم شخصًا محددًا من معارضته، وهؤلاء من “النظم” الغربية ومن يتبعها من النظم الإسلامية.

ولهذا يود كثير من مسلمي العالم لو أنهم أدلوا بدلوهم في تلك الانتخابات، ووجدوا الوسيلة لدعم التصويت لصالح الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان، وذلك لأنهم يرون الصورة كاملة من خارجها، وجلهم في حالة انبهار بما حققته تركيا طيلة العقدين الماضيين من نهضة غير مسبوقة في الداخل، ومكانة خارجية مرموقة جعلتها في طليعة الدول المدافعة عن الحق الإسلامي، وقبلة لملايين المظلومين والباحثين عن العدالة المفقودة في أوطانهم.

طبعًا لن يستطيع أحد من غير الأتراك أن يصوت في تلك الانتخابات، ولكنه يستطيع أن يبُصّر الناخب التركي الذي قد لا يملك الاطلاع السياسي الخارجي الكافي بالمكانة الكبيرة التي شغلتها تركيا وأردوغان في قلوب مليارات البشر غربًا وشرقًا في هذا العالم، وتأثيرها الثقافي والسياسي والاقتصادي الهائل الذي نقلها إلى مصاف الدول العظمى، وأنه يجب أن لا يهدر كل هذا بسبب مصالح ضيقة أو مشاحنات حزبية.

كما يستطيع أن يشرح له الآثار الاقتصادية والسياسية المباشرة وغير المباشرة العائدة على بلاده من تحقيقها هذا الوضع ما يستلزم المحافظة على استمراره، كي لا تعود تركيا حظيرة خلفية لأوربا وأمريكا مثلما حدث بعد سقوط الدولة العثمانية، وأن الدافع للنصح هو التنفيذ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقول رسوله إن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا.

وسائل مشروعة

ما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت الأمر كثيرًا، ونحن هنا لا نتحدث عن لجان إلكترونية وما شابهها من أعمال وضيعة تنتهجها بعض النظم والجهات، ولكن نتحدث عن إمكانية توجه المشاهير الذين يرون الرؤية ذاتها في أرجاء العالم الإسلامي كافة بنشر رسائل مهذبة ومختصرة تحمل رؤيتهم ونصائحهم باللغة التركية على حساباتهم الشخصية أو على الحسابات التركية الشهيرة يعرفون فيها أنفسهم مع تضمينها “هاشتاجات” الدعم لأردوغان.

وتستطيع الأحزاب والحركات والجمعيات والأندية ووسائل الإعلام والجامعات والمعاهد وغيرها وصولًا إلى كتّاب المقالات وأصحاب الرأي وحتى المواطنين العاديين فعل الأمر نفسه أيضًا، مع ضرورة أن يحرص الشخص العادي هنا على أن يقدم ما يقنع مشاهده أو من يقرأ رسالته من كونه شخصًا حقيقيًا وليس لجنة أو “ذبابة إلكترونية”، ويستطيع كل من لديه صديق تركي أن يرسل له بشكل مباشر.

كما تستطيع وسائل الإعلام والأحزاب والمنظمات والجهات الفاعلة في بقاع العالم الإسلامي سلوك المسلك ذاته عبر تشكيل وفود تزور الشركات والهيئات الشعبية التركية في بلدانهم لإبلاغهم بوجهة نظرهم.

ويمكن كتابة عرائض عبر تطبيقات العرائض الجماعية مثل “أفاز” و”عرائض جوجل” وغيرها، وجمع توقيعات عليها، وتوجيهها لمؤسسات الشعب التركي.

وفي المقابل يتوجب أن ينشط حزب أردوغان في العمل على إبراز ردود الأفعال التي تدعمه خارجيًا عبر وسائل الإعلام كافة المتاحة للحزب، والتدليل بها على المكانة التي حققتها تركيا في ظل قيادته.

قد تبدو مثل هذه الإجراءات يسيرة أو ساذجة، ولكنها من الممكن أن تسهم في تغيير توجهات الناخبين، وتحول دون ارتداد هذا البلد الذي يحبه الناس من العودة مجددًا لزمن التبعية والتقزم الذي عاشه طيلة القرن الماضي في ظل حكم أحد أبرز أحزاب المعارضة المناوئة.

الثورة المضادة

لا شك أن تلك الإجراءات من الممكن أن يسلكها الكارهون لأردوغان أيضًا، ما لم يكونوا قد سلكوها فعلًا، لكن الفارق هنا هو أن القارئ التركي سيستطيع أن يميز بسهولة بين قوة حجية الرؤية أو ضعفها، وبين الشخص الحقيقي و”الذبابة”، وسيسهم في ذلك توافر إمكانات التعرف إلى شخصية المرسل من خلال صفحته الخاصة.

كما أن هناك عاملًا مهمًا للغاية يؤكد أن تنفيذ تلك الاقتراحات ما لم يفد فهو أيضًا لن يضر بأردوغان وتحالفه، وهو أن غالبية الكتلة التي تصوّت للرجل هي في الواقع مدركة واقعيًا لصحة ما تضمنته رسائل الدعم والتأييد، وبالتالي فإنها ستزيده حماسة لإقناع آخرين بها، فيما أن الرسائل المضادة لن تفلح أبدًا في إقناعه بأي رؤية مغايرة.

عمومًا هذه مجرد مقترحات شخصية، تخطئ وتصيب، ينفذها البعض أو لا ينفذها، لكنني بها أكون بها قد أدليت بدلوي في الانتخابات التركية، لأنني أنا كما ملايين الناس من غير الأتراك يخشون على تركيا من أن تسقط مجددًا.

والحال يقول إنه لو كان المتربصون كثرًا، فالمخلصون أكثر.

...................................

الطرق المعيارية لفهم الحالة السودانية

سيد أمين

16/4/2023

حالة صدمة تعم الأوساط الشعبية العربية جراء الصدام الدامي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، لتكون بؤرة الصراع الجديدة في الوطن العربي الذي ما فتئ يهنأ بانتهاء الحرب في سوريا واليمن، وسط حالة ضبابية شبه كاملة حول أسبابها ومخاطرها ومآلاتها.

هناك عدة قواعد قد تساعدنا على فهم ما يحدث في السودان، لعل منها الاطلاع على أسباب تأسيس قوات الدعم السريع عام 2013 بدعم من أجهزة الأمن السودانية لتعويض العجز الذي أصاب الجيش السوداني جراء الحرب الطويلة مع متمردي جون غارنغ المدعوم أمريكيا في جنوب السودان، التي انتهت بانفصال الاقليم.

وكان الدور الأساسي لقوات الدعم هو التصدي لمليشيات الجنجويد الانفصالية في إقليم دارفور، واستطاعت أن تحقق انتصارا كبيرا عليها مما حال دون انفراط عقد السودان، وقامت الحكومة باعتبار تلك القوات تابعة للجيش السوداني، هنا على الفور اتهمت أمريكا تلك القوات بارتكاب جرائم حرب، وفرضت عقوبات على نظام الرئيس عمر البشير.

ومن المدهش أن الفريقين المتقاتلين الآن توحدا من قبل فقط في توطيد الحكم العسكري، تارة بالإطاحة بنظام البشير في 6 أبريل/نيسان 2019، وتارة بالانقلاب على الحكم المدني عام 2021.

النفوذ الأمريكي

من المهم أيضا أن نأخذ في الحسبان أنه قبل إنشاء البشير لقوات الدعم السريع بنحو عقد من الزمن، صنفت الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 على لسان رئيسها جورج دبليو بوش سودان البشير واحدة من “الدول المارقة”، ضمن 11 دولة في العالم تميزت بتمردها على حظيرة التبعية الأمريكية من بينها “العراق وسوريا وليبيا واليمن وحماس وحزب الله وإيران”.

وتعهدت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بعد ذلك في حديث صحفي عام 2005 بنشر “الفوضى الخلاقة” وتشكيل “الشرق الأوسط الجديد” القائم على فكرة دمج إسرائيل في المنطقة وقيادتها لها.

وبناء على ما سبق، يمكننا توقع أن تكون إزاحة البشير من الحكم قد جاءت آخر المهام في خطة عقاب الأنظمة المارقة، التي بدأت بسحق العراق وليبيا واليمن وإعدام قادتها، وتخريب سوريا ولبنان وحصار غزة، وكل ما أخشاه من تفجر النزاع السوداني هو أن يكون ذلك مجرد مؤقت لتفجر “الفوضى الهدامة” التي من شأنها تمزيق السودان إربا إربا.

وعقب الإطاحة بالبشير مباشرة، قفز السودان قفزة كانت متوقعة، بتوجه كل من “البرهان وحميدتي” نحو التطبيع مع إسرائيل في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، تلاه قيام واشنطن في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020 برفع السودان من القائمة السوداء الخاصة بالعقوبات الأمريكية.

النفوذ الروسي

هناك شكوك قديمة عن وجود علاقات بشكل ما بين قوات فاغنر الروسية وقائد قوات الدعم السريع، وتعاونهما معا في التنقيب عن الذهب واليورانيوم وغيرها من المعادن خارج رقابة الدولة، تعززت بزيارة حميدتي إلى موسكو مع بدء تفجر الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ليكرر ما فعله البشير عام 2017 وزيارته موسكو طالبا من بوتين حمايته من التدخلات الأمريكية.

وهناك حديث عن وعود بين حميدتي وروسيا لمنح موسكو قاعدة عسكرية روسية في مدينة “مروي” شمالي السودان، مع قيام قوات فاغنر بتدريب قوات الدعم السريع البالغ عدد أفرادها نحو 100 ألف مقاتل.

يحاول حميدتي إظهار أنه مؤيد للتيار المدني ورافض للحكم العسكري، تارة باعتذاره عن المشاركة في الانقلاب على الحكومة المدنية عام 2021، وأخرى باتهامه بشكل متكرر للبرهان بأنه يحاول عبر جميع قراراته إعادة نظام البشير “ذي القشرة الإسلامية” أو “الكيزان”، ويسعى بهذا الاتهام إلى ذر الرماد في عيون داعمي البرهان الغربيين والتشويش عليهم.

الغريب أنه منذ عام 2013 كانت قوات الدعم السريع تُعَد جزءا من الجيش السوداني، إلا أنه مع توقيع الاتفاق الإطاري المؤسس للمرحلة الانتقالية عقب الإطاحة بالبشير، وجدنا حميدتي يرفض هذا الاتفاق الداعم لدمج “الدعم السريع” في الجيش بقيادة موحدة، ويصفه بأنه سيمزق البلاد!!

وهو ما يكشف عن طموحات حميدتي الكبيرة في السلطة، إذ إن تنفيذ الاتفاق الإطاري سيجعله يفقد سلطته قائدا لهذه القوات التي تتميز بسرعة التنقل، وحرب الشوارع، والخبرة الميدانية الكبيرة التي اكتسبتها من حربها مع مليشيات الجنجويد، مع توافر الانتماءات القبلية التي يتميز بها أفرادها.

الوثائق الصهيونية

في سبتمبر 2008، قال وزير الأمن الداخلي الصهيوني الأسبق آفي ديختر في محاضرة له بمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إنه ينبغي منع السودان بموارده ومساحته الشاسعة من أن يصبح دولة إقليمية قوية وعمقا استراتيجيا إضافيا لمصر كما حدث في عام 1967، وإنه ينبغي التدخل بكل الوسائل المعلنة والخفية لإضعافه وتمزيقه وإشغاله في أزماته الداخلية، مع اعتبار ذلك من ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي.

وبناء على تلك الرؤية الصهيونية، فإن على السودانيين أن يدركوا أن هناك من يعمل على صب النفط على النار محاولا تغذية الطموحات الشخصية في السلطة لدى جنرالات السودان، بينما يخطط في النهاية لحرق السودان فلا يبقى هناك بلد يحكمه أي منهما.

وعليهم جميعا أن يعلموا أنه إذا امتدت يد الخارج لهذا البلد، فإنها في أغلبها لا تسعى لانتشاله بل لإغراقه.

صراع السودان نتيجة طبيعية لحكم العسكر.

...................................

لماذا اعتقلوا عمران خان.. ولماذا أفرجوا عنه؟

سيد أمين

15/5/2023

ليس هناك أي جديد غير متوقع في مسألة اعتقال رئيس الوزراء الأسبق ولاعب الكريكيت الشهير عمران خان من مقر المحكمة العليا في العاصمة إسلام أباد، الثلاثاء الماضي، ثم الإفراج عنه بعد اضطرابات شعبية خطيرة وصفت بأنها غير مسبوقة منذ تأسيس الدولة.

فأمرا الاعتقال والإفراج جاءا كما هو متوقع تمامًا، فالنية مبيّتة لإقصاء الرجل نهائيًا من الحياة السياسية الباكستانية بعد سعيه التوجه بالبلاد نحو الصين وروسيا بديلًا عن التوجهات التقليدية نحو الولايات المتحدة التي يدين بها معظم قادة الجيش والطبقة القضائية والسياسية المهيمنة.

ليست تلك هي منطقة الارتطام الوحيدة بين عمران والقيادات العسكرية التقليدية، ولكن هناك تحديًا آخر اعتزم خان تخطيه من خلال الانفتاح الكامل على حركة طالبان في أفغانستان، ويرى أن نسيج الحركة الأفغانية كما نسيج الشعب الأفغاني كله، هو مكمل طبيعي للشعب الباكستاني، محطمًا التوجهات الأمريكية الخاصة بإحكام حالة الحصار غير المعلن المفروض عليها.

ومن أخطر الخطوط الحمر التي تخطاها عمران خان هو سعيه لتنويع مصادر سلاح الجيش الباكستاني بدلًا من اقتصاره على السلاح الأمريكي والغربي، وبالطبع هذا يعد مؤشرًا خطيرًا في دولة تمتلك رؤوسًا نووية حيث يمكنها أن تمثل تحديًا مباشرًا للغرب يصعب ترويضه مثلها مثل كوريا الشمالية وإيران متى تولى أمرها حاكم له توجهات مستقلة.

أسباب داخلية

وإذا كانت تلك هي الدوافع الخارجية للتخلص منه -حتى لو فشلوا هذه المرة فقد يكررونها مستقبلًا- فإن الدوافع الداخلية هي الأكثر أهمية، وهي أنه جاء لمحاربة الفساد وتمكين الشباب والطبقات الفقيرة من السلطة بعيدًا عن العائلات الأرستوقراطية التي اعتادت على توارثها تقليديًا، يساعده في ذلك انتماؤه إلى قبائل الباشتون وهي القبائل الأكثر عددًا في البلاد.

كما أن الفساد يتفشى في باكستان على نطاق واسع، ويمتد ليشمل القطاعات كافة من الحكومة إلى القضاء والشرطة والخدمات الصحية والتعليم، لدرجة أنها تذيلت مؤشرات الشفافية في العالم كافة جعلت بعض مؤسسات المراقبة الدولية تعتقد أنه في المدة من 2008 إلى 2013 أهدر الفساد ما تصل قيمته إلى 100 مليار دولار وهو الرقم الأعلى في تاريخ البلاد.

ولقد تسببت تلك التوجهات في التفاف قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني لاسيما الشباب حول الرجل، فعدّوه المخلص من تلك الرواسب كلها التي جعلتهم وبلادهم في حالة اقتصادية مزرية رغم امتلاكهم مكونات النجاح كافة من ثروات متنوعة، وقدرات علمية وعسكرية، وثروة بشرية، وموقع جغرافي ممتاز، وغير ذلك، ولعل تلك الشعبية هي ما زادت من الإصرار على ضرورة التخلص من عمران خان نهائيًا.

النية مبيّتة

هذه هي الأسباب الحقيقية وراء اعتقال الرجل، وليس تلك الأسباب الهزلية التي تتحدث عن قضايا فساد وبيعه ساعات تلقاها هدايا إبان فترة رئاسته للوزراء بقيمة 600 ألف دولار، وهي الواقعة التي حتى في حال صحتها -وهي غير صحيحة في الأغلب- مبلغ ضئيل لا يمثل حصيلة فساد رئيس مجلس مدينة في باكستان نفسها أو في أي دولة من دول العالم الثالث وليس رئيس وزراء.

تسلسل الأحداث يؤكد سوء النية منذ أن انعقد البرلمان بشكل غير اعتيادي في أبريل/نيسان 2022 ليصوّت على سحب الثقة من حكومته أثناء غياب نواب حزبه الإنصاف “حزب الأغلبية”، وبعد أسبوع واحد من قيام البرلمان ذاته برفض حجب الثقة عنه، بل وتجاهل رئيس البرلمان آنذاك قرار خان بحل البرلمان قبل الانعقاد بساعات.

تلاه حكم مفوضية الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2022 باستبعاده من العمل السياسي لمدة 5 سنوات، ثم محاولة اغتياله في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ومحاولة اعتقاله في مارس/آذار الماضي، ومهاجمة الشرطة لمنزله بالأسلحة النارية لولا تصدي أنصاره لهم.

ثم أخيرًا اعتقاله على يد قوات شبه عسكرية من أمام محكمة ذهب إليها في إحدى تلك القضايا العديدة التي رفعت ضده بقصد استخدامها لتغييبه عن المشهد السياسي.

انتخابات البنجاب

ومن مشاهد التعنت ما أصرت عليه الحكومة برفض إجراء انتخابات للبرلمان المحلي لإقليم البنجاب قبل شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو البرلمان الذي كان يسيطر عليه حزب الإنصاف بزعامة خان، وتم حله في إطار الصدام مع الحكومة المركزية في إسلام أباد في يناير/كانون الثاني الماضي.

حجة الحكومة في التأجيل هي عدم وجود موارد مالية كافية لتنظيم تلك الانتخابات المحلية، وإن كان هدفها الأساس هو تجريد عمران خان من مصادر قوته التشريعية في محل نفوذه الأصلي، مخالفة بذلك قرار المحكمة العليا الذي قضى بتنظيم تلك الانتخابات في المدة من 15 أبريل/نيسان الماضي حتى 15 مايو/أيار الجاري.

ولربما قررت الحكومة الانصياع لقرار المحكمة وإجراء الانتخابات في الإقليم، ولكنها رأت أنه من أجل تنفيذ مخططات إقصاء عناصر حزب خان فلا بد لها أن تعتقل الرجل ما يمكنها من أن تجبره على المساومة وإجراء عملية محاصصة بعدها ستجرى الانتخابات ويفرج عنه، أو أن يرفض الإملاءات فيدفع الشارع لمزيد من التصعيد فيتعذر إجراؤها في الإقليم بسبب الأحداث الأمنية، وفي الحالتين فائدة لخصوم خان حتى لو على حساب الوطن.

يبدو أنهم وجدوا الطريقة المناسبة في مسألة انتخابات برلمان البنجاب، ولذلك تم الإفراج عنه منعًا لمزيد من الاضطرابات خاصة بعد انكشاف مخططاتهم شعبيًا.

المهم أن اعتقال خان لم يكن ليدوم طويلًا، لأن دوامه يعني سقوط باكستان في دوامة فوضى تاريخية، وفي الوقت نفسه مخططات إقصائه لم تتوقف أيضًا ولكنهم فقط يبحثون عن الطريقة الآمنة.

هذه عظة بالغة، فعمران خان احتمى بالشعب، والشعب يتدخل كل مرة لحمايته.

...................................

ليتها معركة حول هوية كليوباترا فقط

سيد أمين

29/5/2023

ما إن أعلنت منصة نتفليكس الرقمية اعتزامها عرض سلسلة أفلام وثائقية عن كليوباترا في 10 مايو/ أيار الجاري، وظهرت بطلة العمل بدور سيدة سمراء حتى هاج وماج البعض ووجدوها فرصة مواتية لخوض غمار معركة ضارية حول حقيقة لون بشرة كليوباترا.

وتصاعدت الأحداث فوجدنا قنوات إعلامية تتحدث بالساعات عن المؤامرة التي تهدف لتشويه تاريخ مصر، حتى وصل الأمر إلى بيانات من المجلس الأعلى للآثار ومجلس الوزراء الذي ترك كل انشغالاته والهموم التي يرزح تحت نيرها البلاد والعباد ليصدر بيانا يخلص فيه إلى أن كليوباترا كانت شقراء، ووصل الأمر إلى مدى بعيد في حد اللامعقول فصارت بشرتها مثار حديث فيما يسمى “الحوار الوطني”!!

ولاستكمال مشاهد العبث الوطني فوجئنا بأنباء رسمية عن نية “مصر” متمثلة في القناة الوثائقية المملوكة للشركة المتحدة، إنتاج فيلم وثائقي ردا على فيلم نتفليكس!!

كما ردد الكثيرون من مرتادي الخوض في عباب الوطنية الزائفة -دون اكتراث بوقوعهم في عار العنصرية- أن ظهور هذه الملكة العظيمة ببشرة سمراء لهو انتقاص منها ومن مصر.

وخانت هؤلاء القوم حصيلتهم الثقافية في معرفتهم أن كليوباترا لم تكن مصرية ولا تعبر عن مصر، إن لم تكن هي بأصلها البطلمي مجرد محطة من محطات الانكسار في تاريخ هذا البلد الذي تم استعماره من عدة قوى خارجية في معظم تاريخه المعروف.

وتجاهلوا أنها من هؤلاء الغزاة الذين تعالوا على المصريين وساموهم سوء العذاب دون أن يقدموا لهم المساواة والعدالة ولا أي طرح فكري سوى الاستعباد التام، وأن نهايتها لم تكن على يد مصري ولكن كانت على يد غاز روماني آخر أجبرها على الانتحار في إطار الصراع بين المستعمرين.

وخانهم وعيهم “الجيوبولتيكي” في أن غالبية سكان مصر هم من ذوي البشرة السمراء إما لأنهم أفارقة وإما لأنهم عرب، وأن “سمرة الوجه” لا تنتقص من قيمتهم ولا من سموهم، فهم أصلا ينتمون لقارتهم السمراء.

وجاهة المعركة

يحاول البعض إكساب المعركة “الوهمية “بعدا ثقافيا ونضاليا فيقولون إنهم يتصدون لمؤامرة كبيرة يتعرض لها تاريخنا من قبل حركة تسمى “المركزية الأفريقية” أو “الأفروسنتريك”، وأنها تسعى لسرقة تاريخنا.

مع أن كل ما قرأته عن تلك الحركة وما هو متوافر عنها أنها تسعى للتصدي لتهميش دور أفريقيا الحضاري في العالم، ونفي الاعتقاد الاستعماري السائد في العالم بكونها تمثل عبئا على الحضارة الإنسانية.

ومع اعتقادي أنها كيان هلامي، أو أنها كيان هش قائم فعليا تحرك بعض مؤسسيه أهداف إنسانية وثقافية، وأنها لو ادعت أن بشرتها سمراء أو بيضاء أو حتى خضراء فإن ذلك لا يمثل أبدا مؤامرة على تاريخنا المصري إطلاقا؛ وذلك لأن مصر هي فعلا دولة أفريقية، ومواطنوها أفارقة.

ومن يعش في هذه القارة طويلا أيما كانت بشرته قبل القدوم إليها فسيتحول لونه إلى السمرة بسبب طبيعة المناخ.

صراع هوية

كل ما أخشاه أن يكون فتح موضوع “لون بشرة كليوباترا” وما كسبه من زخم إعلامي هائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس مقصودا بذاته ولا بقصد الدفاع عن مصر ولا حتى كليوباترا، ولكنه حلقة من سلسة محاولات خبيثة لإثارة جدال خطير في المجتمع حول هوية مصر المستقرة عربيا منذ الفتح العربي، يليه الانتقال إلى حلقة الصراع حول فرعونية وعروبة مصر، وهل جاء العرب إلى مصر فاتحين أم غزاة؟

للأسف ذلك هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا في نظري، فالحرب على الهوية العربية والإسلامية في أوجها، وها هي اللغة العربية تنحسر بشكل واضح في يافطات الشوارع وإعلانات التلفاز، والنوادي والبنوك وحتى في ألسنة الناس، وبينما تنقص أعداد المدارس والجامعات العربية بشكل ملحوظ، ويتم تقزيم الأزهر وتحجيمه وتصعيب مناهجه، تتضاعف في البلاد مدارس اللغات بكل أنواعها، ويدرس الطلاب المصريون وحتى تلاميذ رياض الأطفال المناهج بالإنجليزية، وينحصر تدريس اللغة العربية في مادتها فقط، في حين وُضعت مناهجها بشكل ينفر الطلاب من تعلمها.

ورغم أنني لست ضد تدريس “الهيروغليفية” كنشاط ثقافي فإن اقرارها لتلاميذ التعليم الأساسي في هذه الأجواء التي تعاني منها اللغة العربية بشدة، يلقي ظلالا من الريبة على القرار، خصوصا أن منصة عالمية شهيرة كويكبيديا قامت باعتماد ما سمّته “اللغة المصرية” لغة تدوين عليها، وهي تتضمن مصطلحات وألفاظًا باللهجة الدارجة المصرية، مما يمكن أخذه قرينة على أن هناك ما يتم التخطيط له خارجيا حول هوية هذا البلد.

واقعتان

والواقع يقول إن ضجة كليوباترا تتشابه إلى حد بعيد بالضوضاء التي واجهوا بها مسلسل السلطان “سليم الأول” الذي تستعد تركيا لإنتاجه، وذلك بإنتاجهم فيلم “ممالك النار” الذي يشيطن السلطان العثماني ويضفي الاحترام على نظيره المملوكي طومان باي، وسوقوا الصراع بينهما على أنه معركة استقلال، مع أن السلطانين المتقاتلين المملوكي والعثماني هما في الأصل تركيان.

كما أن محاولات نفي عروبة مصر أو “فرعنتها” ليست بجديدة، فهي مستمرة منذ قرون، وكانت آخر محطاتها الحديثة عندما قفز الرئيس السادات إليها لتبرير تجاهله للرفض العربي لاتفاقات كامب ديفد المخزية.

لكن الفكرة انهارت لأن السادات لم يستطع الترويج لها بشكل جيد، إذ كان للنخب السياسية آنذاك شيء من القدرة والوعي لتمزيق ذلك المشروع الخطير.

وأظن أن هناك من ينبش لأن يتم نزع توصيف “العربية” من المسمى الرسمي لـ” جمهورية مصر العربية”

الألاعيب التي تمارس لنفي عروبة مصر كثيرة ولا تتوقف، وإذا أغمضنا أعيننا فلا يُستبعَد أن نكون أمام أندلس جديدة.

...................................

الميتافيرس.. هل أدركه العرب؟

سيد أمين

25/6/2023

الميتافيرس، والتي تعني “العالم الخيالي أو العالم ما وراء التقليدي “كلمة قد لا تكون متداولة أو معروفة في العديد من بقاع العالم لا سيما في مجتمعاتنا العربية، إلا أن المجتمعات العلمية الغربية تكثف جل اهتمامها للبحث في هذا النوع من العلوم المتقدمة الخارقة للطبيعة، والتي تشير كل التقديرات العلمية أنها ستكون حقيقة يعيشها الناس خلال العقود القليلة القادمة، مخلفة وراءها كل تقنيات عالمنا الأن في مجال التواصل والاتصالات مكدسة في سلال المهملات.

ولعلنا لا نعرف من “الميتا” سوى أنها جزء من “ميتا فلات فورمز” وهي الاسم الجديد للشركة المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة “فيس بوك” و”واتس آب” و”إنستغرام”، مع أنه في حال نجاح التجارب على هذا العلم فستكون تلك الشركة واحدة من أكبر ضحاياها، لأن نجاح هذا العلم سيعني إلغاء كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المعروفة حاليا، وبالطبع تغيير آليات عمل كافة وسائل الاتصال، وإحداث طفرة علمية فيها لا تختلف كثيرا عن أطروحات أفلام الخيال العلمي.

توقعات العلماء تشير إلى أن الإنسان العادي في العقود القادمة قد يبدأ يومه بارتداء النظارات الافتراضية التي لن تمكث طويلا لتتحول لمجرد عدسات وسماعات قد لا يمكن مشاهدتها دون تركيز فيها، يتواصل بها مع الآخرين بمجرد تحريك عينيه أو أصابعه، ويصدر أوامره لتشغيل الآلات ويقود بها عملية الإنتاج والزراعة والصناعة عبر نسق متكامل من الإعجاز العلمي.

وبالطبع سيتبع ذلك تغيرا جذريا في أنماط معيشة الناس واهتماماتهم وسلوكياتهم، ومنها بالتأكيد إدارة استراتيجيات الحرب والسلام، والسيطرة على الجموع، والتحكم في وعي الناس واعتقاداتهم ومعتقداتهم، وهو الأمر الذي يزيد من عوامل التحفيز الواجبة علينا كعرب أو كمسلمين لخوض غمار هذا العلم مبكرا.

والشيء المعيب حقا أننا هنا لا نجد كتبا تتحدث عن هذا العلم باللغة العربية، وإن وجدناها فإن القارئ سيبذل الكثير من الجهد لفهم المصطلحات والترجمات الخاصة بهذا العلم، ما يتوجب معه سرعة قيام مجامع اللغة العربية باستحداث الألفاظ وتعريب تلك المصطلحات، مع قيام وكالات الترجمة بالتركيز قليلا على هذا العلم، حتى لا ننهض ذات عام من غفوتنا ونجد أنفسنا خارج حسابات الكوكب علميا.

الاستشعار المبكر

في أزمة كورونا التي هاجمت العالم السنوات الماضية وما زالت، بنى الكثيرون اعتقاهم بأنها نتاج مؤامرة بيولوجية سرية تشنها بعض القوى العظمى في العالم في إطار تنفيذ خطة “المليار الذهبي” أو تخفيض عدد سكان العالم لأقل من الربع، ودللوا على ذلك بالعديد من الأفلام السينمائية الغربية القديمة التي كانت تحدث عن تصنيع هذا الوباء لدرجة أن بعضها ذكره بالاسم.

وبنفس الحالة، وجدنا العديد من الأعمال السينمائية الغربية القديمة تتنبأ بالاستخدامات المرعبة المحتملة للميتافيرس، ثم وجدنا بعد ذلك علماء الميتافيرس يتحدثون عن تقنيات مشابهة لما ورد في تلك الأعمال الفنية، ولعل من المثير أن نجد اسم شركة “ميتا” يتكرر في الحدثين، بعد أن سبق أن نسبت إلى مالكها تصريحات قديمة تحدثت عن تصنيع الكورونا، ثم عاد ليتبرأ من نسبة التصريحات إليه ويقول إنها “مفبركة”.

من تلك الأفلام مثلا فيلم ” Ready Player one لاعب جاهز واحد” ويتحدث عن هيمنة إحدى الشركات الاقتصادية على العالم باستخدام هذه التقنية عام 2045، وفيلم” Minority Report تقرير الأقلية” وتدور أحداثه في عام 2054 ويتحدث عن استخدام الميتافيرس في قتل المجرمين والإرهابيين- وبالطبع معروف من المقصود بالإرهابيين.

وفيلم “Avatar أفاتار” يتحدث عن استخدامه لتغيير معتقدات الناس وسلوكياتهم، وفي “Iron man الرجل الحديدي” يتحدث عن قيام رجل باستخدام سلاح فتاك لا يمكن مضاهاته لقتل الملايين، وفي “Wreck it Ralph حطمه رالف” يتحدث عن عملية التدمير الجماعي ودفع الناس لاتباع السلوكيات المنحرفة، أما فيلم “الرعب horror” فنجده يتحدث عن استخدام الميتافيرس للتأثير في عواطف البنات الجنسية.

وهناك أفلام كثيرة تسير في نفس المنوال مثل ” Herهير ” و” Smart house   المنزل الذكي” و Tron و ” The Matrix المصفوفة (ماتريكس) ” و” Strange days أيام غريبة ” وعشرات غيرها تتحدث فيما يشبه اللامعقول، لكن عودتنا التجارب السابقة أن كل ما اعتقدنا أنه غير معقول؛ حدث!

هل فات الوقت؟

لم يفت بعد، فمن سار على الدرب وصل، لكن ينبغي على الأنظمة العربية أن تبقى على يقين بأن الاستثمار الحقيقي ليس بإنشاء المدن والأبراج والكباري والأنفاق دون حاجة إليها، ولكن فقط بالإنفاق على العلم والعلماء بكافة فروعه.

وليعرفوا أن العلماء هم أصحاب الفضل على البشرية، فمنهم من غيّر حياتنا باختراع الكهرباء وعديد استخداماتها، ومنهم من عالج الأوبئة المستعصية، ومنهم من صعد للقمر، أو هبط لجوف الأرض، ومنهم أيضا من صنع القنبلة الذرية فاستطاع أن يفعل بها ما تعجز أن تفعله جيوش بها ملايين الجنود، وملايين الأطنان من المتفجرات وقت الحرب، وأن يوفر بها لدولته الأمان العسكري اللازم وقت السلم.

تحيا الأمم مستقلة فقط حينما يُحترم العلماء وتتوفر الإرادة.

...................................

الإسلام والهولوكوست ..ازدراء وتقديس!

30/6/2023|آخر تحديث: 30/6/202303:30 PM (بتوقيت مكة المكرمة)

بينما كان نحو رُبع عدد سكان الكوكب من المسلمين يحتفلون بأعظم أعيادهم؛ عيد الأضحى المبارك، كان هناك متطرفون في السويد قد حصلوا على التراخيص اللازمة لإحراق الكتاب المقدَّس لأتباع هذا الدين الذي يحتل عدد أنصاره المركز الثاني بعد الديانة المسيحية في العالم بفارق ضئيل، قطعا حدثت وستحدث إدانات واستنكارات هنا أو هناك، لكنها خجولة تأتي ذرّا للرماد، دون إجراء حقيقي يحول دون تكرار هذا الجُرم الذي أصبح ارتكابه روتينيا فعلا في دول بعينها، وذلك لأن من أمن العقاب أساء الأدب.

الإساءة إلى الإسلام لا تنقطع أبدا، فمنذ أيام قليلة دهم مستوطنون إسرائيليون بلدات فلسطينية محتلة، ودنسوا المساجد ومزقوا المصاحف وداسوا بقاياها بالأقدام، وخرجوا في أمان بعد أن قتلوا الأبرياء وعاثوا فيها فسادا، ولِمَ لا؟! وقد اعتادت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية نفسها اقتحام أهم ثالث مسجد مقدَّس للمسلمين وتدنيسه بأحذيتهم وإلقاء قنابل الغاز على المصلين فيه، وكثيرا ما حرقت خلالها المصاحف، ولم يحدث أي شيء على الإطلاق سوى دعوات غربية تساوي في مجملها بين الضحية والجلاد، وتدعو إلى عدم التصعيد ووقف “الاشتباكات”.

وفي الهند، تنقل لنا الكاميرات بوتيرة شبه يومية أعمالا بربرية يتعرض لها المسلمون هناك، فتاة يجبرها المتطرفون الهندوس على خلع حجابها، وأخرى تتلقى ضربات قاتلة وسط حشد من الناس، وشاب يُجبَر على السجود لبقرة، وأخر يُجبَر على ترديد شعارات تُمجد الهندوسية وتحط من شأن الإسلام، وبالتأكيد هي ليست سلوكيات فردية، فقيادي كبير من الحزب الحاكم في الهند سخر من الإسلام ومن رسوله الكريم (ﷺ)، ولم يحدث شيء سوى إقالته من منصبه بعض ضغط هائل من العالم الإسلامي.

ولدينا قناعة تامة بأن الموظف الكبير المارق ذلك سيعود إلى منصبه، إن لم يكن قد عاد بالفعل، وربما إلى منصب أعلى، وذلك لأن ازدراء الإسلام هو فعل ممنهج في دولة تهدم المساجد حتى لو كانت مساجد تاريخية كمسجد “شاهي” في مدينة الله آباد، الذي سبقه قبل 33 عاما، وتحديدا في 6 ديسمبر/كانون الأول 1992، قيام آلاف الهندوس من أتباع حزب بهاراتيا جاناتا (الحاكم حاليًّا) بمهاجمة مسجد بابري التاريخي وهدمه دون عقاب، واكتملت المؤامرة بإصدار محكمة هندية عام 2019 حكما بتسليمه إلى الهندوس لبناء معبد عليه.

وتتكرر المأساة في الصين التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور عن أعمال هدم لمساجد فيها، والمدهش أن المسلمين في الهند والصين هم أقليات كبيرة تُقدَّر أعدادها بعشرات الملايين.

المعايير المعوجة

ونذكر أنه حينما دمرت حركة طالبان عام 2001 تمثالين لبوذا في “باميان” بأفغانستان قامت الدنيا ولم تقعد، وخرجت حكومات الشرق والغرب والمنظمات الدولية المهتمة ومجلس الأمن والأمم المتحدة، تندد بما تسمّيه الإرهاب الذي ألصقته زورا بالإسلام، رغم أن معظم المنظمات والحكومات في العالم الإسلامي شاركت دول العالم في التنديد بهذه الجريمة، وانتهى الأمر بتدمير أفغانستان عبر تحالف عسكري أمريكي غربي مريع، ومع أن ما فعلته طالبان حينئذ يُعَد أمرا شائنا، ولا يعبّر عن دين يؤمن تماما بحق الآخرين في الاعتقاد، فإننا لم نسمع أي أدانات شديدة اللهجة وواحد من أعظم مقدساتنا يُدنَّس في القدس الشريف، ومساجدنا التاريخية تُهدم في آسيا وإفريقيا.

تلك الاستهانة بالمقدسات الإسلامية والمسلمين فتح شهية العديد من دول العالم لمواصلة التمييز الديني ضد الإسلام، فقامت إثيوبيا التي يُمثل المسلمون فيها -وفقا لتقديرات رسمية قديمة- نحو 35% من تعداد سكانها، وفي تقديرات أخرى يتجاوزون نحو 65%، بهدم العديد من المساجد، حسب ما ذكره ناشطون إثيوبيون، وكذلك فعلت جمهورية إفريقيا الوسطى.

ولِمَ لا تنفتح شهية القمع وهم يرون أن رئيس فرنسا يدافع بدون حياء عن الرسوم المسيئة إلى الرسول ﷺ، وأن هناك أيادي مسلمة تمتد إليه بالدعم، وأن المقاطعة الشعبية للبضائع الفرنسية لم تُجدِ نفعا بتواطؤ الأنظمة الحاكمة مع من يدعم ازدراء دينهم ومقدساتهم؟!

واضح تماما أن حكومات العالم الإسلامي اعتادت الوقوف عاجزة لا تحرك ساكنا مهما أصدرت من بيانات احتجاج أو اعتراض، وذلك لأنها افتقدت أسلحة الردع الواجب عليها اقتناؤها، وانحسر دورها في تلجيم غضب شعوبها، بل إن الهوان وصل بها إلى درجة أن معظمها لا تستطيع أن تطبّق قوانينها العقابية إلا على غالبيتها المسلمة، فتجور على المقدَّس المسلم لتجنب المساس بأي مقدَّس ديني لأي أقلية دينية أخرى داخلها.

 قانون رادع

وجب على المجتمع الدولي والغربي تحديدا، إن كان صادقا في احترامه حرية الاعتقاد، أن يصدر قوانين رادعة تختص بتجريم الإساءة إلى الإسلام ومقدساته، وعليهم أن يعرفوا أنهم إذا كانوا يعاقبون الناس بسبب إنكارهم “الهولوكوست” وما هو بدين ولا عقيدة ولا مُسلَّمة من مُسلَّمات الطبيعة، في حين أنه مجرد حدث يقبل الصحة والتشكيك، فالأَولى أن يطبّقوا العقوبات على “وسائل الإعلام والحكومات والناس العاديين” الذين يزدرون الأديان.

أمّا إن كان صادقا في احترامه حرية التعبير، فيجب عليه حينئذ التوقف الفوري عن دعم الأنظمة الاستبدادية التي تصادر آراء الناس وتمنعهم حقهم في التعبير والتفكير والمشاركة السياسية، ويجب عليه أيضا تأمين جميع وسائل وأنماط حرية التعبير والاحتجاج وعدم إخضاعها لسيطرة تلك الأنظمة، وألا يقف متفرجا بينما يتم اعتقال الناس أو قتلهم لمجرد إبداء رأيهم السياسي، وبالطبع يلزمه حينئذ إسقاط عقوبة إنكار “الهولوكوست”، وهذا بالطبع لن يحدث أبدا.

وأخيرا، فإذا كانت الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي صادقة في دفاعها عن الإسلام، فيجب عليها أن تُعِد لحمايته ما استطاعت من قوة العلم، وقوة الاستقلال، وقوة الردع.

...................................

ألغام جديدة في طريق المصالحة الليبية

سيد أمين

10/7/2023

هناك في ليبيا من يصرّ على أن تبقى العربة دائما قبل الحصان، وتحقيق الاستفادة الشخصية القصوى من الانقسام غير المبرر بين غرب البلاد وشرقها، وبين أبناء الشعب الواحد.

فبينما كان الليبيون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك، ويقضون إجازتهم الرسمية ككافة بلاد المسلمين في العالم، كان هناك مجلس نواب من المفترض أن ولايته انتهت منذ نحو سبع سنوات ينعقد بأقل من نصف عدد نوابه ليقرّ تشكيل محكمة جديدة في البلاد هي المحكمة الدستورية، بدلًا من إقرار القوانين المتفق عليها من قبل المجلس السياسي المعروف باسم “أنسميل” لإتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الموحدة في البلاد.

يجري ذلك وسط مخاوف كبيرة من أن هذا الإجراء غير المبرر قد يهدم في حال الإصرار عليه المنجزات القليلة التي تحققت بجلوس الأطراف المتصارعة على مائدة الحوار، فيعيد إلى الجميع الكرة من البداية، فضلا عن أنه قد يمسّ الدائرة القضائية بنار الانقسام الذي ضرب أطناب جميع مؤسسات الدولة الليبية، بعد أن ظل القضاء هو الأكثر توحدا واستقلالا بينها؛ وذلك بسبب إصدار المحكمة العليا للبلاد حكما سابقا بإجماع الآراء في مارس/ آذار الماضي بعدم دستورية إنشاء المحكمة الدستورية التي أقر مجلس النواب إنشاءها في مارس/ آذار العام قبل الماضي.

تسلسل الأحداث

ولملء الفراغ كانت المحكمة العليا قد أعادت في أغسطس/ آب العام الماضي تفعيل الدائرة الدستورية، وهي التي تم إغلاقها مع تفجر الصراع عام 2015 من أجل حفظ ثياب القضاء البيضاء من ملوثات الصراع السياسي، وقد نص قرار إعادتها على أن يرفع جميع أعضائها مصلحة البلاد فوق أي اعتبار مناطقي أو قبلي أو سياسي، وأن تكون المرجعية للدستور فقط.

ووجب التذكير بأن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح يمارس عمله طبقا لسياسة الأمر الواقع بعد تعذر إجراء انتخابات برلمانية جديدة بسبب الصراع الدائر بين مليشيا الجنرال خليفة حفتر التي تسيطر على شرق البلاد وتتخذ من بنغازي عاصمة لها، وقوات الحكومة الشرعية برئاسة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دوليًّا في طرابلس والمجلس الأعلى الليبي برئاسة خالد المشري الذي اعتبر أن هذا الإجراء باطل وبعث برسائل إلى رئيس مجلس النواب مطالبًا إياه بإقرار القوانين الانتخابية المتفق عليها من قبل المجلس السياسي.

وكان لجنة 6+6 المشكلة من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التي تجتمع في المملكة المغربية لوضع مشاريع قوانين الانتخابات بإشراف أممي، قد أعلنت في بدايات يونيو/ حزيران الماضي عن مفاجأة طال انتظار الليبيين لها بعد طول مماطلة وانقطاعات، وهي التوافق على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولم يبق إلا الإعلان الرسمي عن موعد الانتخابات وتصديق رئاسة مجلسي الدولة والنواب عليها.

الخلافات المستقبلية

هناك تكهنات بأن الإجراء الذي اتخذه مجلس النواب الليبي بتسمية أعضاء المحكمة الدستورية يأتي أساسا في إطار تعميق محطات الخلاف مع الحكومة الشرعية في طرابلس، وذلك من أجل المساومة بهذا الإجراء والتنازل عنه على مائدة المفاوضات من أجل تمرير نقاط الخلاف الأهم والأكثر إلحاحا وعلى رأسها الموقف من ترشح العسكريين والمزدوجي الجنسية للمناصب العليا، وكذلك ما يأتي في مرتبة أدنى منها مثل الطريقة التي سيجري خلالها توحيد المؤسسات العسكرية والموقف من المقاتلين الأجانب، وتعيينات وزارة النفط والمالية، والقصاص، ومكافحة الفساد.

وليس خافيا على أحد أن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وهو المرشح الأول لرئاسة البلاد من قبل البرلمان والكتلة الشرقية هو عسكري سابق، شارك الناتو في الحرب ضد نظام معمر القذافي، وأنه يحمل الجنسية الأمريكية وهي الدولة التي عاش فيها قرابة 20 عاما قبل عودته مع تفجر أعمال 17 من فبراير/ شباط 2011، وبالتالي فإنه المتضرر الأكبر من مسألة إقصاء العسكريين والمزدوجي الجنسية.

وكثيرا ما اتهم “الجيش الوطني الليبي” قوات حفتر بأنها مدعومة من قبل مليشيا “فاغنر” الروسية، مما أحدث ارتباكا في فهم الولاءات التي يدين بها الرجل، فالدور الأمريكي في تنصيبه وتمكينه واستمراره واضح تماما في تراخي واشنطن اتجاهه، ومخاطبتها له بطريقة فيها ندية مع الحكومة المعترف بها دوليا، وعدم التنديد بمحاصرته للعاصمة طرابلس، وغير ذلك. ثم تأتي الدهشة حينما نجده يستعين بمليشيا قيل إنها مدعومة من قبل الحكومة الروسية التي هي في حالة عداء مباشر مع واشنطن!

بعد هذا التخبط في فهم المشهد جاء تمرد قوات “فاغنر” على الجيش الروسي في “أوكرانيا” مؤخرا ليضع لنا النقاط على الحروف ويبسط الخطوط المعوجة، ويقدم لنا احتمالا بأن قائد هذه المليشيا المدعو “بريغوجين” قد يكون عميلا لقوى غربية، وربما لواشنطن نفسها.

تكنهات

ولا يمكننا إغفال بيانات متكررة أصدرتها جهات تنسب نفسها لقبيلة القذاذافة التي ينتمي لها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي تصف فيها حفتر بأنه عميل وخائن وأنه يستهدفهم في سرت ويحاصرهم تحقيقًا لأهداف ثأرية شخصية بسبب موقف القذافي منه، كما لا يمكننا إغفال ما نشرته فضائيات ليبية عن علمها بمخطط سري للتلاعب بتوصيات المجلس السياسي، والعبث بالإحصاءات السكانية ثم بالانتخابات المرتقبة، وأنه سوف يتم استغلال ذلك لإيصال حفتر إلى رئاسة البلاد.

لا نعرف مدى دقة هذه التحذيرات ولا مدى صحة إصدار قبيلة القذاذفة لها، وإن كانت في الواقع احتمالات متوقعة وواردة جدا، خاصة أن ما عهدناه في كل أحداث الربيع العربي كشف أن أسوأ الظنون التي ترددت على ألسنة المرجفين والمتشككين من الناس هي التي تحققت.

عموما الأيام القادمة ستكشف لنا إلى أين يتجه اللاعبون الدوليون بليبيا، إما إلى الاستقرار والنماء والعودة إلى الأيام الخوالي، وإما إلى مزيد من الانهيار والضياع، والأمر متوقف كله على نوعية التوافقات الدولية.

حفظ الله ليبيا وشعبها الطيب.

...................................

التحرر من أوهام ثورة يوليو

سيد أمين

23/7/2023

كنت حتى وقت قريب من دراويشها، وناسكًا في محرابها، حتى حلت عليها اللعنة، أو انجلى عني سحرها، فتعرت في ناظري، وتحول لاعبوها إلى مجرد بهلونات في سيركها الذي يديره مخادع ماكر عتيد، تشعر بيده تعبث في كل شيء، وتحرك جميع الخيوط، ولكنك تحتاج إلى بصيرة من حديد حتى تراه، وإلى تجرد من الأوهام المسبقة حتى تؤمن بما سيطرحه عليك عقلك، ولما تسنى لي ذلك؛ وقتها عرفت حجم سذاجة اعتقادي القديم.

نحن لسنا بحاجة إلى مزيد من الأسانيد التي تشكك في “ثورة” يوليو 1952 وهي كثيرة ومتنوعة، لأن قليلا من المنطق وحده كفيل بأن يهدم صرحها العالي المبني على سراب اللامنطق، بدءا من كونها ثورة، وانتهاء بأنها كانت حركة وطنية صرفة، مرورا بالإنجازات وحروب التحرر “الوهمية”.

الثورة والانقلاب

ودعونا نتفق أن الثورة هي عمل موجه ضد السلطة، والسلطة كما هو معلوم يعبر عنها بأدوات القوة كـ”الجيش والشرطة” أو أدوات العدالة كـ”القضاء والمجالس النيابية”، وتفصيلا نقول إنه حينما تطغي أدوات القوة على أدوات العدالة تصبح هناك سلطة استبدادية، ولكن إن خضعت أدوات القوة لأدوات العدالة حين إذن تكون هناك سلطة ديمقراطية، والأهم في كلتا الحالتين أن يكون وصول هؤلاء أو هؤلاء لمناصبهم جاء بناء على قواعد ديمقراطية وليست جبرية.

ولكن حينما نجد أن أدوات القوة في السلطة هي من تقوم بعمل عسكري مباشر- وهذا تماما ما حدث في تلك الثورة المزعومة- أو غير مباشر عبر تحريضها الناس على العصيان- كما حدث في غيرها- هنا يصبح ذلك “انقلابا”، وذلك لأن السلطة هي من تحدث ضدها الثورات وليست هي من تقوم بها أو تدعو لها، وإن فعلت، لكان ذلك انقلابا صريحا، وذلك لأن سلطة رأس الحكم المعني بالإطاحة بها لا قيمة لها ما لم تخضع لها أدوات انفاذها.

حركة وطنية ومهلبية

الحركات الوطنية الحقة التي تجئ معبرة عن إرادة الشعب لابد لها أن تمتاز بالتجرد والعدالة، وأبسط معاني هذا التجرد هو تسليمها السلطة للشعب بعد اقامتها حياة ديمقراطية سليمة، لكن ما حدث في هذه الحركة الوطنية المزعومة هو النقيض تماما، فقد ألغيت الأحزاب والمنظمات، وأممت الصحف وكافة وسائل التعبير، وصودرت الحريات، وتم الاستهانة بأرواح الناس وأعراضهم وأملاكهم، وكذلك أُهدر القضاء ليس عبر تطويعه كما يحدث في الديكتاتوريات التقليدية، بل إنهم وصلوا لمرحلة اعتلى فيها الضباط أنفسهم منصات القضاة، فصاروا الخصم والحكم!

ليست حركة وطنية أبدا تلك التي تزج بسفهاء القوم إلى لشوارع للهتاف ضد الديمقراطية بوصفها كفر، ثم تعتمد نظاما يُورث فيه الضباط الحكم بعضهم البعض دون أن يكون للشعب أي دور غير الجلوس في مقاعد المتفرجين، يستعملونه تارة كخزانة اقتصادية مكتظة يتم الجباية منها، وأحيانا يستخدمونه بوصفه خزانًا بشريًا هائلًا يمكن خداعه بسهوله ثم استدعاؤه في أي لحظة من أجل الانتقام من بعضهم البعض.

ليست حركة وطنية أبدا تلك التي يتفاخر قائموها بأنهم تخلصوا من حكم مستبد توارث الحكم أبًا عن جد؛ في حين أنهم ورّثوها من بعده لأنفسهم ولأسرهم، ومنحوا أنفسهم ما يشبه الحق الإلهي في التحكم في مصائر البلاد والعباد، فما كانت المحصلة إلا استبدال الإقطاع بالإقطاع، وتكاثر المستبد الواحد إلى عشرات الأمثال.

وللأمانة، ديمقراطية الملك هي من منحت هؤلاء الضباط إمكانية الالتحاق بالجيش رغم انتماء أسرهم للمستويات الدنيا من الناس، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل عن اتساع هامش التوظيف في المناصب السيادية لعامة الشعب، وهو الهامش الذي ضيقه وقصره الضباط الأحرار على أسرهم ومحاسيبهم حينما تمكنوا من الحكم، ما ألقي بمصر في جب التوريث الأسري السحيق.

تساؤلات قاتلة

ما هو المبرر المقبول لسماح بريطانيا لهذا الانقلاب أن ينجح في حين كانت مصر إحدى أهم مستعمراتها التي يعنيها استقرار الحكم فيها بأي ثمن، وكانت بريطانيا هي التي أخمدت عشرات الثورات والانقلابات في كافة مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس؟

وكيف لها أن تتخلى عن حليفها بتلك البساطة لهؤلاء النفر من صغار العسكر وهم من كان يكفي لاعتقالهم جميعا عربة ترحيلات واحدة؟

ولماذا لم تكرر ما فعلته في واقعة 4 فبراير 1942، وهي الواقعة التي حاصرت خلالها قصر الملك بالدبابات وأجبرته على حل حكومة الأغلبية بعدما تصورت تعاطفها مع القائد الألماني رومل في العلمين، وأجبرته على تشكيل النحاس باشا رئيس حزب الوفد حكومة الأقلية ليؤمن ظهرها في الحرب؟

وكيف سمحت وهي من تسيطر على المجري الملاحي لقناة السويس بعبور قوات الملك شرقا للمشاركة في حرب فلسطين 1948 لولا أنها على ثقة أن بينهم من سيفشلون تلك الحرب ويصنعون النكبة العربية؟

كيف حدث ذلك ما لم يكن الأمر يعبر عنها وعن إرادتها، وذلك نكاية في هذا الملك الذي تستر على تواصل حكومته مع عدو بريطانيا، بخلاف عصيانه الأمر البريطاني بدعم إنشاء دولة إسرائيل وإرساله قوات للحيلولة دون ذلك عام 1948؟

لما الحيرة والمثل يقول العبرة بالنتائج، وكل ما استتبع هذه الثورة على مدار 70 سنة من أحداث رئيسية كالنكسة ثم الحرب منزوعة المكاسب في 1973 ثم كامب ديفيد وما تلاها، هو أن تحولت مصر من عدو إلى ما يشبه الحليف لهذا الكيان؟

وهل جاء تحرر مصر رسميا من الاستعمار البريطاني عام 1956 بسبب مقاومة شعبية أو عسكرية، أم أنها رحلت طواعية عن مستعمراتها القديمة في كافة بقاع الأرض تمهيدا لبدء مرحلة الاستعمار بالوكالة طبقا للقاعدة الثالثة من قواعد ميكافيللي في السيطرة على المستعمرات، وخشية من ثورة تلك المستعمرات الكبرى التي كان سيدعمها الاتحاد السوفيتي والصين؟

الحروف وُضعت على النقاط وبمقدور الناس قراءة الأحداث بشكلها الصحيح وليس كما أُريد لها أن تُقرأ.

...................................

التكامل التركي الإفريقي.. الخاسر والرابح!

سيد أمين

3/8/2023|آخر تحديث: 4/8/202312:48 PM (بتوقيت مكة المكرمة)


ليس خافيا على أحد أن النفوذ التركي المتزايد في قارة إفريقيا صار رافدا دافقا لصب المزيد من الزيت على نار الغضب الغربي المتقدة أصلا نحو تركيا، وذلك لأسباب مباشرة وهي أنها تحل تدريجيا محل الوجود الفرنسي والغربي في هذه القارة السمراء، ولأسباب غير مباشرة تتمثل في وجود العديد من نقاط تضارب المصالح بين الطرفين.

ومن أهم تلك النقاط ما يتمثل في سلوكها مسار عدم الانحياز إزاء الحرب الروسية الأوكرانية رغم أن الغرب توقع منها انحيازا كاملا إلى أوربا نظرا إلى عضويتها البارزة في حلف الناتو.

ومنها كذلك اتباعها ذات السياسة في كافة المسائل الدولية التي بنت عليه سعيها للتوجه شرقًا نحو الصين، وجنوبًا نحو المنطقة العربية، وشمالًا من أجل مد وتدعيم أواصر التعاون والانتماء مع مجموعة الدول التركية، مع وضعها علاقاتها الأوربية والروسية في سلة واحدة من الاهتمام، لكن أخطر ذلك سعيها للحفاظ على علاقات طبيعية مع إيران.

ولعل التقدم الكبير الذي أحرزته إسطنبول في الصناعات عامة، والصناعات العسكرية والدفاعية خاصة، قد عزّز بشكل كبير مكانتها الدولية وصعّد في نفس الوقت المخاوف الغربية خاصة مع وجود ملفات تقليدية أخرى لا تزال عالقة في قبرص واليونان والحدود البحرية، والأهم من هذا وذاك هو سعي تركيا لاستعادة ثقافتها وإرثها الحضاري الفريد والاعتزاز بهويتها العثمانية.

هذا البعث الجديد دفع مجلة دي أس إي (DSI) الفرنسية المتخصصة في الأمن والدفاع إلى مطالبة حكومة بلادها والدول الأوربية وأمريكا بالعمل بأقصى سرعة لتوقيف التغلغل التركي في إفريقيا ولا سيما في دول إقليم الساحل والصحراء الكبرى، معتبرة أنه تغلغل يهدد أوربا كلها وأمريكا والحلف الأطلسي وليس فرنسا فقط التي انهار نفوذها الإمبراطوري في تلك القارة بشكل دراماتيكي في السنوات العشر الأخيرة.

وهو ما أكده أيضا تقرير نشره موقع مجموعة الأزمات الدولية (ICG) العام الماضي، ذكر أن النفوذ التركي في منطقة الساحل والصحراء يتجاوز العلاقات الاقتصادية، وأنه يحل محل النفوذ الفرنسي تدريجيا، كما برهن المراقبون على صحة هذا الطرح بأن مولود جاووش أوغلو كان هو أول وزير خارجية يلتقيه قادة مالي الجدد بعد طرد القوات الفرنسية من أراضيهم.

مميزات الإحلال التركي

ومنذ بدء الألفية الجديدة بدا واضحا جدا التوجه التركي الجاد نحو تلك القارة حيث وصل عدد السفارات والقنصليات التركية فيها إلى قرابة 42، فضلًا عن ورود معلومات عن التخطيط لاستئناف العمل لعقد قمة تركية إفريقية بحضور ما يزيد على 50 دولة، تأجل عقدها العام قبل الماضي بسبب جائحة كورونا.

المهم أن الغرب يتجاهل حقيقة مؤكدة وهي أن النفوذ التركي في إفريقيا لم يأت جراء ميراث تمدد استعماري كما هو الحال الذي ورثته فرنسا أو بريطانيا وغيرها من الدول الأوربية في مستعمراتها القديمة، ولم يأت في إطار علاقات التبعية التي تفرضها الولايات المتحدة عادة على الأطراف الأخرى، ولكن جاء في إطار علاقات إنسانية واقتصادية متبادلة تسعى من خلالها لإحداث نهضة اقتصادية وعلمية وحضارية تعود مردوداتها على الجميع.

كما أن النشاط التركي في هذه البلدان لا يسعى أبدا لحرمانها من امتلاك أدوات الاستقلال بل إن تركيا تزوّدها بالأسلحة المتطورة، فضلا عن أنها لا تعمل على نهب مواردها الخام كما دأبت على فعله الدول الاستعمارية الأوربية منذ قرون، وهي كذلك ليست مهتمّة بالتأثير الثقافي التركي في القارّة خلافًا للدول الغربية.

هذا فضلًا عن أن شعوب تلك البلدان وهي في أغلبها بلدان ذات أغلبية مسلمة تنظر بقلب حنين إلى الدولة العثمانية باعتبار أنها كانت خلافة إسلامية بذلت أقصى جهدها لحماية أسلافهم من الوقوع في براثن الاستعباد الذي اتبعه الاستعمار الغربي حتى لو لم تنجح في ذلك بسبب تمددها على بقعة جغرافية كبيرة في العالم.

حجم التجارة

الأرقام توضح الصورة، فقد نفذت تركيا ما يزيد على 2500 مشروع عملاق في هذه القارة بتكلفة إجمالية تزيد على 70 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة في مجالات تنموية ودفاعية متعددة مثل محطات الكهرباء ومصانع الأدوية والأغذية والصناعات التحويلية والعسكرية وغيرها.

أما حجم التجارة الثنائية بينهما فقد وصل العام الماضي إلى 30 مليار دولار، ومن المتوقع وصوله إلى نحو 50 مليار دولار العام القادم، وتضاعفت الاستثمارات في العقدين الأخيرين لتصل إلى 1.6 مليار دولار بعد أن كانت 390 مليون دولارا فقط عام 2001م، وتجاوزت الصادرات التركية إلى القارة 21 مليار دولار في نفس العام مقابل 10 مليارات دولار من الواردات الإفريقية إلى تركيا، وهي البيانات التي تؤكد أن العلاقات التركية الإفريقية قائمة على تبادل المنافع.

بالطبع حجم التبادل التجاري هنا ليس بكثير إذا ما قورن بنظيره الفرنسي صاحب الجذور التي تمتد أكثر من قرنين من الزمان، لكن بلا شك هو لافت بشدة خاصة أنه يأتي بعد أقل من عقدين من التوجه التركي نحو إفريقيا، ونجح خلال هذه المدة في سحب البساط من تحت أقدام دول النفوذ الاستعماري القديم.

من الواضح أن فرنسا من أول المتضررين من الحلفاء الجدد لإفريقيا، ويكفي أن نضرب مثالا بسيطا لذلك بأن في باريس نحو 58 مفاعلا نوويا تزوّد البلاد بغالبية احتياجاتها من الطاقة ومعظم اليورانيوم المطلوب لهذه المفاعلات يُستخرَج من دول إفريقية ولا سيما النيجر التي كانت توفر لفرنسا 20% من احتياجاتها قبل قرار قادة النيجر الجدد بمنع ذلك.

وينبغي أن لا ننسى أن الأفارقة حينما وجهوا ضربات متتالية إلى النفوذ الفرنسي في العقد الأخير لم يكن بسبب التدخل التركي ولا الروسي ولا الصيني، ولكن بسبب إصرار باريس على التعامل مع هذه الدول على أنها مستعمرات لا أقران، وعدم تصديقها أن نظام الحكم بـ”الريموت كنترول” أصبح مكشوفا للجميع.

...................................

بعد اعتقال خان.. الأزمة في باكستان تتفاقم

سيد أمين

26/8/2023|آخر تحديث: 26/8/202304:29 PM (بتوقيت مكة المكرمة)

ليس هناك أمر غير متوقع في سجن رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان مدة ثلاث سنوات، فسواء جاء الحكم بحجة ضلوعه في قضية تلقيه ساعات رولكس وخاتم وزوج من أساور اليد هدايا من ضيوف أجانب أثناء فترة رئاسته للحكومة التي صدر الحكم بحبسه بسببها، أو قضية جامعة القادر المتهم بضم أراض إليها، أو تحريضه أنصاره على التصدي لقوات الأمن، أو تسريب معلومات سرية إلى الخارج، أو بأي تهمة أخرى، فكل ذلك مجرد شكليات تفضي إلى تحقيق الغاية الرئيسة وهي القضاء عليه سياسيًّا، وربما جسديًّا، مع تفجير حركة إنصاف من الداخل وربما حظرها قبيل إجراء الانتخابات المحلية لإقليم البنجاب التي من المؤكد اكتساح الحركة لها.

والدليل على أن الرجل مستهدف لشخصه وللحركة التي يتزعمها، أنه ما إن زُجّ به في السجن حتى بدأت تلوح في الأفق قضية تسريب معلومات للخارج، وهي قضية غامضة وغير مفهومة إلا أن عقوبتها قد تصل إلى الإعدام، كما أن قيمة المبلغ الذي تدور حوله قضية الهدايا لا تتجاوز 635 ألف دولار، وهو مبلغ ضئيل خاصة إذا مسّ شخصا حصل على ملايين الدولارات من خلال ممارساته للعبة الكريكيت التي صُنّف ضمن أشهر لاعبيها.

واللافت أنه ما إن اصطدم خان بقائد الجيش السابق حتى انهمرت عليه مئات القضايا في محاولة لردم شخصيته بوابل من القاذورات.

تفجير الإنصاف

وقد أتت عملية تفجير حركة الإنصاف من الداخل أكلها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فالضغوط التي مارستها السلطات المدعومة من الجيش على أعضاء الحركة بعد أحداث التاسع من مايو الماضي، اتخذت اشكالا عدة منها اعتقال عدد كبير من نشطائها وصولا إلى قياداتها الذين هم أيضا وزراء سابقون مثل وزراء المالية والإعلام والخارجية وشؤون المرأة والمعلومات وآخرين، واضطر بعضهم إلى الاستقالة من الحركة حتى يتم الإفراج عنهم.

ترافق ذلك مع حملة استقالات غير مبررة كان أهمها تلك المجموعة التي تشكلت لتؤسس حزب “الديمقراطيون” والتي تزعمها وزيران من وزارة خان ضمن 50 شخصية أخرى. وقد نظرت القاعدة الشعبية الكاسحة من الحركة إلى هؤلاء المنشقين بوصفهم مندسين من قبل أجهزة الأمن، في حين كان هناك من هم حِسان النيات فعزوا الانشقاق إلى مفاوضات أمنية لفتح مجال العمل الحزبي والسياسي للحزب الجديد.

ومن الوقائع التي يتردد صداها في الشارع الباكستاني أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز إلى رئيس البرلمان السابق القيادي في الحزب بالاستقالة من الحركة مقابل الإفراج عنه حينما قال له علنا “اعقد مؤتمرا صحفيا وانه الأمر”.

أما حول إمكانية حظر حركة الإنصاف أو عدمها فالإجابة أن كل الشواهد تمنع حدوث ذلك؛ وذلك لأنها معبرة عن كتلة كبيرة من الشعب الباكستاني ولا سيما في إقليم البنجاب، وثانيا لعدم وجود ما يؤيد ذلك فكل الاحتشادات المليونية التي حدثت هي في الأصل كانت دفاعا عن الحركة واختياراتها السياسية مثلها مثل أي حزب سياسي، ولم تكن موجهة ضد أي جهة بما فيها الجيش، فضلا عن أن حظر الحركة لا يمكن حدوثه إلا بالرجوع إلى المحكمة العليا وليس بقرار من الحكومة حسبما هدد به المتحدث باسمها، ومع ذلك فليس من المستبعد تكسير الحكومة لجميع الحواجز وحظرها بقرار إداري رغم تداعياته الخطيرة.

ولسرعة جني مكاسب الشروخ في الحركة بعد غياب زعيمها؛ سارع رئيس البلاد إلى حل البرلمان والحكومة وعين أخرى مؤقتة لحين إجراء الانتخابات، وهي ذات المطالب التي كان يطالب بها خان مرارا من قبل ولكنهم نفذوها وهو وحركته غائبان عن المشهد.

حرب الكتلة

والجدير بالذكر أن أحداث التاسع من مايو الماضي التي رفض فيها خان تنفيذ أمر ضبط وإحضار أصدرته إحدى المحاكم، وتحصن بأنصاره الذين منعوا قوات الأمن من اقتحام منزله حتى اضطرت المحكمة إلى إصدار قرار بتأجيل تنفيذ قرار اعتقاله بعد مثوله طواعية أمامها، ركزت الأنظار في الداخل والخارج على الحصانة الشعبية التي تمتع بها، وأنه صار هو وحركته قوة كبيرة تشكل خطرا جسيما على باكستان التقليدية الموالية للغرب، وكان لا بد من تفتيتها.

ومن نوافل القول أيضا أن القوى الاستعمارية الخارجية تتفق عادة مع القوى الانتهازية الاستبدادية الداخلية في كل بلدان العالم العربي والإسلامي وربما العالم أجمع في العداء الصريح للكتلة، فهم لا يحبون الناس إلا فرادى ليسهل كسرهم واستعبادهم، ويرون أن وجود أنصار حقيقيين لأي شخص -وليس ذبابا إليكترونيا- لهو أمر مشين ومؤشر سوء يجب القضاء عليه بأي ثمن.

وفي السياسة هناك أسباب مباشرة وهذه عادة يتم تسويقها للعامة، وأسباب غير مباشرة وهي الأسباب الحقيقية التي يبني من هم خلف الكواليس سياساتهم عليها، والأسباب غير المباشرة للحرب على خان كانت بسبب رفضه إقامة قواعد أمريكية في بلاده وسعيه لتنويع مصادر التسليح لتشمل روسيا والصين وتركيا، ودعمه التقارب مع المحور الروسي الصيني بديلا عن الانضواء تحت عباءة واشنطن، ورفضه التطبيع مع إسرائيل، وانفتاحه على طالبان أفغانستان، وتبنيه برنامجا كبيرا لمكافحة الفساد في البلاد.

ولعل واحدة فقط من هذه السياسات كفيلة وحدها بتمترس الغرب وأتباعه في باكستان ضد الرجل وإزاحته عن السلطة، بل وضمان عدم وصول خلفاء له يتبنون نفس سياساته إلى السلطة مجددا، ولا مانع من العمل بكل الوسائل لتدمير أي حاضنة شعبية لمثل هذا النوع من الرجال، خاصة أن الغرب يعطي باكستان أهمية كبرى في علاقاته مع العالم الإسلامي نظرا إلى كونها صاحبة القنبلة النووية “الإسلامية”، التي إذا خرجت من التبعية الغربية فسيعني ذلك أن الغرب أمام إيران وكوريا شمالية أخرى.

المشهد في باكستان مرشح لمزيد من التدهور..

...................................

أخرجوا الشعوب العربية من هذا الجحيم

سيد أمين

4/9/2023

يا له من جحيم ذلك الذي تعيشه الشعوب العربية، فهم وحدهم القابعون تحت الظلم والقهر والاستبداد، وهم على الأرجح الفارون واللاجئون إلى شتات الأرض، هم القاتل والمقتول، هم الشاكون من الفقر والعوز، هم الغارقون في بحار الأرض طلبا للنجاة، وهن ثكالى الأزواج والآباء والأبناء، هن الزائرات المحتشدات حول السجون والمستشفيات أو داخلها، وهن المغتصبات دون أن يغضب لهن أحد.

كل شيء في العالم يتغير إلا أخبار فواجع العرب، فهي المقرر الثابت في نشرات أخبار العالم رغم أنهم الشعوب التي امتلكت كل مقومات الرفاهية والسعادة، فالأرض تنضح بالثروات والمعادن، والجغرافية تتوسط العالم وتطل على كل منافذه، والتراث عريق يدين له ربع العالم بالعرفان والجميل، والدين يأمر بالعدل والإحسان والشورى، ويعتبر أن قتل النفس البشرية دون ذنب أشدّ حرمة من هدم الكعبة التي هي أعظم مقدساته حجرا حجرا.

طبعا العالم لا يخلو من الحروب والنزاعات بين الدول، أو بين أبناء البلد الواحد انطلاقا من اختلافات دينية أو قومية أو ثقافية أو اقتصادية، لكن من المعجز أن تجد في بلداننا العربية سببا جوهريا يجتمع عليه الناس للتسبب في كل هذه الصراعات الناشبة داخل أقطاره، أو حتى بين كل قطر وآخر، خاصة أنه اجتمعت فيهم جميعا كل عوامل الوحدة المعروفة التي نادرا ما تجتمع في شعوب غيرهم مثل وحدة الجنس واللغة والثقافة والتاريخ والدين والمصير المشترك، والسؤال لماذا إذن كل هذا التشرذم؟

مرض عضال

الإجابة واضحة يدركها أغلب الناس لكنهم للأسف ينقسمون حولها إلى ثلاثة فرق؛ فمنهم من يجهر بها فيتحمل أعاصير الغضب التي ستهب عليه ليصبح إما قتيلا أو سجينا أو لاجئا أو شبه إنسان يعيش في شبه وطن، ومنهم من “يتحوط” خشية قولها فيصبح كشيطان أخرس، ومنهم من يتاجر بها بحثا عن الرضا السامي ومعه قليل من متاع زائل، وهي أن بلادنا ابتُليت عمدا بداء الاستبداد الذي من طول التعايش معه اعتقد الكثيرون من هؤلاء “المتحوطين” أنه من طبائع الأشياء.

انظر حولك في غالبية أقطار العرب الحزينة، فستجد أنه لا دواعي منطقية لتلك الدماء التي تراق والدموع التي تسكب، والسجون التي تحل محل الجنائن والحدائق، يكفي فقط أن يذهب شخص واحد أو بضعة أشخاص ليعيش بعدهم الملايين في سكينة وسلام، لكن للأسف ما يحدث في بلادنا العكس تماما، يرحل الملايين أو يموتون أو يقبعون في دهاليز البؤس والتعاسة والسجون من أجل أن يبقى الشخص الواحد وجوقته.

الأمر بسيط للغاية، في السودان مثلا يكفي أن يتم تنحية قادة الصراع جانبا، وهم بضعة أشخاص، ثم يجلس السودانيون جميعا ليقرروا شكل الحكم بناء على قواعد الديمقراطية فتحل أزمة السودان في يوم واحد، وفي ليبيا ما إن يرحل قادة الانقسام حتى نجد بعدها الليبيين يعودون إلى لحمتهم الطبيعية، والأمر يسري في العراق واليمن والصومال وتونس ومصر وغيرها من بلاد العرب المنكوبة بنظام حكم “الريموت كونترول”.

حكم الأقلية

بثقة تستطيع كتابة عنوان عريض لنظم الحكم في أغلب بلداننا هو حكم الأقلية، وأنها في الغالب هي نتاج تحكمات خارجية، تجعلها تعيش معظم الوقت صداما محتدما مع أغلبيتها في الداخل نظرا للتنافر الكبير بين مصالحهما، فهذا يسدد فاتورة من جاؤوا به إلى السلطة ومن يمكنهم الإطاحة به متى شاؤوا، والآخر يسعى خلف حقه الأدبي المشروع في حكم الأغلبية.

ومن المدهش أن ظاهرة استبداد الأقلية لدينا انتقلت من الاستحواذ على السلطة إلى الاستحواذ على ثقافة المجتمع برمته وحياته الثقافية، حيث تجد أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في مصر مثلا منحاز دائما للأقلية الفكرية الرافضة للحجاب، وتلك التي تنفر من عروبة البلاد، والكارهة للغة العربية، والناقدة للإسلام، والمهاجمة لطقوس الأغلبية خاصة تلك التي تعزز انتماءها الديني أو الثقافي أو القومي.

والعجيب أنه بدلا من العمل على إقناع الأقلية بحق الاختلاف وحق الأغلبية في تقرير المصير، وأنه ليس اضطهادا أبدا للأقلية أن يؤمن غيرهم بغير ما يؤمنون به من ثقافة وسلوك، وحقهم أن يعتزوا بتراثهم الحضاري والفكري والديني؛ نجد دائما هناك من يدعو الأغلبية إلى أن تغير كل ذلك، وينكر عليها حقها في قيادة المجتمع الذي تعيش فيه وتمثل نواته الصلبة.

في الواقع أن مجتمعاتنا مأزومة ولا سبيل صادقا للخروج مما هي فيه من جحيم إلا عبر قواعد الديمقراطية، تماما كما فعلت الشعوب الغربية؛ فخرجت من عصور الظلام إلى عصور النهضة.

فهل نفعلها ذات يوم؟

...................................

التمصير والتعريب وجهان لوطن واحد

سيد أمين

25/9/2023

من أخطر الطعنات التي يمكن أن تطعن بها أي أمة هي تلك التي تستهدف هويتها أو التي تغذي الصراعات العراقية والمذهبية داخلها، وأخشى أن تطال هذه الطعنات الغادرة مصرنا الحبيبة، نظرا إلى وجود كثير من الشواهد لتحركات يد عابثة في هوية هذا البلد العربي المستقرة منذ أكثر من ألف عام، تتمثل في إهدار اللغة العربية في مدارسها، وتحول الغالبية القصوى منها إلى مدارس تدرس كل المناهج بلغات غير اللغة العربية، وامتد الأمر ليشمل يافطات المحال والشركات، وإرشادات الطرق والمرور، وأسماء المنتجعات والأبراج والأحياء الجديدة وغيرها.

يحدث هذا بشكل تدريجي ومتسارع منذ عدة سنوات وزاد عليه مؤخرا الإهمال الواضح للآثار الإسلامية والعربية، وهدم المقابر والقصور التاريخية في منطقة وسط القاهرة والعديد من بقاع مصر بما تحمله من تراث عربي وإسلامي نادر يشي بالكثير من حقب هذا البلد التي تشكلت فيها هويته الحالية، وبدا الأمر متناسقا حتى وصلنا إلى مرحلة نشاط ذباب إلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي يروج بشكل متناغم لفرعونية مصر مقابل إنكار عروبتها.

يستغل هذا الذباب الإلكتروني حالة الانهيار المعرفي والثقافي التي يعيشها كثير من الشباب لنشر دعوته الواهية، وهي تلك الحالة التي تم تصنيعها على مدى عقود بشكل متعمد لاستخدامها في أوقات الانكسار، من أجل تحقيق ما عجز الكارهون لمصر عن تحقيقه عبر مئات السنين.

سترات الشباب

“أنا مصري. مش عربي” شعار مطبوع على السترات التي يرتديها الشباب، وخطورته في أنه صنع تضاربا بين أن يكون المرء مصريا وأن يكون عربيا في نفس الوقت، وهو تضارب تدحضه ثوابت التاريخ ومعلومات السكان والجغرافيا السياسية.

ورغم أن التيار السائد هو كتابة كل شيء بالإنجليزية -وكأننا إنجليز- في دولة لفظ “العربية” ضمن اسمها الرسمي، نجد أن هذا الشعار المريب مكتوب باللغة العربية بأشكال مبهجة واحترافية بما يعني أنه يستهدف هؤلاء الذين لم يتح لهم تعلم شيء غير العربية، مما يؤكد سوء النية والمقصد.

وما إن تصدر الهاشتاج الخاص بهذا الشعار موقع تويتر بعدد يقل عن ألفي تغريدة فقط حتى راحت وسائل الإعلام العالمية تلقي الضوء عليه بوصفه مطلبا يعبر عن رغبة كثير من المصريين، رغم أن كافة التغريدات التي كتبت تحته كانت تسخر منه أو تهاجمه.

بوتقة صهر

هوية مصر أمر تم حسمه اجتماعيا وثقافيا على مدار عدة قرون، والحديث فيه مجددا مع الأمل في تغييره لهو ضرب من الخيال لا يمكن أن يحدث متى أدرك الناس المؤامرة؛ لأنه يمس معتقداتهم وتراثهم.

مر الكثيرون من هنا الفراعنة والرومان والفرس والإغريق واليونانيون والهكسوس والأحباش والصوماليون والسودانيون، والمماليك والأوزبك والأذريون والأتراك والأكراد والنوبة، واليهود وعبدة الأوثان، واستقر الأمر على مدار سنوات طويلة بأن دانت أغلبية هذا الشعب بالإسلام وتعربت بثقافته.

والحقيقة أن مَثَل مصر كَمَثَل بوتقة صهر؛ لأنها تذيب في قدرها القوميات والأعراق والأجناس، لتخلق لنا هذا المزيج الثقافي والفكري المتدثر برداء العروبة والإسلام، وهو الرداء الذي لا يمنع في ذات الوقت تنوع الاعتقاد والثقافات.

لم يكن هناك إجبار للأقليات على التعرّب بدليل أنه في ظل الحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي لمصر؛ وجدنا المسيحي يتحدث العربية ويؤدي طقوسه الكنسية بالعربية ويمارس ثقافته الاجتماعية العربية دون أن يجبره أحد على ذلك، وفي المقابل وجدنا مستشرقين غربيين يحاربون الدين السائد لدى شعوبنا في صورة دعوات إلى الشعوبية في حين وجدنا الغرب على تعدد أعراق ولغات كل دولة فيه يؤمن بالدولة الواحدة واللغة السائدة.

الخطر الإقليمي

وتتشابه تلك الحملة التي تحاول إيهام سفهاء القوم بوطنيتها وسعيها لتمصير مصر، مع حملة أخرى قديمة كانت أوسع نطاقا وتأثيرا على امتداد رقعة الوطن العربي، صدقها للأسف قسم كبير من الناس حينئذ، وشكلوا على أساسها أحزابا وحكومات وحركات ومنظمات، ثم نفر منها كثيرون بعد اكتشافهم عدم استيفائها واجبات “الحجية والمنطق”، إنها تلك الحملة التي فصلت بين العروبة والإسلام وحاولت جعلهما خصمين رغم أنهما وجهان لعملة واحدة.

أما خطورة تلك الدعوات الخبيثة الرامية إلى التخلص من عروبة مصر فهي في أنها قد تفتح أبواب الجحيم والخراب والتمزق بين أنسجة المجتمع الواحد ليس في مصر وحدها بل في دول المغرب العربي وشمال إفريقيا وسوريا والعراق ولبنان، فظهر من يقول “أنا آشوري مو عربي” و”أنا سورياني مو عربي” و”أنا كردي مو عربي”، مع أن العربية لم تمح لغاتهم ولكنهم هم طواعية انصرفوا عنها وحدثوا العالم بالعربية بعدما صارت لغة عالمية بسبب انتشار الإسلام وريادته.

وهو ما يؤكد وجود المؤامرة الهادفة إلى انفراط عِقد هذه الدول في صدامات قد تدوم قرونًا، ولن تنتهي إلا بالعودة إلى اللحمة الثقافية السائدة حاليا، التي لا تمنع التعدد الثقافي، وتعتبر أن الثقافة الإسلامية التي تجمع شعوب هذه المنطقة هي هويتها الحضارية، وهي بالقطع ثقافة عربية في مجمل تفاصيلها.

وقديما اتفق السابقون منذ أيام العرب المستعربة على أن العروبة ليست جنسا بل هي لغة، فمن يتحدثها فهو عربي ندّ للعرب العاربة، حتى لو كانت بجوار لغته الأم، وقبول القوميات الأخرى في وطننا العربي قديما لهذا المبدأ يعد برهانا للحكمة والعدالة، ويؤكد أن ما حدث فتح لا استعمار.

أتمنى أن نكون على خطأ في مخاوفنا تلك على ضياع هوية بلادنا العربية، ولكننا في ذات الوقت نحتاج إلى ما يدعم اطمئناننا مع سرعة تصويب الانحراف

...................................

تفجيرات بلوشستان.. ابحث عن المستفيد

سيد أمين

3/10/2023

استهدف تفجيران مسجدين جرت فيهما فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ولاية بلوشستان (جنوب غربي باكستان)، وراح ضحيتهما عشرات القتلى والمصابين، وأثارا كثيرا من علامات الاستفهام حول أسبابهما، خاصة أن الولاية عُرفت تاريخيا بكثير من العمليات الإرهابية، مما يعني بشكل آخر ضرورة وجود توقع مسبق لوقوع مثل هذه العمليات خلال مثل هذه المناسبات لدى الأجهزة الأمنية الباكستانية، التي تُعرف عنها قدرتها الاستخبارية العالية، والتي نجحت من قبل في إحباط عديد من العمليات الإرهابية.

توجد في باكستان عديد من الجماعات المسلحة والانفصالية، وبالطبع لكل منها أجندتها، ومع تنوعها تنوعت أيضا العمليات المسلحة ومن تستهدفهم، فتارة توجه ضد الجماعات الصوفية كما في هذا الحادث، وتارة ضد الأقليات المذهبية كالشيعة والأحمدية، وأخرى ضد الأقليات الدينية التي تستهدف الكنائس، وكثير منها تستهدف قوات الأمن.

هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة

أسباب قريبة

الشواهد المباشرة تشير إلى احتمال وقوف تنظيم الدولة وراء الجريمة، فسِجله يحفل في كل البلدان التي كان فيها بمناصبة الحركات الصوفية العداء، ويعزز هذا الاتجاه أن حركة طالبان الباكستانية لا تنفذ أي عمليات عسكرية ضد أي أقليات أو حركات مذهبية ودينية وفكرية، ويقتصر نشاطها في صورة رد على قيام قوات الجيش والشرطة باعتقال قياداتها أو مهاجمة أماكن وجودهم، فضلا عن أن الحركة سارعت بنفي صلتها بالحادث فور وقوعه.

ومن المؤكد أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان سيعلن تبنيه الحادث خلال الساعات المقبلة، خاصة أنه يتفاخر بمثل هذه الهجمات الإرهابية التي يريد إظهار نفسه من خلالها بأنه موجود على الأرض ويستطيع المهاجمة في أي وقت.

وقد يكون هذا التصور خاطئا أيضا، وهناك من يريد من وراء التفجيرات خلط الأوراق والحيلولة دون إعادة الزخم للحديث عن إجراء انتخابات إقليم البنجاب الذي تحظى فيه حركة الإنصاف وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان بقاعدة شعبية واسعة،. فهذه الانتخابات كان يجب أن تتم بعد مرور 90 يوما فقط من حكم المحكمة العليا بإجرائها أبريل/نيسان الماضي، وهو ما لم يحدث، بل حدثت استهدافات قضائية طالت معظم قادة حركة الإنصاف وأدت إلى حبس زعيمها نفسه في قضية تؤكد كل الشواهد أنها ملفقة، كما طالت الحركة نفسها تهديدات بالحظر.

وربما أيضا يتم استغلال هذا الهجوم في توجيه اتهامات لحركة إنصاف بالضلوع في الحادث بزعم رغبتها في زعزعة الأوضاع اعتراضا على تأجيل إجراء انتخابات إقليم البنجاب وربطها مع الانتخابات البرلمانية الشاملة نهاية يناير/كانون الثاني العام القادم.

طريق الحرير

جدير بالذكر أن هناك منطقتين رئيسيتين تعدان مسرحا للتفجيرات التي تحدث بين الحين والآخر في باكستان، أولاهما إقليم بلوشستان الذي وقعت فيه التفجيرات الأخيرة. ولتوضيح أهمية هذا الإقليم، تكفي معرفة وجود استثمارات صينية هائلة فيه، وكان آخرها مشروع الحزام والطريق "المعروف بطريق الحرير"، الذي يربط مرفأ غوادار الإستراتيجي داخلها بمنطقة شينجيانغ في أقصى غرب الصين.

لذلك، فإن هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة، ومن ثم منعها من استمرار التوجه بشكل كامل إلى الصين. ويعزز ذلك أن الهجمات التي كانت تستهدف الشركات الصينية لفترة طويلة في الإقليم نجحت لفترة طويلة في تأخير التعاون الصيني الباكستاني في طريق الحرير، إلى أن استجابت الحكومة الباكستانية ونشرت آلاف الجنود لحمايته داخل أراضيها مؤخرا.

أما ثاني المناطق المستهدفة بالإرهاب في باكستان، فهي مدينة بيشاور التي تقع ضمن مقاطعة خيبر، ويكفي أيضا أن تعرف أنها الممر الوحيد الذي يربط بين باكستان وأفغانستان، ولذلك فقد يكون هناك من يحاول عقاب باكستان على فتحها المدينة للتواصل مع طالبان أفغانستان.

ولعل الأمر سيكون أكثر إثارة لو عرفت أن الأسباب الحقيقية وراء الإطاحة بعمران خان من منصبه هو سعيه لانفتاح أكبر على الصين وروسيا بدل الغرب، ودعمه دعوات التعاون مع حركة طالبان الأفغانية.

أسباب بعيدة

إذا بحثنا في الأسباب الإستراتيجية البعيدة وراء تكرار العمليات المسلحة في هذا البلد، فعلينا أن ننظر بعين التأمل إلى كون باكستان تحتل المركز الثاني في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان، وتنفرد بكونها "صاحبة القنبلة النووية" الوحيدة التي تمتلكها دولة إسلامية، ولعل هذه المزايا -التي تعطيها ثقلا عالميا- قد تكون هي في حد ذاتها السبب وراء استهدافها وحصارها بالصراعات العرقية والسياسية، بغية وضعها في دائرة الفشل، مما يمنعها من التقدم والتحرر من دائرة التبعية الغربية.

كما أن إصرار بعض النافذين في المؤسسات العسكرية والقضائية على إدارة الحكم من خلف الكواليس، واختيار وتحريك حكومات البلاد حسب إرادتهم الشخصية وتوجهاتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية، كان سببا في إثارة القلاقل السياسية المستمرة في هذا البلد، ونجم عنه الشعور بالغبن والمحسوبية لدى قطاع كبير من الشعب الباكستاني، وهو ما فجر بالضرورة نار "النزاعات" المسلحة، كما هي الحال مع طالبان باكستان، و"النزعات" الانفصالية مثل "جيش تحرير بلوشستان"، والحركات الإرهابية كتنظيم الدولة.

في حين أن هذا الوضع صنع انسدادا سياسيا جعل البلاد تعيش منذ استقلالها في دوامة مستمرة للصراع على الحكم، ووجدنا رؤساء وزراء ينزلون من كرسي الحكم ليُعدموا، أو يُغتالوا، أو يُعتقلوا، حتى أن عبد القدير خان -صاحب القنبلة التي أعطت البلاد مجدها- تم سجنه لفترة طويلة بتهم واهية.

وفي النهاية، تسبب انشغال العسكريون بصراعات الحكم في إهمالهم تخصصهم الأصلي وهو توفير الحماية الأمنية للبلاد، مما أدى إلى نمو الجماعات المسلحة وارتكابها الجريمة وراء الجريمة دون رادع

...................................

بعدما فضح الطوفان وسائل التواصل.. ما العمل؟

سيد أمين

19/10/2023

وقعت وسائل التواصل الاجتماعي في اختبار مصداقية حقيقي في تعاملها مع انتصارات طوفان الأقصى وما تلاها من ردود عسكرية ودعائية إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

وكانت النتيجة المخيبة لآمال الشعوب أن تلك الوسائل سقطت سقوطا مدويا بعدما انكشف زيف اعتقادات تعايشنا معها طوال سنوات منذ ما يعرف بالربيع العربي بأنها داعمة لحرية التعبير وتؤمن بالمساواة دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق.

ففي الوقت الذي سمحت فيه هذه المنصات للدعاية الإسرائيلية العنصرية بالنفاذ على ما فيها من وحشية وأكاذيب، وفتحت لها خوارزمياتها لتحقق أعلى انتشار ممكن، رأيناها في المقابل تقوم باستخدام ذات الخوارزميات لتقييد وصول منشورات الضحايا إلى الناس، مع نشاط مكثف عانى منه الآلاف في تقييد النشر وحظره وحظر الحسابات وإغلاقها.

رأينا وسائل التواصل تمارس دكتاتورية معاييرها الفضفاضة دون أن تتيح للعميل حق الرد والتصويب، فإذا نشرت صورا أو فيديو لضحايا قصفتهم طائرات إسرائيلية مثلا فإن معظم تلك الوسائل ستقوم بفرض عقوبات قد تصل إلى إغلاق حسابك، في حين أنها تسمح للطرف القاتل بأن ينشر أكاذيبه وتضمن له الانتشار بل وتمنعك حتى من الرد الموضوعي عليه وفضح خداعه ولو بتعليق على حسابه.

عقد إذعان

مسألة إغلاق الحسابات التي زادت بشكل كبير مع تفجر هذه الأزمة تتضمن انتهاكا كبيرا لحقوق الملكية الفكرية، فضلا عن الانتهاك الأساسي لحرية الرأي والتعبير التي تزعم الدول الغربية التي تسيطر على إدارة هذه المواقع بأنها تحميها، فاكتشفنا الحقيقة بأننا نتعامل مع هذه الوسائل بموجب عقد إذعان تام كتب طبقا لمصالح منشئي هذه المواقع وما يتخفى خلفهم من أجهزة استخبارات.

فكثيرون اعتقدوا أن حساباتهم على “الفيس بوك” أو “يوتيوب” أو “لنكد إن” أو “بلوجر” وغيرها آمنة ومستقرة وراح يودع فيها رصيده الفكري والثقافي والاجتماعي، ثم على حين غرة سقط كل هذا الجهد في جب النسيان والضياع، ووجد نفسه عاجزا عن التواصل مع شبكته الاجتماعية التي نسجها وتعايش معها سنوات طوالا باعتبارها مجتمعه الحقيقي.

دور استخباري

حينما نتحدث عن دور استخباري لمواقع التواصل فهذا أمر ثابت وما القضية الشهيرة التي اتهم فيها فيسبوك بجمع معلومات عن 88 مليون مستخدم لصالح حملة ترامب الرئاسية إلا دليل واضح على ذلك، حيث اتهم بأن الحملة رصدت من خلاله مواقف المستخدمين وتوجهاتهم ومناطق كثافتهم وغير ذلك من معلومات، وعملت بناء عليها دعائيا وتقنيا وهو ما مكن ترامب من الفوز، وقد أدين فعلا وغرمته مفوضية التجارة الاتحادية بمبلغ 5 مليارات دولار.

ولأن أمريكا تدرك تماما العوائد الاستخبارية التي يمكن جنيها جراء الحصول على بيانات استخدام موقع تواصل ذائع الصيت يضم مليارات البشر في العالم يشبه فيسبوك؛ راحت تحظر استخدام موقع “تيك توك” في مواقعها الحكومية بزعم تجسسه على مستخدميه.

القرار ليس لسبب سوى أنه تطبيق صيني المنشأ بخلاف كافة مواقع التواصل الاجتماعي العالمية الأخرى التي تنطلق من أراضيها، القرار اتخذته أمريكا وكالعادة المتبعة في المواقف السياسية سارت على دربها بريطانيا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، في حين حظرته الهند كليًّا بسبب خلافها الحدودي المشتعل مع الصين.

ما العمل؟

إذن، فقدت وسائل التواصل الغربية مميزاتها، فلا هي تدافع عن حرية التعبير، ولا هي آمنة، ولا هي تحترم خصوصياتنا ومعلوماتنا الشخصية، ولا تريد خيرا لمجتمعاتنا، ولا تعاملنا بطريقة تملك قدرا من المساواة مع من نختلف معهم، بعد كل ذلك؛ لماذا نتمسك بها؟

الإجابة لأن هناك الكثير من الخلافات السياسية البينية بين حكومات الأقطار العربية والإسلامية وحتى حكومات العالم الثالث، وبالتالي فإن تلك الخلافات ستنعكس بشكل واضح على استخدامات تلك التطبيقات وعلى مستخدميها.

هذا إضافة إلى أننا أصلا نفتقد البدائل؛ حيث نعدم وسيلة التواصل المناسبة التي تتيح لنا حق الاختلاف مع حكوماتنا ومجتمعاتنا وإدارة صراعاتنا الداخلية، ولأننا لو أنشأنا مواقع تواصل محلية على ذات الغرار فإن السلطات السياسية التي انطلق من أرضها هذا الموقع لن تريدها سياسيا واقتصاديا وفكريا إلا مجرد مسبحة تسبح بحمدها وحمد من ترضى عنهم، وإلا فإن عقوبة إغلاق الحساب في المواقع الغربية ستتحول لدينا إلى تشريد وسجن وربما قتل، فلما المخاطرة؟

لعل تطبيقا أو تطبيقات توخى منشئوها فيها أن تكون أكثر أمنا من كافة المخاطر التي أوردناها تستحق أن تنهض من أجل تدشينها الحكومات الإسلامية وحكومات العالم الثالث عبر هيئة تمثل ممثلين تقنيين وحقوقيين وقانونيين وشعبيين من كافة الدول ويستحق هذا الأمر أن تتجاوز الحكومات خلافاتها البينية وطموحاتها السياسية الذاتية وتلبي نداء وحدة الشعوب وتسمح بحق الانتقاد والاعتراض والتعبير، كما يمكنها نشر تطبيق من هذا النوع والتشجيع على الانضمام إليه عبر الوسائل التي تجيدها في عملها السياسي.

قد يعد ذلك أمرا مثيرا للسخرية أو هينا، وهو في الواقع ليس كذلك فهو أمر جاد جدا وملح للغاية وشاق، ولو حدث أن حقق نجاحا مثل ما حققته وسائل التواصل الغربية بيننا لكان أهم بكثير لشعوبنا من كافة منظماتنا السياسية الدولية كالجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي والاتحاد الإفريقي والأفروآسيوي وغيرها، لأنه سينقل السلطة والرأي من الحكومات المتنافرة إلى الشعوب المتلاحمة، ومثل هذا الأمر لم يكن يحدث من قبل.

طوفان الأقصى فضح وسائل التواصل الغربية ضمن فضح سترهم، وفي أي صدام حضاري قادم سنجد من تلك الوسائل ما هو أكثر فجاجة وقبحا.

المطلوب فقط صدق النيات

...................................

دروس عملية للمطبعين

سيد أمين

10/11/2023

أيها المطبعون مع هذا الوحش، السائرون عكس أبجديات المنطق والتاريخ والإنسانية، أصحاب البصيرة العمياء، والقلوب الصماء، كيف تجرعتم هذا السم؟ وهل آن الأوان لأن تكفروا عن خطاياكم، وعن الدماء البريئة التي سالت حينما وقفتم بجانب القاتل تزينون له سوء صنعته التي اعتاد عليها؟

هل اقتنعتم هذه المرة أنه كيان عنصري إجرامي، وأنها ليست واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان في محيط عربي يغرق حتى الثمالة في الاستبداد حسبما علموكم؟

هل تأكدتم أن هذا المحيط العربي البائس هى أصلًا من صنعت بؤسه، وبنته طوبة طوبة بعدما ردمت أسفله الشعوب العربية جمعاء، لا سيما بعد اكتمال بلائها على فلسطين الحبيبة؟

ومن جهد البلاء أنه وقر في يقين من يضع عينيه على كرسي الحكم منكم أنه لكي يصل إليه لا بد أن يطأطئ رأسه ويسخر لها إمكانيات دولته التي هي ميراث شعبه الكاره لهذا الكيان كقرابين ولاء، وإذا أراد أن يمكث أطول على الكرسي الملعون فعليه أن يقدم القرابين الأثمن والأغلى.

وعلمته التجارب أيضًا أن من يعارضها سيقتل، وينكل به أو يسجن، بل وسيموت متعفنًا في محبسه، أو يحاصر ويشيطن ويحرم من حق الرد، مهما اتسعت شعبيته التي هي الشيء الأكثر هامشية في الأمر، وأن المهم فقط الرضا الإسرائيلي الذي إذا ناله سيخلد على كرسي الحكم، وسيفعل بشعبه ما يشاء وكيفما شاء، وسيجد أبواب عواصم الدنيا تنفتح أمامه بالدعم.

حقائق وأراجيف

هل اقتنعتم الآن أن الفلسطينيين حينما هجّروا للشتات واكتظت بهم مخيمات الأرض وملاجئها لم يبيعوا أرضهم؟ بينما ترون حلقات الإعادة لنكبة عام 1948 نفسها صوتًا وصورة وأنينًا ودموعًا ودماء وحسرات تغرق وسائل الإعلام الاجتماعي وعلى الشاشات كلها.

ألم يستقر في أنفسكم يقينًا بأنه لا حل لإنسان أمام هذا الجحيم إلا الفرار مع أسرته أو مع من تبقى منهم حيًا لينجو بهم من جهنم الأرض لكي لا يصبحون مجرد أرقام في عداد القتلى الذي لا تكترث إنسانية الغرب به، ولا يهمها كثيرًا إن كان يعد بالمئات أو الآلاف أو حتى عشرات الآلاف، حاملًا في ذاكرته وجعًا لا يمحوه الدهر وتفاصيل التآمر الغربي وغدر وخذلان من يفترض فيهم أنهم يقفون في صف الصديق؟

صدقتم أراجيف رواياتهم التي لم يقدموا على صحتها دليلًا حقيقيًا واحدًا، فيما كذبتم روايات الضحايا والمشردين وأسر الشهداء وهم كائنون أمامكم بآلامهم، وأنكرتم التاريخ والتراث المفعم بماضيهم، وأغمضتم أعينكم عن أعمال القتل اليومية التي يتعرضون لها في الضفة الغربية وغزة منذ 75 سنة مضت، وهم أصحاب الدار والمزرعة والتراث والميراث الأصليون.

ولم تشعروا بالخجل حينما بررتم أنتم لأجانب جيء بهم من بقاع الأرض كافة ليغتصبوا حقوق من هم من بني جلدتكم ويشردونهم، في حين أن غربيين كثر مثل جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يقول صراحة إن المشكلة في الشرق الأوسط أن إسرائيل لا تريد أي وجود للشعب الفلسطيني أساسًا وهذا لا يجلب أبدًا السلام، وإن المشكلة ليست في القضاء على “حماس” من عدمه.

وكنتم كالشيطان الذي ينشط بالإدانة والتنديد والتحريض حينما يقاوم المقاوم، في حين يصيبه العمى والخرس حينما يشتد ظلم الظالم، وما نطقت ألسنتكم للمظلوم ببنت شفة بمثل ما نطقت به بعض ألسنة هؤلاء الأعداء أنفسهم كـ”يائير لابيد” زعيم المعارضة هناك الذي جهر بأن ما تقوم به بلاده في غزة عمل غير أخلاقي، فيما انطلق عشرات الآلاف من اليهود أنفسهم في أمريكا وأوروبا يتظاهرون في الشوارع ويقولون إن ما حدث في غزة لهو عار يلاحق الإنسانية جمعاء وليس إسرائيل فقط.

تغطية الشمس

نحن رأينا الصورة كاملة منذ البداية ليس لقوة نظر لدينا، ولكن لأن الصورة كانت واضحة تمامًا ولا مجال للغموض فيها، وكنا نتعجب من أولئك الذين يرون غير ذلك، لأننا ببساطة أمام حقيقتين ساطعتين، حقيقة استيلاء ظالم مدعوم من ظالمين كبار في هذا العالم في وضح النهار على بلد كاملة صغيرة مسالمة ليست له، فقتل من شعبها من قتل وشرد منهم من شرد، وظل يُهجِّر المهَجّر ويطارد المطرود بلا توقف حتى لو من 15% تبقت من مساحة أرضه.

وحقيقة أخرى وهي وجود شعب مظلوم، مهَجَّر ومطرود من بلاده، ضاقت عليه أرض الله الواسعة حينما أصبح فجأة بلا وطن، وترك نهبًا لآلة قتل وحشية لا تهمد، وماكينة دعاية سوداء عملاقة تقوم بشيطنته مع أنه هو المجني عليه وليس الجاني، وأنه من حقه أن يقاوم دفاعًا عن 100% من مساحة أرضه المسلوبة، بل ومن الواجب الأخلاقي على العالم الحر أن يمد له يد العون لتحقيق ذلك.

ها هي الصورة إن كنتم لم تروها من قبل، فهل ستعودون عن مسار التطبيع، أم أنكم أدمنتم الاستسلام بالصورة الدبلوماسية كافة؟

المصدر : الجزيرة مباشر

...................................

مكاسب المقاومة العربية من الطوفان والعدوان

سيد أمين

13/11/2023

متظاهرون في إسبانيا يلوحون بالأعلام الفلسطينية ويحملون لافتات أثناء مشاركتهم في مسيرة تحت شعار “عاشت المقاومة الفلسطينية" (الفرنسية)

برغم كل هذا الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية في غزة الباسلة، وشلالات الدم التي أريقت، وتَكَشًّف الصورة الفجة للدعم الغربي الأعمى واللإنساني للمحتل الباغي، فإن هناك مكسبا جوهريا قد تحقق في موقعة طوفان الأقصى وما تلاها من أحداث، وهو أن الحاضنة الشعبية لطرفي المقاومة الإسلامية بفرعيها “السني” وفي القلب منه حماس والجهاد الإسلامي و”الشيعي” وتضم حزب الله وأنصار الله  قد عاودا الالتحام مجددا، بعد الخراب العميق الذي سببته “عثرة” الثورة السورية في العلاقات بينهما، مما انعكس إيجابا على الجبهات العسكرية المقاومة وأعطاها دفعة معنوية كبيرة.

بالقطع كان هناك تنسيق بين الجبهات فيما مضى نظرا لحاجة كل منهما إلى الأخرى، لكن عدم الانسجام وأحيانا الصدام بين الحاضنتين الشعبيتين لكل منهما قلل بالتأكيد من كفاءة التنسيق وأضعف من قيمة النجاحات وعمليات الردع، أما الآن وقد عادت الأمور إلى وضعها الطبيعي القديم ولا سيما بعد الكلمة التي ألقاها زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله وخاطب فيها ود الإخوان المسلمين وتيارات المقاومة الإسلامية السنية، فإن عود المقاومة صار أكثر صلابة وقدرة على الإنجاز والانتصار.

الإنجازات الكبرى

ويتبدى هذا الالتحام جليا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي استثنى روادها منذ اليوم الأول لموقعة الطوفان جميع الحكومات العربية وجيوشها، وتوجهت بصائرهم نحو حزب الله عاقدين عليه الآمال أن يلتحم في المعركة، ولم يكذب الحزب الخبر فبادر باتخاذ مواقف عملية ذات طابع عسكري داعم لشقيقته حركة المقاومة الاسلامية حماس، ثم جاءت على الفور مع بدء المعركة البرية على غزة مساهمات من حركة أنصار الله الحوثية في اليمن في صورة صواريخ بالستية حتى وإن كانت لم تحقق أهدافها بحسب المزاعم الإعلامية العبرية، لكن ما فشل اليوم قد ينجح المرة القادمة.

هذه واحدة من الإنجازات الكبرى لطوفان الأقصى أفشلت ما عمل عليه المناهضون لحقوق الشعوب العربية في الحرية والاستقلال طوال أكثر من عقد مضى، وخاصة عقب ما يعرف بالربيع العربي الذي كان يسعى في الأساس لتحرير الشعوب العربية من الاستبداد والتبعية، لكن حولته المؤامرات الغربية إلى أداة تناحر على كافة الأصعدة المذهبية والدينية والعرقية وحتى الطبقية.

الوعي بالقضية

كما نجح الطوفان وما تلاه من وحشية العدوان في إعادة وضع القضية الفلسطينية على الأجندة السياسية في العالم بعد أن أوشك الصمت العربي على إهالة التراب عليها، نجح أيضا نجاحا أكثر أهمية وفائدة في إحداث عملية توعية كبيرة بالقضية الفلسطينية لدى الأجيال الجديدة من الشباب في المجتمعات الغربية فضلا عن إعادة التوعية بها لدى المجتمعات العربية والإسلامية.

ولك أن تتخيل أن منظمة “جالوب” رصدت في مارس/آذار الماضي تحولا كبيرا في الرأي العام حول القضية الفلسطينية لدى أنصار الحزب الديمقراطي الأمريكي أظهر تعاطف 49% من العينة مع الفلسطينيين مقابل 31% مع إسرائيل، وإذا كان الأمر كذلك قبل الطوفان وما تلاه من عدوان فستكون بلا شك نسبة التعاطف مع غزة أكبر كثيرا بدليل وجود استطلاع أجرته منظمة “يوجوف” في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي أشار إلى أن 48% من الأمريكيين تعاطفوا مع إسرائيل منهم 62% من كبار السنّ، ثم انخفض الرقم بعد أسبوع واحد حسب استطلاع أجرته منظمة “داتا فور بروغرس” الأمريكية أظهر أن 66% من المستطلعة آراؤهم هم من مؤيدي فلسطين، ومع استمرار العدوان تزداد نسبة التعاطف كل يوم ويرافقها وعي أكبر بالقضية.

ولعل من أبرز الدلائل على هذا الوعي أن أكبر المظاهرات الرافضة للعدوان على غزة انطلقت في المدن الغربية، إذ رأينا مظاهرات تضم عشرات وأحيانا مئات الآلاف تنطلق في أمريكا ولندن وفرنسا ودول أوروبا وهو أمر ما كان متخيلا أبدا منذ عقدين، محطمة الحظر الذي فرضته السلطات في كثير من تلك البلدان على مثل هذه النشاطات.

ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومات العربية الدائرة في مدار التطبيع لتهميش الوعي بالقضية الفلسطينية لدى الأجيال الجديدة من الشباب عبر التعليم ووسائل الإعلام التقليدية، فإن الأحداث وما رافقها من نهضة إعلامية أعادت تصحيح التوعية لدى تلك الأجيال، وقدمت لهم درسا عمليا على الإجرام الصهيوني.

ويعود الفضل في هذا التطور إلى انتصار وسائل التواصل الاجتماعي على “الجيتو” المحكم الذي تفرضه عادة وسائل الإعلام التقليدية الغربية ضد حقائق القضية الفلسطينية، ورغم تحيز تلك الوسائل كذلك لصالح إسرائيل فإن الحد الأدنى من المعلومات الذي سمحت به إداراتها أو قل فشلت في منع وصوله إلى الجماهير بسبب كثافته كان كفيلا وحده بإحداث هذا الإنجاز.

وكان لكثرة الوسائط والأخبار المتدفقة التي يقوم بها مئات الآلاف من النشطاء ورواد تلك المواقع حول حقائق ما يجري في غزة، الفضل في إرباك وربما إجبار بعضها على تخفيف قيودها خشية فقدانها مستخدميها، وأجبرت معهم أيضا وسائل الإعلام التقليدية على فتح مساحة ضيقة لم تكن متاحة من قبل لأنصار القضية الفلسطينية.

أدوار الجيوش

أما ثالث الإنجازات الكبرى للملحمة الغزيّة فهو أنها قدمت السيناريو الصحيح والمنطقي لاستخدامات الجيوش، وأعادتها إلى نصابها الحقيقي في محاربة العدو الخارجي وليس محاربة شعوبها كما تفعل معظم الجيوش العربية، خاصة بعدما شاهدنا استبسال عدة آلاف من المقاتلين بأسلحة شبه بدائية وانعدام تام في الدعم اللوجيستي مقارنة بما يملكه العدو من تقنيات رصد وتعقب وأسلحة ذات قدرات تدميرية هائلة فتاكة وعتاد وتغذية وأدوية، ورغم ذلك تمكنوا من توقيف العدو لأسابيع طويلة وإلحاق خسائر غير مسبوقة به وأسقطوا مهابته لدى الجميع.

أحرجت الأحداث الجيوش العربية على ما أنفق فيها من مال وعتاد ودعم نفسي وسياسي ودعائي، وطرحت علامات استفهام كبيرة تتردد في ذهن ملايين العرب حول أدوار الجيوش العربية، والمهام التي يجب أن توكل إليها.

الطوفان حطم الكثير من الأبواب المغلقة أمام المقاومة العربية.

...................................

لماذا لا يغادر العرب منظومة الغبن الدولي؟

سيد أمين

27/11/2023

لسنا بحاجة نحن العرب إلى اكتشاف أن النظام الدولي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية يحمل في طياته وصفة متكاملة للاستبداد؛ لأننا اكتشفناه منذ السنوات الأولى لانطلاقه والفضل يعود في ذلك إلى القضية الفلسطينية، حيث عرفناه نظاما لا يحتكم لإجماع برلمان العالم المتمثل في الأمم المتحدة، ولكنه خاضع كليا لسلطة أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمي العضوية التي تحتكر بمفردها صكوك المشروعية، تمنحها من تشاء وتمنعها عمن تشاء، حسبما تقتضي مصالحها هي لا مصلحة شعوب هذا الكوكب.

وعرفناه محتكمًا دومًا لمعيار القوة لا المشروعية، ولعله لا توجد هناك بلاغة تصف غرابة الحدث سوى القول بأنه نظام تأسس بعد أقل من 60 يوما من ارتكاب أمريكا مجزرتيها النوويتين المروعتين في جزيرتي هيروشيما ونغازاكي اليابانيتين في السادس والتاسع من أغسطس 1945 مودية بحياة مئات الآلاف من المدنيين في ساعات، وأن كلتا المجزرتين وقعتا رغم وجود مفاوضات سلام أمريكية يابانية لإنهاء الحرب.

والأنكى من ذلك أنه بدلا من عقاب الدولة الباغية المتدثرة بثياب الحضرية والمدنية وجدناها هي نفسها التي تقود هذا النظام وعلى أراضيها تقبع جميع مؤسساته ومفاتيحه.

ورغم أنها هي صاحبة ما يعرف بوعد “ويلسون” الذي أصدره رئيسها عام 1923 بمناصرة حقوق الشعوب الراغبة في التحرر وجدناها هي الدولة الأولى في العالم التي تعترف بدولة إسرائيل وحتى قبل إعلان العصابات التي جلبتها بريطانيا لفلسطين بإنشائها عام 1948، حيث أعلن عن قيامها في 15 مايو في حين أن أمريكا اعترفت بها يوم 14 مايو.

ووجدنا في كافة مراحل الصراع العربي الإسرائيلي أمريكا ووريثتها بريطانيا وعدة نظم يعدون على أصابع اليد الواحدة يجهضون كافة المطالبات الدولية بإنصاف الشعب الفلسطيني، واحترام حقه في الدفاع عن نفسه وأرضه وحريته، وينصبون أنفسهم حكاما للكون.

بالطبع لسنا بحاجة إلى إعادة التذكير بمواقف التسلط الذي تمارسه أمريكا عبر نظامها الدولي علينا، فقد ذقناه في العراق والصومال وليبيا وسوريا ومصر والسودان أشكالا وألوانا وصار من مسلمات الأمور لدرجة جعلتنا نبرر عجزنا في كل مسألة دولية تخصنا بأنه لا يمكننا مواجهة أمريكا، كما قال السادات.

الغبن الدولي

تجذر بشدة الشعور بالغبن من الانحياز الدائم للمنظومة الدولية إلى أي طرف يعادي توجهاتنا العربية في وجدان الإنسان العربي والمسلم على جميع المستويات حكاما ومحكومين، وطرح ذلك سؤالا جوهريا حول السبب الذي يدفعنا إلى البقاء ضمن حلقة النار تلك رغم أنه يمكننا أصلا الخروج منها تماما، ولعل هذا الخروج سيشجع دولا إسلامية أخرى لأن تحذو نفس الحذو.

وما الغرابة؟ فقد توافرت المبررات المتمثلة في عدم وجود أي دولة إسلامية ضمن الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، ورغم أن المسلمين يشكلون ربع عدد سكان العالم، فإن هذه التشكيلة تحرمهم بشكل سافر من نيل حقوقهم بسبب نظام “الفيتو” الذي تحتكره، ولعل الرئيس التركي أردوغان كان من أعلى الأصوات التي تحدثت عن أن العالم أكبر من خمسة.

ولا ندري ما السبب وراء اختيار هذه الدول لتكون متحكمة في مصير العالم، فإذا كان لكونها امتلكت فعليا قوة نووية، فهذا تأكيد صريح لاحتكام هذا النظام لقوانين الغاب، إلا أنه مع ذلك يوجد ظلم آخر في داخل هذا الظلم، فهناك دول أخرى تمتلك تلك القوة ومع ذلك ليست من ضمنهم، وواحدة منها يصنفها الغرب دولة مارقة كما هو الحال في كوريا الشمالية نظرا لامتلاكها السلاح الذي يمتلكونه هم.

ومن العجب أنهم يعاقبون إيران بزعم رغبتها في امتلاك سلاح نووي، وقتلوا مليوني عراقي ونهبوا ثروات العراق تحت فرية ثبت كذبها حول سعيه لامتلاك هذا السلاح، ومع ذلك لم يدينوا بحرف واحد الكيان الصهيوني الذي اعترف مهندس برنامجه النووي “مردخاي فعنونو” علنا بكافة تفاصيله، بل وراح وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو يطالب علنا أيضا بضرب غزة بالقنابل النووية، وهو التصريح الذي يمثل اعترافا جديدا بكون إسرائيل دولة نووية، ومع ذلك لم ينبس أحد ببنت شفة بمن فيهم وكالة الطاقة الذرية.

عربيًّا كان العقيد الليبي معمر القذافي هو أول من تحدث علنا بمثل هذا الطرح عام 2001م، بعدما عانت ليبيا جراء الحصار الدولي بسبب قضية لوكيربي، وبعد أن استفحل تأثير الحصار الغربي الخانق في العراق جراء الاتهامات الأمريكية الباطلة بالسعي لامتلاكه أسلحة نووية، ولكن دعوته قوبلت بفتور وتندر واستخفاف من أغلب النظم العربية آنذاك.

وكانت إندونيسيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي أعلنت رسميا انسحابها من المنظومة الدولية عام 1965م جراء خلاف هلامي مع جارتها المسلمة ماليزيا، لكنها عادت إلى هذه المنظومة في نفس العام إثر انقلاب عسكري أطاح بنظام الحكم.

ومما لا شك فيه أن المصدر الأول لازدواجية المعايير التي تنفر من هذا النظام الدولي يقبع أساسا في عنصرين رئيسيين؛ أحداهما عدم إلزامية قرارات الأمم المتحدة، في حين هناك إلزامية في قرارات مجلس الأمن الذي لا يمثل إلا مواقف 15 دولة من دول العالم البالغ عددها نحو 206 دول.

أزمة غزة

كشفت الاعتراضات العالمية على حرب الإبادة الوحشية الصهيونية على غزة أن الاستياء من هذا النظام الدولي تنامى ليتخطى حدود الدول الإسلامية الـ57 لتنضم إليها كثير من دول العالم في القارات الست؛ وذلك لكون كافة التظاهرات التي خرجت توجهت بالأساس للكيان الصهيوني ومن يسانده في مجلس الأمن.

أعلم أن أمر الانسحاب من المؤسسات الدولية قد يكون صعب التحقق، ولكن أعلم أيضا أن مجرد التلويح به قد يكون أبلغ رسالة بالاعتراض عليه وتبيان الرغبة في إصلاحه، وقد أفلح وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف حينما ألمح إلى تنامي العجز في المنظومة الدولية من هذا الخلل الدولي بقوله إن 87 قرارا أمميا لم يتم تنفيذها في حق القضية الفلسطينية؛ وذلك لأن قوة الاحتلال رفضت تنفيذها، إذن فلا فائدة في قرارات جديدة في هذا الصدد إذا كانت ستبقى حبيسة الأدراج كسابقاتها.

...................................

نحو تخليد هولوكوست غزة

سيد أمين

4/12/2023

لا خلاف مطلقا على أن القضية الفلسطينية حصلت -رغم الألم- على حزمة إنجازات غير مسبوقة في الجولة الحالية من نضالها ضد الكيان الصهيوني، ولسنا بحاجة إلى تعداد هذه الإنجازات التي كان أهمها تمكنها من سبر أغوار العجز التي عانت منه بشدة منذ وجدت عام 1948 في الملفين الخاصين بالإعلام والقدرات العسكرية.

ولقد تسببت متغيرات إعلامية لم تكن موجودة في الجولات السابقة من النزاع؛ مثل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتوافر وسائل إعلام تقليدية عربية ودولية واسعة الانتشار عالميا لها سياسات إعلامية تتسم بالموضوعية كقناة الجزيرة، وتي أر تي التركية، وأر تي الروسية وغيرها، في تحقيق توازن نسبي في تدفق الأخبار بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، بخلاف ما كان قائما قبل عقود من سيطرة غربية شمالية تامة على تدفق أحادي للأخبار في العالم، وهو ما مكن المقاومة من عرض مظلوميتها ومشروعيتها للعالم، وبذلك انتصرت في أخطر الملفات التي عانت فيها بشدة.

أما الملف العسكري فقد كشفت الجولة الحالية عن نجاح المقاومة في تنمية قدراتها بشكل فاجأ الجميع؛ مما مكنها لأول مرة من إيلام العدو بقدر يتناسب نسبيا مع ما كان يسببه هو للشعب الفلسطيني من قبل دون رادع.

ونجحت أيضا في إنجاز ملفات أخرى أهمها: إهالة التراب على المنطلقات الدعائية الخاصة بسيناريوهات التطبيع، إذ مزقت الأردية المزركشة المخادعة التي كانت تتدثر بها، فضلا عن تحقيق وحدة الفصائل الفلسطينية وفرز المسارات الجيدة والفاسدة التي تنتهجها، وتعزيز الاعتقاد بأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ونجاحها أيضا في تأييد وحدة ساحات المقاومة العربية ووحدة الحواضن الشعبية.

مقاومة التعمية

ولا ينبغي نحن المعنيين بالقضية الفلسطينية أن نسمح بانكسار الإنجاز الأهم الذي تحقق بإعادة شرحها للعالم بطريقة صحيحة أكثر إنصافا من السردية التي روتها الدعاية الإسرائيلية وصدقها العالم خلال العقود الماضية، واستطاعت من خلالها وضع ترسانة قوية من الحواجز بيننا وبين إمكانية استجابة العالم لمظلوميتنا رغم وضوحها.

وتدرك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حجم المأزق الذي وقعت فيه وكيف أنه تسنى لغزة وداعميها كسر حاجز التعمية العالمي الراسخ الذي أقامته، وذلك عبر نشرهم أكثر من 109 مليارات منشور في وسائل التواصل الاجتماعي منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل نحو 7 مليارات فقط لداعمي الكيان، طبقا للإحصاء الذي نشره موقع “كالكاست” الصهيوني القريب من “الموساد” بعد قرابة 50 يوما من طوفان الأقصى والعدوان على غزة.

ولم تساهم صدقية الأخبار التي نقلتها هذه التدوينات الموثقة بالفيديوهات والوسائط البصرية في تحول الرأي العام العالمي فحسب، ولكن ساهمت أيضا في إحداث تغير كبير في سياسات مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها من هذه القضية.

ولعل الراصد سيدرك أن تلك المواقع قامت في بداية “الطوفان والعدوان” بحذف المنشورات الداعمة للحق الفلسطيني بصورة صارمة وصلت إلى إغلاق آلاف الحسابات، ولكن تدريجيا مع التدفق الهائل للأخبار اضطرت إلى التحلل من تلك الصرامة، خشية فقدانها مستخدميها، وسمحت بنشر ما لم تكن تسمح به من قبل، لذلك لا ينبغي أن نتوقف أبدا عن فضح الكيان بكافة لغات العالم، بعدما أدركنا جليا أن الكلمات صارت أقوى من الرصاص.

هولوكوست غزة

لا ينبغي أن ينتهي هذا الزخم بانتهاء العدوان على غزة، بل يجب العمل على تذكير العالم المستمر بـ”هولوكوست غزة”، وهو حدث حقيقي مثبت بالفيديوهات والوثائق والشهادات الدولية، وليس مبنيا على حسابات السياسة وشهادات المنتصر كما حدث في هولوكوست اليهود في ألمانيا، وأن نطالب العالم وأممه المتحدة بإطلاق هذا المسمى رسميا على تلك الأحداث، ولعلنا لو طالبنا بذلك الآن لنجحنا نظرا للتضامن العالمي الواسع معنا.

يجب أن نحتفظ بنسخ من الوسائط المصورة لهذا “الهولوكوست” في وسائط خارجية بعيدة عن شبكة الإنترنت بعد شكوك في وجود تقنيات متطورة يمكنها التسلل إلى حاسوبك أو هاتفك وحذف الفيديوهات التي تتم تغذيتها بمواصفاتها، كما حدث في الكثير من الفيديوهات التي تخص الجرائم الأمريكية في العراق التي لا تكاد تستطيع العثور عليها عبر شبكة الإنترنت الآن، إذ إنها حذفت من المواقع حتى دون علم أصحابها.

ويجب إنتاج أعمال فيلمية تصنيفية تجمع المتشابهات التي تحمل فكرة معينة، مثل “الإبادة” و”قتل الأطفال” و”الكذب” و”الخداع” و”الغدر” و”العنصرية ” وهكذا، وإعادة طرحها بشكل دوري في شبكات التواصل وعلى شكل تعليقات في الحسابات الشهيرة، وعبر المواقع والمدونات الشهيرة الناطقة بلغات العالم الرئيسية.

ويمكن للجهات المعنية وللأفراد إنشاء مواقع إلكترونية تخاطب العالم بهذا الخصوص، مع إنتاج وسائط يتم توزيعها يدويا في الفعاليات الغربية المختلفة لتعريف الناس بالقضية الفلسطينية، مع تزويد المناصرين للحق الفلسطيني بها، وتنسيق الخطوات التي يتم التركيز عليها طبقا لطبيعة المرحلة، ولا مانع من إنشاء جهة أو هيئة معينة تقوم بمثل تلك الأعمال بشكل منهجي ومدروس.

الجاليات المسلمة

ولقد لوحظ مؤخرا وجود آلاف الحسابات الصهيونية التي تُعنى بتشوية الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا وأمريكا، والتحريض على تظاهراتها الداعمة لفلسطين ومقاومتها الباسلة، محاولة بشكل حثيث وخبيث خلق فجوة بين المسلمين وبين مجتمعاتهم الغربية، بهدف إظهارهم جسمًا دخيلًا على الغرب؛ وذلك عقابًا لتلك الجاليات على دورها الفعّال في التعريف بالقضية الفلسطينية في أماكن وجودها، ولمشاركتها الواسعة في التظاهرات.

لذلك يمكننا حث تلك الجاليات على الاستمرار في نشاطها التوعوي، والهرولة إلى الأمام حتى بعد انتهاء العدوان، مع تحذيرها من الفخاخ التي تنصبها لها الصهيونية وفضحها للرأي العام الغربي وتفكيكها.

المقاومون غسلوا بدمائهم غبار الصهيونية، ويقع علينا الإبقاء على وجه القضية لامعا.

...................................

أقلُّها الطوفان.. أسباب العدوان على غزة

سيد أمين

9/12/2023

يخطئ من يعتقد أن حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة جاءت رد فعل غاضبًا على عملية طوفان الأقصى، أو حتى يندهش من تداعي الحكومات الغربية الهائل لتبريرها، بل ويخطئ أكثر من يتصور أن إسرائيل بمفردها تخوضها، بينما نرى الأموال والأسلحة والأساطيل الأمريكية، ونرى في سماء غزة طائرات بريطانية، وينغمس جنود الدولتين جنبًا إلى جنب مع جيش الاحتلال في الحرب غير المتكافئة على الأرض، وقد فضحت الأخبار والوسائط المصورة المتداولة هذا الوجود تارة كقتلى وتارة كمدربين ومشاركين ومحرضين على الإبادة.

الحقيقة أن أمريكا خططت لهذا العدوان على غزة منذ زمن بعيد، حينما ضمّت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى قائمة الأنظمة المارقة التي ابتدعها مطلع القرن الجاري، والتي هي في الأصل مارقة على الانضواء ضمن الحظيرة الأمريكية، ولعلها كانت تنتظر الوقت المناسب لتشن هذه الحرب من أجل تنفيذ “صفقة القرن” التي نعلم جميعًا أنه كان يجري الإعداد لها من قِبل أطرافها منذ نحو عشر سنوات، وهو ما كشفت عنه وثائق قيل إن حماس حصلت عليها في معسكرات غلاف غزة أثناء الطوفان.

أمريكا انتهزت الفرصة ورأت أن الأكاذيب التي يمكن لهم إلصاقها بطوفان الأقصى، كقتل الأطفال والمدنيين واغتصاب إسرائيليات، قد تعطيها المسوغ الشعبي الغربي للتعجيل بتنفيذ هذا المخطط.

لماذا الآن؟

ولعل السبب الوجيه الذي جعل الولايات المتحدة تؤجل عقاب حماس على مروقها عن حظيرتها كل هذا الوقت هو أنها ظنتها ضعيفة عسكريًّا، ومحاصرة، وكانت تتوقع سقوط حكمها في غزة تحت وطأة التذمر الشعبي جراء هذا الحصار المحكم الخانق طيلة أكثر من 17 عامًا، ولكن بما أنها صمدت ولم تنقلب عليها حاضنتها الشعبية، وجب على الولايات المتحدة حينئذ أن تعجل بوضع خطة لإقصائها عسكريًّا، تنفذها في أقرب فرصة وتنفذ معها “صفقة القرن”.

ثم جاء طوفان الأقصى، وظهرت معه قدرات حماس العسكرية الحقيقية التي أخفتها في جولات نزال سابقة مع إسرائيل، فصدمت أمريكا بهذا التطور العسكري والاستخباري الخطير، وكان لا بد من التعجيل بتنفيذ المخطط مهما كانت الأثمان.

في البداية سارعت بأساطيلها وأساطيل حلفائها الأوروبيين، وراحت تصرّح بأنها تسعى لبناء تحالف عالمي للقضاء على حماس، تمامًا كما فعلت في العراق وليبيا، لكن يبدو أنها رأت أن هذه الأمر العلني سيبقى وصمة عار في جبينها وجبين من يتبعها، نظرًا للاختلال الكبير في موازين القوى كقوى عالمية عظمى تحتشد ضد فصيل مكون من بضعة آلاف مقاتل مسلح بأسلحة بسيطة نسبيًّا، لذلك ارتأت أن تجري المهمة القذرة كليًّا تحت الستارة الاسرائيلية، مع أنها وحلفاءها جميعًا حاضرون في حلبة النزال.

محظورات حماس

تجمع حماس بين العديد من المحظورات الأمريكية فيمن يجب أن يترك ليحكم في نظم المنطقة العربية، فهي حركة إسلامية، تعادي إسرائيل صراحة، مارقة عن الحظيرة الأمريكية، وليس خافيًا على أي مراقب منصف أن يرصد أن هناك اعتراضًا باتًّا وحاسمًا على “وصول” أي تيار إسلامي حقيقي إلى السلطة مهما كانت قوة حاضنته الشعبية واتساعها، وهناك حظر أقل صرامة على “بقاء” أي تيار قومي حقيقي في السلطة طالما سعى لدعم استقلال بلاده وتسليحها، ومن غير المحبب أن “يُترَك” الاشتراكيون المؤدلجون ليستقروا في الحكم.

على أي حال، المقاومة تُبلي بلاءً عظيمًا في غزة، وتؤلم العدو كما تتألم، ولكنها مع ذلك لن تُهزم أبدًا، وذلك ببساطة لأن جميع سكان قطاع غزة هم حماسيون دون أن يكونوا أعضاء في الحركة، بل وكل أحرار الوطن العربي صاروا أكثر اقتناعًا بوطنية حماس ونضالها.

ولعل الولايات المتحدة ستدرك في وقت ما أن هناك منافسين كبارًا كُثرًا على النفوذ في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأنها بحاجة ماسّة إلى تحديث سياساتها السابقة التي تتبعها في المنطقة بحيث تكون أكثر تعبيرًا عن حاجات الشعوب العربية وتوجهاتها الفكرية.

فقد تسببت ازدواجيتها تلك في انهيار ما حاولت أن تبنيه من ثقة لدى المواطن العربي بها بعد دعمها المطلق لإسرائيل، وأدرك حتى أكبر المدافعين عنها أنها هي من تفجر الحرائق في المنطقة، وتدعي إطفاءها، وأنها غير مهتمة بأي حال بقضايا حقوق الإنسان العربي إلا إذا كانت ستستخدمها في إطار براغماتي لهدم أنظمة غير راضية عنها.

الأنظمة المارقة

وقصة الأنظمة المارقة بدأت بعد زوال الاتحاد السوفيتي في أواخر العقد الماضي، إذ كادت أمريكا تفرض وصايتها المطلقة على العالم، لكنها سرعان ما وجدت تمردًا من بعض الأنظمة العربية و”العالمية”، إما بسبب النزعة القومية لقادتها الجدد كما في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان، وعالميًّا كإيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا، وإما لأن هذه الأنظمة لم تولد أصلًا داخل الحظيرة الأمريكية كما في حماس وحزب الله وطالبان الأفغانية.

هنا كان يجب على أمريكا إظهار العين الحمراء للمتمردين على النظام الذي أسسته، فعربيًّا بدأت بمعاقبة نظام الرئيس الراحل صدام حسين بوصفه الأقوى عسكريًّا والأكثر إخلاصًا لفكرة التحرر الوطني، قاصدة ترويع من تسول له نفسه السير في ركابه، ثم استغلت ما يسمى “الربيع العربي” لتفجير بقية الأنظمة العربية المارقة من الداخل، وتحويل ثوراتها ضد الاستبداد إلى اقتتال داخلي عنيف لا يُبقي ولا يذر، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، وما حدث لحزب الله عام 2014 وفشلت فيه، وما يحدث الآن في غزة وستفشل أيضًا.

والغريب أن الخطط الأمريكية نجحت مثاليًّا في الدول العربية، وتحققت سيناريوهات “الفوضى الخلاقة” التي بشرت بها وزيرة خارجيتها عام 2005، لكنها فشلت مثاليًّا أيضًا في الدول غير العربية كإيران التي ازدادت نفوذًا في العراق وسوريا واليمن، وطالبان التي أجبرت الولايات المتحدة على الاعتراف بسلطتها والانسحاب من أفغانستان، في حين تعززت مواقع ومواقف الصين وروسيا وكوريا الشمالية في العالم.

البراغماتية الأمريكية ستكون معول الهدم الأول لنفوذها الخارجي.

...................................

الطرق الشعبية للدفاع عن اللغة العربية

سيد أمين

29/12/2023

في صمت عدا من أخبار خجولة في موقع هنا أو هناك، مر على أمة الضاد في 18 ديسمبر الماضي اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي لولا أن أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 ضمن ست لغات فقط من بين آلاف اللغات في العالم كرمتهم المنظمة الدولية باحتفالات خاصة، واحتفلت بها مكاتبها في كل عام، ما تذكره حكام العرب ولا سعوا إليه، بل إنه لو خُيروا بين الاحتفال به والاحتفال بأي شيء آخر لاختاروا هذا الآخر مهما كان، وذلك لأنهم ببساطة هم من يعملون خلف الكواليس ضد هذه اللغة!

والمدهش أننا نجد أن من لا يتحدثون العربية هم من يدركون تماما أهميتها، ويدركون أنها ملكت ما لم تتملكه أي لغة في العالم، إذ يستخدمها -عدة مرات يوميا- ربع سكان الأرض حتى لو كان ذلك في أداء عبادات الإسلام.

نحن هنا لسنا بصدد تأكيد المؤكد عن عظمة هذا اللغة والمحفوظة إلى يوم القيامة بوعد رباني لكونها لغة القران الكريم، ولكننا فقط نحاول رصد عدد من الأساليب التي يمكننا فعلها كشعوب عربية تدافع عن إرثها الحضاري دعما لهذه اللغة ضد محاولات التذويب والتشويه والبعثرة.

ابدأ بنفسك

أولى تلك الأشياء أن نبدأ بأنفسنا ثم ندعو غيرنا لتغيير أسمائنا في جميع وسائل التواصل الاجتماعي إلى العربية، والهدف أن تكون هي لغة أسمائنا الرئيسية، ومنعا للتحجج بعدم قدرة غير العرب على قراءة حروفها، يمكننا كتابة الاسم الثانوي بأي لغة أخرى نريدها، كما يمكن أيضا كتابته في الصور الخلفية للصفحة.

ونستطيع أن نعبر عن هويتنا بكتابة يافطات محال أعمالنا بها، وأن نتفنن في خطوطها ومصطلحاتها لتبدو جذابة، فتمثل دعاية جيدة لهذه اللغة، وكذلك الأمر في ملصقات سياراتنا ومركباتنا، وفي كروت التعريف الشخصي، وأوراق الدعاية ويافطات الشوارع وغيرها الكثير من المعاملات الحياتية.

وفي المقابل يجب أن تُكافئ المحال والأعمال التي تفعل ذلك بالشراء منها والتعامل معها ما يشجع الآخرين من رواد الأعمال على العودة لدعم الهوية.

ولو كنت محاضرا أو شخصية يقتدي بها الآخرون فاحرص على ألا تتحدث إلا بها، وأن تحث الناس على الاعتناء بها وإظهار مدى أهميتها. وفند الشائعات التي تتحدث عن أنها لا تصلح للعلوم، وقل لهم إن معظم العلوم الغربية الحديثة بُنيت في الأصل على علوم باللغة االعربية، وأخبرهم أن كلا من سوريا والعراق (في عهد صدام حسين) قررا العربية، لغة للعلوم فتصدرت العراق بين دول العالم في الطب والعلوم والتعليم وغيرها.

يجب الحرص على ألا تكثر من استخدام مفردات أو مصطلحات من أي لغة أخرى في كل ما تنشره على صفحاتك عبر وسائل التواصل طالما كنت تعرف الكلمات العربية لها، واعلم أنك بذلك تقدم درسا تعليميا غير مباشر لغيرك ممن لم ينل قسطا معرفيا عن العربية، فربما تكون بذلك سببا في أن يقلدك شخص له عدد كبير من المتابعين فتعم الفائدة.

كن مهتما بتعليم ابنائك العربية حتى لو أجبرتك الحاجة إلى إلحاقهم بالمدارس التجريبية  أو اللغات أوالدولية وغيرها، بسبب السوء المتعمد الذي أصبحت عليه مدارس اللغة العربية تعليميا وسلوكيا وأمنيا، حينئذ يصلح تعليم أبنائك العربية السليمة ولو في المنزل.

ويكفي أن تعلم أنه بتجاهلك للغتك العربية إنما أنت في الواقع تطعن الإسلام والقرآن، وأنت في الغالب لا تقصد، ولكن الأعداء المتربصين يقصدون، ويكفي أن تقف متأملا أمام رؤية المستشرق الإنجليزي ادوارد دينسن روس التي قال فيها: “اللغة العربية والحروف العربية، والإسلام والقرآن، كلها قواعد بناء واحدة، إن هدمت واحدة تداعى البناء كله”.

واعلم أنه يجب على الإنسان العربي المعتز بأصله وفصله، والمسلم المعتز بدينه أن يعتز بل ويبالغ في الاعتزاز بلغة القرآن الكريم، وأن يتساءل عما إذا كان قد وجد من قبل أي شخص من مشاهير الغرب أو الشرق أو حتى بسطائهم يكتب اسمه بغير لغته القومية؟ وهل وجد إنجليزيا أو صينيا مثلا يتحدث أو يكتب لمواطن آخر من بني جنسه بلغة غريبة عنه كلغتك مثلا؟

افخر بعربيتك التي اختارها الله لتكون لغة أقدس كتبه، وانقل فخرك لمتابعيك ومحبيك، فيقلدونك وينقلونه هم أيضا لمتابعيهم، ونمسح بذلك تلك الصورة النمطية التي روج لها الإعلام طوال عقود عن الأزهري التافه، والخواجة المثقف المتحضر.

يجب تشجيع العودة للفن الجميل الذي ما زال صداه يعتمل في الأفئدة حينما كانت أغاني الفصحى لأم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وغيرهم تلهب أفئدة المستمعين وجوارحهم، وتألق المتألقون في الشعر الفصيح كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي، وكان يُقاس قدر الناس بمدى إجادتهم للعربية.

تجربة العبرية

أدركت الصهيونية أهمية اللغة في تكوين الشخصية، فراحت تعيد لغتها المنقرضة من ركام التاريخ وسعت إلى إحيائها في كيانها المزعوم، فتناسى اليهودي القادم من روسيا لغته الروسية، والألماني ألمانيته، والإثيوبي إثيوبيته، واليوناني يونانيته، وراحوا جميعا -ومعهم آخرون- يتمترسون حول العبرية، حتى دبت فيها الحياة مجددا، وربحوا هم هذه الجولة.

ولم نجد منهم من يقول إنها ليست لغة العلوم ولا داعي حضاري للاهتمام بها، أو يقول إنها صعبة الفهم والقواعد ولن يستطيع تعلمها، ولا من يقول إن العالم لن يستطيع قراءة حروفها، ولا من يقول إنها ليست لغة وطنه الأصلي، مع أنها ليست مقدسة في توراتهم كما هي مقدسة في قرأننا.

هذا كان في اللغة العبرية التي تتشابه لحد كبير مع اللغة العربية في الحروف والقواعد النحوية وحتى في اتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار، ماتت وشبعت موتا ثم بُعثت فيها الروح، فكيف تقبل أنت أيها العربي وأيها المسلم إهانة لغتك وتشارك في إماتتها وهي محفوظة من الله بحفظ الذكر؟

اعتز بلغتك، تعتز الدنيا بك.

...................................

مقالات عام 2024

...................................

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024

أبعاد أخرى للتوترات في كوريا الجنوبية - سيد أمين

 فيما يبدو أن حركة التمرد والمروق من الحظيرة الأمريكية اتسعت حتى طالت إحدى أعظم حلفائها، وأكثر الديمقراطيات منهجية في العالم، لتدخل كوريا الجنوبية حيز الاضطرابات التي يستقبل بها العالم العام الجديد والولاية الثانية للرئيس الأمريكي الأكثر تطرفا ومعاداة للديمقراطية.

وتابع المندهشون في العالم الثالث في هذه الاضطرابات فصول حدث لم يعهدوه في بلادهم إلا في الثورة أو الانقلاب العسكري أو الاحتلال الخارجي، أما أن تتعقب قوات الجيش والشرطة رئيس البلاد بهدف اعتقاله لاتخاذه إجراءات رأى أنها تحمي البلاد من عدو خارجي، وهذه الإجراءات لم يقتنع بها الشعب وتحرك رافضا لها، دون أن يكون هناك انقلاب أو احتلال خارجي، فهذا أمر عجيب!!

بل إن كيم يونج هيون قائد قوات هذا الجيش الذي حاصر فيما بعد قصر الرئيس قام بمحاولة انتحار فاشلة في مقر الاحتجاز الذي احتجزته فيه قوات إنفاذ القانون، وذلك للهروب من تهم إساءة استخدام السلطة والقيام بأعمال التمرد، وذلك حينما نفذ تعليمات الرئيس الخاصة بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، وقام بنشر الجيش في شوارع سول.

كما أن قائد الشرطة وكبار مسؤوليها واجهوا الاعتقال بنفس عناصر الجهاز الذي يقودونه، وذلك بناء على أوامر من البرلمان ممثل الشعب ومصدر السلطات الذي صوت بأغلبية 210 مقاعد مقابل اعتراض 63 صوتا على محاكمة رئيس البلاد ووزير الدفاع وقائد الشرطة وكل من شاركوا في تنفيذ قرار الأحكام العرفية ونشر الجيش؛ مما يؤكد أن الديمقراطية هي الملاذ الأصدق لحماية البلاد.

أصل الحكاية

بدأت الأحداث بتصريحات الرئيس يون سوك يول زعيم حزب “قوة الشعب” الذي يرمز له بـ “PPP”، حينما أعلن الأحكام العرفية وإغلاق البرلمان، وتوعد من أسماهم بعملاء كوريا الشمالية في المعارضة في إشارة إلى منافس حزبه الرئيسي الحزب الديمقراطي الكوري ذي الميول الاشتراكية ويرمز له بـ”DPK”متهما إياه ضمنيا بممارسة أنشطة معادية للدولة، رغم أنه الحزب الذي فاز في دورتين متتاليتين بأغلبية مقاعد البرلمان.

صحيح أن الشعب أجهض محاولة الانقلاب، ومكن البرلمان من ممارسة مهامه، التي بدأها بإلغاء الأحكام العرفية، إلا أن تصويت البرلمان بأغلبية 204 أصوات من إجمالي 300، لا يزال تنفيذه مرهونًا بحكم المحكمة الدستورية.

وكان التصويت على عزل الرئيس الأسبوع الماضي قد فشل للمرة العاشرة بسبب انسحاب أعضاء حزبه البالغ عددهم 108 من البرلمان في حين تسيطر المعارضة على 198 مقعدا فقط من بينهم 168 مقعدا للحزب الديمقراطي و14 لتابعه الائتلاف الديمقراطي، وهو دون الحد الأدنى لتمرير الإجراء الذي يوجب عليها الحصول على موافقة 200 مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددهم 300 مقعد، وفشلت معه المحاولة العاشرة لعزل الرئيس.

وقتها، وبعدما تيقن الرئيس من أن قراره مرفوض شعبيا خرج عبر الشاشات واعتذر عن إعلانه الأحكام العرفية، لكن حينما وجد قوات إنفاذ القانون تطارده وتسعى لاعتقاله بتهم التمرد على النظام الديمقراطي للبلاد، وربما يكون بعدما راجع حلفاء حزبه الداخليين والخارجيين عاد مجددا للتمسك بقراره بإعلان الأحكام العرفية رغم إلغائه من قبل، بل وخطى خطوات أوسع لاعتبار من يعارضون هذا القرار خونة مواليين لكوريا الشمالية.

ولعل هذا التصريح وما سيحدثه من صدام مباشر مع الإرادة الشعبية جعل عددا من أعضاء حزبه يستشعرون الحرج ويصوتون لصالح عزله فاكتمل بهم النصاب القانوني، وأنقذوا بذلك سمعة الحزب.

أزمة اقتصادية

الفارق الضئيل الذي فاز به يون سوك يول في الانتخابات الرئاسية عام 2022 المقدر بنسبة 1% على منافسه هونغ جون بيو قيد كثيرا من سلطاته وكشف عن عمق الانقسامات السياسية في البلاد، ثم جاءت الانتخابات العامة في إبريل/نيسان 2024 لتخضعه كليا لسيطرة البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المنافس.

ورغم أن شعب كوريا الجنوبية له ميراث كبير من الرفاهية الاقتصادية مقارنة بغيره من الشعوب، فإنه مع تولي يون سوك السلطة بدأت تطفو العديد من الأمراض الاقتصادية على المجتمع، منها ظهور جماعات شبابية تدعو إلى العزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل نفقاته، فضلا عن الشكاوى الشعبية من ارتفاع أسعار الطاقة في هذا البلد الصناعي الكبير.

ورغم أن هذه المشكلات لا تبدو الأكثر إلحاحا للعلاج لكنها في الوقت ذاته غير مسبوقة في كوريا بوجهها الديمقراطي.

أبعاد خارجية

رغم أن أصل المشكلة يعود في ظاهره إلى خلاف على ميزانية العام المقبل، فإن الزج باسم كوريا الشمالية في الأحداث نقل الأزمة من كونها داخلية إلى خارجية تمس العلاقات الملتهبة بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، وقد تتسع لتعطي مدلولات بأنها تأتي في إطار ترتيبات عالمية لاستقبال ولاية ترامب الجديدة الذي عرف بمساعيه للتقرب من زعيم كوريا الشمالية، حيث كان الرئيس الأمريكي والغربي الوحيد الذي زار كوريا الشمالية وذلك عام 2019، والتقى الزعيم الكوري الشمالي مرتين في عام واحد.

يتوازى ذلك مع تحذير أطلقته كوريا الشمالية للولايات المتحدة من اندلاع حرب حقيقية، بسبب نشرها أصولا ومعدات عسكرية في شبه الجزيرة الكورية.

كما عرفت عن الرئيس توجهاته الغربية لدرجة أنه حينما تولى منصبه في مارس 2022 وصف علاقة بلاده مع أمريكا بأنها “تحالف شُكّل بالدم”، وأن البلدين قاتلا الشيوعية من أجل الحرية، كما تبنى سياسة أكثر اقترابا من اليابان فكان الرئيس الياباني هو الرئيس الثاني الذي التقاه.

واستكمالا لدائرة التحالفات العالمية التي انصاع لها الرئيس الكوري الجنوبي وحزبه اتسمت علاقاته بالانتقاد الدائم للمواقف الصينية والروسية، والتشدد في مواقفه من كوريا الشمالية، وهو ما تسبب في العديد من التوترات الحدودية الحادة التي وصلت إلى إطلاق نار عبر الحدود، وإرسال مسيرات تهدد الشماليين وتطالبهم بالثورة، رد عليها الشماليون بإطلاق مناطيد مملؤة بالقمامة تلقي حمولتها في سول، محطما بذلك كل جسور التهدئة الذي دشن لها سابقه مون جيه زعيم الحزب الديمقراطي.

.....

هدأت الأحداث نسبيا لكنها لم تخمد بعد.

...................................

الأحد، 8 ديسمبر 2024

تساؤلات مخيفة عن معركة الشام - سيد أمين

يمكنك أن تفرح بما يحدث في سوريا بوصفه ثورة ضد الاستبداد، أو أنه نهاية لوجع طال ملايين السوريين اللاجئين في الخارج، ورغم أنه لا توجد مؤشرات في الأفق تشي بنهاية هذا الوجع، إلا أن ما يظهر ويجب عليك أن تتذكره أن ما حدث دمر أعظم إنجازات “طوفان الأقصى” المتمثلة في وحدة ساحات المقاومة العربية والإسلامية سنتها وشيعتها، ودمر أيضا وحدة حواضنها الشعبية، وجعل دماء زهاء خمسين ألف شهيد ارتقوا في غزة ولبنان ثمنا لإحياء هذه القيم النبيلة وكأنه ضاع سدى، بل وصرف الأنظار بعيدا عن عملية الإبادة التي يقوم بها عدو الأمة الأصلي إسرائيل لغزة في وقت هي كانت الأكثر حاجة فيه لتركيز انتباه العالم عليها.

مفاسد العملية

وإن كان ذلك وحده لا يكفي للتدليل على ضرر عملية “ردع العدوان”، فهناك مؤشرات تقودنا إليها، أولها الخاصة بالتوقيت حيث إنها جاءت بعد أيام قلائل من تهديدات نتنياهو لبشار الأسد بأنه يلعب بالنار بعدما قدم أسلحة متطورة لـ(حزب الله)، فضلا عن أن العملية تلت مباشرة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وكل ذلك قدم دلالات قوية بأن العملية جاءت لقطع خطوط الإمداد المارة بسوريا عن (حزب الله) الحليف الكبير لنظام الأسد وللمقاومة الفلسطينية معا، مع تأكيد تنحية النظام السوري عن المشهد تماما.

ثانيها أن العملية خطت رسالة نكران للجميل الذي قدمه الحزب بدمه، قال له مدبروها الأصليون فيها إنك قدمت دمك وأرضك وأمنك لمن لا يستحق، وخضت حربا من أجل تدشين وحدة مع من يضعونك مع الكيان في خندق واحد، ودفعت أثمانا باهظة حيث فقدت معظم قادتك ضمن قرابة 5 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، بالإضافة إلى تركة ثقيلة من مدن منسوفة وبنى تحتية مدمرة وأعباء اقتصادية وسياسية هائلة دون عائد يذكر.

ولعله بعد اندلاع العملية وما طال (حزب الله) في سوريا من سب وتقريع من المهاجمين كفيل وحده بإقناع كثير من حاضنته الشيعية بأنهم ما كان لهم أن يقدموا هذه التضحيات كلها من أجل غزة التي تخلى وتآمر عليها من هم من نفس مذهب شعبها.

وثالثها تخص فقه الأولويات فلو كانت الثورة ضد بشار الأسد هي واجب وطني، لكان الأكثر وطنية ووفاء تأجيلها خاصة أن سوريا الآن هي متنفس (حزب الله) الوحيد، ولو سقط نظام بشار لكان ذلك بمثابة خنق له، فضلا عن أن سوريا على ما فيها من استبداد حاكم، وهوان حكومة هي أيضا واحدة من جبهات المقاومة ضد إسرائيل، ولو سقطت لكان ذلك بمثابة انهيار جبهة المقاومة، لتترك بعدها المقاومة الفلسطينية وحيدة كما قال نتنياهو لتلتهمها إسرائيل ورعاتها.


جميعهم مستبدون

يمكنك أن تدافع عن الحركات المسلحة وتقول إن بشار مستبد، وستجد من يرد نعم هو مستبد، بشار مجرم، نعم هو مجرم، بشار يحكم غصبا عن إرادة شعبه، نعم هو يحكم غصبا عن إرادة شعبه، إنه فاسد، نعم هو فاسد، هو طائفي، نعم هو طائفي، نعم هو كل موبقة وفساد، لكن قل لي بربك كم من حكام العرب والعجم من هو غير ذلك؟

يمكنك أن تتحدث عن ضرورة إخراج إيران من سوريا والعراق ولبنان، وهو قول صواب يتوافق مع قيم الاستقلال، لكن ما هو موقفك إزاء كل هؤلاء الطامحين في التمدد على فراغها، وماذا لو كان البديل إسرائيل الذي وقت نضالك ضدها ستجد نفسك تقف وحيدا أمام الغرب كله بقضه وقضيضه، كما هو الحال في غزة؟

عزيزي الثائر، هذه ليست أبدا دعوة للاستكانة للاستبداد، ولكنها دعوة للحذر من أن يتم استخدامك كحصان طروادة من أجل تنفيذ مخططات صهيونية ستكون أنت القتيل التالي فيها بعد الجندي السوري.

وحذاري من أن يغريك حملك للسلاح ـوهو عمل مذموم وفي غير موضعه- أن ترد الإقصاء بالإقصاء، والثأر بالثأر، فإن سلاحك حتما سينفد، والأعداء الوهميون من بني جلدتك، والأصليون في تل أبيب مصانع أسلحتهم لا تتوقف.


إصلاح النيات

طالما الأمر قد حدث بالفعل وحسنت النيات، فلا بد هنا من استغلال فقه المرحلة، بعدما توافرت فرصة جيدة للعبور من المحنة السورية بسلام، والخروج من المطحنة المصطنعة لصدام تياري الأمة السنة والشيعة في هذا البلد، بما يحافظ على وحدة شطري المقاومة وتقويتها، ويحافظ على استقلال سوريا، بل ويعيدها لدورها الأصلي كقوة ممانعة.

يجب أن تعمل روسيا والوسطاء العرب من الخيرين على تقريب المصالح ووجهات النظر بين الداعم الرئيس للنظام السوري والداعم للفصيل الأكبر من المسلحين.

فدور إيران الأكبر والأهم في سوريا هو الحفاظ على ممر آمن لـ(حزب الله)، بينما الهدف الأساس لتركيا من دورها هناك هو تأمين حدودها وإعادة ملايين اللاجئين السوريين فيها إلى بلادهم بعدما صارت هناك قلاقل في المجتمع التركي بسبب كثرة أعداد اللاجئين.

فلمَ لا يتم العمل على إزاحة بشار الأسد ونظامه بصفته رأس الخلاف، وتحقيق مصالح هؤلاء الوسطاء الإقليميين السابقة، وبدء فترة انتقالية بمجلس منتخب ممثل فيه لكل فئات المجتمع، من أجل اختيار نظام حكم يمثل الجميع ويضمن مصالح الدول والقوى الإسلامية الحليفة.

هناك رائحة مؤامرة كبرى اشتعل فتيلها في الشام، وبحاجة إلى الحكمة لإطفائها.

إقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4ioXZKg

...................................

السبت، 30 نوفمبر 2024

باكستان مجددا على صفيح ساخن - سيد أمين

  من حين لآخر يثبت رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان أنه وحزبه حركة الإنصاف ما زالا يؤثران بشدة على المشهد السياسي والأمني في البلاد، رغم كل إجراءات التغييب والقمع والتشويه التي طالتهما، متجاوزين محاولات الحكومة الائتلافية من أحزاب عدة قريبة من الجيش بزعامة شهباز شريف وصم الحركة بالإرهاب، والتدليل على سلوك أنصارها مسلكا إجراميا من أجل إقناع المجتمع الباكستاني بضرورة حظرها قانونيا بعد إقصائها سياسيا.

فدعوات التظاهر التي أطلقها من محبسه التي أراد منها إثبات وجود الحركة في الشارع، لاقت استجابة جيدة، وتدفق عشرات الآلاف من الباكستانيين لا سيما من إقليمي البنجاب وخيبر بختونخوا القريب من الحدود الأفغانية والمعقل الرئيس لأنصاره نحو العاصمة إسلام أباد، بقيادة زوجته بشرى بيبي وأمين غاندابور رئيس وزراء إقليم خيبر بختونخوا الذي ما زالت تحكمه الحركة، وتحملوا مشقة سفر دامت 48 ساعة كاملة، متحدين الحواجز وقنابل الغاز والقوانين الاستثنائية جميعها التي أصدرها برلمان تسيطر عليه أغلبية حكومية ضعيفة جرمت مظاهر الاحتجاج كافة كالاعتصام والتظاهر والتجمعات.

ورغم أن الاستجابة الشعبية لم تكن كما هو متوقع لها بسبب ضراوة القبضة الأمنية، وفشلت في تحريره وقادة الحركة من محبسهم، إلا أنها تسبب في خيبة أمل كبيرة للسلطة أيضًا بعد رهانها على جنوح شباب الحركة للاستكانة وإيثار السلامة جراء إجراءات القمع غير المسبوقة التي فرضتها عليهم منذ توليها الحكم، حيث اعتقلت الآلاف، وأغلقت مقارها ومنعت قادتها من التواصل مع الجماهير، بل ومنعت أنصارها من حمل شاراتها وراياتها أو الإشادة بها أو حتى شرح برامجها ورؤيتها السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن أنها أقصتها عن خوض الانتخابات البرلمانية فبراير/شباط الماضي.

فيما يرى البعض أن قيام الحكومة بوقف الدراسة في المدارس والجامعات صبيحة قدوم المحتجين إلى العاصمة وقطع الإنترنت فيها وفي مدن أخرى عدة في محيطها، واستدعاء الآلاف من قوات الأمن في المحافظات القريبة من إسلام أباد، وإغلاق الشوارع بالمصفحات وعربات نقل الجنود، هو دليل واضح على مدى الخوف الذي انتاب السلطة من تلك التظاهرات.

رسائل الجيش

واجه الجيش بشكل مباشر تظاهرات أعضاء حركة الإنصاف بضراوة بالغة، تسببت في مقتل العشرات وإصابة المئات منهم حينما كانوا ينوون تنظيم اعتصام في منطقة “دي تشوك” قبالة البرلمان حسب ما أعلنته الحركة بينما نفته الحكومة، واعتقل نحو ألف متظاهر وجهت لهم تهم القيام بأعمال إرهابية، وراح قائد الجيش الجنرال عاصم منير بالإشادة بالعملية التي قادها ووصفها بأنها حكيمة.!!

فيما بث التلفزيون الباكستاني مشاهد لقيام أنصار خان يحملون الهراوات بالاعتداء على رجال الجيش والشرطة، وقال إن عناصر الحركة قتلوا ضباطا ومسؤولين أمنيين، ولكن وسائط مصورة أظهرت أن هناك عسكريين قتلوا حينما اصطدمت بهم سيارة ولا يعرف عما كان ذلك مجرد حادث سير أم أنه عمل دبره المتظاهرون، كما تقول الحكومة.

الحركة نفت صلتها بأي أعمال قتل، وبررت مشاهد اعتداء المتظاهرين بالضرب على رجال الأمن بأنها جاءت كرد فعل غاضب على قيام قوات الجيش والأمن بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المعتصمين، مؤكدة وجود عشرات الجثامين لمحتجين محتجزة في المستشفيات ويرفضون تسليمها لذويهم.

وكعادة التهم الجزافية التي يطلقها العسكر في بلدان العالم الثالث ضد معارضيهم، اتهم قائد الجيش الحركة باحتواء مئات الأفغان ضمن من وصفهم بـ”الإرهابيين” و”مثيري الشغب” في صفوف متظاهريها، وذلك في رسالة سياسية موجهة للخارج وخاصة أمريكا مفادها أن حركة الإنصاف هي الصوت الباكستاني لحركة طالبان، مستثمرا في ذلك سياسة الحركة المعلنة الهادفة للتوجه شرقا والانفتاح على دول الجوار، بما فيهم طالبان.

اضطرابات متنوعة

تأتي هذه الأحداث لتفتح الطريق لتطور نوعي في الصراع السياسي قد تنجح في تحويله إلى صراع مسلح، وهو الأمر الذي إن حدث فسيزيد من سخونة الأوضاع في البلاد المشتعلة أصلا بسبب استمرار فشل السلطة في معالجة الأزمة الاقتصادية العتيقة، رغم حصول الحكومة على قرض يبلغ 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي بضمانات تمويلية من قبل السعودية والإمارات والصين لمساعدتها في تجاوز عثرة البلاد الاقتصادية التي أوقفتها على مشارف الإفلاس.

وكذلك بسبب فشلها في وأد الاضطرابات القبلية والطائفية في البلاد، وهي الاضطرابات التي أدت لمقتل نحو 120 شخصا في أسبوع واحد ومقتل المئات خلال هذا العام وهو عمر الحكومة جراء معارك مذهبية بين متطرفين من السنة والأقلية الشيعية في إقليم خيبر، فضلا عن اضطرابات مذهبية مشابهة وطائفية، واضطرابات عرقية متزايدة في إقليم بلوشستان الحدودي مع إيران، والساعي للانفصال عن البلاد.

المشكلة هي أن من بيدهم الأمر في باكستان ما زالوا على غير اقتناع أنه لا سبيل لنجاة بلادهم من مستنقع الفوضى الذي ينتظرها إلا بالديمقراطية، والسماح بحياة سياسية سليمة، وأنه حينما يتحقق استقرار سياسي واقتصادي سينجح الجميع وسينجح هذا البلد الكبير في العبور نحو المكانة التي يستحقها في العالم.

المصدر : الجزبرة مباشر

https://bit.ly/3ZsVSh2

...................................

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل خذل الروس والصينيون العرب؟ سيد أمين

  مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان شهرها الرابع عشر، يسود الأوساط السياسية العربية اعتقاد جازم بأن روسيا والصين خذلتا العرب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليهما حليفتين لهم.

ولعل الأنظمة الرسمية سبقت الهيئات الشعبية في الإيمان بهذا الاعتقاد، مما جعلها تبكر بالانصراف عن خطب ود موسكو أو

بيجين، وتسلك طريق التبعية طوعا وكرها لأمريكا، وتتكيف مع مواقفها المتعسفة والجائرة ضد من مرقوا عن حظيرتها، ولو كانت تلك الأنظمة رأت في القطبين الناشئين رغبة وجدية لحماية حلفائهما، ودفع ثمن تلك الريادة، لربما وجدنا من تلك الأنظمة -حتى تلك الأكثر جنوحا للاستظلال بالمظلة الأمريكية- سعيا بصورة أو بأخرى لمد يدها لمن ينتشلها من هذا المستنقع الاستعماري المنحاز كليا ضد الشعوب العربية وقضاياها.

والمشكلة أن أمريكا التي تحمي عادة من يستظل بمظلتها في العالم، وتسعى لرفع مستوى رفاهية شعبها الاستهلاكية كما حدث في كوريا الجنوبية، نجدها في منطقتنا العربية تحوّل حمايتها من حماية الشعب إلى حماية النظام الحاكم، مما شجعه على الاستبداد بشعبه وتركيعه وتجويعه لقبول إجراءاته ورغباته التي هي في الأصل إجراءاتها ورغباتها.

ورغم أن هذه الإجراءات حولت الأنظمة إلى أعداء حقيقيين لشعوبها، وأخضعت وجودها بدرجة كبيرة لقوة العصا التي تستخدمها وليس لحكم الصندوق، فإن تلك الأنظمة الهشة غير المستندة على قاعدة شعبية لم تجد مفرا من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، وجعلها السند، وذلك نظرا لعدم وجود بديل حقيقي أقل تعسفا يمكن الارتكان إليه وقت إظهار الأمريكيين عيونهم الحمراء.

وبدا لها أن الانتقال الصريح من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي والصيني هي مقامرة فاشلة عاقبتها الندم، لأن أقصى دعم يمكن أن يقدّماه لها حينئذ هي عبارات الشجب والتنديد، وفي أحيان أخرى سيجدونهما يقايضان بهم أمريكا من أجل مكاسب اقتصادية أو حماية مراكز نفوذ أخرى في رقعة شطرنج العالم.

تجارب مريرة

وهناك تجارب سابقة مريرة مر بها العرب حينما راحوا يركنون ظهورهم على حوائط موسكو وبيجين في مجابهة أمريكا وحلفائها فوجدوا أنفسهم فرائس سهلة، كما حدث مع صدام العراق وقذافي ليبيا، وبشير السودان الذي سافر إلى موسكو قبل أشهر من إطاحة الجيش به عسى أن يجد لديها الدعم اللازم لوقف التدخل الغربي في بلاده عبر الدعم الاستخباري أو العسكري، لكن فيما يبدو كانت هذه الزيارة وبالا عليه ودافعا لأمريكا إلى زيادة الضغط لسرعة الإطاحة به وسط تخاذل روسي واضح.

ومن المؤسف أن المرة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا لإنقاذ حليف لها في الوطن العربي كان لإنقاذ بشار الأسد من غضبة شعبية قد تكون شرارتها مصنعة غربيا، إلا أن تدخلها العنيف أسهم في تحويل المؤامرة الغربية إلى ثورة مدعومة شعبيا، ثم اقتتال طائفي، بدلا من أن تبحث عن حل وسط يوحد جميع القوى المتصارعة ويرضي مصالحها.

هذا التدخل الروسي العنيف لم يؤد إلى نتائج عكسية فحسب، بل إنه أيضا قضى على كون سوريا قوة إقليمية مقابل الإبقاء على حاكمها الذي لا يحكم إلا أجزاء منها، وترتع الميليشيات المتناحرة والقوات الغربية في الأجزاء الأخرى، وهو ما تشابه في نتيجته النهائية مع السياسة الأمريكية في المنطقة، الخاصة بدعم الحكومات وتحويل وظيفتها إلى مجرد سجان للشعوب.

ومن الحماقة حقا أن تستهدف روسيا فئات نافرة من الحظيرة الأمريكية مثل التيارات الإسلامية والقومية رغم أنهما من الفئات التي تقف مع حلفائها في الخندق نفسه كتيار ممانعة، وكان يجب عليها استقطابهم والتقريب بينهم وبين السلطة، وهو الخطأ الذي أضعف بالإجمال قوة التيار.

الحرب الكاشفة

وكما كشفت حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان الكثير من الدمن التي تعشش في النظام الدولي والعربي، كشفت أيضا أن التعويل على الروس والصينيين في الدعم الفعال لحلفائهما هو أيضا مجرد وهم.

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول الغربية لم تألُ جهدا في دعم إسرائيل بأحدث تقنيات الموت والدمار المتوفرة في ترساناتها العسكرية، فضلا عن الدعم الدبلوماسي غير المحدود الذي فضّل أن يضحي بهيبة مؤسسات العدالة الدولية للحيلولة دون أن تمس إسرائيل بسوء، نجد في المقابل روسيا والصين تشاهدان إسرائيل تنكل بلبنان بعدما نكلت بغزة دون أن يجرؤ أي منهما على مجرد التلويح بأنه قد يدعم المقاومة ولو بطلقات خرطوش.

يقال في المثل الشعبي “الغاوي ينقّط بطاقيته”، وإذا كانت روسيا والصين ترغبان في دور بارز في قيادة هذا الكوكب ومنافسة أمريكا، فعليهما دفع الثمن “عربون الفتونة”.

وها هي الفرصة قد جاءت.

...................................

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

الكوريون وصلوا.. أخطار الحرب النووية تتفاقم - سيد أمين

 رغم خفوت ضجيج الإعلام وانصرافه عنها قليلًا بسبب تصدُّر حرب الإبادة في غزة ولبنان المشهد، فإنه في كل يوم يمر دون إتمام أي من طرفي الصراع في أوكرانيا الحسم للمعركة، تبقى احتمالات اشتعال حربية عالمية ثالثة قائمة، مع تزايد القناعة بأنه لا روسيا ولا أمريكا -بوصفهما الخصمين الحقيقيين الفاعلين هناك- سيقبل أي منهما بالانكسار مهما كان الثمن، مما تزداد معه أخطار توسُّع الحرب وصولًا إلى الأسلحة النووية.

والواقع أن المشهد الأوكراني يتضمن كل مهيئات هذه الحرب، إذ تتصارع الأحلاف الدولية الغربية والشرقية فيها، وتتداخل كل أجهزة الاستخبارات، كما تتدفق مئات الأطنان من الأسلحة إليها، والمسلحون يفدون إلى طرفيها من كل حدب وصوب، بينما يزداد رويدًا رويدًا خطر الانفجار في جميع مناطق التماس الأخرى بين المعسكرين الشرقي الموالي لروسيا والغربي الموالي لأمريكا، ولعل الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على العراق وسوريا ولبنان واليمن -وهي كتل تدور في الفلك الايراني الحليف لروسيا- قد تعمل محفزًا مساعدًا لاشتعال هذه الحرب بوصفها مناطق نفوذ، وإن كانت بمفردها لا تقوم بهذا الدور.

ويعزز المخاوف ورود تقارير عن وصول قوات كورية شمالية قوامها 3 آلاف مقاتل إلى روسيا للمشاركة في الحرب، مع توقعات بأن يصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ثم جاءت تصريحات وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هوي أثناء اجتماعها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، الجمعة الماضية في موسكو، لتفتح باب الحديث جديًّا عن أخطار متوقعة لضربة نووية، إذ أكدت تواصل مساعي بلادها لتعزيز قدراتها النووية تحسبًا لضربة نووية انتقامية، في إشارة إلى ما سمَّته مكائد أمريكا المتنامية، وقالت إن بلادها تطور أسلحتها النووية الهجومية و”الجوابية”.

ونقلت رسالة زعيم بلادها كيم جونغ أون التي أكد فيها نصًّا أن “التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتحول الآن إلى تحالف عسكري ذي مكوّن نووي”.

وعلى الأرض تنامت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات بين نظامَي شبه الجزيرة الكورية، التي شملت تفجير الطرق والسكك الحديدية الرابطة بين البلدين، مع تقوية التحصينات العسكرية الحدودية، وتزايدت حدة إطلاقات النار على جانبيها حيث أطلقت سيول مسيَّرات نحو بيونغ يانغ تحمل منشورات تتضمن التهديد والوعيد، قابلتها الأخيرة بإطلاق مناطيد تحمل القمامة.

هذا بخلاف تنامي التوتر بين واشنطن وبيجين فيما يخص تايوان التي تَعُدها الصين جزءًا من أراضيها، وكثيرًا ما قامت طائراتها باقتحام مجالها الجوي، في حين نشرت مؤخرًا 20 طائرة مقاتلة في دوريات حولها بعد حديث عن صفقة أسلحة أمريكية يُنتظر تصديق الكونغرس عليها بقيمة 1.16 مليار دولار تشمل أنظمة مضادة للطائرات وصواريخ، وصفقة أخرى بقيمة 828 مليونًا تضم أنظمة رادار متطورة.

ولعل مثل هذا الصدام سيعطي الصين دافعًا إلى سرعة الانخراط في التحالف مع روسيا، رغم سياستها الثابتة بعدم الانجرار في أحلاف راسخة، لما يمثله ذلك من صدام واسع مع أمريكا والغرب يهدد مصالحها الاقتصادية في العالم.

وإذا كان التكتل الغربي المساند لواشنطن واضح المعالم، فإن الراصد يستطيع أن يرى بوضوح أيضًا المساعي الروسية الحثيثة لبناء تكتل قوي، قد يضم أيضًا كوبا وفيتنام والعديد من الدول الإفريقية والإسلامية الخارجة توًّا من الهيمنة الغربية.

مواصفات الصراع النووي

وإذا اشتعلت تلك الحرب المباشرة بين أقطاب العالم النووية، فحينئذ سينحصر الأمل على اقتصارها على الأسلحة التقليدية، وهو أمل لا محل له من الإعراب، لأن الهدف الأساسي من امتلاك الدول للأسلحة النووية هو الفوز بأي حرب وليس فقط تجنب الهزيمة فيها.

وسيقتصر آنذاك التنافس على من سيكون صاحب الضربة الأولى، ومدى قدرته على امتصاص الضربة المضادة إن حدثت، لأن صاحب الضربة الأولى سيكون فعليًّا قد هزم الخصم، بشرط استهداف المنطقة الصحيحة التي تشل العدو تمامًا وتمنع قدرته على الرد.

فضلًا عن مدى امتلاك هذا المبادر الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية لمسافات بعيدة بسرعة متناهية قبل أن تسقطها مضادات الخصم في غير الموقع المقصود، وكذلك مدى امتلاكه التقنيات التي تكشف له مراكز قوة العدو بدقة لكي يتم استهدافها.

ولقد وفرت التقنيات العسكرية الحديثة حلولًا جذرية لمعضلات المسافة والزمن والدقة، عبر اختراع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الحرارية والذاتية التوجيه.

ولعلنا نتذكر أن معضلة بُعد المسافة دفعت الاتحاد السوفيتي قديمًا إلى شراء جزء من الزمن عبر استئجار قواعد عسكرية في دولة كوبا القريبة من الشواطئ الأمريكية وإمدادها بصواريخ ذات رؤوس نووية، والأمر نفسه فعلته واشنطن في دول أوروبية عدة قريبة من الحدود الروسية، وهو ما أطلق ما يُعرف بالحرب الباردة.

الحرب النووية

جُل المخاوف تنحصر في أن روسيا وأمريكا وحلفاءهما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لتوجيه ضربات نووية ناجحة، فضلًا عن امتلاكهما معًا مساحات أراضٍ واسعة تطل على بحار ومحيطات كبيرة، وهو الأمر الذي سيتيح لأي منهما أيضًا امتصاص الضربة النووية الأولى، ويمكّنهما من توجيه المزيد من الضربات، بما يطيل أمد الحرب.

ورغم أن الساسة في الدولتين العظميين يؤكدون أنه لا مجال لحرب نووية، فإن هناك من يرى أن مثل تلك التصريحات تكتيكات عسكرية فقط، هدفها تخدير الخصم وتحقيق عنصر المباغتة، إذا جد الجد.

أما دول التماس بين روسيا وأوروبا خاصة بولندا وفنلندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، فقد تكون أول ضحايا خروج الصراع العسكري من حدود الحرب التقليدية.

هذه خريطة للصراع الدولي في أوكرانيا إذا خرج عن حدوده التقليدية الحالية نحو حرب عالمية ثالثة، واحتمالات قفزة واسعة ليتحول إلى حرب نووية، وإن كان الأمل معقودًا على أن يكون كل ما يحدث مجرد حرب نفسية أو كما يصفها اللفظ العامي “تهويش”.

...................................

الأربعاء، 30 أكتوبر 2024

وجه آخر لإرهاب الرجل الأنيق - سيد أمين

 لم يعد هناك حاجة للاسترسال في سرد تفاصيل كثيرة عن النفاق الغربي الرسمي الذي يمثل الإرهاب في صورته الأكثر تدميرا وتخريبا، والذي كانت خطورته حتى وقت قريب تكمن في تخفيه وامتطائه جواد الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أن إنسانه ليس أبدا كإنساننا، وحقوقه عندهم ليست كحقوقه عندنا.

ولقد كان لتأييد الغرب المطلق الرسمي والمستتر للإبادة في غزة الفضل في نزع ورقة التوت المهترئة التي كان يتعلل بها المتعللون، فظهر جليا أنه بدعمهم السياسي تتعطل إدانة إسرائيل دوليا ولذلك استمرت في غيها، وبأسلحتهم واستخباراتهم أبادت الأبرياء، وبأموالهم استأجرت المرتزقة وبنت المستعمرات، وظهرت الخلاصة في أنها ما هي إلا مجرد منفذ لسياستهم الإرهابية القذرة، قذارة تلك التي نفذوها من قبل في الحقبة الاستعمارية وفي الحربين العالميتين الكبيرتين.

لكن مع ذلك فهذا ليس وجه الإرهاب الوحيد للغرب، فهناك حقائق كثيرة أخرى مختلفة تجب الإشارة إليها حول التوحش الغربي عامة والأمريكي والإسرائيلي خاصة، منها أن من أحرق اليهود هم الغرب ومع ذلك أجبروا العرب على دفع الفاتورة، وأن الغرب وليس الشرق هو من غزا ونهب ثروات شعوب العالم حتى إنه حول البشر فيه إلى بضاعة تباع وتشترى، وهو من خاض الحروب الأكثر بشاعة في التاريخ بعد هجمات المغول والصليبيين، ويكفي القول إنه قتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحدهما قرابة 5% من عدد سكان العالم جلهم من شعوب ليست أصلا طرفا في هذه الحرب، ولكن وضعها المتعاركون عنوة في أتون الحرب ليجنبوها شعوبهم.

أما أمريكا فضحاياها عادة ما يكونون بالملايين، بدءا من ضحايا قنابلها الذرية في اليابان، إلى مليون ونصف مليون قتيل في فيتنام، ومليوني شهيد في العراق حسب إحصائيات منظمات حقوقية فرنسية، ومليون و700 ألف حسب “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”، التي دونت فقط من وصلت جثثهم إلى المشارح المعتمدة، وقرابة 176 ألف شخص في أفغانستان بحسب دراسة أجرتها جامعة براون الألمانية،و هذه مجرد عينة صغيرة لأربعة نماذج فقط من سجل متخم لضحايا كثر لانتهاك أمريكا لحقوق الإنسان.

إرهاب غير مباشر

ما سبق كان مجرد وجه للإرهاب المباشر، وبقي الحديث عن الإرهاب غير المباشر الذي يتلخص في أن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت في علاقاتها مع دول العالم العربي سياسات انتهازية، استطاعت من خلالها تحقيق النجاح الكافي لجعلها صاحب القرار الأهم في هذا الركن من العالم طوال العقود التسعة الماضية، ضاربة بإرادة شعوبه عرض الحائط، وذلك باعتراف قادة عرب بارزين منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي لم يخجل من أن يعلن صراحة أن 99% من أوراق اللعبة في المنطقة العربية بيد أمريكا.

وتتلخص تلك السياسات في تمكنها عبر وسائل عدة معلنة وغير معلنة من التغلغل عميقا في شؤون الدول الداخلية، وإيصال أنصارها فيها إلى أعلى السلطة، مع تدفق دعمها لهم بكافة الطرق العينية والسياسية واللوجستية.

ومع ذلك فإن باب دعمها ذلك ليس مفتوحا على مصراعيه كما هو الحال مع “إسرائيل”، ولكنه يكفي في حده الأدنى منع هذه النظم من السقوط من جانب، ومنعها من أن تتشبع لدرجة تمكنها من الاستغناء عن هذا الدعم مستقبلا من جانب آخر.

ورغم نجاعة تلك السياسة فإنها تقوم بعمل جنوني آخر متمثل في صناعة أو دعم بدائل لهؤلاء الحلفاء وتقديمهم كمعارضة ديمقراطية لهم، قاصدة استيفاء الديكور الخاص بوجود معارضة لكل نظام كما هو الحال في كل النظم التي تدعي الديمقراطية، وكذلك ترويع الحلفاء بقوة ضغط إضافية سعيا وراء مكاسب أكبر، ولتقول إن يدها في البلاد ذات حول وطول، وفي أحيان أخرى تتصرف كذلك فقط لخدمة الحلفاء الأصليين وإظهارهم أمام شعوبهم كحكومات مستقلة تتعرض لمؤامرات خارجية من قبل معارضة غير وطنية.

ولعل الاستعمال الأهم من ذلك كله الاستعاضة بهم عن المعارضة الحقيقية “غير المرغوب فيها” التي سيتم إقصاؤها باتهامات فضفاضة كالإرهاب والتطرف والعمالة للخارج، وكذلك استخدامهم للحيلولة دون وصول مثل هؤلاء المغضوب عليهم لأي سبب غير متوقع كثورة شعبية أو انقلاب عسكري.

تدمير نموذجي

تلك السياسات هي درجة من درجات الإرهاب بما تتضمنه من تخريب الحياة السياسية للأمم، وهو تخريب يتقدمه ويعقبه تخريب أوسع نطاقا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحتى الروحية، وذلك لأنه ببساطة إذا فسد الراعي ووصل السلطة بالاحتيال والدعم الخارجي فسدت معه الرعية وتحولت علاقاتها البينية إلى غابة.

وفيما يبدو أن ما فعله النفوذ الأمريكي والغربي في البناء السياسي للدول العربية، قلدته النظم ذاتها في معارضتها، فأقصت الإسلامي المتمسك بأيديولوجيته ودعمت أحزابا إسلامية هلامية بلا فكر ولا شعبية، وأقصت القومي الذي يرى أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ودعمت أحزابا قومية برنامجها قائم فقط على عداء التيار الإسلامي، وفعلت ذلك مع الاشتراكي المدافع عن حق الفقير والمناضل لتغول الرأسمالية، ودعمت ذلك الذي برنامجه قائم على سحق التيار الإسلامي والقومي.

والأخطر أنها سحقت واقعيا جميع أنواع المعارضة بكل أطيافها، فصارت جميعها مصنعة في معامل السلطة وأجهزتها الأمنية، ويدار هذا وذاك من السفارات الغربية.

هذا وجه آخر أكثر خطورة للإرهاب، لأنه يدمر ولاء ونماء الأمم برمتها، ويقلب حالها فيجعل من شعوبها الأعداء ومن أعدائها الأصدقاء.

هذا هو إرهاب الرجل الأنيق.

...................................

الخميس، 24 أكتوبر 2024

ملامح الورطة التاريخية الجديدة لليهود - سيد أمين

 قد تتضمن سياسات الأرض المحروقة والإبادة الجماعية والاغتيالات التي ينفذها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان انتصارا مرحليا يغذي شبق الدم المريض به، ولكنها أيضا حملت في طياتها خطرا استراتيجيا غير مسبوق على كل يهود العالم الذين ظلوا لقرون طويلة يعيشون تحت حماية العالم الاسلامي ورعايته، ثم ورطت الصهيونية اليهود عامة في مقابلة هذا الاحسان بالبربرية.

ومع هدوء رحى الحرب تبدأ الانتكاسة الحقيقية، في الوقت الذي يظن فيه الصهاينة تمكنهم من تحقيق النصر المطلق، ستمثل هذه الإبادة المعين الذي لا ينضب لقرون قادمة لإثارة كل حنق ضد اليهود “عامة”، سواء من قبل المسلمين أو من غيرهم، ويدفع له اليهود المعتدلين مع الصهاينة المجرمين أثمانا فادحة في أوقات السلم، أكثر مما دفعوه في أوقات الحرب، قد تفضي إلى زوال دولتهم بوصفها موطن الداء.

وكما يتذكر اليهود في العالم الانتكاسات الكبرى التي تعرضوا لها على يد نبوخذ نصر والسبي البابلي، والخروج من مصر على علي يد فرعونها، والهولوكوست النازي، واستدروا عطف العالم بها لسنوات، ستتذكر الأجيال القادمة من المسلمين -وهم ليسوا بحاجة لحماية أو دعم من غيرهم- ما فعله الصهاينة بأهل غزة ولبنان، تماما كتذكرهم مذابح الحروب الصليبية والمغولية والحملات الاستعمارية الغربية، والتي جميعها مع ضخامة قوتها ووحشيتها قضت واندثرت في حين بقي في الأرض أصحابها الحقيقيون.

ولعل جوهر الهزيمة الاستراتيجية المستقبلية التي ورطت الصهيونية اليهود فيها يأتي بأن الضحايا وأحفادهم قد لا يفرقون بين اليهودية والصهيونية، لا سيما أن الدولة التي ارتكبت تلك الفظائع هي ذاتها من أعلنت نفسها رسميا بوصفها دولة لليهود في العالم، وبالتالي فإن هذه الفظائع ستؤول مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية إليهم حتى لو كان كثير منهم يدينونها ويرفضونها.

فضلا عن أن هذه الفظائع قدمت برهانا عمليا موثقا للعالم على أنها تمثل نتاجا حضاريا لـ “الثقافة” المتوحشة التي يؤمنون بها والتي طبقوها وقدموها للعالم وتراثه الحضاري متى امتلكوا أدوات القوة والتمكين، وبالتالي فلا معنى للتشدق بالمظلومية مجددا، ولا أن اسرائيل واحة الديمقراطية في خضم من الديكتاتوريات العفنة.

بل أن الورطة تجاوزت الكيان نفسه ولحقت بكل داعميها أمريكا وبريطانيا وألمانيا الذين اضطروا للسقوط معها في ذات المستنقع ظنا منهم أنهم يمكنهم انتشالها.

العود الأبدي

ومن الوهم أن يعتقد الصهاينة أنهم سيظلون هكذا على الدوام في حالة تفوق عسكري، وأنهم يمثلون محور الكون والابن المدلل لقطبه الأوحد، فالإرهاصات التي تلوح في الأفق تؤكد أن العالم يقترب من تغييرات عميقة، تغير أقطابه، فيتغير معه الأبناء المدللون.

وهناك نظريات تنظر لحتمية ودورية التغيير سواء في مجال الجغرافيا السياسية أو تطور المجتمعات أو في حركة التاريخ مثل نظرية “العود الأبدي”، وهي النظريات القائلة بأن الدول مثلها مثل أي كائن حي تقوى وتضعف، وتشب وتشيب، وأنها تولد وتموت.

وكما تمر الدول بدورات متعاقبة من القوة والضعف، وتغير المسميات والحكومات، تبقى الشعوب التي نبتت من جوف الأرض ثابتة بجذورها العميقة، ولا ينطبق الأمر أبدا على شعب إسرائيل لكونه نبتا استثنائيا حملته السفن والطائرات من أصقاع الأرض، فتمدد سريعا فوق أرض لا جذور له فيها، وبالتالي لن يقدر على مقاومة الرياح حتى العابر منها دون دعم خارجي مجهد ومكلف ومستمر، ولسنا بحاجة للتأكيد بأن دوام الحال من المحال.

وبالتالي فإن بقاء هذا الكيان مرتبط أساسا بعبء ثقيل عليه وعلى منشئيه، يتمثل في وجوب العمل ليل نهار، سرا وجهرا من أجل إخماد صحوة ملياري مسلم يشكلون ربع سكان هذا العالم.

والمنطق يقول إنهم قد ينجحون في خداع العالم بعض الوقت، لكن من المحال نجاحهم في ذلك كل الوقت.

الزوال الحتمي

قد تنجح إسرائيل وجماعات الضغط المرتبطة بها وداعموها الغربيون في تأخير نهضة العالم الإسلامي والعربي لفترات من الزمان، ولهم في ذلك أساليب كثيرة، ولكن طبقا لنظريات “العود الأبدي” لابد أن يكرر التاريخ نفسه، وقتها ستتبدل المواقع بين السجين والسجان،  والقوي والضعيف، وحينها سيكون قد تحرر المسلمون والعرب من قيود الهيمنة  الغربية التي ستكون قد انكسرت لأسباب قد لا تتعلق بهم وحدهم- وذلك لأن المسلمين ليسوا وحدهم من يعيشون في هذا الكوكب- ولكن تتعلق بظهور قوى عالمية جديدة قد يكون المسلمون من ضمنها، بالتالي تصبح إسرائيل حينئذ عارية تماما من كافة أدوات الحماية، ما يسمح للضحية أن ينتقم من الجلاد.

مسألة زوال دولة إسرائيل هي مسألة محسومة عقديا، ليس لدى المسلمين وحدهم بل حتى لدى اليهود أنفسهم، وهو ما جعل حركات دينية يهودية أهمها حركة “الناطوري كارتا” تعتبر ظهورها علامة شؤم على اليهود في العالم وخطر وجودي يتهددهم.

المصدر : الجزبرة مباشر

https://bit.ly/4dXJJob

...................................

الخميس، 19 سبتمبر 2024

معركة البيجر.. منظومة حزب الله في وضع الانكشاف! - سيد أمين

 فوجئ اللبنانيون بالجريمة النكراء التي حدثت بانفجارات في الآلاف من أجهزة الاستدعاء اللاسلكية الشهيرة بـ”البيجر” بشكل متزامن في وجه مستخدميها مما تسبب في استشهاد عدد من الأشخاص وإصابة الآلاف حالة بعضهم خطرة، وإثر ذلك توجهت الأنظار في لبنان وخارجها نحو بيت الدسائس والمؤامرات “تل أبيب” بالضلوع في الجريمة.

والحقيقة أن لإسرائيل تاريخًا طويلًا في تنفيذ الاغتيالات من خلال تلغيم وتفجير الهواتف، وكان أشهر من اغتالتهم بهذه الطريقة الشهيد القسامي المهندس يحيى عياش، إلا أن الفارق هذه المرة أن المؤامرة نُفذت ضد كثيرين منهم لا علاقة لهم بكتائب المقاومة.

تساؤلات مهمة

الواقعة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية تمكن إسرائيل من تلغيم تلك الأجهزة وبهذه الأعداد الكبيرة؟ وكيف كان يستخدمها أصحابها قبل ذلك دون اكتشاف أمرها؟

أما التساؤل الأخطر فهو أنه إذا كانت إسرائيل قد استطاعت تلغيم تلك الأجهزة وتفجيرها، فإن هذا يعني بالضرورة تمكنها من فك شفراتها ورسائلها، مما يضع منظومة حزب الله العسكرية التي يقال إنها الأكثر استخدامًا لهذه الأجهزة في اتصالاتها الداخلية في وضع الانكشاف أمام إسرائيل جزئيًّا أو كليًّا، ما يوجب على الحزب إعادة هيكلة منظومته الأمنية، وأخذ الحيطة والحذر الواجبَين.

والحيطة هنا لا ينبغي أن تشمل المواقع والمنظومات العسكرية والأمنية فقط، ولكن أيضًا الأشخاص المصابين لأن انكشافهم سيحفز المنظومة التجسسية الصهيونية على تعقبهم كقادة ميدانيين محتملين في حزب الله والمقاومة، حتى لو لم يكونوا كذلك، وبالتالي تستهدفهم وتستهدف ذويهم بالاغتيالات.

كما أن هناك استنتاجًا آخر يبدو بديهيًّا، وهو أنه لا يمكن أن تكون تلك الأجهزة “غير المتطورة” قد وصلت إلى أيدي المقاومة بهذه الأعداد دون وجود مندسين على درجة كبيرة من الثقة لديها روجوا لها، برفقة سلسلة من الفسدة والخونة أو حتى قل المهملين والمتساهلين الذين اعتمدوا صلاحيتها.

ولا ينبغي الاكتفاء بالتفسير الذي قدمته صحيفة نيويورك بوست بأن إسرائيل استطاعت التلاعب في شحنة هذه الأجهزة المقدرة بثلاثة آلاف جهاز أثناء استيراد حزب الله لها من تايوان قبل خمسة أشهر، ونجحت في زراعة متفجرات صغيرة زنة 50 غرامًا قرب بطارية كل جهاز فيها.

مع أخذنا في الاعتبار أن الكثير من الهواتف النقالة تنفجر بطارياتها لأسباب تقنية، وتسبب أضرارًا مشابهة لما سببته انفجارات “البيجر” دون أن يكون بداخلها متفجرات صغيرة، مع وجوب الحذر من أن يكون الحديث عن تلغيمها هو محاولة لصرف الأنظار عن وجود تقنية معيَّنة يتم من خلالها تفجير بطاريات الهواتف، وهي الوسيلة التي لو ثبت وجودها لتمكن حزب الله من الوصول إليها والرد على إسرائيل باستخدامها.

البيجر.. ميزات وعيوب

والبيجر لمن لا يعلم هو هذا الجهاز الذي مثّل نقلة نوعية في الاتصالات قبل ظهور الهواتف النقالة، وكان لا يستخدمه سوى كبار رجال الأعمال والسياسيين ورجال الأمن، حيث كان يتيح إعلام الشخص الذي جرى الاتصال به بالأرقام التي حاولت الاتصال به أثناء تنقله مما يمكنه من العودة إلى الاتصال بها من هاتفه الثابت.

ولقد انتهى استخدام هذه التقنية التي تعمل بإشارات “راديو” عام 1994 حينما اكتسحتها تقنية الهواتف النقالة التي مثلت قفزة بعيدة المدى في هذا المجال.

هذه الأجهزة مزوَّدة بمرسلات مدمجة تتيح للمستخدم تأكيد تسلُّم الرسائل والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة.

وخطورة البيجر الذي جرى تطويره وإعادة طرحه كوسيلة تراسل برسائل نصية، حيث يتم تسلُّم الرسالة وتأكيد تسلُّمها والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة، أنه مثله مثل الهاتف النقال يمكن من خلاله التعرف على موقع حامله، أو موقع الهاتف الذي حاول الاتصال به، وأن الاتصال به من هاتف ثابت كما كان يحدث قديمًا سيكشف موقعه، مما يعرّض أصحابه للخطر في حالات التعقب والحرب.

في حين أن ميزة التراسل النصي التي جرى تطويرها بالجهاز، واعتماده نظام إشارات الراديو المجانية جعلته مناسبًا للتواصل في المناطق النائية والصعبة التي لا تتوافر فيها خدمة الإنترنت، وهي أيضًا الميزة التي جعلته مقبولًا لدى الجماهير في لبنان الذين يعانون انقطاع الإنترنت والكهرباء لفترات طويلة.

 قفزة جديدة

بهذه العملية غيرت إسرائيل قواعد الاشتباك المعمول بها مع حزب الله منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكشفت عن سلاح قتل جديد من أسلحتها المبتكرة التي تتفنن فيها بقتل الأطفال والنساء، وهو السلاح الذي ما كان لها أن تمتلكه لولا استعانتها بالتقنيات الأمريكية المتطورة في مجال الاتصالات، ولذلك يجب على المقاومة أن تفكر بالطريقة ذاتها وتلجأ إلى كل الوسائل الحربية غير المنظورة.

…..

هناك قناعة بأنه كما استفادت إسرائيل من الواقعة وأرضت غرورها، استفاد حزب الله أيضًا منها، فظهر له أحد مواطن ضعفه وهو الآن بلا شك يقوّمه.

...................................

السبت، 31 أغسطس 2024

حروب الذباب الإلكتروني ضد جبهة الإسناد .. بقلم سيد أمين

 مع كل ارتفاع في إخفاق أو نجاح أو نبرة تحدٍّ يبديها ما يعرف بدول الممانعة ضد الصلف الصهيوني، يتزايد بشكل تلقائي حضور الحسابات المنتقدة والمهاجمة لهذه الدول على مواقع التواصل، يهاجمون نجاحها إذا نجحت ويحملونها المسؤولية عن كل إخفاق، حدث ذلك في الرد الإيراني في مايو/أيار الماضي، وفي اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أراضيها، وحتى في عملية الأربعين التي أطلقها حزب الله مؤخرا ردا على اغتيال  إسرائيل القيادي الكبير في الحزب الشهيد فؤاد شكر، التي يصفونها بأنها هزلية، رغم أنه لا أحد غير هذا الحزب يقاوم من الخارج منذ عشرة أشهر متواصلة.

فحينما حدثت واقعة اغتيال هنية، لجأت تلك الحسابات المشبوهة التي اعتادت أن تظل خاملة لفترات وتنشط بشكل متزامن إلى تقاسم الأدوار، فمنها من هاجم إيران بوصفها “خانت” المقاومة الفلسطينية ودبرت أو ساعدت أو أغفلت تأمين الشهيد الكبير، ومنها من راح يهاجم الشهيد مطلقا عليه وسومات شهيد الفنادق ووصمه بالاتجار بادعاء المقاومة، ومنها من هاجم حماس متهما إياها بالتسبب في كل المشهد الذي يحدث في غزة.

مع أنك لو بحثت في المنشورات القديمة لتلك الحسابات؛ لوجدت الواحد منها أدى جميع تلك الأدوار مجتمعة، فهاجم إيران لأنها لا تدعم المقاومة الفلسطينية، وهاجم المقاومة الفلسطينية لأنها قبلت دعم ايران، وهاجمها من قبل بأنها لا تقاوم، كما يهاجمها الآن لكونها تقاوم، ويعمل جاهدا طوال الوقت لاستثارة روح المذهبية والفرقة، في حين لا يتوقف نزيف جنائز المسلمين سنتهم وشيعتهم من دون تفريق على خطوط التماس مع العدو.

ولعلنا لا نحتاج إلى بذل أي جهد للتيقن بأن من يشملهم الهجوم هم أنفسهم بل ووحدهم من يحملون لواء المقاومة ضد إسرائيل، وأن المهاجمين يسعون خلف غرض خبيث يهدف لفتق الالتئام العزيز الذي خاطه طوفان الأقصى، وانتقلت بعده المقاومة العربية من وحدة الساحات إلى وحدة الحواضن الشعبية، وكان ذلك من أعظم انتصاراتها على الإطلاق.

منطق بلا منطق

ولأن منطق هذا الحسابات الخبيثة هو منطق فاقد للمنطق أصلًا، فهو لا ينطلي إلا على سفهاء القوم والمنزوعي العقول، فلا مصلحة إطلاقا لإيران في أن يصيب ضيوفها السوء ولا سيما إذا كانوا شركاء الخندق والعدو والهدف والمصير الواحد، وكانت إهانتها هي الهدف الرئيسي للعدو من المساس بالرجل في أراضيها، أكثر من مكاسبه من التخلص من قيادي سياسي في حركة يعاديها، يعلم يقينا أن الحركة ستنصب بديلا عنه في ساعات.

أما من هاجموا الرجل بوصفه شهيد الفنادق فهو في الواقع قول لا يؤيده أي دليل، سوى كون الشهيد سياسيا ولسان حال حركة مقاومة محاصرة تناصبها العديد من أجهزة مخابرات الغرب والشرق العداء، ويلتقي بالعديد من المسؤولين في العالم للتعبير عن مواقف الحركة والشعب الفلسطيني، وهو بحاجة إلى تأمين أكبر، فضلا عن أنه قد استشهد 60 فردا من عائلته بينهم أولاده وأحفاده وأشقاؤه وأصدقاؤه وجيرانه، وليس بعد ذلك بينة تكذب هذا الادعاء.

وبخصوص هؤلاء الذين يهاجمون الحركة لكونها قاومت وتسببت فيما يحدث في غزة الآن، فيكفي أن نعرف أنهم هم أنفسهم من كانوا يهاجمونها في أوقات السكينة والاستعداد بزعم أنها لا تقاوم وترفض التضحية بالكراسي والمناصب.

وحدة الذباب الإلكتروني

وكما يحاربون المقاومة العربية كافة، تستطيع أن تلمس فيهم وحدتهم على ذات الأهداف رغم تنوع أقطارهم وهو ما تتبينه من تنوع أساليبهم ومنطلقاتهم الدعائية، كما أنهم يلدّون في العداء لكل من تعاديهم إسرائيل، ولا ينتقدونها إلا بخجل إن أُجبروا على ذلك.

واللافت فيهم تناغمهم التام مع نظم حكم مرتمية كليا في جوف الدفء الكاذب لأحضان الكيان الصهيوني، ومع ذلك لا يجرؤون على انتقادها ولو بحرف واحد مما يطلقونه ضد الأيادي المثابرة الكريمة التي امتدت لمسح العار الكبير الذي سيسجله التاريخ لمتخاذلي تلك الحقبة.

وفاتهم وهم الذين لا يعنيهم في الأساس لا الإسلام ولا مذاهبه، أن ما يجمع بين سنتنا وشيعتنا أكبر بعشرات المرات مما يفرق بينهم، وأن الاختلافات يأتي أغلبها في القشور التي لا تمس صلب العقيدة، بخلاف وحدة المظلومية، ووحدة الهدف والثقافة والنسب، وبالمطلق فإن الإسلام أباح التحالف مع الكافر في وقت الحرب ضد العدو الكافر المشترك.

وحدة المقاومة

وفي المقابل تجذرت في يقين قادة المقاومة العربية البطلة خطورة الانجرار وراء أزمات الذباب الإلكتروني المصطنعة، والإيمان بأنه لا مجال لانتصار أمة الإسلام من دون توحيد جبهاتها، وهو ما دفع الجماعة الإسلامية التي كانت ضمن تحالف “14 آذار” المعارض لحزب الله في لبنان إلى أن تخطو خطوات واسعة للاقتراب منه، مشكلة معه “جبهة مساندة غزة”، وقد تعددت لقاءات أمينها العام الدكتور محمد طقوش بأمين حزب الله السيد حسن نصر الله.

وكانت صلاة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على جنازة الشهيد إسماعيل هنية وخلفه الآلاف من المشيعين “الشيعة”، وإطلاق اسم الفقيد على أهم شوارع طهران، إعلانًا صريحًا لفشل كافة محاولات فتق الالتئام بين جبهات المقاومة الإسلامية وحواضنها الشعبية، وأن العودة إلى التعصبات الطائفية سياسة عفى عليها الزمن.

لقد كان الواقفون على الثغور أكثر نضجا وحكمة ومسؤولية من الجالسين الذين يواصلون التنظير أمام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي حينما بادروا إلى توحيد الساحات، ولسان حالهم يقول إن الغرب المسيحي بمذاهبه الشاسعة الاختلاف، نحَّوْا اختلافاتهم جانبا واتفقوا جميعا على هزيمة المقاومة، لا لشيء إلا لطبيعتها الإسلامية، ولم يفرقوا حينئذ بين سنة وشيعة، ألا يحق لنا أن نتّحد نحن أيضا؟

المصدر : الجزبرة مباشر

اقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4g7OC0o

...................................

الاثنين، 26 أغسطس 2024

ثغرة “كورسك”.. احتمالات النجاح والفشل في الحرب الروسية الأوكرانية!

 بقلم: سيد أمين

  أرسى علم الواقعية السياسية التي أسس لها “ميكافيلي” في كتابه الأشهر “الأمير” قاعدة عسكرية هامة مفادها أن الكسب السريع لكثير من الأرض في الحروب يعني أيضا الفقد السريع لهذه الأرض بذات السرعة، وذلك لأن المقاتلين هنا لا يتشبثون بالأرض، بل يسيطرون عليها فقط.

ومن خلال تطبيق هذه القاعدة الخالدة التي ثبت صحتها في معظم حروب العالم، نستطيع أن نتوقع أن ما حدث في الأيام القلية الماضية من الاجتياح الأوكراني السريع بعمق 22 ميلًا في مقاطعة كورسك الروسية في السادس من أغسطس/آب الجاري والاستيلاء على نحو ألف كيلومتر مربع موزعة على عشرات القرى الصغيرة، ما هو إلا مجرد زوبعة في فنجان.

وتوافرت أسباب الردع طبقا للنظرية الميكافيلية حيث إن الجيش الأوكراني هرول في مناطق متفرقة في المقاطعة وتمدد فيها بشكل هشّ، من دون القدرة على تأمين مناطق وجوده، فضلا عن عجزه عن تأمين موطئ قدم خطوته القادمة أو السابقة، وفقدانه أيضا القدرة على الثبات تحت وقع الضربات الجوية الروسية.

كما تتزايد التكهنات بقيام الروس بإعداد خطة سريعة لردم تلك الثغرة التي تشبه إلى حدّ بعيد “ثغرة الدفرسوار” في حرب 1973 المصرية، تقضي بتطويق القوات المهاجمة من الخلف ومحاصرتها وقطع طرق الإمداد عنها، تمهيدا لتوجيه ضربات موجعة لها والقضاء عليها.

وجاء قرار الروس بإجلاء مئات الآلاف من سكان تلك المقاطعة ليؤكد سعيهم لصدّ الاختراق الأوكراني، والتضحية بامتيازات يمكن استغلالها مثل أن سكان هذه المقاطعة هم في غالبيتهم المطلقة من العرقيات الروسية السائدة الذين يكنون خصومة تاريخية للأوكران، ولا يتوانون عن مشاركة جيش بلادهم معركته، فضلا عن أن الأرض عادة تحارب مع أصحابها.

هذا إضافة إلى إعلان معهد دراسات الحرب الأمريكي قيام الجيش الروسي بحفر خنادق في منطقة “لوغوف” غرب “كورسك”؛ مما يعني استعداده لعملية حصار طويلة.

وكانت هناك مؤشرات تؤكد توقع روسيا تصعيدا عسكريا غربيا وشيكا ضدها قبل هذا الاجتياح، فعملت على تدريب قواتها البحرية على ضرب أهداف في عمق أوروبا باستخدام صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك ردًّا على حزم المساعدات الغربية التي قدمت إلى أوكرانيا وتشمل طائرات أف 16، ومركبات قتال أميركية من طراز سترايكر، وأخرى ألمانية من طراز موردر.

لماذا كورسك؟

والهدف الأول من عملية اجتياح كورسك هو تشتيت الجهد العسكري الروسي وإجباره على سحب وحداته المدربة من قواته العاملة في الأقاليم التي استولى عليها في أوكرانيا؛ مما يسهل على الجيش الأوكراني استردادها، أو إجراء عملية مقايضة أرض بأرض.

ويعود اختيار الأوكران وحلفاؤهم الغربيون هذه المقاطعة لتنفيذ هذا الاختراق لكونها محورا رئيسيا لخطوط النقل البرية سواء داخل روسيا أو مع أوكرانيا نفسها، ولذلك عجلوا بقصف العديد من الجسور الحيوية فيها على نهر سيم في محاولة لعزلها، ولتحجيم أهميتها الاستراتيجية لروسيا في حال الجلاء عنها لأي سبب كان.

ومن الأسباب أيضا كونها من أكبر معاقل قلاع الصناعة الروسية وتوجد فيها محطات رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا ولو كانت متوقفة حاليا، وبالتالي فإن السيطرة عليها ستضرب الاقتصاد الروسي المنهك ضربة قوية.

هذا فضلًا عن رمزيتها الكبيرة للروس باعتبار أنها شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ الحديث سنة 1943، حينما انتصر الروس فيها على الجيش النازي، وبالتالي فإن الاستيلاء عليها بما لها من رمزية يعد إهانة بالغة للروس.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل عمد الأوكرانيون إلى إرسال رسائل من شأنها إشعار الروس بالإهانة، منها قيامهم بتصوير عدد من الأسرى الروس لديهم وهم في أوضاع بائسة يرتدي بعضهم أطواق المراحيض، كما نشر لواء عسكري مقطعا مصورا لجنوده في مكتب مجموعة الطاقة الحكومية الروسية غازبروم، وهو فيديو أراد أن يقول من خلاله إننا نحتل أراضيكم ونستولي على منشأتكم الحيوية كما فعلتم أنتم في أوكرانيا.

وقد ساعد في هذا الاجتياح السريع كون معظم قوات الجيش الروسية العاملة في هذا الإقليم غير مدربة بشكل جيد لأنها من أفواج الاحتياط، ترافقها أقليات من كتائب الحدود ووحدات الحرس الجمهوري، وفوج واحد من قوات أحمد الشيشانية التي طلب بوتين منها الدعم الأشهر الماضية. 

هل ستنجح الثغرة؟

من الصعب أن تنجح الثغرة في أداء وظيفتها التي أُنشئت من أجلها لأسباب عدة، أهمها أن هذه القوات لن تستطيع الصمود طويلا داخل الأراضي الروسية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الروس بدوا مترددين في سحب أي وحدات لهم من أوكرانيا حسبما كان يأمل الأوكرانيون، ويخططون للاستعانة بقوات مدربة من دول حليفة مثل الجارة بيلاروسيا والشيشان للمساعدة على صد هذا الهجوم ودحره.

وبالفعل قامت بيلاروسيا بحشد قواتها على الحدود الروسية في انتظار أوامر بالتدخل، وسط تكهنات بإرسال كوريا الشمالية دعما عسكريا لروسيا خاصة بعد تصريحات زعيمها التي أدانت الثغرة ووصفتها بأنها عمل إرهابي لا يغتفر، والتي تضمنت عبارات مثل قوله “سنقف دائمًا جنبًا إلى جنب” مع روسيا و”ندعم بقوة الحرب المقدسة التي يخوضها الجيش والشعب الروسي”، ولا شك أن القوات الشيشانية ووحدات فاغنر لن تقف مكتوفة الأيدي.

وقد أدرك قائد أوكراني الفخ الذي أوقعوا أنفسهم فيه فقال لمجلة الإيكونوميست، إن هذا الهجوم كان “مقامرة، فقد أرسلنا وحداتنا الأكثر جاهزية للقتال إلى أضعف نقطة على حدودهم”. وأضاف أن “هذه المقامرة لم تؤت ثمارها بالسرعة التي كانت تأملها كييف”.

والأهم أن روسيا بوصفها دولة نووية لن تقبل بأي حال إخضاعها للتفاوض مع كييف تحت وطأة هذا الضغط حتى لو تفجرت حرب مع حلف شمال الأطلسي حسب تلميحات رئيس الوزراء الروسي الأسبق سيرجي ستيباشين.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4cCVT5b

...................................

الأربعاء، 24 يوليو 2024

ثورة يوليو.. ألم ينكشف أمرها بعد؟ سيد أمين

  72 عاما مرت على ثورة يوليو/تموز 1952 (إن جاز توصيفها بالثورة وهو قطعا لا يجوز) تلك التي أوصلتنا نحن -المصريين- إلى الواقع الذي نعيشه الٱن، ولا تخفى تفاصيله على أحد.

منذ ذلك اليوم أخذ هذا البلد يتقزم مساحة ونفوذا، إذ تسلَّمه الضباط “الأحرار” -إن صدَق الوصف وهو لا يَصدُق- وحدوده الجغرافية تقترب جنوبا من بحيرة “فيكتوريا” منبع النيل الأبيض، وتخضع بحيرة “تانا” منبع النيل الأزرق الشريان الرئيسي لنهر النيل تحت سطوته السياسية والثقافية، لكن “أحراره” أفقدوه في أيام معدودات أكثر من نصف مساحته بتفكيك السودان الذي انشطر هو الآخر إلى نصفين.

ولم يتوقف تشظيه عند هذا الحد، فما لبثوا حتى أفقدوه في ليلة وضحاها سيناء الحاضرة الغائبة، عادت غريبة مقيَّدة لا روح فيها.

وتسلَّموه وهو دائن لبريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، فأمعنوا فيه البطش والتنكيل حتى حولوه إلى ثقب استدانة أسود مدين لطوب الأرض، لدرجة تغيرت معها مفاهيم النجاح، وصارت القدرة على مزيد من الاستدانة عملا بنّاء يستحق الإشادة والاحتفال!

ولم يفق الغافلون من وهم الثورة حتى حينما أوقع هؤلاء “الأحرار” هذا البلد في سلسلة هزائم إحداها كانت مثالا للهزيمة الساحقة الماحقة في تاريخ الحروب في العالم، رغم أن صناعها أنفسهم لم يقولوا إنها ثورة ، فضلا عن أن الثورة حينما يقوم بها الجيش والسلطة لا تُسمى إلا انقلابا.

تأملات وبديهيات

لست أدري ما السبب الذي يدفع البعض باستمرار إلى ترديد المغالطات والدفاع عن باطل تكشّف زيفه، فلا هي ثورة ولا حتى حركة مباركة ولكنها انقلاب عسكري واضح قاده بضعة من صغار الرتب العسكرية، ما كان بمقدورهم أن يقتربوا من قصر الملك دون أن يقوم الاحتلال الذي يسيطر على البلاد بتأمين حياتهم ويمنع الجيش من اعتقالهم وقتلهم على الفور، خاصة أن غرفة صغيرة من غرف حراسات القصر كانت تكفي  لحبسهم جميعا، ودبابة واحدة أو رصاصات تنطلق من سلاح جندي واحد من حراسه كانت قادرة على قتلهم لولا علم الجميع بوقوف الإنجليز خلفهم.

ولعلنا بحاجة هنا إلى التأكيد أن الثقة بين الإنجليز والملك كانت معدومة بعد تكشّف مساعدته للألمان في العلمين عام 1942، وهو ما دفعهم إلى محاصرة قصره في 4 من فبراير/شباط، وإجباره على حل حكومة الأغلبية وتشكيل حكومة أقلية من حزب “الوفد” ليؤمّن لهم ظهورهم.

وإذا كان الإنجليز قد تصرّفوا بهذا الشكل لأنهم لم يرضوا عن الحكومة التي خشوها لأنها من اختيار الشعب؛ فكيف نفسر عدم تحركهم لإنقاذ الملك نفسه، لو لم يكن من قاموا بالانقلاب هم رجالهم؟ وهم الذين عبثوا بأمواله وأموال وأعراض نخبة البلاد، ومع ذلك لم يقتربوا من الاحتلال حتى رحل طوعا عام 1954 مع أنه كان الأولى بالمقاومة، بل إنهم تركوا الشعب ليحارب بديلا عنهم العدوان الثلاثي 1956.

ونحن بحاجة أيضا إلى التذكير بأن بريطانيا وفرنسا قامتا في خمسينيات القرن الماضي بتنفيذ خطة تقضي بجلائهما عن مستعمراتهما مقابل تعيين حكومات عسكرية مختارة تديرانها من الخارج، وذلك للحيلولة دون نجاح الاتحاد السوفيتي في تحريض شعوبها على الثورة الحقيقية.

التفاصيل كثيرة لو تأملها أحدنا بشكل موضوعي لا تحيّز فيه؛ لقرأ المشهد بشكل أكثر دقة وصدقا ووضوحا، ولعرف وقتها أن كل من ذهبوا في حرب فلسطين 1948 وجلبوا معهم النكبة رغم كثرتهم وعتادهم وحاولوا تلفيق مصيبتها للملك عبر”أكذوبة الأسلحة الفاسدة” التي افتضح أمر كذبها فاضطروا إلى إنكارها رسميا، هم أنفسهم من كانوا في سدة الحكم وجلبوا معهم “النكسة” التاريخية في يونيو/حزيران 1967 التي تضاعف حجم “إسرائيل” بسببها ضعفين، وخاضوا حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 فصارت تل أبيب بعدها تتحكم في كل عواصم العرب.

أخطاء يوليو

يمكنك أن تنظر في المقراب من الجهة الصحيحة لترى أن غالبية ما نُسب إليها من إنجازات لم يكن دقيقا.

فمجانية التعليم مثلا كانت مكفولة قبلها، ثم أكدها الدكتور طه حسين حينما تولى أمر وزارة التعليم في بداية الأربعينيات.

وعملية تأميم ممتلكات نخبة النظام الملكي هى في الواقع عملية قرصنة غير ديمقراطية، ومع ذلك لم يذهب ريعها إلى الشعب، ولكن استخدمها الملاك الجدد لتكون متاعا لهم، حيث سكنوا هم القصور وحولوا بعضها إلى سجون لمن غضبوا عليهم من الشعب وحتى منهم أنفسهم.

أما توزيعهم الرقعة الزراعية على الفلاحين فإنما ساعدت في تفتيتها وشجعت على الاستهانة بها وتحويلها إلى أرض سكنية وسط تغاضٍ غريب منهم عن تفشى العشوائيات عليها، فانقلبت الأمور حيث وُجدت المساكن على النيل بينما الزراعات في الجبال.

والمنشآت الصناعية بقدر كونها مهمة للداخل اقتصاديا فهى مهمة أيضا للخارج الذي يحتاج إلى نقل المواد الخام إليه في حالتها الوسيطة والنهائية خاصة تلك الملوثة للبيئة كمصانع الأسمنت والكيماويات وما شابه، وقس على ذلك الكثير .

أما العمل الديمقراطي فـ”أحرارها” لم يحاولوا -مجرد المحاولة- التظاهر بأنهم يؤمنون به، فحلوا الأحزاب والنقابات والجمعيات وكل ما هو تمثيلي، وأمنوا بهذه الدونية إلى درجة جعلتهم لم يستحوا من حشد رعاع القوم للهتاف ضد تداول السلطة والديمقراطية بوصفها كفرا.

نحن هنا لا نضمر سوءا لهذا الحدث، ولكننا لا نجد فيه ما يقنعنا به.

اقرأ المقال على موقع الجزبرة مباشر

https://bit.ly/3WBILYn

...................................

السبت، 20 يوليو 2024

خطوات بوتين الواسعة لاستعادة الأمجاد الإمبراطورية - سيد أمين

 مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ظهرت بوضوح خطوات روسيا الواسعة لاستعادة مجد الإمبراطورية السوفيتية، ولتحتل مكانتها القديمة المنافسة لسيطرة أمريكا على العالم.

منذ مطلع العام الجاري 2024 قام بوتين بإجراءات جريئة عدة في إطار محاولاته للفكاك من الحصار الغربي الواسع على بلاده بعد اجتياحها أوكرانيا، واتخذها فرصة من أجل تعزيز نفوذ بلاده عالميًا لتصير منافسًا حقيقيًا للنفوذ الأمريكي في العالم، مستفيدًا من حالة السخط الشعبي العالمي على سياساتها الانتقائية الداعمة للاستبداد والهيمنة الغربية.

وعلى ما يبدو أن تلك الإجراءات آتت أكلها، وأسهمت لحد بعيد في خفض حدة الحصار الغربي بدليل أن النفط والحبوب اللذين يمثلان عماد الاقتصاد الروسي يتدفقان بشكل كبير لأسواق العالم بل ولأسواق أوروبا ذاتها، بعد نجاحها في تحويل ثروتها من الحبوب إلى صمام لأمن العالم الغذائي، وافتتاحها أسواقًا جديدة للنفط أسهمت في وصوله للسوق الأوروبية عبر دول أخرى بتكلفة أعلى تحملها المستهلك الأوروبي، فيما صمد “الروبل” الروسي وحافظ على مستواه في المنطقة الآمنة رغم أنه كان من المتوقع له الانهيار السريع بعد مرور سنوات من دوران رحى الحرب.

وشجعت سياسة التعامل بالعملات الوطنية كبديل عن التعامل بالدولار العديد من دول العالم للتعامل الاقتصادي مع روسيا للدرجة التي جعلت الاحتياطي النقدي الدولاري في البنك المركزي الروسي يهبط من قرب 90% إلى نحو 57% دون حدوث رجة عميقة في موقف البلاد الاقتصادي، وهو ما يعني أن سياستها تلك مع حلفائها قد نجحت، وهو الأمر الذي جعل محافظ البنك المركزي الروسي السابق يتمادى ويتوقع أن يتعرض الدولار الأمريكي لموقف وجودي في العالم بحلول العام المقبل.

وتؤكد إحصاءات منظمة “شنغهاي” للتعاون التي تضم ست دول هي الصين وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان بأن 90% من تعاملات أعضائها البينية صارت تتم بالعملات المحلية، وهو ما عزز الوضع الاقتصادي الروسي بوصفه ثاني أكبر اقتصاديات هذه المنظمة.

سياسات جريئة

وكانت زيارة الرئيس بوتين لكوريا الشمالية في منتصف يونيو/حزيران الماضي وتوقيعه مع زعيمها كيم جونغ أون في بيونج يانج اتفاقية شراكة استراتيجية ودفاع مشترك من أكثر تلك الإجراءات أهمية ولفتًا للانتباه عالميًا في هذا العام، بما تحمله من تدليل على أن روسيا مصممة للمضي قدمًا في بناء تكتل عسكري واقتصادي وسياسي قوي يضم العديد من مظاليم الهيمنة الأمريكية على العالم، وأنه لا رجعة مكوث لروسيا في مقعد الظل مجددًا.

وتأتي أيضًا اتفاقية بوتين مع حركة طالبان الأفغانية بوصفها شريكًا استراتيجيًا لمكافحة الإرهاب كضربة ذات مغزى للدعاية الأمريكية التي حاولت عبر عقود من غزوها أفغانستان تسويق الحركة كحركة إرهابية، ثم اضطرت تحت ضغط مقاومتها لمد يد الاتفاق معها لتتمكن من سحب قواتها بسلام.

ولعل روسيا كانت تدرك أن الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001، وبعد 11 عامًا من انهيار الاتحاد السوفيتي كان من أهم أهدافه تطويق نفوذها ذاته.

وكذلك هناك إجراؤها مناورات حربية في منطقة البحر الكاريبي على سواحل كوبا، وإرسالها أسطولًا من السفن الحربية ضمنها غواصة تعمل بالطاقة النووية، وسعيها لنقل صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية لتعيدنا إلى الصراعات ذاتها وقواعد اللعبة التي كانت سائدة في زمن الاتحاد السوفيتي، مع اختلاف مهم وهو أنه إذا كانت الحرب حينها ظلت باردة، فيبدو أن الحرب الآن تتجه رويدًا رويدًا لتكون بركان حمم.

ثم حسمت الزيارة التي قام بها بوتين إلى فيتنام وهي واحدة من أكبر 20 دولة سكانًا في العالم ولاءات هذه الدولة الاشتراكية المتأرجحة بينها وبين أمريكا لشغل المركز الثاني كحليف اقتصادي لها بعد الصين، حيث تم توقيع تأكيد اتفاقات الشراكة الاستراتيجية الموقعة بينهما منذ 15 عامًا مع نمو ميزان التبادل التجاري بين البلدين هذا العام بنسبة 8%، ورغم أنه ما زالت الولايات المتحدة تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في رصيد التبادل الاقتصادي مع هانوي بما يصل  في عام 2022 إلى 139 مليار دولار، إلا أنه من المتوقع أن فيتنام ستسعى لتوطيد علاقاتها مع روسيا خصمًا من مكانة أمريكا، حيث يربطها بها الحنين للحقبة السوفيتية مقارنة بأمريكا وماضيها المرير.

ذلك بخلاف إنشاء روسيا العديد من القواعد والمراكز في العديد من البلدان العربية والإفريقية، وسط انحسار واضح للنفوذ الأمريكي والغربي عامة في القارة السمراء.

التقنية النووية

وما يلفت الانتباه نجاح روسيا في استخدام التكنولوجيا النووية كوسيلة لتقارب استراتيجي مع الأمم الأخرى، من حيث توريد إنشاء المحطات وتزويدها بالوقود النووي اللازم، والتخلّص من النفايات فضلًا عن إدارة تلك المحطات، خاصة أن مثل تلك المشروعات تمثل بطبيعتها أهمية قصوى لدى الدول التي أنشئت فيها اقتصاديًا، وصيانة وسلامة، فضلًا عن تميزها بطول مدة التعاقد التي قد تمتد لعقود عدة، وهو ما من شأنه ربط هذه الدول بشكل عميق واستراتيجي مع موسكو.

وتشير إحصاءات إلى أنها وقّعت بمفردها ونفّذت أكثر من نصف محطات الطاقة النووية في العالم في العقود الأخيرة، وهو ما فعلته على سبيل المثال لا الحصر مع فيتنام وبنجلاديش وتركيا والإمارات وإيران والسعودية ومصر وعشرات الدول الأخرى حول العالم.

ولما كانت روسيا تنتج بمفردها نحو 79% من الوقود النووي المنتج سنويًا في العالم لتغذية المحطات التي تشرف على إنشائها وإدارتها حول العالم، شكّلت أمريكا تحالف “سابورو 5” الذي يضم بجانبها “كندا وبريطانيا وفرنسا واليابان”، لمناهضتها في العالم وراحت تفرض عقوبات على الوقود النووي الروسي.

الظلم الذي صنعته أمريكا ودعمته في العالم جعل الشعوب تبحث عن بصيص أمل للخلاص لعلهم يجدونه في موسكو، إن وجدوه حقًا.

إقرأ المقال على الجزيرة مباشر

...................................

الجمعة، 5 يوليو 2024

باز... هكذا خذل العرب أشهر منصّة تواصل عربيّة - سيد أمين

 المقال نقلا عن العربي الجديد

أُصيب مستخدمو منصّة "باز" بالصدمة جرّاء إعلانها إغلاق نفسها بحلولِ نهايةِ يوم الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، وأرجعت السبب في ذلك إلى عدم تمكنها من الاستمرار بعددٍ محدودٍ من المستخدمين مع تلك الخدمات والنفقات المالية الكبيرة التي تعجز عن الوفاء بها، فضلًا عن المجهودات الكبيرة التي قامت بها دون أيّ عائد معنوي أو مادي.

وفي عتبٍ، أضاف بيانُ المنصّة المُقتضب، أنّ أكثرية الجمهور العربي فضّلت الاستمرار في المنصّات الأخرى رغم هجائهم الدائم لمواقفها الأخلاقية والسياسية، لا سيما ما يخصّ منها القضيّة الفلسطينية والحق العربي. وفي شعورٍ بالخذلان، قالت المنصّة، يكفيها شرف المحاولة، وإنّ التاريخ سيسجّل أنّ عربًا حاولوا بناء

منصّة تواصلٍ عربيّةٍ، تمتلك كلّ مقومات النجاح، لكنّهم خُذِلوا.

جاء هذا البيان رغم الدفعة القويّة التي شهدتها المنصّة عقب طوفان الأقصى، وما تّرتب عليه من انصرافِ العديد من مستخدمي مواقع التواصل الغربية عنها، لا سيما منصّات مثل "فيسبوك" و"لينكد إن" و"يوتيوب"، بسبب انحيازها السافر لإسرائيل، وعدم احترامها للحقِّ في التعبير، وبحثوا عن منصّات أكثر إنصافًا. وهذا ما جعل العديد من المستخدمين يجدون في منصّة "باز"، المنصة المثلى للتعبير بأريحيةٍ عن وجهاتِ نظرهم في كافة القضايا السياسية الدولية، لكنهم سرعان ما ابتعدوا عنها لأسبابٍ عدّة.

وفي تحليل الأسباب الإخفاق، هناك عدّة أسباب، أوّلها برنامج المكافآت على التفاعل داخل المنصّة، فعلى الرغم من أنّه استطاع جذب أعداد كبيرة من صغار السن والشباب غير الواعي للتفاعل مع المنصّة طمعًا في الحصول على هذه المكافآت، إلا أنّه في نفس الوقت أبعد الشباب الواعي الذي سعت المنصة أصلًا لانضمامه إليها.

السقف السياسي لمنصّة باز كان مرتفعاً أكثر من منصّات التواصل الغربية بكثير، حيث لا تقديس مفتعلاً لأحد، ولا امتهان غير مستحق لغيره

كما ساهم في ابتعادِ الشباب المؤدلج عن المنصّة وشعوره بالاغتراب عنها، غزارة التعليقاتِ التي كان يتركها الشباب الساعي وراء كسب المزيد من النقاطِ من خلال كتابةِ تعليقاتٍ لا تمت بصلةٍ إلى المنشور، وهي غالبًا ما كانت عبارة عن نصوصٍ أو رموزٍ لا قيمة لها، حيث التعليق يتم بكتابة نقطة، أو فاصلة، أو شرطة، أو حرف من حروف الهجاء وهو ما أثّر في قناعة الناشر العربي الجاد بعدم وجود جمهور حقيقي أو جاد يتفاعل معه، فانصرف لمنصّاتٍ أخرى، رغم أنّ هذه المنصّة تحديدًا كانت الأكثر تعبيرًا عن توجّهاته الفكرية.

وحتى أولئك الذين كانوا يسعون وراء برنامج المكافآت انصرفوا عن المنصّة في نهاية المطاف أيضًا، بعدما استطاعوا بسهولةٍ تحقيق أعلى مستوى في بضعةِ أيام، ولم يعد للمنصّة ما تقدّمه لهم لحثّهم على البقاء داخلها.

والمنصة معذورة في ذلك لأنّها لن تستطيع بأيّ حال أن تمنح مكافأت لكلّ من تجاوزوا المستوى المطلوب، وهم أغلب روّادها، لا سيما مع شبه انعدام موارد تمويل المنّصة من الإعلانات. وهناك تجربة سابقة مشابهة تمامًا، كان ينبغي على منشئي "باز" الاطلاع عليها قبل أن يقلدوها، وينتهوا إلى نهايتها نفسها، ونقصد منصّة "تسو" الأميركية.

ورغم أنّ منصّة باز تميّزت بفكرة الغرف الصوتية، إلّا أنّها أخطأت في تقسيم الروّاد إلى جماهير متنوّعة حسب اهتماماتهم، فجعلت الاهتمامات جزءًا أساسيًا من مكوّنات جمهورها، وعزلت كلّ أصحاب اهتمام أو مجتمع في ظهورٍ مشترك، وهو الأمر الذي جعل جمهور المنصّة يعيش في جزرٍ منعزلة، وكان يجب عليها إلغاء تلك المجتمعات إيمانًا بأنّ الإنسان الواحد، عادةً، ما يكون متنوّع الاهتمامات، ما بين السياسي والديني والثقافي والعلمي وغيرها، وإن كان يطغى عليه توجّه ما، ولهذا فإنّ مسألة حشره في زاويةٍ معيّنة ثابتة، ستصيبه بالنفور حتما.

وهناك سبب آخر أيضًا، قاد إلى الإخفاق، وهو أنّ المنصّة مصمّمةٌ للعمل على تطبيقات الهواتف النقالة فقط، ولا تعمل بشكلٍ طبيعي على أجهزة الكمبيوتر وما شابهها، ما شكّل إلزامًا لمن ينشئ حسابًا عليها، بأن يقوم أولًا بتحميل التطبيق على هاتفه، ما جعل البعض يُصاب بالكسل أو التململ إلى الحدِّ الذي يجعله يلغي الفكرة أساسًا، خاصة لو كان يريد فقط تجربة المنصّة والاطلاع على محتواها.

 كان يجب على الشبكات الإخبارية العربية الرائدة، وخاصة تلك المدافعة عن الحقّ العربي والإسلامي، إنشاء صفحات لها على منصّة باز

كان ينبغي على منشئي المنصّة أن يقوموا بتصميمِ منصّتهم للعمل على كافة المتصّفحاتِ بما يشبه المنصّات المنافسة، خاصة أنّ ذلك سيمنح روّادها فرصة أقوى للظهور على مواقع البحث، بما يمثله ذلك من نجاحٍ لهم وظهور أقوى، ما يشجّع بالضبط على انضمامِ الكثير من المؤثّرين لها بوصفها سوقًا واعدة وجديدة لإظهار مهاراتهم في كافة المجالات بكلّ حريّةٍ.

ولا عيب في أن تقوم المنصة بدعوةِ أعداد من المؤثرين في الوطن العربي للتدوين على منصّتها مقابل أجر رمزي، بدلًا ممّا أنفقته في برنامج المكافآت الفاشل، والذي أضرّها ولم ينفعها.   

لا شك في أنّ تجربة منصّة باز كانت تجربة عربية رائعة نجحت في تجاوز خنادق الطائفية والمذهبية والشعوبية والمناطقية التي حشرتنا نحن العرب فيها، قوى الاستعمار وورثتها المحليين منذ عقود، وانطلقت إلى آفاق أكثر سموًا ووعيًا، متجاوزةً التعصّب الأعمى للحكومات والزعيم الملهم.

كما كان من أهم مميّزات المنصّة أنّ سقفها السياسي كان مرتفعًا أكثر من منصّات التواصل الغربية بكثير، حيث لا تقديس مفتعلا لأحد ولا امتهان غير مستحق لغيره، وتجلّت في منشورات مستخدميها وحدة الشعب العربي بوضوح.

 كان يجب على الشبكات الإخبارية العربية الرائدة، وخاصة تلك المدافعة عن الحقّ العربي والإسلامي، إنشاء صفحات لها على المنصّة، ووضع أيقوناتها على صفحاتها لتسهيل إجراء المشاركات، وأيضًا لدعم هذه المنصّة العربية التي حقّقت نجاحًا ملحوظًا واستطاعت أن تضع قدمها على أوّل درجات العالمية.

أظنّ أنّ الفرصة ما زالت سانحة للإنقاذ.

https://bit.ly/3zwgI4D

...................................

الخميس، 4 يوليو 2024

سيد أمين يكتب: متى يتمرد العرب على الإرهاب النووي الصهيوني؟

 حينما نقول إن إسرائيل هي كيان مارق يحظى برعاية غربية استثنائية، فنحن هنا نقر مسلمات سلّم بها العالم غربه وشرقه، فلا قرارات لجنائية دولية ولا عدل دولية ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن -رغم ضعفها وهزالها بل وهزلها لكونها تساوي بين الجاني والضحية- تسري عليها، وفيما يلي ركلة أخرى تصر المنظومات الدولية على تلقيها بصمت مخز ودون أي اعتراض أو ألم، وهي حول ما يتعلق بالإرهاب النووي.

فالرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم يقل يومًا إنه سيضرب تل أبيب أو واشنطن أو لندن بالقنابل النووية، ومع ذلك راحت العواصم الثلاث تجزم بحيازة بغداد أسلحة نووية وفرضت عليها حصارًا خانقًا شارك فيه أتباعهم في الغرب والشرق، وتواطأت وكالة الطاقة الذرية حتى انتهى الأمر بتدمير العراق واحتلاله واستشهاد مليوني مواطن منه، وبعد خراب مالطة -كما يقولون- كانت النهاية مجرد سطور عن وجود أخطاء استخباراتية.

ولم يقل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إنه سيدمر تلك العواصم بالقنابل النووية، ومع ذلك اتهموه بـ”محاولة” اقتناء معدات تستخدم لصناعات نووية، وقاموا بتعقب الرجل حتى قتلوه ودمروا معه ليبيا.

وها هي لجان التفتيش النووية تكرر المشهد العراقي ولكن مع إيران، لجنة ترحل وأخرى تأتي، وعقوبات تلي عقوبات، وتربص هنا وشراك هناك، ومع كل ذلك الحماس والنشاط نراهم ومنظومات العدالة العرجاء التي أنشأوها للسيطرة على العالم تصم آذانها دون سماع أصوات جهورية تأتي بشكل متكرر من مسؤولين كبار في الكيان الصهيوني وأمريكا عن إمكانية ضرب غزة بالقنابل النووية.


اعترافات رسمية

الدعوات الهمجية لم يقتصر إطلاقها على ألسنة وزراء في حكومة نتنياهو الإرهابية التي هي تمارس بالفعل إبادة جماعية تذاع على الهواء مباشرة في غزة، بل امتدت إلى العاصمة التي تنصّب نفسها كينبوع صاف للديمقراطية العالمية، حيث خرج من مجلس نوابها الذي هو زبدة كريمتها الديمقراطية من يدعو لارتكاب هذه الجريمة.

تلك التصريحات التي أطلقها ليندسي جرهام أحد كبار النواب النافذين في “الكونغرس” الأمريكي التي راح يذكرنا فيها متفاخرًا بجريمة أمريكا التاريخية في نجازاكي وهيروشيما، كان قد سبقه فيها وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو، واعتبر أن ذلك هو الحل الممكن اتباعه في حال استمرت المقاومة.

وواقعيًا مثل هذه التصريحات لا يقصد بها إرهاب “المقاومة الفلسطينية” البطلة فقط، ولكن على الأرجح المقصود بها إرهاب المحيط العربي والإسلامي الكبير الداعم لتلك المقاومة، وللنظم العربية والإسلامية المحيطة كافة.

وأول ما تشي به هذه التصريحات صراحة أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية بالفعل، لأن مطلقي التهديدات هنا أحدهم وزير في حكومة إسرائيلية يمسك بزمام أهم ملف تحاول إسرائيل تبني من خلاله شرعيتها في هذه الأرض، وبالتالي فهو لا بد أن يكون متمكنًا في منصبه ومطلعًا، والآخر هو أحد كبار الساسة الأمريكيين الداعمين لإسرائيل، وهو الآخر متمكن ومطلع، ولا يمكن لأحدهما أن يدلي بمثل تلك التصريحات دون الضوء الأخضر من الإدارتين الأمريكية والصهيونية.

وعلى كل فنحن لسنا بحاجة لتأكيد امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فاعترافات مردخاي فعنونو أو “جون كروسمان” الخبير النووي الإسرائيلي الذي تحول إلى ناشط داع للسلام والتآخي بين الشعبين الفلسطيني والصهيوني اعترف صراحة بتفاصيل دقيقة حول ترسانة إسرائيل النووية للصحافة البريطانية عام 1986 قبل أن يخطفه الموساد الإسرائيلي، ويجري له محاكمات سرية تقضي بحبسه 18 عامًا قضى معظمها حبسًا انفراديًا قبل أن يفرج عنه وتحدد إقامته في 2004، ثم أعيد اعتقاله مرات أخرى بسبب تواصله مع وسائل إعلام أجنبية قبل اعتناقه المسيحية.

تلا ذلك اعتراف خطير من روبرت غيتس رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق في خطاب له في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2006 حينما أكد بأن إيران محاطة بجيران نوويين بما فيهم دولة إسرائيل، وعقبه تأكيد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 2008 وعام 2014 في مقابلات تلفزيونية بأن إسرائيل تمتلك قرابة 300 رأس نووي.


واجبات دولية

مثل هذه التصريحات والاعترافات يتوجب معها قيام وكالة الطاقة الذرية بفتح تحقيق حولها، ولو من قبيل ذر الرماد في العيون، وتطالب بإجراء تفتيشات في إسرائيل ولو وهمية تبرر ما فعلته هذه الوكالة في الآخرين، ولو رفضت إسرائيل هذه الإجراءات بذريعة عدم توقيعها على معاهدة الحد من الانتشار النووي، حينئذ كان يمكن للوكالة الذرية وللساسة الغربيين -إن صدقت النوايا- أن يتعاملوا مع إسرائيل بالمنطق نفسه الذي يتعاملون به مع كوريا الشمالية بوصفها دولة مارقة.

وينبغي أيضًا على المحكمة الجنائية فتح تحقيق في تلك التصريحات على اعتبار أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية، فيما كان يجب على محكمة العدل الدولية اعتبارها شهادات قاطعة على توافر النية والقصد لارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.

وإزاء ذلك كله توجب على مجلس الأمن أن يتحرك وراء هذه المعلومات، ويقرر ما قرره مع العرب وإيران من قبل.


ماذا نفعل؟

بالقطع نحن حالمون أو غافلون أو بالأصح مستسلمون، فلم ولن يحدث أي شيء من هذا القبيل، لأن مؤسسات العدالة الدولية كلها هي في الواقع أدوات استعمارية أنشئت خصيصًا لخدمة رعاتها الذين هم الأكثر إجرامًا ودهسًا للقوانين الإنسانية في هذا العالم.

ولذلك وجب علينا نحن العرب أخذ زمام الأمور والانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من الانتشار النووي، بل والشروع في امتلاك الأسلحة النووية كقوة ردع ضد ترسانة إسرائيل النووية المقدرة بما بين 100 إلى 400 رأس نووي قادرة على تدمير وطننا العربي برمته.

أخشى أن يعتبر البعض ذلك كله دعوة للاستسلام وليس المقاومة، وإن فعلوا فلينظروا كيف ركّعت المقاومة البطلة هذا الوحش الهلامي؟ ويأخذوا منها العظة.

...................................

الخميس، 27 يونيو 2024

سيد أمين يكتب: هل كشف هدهد حزب الله عمى إسرائيل الاستخباري؟

 

تأتي التسجيلات المصورة الشديدة الأهمية والخطورة التي التقطتها مسيّرة حزب الله “الهدهد”، وتضمنت تصويرا مفصلا ودقيقا وبجودة عالية لمناطق عسكرية إسرائيلية شديدة الأهمية في الكيان الصهيوني، تتويجا لعمل استمر نحو تسعة أشهر، اشتدت جذوته بعد احتدام أعمال الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، تم فيه تدمير الحواجز التكنولوجية والعسكرية التي أقامتها إسرائيل.

وأهمية هذه التسجيلات أنها قدّمت رسالة تهديد قوية وواضحة للكيان وداعميه بأن الأمر لم يعد كما كان من قبل، حيث تمرح طائراته ومسيّراته ووسائل تجسسه في لبنان مثل أجواء العديد من دول الجوار العربية، دون أن

يتسنى لأي منها التفكير بالرد أو حتى الاقتراب من سمائه بوصفها مجاهل مهلكة يحترق من يفكر في فك طلاسمها.

فضلا عن أن عملية الهدهد تشير بوضوح إلى أن القبة الحديدية الإسرائيلية صارت تحت رحمة صواريخ ومسيّرات حزب الله، بعدما شكك البعض في فشلها عقب الضربة الإيرانية الأخيرة للكيان.

 والموجع أن الهدهد استطاع العودة إلى قواعده سالما ليس دون أن تحطمه قبة الردع الحديدية الإسرائيلية فقط، بل ودون حتى الكشف عنه، وهو ما يعني أن إسرائيل أصيبت بالعمى الاستخباري العسكري الذي كانت تتمتع به منذ عقود، وشكّل سبب تفوقها في الجبهتين اللبنانية والسورية.

وما يؤكد ظاهرة العمى الاستخباري الاسرائيلي تلك النجاحات الكبيرة التي حققتها صواريخ حزب الله في مدن جنوبي الكيان، وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والبنى التحتية، فضلا عن الحرائق التي أشعلتها أخيرا في عدد من مدنه، وما رافقها من حالة ارتباك كبيرة عاشها قادته العسكريون، وهو الارتباك الناجم عن فقدان تفوقهم الاستخباري العسكري الكبير الذي حققته أجهزة الرصد والتعقب في الشمال، التي مكنتهم مرارا وتكرارا سابقا من صد صواريخ الحزب فور إطلاقها، بل ومكنتهم أيضا من كشف مصادر إطلاقها، وكشفت لهم أماكن وجود رجال المقاومة لتستهدفهم بالقصف.

خط بارليف الجديد

كان التسجيل المصور وما سبقه من نجاحات عسكرية لحزب الله في الأشهر الأخيرة شرحا عمليا لأهمية ما كان يقوم به من قبل في إطار الدعم والإسناد لغزة، وردّا عمليا على تلك الدعايات الساخرة التي أطلقتها حسابات الذباب الإلكتروني المعادية لمحور المقاومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الدعايات التي حاولت الحط من عمليات حزب الله التي استهدف بها محطات المراقبة والتجسس الإسرائيلية عبر إطلاق مسميات مثل “غزوة ذات العواميد” ومعركة “الأبراج” وغيرها.

تجاهلت الدعايات حقيقة أن لحزب الله نصيب الأسد في الدعم الفعلي للمقاومة في غزة وتخفيف الضغط العسكري الصهيوني عليها، رغم ما يتكبده من خسائر طالت الكثير من أرواح أتباعه وقادته، ومكبدا العدو في الوقت ذاته خسائر مؤلمة يمكننا توقعها من خلال معرفة كثافة ومديات صواريخه، التي وصلت إلى حانيتا والمطلة والمنارة ورويسات العلم والجولان والجليل الأعلى وصفد وميرون وبيرانيت، وأجبرت إسرائيل على  إخلائها من السكان طيلة فترة العدوان على غزة، ويمكننا أيضا رصد قوة الهجمات وخطورتها من ردود فعل الاحتلال المتشنجة، رغم أنه لا يستطيع الاعتراف بها لأسباب عديدة أبرزها الخشية من تفكك نسيجه الإجتماعي غير المتجانس والهجرة العكسية إلى الخارج.

وقد تمكن حزب الله بتلك الضربات من إتلاف ما يمكن أن نسميه “خط بارليف الجديد” الذي عمدت إسرائيل إلى إنشائه على طول حدودها البالغة 200 كيلومتر مع لبنان وسوريا معا، مدمرا ما حصنته بأحدث أجهزة الرصد والتعقب والدفاع الأمريكية التي يصعب الإفلات منها أو اجتيازها على امتداد 120 كيلومترا هي طول حدود لبنان معها، وليكرر الفشل الذي ألحقه بها في عام 2006 حينما كان أقل تسليحا وخبرة، ومنذرا في الوقت ذاته بإمكانية حدوث اجتياح بري عكسي من المقاومة في جنوبي لبنان لقلب الكيان مستقبلا، على غرار ما حدث في السابع من أكتوبر.

امتهان كرامة

ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن النجاحات العسكرية التي حققها الحزب خلال الشهر الأخير في مواجهته مع إسرائيل هي امتهان جديد لاستعلائها المزمن، لا يقل قيمة عن الامتهان التاريخي الذي حققته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى ويُعَد مكملا.

وما يدلل على امتهانه في جبهة الشمال كما هو امتهانه في جبهة الجنوب، قيام الجيش الإسرائيلي بإعلان “الموافقة على خطط عملياتية لهجوم في لبنان”، إلا أن العمى الاستخباري الذي أصيب به جعله يحاول في الوقت ذاته الحديث عن الحل الدبلوماسي على غير عادته.

وإذا كانت إسرائيل وهي تمتلك كل وسائل الرصد والتعقب والاستخبارات في غزة قد لجأت إلى تنفيذ أعمال “القتل والإبادة” للمدنيين في غزة لاسترداد هيبتها التي ذهبت في الطوفان للتغطية على عجزها عن خوض “قتال” حقيقي مع المقاومة، فإنها في حال الهجوم على لبنان ومع هذا العمى الاستخباري ستلجأ حتما إلى تنفيذ أعمال “قتل” أكثر حدة واتساعا ضد المدنيين، دون أن تخوض “قتالا” حقيقيا.

ولعل الهجوم الشامل على لبنان الذي يهدد به عسكريو الكيان يُعَد أمرا مستبعدا نسبيا الآن، نظرا لغرق معظم جيشهم في رمال غزة، فضلا عن حاجتهم الماسّة إلى رتق حالة الانقسام والفزع والشعور بعدم الأمان التي يعيشها مجتمعهم المتفسخ الذي لم يعتد على مثل هذه الظروف وهذه الخسائر، بالإضافة إلى أن اجتياح لبنان هذه المرة سيكون مكلفا للغاية في الجند والعتاد والمال، وقد يتسبب بمفرده في انهيار عسكري تاريخي للكيان، ولا سيما مع التطور اللافت للتسليح الذي يمتلكه حزب الله وباقي فصائل المقاومة في لبنان.

الشواهد كلها تؤكد أن فجر النصر يلوح في الأفق رغم الآلام، وشمس إسرائيل توشك على الغروب.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4cGaQEd

...................................

السبت، 1 يونيو 2024

سيد أمين يكتب: وماذا عن الرهائن الفلسطينيين لدى الكيان؟

  

يخرج الرئيس الأمريكي بايدن بين الحين والآخر ليكرر تعاطفه الشديد مع الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يتبعه مسؤولون من الاتحاد الأوروبي يعلنون تضامنهم الكامل مع مأساة الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يخرج مسؤولون أمميون يطالبون بوقف الحرب والإفراج عن الرهائن الذين بحوزة (حماس)، سيمفونية متناغمة من البكاء والعويل والتنديد بوحشية (حماس)، وببراءة الحملان التي تحتجزهم.

قامت الدنيا ولم تقعد من أجل ما يزيد قليلًا عن 130 أسيرًا تحتجزهم المقاومة، يستشهد مثلهم أو ضعفهم كل يوم على مدار 8 أشهر جراء قصف الطائرات الصهيونية على غزة.

كل هذا ولم يطالب لا الصديق ولا العدو ولا المجتمع الدولي ولا منظمات حقوق إنسان بالإفراج عن الرهائن الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكأنهم سراب بينما هم يقتربون من 15 ألف أسير.

كثير من هؤلاء يمضي زهرة شبابه في غياهب السجون لأنه كتب منشورًا من سطرين على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد فيه وحشية الاحتلال، أو يتضامن مع أبناء شعبه وأقاربه الذين تقتلهم حكومة تل أبيب كل صباح، أو أنه لم يهاجم الاحتلال ولكن انتقد الصمت الدولي الذي تعامل مع مسألة سحل الفلسطيني وطرده من منزله وأن قتله هي مسألة روتينية لا تحتاج أكثر من عبارة تضامنية في نهاية أي بيان عريض مكتظ بالإدانات للمقاومة، يطالب فيها إسرائيل بضبط النفس أو التحقيق في اعتقال هذه العائلة الفلسطينية أو تلك أو حتى إفنائها.

وقد يكون هذا الأسير مجرد رهينة لإجبار أبيه أو شقيقه على تسليم نفسه لسلطات الاحتلال، أو لأنه رفض أن يهجر من بيته ويسلمه لسكانه الجدد من المستوطنين، وقد يكون قاوم الاحتلال ومارس حقه المشروع طبقًا للقانون الدولي.

روتين إسرائيلي

ولك أن تتخيل أن شعبًا قوامه ما بين الخمسة أو ستة ملايين نسمة في الضفة الغربية وغزة اعتقلت إسرائيل منه أكثر من مليون شخص منذ عام 1967، بما يشير إلى أن خُمس الشعب الفلسطيني تعرض للاعتقال، بحسب بيانات رسمية للأمم المتحدة.

كما اعتقلت منذ “طوفان الأقصى” نحو 9 آلاف فلسطيني ربعهم أطفال ونساء، بحسب تقديرات نادي الأسير الفلسطيني، وذلك بخلاف آلاف آخرين غير مقدر عددهم أخفتهم قسريًا بعد اعتقالهم في غزة، وكثير منهم عثر عليهم مقتولين ومنكلًا بهم.

وفي حين أننا نجد بايدن يحلو له تكرار توجيه الاتهامات للمقاومة باغتصاب الأسيرات الصهاينة لديها وكأنها حقائق دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك، نجد في المقابل حقيقتين الأولى هي حسن المعاملة التي أبدتها المقاومة مع الأسرى الصهاينة، التي كشفت عنها تصريحات أغلب المفرج عنهم واعترافاتهم، وكشفت عنها أيضًا المشاهد التي بثتها المقاومة للتعامل معهم ومدى السعادة التي كانت تكسو وجوههم.

والحقيقة الأخرى هي ما يحدث في سجون الاحتلال وأماكن الاحتجاز الأخرى للأسرى الفلسطينيين من تعذيب وتنكيل، ومصدر القوة في هذه المعلومات أنها خرجت من مصادر إسرائيلية ذاتها، سواء عبر جنود التقطوا صورًا من قبيل التباهي بتعذيبهم ضحاياهم، أو أنها صور سربتها المخابرات الإسرائيلية لبث الرعب في شباب الشعب الفلسطيني.

بل وقامت وسائل إعلام إسرائيلية مثل صحيفة “هآرتس” بنشر جزء من تفاصيل هذه المسالخ التي تنصبها حكومتها للمعتقلين الفلسطينيين، التي تشمل الإجبار على الوقوف أو السجود أو الركوع لما يقرب من اليوم الكامل، والحرمان من النوم والطعام والماء، والتعريض للموسيقى الصاخبة، والصعق الكهربي، والحرمان من العلاج، وغيرها من الطرائق الوحشية للتعذيب، التي كثيرًا ما أفضت للموت.

رهائن لا سجناء

تحاول إسرائيل أن تضفي صفة الشرعية لسجنها الناشطين الفلسطينيين، بالادعاء بأنهم مخربين أو إرهابيين، وأنها تعرضهم على محاكم مختصة لتفصل في قضاياهم، في حين أنها واقعيًا تستخدم قانونًا عائدًا للحقبة الاستعمارية يعطي السلطة أو المتنفذين فيها الحق في اعتقال من شاءوا من الشعب الفلسطيني، دون تقديم أي مسوغات سوى التعلل بوجود تقارير استخباراتية سرية، وكثيرًا حتى دون إبداء أسباب أو لائحة اتهامات نهائيًا، وهو ما يعرف بالاعتقال الإداري.

والمشكلة ليست في أن إسرائيل تتعامل مع هذه الاعتقالات بوصفها إجراءات قانونية، ولكنها في الجهات الدولية المختصة بالعدالة التي لا تندد إلا على استحياء وكثيرًا ما تتماهى مع الأمر وكأنه أمر طبيعي، مع أن هذا النوع من الاعتقالات هو الأولى بإطلاق مصطلح الرهائن عليه وليس على هؤلاء الذين هم بيد المقاومة.

دعك الآن من أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليون في كل فلسطين التاريخية، وتوقف أمام أن غالبية المعتقلين الفلسطينيين هم من أبناء الضفة الغربية وغزة، وهي في الواقع مناطق يعترف العالم بأسره بأنها مناطق محتلة، وبالتالي فإن قيام الاحتلال باعتقال بعضًا من سكانها سيجعل منه قرصانًا وخاطفًا لهم، وسيجعل منهم الحق باعتبارهم رهائن.

هم رهائن لأنه لا يوجد شرعية للاحتلال على هذه الأراضي، وبالتالي تنتفي معه شرعية سجونه ومحاكمه وقوانينه، خاصة مع وجود حكومتين فلسطينيتين في رام الله وغزة هما الأولى بتمثيل الشعب الفلسطيني.

متى يتحرر العالم الغربي من ازدواجية مكاييله؟

المصدر : الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4bEPuqC

...................................

الثلاثاء، 21 مايو 2024

سيد أمين يكتب: رحم الله رئيسي ولتخمد أبواق الطائفية

  

رحم الله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وجميع من قضوا في حادث سقوط الطائرة في ولاية أذربيجان شمال غرب البلاد، حيث خسرت المقاومة الفلسطينية واحدا من داعميها الكبار في وقت حساس للغاية تحتاج فيه لمزيد من الداعمين الفاعلين.

لن نتحدث دعما أو دحضا للآراء التي تدعي أن الحادث كان مدبرا وتدلل على ذلك بأن هناك ثلاث مروحيات كانت في موكب الرئيس ولم تسقط منها سوى مروحيته فقط، ما يستبعد معه أن تكون سوء الأحوال الجوية هي السبب في الحادث، وإلا لسقطت المروحيات الثلاث، فضلا عن تردد معلومات صادرة عن مواقع رصد الطيران مثل “flightradar24” تتحدث عن تزامن تحليق طائرة من طراز C-17 تابعة للقوات الجوية الأمريكية في أذربيجان وغادرت نحو أجواء إسرائيل. ومع ذلك فإن هذه المعلومات تفتقد للدقة لكون من اعتنوا بها قصدوا بها جمهورية أذربيجان المجاورة في حين أن الحادث وقع في ولاية أذربيجان الإيرانية، وفي الجانب الأبعد من الحدود بين البلدين، فيما لم تصدر تأكيدات رسمية بوجود ثلاث مروحيات كانت في موكب الرئيس، ولا حتى بيان عن مصيرها.

وخيرا فعلت الحكومة الإيرانية التي أصدرت بيانا أكدت فيه أنه “لن يكون هناك أدنى خلل أو مشكلة في الإدارة الجهادية للبلاد”، وستستمر في السير على نفس طريق العزة دون كلل.


رئيس المصالحات

يذكر للرئيس رئيسي أنه عمل على إخماد نيران الاختلافات مع دول الجوار حيث دشن لمصالحات على كافة المستويات مع الدول العربية، فعقد مصالحة تاريخية مع السعودية أنهت سنوات طويلة من الخصومة والشحن الإعلامي بين البلدين، وعبر وساطة عُمانية اهتم أيضا بتطبيع العلاقات مع مصر وإصلاح واستئناف العلاقات الدبلوماسية التي عانت من الجمود والتوتر طيلة العقود الأربعة الماضية، وذهب إلى تعميق التعاون مع الجزائر كبوابة واسعة على إفريقيا، بعد سنوات أيضا من القطيعة والتوترات التي أعقبت العشرية السوداء نهاية القرن الماضي، وقد تطابقت مواقف البلدين في كافة القضايا الدولية تماما خاصة ما يتعلق منها بفلسطين وتصنيف المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وقد كان الدافع وراء ذلك مقاومة هذا الحلف الذي نجحت إسرائيل في تدشينه بإقامتها علاقات مع الرباط في عام 2020، ضمن اتفاقيات أبرمتها مع الإمارات والبحرين ولاحقاً السودان بعد إسقاط حكومة البشير الإسلامية.

ولم يتوقف مسار إصلاح ذات البين على الدول العربية فقط فقد امتد ليشمل أيضا باكستان وأفغانستان وتركيا.

فقد عملت الخارجية الإيرانية ونظيرتها الباكستانية على سرعة تلافي الأزمة التي أحدثتها ضرباتها على متمردين بلوشستانيين -مناوئين للبلدين- في الحدود المشتركة مطلع العام الجاري، وهو ما أدى إلى سحب السفراء وتهديدات باكستانية بالرد والتصعيد، لكن وزير خارجية إيران الراحل سافر إلى باكستان وأخمد نار الفتنة.

وعلى الجانب الأفغاني وبسبب الانفلات الأمني الذي عانته الإمارة الاسلامية عقب جلاء الاحتلال الأمريكي منها، بسبب تجار المخدرات والمتطرفين الطائفيين الذين يتسللون وينفذون تفجيرات في المراقد الشيعية بإيران، شكلت الحدود المشتركة مصدر خطر كبير على طهران، من هنا عمل رئيسي على مساندة الحكومة الأفغانية في تأمين الحدود المشتركة والتأكيد على أن خطة إغلاق الحدود المشتركة ليس لها علاقة بالموقف من حكومة كابل ولكن فقط من أجل تأمين البلدين.

وفيما يخص العلاقات الإيرانية التركية في عهد رئيسي وأردوغان فقد شهدت تعاونا مضطردا في كافة المجالات الاقتصادية رغم العقوبات الأمريكية على إيران، وعمل البلدان على تعزيز القواسم السياسية المشتركة التي كانت أبرز مناطق اللقاء بينهما تتعلق بمسألة الموقف من المقاومة الفلسطينية والعدوان على غزة، التي سارع رئيسا البلدين بلقاء اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأظهرا دعمها القوي للمقاومة الفلسطينية ما يمثل تحديا للإدارة الأمريكية التي تسعى لتجريم حماس.

وسعت الدولتان لتقليل لهيب الاختلاف الناجم عن المسألة السورية التي تمثل حجر العثرة الرئيسي بينهما، أو حتى بين كافة من يدعمون إيران ومن يهاجمونها في العالم العربي.


أبواق طائفية


منذ سنوات حينما تفجرت مظاهرات أيما كانت طبيعتها وأسبابها في إيران راحت أبواق تبشر بربيع إيران وكأنهم لم يروا ما حل بربيع العرب حينما تحول لخريف عاصف، ولم تكسب منه إلا الصهيونية التي استطاعت بعده هتك ستر من كان يتعزز أو حتى فقط يستحي من خلعه من قبل، وبالطبع ما سرى على العرب وقتها كان سيسري على إيران.

يمكنك أن تكره أو تحب إيران كما تشاء، شكك في حقيقة أهدافها من دعم المقاومة الفلسطينية، لكن قل لي بربك: هل هناك في العالم أعلى صوتا منها لدعم المقاومة في وقت محنتها؟ وهل تتصور ماذا يحدث إن وقعت أحداث طوفان الأقصى ووجدت إيران تقف في الجانب الداعم للكيان سرا كما هو الحال عند كثير من العرب الآن؟ هل هذا ما تريدونه؟ رحم الله من سار على طريق الحق.

تابع المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3V6w2Nu

...................................

الثلاثاء، 7 مايو 2024

سيد أمين يكتب: مغزى إغلاق مكتب الجزيرة في الكيان

 جاء تصويت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالإجماع على إغلاق مكتب شبكة الجزيرة في الكيان بمثابة شهادة كفاءة مهنية جديدة قدمتها إليها ضمن شهادات البراءة الكثيرة التي واظبت إسرائيل على تقديمها للشبكة منذ عقود؛ والتي كان أبرز محطاتها اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، مرورا بحزمة الاستهدافات بالقتل لمراسليها وأسرهم بعد طوفان الأقصى، وأبرزها استهداف مصورها سامر أبو دقة في غزة أثناء تأديته عمله، واستهداف كافة أفراد أسرة مدير مكتبها هناك وائل الدحدوح، مع إصابات عديدة لكثير من طواقمها الفنية.

قيمة -شهادة التقدير- التي تلقتها الجزيرة أنها جاءت من دولة صارت بجرائمها المروعة مجرد سبة في جبين البشرية جمعاء، وأجمع القاصي والداني والأعجمي قبل العربي على أنها تنفذ إبادة جماعية في غزة والضفة الغربية، وأنها لا تضع للقوانين الدولية ولا حتى قوانين الفطرة الإنسانية أي اعتبار، وقد تسببت بأفعالها في دق أول مسمار في نعش المنظومة الدولية القائمة.

وعزز هذا الاعتقاد أن الشهادة الإسرائيلية الجديدة جاءت بعد أيام قليلة من منح اليونسكو جائزتها الصحفية السنوية لصحفيي غزة الذين يبرز بينهم بلا شك مراسلو الشبكة بشكل واضح.

وكان لهم مع قلة غيرهم من أبطال مهنة البحث عن الحقيقة الفضل في كشف حقيقة الوحشية الصهيونية للعالم رغم الظروف المميتة التي يفرضها الاحتلال ليس عليهم فقط بل على أسرهم أيضا، وصارت شبكتهم كما كانت في كل الأحداث الكبرى في عالمنا العربي هي محط أنظار العالم ومصدر معلوماته الموثقة.

فلم يروّع مراسلي الجزيرة الذين تريد إسرائيل إخراس أصواتهم قتلها نحو 141 صحفيا في غزة وحدها -في أعلى نسبة اغتيال لصحفيين في مكان واحد من العالم- بينهم طواقم فنية واعلامية للشبكة، بل أصروا على استكمال رسالتهم في تحدّ له ثمن باهظ سيخلده التاريخ لفرسان هذه المهنة كلها.

ضربة انتقامية

القرار البائس جاء أيضا بعد عدة ضربات إعلامية تلقتها تل أبيب من الشبكة عبر كشفها العديد من مشاهد الإبادة الحصرية في غزة والضفة الغربية، وهي المشاهد التي وضعت الاحتلال وداعميه الغربيين في حرج شديد ومثلت أدلة كافية لاتهامه بارتكاب هذه الجرائم في غزة سواء من قبل محكمة العدل الدولية أو من المحكمة الجنائية الدولية التي تتسرب معلومات شبه مؤكدة عن عزمها إصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين كبار منهم رئيس الوزراء ووزير دفاعه ورئيس أركانه، وعدد آخر من الوزراء وقادة الجيش، هذا إن لم تكن قد صدرت هذه القرارات بالفعل.

وخطورة هذه الإدانات أنها تجرد إسرائيل من استمرارها في بث الوهم الذي سقته لشعوب أوروبا بأنها الحمل الوديع الذي يتعرض للبربرية من قبل جيرانه العرب، وأنها تتعرض للإبادة والاضطهاد في الشرق العربي تماما كما تعرض له اليهود على يد النازية، وهو الوهم الذي يمثل شريان وجودها الحيوي.

ولعل إسرائيل تصرفت هذا التصرف اليائس في محاولة ممجوجة للضغط على قطر الوسيط في المفاوضات لكي تضغط على المقاومة من أجل قبول اشتراطاتها في إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق نار يعطيها ما عجزت عن نيله بالحرب.

ومما لا شك فيه أن تل أبيب ترددت كثيرا في اتخاذ هذا الإجراء ضد شبكة عالمية بحجم شبكة الجزيرة كانت تتقبلها على مضض حتى لا يقال إنها تقيد حرية الإعلام، ثم اضطرت إلى أن تضحي بتلك الاعتبارات نظرا لأنها لا تملك أوراقا للضغط على الوسيط القطري سوى ذلك، ولن يضيرها صداه عالميا لكون سمعتها صارت في الحضيض بالفعل، ولن تسقط أكثر من هذا السقوط المدوي الذي تسبب فيه في المقام الثاني بعد استبسال المقاومة استبسال وسائل الإعلام العاملة في ميدان الأحداث وفي القلب منها قناة الجزيرة.

مردودات القرار

في اعتقادي الشخصي أن مردودات القرار على قناة الجزيرة هامشية للغاية، فعملها لن يتأثر كثيرا نظرا لأن تغطيتها للعدوان على غزة -وهي بيت القصيد- لم تكن أصلا بإذن من إسرائيل، ولن تستطيع بكل وحشيتها أن توقفها.

أما تغطيتها للعدوان على الضفة الغربية الخاضعة لسلطة الاحتلال فيمكن تدبيرها بالعديد من الطرق، وإن كنت أعتقد أنها لم تكن خاضعة أيضا لسلطة الاحتلال نظرا لوجود السلطة الفلسطينية، ويبقى التأثير قائما فيما يخص تغطيتها داخل الكيان ذاته، وإذا كانت هذه التغطية مهمة فإنه مع ذلك يمكن الاستغناء عنها والاكتفاء بتقارير الوكالات الدولية.

وأتوقع أن تسقط حكومة نتنياهو قريبا بعدما استنفد كافة محاولاته لمد أجل الحرب من أجل بقائه السياسي في السلطة وبالتالي تأجيل إعلانه الهزيمة، وبلا شك وقتها لن يكون مجديا لأي حكومة إسرائيلية جديدة تتحلى بقدر من الحكمة الإبقاء على قرارات فاشلة لحكومة فاشلة مرغت بعنجهيتها سمعة دولتهم في الأرض.

الجزيرة باقية وسيرحل نتنياهو ونظامه المتطرف.

...................................

الجمعة، 12 أبريل 2024

سيد أمين يكتب: ربح البيع.. إسماعيل هنية!

 يا له من نجاح في الابتلاء، ذلك الإيمان العميق النادر الذي يتحلى به قادة المقاومة الإسلامية العربية عموما والفلسطينية خصوصا، بدءًا من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وانتهاء بأنصار الله في مواجهة عدو متغطرس وأخ متخاذل.

ففي أول أيام عيد الفطر المبارك، كانت هناك منحة تنتظر رمزا من رموز المقاومة لكنها أتت له في شكل محنة، حينما استهدف طيران الكيان الصهيوني سيارة تقل أولاد وأحفاد المجاهد

إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فاستشهد ثلاثة من أولاده وحفيدان له وأحد أقاربه، وهم جميعا مدنيون ولم يكونوا يقومون بأعمال المقاومة، وذلك بعد أشهر من استشهاد 14 شخصا من عائلته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بينهم شقيقه، وبعد أيام من اعتقال شقيقته في بلدة تل السبع في النقب.

بالطبع لن يتذمر حكام الغرب من استهداف أبناء وأحفاد عضو بارز في حركة حماس حتى لو كانوا أطفالا أو مدنيين؛ لأنهم ببساطة هم من ساعدوا القاتل بالمال والسلاح والدعم السياسي من قبل على قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولم يقرروا تشغيل زر إنسانيتهم قبل إعطاء القاتل الفرصة الكاملة في تنفيذ عملية الإبادة.

أما المجاهد هنية -مثله مثل الكثير من نماذج أهل غزة الذين ضربوا لنا أمثالا نادرة في الجلد والصبر على البلاء وأعادونا إلى عصر صدر الإسلام- فقد نعى أولاده وقال إنهم قد كُرّموا بهذا الاستشهاد مثلهم مثل 33 ألف شهيد ارتقوا في غزة، يعتبرهم جميعا أبناءً له وإخوة. 

منحة من قلب المحنة

المنحة في الأمر -فضلًا عن أن الارتقاء جرى في يوم من أهم أيام المسلمين لم يراع العدو حرمته- أن الواقعة أخرست بشكل عملي أهم نقاط الارتكاز الدعائية التي كان يعمل عليها الذباب الإلكتروني الصهيوني الناطق بالعربية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أن قادة المقاومة يرسلون أبناءهم إلى الخارج ومعهم ثرواتهم، في حين يعرضون حياة أبناء القطاع لخطر الموت جراء الحرب التي أشعلوها.

وإسماعيل هنية من أهم الشخصيات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تناولتها الشائعات التي يطلقها الذباب بشكل واسع، وبينهم إعلاميون عرب كثر في العديد من العواصم العربية ذات العلاقات الدافئة مع إسرائيل، ليس الآن فحسب ولكن حتى أثناء حروب أقل ضراوة من تلك الحرب.

وكأن هنية ضحى بأولاده وأحفاده ليخرس ألسنة الطابور الخامس، في حين أن من حق قادة أي حركة مجاهدة ضد عدو همجي يملك تقنيات متطورة وفي منطقة جغرافية محدودة كغزة أن يرسلوا أبناءهم إلى الخارج لكي يتفرغوا هم لأعمال المقاومة، ويعرضوا أنفسهم هم للخطر نيابة عن الأمة، وإذا قتل العدو مدنيين أو نساء وأطفالا فالجرم هنا يقع أصلا على العدو الذي يستهدف أهدافا لا يحق أبدا لجيش مسلح بأسلحة وأجهزة رصد متطورة أن يستهدفها.

لذلك فمن يستحق اللوم على الصمت على هذه الجرائم هو المجتمع الدولي ومؤسساته، والعار كل العار على شعوب هذا الوطن العربي الذي كنا نظنه كبيرا وحرا ونابضا بالعزة والكرامة، ثم وجدناه يشارك المغتصبين الصهاينة اغتصاب أرضه وعرضه وبني جنسه ودينه.

مشاريع شهادة

كل قادة حماس والمقاومة الفلسطينية عموما يعرفون أنهم مشاريع شهادة، وليس خافيا على أحد أن جميع مناصب القيادة في مثل هذه الحركة المجاهدة تتعقبها بلا شك العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى بهدف تصفيتها، وبالتالي فإن شغلها مناصبها قطعا سيكون غرما على شاغليها طبقا لحسابات الانتفاع الدنيوي، ولكنه لدى الشاغلين تقرُّبٌ إلى الله في الجهاد، خاصة أن جميع عناصر الحركة تربوا تربية إسلامية صحيحة تعتبر أن الموت ليس نهاية المطاف، ولكنه مجرد مرحلة من المراحل التي سيمر بها الإنسان، ثم ينتقل بعدها من دار الفناء إلى دار الخلود، في الجنة أو النار.

ويؤمنون أيضا بأن مسألة الموت مبكرا أو متأخرا هي مسألة تتعلق بتقديرات الله وقضائه، فإذا تأخر العمر فهو لحكمة ربانية وقد يكون عقوبة لصاحبه في صورة مرض أو افتتان، وإذا قصر فهو أيضا لحكمة قد يكون نعمة لصاحبة وخلاصا من الشرور، وبأن الشهادة هي جائزة للمتقين ممن اصطفاهم الله من بين خلقه، وأنها تكريم رباني يجب على المؤمنين المسارعة للظفر به.

وهذه التربية هي التي أكسبت الأبطال البسالة ومكنتهم من رسم تلك البطولة التي توثق الكاميرات كل يوم فصولها في غزة، وكيف أن مجموعات من الشباب مسلحة بأسلحة شبه بدائية استطاعت توقيف عدة جيوش واستخبارات مدججة بأحدث آلات الفتك والقتل وتسجيل انتصارات هائلة عليها، وما ذلك إلا لأن قوما يحبون الشهادة يقاتلون أقواما تحب الحياة.

عموما ما لم تدركه إسرائيل هو أن اغتيال من غايته الشهادة، هي منحة لا محنة.

ربح البيع.

المصدر : الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3vOvsKB

............................................................

سيد أمين يكتب: مأزق النظام الدولي بعد حرب الإبادة في غزة

  الجميع وقع في مأزق، الكيان الصهيوني، النظام الدولي، النظم العربية، حتى المقاومة، جراء هذا العدوان الوحشي على غزة والضفة الغربية.

لم يكن العالم في أي وقت بلا قانون يحكمه كما هو الآن، حتى لو كان هذا القانون غير عادل، فإسرائيل ومن خلفها أمريكا والنظم الغربية حطمت منظومته القانونية المهترئة وأودعتها مثواها الأخير، جراء رفضها الدائم والمتكرر لتنفيذ قرارات مؤسسات العدالة والإجماع الدولي، فهي لا تعير بالًا لا للأمم متحدة ولا لمؤسساتها المتنوعة، ولا لمحكمة العدل الدولية، ولا للجنائية الدولية، ولا لمجلس الأمن الذي يعد أهم مؤسسة دولية لكون الدول المتحكمة في قراراته هي الدول النووية القادرة ليس على إجبار أي دولة على الانصياع فحسب، بل على تدمير الكرة الأرضية برمتها.

معلوم للقاصي والداني أن إسرائيل منذ نشأتها وهي تعبث بتلك المؤسسات، متكئة في ذلك على الراعي الأمريكي، فكانت هي من تحتال على قراراتها، وكانت الدول الغربية تتواطأ وتغض الطرف عن احتيالها، في حين تنصرف دول المشرق النافذة لاستثمار هذا المشهد لتترجمه إلى مكاسب سياسية أو اقتصادية، ويمر الأمر بسلام، لكن هذه المرة اتسع الخرق على الراتق، ولم يعد بالإمكان إخفاء عورة هذا النظام، بعدما صار يتلقى الانتقادات حتى من أشد المدافعين عنه.


ترويع المنظمات الأممية

ولعل من الإنشاء القول بأن نحو 135 قرارا في مجالات متعددة أغلبها بالإجماع أصدرتها الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل طوال 75 عاما هي عمرها لم يُنفَّذ منها قرار واحد، لكن في المقابل كان هناك قرار واحد فُهم منه التفويض الأممي بمعاقبة العراق وهو القرار 1441 الذي راحت تستغله أمريكا ومن خلفها المجتمع الغربي لغزو العراق وتدميره وقتل مليوني عراقي بزعم تنفيذ مقررات الشرعية الدولية.

وليس ذلك فحسب بل إن لإسرائيل سجلا حافلا في مهاجمة موظفي المنظمة الأممية وتهديدهم حتى إنها استطاعت علنا إرهاب أمينها العام أنطونيو غوتيريش وجعلته يتراجع عن تحميلها مسؤولية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول باحتلالها أراضي الفلسطينيين وفرضها الحصار عليهم، مع أن قوانين الأمم المتحدة الثابتة تعطي الحق للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال في المقاومة المسلحة، وهو تماما ما فعلته حماس وباقي فصائل المقاومة في هذا اليوم.

وإذا كان الإرهاب الإسرائيلي أجبر شخصا بمثل تلك القامة على التراجع عن تصريحات واجبة ومحقة، بل وجعله لا يطالب بوقف إطلاق النار في غزة إلا مقترنا بعبارة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة فورا، خائفا من أن يذكر ولو بحرف واحد أكثر من مئة ضعف لهم، هم أيضا رهائن ولكنهم فلسطينيون في سجون إسرائيل، لذلك فليس من المستغرب أن يخاف مسؤولون صغار في تلك المنظومات الدولية من أن يقولوا ما يخالف رغبة إسرائيل.

ورأينا جميعا أن الجميع منظمات وأفرادا وقعت تحت تأثير الإرهاب الإسرائيلي، فأغلبهم يصمت وقليل جدا منهم من يتحدى، تماما كما فعلت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز التي أصدرت تقريرا تؤكد فيه أن ما فعلته إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وأنها تعرضت للتهديد منذ ولايتها لمنعها من قول ذلك.

وشاهدنا أيضا أن إسرائيل قتلت العشرات من موظفي الأمم المتحدة في غزة، وقصف جنودها مقراتها وهم يغنون كما ظهر في وسائط مصورة، بل وراحت تروع موظفيها في الأونروا وتلفق لهم الاتهامات، ورأينا كيف تعاملت أمريكا والغرب بصمت واستهانة مع هذه الجرائم، بل راحوا يعاقبون هذه المنظمة بقطع التمويل عنها بناء على الدعايات الإسرائيلية.


تباين المشاهد

ولسوء الحظ شاء الله أن يتزامن ما يحدث في غزة مع ما يحدث في أوكرانيا، وبدا التباين جليا، فرأينا ازدواجية مقيتة لمحكمة العدل الدولية التي سارعت بإصدار قرار بوقف فوري للحرب في 27 فبراير/شباط 2022 بعد خمسة أيام فقط من بدء الاجتياح الروسي، ملمحة إلى احتمال ارتكاب روسيا أعمال إبادة جماعية، رغم أن عدد القتلى الأوكرانيين لم يكن قد تخطى آنذاك بضع مئات جلهم عسكريون، كما حاولت أن تنبش في الصور وتتبنى الشهادات الشفوية لاستنباط معلومات بأن هناك مدنيين أوكرانيين قتلوا في هذه الحرب لتوجه بناء عليها الاتهام بالإبادة الجماعية.

لكن على الجانب الغزي، نجد صور الشهداء والجرحى المروعة من المدنيين في هذا البلد المحتل والمحاصر تكتظ بها جميع وسائل التواصل والإعلام، موثقة صوتا وصورة ومع ذلك لم تطلب المحكمة وقفا لإطلاق النار بعد ثلاثة أشهر من بدء هذه الحرب الوحشية غير المتكافئة ولا بعد قرابة نصف عام من اشتعالها، وكأنها تعطي لإسرائيل المجال كاملا لإنجاز مهمتها.

مع فوارق مهمة للغاية في المشهدين، إذ إن غزة منطقة صغيرة جدا مكتظة بالسكان على خلاف أوكرانيا، وهي محاصرة منذ قرابة 17 عاما مما يعني أنه ينقص شعبها أصلا الكثير من المواد؛ ومن ثم فهي أولى بالإغاثة وتسريع وقف إطلاق النار. ومع ذلك كانت النتيجة أنه لا روسيا ولا إسرائيل أوقفت الحرب.

مصدر المشروعية

هذا انهيار كبير لمؤسسة الشرعية والإجماع الدولي، التي كان يجب أن تقول بشكل صريح دون مواربة إن ما حدث في الطوفان هو مقاومة مشروعة لطرد معتدٍ يغتصب الأرض ويفرض على أصحابها الأصليين الحصار، وليس عدوانًا.

الجديد هنا أن أعمال الإبادة تجري عبر الكاميرات ولا يمكن تجاهلها، وبالتأكيد سيكون من شأنها رغم السكون البادي على السطح، أن تُجرِّئ دولًا تمتلك زمام المبادرة غير تلك الدول القابعة تحت شباك الوهن والضعف والإمبريالية على أن تسعى لتكرار مشهد التجبّر الإسرائيلي في غزة في نقاط مصالح أخرى في العالم، وحتمًا ستصطدم حينئذ بمصالح الإمبريالية الغربية، ووقتها لن يصلح التعلل بالقانون الدولي ولا بمثل هذه الترهات، لأن القانون الحقيقي الذي يحكم العالم فعليًّا منذ أن خلق الله الأرض هو البقاء للأقوى، والشرعية معه في كل ما يفعل.

لذلك فإن لم تعاقب إسرائيل على جرائمها التي كشفت بنفسها سترها، فسيدرك القاصي والداني أن الضعيف هو فقط من يحتمي برداء الشرعية الذي لن يحميه أبدا، في حين أن القوي حال سبيله يقول كما قال ميكافيلي: “طالما كانت الحرب ضرورية فهي أيضا مشروعة ومقدسة”.

وستدب حينئذ الفوضى الخلاقة الحقيقية في العالم.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

bit.ly/3vAm9Oa

...................................

سيد أمين يكتب✍️: “سونكو” ناضل و”ديوماي” فاز.. وانتصرت الديمقراطية في السنغال

 

قفز السنغاليون قفزة ديمقراطية جديدة في إفريقيا، كما وجهوا ضربة موجعة أخرى لفرنسا التي ما كادت في السنوات الأخيرة تتعافي من أوجاع كل ضربة تلقتها في أحد مراكز تمركزها التاريخية في القارة السمراء حتى تتلقى ضربة أخرى في مكان جديد.

فقد فاز “باسيرو ديوماي فاي” مرشح حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف بـ(باستيف) وهو الحزب الذي أُسّس عام 2014 على يد الدكتور “عثمان سونكو” وهو شاب عُرف بتدينه وجرأته وخطاباته المناهضة للفساد في مؤسسات الدولة المالية، فضلا عن رفضه الهيمنة الفرنسية على البلاد.

وفي الواقع لا بد أن يقود الحديث عن فوز “بشير” أو” بصيرو ديوماي” بالرئاسة إلى حديث واسع عن نضالات معلمه الدكتور “سونكو” الذي ألهب مشاعر الشباب بخطاباته الحماسية والعاطفية الداعية إلى مكافحة الفساد في نظام الضرائب وإدارة موارد الدولة بعدما تسنى له الاطلاع عليه من خلال عمله موظفا ساميا في إدارة الضرائب بالدولة برفقته، وجراء معلومات الفساد التي كشفها للجماهير، أحرج قطاعات كبيرة من المقربين لرئيس الدولة “ماكي سال” مما دفعه إلى فصله من وظيفته بتهمة “انتهاك حق التحفظ”.

ولمّا خاض “سونكو” الانتخابات البرلمانية عام 2017 على رأس قائمة حزبه حقق نجاحا جعله يحرم الحزب الحاكم من الانفراد المطلق بالحكم، تلاه ترشحه عام 2019 في الانتخابات الرئاسية أمام رئيس البلاد، لكنه حل في المرتبة الثالثة مع وجود معلومات عن تزوير في النتائج مكنت الرئيس “سال” من الاستمرار في الحكم، وبدأ “سونكو” منذ ذلك الوقت الإعداد لانتخابات الرئاسة عام 2024 عبر إنشاء تحالف قوي من عشرات الأحزاب والحركات في الدولة لرفض ترشح الرئيس لولاية ثالثة واحترام الدستور الذي ينص على فترتين رئاسيتين فقط.

في حين عمل “سال” من جانبه هو الآخر على تشويه سمعة “سونكو” من أجل إبعاده عن المنافسة في الانتخابات، وفي عام 2021، قامت فتاة تعمل في صالة تدليك باتهامه باغتصابها في دعوى قضائية، ووقت محاكمته خرج آلاف الشباب في أرجاء البلاد بمظاهرات تتهم الحكومة بمحاولة إبعاده وتلفيق التهم له، واعتُقل “سونكو” في حين استمرت الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها ضد اعتقاله، لكن القضاء أصدر عليه حكما في يوليو/تموز 2023 بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، ثم مُنع من الترشح مستقبلا، وانتهى المطاف بقيام حزب “باستيف” بترشيح الرجل الثاني فيه “ديوماي” ليفوز بالحكم.

الرئيس المنتخب

في الواقع أن “بشير ديوماي” نال هو الآخر نصيبه من الاستهداف من الرئيس “سال”، إذ صدر في إبريل/نيسان 2023 حكم بسجنه بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء، ليدخل السجن مع نخبة من قياديي الحزب قبل الإفراج عنه بعفو رئاسي قبل أيام من الانتخابات.

في حين تجمع بين الرفيقين “سونكو” و”ديوماي” صفات عديدة مشتركة، أولاها زمالة العمل موظفين ساميين في الضرائب، فضلا عن التنشئة الإسلامية الخاصة بهما، إضافة إلى مناهضتهما للفساد والتدخلات الخارجية ولا سيما الفرنسية والأمريكية، ورغبتهما في مراجعة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجارة موريتانيا التي بقيت محط تساؤلات وحديث شعبي مستمر عن فساد كبير.

وقد وعد “ديوماي” في برنامجه الانتخابي الذي أعده مع “سونكو” بمراجعة اتفاقيات الغاز والنفط والصيد والتعاون الدفاعي مع فرنسا، لضمان تحقيق الفائدة القصوى للشعب السنغالي، إضافة إلى التخلي عن عملة الفرنك “سيفا” المرتبط بالفرنك الفرنسي نهائيا، مع مراجعة شاملة لعلاقات بلاده بفرنسا.

ومن المعروف عن “ديوماي” أنه فصيح اللسان قوي الحجة هادئ الطباع من أسرة بسيطة، وهي الصفات التي مكنته من البروز السريع بين أعضاء الحزب، وجعلته ينال استحسانا شعبيا وقبولا خارجيا خاصة مع جولاته الأوروبية التي التقى فيها مسؤولين غربيين، وهي ما تترك علامات استفهام قد نجد لها إجابات مستقبلا.

وقد يثير وجود زوجتين له تساؤلات عن أيهن التي ستحصل منهن على لقب سيدة القصر، وهو المنصب الذي اعتادت الثقافات القبلية الإفريقية على تبجيله ومعاملته معاملة خاصة، كما اهتمت بها الثقافات الغربية بوصفها قرينة الرئيس.

الديمقراطية السنغالية

تعرّض “سونكو” و”ديوماي” لكثير من الملاحقات السياسية والقضائية من الرئيس “ماكي سال” وحزبه الحاكم “التحالف من أجل الجمهورية” الذي حاول تعطيل الانتخابات وإقصاءه مع العديد من المعارضين البارزين بشتى الوسائل، لكن محاولاته باءت بالفشل وتسببت في تأجيج مشاعر التعاطف مع خصومه مما أدى في النهاية إلى هذا الفوز، ودفع “سال” إلى المبادرة بتهنئته بالفوز قائلا إن ذلك يُعَد انتصارا للديمقراطية السنغالية.

وقد أسهمت أسباب عدة في وصول حزب حديث النشأة إلى سدة الحكم في هذا البلد الذي يشكل المسلمون فيه غالبية عدد سكانه، أهمها أن السنغال تُعَد واحدة من الدول شبه الديمقراطية في إفريقيا في حقبة ما بعد الاستقلال، ولها نظام حكم علماني يحترم إرادة الأغلبية وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، مما جعل حركة مثل الإخوان المسلمين تحتل مكانة مرموقة ويكون لها تأثير كبير في الحياة الدينية. أما أهم الأسباب فيعود إلى استقلال القضاء بدرجة كبيرة مع حرص الجيش على عدم التدخل في السياسة على خلاف السائد إفريقيا، فضلا عن وجود مؤسسات لمراقبة الديمقراطية منها مثلا المكتب الوطني لمكافحة الفساد وآخر للانتخابات، إضافة إلى التكوينات العشائرية للدولة.

ها هي السنغال تحرز هدفا جديدا في شباك الديمقراطية بينما تفتقد أغلب دول القارة السمراء امتلاك تلك الكرة.

المصدر : الجزيرة مباشر

...................................

سيد أمين يكتب: حكومة اجترار فشل جديدة في باكستان

 

بعد إعادة انتخاب البرلمان الباكستاني رئيس الحكومة المؤقتة السابق شهباز شريف رئيسًا لوزراء البلاد، بدا شكليًا أن الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد فبراير/شباط الماضي قد انتهت، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ويشي بأنها ستتطور وتتفاقم، وما حدث أنها فقط اتخذت شكلًا جديدًا يتمثل في فشل ذريع وانقسامات حادة ستلاحق جميع قرارات البرلمان وحكومته الجديدة، وستزيد من حنق المجتمع على النخب الحاكمة.

فالذين تحالفوا وتكتلوا من أجل الحيلولة دون تشكيل عمر أيوب مرشح حزب الاتحاد الذي انتسب إليه مرشحو حركة الإنصاف المستقلين للحكومة، تجمع بينهم الكثير من التناقضات التي تجعل استمرار تحالفهم مهددًا بالانهيار في أي لحظة، ومع أي احتكاك بأقرب نقاط التماس.

تناقضات بالجملة

من أولى التناقضات هي التناقض الكبير بين قطبي هذا التحالف، فحزب الشعب الباكستاني الذي حل ثالثًا في الانتخابات العامة وثانيًا في تحالف الحكم بقيادة بلاول بوتو زرداري هو في الحقيقة حزب علماني يساري، والمدهش أنه بينما يتحدث برنامجه عن تحويل باكستان إلى دولة ديمقراطية اجتماعية، وتعزيز القيم العلمانية والمساواة، وإقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومي، نجده في الوقت ذاته يصمت بل ويشارك في الغبن الذي تعرضت له حركة الإنصاف التي ينظر لها المجتمع الباكستاني بأنها منبر التغيير الثوري الحقيقي لباكستان من أجل تحويلها إلى دولة ديمقراطية.

والغريب أن قادة حزب الشعب فضلوا التحالف مع حزب الرابطة الإسلامية رغم أن سياسة حزبهم القديمة كانت ساعية للجنوح خارجيًا نحو الصين وروسيا، كبديل عن الانضواء التقليدي للحظيرة الأمريكية والغربية الذي تمثله حليفته الأخرى والسلطة العسكرية المتنفذ الحقيقي في البلاد.

كما أن تلك التوجهات هي نفسها توجهات حركة الإنصاف وكان الأولى التحالف معها، ولكن ربما كانت سياسة الإنصاف الخاصة بالانفتاح على طالبان الأفغانية بتوجهاتها الجهادية حالت دون ذلك.

كما طال الانقسام أيضًا الحركة القومية وهي الحليف الأصغر في التحاف الذي فاز بـ17 مقعدًا في البرلمان، فهي أيضًا حركة علمانية تشمل اللاجئين من الهند في باكستان، ولكنها مع ذلك انقسمت إلى كتلتين.

أحزاب أسرية

ولعل من المدهش أن تجد في العالم دولة كباكستان تعد من ثاني أكبر بلدان العالم الإسلامي، لكن تؤسس فيها أحزاب بناء على حب شخص ما أو كراهيته، بل وتجد أيضًا تناقضات حادة بين توجهات الكتل في الحزب الواحد كما في حزب أو أحزاب الرابطة الإسلامية.

فبخصوص حزب الرابطة الإسلامية الذي يفترض فيه أنه حزب إسلامي ينتمي إلى يمين الوسط، فهو في الواقع ليس متناقضًا فقط مع شركائه في التحالف، ولكن تناقضاته تمتد حتى مع ذاته، فقد شهد الحزب العديد من الانشقاقات، فإذا كان الحزب الأصلي بقيادة نواز شريف، فهناك حزب آخر بقيادة شقيقه شهباز يشار إليه بحرف “ن”، وحزب ثالث مناهض للديكتاتور السابق برويز مشرف أطلق عليه “ض”، في مواجهة حزبين مواليين له هما حزبا “ق” و”ف”.

فضلًا عن أن تشكيلة الأطياف غير المتجانسة التي عاد بها شهباز شريف لشغل منصبه القديم هي في الواقع تجميعة مثيرة للسخط لدى طبقات الشباب، لكونها تحالف بين الأسر التقليدية التي تناوبت حكم البلاد طيلة العقود الماضية، وبالتالي فالمتوقع أيضًا اجترار الفشل القديم ذاته.

حيث تمثل أسرة شريف التي ينتمي لها شهباز “73 عامًا” وشقيقه نواز “76 عامًا” واحدة من الأسر التي حكمت البلاد لفترات طويلة وأسهمت بفشل واضح أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما ينطبق على تلك الأسرة ينطبق أيضًا على الشريك الثاني في هذا التحالف وهو عائلة بوتو التي أيضًا حكمت لفترات طويلة وفشلت في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، رغم تاريخها المهم في تمكين البلاد من الحصول على القنبلة النووية، وما دفعته من بعد ذلك من ثمن باهظ في اغتيال قادتها أو سجنهم.

ردود الأفعال

تلقى المجتمع الباكستاني، الأحد الماضي، صدمة قوية من تفويض البرلمان لشهباز شريف بتشكيل الحكومة، وخرجت التظاهرات على الفور لتعم الكثير من مدن البلاد احتجاجًا على الاحتيال الكبير الذي حدث لسرقة نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الشعب، وحرمان الحزب الفائز بالرقم الأعلى من المقاعد بتشكيل الحكومة منفردًا.

ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات في البلاد لأشهر مقبلة قد تشمل الإجراءات ترويع نواب حركة الإنصاف في التحالف السني، وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية على البلاد، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف ليس لاستمرار الحكومة ولا تعزيز الاقتصاد، ولكن إلى إسقاط الحكومة بعد الفشل الاقتصادي والأمني المتوقع.

التجارب في العالم أثبتت أن الديمقراطية هي الحل، فلمصلحة من الاحتيال عليها؟

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3P4WwMb

...................................

الثلاثاء، 13 فبراير 2024

سيد أمين يكتب: انتخابات باكستان.. إما اضطرابات أو استقرار

أرسل الشعب الباكستاني من خلال تصويته لمرشحي حركة الإنصاف في الانتخاب الاتحادية العامة برسالة قوية إلى السلطات العسكرية المتحكمة خلف “الكواليس” بأنه لا سلطة فوق سلطة الشعب الذي حطم العراقيل، واختار من يمثله نيابيًا دون وصاية من يمكن أن نسميهم “المستبدين الشرعيين”.

صحيح أن هؤلاء النواب الذين أعلن عن نجاحهم وعددهم 98 مرشحًا أجبرتهم حالة القمع الاستثنائية التي شهدتها هذه الانتخابات ضد الحركة التي ينتمون إليها بعد سجن مؤسسها وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان إلى الترشح بصفتهم مستقلين، إلا أن ذلك لم يمنع من نجاح حيلتهم واستطاعوا أن يحطموا من خلالها القيود، وأعادها إلى صدارة المشهد رسميًا رغم تغييبها عنوة عن المشاركة في الانتخابات.

وحصل نواب الإنصاف على أغلبية بسيطة في البرلمان المكون من 336 مقعدًا بينهم 70 مقعدًا مخصصًا للنساء والأقليات، ويتم اختيارهم بنظام التمثيل النسبي غير المباشر على خلاف الـ266 مقعدًا المتبقية التي تعتمد نظام التصويت المباشر، ورغم ذلك يعتقد قطاع كبير من الشارع الباكستاني أن مرشحي الإنصاف حصلوا على عدد أكبر من المقاعد المعلنة في الأقاليم الأربعة، لكن التزوير حال دون نجاح كثير منهم، وهو ما أكده رئيس الحركة جوهر خان بقوله إن حركته فازت بـ170 من إجمالي مقاعد الجمعية الوطنية، ولكن جرى التلاعب بالنتائج النهائية.

تشكيل الحكومة

الصادم لكارهي حركة الإنصاف أن القانون يمنح زعيم الحزب الفائز بالعدد الأكبر من المقاعد حق تشكيل الحكومة الفيدرالية، وهو ما يجعل زعيمها مؤهلًا لتشكيل الحكومة، ومع ذلك يشترط عليه أيضًا الحصول على دعم 169 عضوًا من أعضاء البرلمان سواء من حزبه أو عبر التحالف مع أحزاب أخرى.

ولهذا فإن حصول حزب “الرابطة الإسلامية” المنافس الرئيس المقرب للجيش بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف على 71 مقعدًا فقط سيمنعه أيضًا من تشكيل الحكومة منفردًا أو حتى بالتحالف مع “حزب الشعب” المنافس الثالث المقرب لعائلة “بوتو” الذي حصل على نحو 53 مقعدًا، أو الحركة القومية المتحدة التي حصلت على 17 مقعدًا.

ومع هذه النتائج تلوح في الأفق أزمة صدام حزبي وسياسي واسع النطاق قد تطول معه فترة الفراغ الحكومي أو تتمدد معه مهمة الحكومة المؤقتة، وهي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها إلا عبر المرور من بوابة نيل رضا مرشحي حركة الإنصاف التي يرفضها الجيش، ويرزح عدد كبير من قادتها بما فيهم المؤسس عمران خان داخل السجون بتهم يجمع المراقبون المحليون والدوليون على أنها ملفقة.

وضع العراقيل

وطالما حضرت النوايا السيئة قبل مشهد الانتخابات من خلال حظر الإنصاف وتلفيق مئات التهم لزعيمها واعتقال ناشطيها، فبالتأكيد لن تتوقف المطاردات والتدابير الخبيثة لعبور العثرات التي برزت في الطريق دون أخذ التدابير اللازمة لاجتيازها.

ولهذا فمن المرجح أيضًا أن تعدّ المفوضية العليا للانتخابات ومن خلفها المؤسسة العسكرية أن مرشحي حركة الإنصاف لا يمكنهم تشكيل الحكومة، لكونهم ترشحوا مستقلين وليس تحت راية الحركة، فضلًا عن أن الحركة أصلًا حظرت إداريًا، وبالتالي لا يجوز تمثيلها في البرلمان.

وجراء ذلك من المتوقع أن تعلن المفوضية فوز حزب الرابطة الإسلامية وتمنح زعيمها نواز شريف الحق في تشكيل الحكومة، ويؤيد هذا التوجه أن شريف سارع بإعلان فوزه عشية الانتهاء من فرز الأصوات، وليعلن في الوقت ذاته حاجته للتحالف مع أحزاب أخرى، وهو الأمر الذي يؤكد علمه بعدد الأصوات التي حصل عليها حزبه وحزب الشعب، وما حصل عليه مستقلو حركة الإنصاف رغم كثرتهم.

صحيح أن هذا الحيلة قد لا تمنع أعضاء حركة الإنصاف من إحداث التأثير الكبير في البرلمان الاتحادي “الجمعية الوطنية”، ولكنها مع ذلك ضمنت ألا يمنح عضو منها مهمة تشكيل تلك الحكومة.

وفي الوقت ذاته هناك مخاوف من أن يقوم الجيش بممارسة الضغوط على عدد من نواب الإنصاف الفائزين من أجل التصويت لخصمهم نواز شريف في حال قيام هيئة الانتخابات بتكليفه بتشكيل الحكومة، خاصة مع الضعف النسبي لـ”كاريزما” رئيس حركة الإنصاف الحالي مقارنة بالمكانة العالمية التي كان يمثلها عمران خان القابع في السجن، فيضطر بعضهم للاستجابة لتلك الضغوط طالما أن رئيس حركتهم منع من تشكيل الحكومة.

ولعل الجيش بذلك يكرر ما حدث عندما صوّت البرلمان الذي استحوذت حركة الإنصاف فيه على الأغلبية، وتم سحب الثقة من حكومة عمران خان عام 2022، حيث شكا كثير من نوابها من تلقيهم تهديدات بالقتل في حال ذهابهم للبرلمان يوم التصويت.

درس بليغ

أيما كانت طبيعة الأحداث التي ستمر بها باكستان في الأيام القليلة المقبلة، فإن ميقاتها لدى المتنفذين في الجيش، فإما أن يجعلوا باكستان على خط الديمقراطية، وإما أن يضعوها على خط الفوضى والقلاقل والانقسامات، وليعلموا أنه إذا سقط الوطن لن تصبح هناك مكاسب شخصية ولا امتيازات.

يجب عليهم سحب أياديهم من العملية السياسية بعدما ضاق الباكستانيون ذرعًا بتدخلاتهم الواسعة والمستمرة منذ تأسيس الدولة منتصف القرن الماضي، تداعى خلالها الاقتصاد بشكل كبير وصارت البلاد في حالة اضطراب مستمر من الجهات كافة، وفشل الجيش في مهمته الأصلية بينما تعربد قوات الاحتلال الهندي في جامو وكشمير. ليتهم يستوعبون الدرس قبل فوات الأوان.

اقرأ المقال على موقع الجزيرة مباشر

...................................

الثلاثاء، 6 فبراير 2024

سيد أمين يكتب : في باكستان.. انتخابات تفتقد الزخم الشعبي

 

4/2/2024

ستجري في الثامن من فبراير/شباط الجاري الانتخابات العامة في باكستان وسط حالة غير مسبوقة من الشعور بالغبن والظلم تعم الشارع، بعد تغييب مشاركة رئيس الوزراء السابق عمران خان عن الترشح بها، بزعم صدور أحكام قضائية ضده يدرك أغلب الباكستانيين أنها مسيسة.

ومن ضمن 200 دعوى قضائية ضد عمران خان، صدرت ثلاثة أحكام ابتدائية ضده، أحدها في أغسطس/آب الماضي بسجنه ثلاث سنوات بتهمة بيع هدايا عبارة عن ساعات ثمينة بقيمة 650 ألف دولار قُدمت له أثناء توليه منصبه من 2018 إلى 2022، وحكم نهاية الشهر الماضي بسجنه 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، و14 عاما على زوجته بشرى خان بتهمة بيع هدايا الدولة بشكل غير قانوني، وحُكم في مطلع هذا الأسبوع بسجنه وزوجته سبع سنوات بتهمة الزواج غير القانوني!!

عمران خان الذي أطيح به في ما يشبه المسرحية عبر تصويت برلماني مفاجئ بسحب الثقة من حكومته في مايو/أيار 2022، استغلالا لغياب عدد كبير من مجموعته البرلمانية عن الحضور، وبعد أسبوع واحد من تصويت البرلمان نفسه لتمديد الثقة بها، يُنظر إليه ولحركة الإنصاف التي أسسها من قبل قطاع واسع من المجتمع ولا سيما الشباب بأنه رئيس وزراء خارق للعادة يرغب في نقل باكستان نقلة ثورية من التبعية لأمريكا ومعسكرها الغربي، لتقترب أكثر إلى روسيا والصين وتركيا وإيران والجنوب العربي، ورغبته في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد، والحد من سيطرة الجيش على أدوات الحكم، والانفتاح بشكل أكبر على طالبان الأفغانية.

ولذلك فهناك إدراك عام داخل باكستان وخارجها أن كل ما يجري لعمران خان وحركته مجرد مؤامرة رسمتها أمريكا، ونفذها الجيش من أجل الحفاظ على الوضع التقليدي لهذه الدولة النووية التي يراد لها أن تمكث في الحظيرة الأمريكية، وأن تظل في حالة اقتصادية سيئة تجعلها في حاجة ملحة دائمة للدعم الغربي، وفي فساد داخلي يبقيها تدار من أحزاب الأقلية، ويمنع الكتلة الشعبية الكبيرة مثل “حركة الإنصاف” من الوصول إلى الحكم مجددا.

ولقد اعترف خان نفسه أثناء فترة حكمه بتلقيه تهديدات أمريكية بالإطاحة به من الحكم جرّاء تلك السياسات.

قمع حركة الإنصاف

والدليل على أن الاستهداف يطول حركة الإنصاف بما تملكه من شعبية جارفة، أن الحكم الذي منع زعيمها من المشاركة في الانتخابات، وتأكد هذا المنع بعد قيامه بتقديم أوراق ترشحه في دائرتين في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وتم رفضها بزعم عدم وجود اسمه على قوائم الناخبين المسجلين وصدور أحكام بإدانته، رغم كل ذلك فإن حالة القمع طالت معه حركته أيضا، فتحدث العديد من مرشحيها عن تلقيهم تهديدات بالقتل منعت العديد منهم عن الترشح، في حين رفضت لجنة الانتخابات تسلُّم أوراق العشرات منهم بحجج متنوعة.

وبعد عدم تمكن السلطة من حظر الحركة قانونا بسبب مشروعية فعاليتها المليونية العام الماضي التي نظروا إليها بوصفها استعراضا للعضلات، طال القمع فرض السلطات حظرا غير معلن على كل تجمعاتها وندواتها، مع رقابة مشددة على قيادتها وزعاماتها المحلية، واعتقالات كثيفة لعشرات الآلاف من ناشطيها وشبابها بحجج متنوعة، مع منع ملصقاتها وشعاراتها.

يأتي هذا الحصار الواسع النطاق ضد “الإنصاف” بعد إجراءات سابقة سعت لتفجيرها من الداخل عبر الإيعاز لأعضاء كبار فيها منتصف العام الماضي ليؤسسوا حزب “الديمقراطيون” كي يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم السياسية، وتردد حينئذ أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز علنا إلى رئيس البرلمان السابق القيادي في الحركة الذي اعتُقل مع عشرات القياديين الآخرين بالاستقالة منها مقابل الإفراج عنه حينما قال له علنا “اعقد مؤتمرا صحفيا، وأنهِ الأمر”.

ولقد شملت الحملة ضد الحركة رمزها الانتخابي الذي احتفظت به منذ تأسيسها وهو “مضرب الكريكت” الذي يشير إلى اللعبة التي هي مصدر نجومية مؤسسها عمران خان بصفته واحدا من أبرز لاعبيها في العالم، حيث نُزع الرمز منها ومُنحت “الزجاجة” بدلا منه، وخطورة الأمر أن هناك قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تعاني الأمية بسبب الحكم العسكري، وقد لا يدركون هذا التغيير فلا يصوتون للزجاجة بما فيها من إيحاء بالخمر، خاصة مع حرمان الحركة من كل وسائل الإعلام والدعاية.

سيف القضاء

هذه ليست المرة الأولى التي يُسلَّط فيها القضاء على رقاب السياسيين في باكستان ولا سيما رؤساء الوزراء الخارجين عن السيطرة، إذ لم يسلم منه شخص بقدر وقيمة عبد القدير خان -أبو القنبلة النووية الباكستانية- الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية لمدة 5 سنوات، وكذلك رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار صناعة القنبلة النووية الذي تعرّض لانقلاب عسكري وسُجن بل وأُعدم، وابنته بينظير بوتو أيضا، وكذلك نواز شريف الذي حُبس 10 أشهر قبل الإفراج عنه لأسباب طبية، وذهب إلى لندن لتلقي العلاج ثم عاد ليس لينافس عمران خان على المنصب مجددا، بل ليجده خارج المشهد تماما.

الكثيرون يرددون في باكستان أن شريف حصل على الإجازة الغربية لتوليه المنصب مجددا أثناء فترة مكوثه في لندن، وبالتالي تمكن من عقد صفقة مع قيادات الجيش على العودة إلى الحكم مقابل الرضوخ التام لما يُملى عليه، وقاموا بتهيئة المسرح له تماما عبر تغييب أبرز وأخطر منافسيه عمران خان.

ودللوا على أن علامات الرضا عن شريف تظهر جليا في السماح له ولحزبه بممارسة الدعايات بكل أريحية، بل وتركه للترشح أساسا رغم صدور حكم محكمة سابق ضده، في حين مُنع عمران خان من الترشح قضائيا، وخُنقت حركة الإنصاف بجميع السبل.

باكستان في انتظار المزيد من الاضطرابات، والانتخابات بدلا من أن تطفئ النار ستصب الزيت عليها.

المصدر : الجزيرة مباشر

...................................

الخميس، 1 فبراير 2024

سيد أمين يكتب: الضربات الإيرانية الباكستانية.. مصلحة مشتركة

 حالة من الغموض والدهشة أصابت المراقبين جراء الهجمات التي استهدف بها الحرس الثوري الإيراني ما قال إنها مقرات لمنظمات إرهابية في أربيل العراقية ولنقاط خارج سيطرة الحكومة في سوريا وإقليم بلوشستان الباكستاني.

الدهشة تتركز تحديدًا في تلك الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت مقرات لمنظمات انفصالية في باكستان، وهي الدولة النووية التي لا تقع داخل دائرة تأثيرها الثقافي والسياسي والعسكري كما هو الحال في سوريا والعراق، وتمتد الدهشة أيضًا إلى التوقيت الذي اختارته لتنفيذها خاصة مع تعمق العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، وما ترتب عليه من تصاعد الصدام بين حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثية والمقاومة الإسلامية في العراق وبين هذا الكيان، وهو ما يحتم على إيران معه عدم فتح جبهات نزاع فرعية جديدة تشغلها عن تلك المعركة المصيرية، بما يحمله ذلك من تحجيم للتعاطف الكبير التي نالته مواقفها، ويشتت وحدة الإجماع الإسلامي حول محور المقاومة.

لكن مع تقريب العدسات سنرى أن الهجمات لا تشذ بعيدًا عن هوى الحكومة الباكستانية أيضًا، خاصة أن “جيش العدل” الذي استهدفته إيران هو في الأساس ضمن ميليشيات عدة طائفية وانفصالية تدعو إلى انفصال قبائل البلوش التي تمتد عبر شطري إقليم بلوشستان في الدولتين، وكثيرًا ما حاربها الجيشان الباكستاني والإيراني كل في أراضيه، وأحيانًا بتنسيق مشترك بينهما، ولطالما نفّذت هذه الميليشيات التي تضم أيضًا “جيش تحرير بلوشستان” وحركة “أنصار الفرقان” “وجند الله” عمليات في البلدين على حد سواء، وضد التجمعات الشيعية والصوفية.

ولعل الإدانة الباهتة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الباكستانية كانت في الأصل تتضمن القبول بها حينما ركزت على إبراز ضعف تأثيرها، وقالت إنها تسببت في مقتل طفلين وإصابة ثلاث فتيات، وذرت الرماد في العيون الأمريكية الراصدة حينما قالت “إنها تدين بشدة هذا الهجوم وإن انتهاك سيادة باكستان أمر غير مقبول على الإطلاق، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة”، ولعل الرد الباكستاني الذي استهدف مجموعات انفصالية في محافظتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين هو الآخر لا يوجع إيران كذلك، بل إنه يصب في المصلحة المشتركة ذاتها.

مصلحة أمريكية

وتتسبب الجماعات الانفصالية والطائفية الناشطة في محافظتي بلوشستان وسيستان الإيرانيتين في نزيف متكرر للدماء بين الحين والآخر في مناسبات دينية وسياسية متنوعة من خلال اتباعها أسلوب الاغتيالات والتفجيرات المباغتة.

وتتهم طهران كلًا من أمريكا وإسرائيل بدعم هذه الجماعات بغية زعزعة تماسكها الداخلي وكسر نفوذها الخارجي، ولذلك ربطت بين التفجيرين المتعاقبين اللذين استهدفا زوارًا لمرقد قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني الأسبوع قبل الماضي وبين تلك الجماعات، وبالتالي نسبت الأمر برمته لإسرائيل خاصة مع التصعيد بين البلدين بسبب العدوان على غزة ومضاعفاته.

ويعزز ذلك الاحتمال أن الهجمات الإيرانية على بلوشستان الباكستانية ترافقت مع هجمات أخرى على ما قالت إنه معقل للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل الكردية في العراق.

وهناك سجل طويل لعمليات تلك الجماعات الانفصالية في البلدين يلاحظ فيه بجلاء نشاطها في الأوقات التي تشهد توترات إقليمية، أو وجود حاجة غربية لممارسة الضغط السياسي على طهران، أو حتى إسلام أباد.

طريق الحرير

أما إذا تعلق الحديث بالاقتصاد فإن ما يجمع باكستان وإيران أكبر بكثير مما يفرق بينهما، ولعل المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق” الذي يمر عبر إقليم بلوشستان الذي يمتد بين الدولتين لهو أكبر دليل على صحة هذه الرؤية، فقد ألقى بطوق النجاة لإيران للخروج من الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها أمريكا والدول الغربية، وحسّن من علاقتها مع الصين لدرجة جعلت منها المستورد الكبير لنفطها بما قيمته 400 ألف برميل يوميًا.

ومنذ أن أقرت الصين خطة هذا المشروع الذي يهدف إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات، ومد آلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة وأنابيب الغاز والطاقة رحبت به إيران بشدة، وحلمت باستعادة مجد طريق الحرير الذي تمر أجزاء منه عبر أراضيها خاصة في بلوشستان -محط العمليات الإرهابية- ليصل بحر الصين بأوروبا وإفريقيا، ومع ذلك ما زالت كثير من البلدان تراودها المخاوف من الانضمام الإيراني لهذا المشروع، وما قد يستتبعه من تعقب أمريكي.

فيما تتجاوز المكاسب الباكستانية المباشرة من المشروع الصيني 64 مليار دولار، فضلًا عن أنه يمكنها من الاستفادة القصوى من الثروات المعدنية التي يتمتع بها إقليم بلوشستان، ونظرًا لأهمية المشروع لاستقلالها نجد هناك تصريحًا لمساعد رئيس الوزراء الأسبق عمران خان يؤكد فيه أن الولايات المتحدة وبدعم هندي تسعى لإفشاله.

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمشروع أعدته الصين، فماذا لو اجتمعت معها باكستان النووية، واجتمعت معهما ثالثة الأثافي إيران المارقة عن الحظيرة الأمريكية، وكان مركز كل هذا التجمع “بلوشستان”؟

التعاون الاقتصادي

بقدر حاجة إيران إلى فتح أسواق تتحدى الحظر الغربي المفروض على منتجاتها عامة والنفطية خاصة التي تمتلك وحدها نحو 10% من احتياطاتها المؤكدة في العالم، فإن باكستان هي الأخرى بحاجة ماسة للنفط الإيراني، وقد حدث عام 2010 أن وقّع البلدان “مشروع السلام” لتوصيل الغاز الإيراني إلى باكستان، لكن إسلام أباد تراجعت بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، فضلًا عن اضطرابات إقليم بلوشستان في البلدين.

وسعت باكستان أثناء فترة حكم رئيس الوزراء عمران خان إلى العودة لتنفيذ هذا الاتفاق، ووقّعت صفقات عدة لتزويدها بالطاقة بنظام الصفقات الآجلة، وهي الطريقة التي تناسب حالة البلاد الاقتصادية المتردية، وظل الأمر قائمًا إلى الآن وسط مخاوف من أن تنجح الضغوط الأمريكية المتوقعة للعصف بهذا التكامل البناء.

وبعد ذلك التكامل كله بات واضحًا أن أي تصعيد بين البلدين مستقبلًا سيكون قطعًا استجابة لضغوط أمريكية وإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3HCKVQi

...................................

سيد أمين يكتب: الحرب على الدحدوح

  7/1/2024

كأن إسرائيل أرادت أن تجعل من مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح نموذجًا مصغرًا لإجرامها وعدم اكتراثها لا بقوانين المجتمع الدولي ولا حتى بقوانين البشر، وكأنها حينما أعلنت حربها الوحشية على غزة كانت تقصده هو وأسرته، وكل مكان دبت فيه قدمه وله فيه ذكريات، وكذلك القناة الفضائية التي يعمل فيها.

فبعدما استهدفت صواريخها زوجته وابنه وابنته وحفيده وعددًا من أقاربه وجيرانه وأصدقائه منذ أشهر قليلة، عادت لتقتل من تبقى من أسرته حيًا فاستهدفت ابنه الصحفي حمزة ليرتقي شهيدًا هو الآخر.

أما وائل الدحدوح فغالب جراح روحه التي عاناها في “الفَقد” الأول على حملها الثقيل وظل رافعًا رأسه، وكأنه يغالب “فقدًا” آخر أكبر فداحة عانته أمته العربية والإسلامية من نقص في العزة والكرامة والنخوة، ليحسده بذلك الحاسدون على تلك البسالة التي لا يمكن أن تتوافر في بشر إلا في الأساطير.

جريمة قتل الصحفيين حمزة الدحدوح ورفيقه مصطفى ثريا ليست من جرائم القتل العشوائية التي دأبت إسرائيل على ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني طوال تاريخها فحسب، ولكنها على الأرجح هي حادثة متعمدة في محاولة لعقاب الأصوات الصادحة بالحقيقة التي تأتي في القلب منها قناة الجزيرة، ليرتفع عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل نحو 109 صحفيين في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

والمتابع لـ”قناة الجزيرة” في هذا العدوان وما سبقه من حروب سيكتشف منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحًا لجرائم الكيان الصهيوني، وأنها استطاعت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” كشف الحقيقة لمئات الملايين حول العالم، وبالتالي فإنها لهذا السبب صارت هي القناة التي يحرص الاحتلال دومًا على تحييدها، ومثلت حجر عثرة يمنع تحقيق طموحاته الدموية في الظلام.

تجربة شيرين أبو عاقلة

ولا شك أن الجريمة البشعة هي استمرار لسياسة تكميم الأفواه التي اتبعتها إسرائيل منذ عام 2000 وما قبلها، وكانت أبرز ملامحها اغتيالها عن عمد الراحلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة منتصف العام قبل الماضي، وهي الجريمة التي قلنا وقتها إنها متعمدة وتعطي إشارة لسوء نية بيتتها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في هذه المنطقة، وكانت بحاجة لإخراس الأصوات وتغمية العيون الناقلة لحقيقة ما سترتكبه فيها من مجازر مستقبلًا.

وأثبتت الأحداث أنه عقب الجريمة مباشرة تصاعدت حدة الاقتحامات وأعمال الهدم والقتل طيلة العام عن سابقه بشكل ملحوظ، حيث كان عدد شهداء الضفة قرابة 100 شهيد عام 2021، ثم قفز هذا الرقم عام 2022 ليصل إلى 171 شهيدًا، وانتهى عام 2023 وما زال عدد الصحفيين الشهداء غير معروف، ولكن جهات رصد متنوعة تتوقع أن يقترب من رقم 200 في غزة والضفة.

فيما ابتدعت إسرائيل أسلوبًا آخر لتكميم الأفواه وترهيب ناقلي الحقيقة، وهو استهدافها أسر الصحفيين بالقتل والاعتقال، قاصدة بذلك تجنب الانتقادات الدولية التي تطلقها الجهات المختصة بالصحفيين على ما فيها من هشاشة وضعف.

فوق القانون

ومن المؤلم حقًا أن جرائم إسرائيل لا تحاسب عليها أبدًا، وكما مرت جريمة شيرين أبو عاقلة دون عقاب ستمر جريمة اغتيال أسرة الدحدوح ومعهم آلاف الشهداء من الأبرياء في غزة أيضًا، بعدما صار إفلات إسرائيل من العقاب أمرًا بديهيًا يعرفه الجميع، عرب وعجم.

ومع هذا الجنون الغربي الذي يصعد بالإسرائيلي لمرتبة ما فوق البشر، ويصدر له قوانين تجرم إنكار “الهولوكوست” الذي يقول إن اليهود تعرضوا له على يد هتلر، ويجرم معاداة “السامية” ويخص بها الصهاينة فقط مع أن العرب أيضًا من هذا الجنس نفسه بوصفهم أحفاد لسام بن نوح، إزاء كل ذلك فلن يكون غريبًا إذا قامت الدول الغربية بإصدار القوانين التي تسمو بالمواطن الإسرائيلي عن نظيره العربي في القيمة.

تضامن صحفي

يستطيع الصحفيون العرب إبداء فزعهم لما جرى لأسرة زميلهم وائل الدحدوح عبر تنظيم عديد المظاهرات والندوات بخصوص الجريمة، ومخاطبة الجهات الدولية والعاملة في الحقل الصحفي للعمل على معاقبة إسرائيل على جرائمها.

كما يستطيعون التناول المباشر في أعمالهم للصعوبات التي يواجهها الإعلاميون في غزة والضفة، والاستهدافات التي تلحق بهم وبأسرهم جراء مزاولة عملهم، وتشجيع العاملين في المواقع والصحف الغربية على الاحتجاج والإضراب عن العمل بها ما لم تتعامل إداراتها التحريرية مع تقاريرهم التي يقدمونها بشيء من الاحترام والموضوعية، وأن تتوخى مواقعهم نشر الحقيقة وليس ما تريد الإدارة أن تنشره في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي.

………..

أعانك الله أخي وائل الدحدوح، فحملك وحمل أمتنا ثقيل.

...............................

مقالات عام 2025

...............................

“البعث” بين العراق وسوريا.. المنهجي والمحتال - بقلم سيد أمين

 

بعدما ألهب حزب البعث العربي الاشتراكي بالعراق في العقد الأخير من القرن الماضي حماسة الجماهير العربية بتحديه غير المسبوق عربيا للتجبر الأمريكي، وصموده وصمود جيشه، وتضحياته وتضحيات قياداته متمثلة في شخص الرئيس صدام حسين، جاء حزب البعث في نسخته السورية ليلقي بكل هذا المجد في مزبلة التاريخ.

وقائع الأحداث أثبتت وجود فارق كبير بين النسختين، وهو الفارق الذي جعل النسخة العراقية تعتبر النسخة السورية خائنة لمبادئ وأفكار الحزب الرئيسية بشكل كامل، بعدما تميزت بلونها المذهبي المنحاز لتعلية وترقية أبناء طائفة دون غيرها ينتمي لها من يحكمون -وهم الذين لا تزيد نسبتهم على 17% من عدد السكان، وفي إحصاءات قديمة تبلغ نحو 10% فقط- في كافة مناصب الدولة الحساسة، في حين أن التمييز على أي أساس مذهبي أو ديني أو عشائري مجرم في فكر حزب البعث.

وتعد مسألة الوحدة العربية هي الهدف الأسمى في فكر البعث، وهو ما يوجب تشجيع التواصل بين الشعب العربي في الأقطار العربية المختلفة، إلا أن البعث السوري رفض الدعوات المتكررة التي أطلقها نظيره في العراق للوحدة بين البلدين، بل إنه جرم تواصل السوريين مع نظرائهم العراقيين، واعتبر ذلك خيانة عظمى تستحق الموت.

كما أن عدالة توزيع الثروة وهي من المبادئ الجوهرية التي لفتت انتباه المواطن العربي بشدة، طبقتها النسخة العراقية بشكل مدهش حينما عاش العراقيون رفاهية اقتصادية كبيرة رغم ظروف الحرب والحصار التي مرت بها البلاد، وكان قيام الحزب بفتح العراق على مصراعيه للعمال العرب مقدما لهم حوافز مالية مغرية تطبيقا عمليا لنظرية مال العرب للعرب، إلا أن النسخة السوري المشوهة اهتمت فقط بثراء الطائفة وأهل الحظوة بينما يموت ملايين السوريين جوعا وبردا.


مواجهة التحديات

وحينما فرضت التحديات على النسخة العراقية أيًّا ما كان صوابها أو خطؤها خاضتها وتحملت نتائجها، حتى لو كانت المواجهة المباشرة مع قطب العالم الأوحد أمريكا ومواليها، أما النسخة السورية فلم يمر يوم واحد عليها بعد الثورة السورية 2011 أو قبلها إلا وتلقت الضربات من إسرائيل، ولم يكن ردها إلا إنشائيا لتبرير الهروب من المسؤولية.

ولما حدثت الثورة وسواء أكانت مؤامرة كما رآها البعض، أو ثورة تلقائية حقيقية، كان هناك طريقان للحل، الحل الدبلوماسي وهو ما يقدمه الحاكم الوطني الذي يضحي بكرسيه أو حياته من أجل إنقاذ بلاده، والحل العسكري الذي يضحي فيه الحاكم بكل شيء من أجل أن يحتفظ بكرسيه ويحفظ امتيازات عشيرته، فاختار الأسد الحل الثاني فخرب سوريا وشرد شعبها، وبقي هو على تلها.

ومع أن المؤشرات والتسريبات تتحدث عن خيانة بشار لروسيا وإيران وحزب الله، وهم أصحاب الفضل في بقاء نظامه المنهار، وذلك بصمته وامتناعه عن الرد على كلمة الرئيس الأوكراني في القمة العربية 2023 في الرياض التي هاجم فيها روسيا، وعدم اتخاذه أي ردّ يذكر عقب اغتيال حسن نصر الله وقاسم سليماني وغيرهما من رجال إيران في سوريا، فإن أباه كان السابق في هذا المجال إذ خذل البعث العراقي والقوميين اللبنانيين.


مساندة العدوان

النسخة السورية بزعامة الأسد الأب أبدت موقفا سلبيا للغاية من العدوان الأمريكي على العراق، بل كاد موقفها يكون منحازا لأمريكا، تماما مثلما فعلت حينما وقفت مع إيران في حرب السنوات الثماني، كل ذلك رغم ما قدمه العراق لسوريا وصده الهجمة المضادة التي شنتها إسرائيل عليها أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وذلك حينما قاد صدام حسين شخصيا لواءين عراقيين نجحا في إنقاذ دمشق ودحرا الجيش الصهيوني الذي كان يقف على بعد بضعة كيلومترات منها، في حين كان الأسد قد فرّ هو وجيشه إلى اللاذقية حيث تتمركز طائفته تاركا العاصمة لقدرها. ومع أن اللواءين العراقيين أبيدا عن بكرة أبيهما، فإن صدام حسين عاد إلى العراق ليقوم بتعبئة ثلاثة ألوية أخرى وكان هدفها تطوير الهجوم ليشمل تحرير الجولان المحتل، إلا أن الصدمة كانت في قيام الأسد بمنعها من عبور أراضيه وراح يتهمها بأنها تريد احتلال دمشق وليس تحرير الجولان، بل وسحب قواته من الجبهة السورية مع الجولان المحتل إثر مفاوضات غامضة مع أمريكا ونقلها إلى حدوده مع العراق، مع دفع الجيش العراقي إلى التراجع!

ولا ننسى طبعا أن النسخة السورية من البعث وقفت عسكريا مع أمريكا أيضا في حرب الخليج الثانية عام 1991، مع أنه بعيدا عن صوابية ذلك أو عدمه كان يجب عليها اتخاذ مواقف مغايرة تماما.


غزو لبنان

تعمقت الأزمة الفكرية عند البعث السوري إلى حد جعله يتخطى منطلقات يعتبرها من مبادئه الأساسية، وهي أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المحورية، وذلك حينما رأينا الجيش السوري يغزو لبنان عام 1976 بدلا من تحرير الجولان، ويقود بمشاركة جيش الكتائب الماروني المسيحي المدعوم إسرائيليا الحرب على منظمة التحرير الفلسطينية والحركة التقدمية اللبنانية التي يتزعمها وليد جنبلاط، اللذين كانا قد نجحا في تحرير غالبية لبنان من القوى المتحالفة مع تل أبيب، فقتل منهم بضعة آلاف ومكن المليشات المارونية من إعادة تموضعها وتسلحها.

هناك خطايا واسعة لنظام بشار الأسد لعل منها استخدامه القوة المهلكة ضد الاحتجاجات التي نظمتها الطائفة السنية والتيارات الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين في مدينة حماة 1982 التي قتل خلالها آلاف الأشخاص في نحو 27 يوما فقط.

لذلك فقد أسقطت أمريكا حزب البعث في نسخته العراقية، وأسقط السوريون حزب البعث في نسخته السورية، وفي ذلك دلالات بيّنة.


المصدر : الجزبرة مباشر

bit.ly/4fGM2wM

- يناير 03, 2025

.................................


ينابيع الحكمة تتدفق من غزة - بقلم :سيد أمين


حتى جلل الأمور لا يخلو أبدا من حكمة.

أوشكت الحرب أن تضع أوزراها بعدما فتكت الضباع الغريبة بغزة طوال 16 شهرا كاملة، خلالها شخصت العيون نحو عواصم العرب المعقود عليها الأمل في التحرك ورد الظلم بما لديها من قوة في الجيوش والعتاد والعدد، أو في المال والثروة والمدد، لكن خابت آمال الآملين حينما لم يجدوا من المأمول فيهم سوى تخاذل وجعجعة، وحديث في الكواليس

أيدته شواهد الواقع عن تواطؤ مع المعتدي، هنا أتتنا العظة من أفقر دول العرب وربما العالم، وهما دولتان تقفان على شفا الإفلاس والمجاعة، حيث هبّ فصيلان من شعبيهما لبث الحياة في هذا الأمل ورد المظالم عن المظلومين دون اكتراث بالعواقب.


حكمة عابرة للجنس والدين

بل أتتنا العظة من غير ذي صلة بالإسلام، حتى وجدنا أبسل من يدافع عن أهل غزة من اليهود أنفسهم، إذ تحدوا الحظر المفروض في البلدان التي يقيمون فيها على مظاهر الاحتجاج المؤيدة للحق الفلسطيني، وتظاهروا ضد إجرام من يحملون نفس اعتقادهم، ومنهم من سجن مثل “صوفيا أور”، ومنهم من منع دخول الكيان  مثل أربيل غولد، كما وجدنا المسيحي يعتصم في الميادين والجامعات، ويخسر عمله، والطيار الذي يشعل النار في نفسه ليلفت انتباه ساسته لفجاجة جريمة صمتهم وتواطئهم اتجاه هذه الإبادة والوحشية، كما فعل أرنيل بوشنيل.


حكمة عابرة للقارات

وعبرت الحكمة كذلك القارات والمحيطات الشاسعة لتؤنس قلوب خائفة تخلى عنها الجار وذو القربى، وذلك في صورة المواقف الشجاعة لحكومات عدة في أمريكا الجنوبية قطعت علاقاتها مع الكيان.

كل ما حدث كان فيه حكمة حتى إن ملياري مسلم موزعين على 56 بلدا في العالم لم يجرؤ أي بلد منهم على اللجوء إلى المحاكم والهيئات الدولية لمقاضاة الجاني وتعريته أمام التاريخ، في حين جاءت الشجاعة من بلد لا تجمع الضحية به سوى روابط وفيض من مشاعر الإنسانية الصادقة كتلك التي تتملكها حكومة جنوب إفريقيا.


 حكمة الحصار الإعلامي

ومن الحكمة أيضا أن الغرب فرض حصارا على نشر المعلومات التي تفضح جرائم الاحتلال، وذلك لإمساكه بتلابيب تدفق الأخبار حول العالم وتحديد اتجاهها الأحادي الإجباري من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، وأدواته في ذلك عدة شبكات إخبارية تمثل منفذ المعلومات الأوسع انتشارا، فضلا عن بضعة مواقع تواصل اجتماعي يمكن وصفها بالكونية، لكن كل معاييره انقلبت وتدفقت المعلومات لأول مرة في التاريخ من الجنوب إلى الشمال وعرف العالم الحقائق من خلال فضائيات جادة ذات تقارير موثقة كان أهمها شبكة الجزيرة الإخبارية؛ مما جعل الاحتلال يضعها نصب عينيه ويستهدف مكاتبها بالإغلاق ومراسليها بالقتل.


حكمة الفداء والتضحية

كما قدمت هذه الجولة من العدوان دليلا قاطعا على أن التيار الإسلامي سنته وشيعته هو أكثر التيارات الفكرية في وطننا العربي زهدا وفداء وتضحية، فرأينا قادته يقاتلون جنبا إلى جنب مع صغار المقاتلين رتبة، ورأينا أبناءهم يقتلون مع باقي أبناء الشعب الذي يقتل، ورأيناهم لا يأكلون الطعام لعدة أيام مثلهم مثل باقي أبناء الشعب المحاصر. الجريمة التي ارتكبها الصهاينة المجرمون بينت معدن الأبطال وقدمت شهادة بطولة وإخلاص لهم ولكل هذا الفصيل الفكري ممهورة بختم لا يمحو حبره الزمان.


حكمة التحام الشعب بمقاومته

وكذلك قدم الشعب الفلسطيني شهادة ممهورة بدمه بأنه داعم للمقاومة إلى أقصى مدى ومهما كانت التضحيات، بخلاف ما تزعمه الدعاية السوداء التي تزعم وقوعه تحت الاختطاف من قبل تنظيمات إرهابية مسلحة، بدليل أنه توافرت له كل أسباب التمرد الناجح لكنه فضل الموت على الإقدام على هذا العار.


حكمة الأفعال لا الأقوال

ومن بين هذا المروج الواسعة من الحكم تتجلى الحكمة الرئيسية في أن الحرب الأطول والأكثر شراسة مع هذا الكيان الغاشم لم تكن بينه وبين واحدة من دول الوطن العربي أو حتى العالم الإسلامي ذات الجيوش والاستعراضات والعضلات، ولكن مع فصيل أو بالأحرى عدة فصائل محاصرة ومحرومة من كافة تجهيزات الدعم والإمداد، بدءا من السلاح حتى الطعام والماء، ويجري تعقبها وعرقلتها استخباريا من الصديق قبل العدو.


إدانة نادرة

ومن الحكمة أن إسرائيل التي عربدت طوال تاريخها القصير وارتكبت جرائم الإبادة في جميع معاركها ضد الشعوب العربية، مثل قانا وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا، ودفنت الجنود المصريين أحياء، ونجت من إدانة مؤسسات العدالة الدولية لأن انهزام خصومها السريع مكنها من امتلاك مسرح الأحداث لتخفي آثار جريمتها؛ منعها صمود شعب غزة ولبنان من فعل ذلك هذه المرة.

والغريب أنه حينما تولى بطرس غالي أمانة الأمم المتحدة نجح في إحراز هدف إسرائيلي في مرمى الشباك العربية حينما ألغى قرارها السابق باعتبار إسرائيل دولة عنصرية.


حكم المستقبل


هذه ضروب ربانية من الأمثال والحكم عشناها وحري بنا استخراجها من بين جملة الحرائق المشتعلة حولنا، وعلينا أيضا استنباط أخرى قد يسوقها إلينا المستقبل.

من تلك الحكم مثلا أن المقاومة رغم شلالات الدم التي فرضتها إسرائيل والتواطؤ الغربي والعربي معها على حاضنتها المدنية، وفي ظل أكثر حكومات العالم تطرفا سواء على المستوى الإسرائيلي أو العالمي والأمريكي بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة؛ ما زالت تفرض معادلتها، وقد حقق ذلك توازنا مع قوى الاحتلال يجعلها إلى النصر أقرب في نهاية المطاف.


***

لقد أغنت إسرائيل بإجرامها الأجيال القادمة عن الحاجة لإثبات أنها كيان إرهابي، كما أغنت المقاومة بصمودها وتضحياتها عن إثبات أنها تجاهد وتقدم التضحيات لله والوطن لا غير.

المصدر : الجزبرة مباشر

https://bit.ly/4jdmCKe

.................................

حول الإعلام الداعم للمقاومة - سيد أمين

 

عقب الإعلان رسميا عن استشهاد رئيس أركان كتائب القسام الشهيد محمد الضيف ورفاقه سارعت العديد من الفضائيات إلى الاحتفاء ببطولاتهم، والإشادة بصبر وقوة إرادة أسرهم، وقامت بإجراء الحوارات معهم داخل بيوتهم بغزة في محاولة لتوضيح أنها بيوت متواضعة كمعظم بيوت أهل غزة، وأنها صارت مدمرة ومهدمة بعد الحرب، وذلك ردا على طنطنات كاذبة تطلقها بعض البرامج الإعلامية المشبوهة تزعم فيها أن قادة حماس  يرسلون ذويهم إلى خارج القطاع مع ثروات ضخمة تركوها لهم في البنوك، وقصور منيفة أسكنوهم فيها هناك كما كانوا يسكنون في عزة، وبقوا هم ليموت بسببهم الآلاف من شعب القطاع.

ومع أن تلك اللقاءات تعد أمرا محمودا يمنح المجاهدين فرصة جيدة للرد على


شلال الافتراءات التي تطالهم، ويقدم العظة للمراقبين عن بسالة منبت هؤلاء الأبطال وصمودهم، فإن الأمر لا يخلو من خطر يجب الحذر منه، وهو أننا أمام عدو لا يفرق بين مقاتل ومدني، ومتى تسنّت له فرصة قتل أسر المقاومين وحتى أطفالهم فإنه لن يتوانى ثانية، لأنه لا يُعير الإنسانية وشرف القتال أي معيار وله سوابق لا تعد ولا تحصى في هذا الشأن.

ولا يفوتنا التحذير من أن الاستفزازات التي يطلقها بعض الإعلاميين العرب المشبوهين اتجاه أسر قادة المقاومة قد يكون الهدف منها دفع الإعلاميين الغيورين إلى الرد عليهم بمعلومات يستطيعون بها التسلل إلى صور أبنائهم وأماكن إقامتهم واستهدافهم فيما بعد بالقتل أو الأسر، خاصة أننا أمام عدو متجرد من الإنسانية وشرف الخصومة ومولع بالدم وارتكاب الفظائع، فهو يقتل ولا يبالي ما دام في مأمن من العقاب.

ولذلك فالكثير من البرامج والأطروحات والرؤى الإعلامية المسيطرة قد تكون أساسا جيدا لمعلومات استخبارية مهمة.


تجربة 2014

في العدوان الذي شنته إسرائيل عام 2014 على غزة وتوغلت قواتها خلاله بريا حتى محور صلاح الدين “نتساريم” في وسط القطاع، كان حينئذ لم يمر عام كامل على الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر من الحكم، وكانت هناك شكوك غربية وإسرائيلية بأن أسلحة تدفقت في فترة حكمه إلى القطاع من خلال الأنفاق، في هذا الوقت كانت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية تهاجم حماس بأنها لم تردّ بشكل فيه أي إيلام للقوات الغازية.

كان مضمون الخطاب الإعلامي وقتها يركز على نقطتين الأولى التهوين من قدرة المقاومة وصواريخها “الفشنك” -كما كانوا يصفونها- وأنها ما دامت لا تستطيع ردع إسرائيل فيجب عليها أن تستسلم لسلطة عباس وتسير خلف مسيرته السياسية “الانبطاحية”، أما النقطة الثانية فكانت تقوم على فكرة أن قادة حماس والجهاد لا يبتغون إلا السلطة والحكم والثروة على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، وأن كل ما يحدث بينهم وبين إسرائيل من حروب هو مجرد تمثيليات “طابخينها سويا”.

لم يدرك كثير من النابهين وقتها السبب الحقيقي وراء هذا الخطاب وكانوا يعتبرونه مجرد مكايدة إعلامية تمارس ضد هذه الحركات الإسلامية، التي يشيع عادة خطاب تخوينها وتبرير إقصائها واجتثاثها في وسائل الإعلام العربي الرسمية، لكن مع ذلك كانت المقاومة تدرك البعد الصحيح لتلك الحملات وهو استفزازها حتى تكشف مبكرا عن أنفاقها التي ربما كانت حينها في طور التدشين، وأنواع أسلحتها وعتادها العسكري الذي من الممكن أن يكون قد وصل لها، وذلك حتى تستطيع إسرائيل وأده في المهد.

لذلك لم تستفز حركات المقاومة بهذه الهرتلات الإعلامية لأنها تعرف غايتها، واستمرت في ممارسة عملية الخداع الاستراتيجي حتى ظهرت قوتها بالصورة البطولية المفاجئة للجميع التي رأيناها عليها في حرب طوفان الأقصى.


قواعد أمنية

من بديهيات الإجراءات الأمنية في وطننا العربي وربما في العالم الثالث كله أن أبناء الرؤساء والملوك وكبار المسؤولين مشمولون دائما بحماية أمنية جيدة ومع ذلك لا يسمح بنشر تفاصيل حياتهم ولا صورهم وخاصة أماكن وجودهم أبدا، رغم أن هذه البلدان غير محتلة والسلطة فيها متمكنة ومسيطرة، ولا تواجه عدوا مجرما كإسرائيل، فضلا عن أنه لا يجرؤ أحد على أن ينظر إلى تلك الشخصيات بسوء أو حتى بعين يفهم منها قلة التقدير والاحترام.

وإذا كان الحال كذلك هنا فما بالنا بالخطر المحدق بهم هناك إذ إسرائيل اعتادت قتل كل من تطاله يدها صغيرا أو كبيرا، وعسسها يبحثون عن أي انتصار زائف يسوقونه بتهم ملفقة.

وقد حاولت إسرائيل إسباغ الصفة القانونية على جرائمها بحق أسر المقاومين؛ فسنّت قانونا يسمح بأسر وترحيل أسر المقاومين والمساومة بهم، هذا هو القانون المعلن أما القانون المنفذ على الأرض فهو قتل الأسرة ذاتها ثم صناعة التبرير بعد ذلك.


حفظ الله المقاومين الفلسطينيين الأبطال وأسرهم، وبارك الله في الإعلام المناصر للحقيقة.


اقرأ المقال على الجزيرة مباشر


https://bit.ly/4gS0rah


- فبراير 13, 2025  

.................................

هكذا تحول الغرب من اضطهاد اليهود إلى تقديسهم - سيد أمين


مثَّل عام١٤٨٣ ميلاديا عاما فارقا في مكانة اليهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأثر تأثيرا كبيرا في مستقبل أجزاء كبيرة في العالم، لاسيما في الوطن العربي والإسلامي، لكونه العام الذي انتقل فيه الغرب المسيحي انتقالا مثيرا من اضطهاد اليهود واستعبادهم وإجبارهم على الدخول في المسيحية، إلى الولاء لهم لدرجة وصلت حدَّ تقديسهم.

وفي المقابل، هو أيضا العام الذي انتقل فيه مسلمو العالم من مكافحة الحملات الصليبية التي ما توقفت أبدا عن استهداف بلادهم وارتكاب أبشع المجازر بحقهم، إلى مكافحة

الصهيونية التي مارست نفس هذا الدور بأقل كلفة يدفعها الغرب، وبوسيلة أكثر تزييفا لحقائق التاريخ وتبطينا لها.


قفازات الغرب الجديدة


يمكننا القول إن الغرب ارتدى قفازاته الجديدة حينما أسس مارتن لوثر حركة البروتستانت والتي تعني "المحتجون" والتي تطالب بإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وتضمنت تلك الإصلاحات إجراءات ثورية من شأنها إلغاء سلطة الكنيسة، بل وإلغاء الكنيسة ذاتها، وإعطاء دور أكبر للعهد القديم (التوراة) في تفسير المسيحية، بدلا من أن يكون العهد الجديد هو المفسر لها.

 وتضمن المذهب الجديد اعتقادا بأن عودة المسيح مرهونة بوجود دولة قوية لليهود في فلسطين، وإعادة بناء هيكل داود، وهي الرؤية المنبثقة من رؤية إنجيلية تتحدث عن وقوع معركة عظيمة سيتم فيها القضاء على كل من لم يؤمنوا بألوهية المسيح، بما فيهم اليهود أنفسهم، من ثم تبدأ بعدها البشرية الألفية السعيدة بعودة المسيح مجددا على الأرض.

ولقد تسببت قسوة سيطرة الكنيسة الغربية على الحياة العامة في أوروبا في تذمر قطاع عليها، ومن ثم التفافهم حول دعوة لوثر كينج التي وجدت ضالتها في الأراضي المكتشفة الجديدة، لاسيما أن الواصلين إليها اتسمت شخصياتهم بالتمرد بشكل عام على كل شيء، بما فيها السلطة الكنسية.


تطورات دموية

هذه التطورات أعطت الفرصة للماسونية لإيجاد الثغرات التي تتغلغل من خلالها لتحقيق أهدافها الخاصة، والماسونية كما نعلم هي حركة علمانية انتهازية استعمارية لا تؤمن بدين ولا إنسانية، رغم أنها تنكرت في رداء ديني مختلف على صحته، ظاهره يعني "البناؤون" الجدد للهيكل، وباطنه معني بالقضاء على روح الجماعة والمجتمع، وكافة معايير الإنسانية الأخلاقية، وتأجيج الصراعات والحروب ونشر الأمراض، وصولا للمليار الذهبي.

وبناء على ذلك رتبت الصهيونية خطتها على الاستفادة لأقصى مدى من هذا الوضع، بحيث إنها نجحت في تجنيب اليهود ويلات الاستبداد في الغرب، ووجهت قوته وغضبته نحو أعداء مشتركين، هم المسلمون والعرب، ليتحقق لها ما تعجز عن تحقيقه بمفردها، مع استمرار اعتقادها بأن النبوءات الغربية لن تتحقق أبدا، وإذا تحققت لن تكون إلا لعودة ملك داود، لا المسيح.

هذا الامتزاج لم يكن في الحقيقة بين اليهودية والمسيحية كدينين (أطلق الإسلام على أتباعهما وصف الكتابيين، تمييزا لهم عن بقية أتباع الديانات التي سمى أتباعها المشركين) ولكن كان بين حركتين متطرفتين انبثقتا منهما الصهيونية والماسونية، ووجدت كل واحدة منهما ضالتها في الأخرى لتحقق بها أهدافها الشريرة.

وإذا كانت الحرب الآن ضد المجتمعات الإسلامية، فهذا لأن الإسلام بتكوينه العقدي والفقهي استطاع الصمود أمام هذا الطوفان، وأخر نموه، رغم وقوعه الكامل تحت الاستعمار الغربي، فيما انسحقت أمامه من قبل المجتمعات الغربية بشكل كامل، فرأينا انتشار الإلحاد والشذوذ والتطرف والتعري، وتبرير إبادة المخالفين أو سبيهم واستعبادهم، رغم أن ذلك كله يخالف روح المسيحية جملة وتفصيلا.


المسيحية التقليدية

ولعل التاريخ القريب يشير الى أن المجتمعات الغربية قبل قرن أو قرنين من الآن كانت أكثر تمسكا بعقيدتها التقليدية، وكانت تنتشر فيها معاني الاحتشام والتدين بصورة قريبة من تلك التي نشاهدها اليوم في التجمعات المسيحية داخل مجتمعاتنا الإسلامية، لكن لأن تدمير المجتمعات هو أول خطوات التمكين للماسونية، فقد كان تدمير المجتمعات الغربية وسحبها بعيدا عن عقيدتها الدينية أينما كانت هو أول خطوات التمكن منها واقتيادها.

ولذلك فإن الصهيونية التي هي حليف مكين ومكير للماسونية ليستا شرا مطلقا على الإسلام فقط، بل إنهما شر مطلق على المسيحية ذاتها بنفس القدر.

كما أن انكشاف حقيقة فكرة الصهيونية الاستعلائية والاستئصالية والوحشية كما ظهرت عليها في غزة ولبنان دمر الهالة الروحية التي كانت تتسم بها اليهودية في الخلفيات الذهنية لقطاع كبير من سكان المعمورة، وألحق بها ضررا لا يمكن ترميمه.


حروب صليبية


بعد ما حدث من أعمال إبادة في غزة وتواطؤ غربي واضح مع إسرائيل، ازداد الاعتقاد أن تمكين الصهيونية بشكلها الإجرامي الحالي من فلسطين المسلمة هو امتداد جديد للحروب الصليبية.

وانكشف أن هدف الغرب في هذا الامتداد هو وضع العالم العربي (الذي هو لب العالم الإسلامي) في حالة انشغال دائم مع حرب الوكلاء، عسكريا وفكريا، وقد نجح نسبيا في ذلك، حيث تسبب في إضعاف قوته وأهدر وزنه بين الأمم.

وكانت أكبر الصفعات هي نجاح الصهيونية والماسونية عبر وسائل متعددة للنيل من بنية الإنسان المسلم الفكرية والسلوكية، فيما استطاعت السياسات الاستعمارية الغربية تغريبه داخل وطنه عبر تنصيب حكومات موالية لها.

الغرب يريد أن يسقينا من نفس كأس السم الذي تجرعه هو قبلنا طواعية.. ومع ذلك هو مندهش من رفضنا الشراب!


أقرأ المقال على مجلة المجتمع الكويتية


https://bit.ly/3Ey8CuF


- فبراير 14, 2025  

..........................................

الرساليون لا يستسلمون.. ينتصرون أو يستشهدون - سيد أمين

 

لست أدري من أين أتى هؤلاء بقناع واق من الخجل كي يسخروا إمكاناتهم الشريرة لإدانة المقاومة الفلسطينية والافتراء عليها لحرفها عن معركتها ومعركة الأمة المصيرية في أشد أوقاتها حرجا؟

وكيف تجرأوا على الظهور بهذا التعري القبيح الساعي لتجريدها من سلاحها وهي التي ضحت بالغالي والنفيس في النفس والمال والبدن من أجل تحقيق ما عجزت جيوشهم العربية المجيشة على تحقيقه منذ نشأة الكيان الصهيوني؟

فقد تمادوا في غيهم لحد مطالبة المقاومة الباسلة بالاستسلام، ويزيد بعضهم بمطالبتها بقبول الخروج الآمن لمنفى اختياري، وهى التي صمدت في وجه أعتى آلة فتك عرفها التاريخ، وفقد مجاهدوها  أسرهم وأحبتهم وبيوتهم، وهو المطلب الذي إن حدث- لا قدر الله-  لوجدنا هؤلاء أنفسهم أول من يوجهون سهام الشماتة إليهم، ويتهمونهم بأنهم ضحوا بشعبهم من أجل مصلحتهم الشخصية، ولا شك أن هؤلاء المثبطين أنفسهم هم من دأبوا طيلة عقدين مضيا على استغلال فترات الإعداد والتخطيط والكمون ليتهموا المقاومة خلالها بأنها تسعى للسلطة وتخشى الحرب، وأن صواريخها مجرد ألعاب أطفال.

هؤلاء القوم على ما يبدو متخصصون في الوقوف إلى جانب الشر أينما كان، ويزخرفون مغالطاتهم بمنطلقات تبدو مقنعة مع أن جوهرها يخالف المنطق تماما، فهم يقولون مثلا أن المقاومة الفلسطينية ضحت بالشعب الفلسطيني وسببت له المعاناة، وهو في الحقيقة قول سخيف يجافي البديهيات وحقائق التاريخ.


حقائق التاريخ

أول تلك الحقائق أن من أوصل الشعب الفلسطيني لهذه الحالة وجعله يعيش تهجير بعد تهجير، ونكبة بعد نكبة، فتكدس على 15% من مساحة أرضه التاريخية؛ هو فقدانه قديما لمثل تلك المقاومة الفاعلة التي تستطيع أن ترد وتؤلم العدو، وأن الجزء الأكبر الذي فقدته فلسطين التاريخية من أراضيها كان بسبب وقوعهم في خديعة الإرتكان إلى سلاح غيرهم من الجيوش العربية، وهي التي ثبت أنها لم تقدهم إلا إلى هذا الواقع المذري، والمثل “ما يقول ما حك ظهرك إلا ظافرك”. وثانية الحقائق أن المقاومة هي من أشعلت في شعبها وفي الأمة كلها شعلة الأمل التي كادت أن تنطفئ، فجعلت للدم الفلسطيني ثمنا بعدما عاث العدو طيلة عقود يسفكه مجانا، فيقتل من يشاء متى شاء وكيفما شاء، وبسبب وبدونه، دون أن يخشى حتى وخزة إبرة.

وثالثها أن لكل شعب جيش، والمقاومة هي جيش الشعب الفلسطيني الذي استطاع أن يعدل الجدار المائل، وأن يرد للعدو الألم بالألم، وليس بالموت في صمت كما كان يجرى طيلة عقود، ومن السفه أن نطالب جيش أمة ما بإلقاء سلاحه والاستسلام لعدوه فقط لأنه قرر أن يقاوم ويقوم بالأدوار التي تصنع من أجلها الأسلحة وتؤسس لها الجيوش وهي حماية الأرض والعرض والنفس.

رابع تلك الحقائق أن هؤلاء لم يشعروا بالعار جراء تواطؤهم أو قل فشلهم في إدخال الأطعمة للشعب الفلسطيني المطبق عليه العدو والصديق الحصار طيلة عام ونصف العام من الموت والمجاعة، مع أن الواجب عليهم شرعا الدعوة للزحف نصرة للمظلومين، بل ودعم المقاومة بالسلاح والعتاد، تماما كما تفعل الحكومات الغربية مع المعتدي، وإن لم يكن الأمر بالشرع فهو واجب لروابط العرق والدم والجيرة والإنسانية.

وفي النهاية فأي مراقب منصف كان يعلم منذ البداية أن انتصار المقاومة يعني تدخل وكلاء إسرائيل في اليوم التالي بالخطط العجيبة الملتوية من أجل إجهاض هذا الانتصار.

ولقد كان ذلك متوقعا من هؤلاء وجامعتهم العربية التي لم تنتفض طيلة عام ونصف العام من الذبح والتنكيل بالشعب الفلسطيني على فعل أي شيء غير إصدار بيانات حفظ ماء وجه هزيلة، ربما كانت بيانات تصدرها خارجية دول في حواف العالم مثل هندوراس ونيكاراجوا أو جنوب أفريقيا أكثر تعبيرا وقوة وفعالية منها.


أبعاد دينية

لست فقيها دينيا ولكني لست بحاجة لأن أكون كذلك لكي أفهم أنه لا يكتمل إيمان المسلم وقيامه وصيامه بينما هو راضخ في المذلة والهوان، ولا يصح له إن كان “قاعدا” بدعوة “المجاهد” ليعيش هذه الحالة الإستسلامية البائسة بدعاوى الحكمة وتجنب إلقاء النفس للتهلكة.

كما علمنا التاريخ أن الرساليين وهم أصحاب الرسالات الإنسانية السامية لا سيما الإسلام يضعون عقيدتهم ومقدساتهم وأوطانهم وأعراضهم في أعلى التصنيفات الواجب عليهم الحفاظ عليها، فيما تأتي أبدانهم وأموالهم في أدناها.

ويضرب لنا القرآن الكريم العديد من الأمثلة البليغة بأن الموت والحياة  قرار إلهي، وأن فرار المرء منه لا يمنع حدوثه، وعدم خشيته لا يقربه منه، ففي أواخر سورة البقرة يتحدث عن قوم عددهم بالآلاف فروا من الموت وتركوا مدينتهم هربا من طاعون أو عدو على الأرجح، فأراد الله أن يخبرهم أن فرارهم ليس بمنج لهم من الموت فأماتهم جميعا ثم أحياهم ليكسر رهبة الموت في قلوبهم، وأخبرنا في ذات السورة بأن القلة في العدد والعتاد لا تحول دون تحقيق النصر طالما توافر معها الإيمان والمثابرة.


 المقاومة تنتصر

أجزم أن فكرة الاستسلام غير واردة مطلقا عند المقاومة، ولا عند الشعب الفلسطيني، لكنها موجودة فقط في مخيلات المرضى من هؤلاء المتآمرين والمتخاذلين، خاصة أن المقاومة انتصرت بالفعل ولم يتبقى لإعلان ذلك إلا قبول الكيان الصهيوني ومن يدعمونه بهذه النتيجة، وأن الدمار والإبادة الجماعية التي مارسها على الأرض ما هي إلا محاولة لتحسين صورة تلك النتيجة.

فالمقاومة ذات الدعوات الرسالية لم تفشل في الميدان ولن تفشل أبدا لأن خياراتها كما قالها الرساليون السابقون تنتصر أو تموت، فيما لطخ العار ثياب الحاضنة العربية الكبيرة التي وقفت حتى اللحظة الأخيرة من الحرب تتفرج.

المقاومة الرسالية لم تهزم ولن تهزم ولكن البعض يتمنون هزيمتها.


أقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3XoTZjQ

- مارس 01, 2025  

...........................................

ما الذي يضير ساويرس من “مصر العربية”؟- سيد أمين


منذ عدة سنوات حذرت في مقال لي بعنوان “ليتها معركة حول هوية كليوباترا فقط” على تلك المنصة القيمة، من أنه قد تكون هناك توجهات أو قل “أمنيات” لدى البعض لإلغاء وصف “العربية” من المسمى الرسمي لجمهورية مصر العربية، وهو ما دعا إليه رجل الأعمال نجيب ساويرس في تغريدات له مؤخرا على أكس.

قلت نصا في المقال “أظن أن هناك من ينبش لأن يتم نزع توصيف “العربية” من المسمى الرسمي لـ”جمهورية مصر العربية”، والألاعيب التي تمارس لنفي عروبة مصر كثيرة ولا تتوقف، وإذا أغمضنا أعيننا فلا يُستبعَد أن نكون أمام أندلس جديدة”. انتهى الاقتباس.

ولو تتبعنا الخط المستقيم لتغريب التعليم والدراما، وإهمال اللغة العربية في مكاتبات وإعلانات ولوحات الشركات والمحال ولوحات الشوارع، وما ترافق مع ذلك طوال العقود الماضية من هدم وتهاون وإهدار للعديد من الآثار العربية والإسلامية في طول البلاد وعرضها، مقارنة بما يقابلها من تمجيد للآثار الفرعونية والبيزنطية واليونانية والبطلمية والمسيحية كبرت أو صغرت؛ لكان ذلك كفيلا وحده بتعميق هذا الاعتقاد.


واقعة ساويرس

حاولت أن أجد مبررا واحدا لما قاله ملياردير كالمهندس نجيب ساويرس يدرك جيدا خطورة ما يقول ومغزاه ومردوده، واعتقدت لبرهة أنه الفراغ، لكني مع ذلك لا أعتقد أن شخصا مثله تمتد شركاته في العديد من دول العالم لاسيما تلك الدول وقعت تحت نير الغزو الأمريكي كالعراق وأفغانستان، لديه وقت فراغ إلى هذا الحد.


ما الذي يضير رجل الأعمال الكبير؟

بحثت عن أي مبرر يعود على مصر وشعبها بأي نفع من هذه المطلب الغريب الذي استهل به قدوم شهر رمضان الكريم فلم أجده، فالمواطن المصري الآن لا يتطلع إلى تغيير مسمى دولته ولا يخالجه هذا المطلب في أكثر أوقاته فراغا، ولكنه يتطلع إلى الحرية والديمقراطية والكرامة، ويتطلع إلى مجابهة غول الغلاء والفقر والمرض وانهيار الخدمات، وهذا ما كان يجب على المهندس ساويرس أن يتحدث عنه إن كان يتحدث عن مطلب المجتمع، ليكون بذلك قد اقترب بشدة من معاناة الشعب وطموحاته بدلا من التحليق في الفضاء منفردا.

ليتها كانت مجرد تغريدة واحدة ولكنه شغل وقته الثمين للبحث داخل المنصة عن وجهات نظر توافق مطلبه وراح يعيد نشرها، وسط انقسام كبير في التعليقات وكان معظمها رافض للمقترح، وقليل متحمس له جدا معظمه من نفس الطيف الذي ينتمي له، وشبه مقيم في صفحته للتعليق على منشوراته ومدحها والثناء عليها.


دعوات الفرعنة

دعاة التغريب لم يضيعوا من قبل أي فرصة للطعن في عروبة مصر، وسعيهم لحرفها إلى أي هوية أخرى غير هويتها العربية المستقرة منذ 14 قرنا، تارة بدعوات الفرعنة التي أطلقها السادات بعد مقاطعة العرب له عقب مؤامرة كامب ديفيد التي وقعها منفردا مع الكيان الصهيوني، وما سبقها من قيام جمال عبد الناصر عام 1955 من نقل تمثال رمسيس الثاني من بيت رهينة بالجيزة إلى ميدان باب الحديد الميدان الأهم لمصر في هذا الوقت، وتسميته باسمه الحالي ليكون تذكيرا دائما بالهوية القديمة للبلاد، وما تلا ذلك مؤخرا من تدريس الهيروغليفية في رياض الأطفال.

بل إن الضجة المفتعلة التي أثيرت قبل عامين حول لون بشرة كليوباترا السمراء التي ظهرت بها في عمل وثائقي أنتجته منصة نتفليكس، واحتجت مؤسسات رسمية في الدولة عليه كالمجلس الأعلى للآثار ومجلس الوزراء بأنها بشرة لا تتناسب مع بشرة الفراعنة واعتبرت أن ذلك تشويه لتاريخ مصر والفراعنة، مع أن كليوباترا ليست فرعونية ولا مصرية أصلا، كان الهدف منها مجرد إثارة لغط الهوية.

وقد سبقها لغط مفتعل يتكرر من حين لأخر حول الوجود العربي في مصر أهو فتح أم غزو؟ حيث وجدنا الدكتور وسيم السيسي في مقال له بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2021 يصفه بأنه احتلال، ويدعو إلى إحياء اللغة الهيروغليفية وفرعنة مصر.

والحقيقة أن دعوات اعتبار العودة إلى ما قبل الفتح العربي لمصر عودة إلى لأصل هي التدليس ذاته، فالرومان الذين كانوا يحكمون مصر قبل الفتح ليسوا هم الفراعنة، وكذلك أجناس عديدة حكمت مصر لآلاف السنين كالبطالمة واليونانيين والبيزنطيين والهكسوس والفرس والأحباش، وبالتالي فدعوات فرعنة مصر تشبه تماما دعوات تسليم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا للهنود الحمر، فضلا عن سؤال مهم هو أين نجد الهنود الحمر في هذه البلدان؟ وأين نجد الفراعنة في مصر؟


دعوات الحداثة

حينما تعذرت محاولات الفرعنة لأسباب كثيرة، تحول دعاتها مباشرة إلى تجريح اللغة العربية بوصفها لغة متخلفة لا تناسب علوم اليوم، وطالبوا بالتوسع في تعليم اللغات الأجنبية، وهو ما يؤكد أن همهم ليس الفرعنة ولكن محو عروبة مصر، وأهم مظاهرها اللغة العربية ثم المسمى الرسمي للدولة.

هم بهذه الدعوات كمن لم يعجبه شكل باب منزله فباع المنزل كله بدلا من أن يغير فقط بابه، حيث كان يمكنهم بدلا من تغيير لغة البلاد لتناسب العلوم الجديدة أن يقوموا بتعريب العلوم الجديدة ونتطور بها بلغتنا القومية، تماما كما فعل العراق وسوريا، وكما فعلت الصين واليابان وجميع دول العالم الصاعدة في عالم اليوم.

هذا فضلا عن أنه ليس شرطا أبدا أن نكون دولة متطورة حينما نتحدث الإنجليزية أو الفرنسية، فمعظم دول العالم التي تتحدث اللغة الإنجليزية أو الفرنسية في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية هي بلدان متخلفة أو لا تقل حالا عن حالنا.

…………..

نأمل ألا يكون الاهتمام المفاجئ من المهندس ساويرس بهذا الأمر له ما بعده.

مع اليقين بأنه حتما سيكون.


 أقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3DleE1F

- مارس 09, 2025  

.............................................

حينما تكون الدراما هدفًا وطنيًا - سيد أمين

 

لا شك أن الرأسمالية الوطنية في الوطن العربي -إن كانت لا تزال موجودة- لا سيما تلك القادرة على البذل والعطاء وإدارة المشروعات الوطنية الكبرى دون انتظار ربح سوى خدمة قضية بناء الإنسان العربي، تأخرت كثيرًا في هذا الملف، وتركت البسطاء ممن لا يتابعون الأخبار السياسية والمطحنة الجبارة التي لا تتوقف رحاها لحظة بين هم

عام وخاص، نهبًا لأنواع أخرى من وسائل الإعلام أو قل الاستقطاب.

فتلك الشاشات التي يتحلق حولها هؤلاء الناس لمشاهدة الدراما بأنواعها تكاد تكون هي المصدر الوحيد لمعلوماتهم الفكرية والتاريخية والسياسية، ما أوقعهم بسهولة ضحايا لعملية احترافية لتشكيل أدمغتهم حسب هوى المنتج والعارض ومَن خلفهما دون أن يدروا، ودون أن يكون ذلك متوافقًا مع قناعاتهم الفطرية التي يؤمنون بها، ولا مع مصالحهم الوطنية والدينية وحتى الشخصية، متى أعطيت لهم حقائق المعلومات وفرصة التعبير عنها دون وقوعهم تحت أي مؤثرات أو عوامل تشويش.

ومع ذلك فإنه لا يزال هناك متسع من الوقت لتدارك الخطأ ورتق الثقوب الآخذة في الاتساع في جسم سفينة الوعي الواقعة بين هذا الخضم المتلاحق من الأكاذيب والمؤامرات التي تستهدف تحويل شعوبنا إلى قطيع مدجن يقود نفسه بنفسه إلى المسلخ.


التجربة التركية

قبل عدة عقود من الآن، وبعدما أتت سياسة التتريك أوكلها التي هي كانت في الأساس معنية بنزع الهوية الإسلامية عن البلاد وحصر البلاد في حدودها الضيقة، كان الحديث عن الخلافة العثمانية في الداخل التركي يعادل تمامًا الحديث عن عصور الظلمات في الدول الأوروبية، على الأقل في نظر الجهات الرسمية التي ضيقت بشكل حاد على أي مظاهر تربط هذا البلد بتاريخه الاسلامي، فنشأت في هذا الواقع القسري الجديد أجيال عديدة تعاني انفصامًا عميقًا بينها وبين تراثها التليد الذي جرى تشويهه بقصد لتنفيرهم منه.

وحينما ارتعشت يد السجان وما عادت قادرة على إحكام قبضتها، نجحت البذور الأصيلة في أن تنبت مجددًا في قصر الحكم، فلما نمت وشبت كان من ضمن أهدافها صناعة دراما وطنية تعيد تحميل الذاكرة الوطنية في قلوب ونفوس الأجيال المغيب وعيهم ليلتحم فيها الحاضر بالماضي.

نجحت الدراما التاريخية التركية ليس في تذكير الشعب بتاريخه العريق وهويته الإسلامية فحسب، بل نجحت أيضًا في استخراج المفاخر الكبيرة التي كان مخطط لها النسيان في هذا التاريخ الذي هو بالمناسبة ذاته تاريخ العالم الإسلامي للعالم كله.

فضلًا عن أنها محت الصورة النمطية السلبية السائدة في العالم الأجمع عن الدراما التركية بوصفها دراما الخيانات الزوجية وقصص الشذوذ والانحراف والعلاقات غير السوية، وأعطتها الجدية والمهابة الواجبة بما يتلاءم مع تاريخها العريق.


الواقع العربي

نحن العرب بحاجة ماسة إلى تكرار ذات الأمر الآن، بحاجة إلى الرجوع للوراء لأن في هذا الماضي كل مسببات نجاح مستقبلنا، فقد عانينا طيلة سنوات طويلة مضت من أن إعلامنا ومؤسساتنا الثقافية يديرها من لا يريد لنا الخير، وهدفه إغراقنا في جدليات التنابز والفرقة والإقصاء لتخلو له الأجواء ليشكل مجتمعاتنا المبعثرة والمتناحرة كما يشاء.

فقد تشبع الناس خاصة النشء بدراما لا تعبر بتاتًا عنا واستمدوا منها وعيهم بالحياة، حيث إنها تغوص بين واقعين افتراضيين على طرفي نقيض بين مجتمعات فخمة وفارهة تروج لأنماط استهلاكية وثقافية قد لا تكون موجودة في الواقع، وإن وجدت فهي لا ترتكز إلا في نسبة الـ1%، ما يجعل النشء الذين يواجهون الواقع يكفرون بقيمة الجد والاجتهاد والعمل ويلهثون خلف الثراء السريع أيما كان الثمن.

وبين واقع آخر انتهازي يعطي الانطباع بأن الحياة لا تسير إلا هكذا، ولا سبيل سوى تحقيق الغاية بأي وسيلة مهما كانت دنيئة، والمؤسف أن هذا النوع من التردي، امتصه المجتمع سريعًا، تحت وطأة التضييق على كل مؤسسات النصح والإرشاد والتوجيه، في المساجد والمدارس والنماذج الاجتماعية والفكرية، فصار الواقع أقبح من الدراما، مضافًا إليه الكثير من المعاناة حيث الفقر المدقع، والفساد المستشري، والاستبداد الطاغي، واللجوء والحرب، والظلم السياسي والطبقي والطائفي والقبلي، وفساد السلطات وغيرها.

وما كان أبدًا لهذا الخراب أن يحدث لولا تلك الحرب الدائمة ضد كل ما هو اصلاحي، وكل ما هو توعوي، رغم أن الهدف من الدراما أساسًا هو تقديم النصح والعظة، وتعميق صلة الناس بمجتمعهم ومقدساته.

لذلك أصبح الاستثمار في الدراما الهادفة والبناءة واجبًا وطنيًا واجتماعيًا وحتى أمنيًا، يعادل تمامًا في قيمته الاستثمار في المدارس والمساجد، بحيث نربي نحن أبناءنا حتى لا يربيهم لنا غيرنا.


إقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4iMLO9s

- مارس 25, 2025

.............................................

غزو العراق.. ذكرى سقوط النظام العربي- سيد أمين

 

تمر هذه الأيام الذكرى الثانية والعشرون للاحتلال الأمريكي للعراق، وهي الحرب التي شنتها أمريكا وخلفها قطيع كبير من الدول الغربية يصل إلى نحو 30 دولة، شارك بعضهم مشاركة فعالة، والأغلبية بمشاركات رمزية أو

لوجستية وذلك في الفترة من 19 مارس/آذار حتى 10 إبريل/نيسان 2003م، وانتهت باحتلال العراق رغم البسالة التي أبداها الجيش العراقي، والتي استطاع فيها إيلام الغزاة إيلاما شديدا ولا سيما في معركة المطار، مما اضطره إلى استخدام قنابل بي 52 شبه النووية.

ومثلت هذه الحرب ثاني أعظم سقوط للنظام الرسمي العربي في العصر الحديث بعد احتلال فلسطين، بسبب عجزه عن وقف العدوان، وعدم تقديمه الدعم والمساندة للجارة الشقيقة التي تواجه هذه القوى العظمى بمفردها، ومما زاد الجرح إيلاما النتائج المرعبة وأعمال القتل التي مارستها قوات الاحتلال مخلفة ثالث أكبر كارثة عاشتها عاصمة الرشيد على مدار تاريخها بعد غزو المغول لها والاحتلال الإنجليزي، حيث تشير الكثير من الإحصاءات إلى أن نحو مليوني قتيل عراقي سقطوا في هذا الغزو وما تبعه من حرب طائفية تفنن الاحتلال في تصنيعها.


كراهية الكاريزما

أحداث الحرب ونتائجها ليست هي محل النقاش هنا فهي معلومة التفاصيل، ولكن المعتقد أن سياسات الرئيس صدام حسين الداخلية والخارجية كانت عاملا مؤثرا في التعجيل بها.

فالأمريكان والصهاينة يكنون كراهية شديدة له نظرا إلى كونه الزعيم العربي الذي استطاع قصف تل أبيب بقرابة ٣٩ صاروخا من نوع “سكود”، وهو العدد الموازي لعدد أسفار العهد القديم، مع سابق تبنيه دعوات عدة إلى تشكيل جبهة عربية تسارع بفتح الحدود للجيوش العربية من أجل تحرير فلسطين المحتلة يكون جيش بلاده في مقدمتها، وتبنيه برنامجا اقتصاديا يقضي بتعويض أسر الشهداء الفلسطينيين بمبالغ مالية مجزية فور استشهاد ذويهم لإعانتهم على تكاليف الحياة.

وكان أخطر سياساته وأهمها سعيه لتحديث جيش العراق وتسليحه بالأسلحة الحديثة انطلاقا من إيمانه بمبدأ بعثي رئيسي بضرورة امتلاك كافة أدوات القوة والردع.

وحقق صدام حسين بهذه الممارسات شعبية عربية وإسلامية عارمة بسبب نجاحه في كسر حاجز مهابتها التي صنعته عبر توالي تكبيدها لجيرانها العرب الخسائر الموجعة دون رد يذكر منهم، مما دفعها إلى التعجيل بإنشاء حائط ردع القبة الصاروخية.

ولعل تلك الكراهية بدت واضحة من خلال التلاسن الذي جرى مؤخرا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير دفاع الكيان الصهيوني بالتزامن مع مرور الذكرى الخامسة والثلاثين لتولي صدام حسين، الذي حذر الأخير فيه الأول من نفس العاقبة.

وازدادت تلك الشعبية عربيا وإسلاميا مع أحداث الغزو الأمريكي والغربي لبلاده عام 2003، خاصة بعد الحرب الكلامية بينه وبين الرئيس الأمريكي المتطرف جورج دبليو بوش التي سخر فيها من الحضارة العربية والإسلامية بوصفها حضارة رعاة “الإبل” وسكن “الخيام”، هنا عبر صدام عن اعتزازه بتلك الحضارة، مؤكدا أن راعي الإبل وساكن الخيام هو أفضل ممن سكنوا الكهوف ورعوا الخنازير.

ثم جاءت مشاهد استشهاد ولديه دفاعا عن بغداد أثناء الغزو، ومحاكمته الصورية من قبل محكمة عراقية خاضعة لسلطة الاحتلال، وتلاها إعدامه في أقدس أيام المسلمين عيد الأضحى، وما حمله هذا من رمزية كبيرة، لتضعه بطلا قوميا رفض الخنوع للهيمنة الأمريكية، ورفض قبيل إعدامه طلب بوش الابن تقديم الاعتذار لأمريكا مقابل العفو عن روحه، وأثبت عمليا أن كل ما كان يردده من قيم فكرية كان مؤمنا به حتى النخاع دون النظر إلى التضحيات الباهظة التي دفعها شخصيا.


 سياسات ناجعة

ورغم القبضة الفولاذية التي أمسك بها صدام حسين العراق؛ فإن أبرز ما ميز سياساته الاجتماعية هو اعتماده مبدأ عدالة التوزيع بحيث حرص على وصول الدعم والخدمات إلى المواطنين دون تمييز عرقي أو مذهبي، منطلقا من اقتناعات فكرية بأن البطون الجائعة لا تنتج عقلا يفكر.

وكان لزياراته المفاجئة لبيوت العراقيين والجاليات العربية في البلاد للاطمئنان على أحوالهم المعيشية تأثير كبير، خاصة أنها كانت تتم دون كاميرات ولا حتى مرافقين.

وحارب الفساد لدرجة جعلت الكثيرين من العسكريين المقربين منه ومنهم حراسه الشخصيين لا تزيد أحوالهم المادية والاجتماعية عن أحوال باقي مجندي الجيش، فضلا عن أنه اعتنى كثيرا بتحسين منظومات الصحة والتعليم ومؤسسات الخدمات لدرجة جعلت العراق من أبرز دول العالم في هذا المجال حينها.


تجريم العروبة

وينظر الغرب والصهاينة في مقدمتهم بريبة شديدة إلى أي نظام حكم عربي ذي نزعة عروبية خشية أن يؤدي ذلك إلى دفع الشعوب العربية إلى تحقيق الوحدة الشاملة، مما ينسف جذريا كل الأوضاع الاستعمارية التي نشأت جراء تقسيمات “سايكس بيكو” التي طبقت بعد الحرب العالمية الأولى 1917، وخاصة عقب انهيار الدولة العثمانية 1923، وهي الأوضاع التي ضمنت دوام تبعية هذه المنطقة للغرب وضمنت تخلفها العلمي والحضاري والعسكري.

ولما كان صدام حسين من أكثر الشخصيات العربية في العصر الحديث إيمانا بفكرة القومية العربية، وضرورة تحقيق الوحدة الشاملة، وتوجيه أموال العرب إلى العرب لدرجة دفعته إلى استقدام ملايين العمال من كافة أرجاء الوطن العربي ولا سيما تلك البلدان التي تعاني شعوبها من أوضاع مادية متعثرة كمصر والسودان وموريتانيا واليمن، مقدما لهم المحفزات المالية المغرية فيما يشبه الرواتب الشهرية؛ كان من أكثر الشخصيات تموضعا في محطة استهداف القناصة الصهاينة والأمريكيين.

……..

لقد حاولوا من غزوهم للعراق حينها إسقاط رموز التحرر سواء أكانت في العاصمة أم القيادة، واعتقدوا أنهم أسقطوه، ولكنهم فوجئوا بأن هناك أرضا عربية لم تنبت إلا الرموز.. فكانت غزة.


المصدر : الجزبرة مباشر

https://ajm.news/qitl9w

- أبريل 18, 2025  

..................................

الحريديم.. وجع في قلب الكيان - سيد أمين

فرضت سلطات الكيان خدمات إضافية للمجندين النظاميين في الجيش بسبب النقص الحاد في أعداد المجندين، وذلك على خلفية استمرار تداعيات الأزمة العاصفة بشأن مسألة تجنيد الحريديم، وهي الأزمة التي كشفت أن الحرب الصهيونية على غزة خلَّفت معها صراعًا داخليًّا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك الكيان.

لقد فتحت الأزمة الأبواب لبروز حقيقتين، إحداهما أن سكان الكيان ليسوا على قلب رجل واحد، وأنه تسود بينهم الكثير من التناقضات الفكرية والعقدية، والأخرى بشأن الاستخدام السياسي للجماعات المتدينة في المجتمع الإسرائيلي.

ويشكّل الحريديم نحو 14% من سكان الكيان، وهم لا يمثلون جنسًا أو قومية

معيَّنة مثل السفارديم والأشكناز، ويمكنك تسميتهم “السلفية اليهودية”، ولكن بشكل أكثر انغلاقًا، حتى أنهم يعيشون في مجتمعات مغلقة، تنتقب بينهم النساء بشكل أكثر صرامة من نظرائهم في الدين الإسلامي، ويسمّونهن في المجتمع الصهيوني “أمهات طالبان إسرائيل”، ويرفض الحريديم الحداثة واستخدام وسائل التواصل الحديثة بشكل صارم أيضًا.


خطورة الحريديم

وخطورة ملف الحريديم، الذي هو مصطلح يعني بالعبرية “الأنقياء”، أنهم أساسًا لا يؤمنون بالصهيونية التي تقوم عليها فكرة الكيان، بل إنهم لا يتحدثون فيما بينهم اللغة العبرية وهي اللغة الرسمية للدولة، ولكن لهم لغتهم الخاصة التي تُسمى اليديشية، وهي مزيج مكوَّن معظمه من الألمانية مع قليل من الآرامية والإيطالية والفرنسية والأقل من العبرية، والأمر الأهم أنهم ينحدرون في معظمهم من الأشكناز أو الأوروبيين، وهو ما يعني عدم قدرة السلطة الصهيونية للدولة على تجاهل مظالمهم، كما تفعل مع اليهود السفارديم ذوي الأعراق العربية والجنوبية.

فضلًا عن أن الحريديم يمثلون أساسًا قوة ضغط كبيرة على الحكومة الإسرائيلية، لأنهم ممثلون في حزبين رئيسيين؛ حزب “شاس” ويمثل الحريديم الشرقيين، وحزب “يهوديت هتوراه” لليهود الغربيين، والحزبان ممثلان في الائتلاف الحكومي الحاكم بقيادة نتنياهو بـ18 مقعدًا من أصل 64 مقعدًا من إجمالي 120 مقعدًا يشكلون الكنيست (البرلمان)، وهو ما يعني أن انسحابهم سيؤدي مباشرة إلى إسقاط الحكومة.

والأكثر خطورة في ملف الحريديم رفضهم التجنيد في الجيش بوصفه جيشًا ملحدًا ومنحرفًا عن اليهودية الحقة، وأن وجوده لا يخدم شريعة موسى، ودخول أبنائهم الجيش يعني تعرُّضهم لمحو عقيدتهم اليهودية وانحرافهم لخدمة العلمانية، ومِن ثَم محو “السلفية اليهودية”.

ولعل ملف الحريديم يمثل طرفًا قويًّا من حقيقة التناقضات الفكرية والعقدية بين سكان الكيان من جملة تناقضات أخرى تكاد تعصف به، مثل حركتَي “ناطوري كارتا” و”صوت يهودي للسلام”، وجمعية “زوخروت”، وهي كلها حركات لا تؤمن أساسًا بالصهيونية ولا بإسرائيل ذاتها.


دولة دينية

لم تكن إسرائيل دولة دينية فقط عبر القوانين التي صدرت عن الكنيست في السنوات العشر الأخيرة بوصفها كيانًا وطنيًّا لليهود، لكنها دولة دينية منذ الساعات الأولى لتأسيسها بالنار والدم على أرض فلسطين التاريخية.

وتمثل نشأة الحريديم في هذا الكيان دليلًا قاطعًا على أنها دولة دينية لا علمانية كما كان يروّج الإعلام الغربي عنها، ففي بدايات نشأة إسرائيل عام 1948 فرضت العصابات العسكرية التجنيد الإجباري على اليهود، لكنها استثنت من أولئك نحو 400 أو 500 شابًّا ليتفرغوا لدراسة التوراة في المعاهد الدينية بسبب فقدهم لأغلبية الكوادر الدينية في الحرب العالمية الثانية، وخاصة ما ينسبونه إلى “الهولوكوست”.

أولئك الشبان كانوا النواة الأولى لطائفة الحريديم المنغلقة، وصاروا يمثلون نحو مليون و250 ألف شخص الآن، وهم المصدر الرئيسي للمعلومات الدينية عند اليهود في إسرائيل.


وظل الكثير من ساسة إسرائيل يَعُدونهم الطاقة الروحية الهائلة التي تساند وجود إسرائيل بما يؤدونه من أدعية وطقوس روحية يمكن اعتبارها دربًا من دروب السحر، وتجذرت هذه الرؤية لدى أبناء الحريديم حتى صاروا يعتقدون أن طقوسهم وأدعيتهم سبب بقاء الدولة، ولا تقل أهمية في بث الرعب في قلوب أعدائهم عن الطائرات والصواريخ والقنابل، لذا فهم جنود، ولكن بطريقة أخرى أكثر أهمية.

ولعل احتفاء الدولة الصهيونية بهم طيلة 75 عامًا هو دليل على الاستخدام الديني والروحي للحريديم في السياسة، بل والنشاط العسكري، وإن شئت فقل السحر.


تململ اجتماعي

بالطبع كان وجود آلاف من شباب الحريديم خارج التجنيد بينما غيرهم يموتون في العدوان على غزة ولبنان سيثير الكثير من التململ في المجتمع الصهيوني، خاصة أنهم يحصلون على رواتب كبيرة دون عمل، وكذلك يحصلون على امتيازات وتخفيضات خاصة في السلع والخدمات والمرافق والضرائب.

التململ بلغ ذروته حينما طالب وزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتجنيد الحريديم في الحرب على غزة، لكن نتنياهو هاجمه حتى قدَّم استقالته، ولحق به رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي بعد تصريحات مشابهة، ثم تلتهما تصريحات زعيم المعارضة يائير لابيد بضرورة تجنيدهم أو حرمانهم من امتيازاتهم.

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في قرار المحكمة العليا بوجوب تجنيد الحريديم في الجيش، وتوقيع سابق لوزير الدفاع بتجنيد 7 آلاف منهم، وهنا بدأت اعتراضات الحريديم في مظاهرات يومية لا تنقطع.

هنا بدأت حكومة إسرائيل -عبر الكنيست- بشن حرب على السلطة القضائية، ومنحت نفسها الحق في تعيين القضاة بما يسمّونه قانون السلطة القضائية، فتفجرت مظاهرات أخرى تندد بهذا القانون.

الشارع الإسرائيلي يتفسخ بين مظاهرات الحريديم، ومظاهرات ضد قانون السلطة القضائية، ومظاهرات عائلات الأسرى لدى المقاومة وقتلى الحرب ومصابيها.

الحريديم وجع في قلب الكيان المؤقت.


المصدر : الجزيرة مباشر

https://ajm.news/00nn6v

............................................

فلسفة التوحش.. هل تضمن لإسرائيل الانتصار؟- سيد أمين


الطريقة المتوحشة التي تنفذ بها إسرائيل هجماتها غير المتناسبة ضد الشعوب العربية في فلسطين ولبنان وسوريا، بخلاف أنها تطبيق لرؤية عقائدية، هي أيضا تطبيق عملي لرؤية انتهازية قائلة بوجوب أن تعاقب خصمك بطريقة تجعلك في مأمن تام من خشية انتقامه، وأنه بقدر قوة الضربة التي توجهها له سيتغيرولاؤه لصالحك حتى يصير ميتا أو تابعا مخلصا لك.

قد تكون هذه الرؤية الميكافيلية صحيحة جدا، عوقبت بها الدول والإمبراطوريات التي هزمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكن هذا النجاح ليس مضمونا على طول الخط، فتجارب التاريخ ذاتها أثبتت أنها قد تصبح ناجعة دائما في التجارب الفردية، مع أولئك الساعين خلف المكاسب المادية، لكنها مع الحشود المؤدلجة ستقود حتما لنتيجة عسكية تماما.


المغول والعرب

خذ مثلا المغول، كانت لهم قوة لا تقهر بمعايير زمانهم، استخدموا أبشع أدوات القمع والتنكيل تجاه حكام وأهالي البلدان التي اجتاحوها، ونجحوا من خلالها في السيطرة على جزء كبير من العالم القديم في سنوات معدودة، لكن مع ذلك لم تدم امبراطوريتهم سوى بضعة عقود من الزمن بما لا يتوازى مع هذا الجبروت والقوة التي أبدوها، وتلك القناعة بأنهم يمتلكون مفاتيح الشرق والغرب.

حدث هذا هناك في حين أن الفاتحين العرب لمصر لم يسفكوا الدماء، أو لم يسرفوا في سفكها بما يتماشى مع الحروب الكبيرة، حتى دماء أولئك المحتلين الرومان الذين طلبوا الأمان، سمح لهم أن يفروا دون قتال مع أمتعتهم وثرواتهم، مع أن العرب المنتصرين كان بمقدورهم إبادتهم وسلب ثرواتها كغنائم حرب لتغطية نفقات الجيش كما تفعل أكثر الجيوش.

أيضا لم يحمل العرب الفاتحون أحدا على الدخول في الإسلام من السكان الأقباط، بدليل أن كنائسهم القديمة لا زالت قائمة كما هي ولم تنقطع عنها العبادة بعد ذلك قط، تلك العبادة التي انقطعت في عهد المحتلين الرومان الكاثوليك بسبب اختلافات مذهبية، فشردوا الكهنة  وحاولوا اجبارهم قهرا على اعتناق مذهبهم.

والدليل الأهم أن الإخوة المسيحيين لا زالوا موجودون في مصر رغم مرور 14 قرنا على فتح العرب لها، العرب الذين جاءوا بكل هذا السلام وبقوا وسيبقون إلى قيام الساعة.

وفي المقابل سقطت إمبراطورية المغول وذهبت هيبتهم ومهابتهم ولم يبق لهم ولا لشعبهم شأن يذكر في العالم بعدها.

الحكمة في ذلك يقولها لنا ميكافيللي نفسه وهي أن من يسيطرون على الأرض سريعا يفقدونها سريعا لأنهم يهرولون فوقها ولا يتجذرون فيها.

هذا المثال من ثلة أمثلة أخرى يجري ضربها في التاريخ يؤكد خطأ السياسة الصهيونية القائمة على منطق القوة، وهو المنطق الذي ينذر في النهاية بانقلاب السحر على الساحر والانتهاء لنفس نهاية المغول، رغم أن المغول كانوا يمتازون بمميزات غير موجودة لدى الصهاينة أهمها أنهم الأكثر عددا وجسارة، وأنهم كانوا حينما يهاجمون الحصون يهاجمون بأنفسهم ولا يختبئون خلف دباباتهم ومدرعاتهم الحصينة.

وما سرى على المغول أيضا يسري على الفرنسيين في الجزائر، والطليان في ليبيا، والبرتغال والإسبان في غرب إفريقيا وشرق أسيا.

كما أن تلك النظريات فشلت أيضا في الحالات الفردية، فقد أعدم عمر المختار وأعدم بعده موسوليني، وأعدم جيفارا أيضا، ولكن هذا الاعدام صنع منه بطلا عالميا يطارد مُعدٍميه حتى الأن.


تجارب الأرض المقدسة

ولماذا نذهب بعيدا، وتاريخ فلسطين نفسه فيه ما يكفي على التدليل والبرهنة؟

ففي لحظة من لحظات الضعف الشديد للخلافة الفاطمية الحاكمة لمدينة القدس شن الصليبيون عام 1099م حملة عسكرية موسعة ضدها وضد أجزاء كبيرة من الشريط الساحلي لفلسطين والشام، وانهار الفاطميون بعد حصار استمر قرابة شهر، فدخلها الصليبيون وذبحوا غالبية سكانها المسلمين ذبحا وسبوا نساءها، وأقاموا على أنقاضها مملكة القدس التي ضمت جميع أراضي فلسطين ولبنان الآن، لكن رغم كل هذا لم تدم تلك المملكة إلا قرابة 85 عاما حتى فتحها الفاتح صلاح الدين الأيوبي.

وعقب وفاة الفاتح الكبير دب صراع بين أبنائه وأحفاده نجم عنه ضعف قبضتهم، فعاود الصليبيون مجددا غزو الساحل الفلسطيني فأقاموا مملكة عكا التي ضمت معظم الشريط الساحلي لفلسطين ولبنان الحالية عدا مدينة القدس، ومع ذلك لم تدم هذه المملكة سوى نفس المدة التي قضتها المملكة السابقة واندحرت تماما على يد الظاهر بيبرس ومن تلاه من المماليك.

حتى استيلاء المغول على بلاد فلسطين كان أيضا عابرا وانجلى سريعا رغم ما ارتكبوه من مجازر وذلك لأنهم كان يهرولون فوق الأرض لا يمشون فوقها، ما حال دون بقائهم فيها.

ولو نظرنا إلى الحملة الفرنسية والتي يمكن اعتبارها حملة صليبية ذات شعارات مختلفة، سنجد ذات المعنى أن القوة وحدها لا تصنع انتصارا، وأن القوة المفرطة مهلكة لصاحبها كما هي مهلكة للخصم، فالجرائم التي ارتكبها نابليون في غزة واستيلاؤه على خيراتها لم تحمِ قواته من الجوع والطاعون، وخيانته لحامية يافا التي استسلمت بعدما أعطاها الأمان فأعدمهم جميعا، لم يحقق له الاستقرار، وحداثة أدواته ومعداته وأسلحته لم تضمن له النصر أمام استبسال أبطال عكا، وانسحب يجر أذيال الخيبة تطارده المقاومة، وما عاناه في فلسطين عاناه أيضا في مصر.

….

العرب مكثوا في البلدان التي فتحوها لأنهم لم يكونوا أهل قوة وغدر، بل معين رحمة ورسالة سلام وتعايش، وحينما تخلوا عن الرحمة حتى فيما بينهم وأمنوا للعدو عن الصديق استبدلهم الله كما حدث في الأندلس.

أما الصهاينة فما كانوا أبدا أهل تعايش ولا رحمة ولا سلام، فهم معين لا ينضب من الغدر والخيانة والعنصرية والوحشية، وسيكونون في التاريخ مجرد سحابة سوداء عابرة سرعان ما تبددها ريح عاتية.

سيُسقط أبطال غزة نظريات ميكافيللي ضمن ما أسقطوه من أوهام.


المصدر : الجزيرة مباشر

https://ajm.news/8o3m59

...........................................

تداعيات الانتقال من الوفرة إلى الندرة- سيد أمين


 تعاني المجتمعات العربية، ومنها بالطبع المجتمع المصري، ما يشبه الصدمة الاجتماعية الحادة جرّاء عوامل عدة، أبرزها الانتقال المفاجئ من حالة “الوفرة” والاكتفاء، إلى واقع من الندرة والعوز، بفعل أزمة اقتصادية طاحنة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة. وتضافرت عوامل هذه الأزمة ونتائجها في تشكيل حالة عامة من الإحباط واليأس وقتل الأمل في النفوس.

ومن أبرز مظاهر هذه الأزمة: الارتفاع الحاد في الأسعار، ومعدلات التضخم، والبطالة، والفقر، والجريمة، والتشرد، والإدمان، وارتفاع نسب الطلاق، والعزوف عن الزواج، وعودة مشاهد الجوع وسوء التغذية. يضاف إلى ذلك

تدهور سعر صرف العملة المحلية، واتساع الفجوة بين الدخول والمصروفات، وتدهور العلاقة بين الجهد والأجر. هذه المؤشرات يمكن التحقق منها بسهولة من خلال مقارنة البيانات الرسمية أو غير الرسمية بحال البلاد قبل عشر سنوات، كما يقول المثل “اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب”.

وقد أفضت هذه الأوضاع، في المجتمع المصري على سبيل المثال، إلى نوع من “الانفصام الاجتماعي”، إذ تسعى ملايين الأسر إلى الحفاظ على مظهر الثراء والرفاه الذي اعتادت عليه، تقديرا لاعتبارات اجتماعية وثقافية، حتى لو كان ذلك على حساب صحة العائلين النفسية والجسدية. وقد استنزفت هذه الأسر مدخراتها من الثروات السائلة وغير السائلة، مثل العقارات أو المعادن النفيسة، التي كانت تمثل صمام أمان لمجاراة هذه الأوضاع. ولعل في المثلين الشعبيين “القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود” و”خد من التل يختل” تعبيرا صادقا عن هذا الواقع.

يمكن القول إن المصريين يعيشون اليوم لعبة “عض الأصابع”، إذ يخسر من يصرخ أولا، لأن ذلك يعني انهيار وجاهته الاجتماعية، وهي وجاهة قد تمثّل بالنسبة للكثيرين طوق النجاة من الانهيار النفسي. ولهذا يسعى البعض إلى التمسك بها بأي ثمن، بينما يستغل آخرون الموقف لإظهار بذخ زائف يعمّق إحساس الفقراء بعوزهم.


مظاهر استهلاكية لمجتمع الندرة

أنتجت الندرة الاقتصادية أنماطا جديدة من العلاقات الاجتماعية، أخلّت بالتقاليد المجتمعية الراسخة، خاصة في مجتمع عُرف بكرمه وتواصله، إذ أصيبت الزيارات العائلية بالبرود، ولم تعد الدعوات لها ما كانت عليه من إلحاح وإصرار. وبدلا من اللقاءات المباشرة في الأعياد والمناسبات، حلت محلها مكالمات هاتفية ورسائل إلكترونية باهتة.

وفي مشهد يذكّر بسلوكيات فردية من مجتمعات الرفاه الغربية (مثل شراء الفاكهة بالواحدة)، بدأ المصريون يشترون البطيخ بالشريحة لا بالحبة، لكن لسبب مغاير تماما، هو ضيق اليد. وتراجعت ثقافة اقتناء الأفضل، لتحل محلها ثقافة البحث عن الأرخص، ولو كان على حساب الجودة.

وأصبحت تجارة المستعمل والخردة والتقليد رائجة في كل ما يتعلق بالسلع المعمرة والمواد الاستهلاكية، حتى اللحوم والدواجن المجمدة المجهولة المصدر. كما تخلى العديد من الأسر عن بعض النفقات اليومية، بل وأصبحت تمارس هذا “التقشف القسري” في الخفاء، خشية الوصم أو الخجل الاجتماعي.


هذا الوجه “الاستعراضي” للطبقة الوسطى، يقابله انهيار تام في الطبقات الفقيرة، إذ تفشت مظاهر التفسخ الاجتماعي: بلطجة، جرائم، تجارة أعضاء بشرية، خطف أطفال وفتيات، اغتصاب، وابتزاز. وحتى استخدام الضحايا في تجارب علمية، ضمن أنشطة إجرامية منظمة.


الانحلال الأخلاقي وصعود اللاعقلانية

تعج صفحات التواصل الاجتماعي بسلوكيات غير مألوفة، من تعرٍّ إلى دعارة إلى تمجيد المخدرات. ولم تعد هذه الممارسات حالات فردية، بل تحولت إلى ظواهر يومية، تتجاوز مناطق شعبية بعينها، وتطال المجتمع كله. ويمكن القول إن تجارة المخدرات صارت واقعا يوميا لا يمكن إنكاره.

ومع غموض المستقبل، أصبح كثيرون يلجؤون إلى وسائل غيبية، مثل التنجيم والتاروت وقراءة الفنجان والزار وأعمال السحر وطقوس الشعوذة والتحاسد، بل وصل الحال بالبعض إلى تقديم قرابين للشيطان، في مشهد يشي بتراجع العقلانية وسيطرة الخوف.


الفضح والتشهير كأداة ضبط اجتماعي

في المجتمعات التقليدية، كان الفضح عقوبة رادعة للمجاهرين بالمعصية أو الخارجين على العقد الاجتماعي، وكان ذلك -رغم قسوته- دليلا على تماسك المجتمع. ورغم أن الإسلام حذّر من الغيبة والنميمة، فقد أقر الفضح في سياقات إصلاحية بحتة. لكن المشهد اليوم تغيّر، فقد صار بعض الناس يتباهون بالنصب والاحتيال، ويجاهرون بالبلطجة والرذيلة، بينما عادت مظاهر الثأر بعد أن اندثرت عقودا.

وبسبب شيطنة المتدينين، وتهميش الوازع الديني وتسفيهه إعلاميا، تحولت الأزمة الاقتصادية من فرصة للإبداع والتكافل إلى بيئة خصبة للهدم والتدمير والانحلال.


خاتمة

مع قسوة الواقع يبقى الأمل ممكنا، فالأزمات الكبرى تحمل في طياتها فرصا لإعادة البناء، والانتباه إلى أخطار الترف الطويل. وربما يكون في هذا التدهور الصادم ما يذكّرنا بوصية عمر بن الخطاب: “اخشوشنوا، فإن النعمة لا تدوم”.


المصدر : الجزيرة مباشر

https://ajm.news/26w9h0

..........................................

التحديات العربية بعد النكسة الإيرانية! - سيد أمين

الأصعب من تداعيات النكسة غير المسبوقة التي تعرّضت لها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 13 يونيو/حزيران الجاري، واغتيال إسرائيل معظم قادة الصف الأول الأكثر تأمينا واعتبارا، مع قصف العديد من المنشآت الإيرانية، لم يأتِ بعد، وستكون له عواقب وخيمة على المنطقة العربية والإسلامية.

يتمثل هذا “الأصعب” في حرمان هذه الدول من حق الاختيار بين الدوران في فلك إيران أو إسرائيل، فأصبحت كل الطرق تؤدي الآن إلى وجهة إجبارية واحدة نحو تل أبيب، وسوف يتسارع مسار التطبيع والتفريط بشكل مذهل على المسارات كافة.

التحديات ستطال الجميع في المنطقة العربية، حتى أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم حلفاء لإسرائيل، لأنهم من الآن فصاعدا، عليهم القبول بالتعامل على أنهم مجرد أتباع، ولم يعد بوسعهم سوى الطاعة العمياء، هذا إن استمرت إسرائيل في استخدام لعبة الوكلاء، ولم تقم بنفسها بإدارة الأمور، أو تقم باستبدالهم بوكلاء أكثر قبحا وفجاجة.

مصيبة هؤلاء الأتباع –وهو التعبير الأكثر انضباطا من اليوم فصاعدا– لا تقل فداحة عن المصيبة التي طالت وستطال “المارقين” عن الحظيرة الأمريكية والإسرائيلية، فقد ألف هؤلاء المارقون الكرّ والفرّ، والضربات الموجعة والنهوض منها، يتوجّعون ويوجِعون، وبالتالي فهم لم يكونوا يوما في موضع أفضل مما هم فيه الآن. أما “الأتباع” فقد فقدوا حتى سبل المناورة التي كانوا يلوّحون بها حينما يُطلب منهم ما يفوق طاقتهم، فيُبدون تقرّبا صوريا لإيران، فتخفّف الولايات المتحدة مطالبها، وأصبح هذا التلويح سلاحا لا يُقدّر بثمن.


محور المقاومة: من الصدمة إلى التحول

مما لا شك فيه أن ما يسمى بـ”محور المقاومة” يعيش الآن أكثر وضعيّاته بؤسا منذ عقود، بعد هذه الضربات –إن توقف الأمر عند حدود الضربات– وبعد تكرار المشهد الموجع الذي حدث لـ(حزب الله) مع “الحصن الحصين الأم”، فقد افتقر هذا المحور إلى روافد دعمه العسكري والسياسي والروحي، وإذا قبلت إيران بالهزيمة ولم تُصدر ردا مباشرا موجعا، فهذا يعني زوال تأثيرها، لأنها لم تستطع حتى الدفاع عن نفسها، وبالتالي لا يمكنها الدفاع عن أذرعها، لذلك قد يصبح بقاء هذا المحور على ماهيته المنظمة الحالية ضربا من الإعجاز.

ولما كان “من السم يُصنع الترياق”، فإن كثرة تجرّع هذا المحور للسمّ والهزائم جراء التفوّق العسكري والاستخباري الشاسع بين قدراته وقدرات إسرائيل المدعومة من دول عدة غربية كبرى، منحه قدرة على سرعة التعافي، والصبر، والتكيّف مع أشدّ المحن.

ولذلك، فإذا استمر الضغط العسكري الإسرائيلي، قد يلجأ هذا المحور إلى التحوّل إلى تنظيمات سرّية، وهو الإجراء الذي تخشاه إسرائيل، إذ قد يتكرر معها ما حدث مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وبالتالي هي بحاجة –مثلا– إلى وجود تنظيمي ظاهر لـ(حزب الله) في لبنان، كي تستهدفه أو تضغط عليه، كما تعثّرت مصالحها وخطواتها في جنوب لبنان. فقدان هذا الوضوح سيحدّ قطعا من سرعة خطواتها، لما للجنوب اللبناني من أهمية جيوسياسية كونه الحدّ المباشر الوحيد لها الآن مع العدو.

ومع ذلك، تبقى هناك في الحلف الشيعي مصادر قوة تحول دون موته، أهمها استمرار مرجعية “الإمام الفقيه” في موقفها من الكيان، فإن ذلك سيمنح الرعية زخما روحيا كبيرا للاستمرار، وبالطبع لن تقبل أي مرجعية دينية شيعية القبول باستمرار قضم الكيان للمقدسات الإسلامية، لأن هذا القبول يعني انهيار قداستها الروحية.

أيضا، فإن الشيعة في الجنوب اللبناني يقفون على خط تماس ملتهب مع كيان يتربّص بهم، وبالتالي حاجتهم إلى قوة مسلحة تحميهم منه هي حاجة وجودية، لا يمكنهم تصوّر العودة إلى ما قبل نشأة (حزب الله)، حين كانت إسرائيل تعربد في بلادهم كيفما شاءت، وهذا مبرر قوي لاستمرار المقاومة اللبنانية مهما كان الثمن، لأن وجودها ضرورة حياة.


أصوات نشاز وحسابات مقلوبة

ورغم أن هذا الهجوم أخرس الألسنة التي حاولت مرارا وتكرارا تصوير كل الصدامات السابقة بين إيران وإسرائيل بأنها مجرد تمثيليات بين حليفين سريين، إلا أن تلك الألسنة لم تعدم هذه المرة الوسائل لتحميل إيران المسؤولية، معترفة بوجود عداء بينها وبين إسرائيل كانت تنكره من قبل، لكنها تدّعي الآن أن هذا العداء حمّل العرب “فواتير” مجازفاتها طول العقود الماضية، تارة باستخدامها فزّاعة لهم، وتارة بأن مردودات مناوشاتها تصبّ بانتقام إسرائيلي في دول عربية كالعراق أو سوريا.

مثل هذه الأصوات النشاز سمعناها كثيرا، خاصة بعد “طوفان الأقصى”، حيث وجدنا من يلوون المنطق والحقائق ويخرجون باستنتاجات عبثية: أن المقاومة في غزة حليفة لإسرائيل، وأن الأخيرة هي من مكّنتها من حكم غزة، وأنها تنفذ أجندة إسرائيلية لتوريط دول الجوار! وحين استُشهد معظم قادة المقاومة، الذين اتهموهم سابقا بالتواطؤ، وجدناهم يحمّلون المقاومة المسؤولية ويتساءلون: “لماذا قاومت؟”.


أما لو…

كل ما سبق هو افتراض مبنيّ على قبول إيران للهزيمة أو انهيارها. أما لو لم تقبل، وردّت ردا موجعا، فسترتدّ كل هذه التحديات في وجه الجانب الإسرائيلي، وسيتعمق قبح صورته التي رسمها له “طوفان الأقصى”.

ولعل التحالف الذي عقدته إيران مع روسيا، الدولة ذات القدرات النووية، قد يحول دون انهيارها أمام أي هجمات أخرى، وربما تجد روسيا من خلاله الوسيلة المناسبة للانتقام من الداعمين الأساسيين لأوكرانيا.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/el4wzj

..........................................

حسابات منعت حزب الله من دعم إيران - سيد أمين


اقرأ المقال علي عربي 21

بعد دخول الولايات المتحدة في العدوان المباشر على إيران، ثارت تساؤلات عن سبب عدم قيام حزب الله اللبناني بدخولها دعما لحليفته الكبرى إيران، رغم أنه دخلها من قبل دعما للفصائل الفلسطينية التي تختلف عنه مذهبيا، ودفع فاتورة باهظة ممهورة بدم قادته..

من الواضح أن سياسات الحزب العسكرية خضعت لحسابات دقيقة تتلخص في عدم التدخل المباشر في الوقت الراهن والاكتفاء بدعمها سياسيا واعلاميا..

أما تقدير توقيت التدخل المباشر وحجمه فسيتعلق بقدرة إيران على الصمود، فمتى كانت صامدة وتستطيع الرد وتكبيد العدو الخسائر سيكتفي بردود عسكرية محدودة، ولكنه سيضطر للتدخل بشكل أكبر مهما كانت العواقب حالما وجدها بحاجة ماسة وضرورية لمساندته.


حسابات دقيقة: الداخل اللبناني والقدرات العسكرية

الاعتبارات التي دفعت الحزب لتبني سياسة تجعله كمن يسير في حقل ألغام؛ منها ما يخص قدراته التنظيمية والعسكرية والتي تضررت بشدة جراء مساندته للمقاومة الفلسطينية في غزة في إطار طوفان الأقصى، ما يجعله بحاجة ملحة لالتقاط الأنفاس وإعادة ضبط هياكله التنظيمية، ونقلها من حالتها التنظيمية المعلنة التي كان عليها قبل الطوفان إلى السرية لتجنب تكرار استهداف قياداته أو اختراقها، مع لملمة قدراته العسكرية تحسبا لأي اجتياح إسرائيلي واسع النطاق لجنوب لبنان، مضافة إليه حسابات تتعلق بالأضرار التي ستتعرض لها الحاضنة الشعبية جراء العودة للقتال بينما الطائرات الإسرائيلية تصل لكل شبر فيها.

وهناك أيضا حسابات مدى قدرته على الصمود وامتصاص الضربات، وتأثيره على نتائج المعركة بشكل يستحق ما سيقدمه فيها من تضحيات، أو بما يضمن له أو لإيران الخروج منتصرة أو على الأقل سالمة من العدوان.

وكانت أهم مخاوف الحزب في العودة المباشرة للحرب هي حالة التململ من قطاع لا يستهان به داخل لبنان، يرى أن الحزب يزج ببلادهم في معارك لا تحقق مصالح لبنان المتعدد الولاءات والمذهبيات والإثنيات، خاصة مع وجود فئات من هذا المجتمع تعاديه لاعتبارات سياسية داخلية رغم اتفاقها معه في ضرورة التصدي للتمدد الإسرائيلي، بينما فئات أخرى قليلة تعتبر إسرائيل أقرب إليها منه.

ولعل إسرائيل تدرك تماما هذه المعضلة، وتستخدمها دائما لكسب المزيد من الضغط على الحزب في لبنان، وآخرها إعلان نتنياهو والعديد من وزرائه بأنهم سيستهدفون مؤسسات الدولة اللبنانية بشكل كامل دون تمييز ما لم يتوقف الحزب عن إطلاق الصواريخ وينسحب إلى شمال نهر الليطاني.


حسابات خارجية: المشهد السوري

ومن تلك الحسابات أن الحزب كان قد تلقى ضربة مؤلمة جراء سقوط نظام الأسد في سوريا؛ الذي كانت تتحالف معه إيران واتخذت من بلاده ممرا رئيسا لإمداد الحزب بالمال والسلاح، ومع ذلك امتص الحزب الضربة وراح يعترف بالأمر الواقع، وأعلن مرارا عدم تدخله في الشأن السوري واحترامه لاختيارات شعبها، بل وإدانته الشديدة للتدخلات الإسرائيلية في المدن السورية الحدودية.

ويأمل الحزب من تلك السياسة طي صفحة الماضي المؤلمة وفتح صفحة جديدة تتيح له أو لإيران الفرصة للاتفاق على أداء نفس الدور الذي كان يقوم به النظام السابق في مسألة خطوط الإمدادات العسكرية، خاصة أن النظام السوري الجديد يقف على ذات الخلفية الفكرية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.


السمعة البيضاء: العدو الواحد

للحزب تاريخ في صفحات الصراع مع إسرائيل يسعى للحفاظ عليها، فقبل عام 2011؛ كادت شعبية الحزب في الوطن العربي تبلغ عنان السماء، خاصة بعد صموده في حرب عام 2006، وهي التي أظهر فيها اللبنانيون وربما العرب جميعا لأول مرة أنهم قادرون على الوقوف أمام الغطرسة الإسرائيلية دون معين دولي، وليؤكدوا أن لبنان ليس مشاعا بلا صاحب يستطيع جيش الاحتلال التوغل فيه حتى يصل إلى بيروت في ساعات دون كلفة موجعة، كما حدث في 1979 و1982.

 ورأينا حينئذ كيف خرجت التظاهرات الداعمة للبنان وحزب الله في معظم عواصم الوطن العربي، وهي المظاهرات التي تجانست فيها وامتزجت كافة التيارات الفكرية العربية من أقصى اليمين إلى اليسار، وكان عمادها التيار الاسلامي، كعادة أي حراك واسع في الوطن العربي.


النقطة السوداء: البندقية نحو الصديق

لم تكن النزعة المذهبية البغيضة قد توسعت حتى حدثت الثورة السورية، ولجوء الأطراف للخيار العسكري، ثم دخول حزب الله على الخط للدفاع عن النظام السوري والامتيازات العسكرية التي تحصل عليها من وجوده، وهي الأحداث التي بقدر ما عانى السوريون من ويلاتها، عانت معها الأمة كلها ردة وتشرذم وانقسام. وتحمل الحزب القسم الأكبر من الخسارة في رجاله وأسلحته وعتاده من جانب، ومن جانب آخر نزيف حاد في شعبيته لدي الغالبية السنية في الوطن العربي، ومثّل الأمر نقطة سوداء في جبينه.

إسرائيل تدرك تماما هذه المعضلة، وتستخدمها دائما لكسب المزيد من الضغط على الحزب في لبنان.

ومع ذلك، فحزب الله  كان يبرر تدخله الدامي في سوريا  من وجهة نظره، حيث قال إن ما كان يحدث هو مؤامرة أمريكية لتدمير نظام مارق توعدته سابقا بالتدمير كما فعلت مع العراق، وإسقاطه عبر الفوضى الخلاقة كما فعلت في ليبيا واليمن والسودان، وراح يمنع الكارثة بكارثة..


وحدة المقاومة: طوفان الاقصى وما بعده

أدرك قادة الحزب الخسارة التي لحقت بهم جراء المشهد السوري، وعملوا حتى قبل طوفان الأقصى في لمّ شمل المقاومة وتوحيدها، ففي حرب 2014 أو عملية "الجرف الصامد" التي شنها الكيان على غزة، والتي ردت عليها المقاومة الفلسطينية آنذاك بعمليتي "العصف المأكول" و"البنيان المرصوص"، تدخل كطرف مساند للمقاومة الفلسطينية وقدم التضحيات الكبيرة، وخرج كما خرجت المقاومة في غزة برأس مرفوعة كما حدث في 2006، هنا رمم الحزب جزءا لا بأس من زخمه الشعبي، ولكن لا زال ينقصه الكثير حتى يعود لما كانت عليه الشعبية قبل 2011.

كشف حزب الله في هذا الحرب مبكرا عن مشروع ضخم لتجهيزه أنفاقا عسكرية تمتد من جنوب لبنان حتى داخل فلسطين المحتلة، كان يمكن من خلالها تدفق آلاف من مقاتليه حتى عمق الكيان، ما ساهم في تحقيق إنجاز عسكري كبير للمقاومة، واضطرت معه اسرائيل لإنهاء عدوانها على غزة ولبنان، لتعود بعد أربع سنوات أو في عام 2018 بعملية "درع الشمال" من أجل تدمير أنفاق حزب الله، بعدما تمكنت من كشف خرائطها. وهنا أرسى الحزب والمقاومة الفلسطينية قاعدة وحدة الساحات التي وصلت أعلى مراحلها في طوفان الأقصى.

انتهت المعركة بما يشبه النصر لإيران.. ومع ذلك الحرب ستبقى مستمرة.

....................................

هكذا نكّل الصهاينة بأطفال اليهود العرب- سيد أمين


كنت أتصور أن الإجرام الصهيوني بحق المدنيين هو فقط نتاج عقيدة صهيونية متطرفة تعادي كل ما هو غير يهودي، لا سيما لو كان فلسطينيا، وأن ما نسمعه عن اختلافات داخل بنيان المجتمعات اليهودية إنما هو مجرد اختلافات سياسية تتعلق فقط بالاستحواذ على السلطة والثروة، لكن ما اكتشفته أن هذا الإجرام يشمل أيضا اليهود العرب.

كانت هناك تصريحات مثيرة للحاخام الصهيوني الشهير يوسف مزراحي، الذي أفتى سابقا بوجوب تدمير كنائس المسيحيين، بل ووجوب إبادة من هو غير صهيوني، أكد فيها قيام إسرائيل بالاتفاق مع السلطات الأمريكية بخطف أطفال من اليهود المنحدرين من أصول يمنية وعربية، بوصفهم غير متعلمين وفقراء وأقل تدينا من اليهود الأوروبيين “الأشكناز”، لإجراء تجارب طبية عليهم، ثم بيعهم لعائلات يهودية في أوروبا وأمريكا.

وقال مزراحي في التسجيل المصور “من أجل الحصول على أسلحة نووية، كان علينا أن نبيع أطفالا سودا سُرقوا من عائلات يهودية يمنية إلى الولايات المتحدة لإجراء تجارب طبية، والآن تمتلك إسرائيل ما يكفي من الطاقة النووية للقضاء على العالم كله في دقيقة واحدة”.


تفاصيل الجريمة

تفاصيل اختفاء “أطفال يهود اليمن”، وهو الاسم الذي عُرفت به القضية إعلاميا، تحمل الكثير من التفاصيل، منها أن هناك نحو ألف حالة تم توثيق اختفائها رسميا، ومن ثَم لم تكن هناك وجاهة لهذا الإنكار الرسمي الطويل، لأن هذا العدد كان يجب أن يكفي ويزيد للاعتراف بالظاهرة.

حتى تلك الأسباب التي كانت تطلقها السلطات لتبرير الموت الجماعي للأطفال، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 4500 طفل، لم تكن مقنعة قط، ناهيك عن أنها خصَّت فقط أطفال اليمن تحديدا وبعض القادمين من الدول العربية دون سواهم، والأنكى أنها لم تقدّم لذويهم جثث أطفالهم، ولم تكشف لهم عن قبورهم، ولم تمنحهم حتى وثائق وفاة.

وللخلاص من تلك الأسئلة التي يطرحها ذوو الضحايا، تحججت السلطات بأن الأطفال ماتوا بأمراض مُعدية، مما توجب معه سرعة دفنهم دون الانتظار لإصدار وثائق الوفاة، أو إجراء طقوس دينية تفرضها العقيدة اليهودية.

وتقول بعض العائلات المهاجرة إنه بعد ولادة أطفالها مباشرة، أبلغتهم السلطات الصهيونية بأن أطفالهم قد ماتوا، دون أن تقدّم لهم جثثهم، في حين طُلب من آخرين ترك أطفالهم المرضى في مراكز الرعاية، وعندما عادوا لاصطحابهم، قيل لهم إنهم نُقلوا إلى المستشفيات، ولكن لم تسنح لهم فرصة رؤيتهم مرة أخرى، واستمر الأمر محل شد وجذب لعقود لاحقة.


انكشاف اللغز

ومثّلت ظاهرة اختفاء الأطفال الحديثي الولادة من بين أبناء اليهود العرب المهاجرين إلى إسرائيل بعد تأسيسها لغزا محيرا كان عصيا على الحل حينها، حتى بدأت تتفكك عقدة خيوطه واحدة تلو الأخرى مع مرور الزمن.

فبعدما اعتادت حكومات الكيان المتتالية إنكار الاتهامات التي وجهتها إليها أسر هؤلاء الأطفال بضلوعها في هذا الأمر، نشرت دائرة المحفوظات الوطنية الإسرائيلية في عام 2016 على موقعها الإلكتروني قاعدة بيانات لنحو 200 ألف وثيقة، كشفت فيها عن مصرع عشرات الآلاف من أطفال يهود اليمن في مخيمات النزوح، وسط معلومات عن إخفائها نحو مليون وثيقة أخرى تخص عشرات آلاف آخرين لم تُنشر عنهم أي معلومات، وهو ما أكد صحة وقوع الجريمة.

ظلت التساؤلات عالقة حتى جاء اعتراف تساحي هنغبي، الوزير المكلَّف بفحص هذا الملف في حكومة بنيامين نتنياهو، في لقاء تلفزيوني، بخطف أطفال يهود يمنيين وبيعهم لعائلات من اليهود الأشكناز “الأوروبيين” الذين لا ينجبون، ولا يمثلون أعراقا يهودية صافية كيهود اليمن الذين كانوا يحافظون على عدم اختلاط سلالتهم بأي جنس آخر خارج قبائلهم منذ قرون.

تلت هذا الاعتراف تصريحات أخرى لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، عبَّر فيها عن تضامنه مع أسر الضحايا، وأمر بصرف تعويضات مالية كبيرة لذويهم، وبذلك أكدت تلك الاعترافات كل الاتهامات التي كانت توجهها عائلات الأطفال ومنظمات حقوقية عن الجريمة التي ارتكبتها حكوماتها ضد أطفالها، وأنهت في الوقت ذاته الجدل والغموض الذي أحاط بهذه القضية.

وكشفت هذه التصريحات، وما تبعها من نشر صور لأطفال يهود في مختبرات طبية يخضعون لفحوص طبية، كذب نتائج تحقيقات ثلاث لجان سابقة شكّلتها حكومات سابقة، ولم تُجِب جميعها عن العديد من التساؤلات، في محاولة لطمس القضية وإنكار حقيقة الاختطاف.


ألغاز القضية

ويبقى هناك سؤالان مهمّان قد يكونان السبب وراء الإنكار الصهيوني لهذه الجريمة، لأن الاعتراف بالجريمة سيتوجب معه الإجابة عنهما؛ الأول عن طبيعة التجارب الطبية التي أُجريت على أولئك الأطفال، وضرورتها، ونتائجها.

والسؤال الثاني عن البرنامج النووي الصهيوني، وسر ربط أمريكا بين اختطاف هؤلاء الأطفال وتزويد إسرائيل بترسانتها النووية الكفيلة بتدمير العالم كله في دقائق، كما يقول الحاخام الإرهابي مزراحي.

هناك إجابات ملتبسة عن السؤال الأول تتحدث عن أن السبب قد يكون حرص اليهود الأوروبيين على إدخال سلالات يهودية محافظة في عائلاتهم، وهو ما توافر في السلالات اليمنية، أو تعويض ضحايا المحرقة النازية “المزعومة” ممن فقدوا أبناءهم بأطفال آخرين، وهناك من يرى أن الهدف يدور حول التجارب العلمية التي كانت تحتاج إليها الصناعات العسكرية البيولوجية الإسرائيلية لمعرفة خصائص الشخصية العربية.

لكن الإجابة عن السؤال الثاني ما زالت بحاجة إلى التفسير.

فهل يفكر العرب في وسائل ناجعة لردع إسرائيل، غير طلب الرحمة، وقد شاهدوا بأعينهم ماذا فعلت بحق أطفال يهود لأنهم فقط تربّوا في بيئة عربية؟

المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/c04ied

.........................................

التصعيد في المتوسط: اليونان تستفز ليبيا والخلفية إسرائيلية - سيد أمين

عود إلى بدء، فبعد فترات قصيرة من الهدوء الحذر، عادت أزمة المناطق الاقتصادية في البحر المتوسط للتفجر مجددًا، بعدما أرسلت اليونان قطعًا بحرية بالقرب من الشواطئ الليبية بزعم منع أعمال الهجرة غير الشرعية الوافدة من الجانب الليبي، في حين اعتبرت السلطات الليبية في طرابلس أن هذا الإجراء مجرد ذريعة لأعمال أكثر عدائية.

فقد تواكب إرسال اليونان لتلك القطع البحرية مع فتحها الباب لعطاءات للشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز جنوب جزيرة كريت، وهي المنطقة التي تقع ضمن المناطق الخاصة بالحقوق الاقتصادية الليبية، مما دفع

حكومة الوفاق الليبية الشرعية لاستنكار وإدانة هذه الإجراءات، ثم كانت المفاجأة في إعلان حكومة بنغازي هي الأخرى إدانتها للإجراءات اليونانية، على خلاف مواقفها السابقة، ووقوع ملاسنة بين مندوبي البلدين في الأمم المتحدة.

وطبقًا للمادة (55) في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، يحق للدول الاستفادة من الثروات العميقة حتى 200 ميل بحري من سواحلها، وبموجب ذلك يصبح لليبيا وجزيرة كريت فقط الحق في استغلال موارد هذه المنطقة اقتصاديًّا، حيث لا تبعد الجزيرة إلا 160 ميلًا فقط عن السواحل الليبية.

ودخلت تركيا على خط النزاع بعد توقيعها اتفاقية الحدود البحرية مع ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، التي نصت بنودها على حماية الحقوق البحرية للبلدين وفق القانون الدولي، مع بسط السيادة على المناطق البحرية، وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وتنمية قدرة الحكومة الليبية على بسط نفوذها وحماية حدودها، والتأسيس لمهام التدريب والتعليم. وقد أصبح هذا الاتفاق متوافقًا مع القانون الدولي بطرحه على المؤسسات الدولية المختصة.

وكانت المفاجأة الأخرى التي قدمتها حكومة بنغازي في هذا الشأن هي تغير موقفها من الرفض التام، متعللة بأنها تناقش مساحات تقع ضمن حدود الشرق الليبي البحرية الخاضعة لها ولا يحق لحكومة غرب البلاد توقيع اتفاقات بشأنها، إلى إعلانها موافقتها عليها، مما يعكس الدور الذي تمارسه تركيا خلف الكواليس لجسر الهوة وتقريب وجهات النظر بين حكومتي البلاد.

في الوقت الذي يُعتقد فيه أن الغرض من هذا التحول هو فقط كسب المزيد من الأصوات القوية الداعمة لهذه الحكومة وتخفيف حدة الانتقادات لها في الداخل والخارج.


الشرق الأوسط الجديد

هناك الكثير من التصورات السياسية حول دوافع اليونان من هذا التصعيد المفاجئ، وهي الإجراءات التي قد يكون المقصود منها استفزاز تركيا أكثر من استفزاز ليبيا، وإعادة تنشيط تحالفات جديدة في المنطقة، استعدادًا لموجة جديدة من التصعيد.

لا يمكننا أبدًا أن نأخذ الأمر بمعزل عن الأوضاع السياسية الراهنة في الشرق الأوسط، وقيام مسؤولين إسرائيليين بالإعلان صراحة بأنه بعد الانتصار على إيران فإن الدور القادم سيكون الحرب على تركيا، مع شعور تركي بسعي إسرائيل لمحاصرتها. وقد عبر عن ذلك قول وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في قمة منظمة التعاون الإسلامي: “لا توجد مشكلة فلسطينية أو لبنانية أو سورية أو يمنية أو إيرانية، لكن من الواضح أن هناك مشكلة إسرائيلية”.

وهناك العديد من بؤر الصدام التركي الإسرائيلي، أولها تبنّي تركيا للحكومة السورية الجديدة سياسيًّا وعسكريًّا، وحدوث عدة مناوشات حذرة وغير مباشرة بين طيران البلدين في السماء السورية. ومنها التصريحات الإعلامية للرئيس أردوغان العام الماضي بأن الأتراك قد يتدخلون لنصرة غزة كما تدخلوا لتحرير إقليم “ناغورنو قرة باغ” الأذربيجاني.

ومنها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا التي تعتبرها إسرائيل استفزازًا لليونان التي شكلت معها ومع دول أخرى حلفًا عسكريًّا.

ومنها اعتقاد أن تركيا دعمت إيران في الحرب مع إسرائيل وأمدتها بمعلومات استخبارية قيمة، والأهم من كل هذا أن إسرائيل ترى قيام تركيا بدور مشابه للدور الإيراني الرافض لانفراد إسرائيل بالشرق الأوسط.

ويقلق أثينا وحلفاءها أيضًا تنامي العلاقات التركية المصرية بعد فترات من القطيعة، بما تخشى معه أن تفاجئها القاهرة بمواقف تشبه المواقف التي اتخذتها حكومة شرق ليبيا من اتفاق تقسيم الحدود البحرية، خاصة أن تركيا تداخلت في ملفات عديدة تهم صميم المصالح المصرية، منها ملف سد النهضة، الذي عرضت أنقرة قيامها بدور الوساطة فيه لتسوية النزاع مع إثيوبيا بما يضمن تحقيق المصالح المصرية.

وكذلك الدور التركي الداعم لوحدة الأراضي السودانية وحكومتها الشرعية، وإعادة الاستقرار لها، وهو ما يعني وقف تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر، مع تنامي العلاقات الاقتصادية بين البلدين بطريقة كبيرة.


أزمة داخلية

طبعا، قد يكون لليونان دوافع أخرى، منها تعزيز اقتصادها الذي عانى في العقدين الماضيين من إجراءات تقشف شديدة لسداد ديون خارجية وداخلية هائلة، قبل أن تخرج منها نحو الاستقرار المالي، لكنها بحاجة لمزيد من الموارد لتجنب العودة إلى الأزمة.

لجأت الحكومة اليونانية للمناورة واستعراض العضلات وتعزيز الادعاءات عبر هذه الإجراءات من أجل الحصول على مكانة أكبر في أي تسويات اقتصادية مستقبلية لدول الحوض قد تحدث، خاصة مع معلومات أمريكية قدّرت احتياطات غاز البحر المتوسط بنحو 8 تريليونات متر مكعب، وهو رقم كبير للغاية كفيل بسد احتياجات الدول المستفيدة لعشرات السنوات.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/rj3mv3

.....................................

الفوارق الجوهرية بين الثورة والانقلاب - سيد أمين

نشر هذا المقال للمرة الأولى في عربي 21

ونحن في خضم شهر تموز/ يوليو المعروف عربيا بشهر الانقلابات أو الثورات حسب رؤية الرائي، يصعب على البعض تمييز الفوارق بين حالة الثورة وحالة الانقلاب، وقد اختلط عليهم الأمر بسبب تشابه مظاهر الغضب والمروق في الحالتين، يدفعهم في ذلك قوة منطق الدعاية التي تخلقها الفئة المنتصرة، مضافا إليها بعض العوارض والشواهد الطبيعية أو المصطنعة التي تجعل الأمر عندهم ملتبسا.

هناك تعريفات كثيرة للثورة تتفق جميعها في توجهها نحو السلطة وأنها غالبا ما تقترن بعمل عنيف، منها أنها حالة اندفاع جماهيري غاضب من أجل إجراء تغيير أساسي في السلطة، ومنها 

أنها عملية تغيير قسري كامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام لتحقيق طموحات تغيير النظام السياسي.

وفي المقابل، يعرف معجم أوكسفورد الانقلاب بأنه تَغْيير مُفاجِئ في نِظام الحُكْم يقوم به في العادة بَعض رجال الجيش، بينما يعرفه المعجم الفرنسي بأنه محاولة غير قانونية وعلنية من قِبل منظمة عسكرية أو نخب حكومية أخرى لإزاحة القيادة القائمة.

وأخبرتنا تجارب السابقين أن الثورة عمل خطير يقدم عليه ثائرون يعون أنهم قد يفقدون حريتهم أو أرواحهم ثمنا لها، لكنهم أقدموا عليها لأنهم وصلوا لحالة من القناعة واليقين بأن عواقب السكون أخطر عليهم من عواقب الثورة. وعلّمتنا أن الثورة حالة احتجاج مقصدها المباشر تغيير السلطة، ولذلك فهي تتجه دائما من الأسفل حيث القاعدة الشعبية نحو الأعلى بغية تغيير قمة الهرم السياسي، فيما أن الانقلاب هو عادة يأتي من داخل قمة هذا الهرم ذاته حيث تتمركز السلطة، وينطلق من المراكز القوية فيه لنقاطها الأضعف.

ومن أهم نتائج الثورة هي أنها تقلب الأوضاع السياسية رأسا على عقب بطريقة يستشعرها الناس وتعود عليهم مردوداتها السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، أما الانقلاب فعادة ما يقود لنفس الأوضاع التي كانت عليه أثناء النظام السابق وربما تقود لما هو أسوأ.

الثورة عادة تقوم ضد النظم غير المنتخبة، أو تلك المنتخبة بشكل صوري لا يعبر عن الواقع، أما في الانقلاب فتكون الحكومات المدنية عادة صيدا سهلا يغري أصحاب السلطة على الانقلاب عليها لكونها لا تملك مقومات حماية ذاتية، وفي أحيان أخرى يغريهم الانقلاب على حكم مستبد وصل لمرحلة متأخرة من الترهل والتراخي بسبب طول فترة حكمه، ويغريهم أيضا الانقلاب على حاكم مستبد وصل استبداده مرحلة لا يمكن تحملها بحيث تهدد قسوته بإسقاط النظام والدولة برمتها، هنا تتدخل أطراف من السلطة لإجراء عملية جراحية لتحسين شروط الاستبداد بما يحافظ على بقاء سلطتهم وبقاء الدولة، وقد يتحقق معها الحد الأدنى من الحرية الشخصية.


السلطة وأدواتها

ويتبقى هنا تعريف السلطة التي يمكن حصرها إجمالا في أدوات القوة والنفاذ عامة، وفي من يملكها أو بيده زمام توجيهها خاصة، وبذلك التوصيف يصبح سهلا فهم أن الجيش والمخابرات والشرطة والقضاء هم المقصودون بالسلطة، وقد تنضم إليهم عدة مراكز تأثير ممن يرتدون ملابس مدنية من رجال إعلام وأعمال ودين وفن، وهم الذين يتقوون بالسلطة ويقوونها في ذات الوقت.

ويجدر التنويه إلى أن هؤلاء عادة ما يكونوا الأكثر تضررا من حالة الثورة لكونهم الحلقة الأضعف من حلقات السلطة، وغالبا ما يحقق غضب الثائرين فيهم غايته بسهولة، فيتم تحييدهم في اللحظة الأولى، وكثيرا ما يلجأون إلى التحول السريع لدعم السلطة الجديدة، فيما الحلقات العليا من السلطة قد منحتها خبراتها وعلاقاتها التي كونتها إبان سطوتها الهرب إلى رعاتها في الخارج، وذلك على اعتقاد سائد في العالم الثالث بأنه لا يوجد استبداد في بلد ما دون أن يكون له رعاة خارجيون نافذون، وهؤلاء هم الذين رأت فيهم تلك السلطة المستبدة أن الولاء لهم والاحتماء بهم أفضل لها من الولاء والاحتماء بالشعب، وذلك لأنها تدرك أنها تحقق مصالح هؤلاء الذين في الخارج، في حين أن مصلحة شعبها في غيابها.


حديث حول المشروعية

وفي الحديث عن مشروعية الثورة هناك محددات تجعلنا نميز بينها وبين الانقلاب، منها الوعي، سواء في الدوافع أو الإجراءات أو الغايات، والذي في حال افتقاده سيحولها إلى عمل فوضوي يمكن الاستبداد ولا ينتزعه.

والثورة هي عمل ملحّ، بمعنى أن هناك تعبيرا عن حاجة جماهيرية حقيقية ماسة لها، وهي عمل غاضب مدفوع بتأثير ألم مادي ومعنوي لدى الثائرين وليست مجرد نزهة ورفاهية.

أما الانقلاب فإجمالا لا توجد أي مشروعية له لأنه عمل غير قانوني أو دستوري وغير أخلاقي أيضا، لكن هناك حالة واحدة يمكن تقبله فيها وذلك حينما يكون عدم وقوعه سيقوض إرادة الشعب، بمعنى أن السلطة التي سيقع ضدها الانقلاب سلطة أصلا لم يخترها الشعب، أو أن الشعب اختارها وأعطاها فرصتها الدستورية كاملة، ثم بعد انتهاء مدتها القانونية خالفت القواعد وأرادت القفز نحو الحكم المطلق دون رغبة ناخبيها، يصبح في هذه الحالة الانقلاب صيانة للديمقراطية والدستور وليس تخطيا له.

عموما، متى احترمت الدساتير.. انتهت ظاهرة الثورة والانقلاب.

..................................

“ألبانيزي” أدت واجبها.. فهل نؤديه نحن؟ سيد أمين


لم تكن الإيطالية فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الأممية المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، التي فرضت عليها الإدارة الأمريكية عقوبات ومنعتها سلطات الاحتلال من دخول فلسطين، سوى واحدة من هؤلاء النبلاء الكُثر الذين راعهم حجم الإجرام الصهيوني الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، فنزعوا رداء المصالح الشخصية والفكرية والدينية والثقافية والسياسية، وقرروا الانتصار للإنسانية، والقتال بمفردهم في المحافل السياسية الدولية كلها من أجل ترميم ما تبقى من احترامها، وإنقاذ إنسانية هذا العالم.

العقوبات الأمريكية تأتي في إطار الإنكار الغربي المستمر للحق العربي، وعصفهم بمنظومة العدالة الدولية التي أسسوها بعد الحرب العالمية الثانية، وهو العصف الذي ازدادت فداحته بعد حرب الإبادة الصهيونية على غزة المستمرة منذ سنة 2023، رغم أن هذه المنظومة هي ذاتها التي دلسوا بها على العرب والمسلمين ونقلوهم عبرها من الحراك المسلح نصرة لفلسطين إلى الانبطاح فوق طاولات منظماتها وتحتها، بدعوى السياسة.

وثقت ألبانيزي جرائم الكيان الصهيوني في العشرات من تقاريرها، وكشفت عن تورط 60 شركة غربية عابرة للقارات في دعم إسرائيل وتسليحها وتزويدها بأدوات وتقنيات القتل والإبادة في غزة، بل وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بسرعة التحرك لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، كما طالبت فرنسا واليونان وبلدها إيطاليا بتوضيحات حول فتح مجالها الجوي لعبور نتنياهو، في مخالفة لقرارات المحكمة الدولية التي توجب اعتقاله، فضلا عن توثيقها عمليات الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية.

أهمية نشاط المسؤولة الأممية أنه جاء في إطار طبيعة عملها الرسمي، ما يعني أن تلك التوثيقات لم تصدر عن أطراف خارج أجهزة منظومة العدالة الدولية، أو من متطوعين حقوقيين، أو من متضررين أصحاب مصلحة قد يسهل على إسرائيل -كعادتها- اتهامهم بالتشنيع والتشهير، ولكنها جاءت من داخل أخص المتخصصين بالشأن الفلسطيني في أهم منظمة دولية، ما يجعلها أدلة دامغة على الجرائم، وسيقتص لها التاريخ إن عجز الحاضر.

ألبانيزي ولدت عام 1977 في إيطاليا، ونشأت في أسرة ليبرالية مهتمة بحقوق الإنسان، وبسبب تعليمها في مجال الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، تعرفت إلى تفاصيل القضية الفلسطينية والمذابح التي يتعرض لها الفلسطينيون، وتخصصت في هذا الشأن، وحاضرت فيه في العديد من المحافل الأكاديمية والحقوقية الدولية، حتى اختارتها الأمم المتحدة لمنصبها الأممي، ولما أوجعت صراحتها إسرائيل، أمسكت واشنطن لها عصا التخويف والإرهاب بعقوبات تشمل تجميد أرصدتها وأرصدة ذويها في “البنوك”.


جائزة نوبل: تكريم وتخليد

إذا كان هذا ما قدمته الإيطالية الحرة من أجل نصرة المستضعفين في غزة الذين خذلهم العالم الإسلامي، فيتوجب علينا -كنظم حكم وشعوب نُعد الحاضنة الطبيعية للشعب الفلسطيني- أن نرد لها المعروف بالمعروف، ونتمترس خلف الدعوات التي انطلقت لمنحها جائزة نوبل للسلام.

وهناك العديد من الرسائل التي يمكن إرسالها للعالم كله، وخاصة لقوى التكبر فيه، مفادها أن العالم الإسلامي ومعه أحرار العالم لا ينسون أبدا من ينحاز لحقوق المستضعفين، وأن الدفاع عن فلسطين وحقوق شعبها المهدرة لم يعد خيارا يعود على صاحبه بالغُرم والخسارة كما كان في السابق، بل إنها قضية عادلة تنصر من ينصرها.

من أهم الرسائل أن حصول من وثقت -رسميا وأمميا- جرائم الإبادة الإسرائيلية على هذه الجائزة الكبيرة، التي يدور حولها نقاش نخبوي دائم في المحافل العالمية كافة، سيسهم في نسف المظلومية التي تقوّى بها الصهاينة على مدى عقود في مسألة “الهولوكوست”، لنستكمل بذلك نسف ما أغفلته تداعيات توثيقها “إعلاميا”.

وإذا كان مجرد طرح اسمها لدى العديد من الجهات الحقوقية في العالم لنيل الجائزة قد أوجع إسرائيل ورعاتها، فإن حصولها عليها فعليا سيكون طعنة قوية وتاريخية للمشروع الصهيوني برمّته.

وكما أن طرح اسم فرانشيسكا ألبانيزي لنيل الجائزة يُعد دعما للقضية الفلسطينية وتقديرا لمن يدافعون عن المظلومين في وجه ظالميهم، فإنه سيكون أيضا فرصة نادرة للجهة المانحة للجائزة لتُمسح عنها الاتهامات التي لطالما وُجّهت لها بأن ترشيحاتها في المجالات كافة تخضع لاعتبارات سياسية ولـ”لوبيات” صهيونية.

أما إذا قامت هذه الجهة برفض ترشح ألبانيزي، فإننا لم نخسر شيئا، وإنما فقط كشفنا حقيقة المعايير المزدوجة لـ”جائزة نوبل”، لتنضم إلى القائمة الطويلة لتلك المؤسسات والجهات العالمية الكبرى التي حطم “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الصهيونية سمعتها، ولم يتبقَّ لها إلا الوأد للأبد.


الدور الإسلامي: الدعم المؤمَّل

قد يبرر البعض انعدام دعم العالم الإسلامي “العسكري” لغزة تحت دعاوى نختلف فيها أو نتفق، إلا أن تواضع الدعم الرسمي والشعبي “السلمي” أيضا محل تساؤلات، إذ تحركت دول لا تنتمي لهذا العالم لدعم غزة في المحافل الدولية، كما جرى في المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية، بينما بقيت 57 دولة مسلمة تشاهد المذبحة التي تُرتكب بحق الأشقاء من بعيد دون أن تحرك ساكنا.

الآن جاءت الفرصة من جديد لحفظ ما تبقى من ماء وجه أمة المليارين، وبكلفة أقل، عبر دعم ألبانيزي لنيل جائزة نوبل للسلام، بما يحمله ذلك من اعتراف غربي رسمي ونخبوي بالإبادة في غزة، وأن من قام بها هم هؤلاء “الناجون من الهولوكوست” المزعوم.

ومن حسن الحظ أن لجنة حكماء يختارها البرلمان النرويجي (وليس السويدي) هي من تختار الفائزين بالجائزة في مجال السلام، بخلاف باقي اللجان، والنرويج أصلا من الدول الأوروبية القريبة جدا من القضية الفلسطينية، علما بأن اللجنة المشرفة على الجائزة تلقت طلبات ترشيح لـ338 مرشحا هذا العام، بينهم 244 فردا و94 منظمة، ويمنع نظام اللجنة الإفصاح عن الأسماء.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/xl73jq

..................................

حين يُطلب من الضحية أن تحاكم نفسها- سيد أمين

مَثَل الذين يحمّلون المقاومة الفلسطينية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في غزة من خراب، كمثل النعامة التي لا تدخر جهدًا في غرس رأسها في التراب خشية تمكُّن العدو منها، بينما سائر جسدها متاح للافتراس وصولًا إلى رأسها، في حين أنها لو استخدمت هذا الجهد في مقاومة العدو، فلربما أخافته بجسدها الضخم وأزاحته من طريقها، أو على

الأقل خفَّضت بمقاومتها تلك خسائرها، فتكون بذلك، كما توجعت، قد أوجعت.

المنطق المقلوب انتقل بنا من طور ادعاءات يطلقها الذباب الإلكتروني، إلى المسارات الرسمية، ببيان أطلقه مؤتمر دولي عُقد في نيويورك، يطلب نزع سلاح المقاومة، وتخلي حماس عن حكم غزة، وتسليم السلطة إلى إشراف دولي، ونشر قوات دولية في غزة.

يأتي ذلك رغم أن حماس حكمت غزة بناءً على نتائج انتخابات حرة، صحيح أنها حدثت عام 2006، ولكنها في الواقع الانتخابات الوحيدة التي جرت في تاريخ الشعب الفلسطيني. ولو كان أهل غزة قد ضاقوا ذرعًا بها وبالمقاومة، لتمردوا عليها، وساندتهم في ذلك قوات الاحتلال التي لم تألُ جهدًا لحدوث ذلك، دون جدوى.

والواقع أن وجود الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العربية هو المشكلة، ووجوده هو ما أعطى ضرورة لوجود المقاومة، فبدلًا من أن يتناقشوا في أمر المقاومة التي هي نتيجة، كان ينبغي عليهم إخضاع الاحتلال للعدالة، بصفته السبب الأول لتفجير منطقة الشرق الأوسط، وإيقاعها في دائرة النار والصراع المستمر.

هذه الدعوات هي رسالة صهيونية إلى العالم بأن القوي ليس بحاجة إلى ذرائع ذات منطق ليفعل ما يشاء، بل إنه قادر بمنطقه المعوج على إرغام مؤسسات العدالة للاشتراك معه في الجريمة، من أجل “قصقصة” ريش المظلوم تمهيدًا لذبحه.


عبر الماضي

المقاومة لم تكن في تاريخها كله سببًا للتوتر، فحينما وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، ثم أصدر رئيس وزراء بريطانيا بلفور عام 1917 وعده بإقامة الكيان الصهيوني على أراضيهم، انتهاءً بإقامته بالفعل عام 1948 تحت سياط الحديد والنار والتواطؤ الدولي، لم يكن السبب أن الفلسطينيين أو مقاومتهم استفزت بريطانيا، مع أنهم لو استفزوها فهذا حق لأصحاب الأرض تجاه مستعمريهم.

وحينما شنت إسرائيل حربها على العرب عام 1967، وقامت باجتياح كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها الجولان وسيناء، ثم فرضت حصارًا وحرب تجويع على قطاع غزة، لم تكن هناك مقاومة لتلقي عليها أوزارها، بل كان هناك مجتمع دولي خضع لإرادة المعتدي.

الأمر يشبه تمامًا الأكذوبة التي ابتدعتها آلة دعايتهم السوداء لتبرير ما ارتكبوه من جرائم، بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم، والتي صدَّقها وروَّج لها رهط من بني جنسنا، لتبرير ملازمتهم الخنوع والاستسلام، ثم يشاء الله أن تتحطم إلى الأبد على صخرة طوفان الأقصى، بعد أن كذبها المنطق قبله.

وتكمن أنجع إجابة على الاتهام الخاص بمسؤولية حماس عمّا لحق بغزة بعد طوفان الأقصى، في الإجابة عن سؤال بشأن المسؤول عمّا اعتادت إسرائيل على ارتكابه من جرائم في الضفة الغربية، التي لا تحكمها حماس، والتي صوَّت الكنيست أخيرًا على قرار بضمها إلى الكيان، وهي التي لم تقم بطوفان أقصى، وتحكمها سلطة عباس المرضي عنها إسرائيليًّا.


دروس التاريخ

الجزائريون ناضلوا ضد الاستعمار الفرنسي لبلادهم قرابة القرن ونصف القرن، رغم فارق القوة بينهما، وتكبدوا نحو ستة ملايين شهيد، حتى تحرروا، في وقت ما كان يعتقد أكثر المتفائلين فيه أنهم سيحصلون على استقلالهم أبدًا.

ولم يكن المجاهد عمر المختار ومن معه هم من تسببوا في احتلال الجيش الفاشي الإيطالي لليبيا، ولكنهم جاؤوا رد فعل على الجرائم التي ارتُكبت بحق شعبهم، وطالت نصف الشعب تقريبًا، وفي النهاية رحلت إيطاليا، وانتهى نظامها الفاشي، وبقيت ليبيا وذكرى بطولات المختار.

وحينما قاوم أحمد عرابي ومن معه، واتهمه جوقة الاحتلال فيما بعد بأنه مارق وفاجر، لا يصح أن نقول إنه هو من جاء بالإنجليز، لكن الصحيح أن نقول إنه هو من رفع راية المقاومة نيابةً عن أمته المتخاذلة، ودفاعًا عن وطنه.

وما ينطبق على هذا وذاك، ينطبق أيضًا على المقاومة الفلسطينية، لأن مقاومة الاحتلال حق تكفله كل القوانين الدولية، وقبلها الإنسانية.


حديث التهلكة والإعداد

هناك من يحمّلون المقاومة المسؤولية بدعوى عدم إلقاء النفس إلى التهلكة، هؤلاء هم في الواقع دعاة استسلام وخنوع، يخالفون روح الإسلام، الداعي إلى عزة المسلم وحريته وسيادته، وإيمانه بأن الموت والحياة من عند الله، موجبًا الدفاع عن أي مسلم في أي ركن من بقاع الأرض، متى انتُهكت أرضه أو عرضه أو روحه أو دينه أو ماله، وكل تلك المقدسات تنتهكها إسرائيل في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة عيانًا بيانًا، وعلى مدار الساعة.

المسلمون الأوائل لم يكونوا في أي معركة خاضوها هم الأكثر عددًا، ولا الأكثر عتادًا من عدوهم، ومع ذلك انتصروا فيها كلها، بقوة حجتهم وحاجتهم وصمودهم وإيمانهم.

ويتهجمون على المقاومة بزعم أنها تعجلت طوفان الأقصى، وكان عليها الانتظار لحين الإعداد الجيد لمقابلة العدو، قد يبدو الأمر مقبولًا لو لم تكن غزة محاصَرة، ويُطبَّق هذا الحصار الخانق عليها يومًا بعد يوم، ما يعني أن الانتظار -وقد انتظر الفلسطينيون 75 عامًا كاملة- لن يضيف إليهم قوة، بل زادهم ضعفًا، حتى ظن الناس أن قضيتهم دُفنت إلى الأبد.

وكان ممكنًا الاستناد إلى هذه الحجة بصورة ما، لو كانت الجبهة العربية صامدة موحدة تجاه العدو، في حين أن أرض الواقع تشهد تمدد ظل إسرائيل، ليس على فلسطين وحدها، بل على المنطقة العربية كلها، فتساقطت دولها واحدة تلو الأخرى في بئر التطبيع معه، ثم تطور الأمر إلى التبعية، وصولًا إلى مرحلة لم تكن أبدًا متصورة في أكثر الخيالات قبحًا من قبل، وهو أن يدعم العرب سرًّا إسرائيل ضد المقاومة.

الخانعون وجَّهوا كل النقائص إلى المقاومة، لأنهم عاجزون عن مواجهة الاحتلال، والمقاومة اختارت طريقها منذ الخطوة الأولى فيه، وتعرف نهايته: نصر أو شهادة.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/0ahdn8

........................................

خصخصة التعليم في مصر.. حديث الإحصاءات - سيد أمين


نشر هذا المقال للمرة الأولى في عربي 21

تتفاقم معاناة طلاب الثانوية العامة في مصر وأولياء أمورهم بشكل كبير عام بعد عام، بعد العنت الكبيرة الذي لاقوه طيلة عام كامل جراء الانفلات الجنوني في أسعار الدروس الخاصة، التي وجدوا أنفسهم مجبرين على الاعتماد عليها كليا، بعد النقص الشديد في معلمي المدارس، فضلا عن وجود العديد من المعوقات، منها صعوبة المناهج وعدم تهيئة المدارس لإتمام العملية التعليمية.

المشكلة الأهم التي يواجها الخريجون تتعلق بالتنامي الواضح لدور الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية وحلولها محل التعليم الجامعي الحكومي، حيث لجأ مئات الآلاف من الطلاب إليها بعد ارتفاع المجاميع

المطلوبة لدخول الجامعات والمعاهد الحكومية بكافة أنواعها.

ملامح المعاناة

وتستطيع أن ترصد تطور هذه المعاناة الآخذة في التنامي عبر إحصاءات متنوعة لعقد من الزمان، ففي عام 2014 كان عدد خريجي الثانوية العامة (دور أول وثان) نحو 470 ألفا، قبلت الجامعات والمعاهد الحكومية منهم 400 ألف بما نسبته 82 في المئة، وضمت المرحلة الأولى وهي المؤهلة لكليات القمة 100 ألف، بما يصل إلى 25 في المئة من أعداد الطلاب.

إلا أنه بعد مرور خمس سنوات؛ بلغ عدد الطلاب الذين اجتازوا امتحانات الثانوية العامة بدوريها نحو 577 ألفا، قبلت الجامعات والمعاهد الحكومية والأزهرية 73.1 في المئة منهم بنقص يصل إلى 9 في المئة، فيما التحق الباقون بالجامعات والمعاهد الخاصة.

وفي نفس العام (2019) "خرجت" الجامعات الخاصة 28 ألفا، بنسبة 4.6 في المئة من إجمالي خريجي التعليم العالي البالغ عددهم 604 آلاف، بزيادة 17.8 في المئة عن عام 2018، فيما خرجت المعاهد العليا الخاصة 86 ألف طالب، بنسبة 14.2 في المئة من إجمالي خريجي العام، وبزيادة 1.5 في المئة عن خريجي 2018، فضلا عن 6.6 ألف من خريجي الأكاديميات بنسبة 1.1 في المئة، و55.3 ألف من خريجي المعاهد الفنية، بنسبة 9.1 في المئة، مقابل 47.6 ألف خريج عام 2018، بارتفاع 16.1 في المئة. وتستطيع أن تلاحظ بوضوح أن التعليم الخاص استحوذ على قرابة 30 في المئة من إجمالي خريجي هذا العام، مع ملاحظة أن هؤلاء بدأوا تعليمهم الخاص في سنوات سابقة كان فيها هذا التعليم يستحوذ على نسب إشغال أقل بكثير من السنوات التي تلتها.

أما العام الماضي، فعدد من أدوا الامتحانات 726 ألفا في الدورين، ضمت المرحلة الأولى ما يقل عن 24 ألف طالب، بنسبة تزيد قليلا عن 3 في المئة من إجمالي عدد الطلاب، وهي تضم شريحة ضيقة بشكل غير مسبوق بعد أن كانت قبل خمس سنوات تزيد عن 22 في المئة من أعداد الناجحين.

وتكشف نسبة المرحلة الأولى في ذاك العام عن انحسار كبير في أعداد طلاب الجامعات والمعاهد الحكومية، بدليل التكالب الشديد من الطلاب على الالتحاق بالجامعات الخاصة والأهلية حتى من بين طلاب تلك المرحلة، ما يكشف ضخامة حجم أعداد الذين سيدخلون سوق التعليم الخاص.


سبوبة بلا عائد وطني

في السنوات العشر الماضية تضاعفت أعداد الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية المعترف بها في مصر عدة مرات لتصل إلى 66 جامعة، بخلاف 6 جامعات دولية و7 أفرع لجامعات دولية، وقرابة 200 معهد خاص، كل ذلك مقابل 27 جامعة حكومية فقط وعشرات المعاهد.

ويتضح عدم جودة أداء هذه الجامعات وانصباب تركيزها الأساسي على الدور الاستثماري من عنصرين أساسيين؛ أولهما الرسوم التي تطلبها من الطلاب الوافدين، وهي التي تصل في بعضها لقرابة النصف مليون جنيه سنويا، فضلا عن انخفاض "المجاميع" التي تقبل بها لدرجة الاقتراب من حد الرسوب وذلك بهدف ضم شرائح واسعة من الطلاب.

لن نجتر الحديث المحق عن أن هذا النوع من التعليم حوّل الشهادة الجامعية إلى بضاعة تباع وتشترى مثلها مثل أي سلعة أخرى في الأسواق؛ يحصل عليها من يملك المال لا العلم، فهو حديث معروف وملموس لواقع جرى تطبيعه قسرا تحت سياسة الأمر الواقع في المجتمع المصري.

وصار معلوما أنه تحت شعار التيسير على الطلاب؛ تقوم كثير من تلك الجامعات قبيل الامتحانات بطرح مذكرات مختصرة فيها أسئلة وأجوبة يكون من المعلوم أنها تتضمن أسئلة الامتحانات القادمة، فيقوم الطلاب بمراجعتها في الأسبوع الأخير السابق للامتحانات واجتيازه بيسر والحصول على درجات التفوق، دون ممارسة أي نوع من عملية التعلم أو مراجعة المناهج.


تهافت التهافت

يتبدى تهافت تلك الجامعات على تحقيق المكاسب الاقتصادية من هذا النظام الذي يطبقونه في عملية التقديم لها، فإذا كان التقديم في الجامعات الحكومية يتم بنظام المراحل ويقدم الطالب رغباته طبقا للكليات المتاحة في كل مرحلة ويقوم بإرسالها يدويا أو الكترونيا، وينتظر النتيجة طبقا لدرجاته المؤهلة لهذه أو تلك دون أي غُرم عليه، نجد الأمر قد اختلف تماما مع الجامعات والمعاهد الخاصة. فالقبول هنا ليس بأعلى الدرجات، ولكن بأولوية الحجز ودفع المصروفات عن نصف العام الدراسي الأول، ومن يملك المال يتعلم، في حين أن الخطوة الأكثر ارتباكا وصعوبة على أولياء الأمور تسبق تلك الخطوة، وهي الصعوبة التي تسبب فيها غياب الشفافية والتنظيم، حيث إن الطالب حينما يقوم بالتقديم لدخول أي جامعة يجبر على دفع رسوم تتراوح بين 1500 جنيه حتى 5 آلاف جنيه مصري، وسواء تم قبوله أو لا فإن هذه المبالغ لا تسترد، ما يجعله مضطرا للتقديم في أكثر من جامعة ويدفع نفس الرسوم خشية أن لا يجد كلية شاغرة له.

ولك أن تتخيل أن رسوم التقديم لجامعة واحدة من أجل حجز دور مبدئي قد يُقبل أو يُرفض قد تعادل وحدها نصف أو كل راتب موظف حكومي في شهر، وتتخيل أيضا مدى تضخم الحصيلة المالية العائدة على الجامعات جراء هذا الإجراء فقط.

التعليم في مصر موت وخراب ديار.

.....................................

بسبب صدام حفتر.. تململ في المنطقة الشرقية - سيد أمين


رغم الهدوء الظاهر في المشهد الليبي، إلا أنه هدوء حذر لا ينم عن قرب أي إجراءات تعيد وحدة البلاد التي انشطرت إلى نصفين: نصف غربي تدعمه الشرعية الدولية، وآخر شرقي يصر على المضي قدمًا في حالة الانقسام لأغراض تخدم مصالح قادته العسكريين.

ومنذ أيام، نقلت وسائل إعلام ليبية عن صحيفة يونانية تدعى “فيتا دوت كوم” خبرًا مفاده قيام اليونان باحتجاز سفينة شحن تحمل علمًا بنميًا تُدعى “AYA1” في ميناء أستاكوس غربي البلاد، أواخر يوليو/تموز الماضي، وهي تحمل 350 مدرعة قتالية كانت في طريقها إلى ميناء بنغازي. وبعد تدخل الحكومة الليبية الشرعية في طرابلس تمت الموافقة على توجه السفينة إلى مصراتة الخاضعة لها.

تناقلت المنصات الإعلامية الليبية الخبر، حتى تلك التي تعتبر من بقايا إرث الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي مثل منصتي “الجماهيرية العظمى” و”أويا”، ما يعكس اتساع رقعة التململ من الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر حاكم المنطقة الشرقية، خاصة مع ثبوت علاقاته بإسرائيل، وسعيه لتكريس الحكم العائلي لأولاده، رغم عدم تمكننا من التأكد من صحة الخبر أو من وجود هذه الصحيفة اليونانية.


قصة نائب ونائبة

يدلل ليبيون على قسوة القبضة الحديدية التي يعامل بها الجنرال حفتر كل من يغضب عليهم، بما جرى لإبراهيم الدرسي النائب في البرلمان وأحد المقربين منه، وكذلك النائبة سهام سرقيوة.

فقد ظهر النائب في تسريب مصوَّر صادم وهو مكبل بالسلاسل داخل ما قيل إنه أحد سجون “لواء طارق بن زياد”، متوسلًا للحصول على عفو حفتر ونجله صدام.

وأرجعت مصادر سبب هذه العقوبة إلى ظهوره في فعالية داعمة لعملية الكرامة التي أطلقتها حكومة طرابلس.

وعادت سيرة سهام سرقيوة، عضو مجلس النواب الليبي عن مدينة بنغازي المختطفة منذ يوليو/تموز 2019، للتداول مجددًا في الأيام الماضية، بعد قيام مدونين وصحف بنشر صورتين: إحداهما زعموا أنها لها تحت التعذيب والاغتصاب على يد مسلحين تابعين لكتيبة تتبع الشرق الليبي، أما الصورة الثانية فلجثة متفحمة وعليها آثار تعذيب قالوا إنها تعود لها، وهو ما لم تؤكده أو تنفه أي جهة رسمية في شرق ليبيا حتى الآن.

وكانت سهام سرقيوة قد رفضت قبيل اختطافها بأيام قليلة من بيتها، من قبل قوة مسلحة قتلت زوجها، الحملة التي شنتها قوات حفتر على العاصمة طرابلس وطالبت بوقفها فورًا واستدعائه ومساءلته في البرلمان. كما رفضت في جلسة أخرى عسكرة الدولة، وطالبت بسن مادة تمنع صراحة من يعملون في الجهات العسكرية والأمنية من الترشح للانتخابات الرئاسية كما تفعل معظم دول العالم الحر، وإلزامهم بعدم الدخول في معترك السياسة أساسًا.

وزعم مراقبون ليبيون آنذاك أن عملية الاختطاف تمت بتخطيط من خالد نجل حفتر، وأنها اُقتيدت إلى معسكر طارق بن زياد حيث اغتصبت وعُذبت وقُتلت، فيما تنفي أسرة حفتر علاقتها بالموضوع.


تصعيد صدام

حالة الحنق على حفتر، البالغ من العمر 81 عامًا، ازدادت بشدة بسبب القبضة العسكرية الخانقة التي يحكم بها مناطق سيطرته ويعامل بها معارضيه، كما حدث مع النائبة سهام سرقيوة، وكذلك استعانته بمرتزقة من العديد من البلدان الإفريقية والعربية لتحقيق ذلك، مع قصص الفساد والاستحواذ التي جعلت بعضًا من المقربين له يهربون للخارج ويهاجمونه.

بعد ذلك جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بتعيين ابنه “صدام” (34 عامًا) نائبًا له في قيادة ما يسمى “الجيش الوطني الليبي”، ما تسبب في وصول الحنق إلى أقرب قادته العسكريين الذين كانوا يتوقعون أن يتولى أحدهم المنصب.

مراحل تصعيد صدام لقمة الهرم العسكري كان يُرتب لها بشكل هادئ منذ سنوات، برزت عبر إيفاده إلى العديد من العواصم الدولية الغربية والشرقية والإفريقية وحتى أنقرة والقاهرة متحدثًا عن شرق ليبيا دون أن يكون له منصب معتمد، ثم تقدم خطوة كبيرة عبر إلحاقه بالجيش، تلاها خطوات لتسريع ترقياته ليتخطى الجميع، حتى ظهوره بزي تخرج عسكري من الأكاديمية العسكرية الأردنية.

ولعل اتخاذ حفتر للقرار عقب زيارة مبعوث البيت الأبيض مسعد بولس الشهر الماضي له في بنغازي، يشي بأن هناك ضوءًا أمريكيًا أخضر قد مُنح له، فاتخذ القرار وراح يهدئ من غضب قادة جيشه بإعلانه أن هناك حزمة ترقيات كبرى ستطول معظم القادة في الأيام المقبلة.

ورغم أن الهدف المعلن لزيارة المبعوث الأمريكي كان التوسط لإتمام الانتخابات البلدية الموحدة لليبيا في 16 أغسطس/آب الجاري، إلا أن هناك اتهامات عديدة للسلطات الشرقية بمنعها في عدة مناطق خاضعة لسيطرتها، فيما قامت ميليشيات تابعة لها بمحاولة عرقلتها في غرب وجنوب البلاد عبر إحراق مكاتب الاقتراع في الساحل الغربي ومدينة الزاوية، مما جعل مفوضية الانتخابات تؤجل انتخاباتها إلى 23 أغسطس/آب الجاري.

ولو تأكد ضلوع سلطات المنطقة الشرقية في هذا السلوك فهذا يعني أحد أمرين: إما حصول حفتر على ضوء أخضر بحصوله على رعاية أمريكية أكبر مستقبلًا، وبالتالي لا حاجة لانتخابات بلدية يمكن أن تقوي عضد حكومة طرابلس، وهو ما نرجحه خاصة أن زيارة مبعوثها تعني في حد ذاتها دعمًا له، وإما أنها حاولت الضغط عليه للتسليم بالأمر الواقع والسماح بعملية سياسية سلمية، وبالتالي جاء رده الاعتراضي في تخريب عملية الاقتراع بهذه الصيغة.

ويعتقد مراقبون أن القرارات الجديدة التي اتخذتها حكومة الشرق الليبي بقيادة أسامة حماد، بإزاحة سالم الزادمة وتكليف حميد حومة لشغل منصب نائب رئيس الحكومة بدلًا منه، ونقل شقيقه حسن الزادمة لمنصب خدمي في الجيش، هي محاولة من الجنرال خليفة حفتر للقضاء على النفوذ العائلي المنافس لأسرته في الانفراد بالحكم قبيل تصعيد صدام لمنصب قائد الجيش.

هكذا تُدار الأمور، بينما ينشغل الليبيون الوطنيون بإعادة الوحدة الليبية، ينشغل البعض بتكريس الانفصال.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/5tt44r

.......................................

ليبيا بعد الانتخابات البلدية وخطة تيتيه - سيد أمين

في ليلة الثالث والعشرين من أغسطس/آب الماضي، وعشية إجراء انتخابات في 7 مراكز اقتراع تم تأجيلها لهذا اليوم بسبب قيام مخربين بحرقها في الجولة الأولى، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا عن نتائج متعثرة للمجموعة الثانية من الانتخابات البلدية، التي جرت في يوم 18 من ذات الشهر.

الملاحظ أنه قبل إعلان النتائج بأيام، بل وقبل بدء الانتخابات نفسها، راحت فضائيات ومواقع إخبارية عربية بعينها تغرق شبكة الإنترنت بأخبار تهلّل لما أسموه سقوط الإخوان وأنصار سيف الإسلام القذافي، فتستضيف

من وصفتهم بالمحللين والخبراء في الشأن الليبي ليجمعوا على أن الشعب الليبي لفظ حكم الميليشيات في طرابلس، وهو الأمر الذي يكشف عن تنامي حالة التربص وما يُعدّون له في حال فوز قوائم ليست على هواهم.

ورغم أن هذه “الرجمة” الإعلامية كانت سابقة لأوانها وغير دقيقة الأحكام، فإنها حاولت تصوير الأمر بوصفه انتصارًا لـ”الرجمة”، وهي القاعدة العسكرية التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي، ويتداول الليبيون ذكرها بوصفها تشير إليه، وذلك على خلاف الحقيقة، حيث إن غالبية القوائم الفائزة هي قوائم مستقلة، قطعًا هي لا تعبّر عن حفتر ومن معه، ولكن ليس من المستبعد أبدًا تعبيرها عن التيار الإسلامي وأنصار الزعيم الليبي السابق معمر القذافي رغم التناقض بينهما.

المثير للدهشة أن المجموعة الأولى من انتخابات البلدية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2024 سيطر على مجملها الإسلاميون، وبالتالي فهم موجودون أصلًا في المجالس البلدية، ولذلك لا يمكننا اعتبار نتائج المجموعة الثانية هزيمة لهم، ولكنها في الواقع هزيمة لقوائم حكومة حماد غير المعترف بها دوليًّا.


دلالات أخرى

والحقيقة أنه مع التعثر السياسي والتدهور الأمني الذي امتد منذ 2011 حتى الآن، ومع انسداد الأفق في تحقيق الاستقرار والديمقراطية، لجأ الليبيون إلى الهروب من انتماءاتهم السياسية والعشائرية من أجل تحقيق غرض أسمى وأهم، وهو إفشال مخططات تعميق الانقسام المصطنع بين غرب البلاد وشرقها، ومنع نشوء حكم عائلي متخفٍّ برداء الجمهورية، خاصة بعد قيام اللواء حفتر بتعيين ابنيه في قمة الهرم العسكري: صدام نائبًا له في قيادة ما يسمى “الجيش الوطني الليبي”، وخالد رئيسًا لأركانه، مع تكريس السلطات في باقي أفراد عائلته.

ومما يؤكد حرص الناخب الليبي السياسي والوطني على وأد الانقسام أن جميع القوائم الفائزة هي قوائم مستقلة، مثل: “السارية” في طرابلس المركز، و”البصمة” في زليتن تليها “الرسالة” الإخوانية، و”وفاق عين زارة” في عين زارة، و”إعمار” في “أبو سليم”، و”البناء والإعمار” في المنشية، في حين حققت قوائم تُنسب لسيف الإسلام القذافي نجاحًا في 15 منطقة من ضمنها طرابلس المركز والعزيزية، حيث كان مقر حكم والده.

هذا التصويت –إن لم يتم الطعن فيه– قد لا يُحسب لصالح قوائم الإسلاميين بلا شك، ولكنه يُحسب لهم في المقاعد الفردية. وعلى كل، فهذا التوجه يعني الهروب من عسكرة الدولة كما يريدها حكام الشرق، لا سيما بعد تلطيخهم ليبيا بعار التطبيع مع إسرائيل، وهو الإجراء الذي أقدم عليه حفتر عام 2021 وأرسل ابنه صدام للقاء مسؤولين صهاينة طالبًا منهم دعمه في السيطرة على ليبيا مقابل التطبيع الكامل معهم، فضلًا عن فساد اقتصادي متمثل في تورطهم في سلوكيات مشينة عدة بدءًا من الاتجار بالكبتاغون وصولًا إلى البشر.

والدلالة الأصدق للانتخابات في الغرب الليبي أنها جرت بشكل شفاف وديمقراطي، سمحت فيه السلطات –التي يحلو لخطاب حكومة الشرق اتهامها بالتطرف– للشعب بأن يُعبّر عن نبذه لعناصرها في الصناديق، وذلك يؤكد ثقتها في نفسها وناخبيها متى جد الجد في انتخابات أكثر أهمية.

ولو طرحنا أرضًا كل تجارب التعنت والمراوغة واصطناع العراقيل طوال 14 عامًا بعد الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي، وليّ عنق الشعب عبر الاستيلاء المسلح على مقدراته من آبار نفط ومعادن وثروة، وصدقنا أن الشعب الليبي قد نبذ الإسلاميين والقذافيين معًا، فدلالة ذلك –إن صحت أمانيكم– أن الشعب تغيّر مزاجه، وبالتالي توافرت لكم كحكومة ظل فرصة عليكم اقتناصها كي تأتوا أنتم بالصناديق!


خطة تيتيه

إذن فما يمنعكم من استغلال الفرصة والتكتل خلف خطة المنسقة الأممية من أجل الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية يمكن من خلالها استكمال عملية تحرير طرابلس والغرب الليبي من دون حرب؟

الفرصة مواتية، فها هي المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، تعرض خريطة طريق جديدة تمتد بين 12 و18 شهرًا، تفتح المجال أمام انتخابات رئاسية وتشريعية صارت حلمًا بعيد المنال لدى الليبيين في الغرب والشرق على حد سواء. إلا أن عقيلة صالح، رئيس البرلمان –وهو برلمان سقطت ولايته منذ بضع سنوات– يؤيد هذه الخطة، ولكنه في نفس الوقت يطعنها في مقتل بقوله إن حكومة أسامة حماد التي عيّنها في الشرق الليبي هي حكومة البلاد الشرعية.

وذلك في حين ترى حكومة الدبيبة الشرعية في الغرب الليبي أن الخطة ممتازة وسيدعمونها بكل قوة، ولكن الأمر يحتاج إلى ضوابط صارمة تمنع صياغة قوانين انتخابية تُفصّل على مقاس شخص بعينه.

التكهنات تزداد بأن أعمال إفشال خطة تيتيه بدأت قبل طرحها عبر إثارة الفوضى في الغرب الليبي، تارة عبر استهداف بعثة الأمم المتحدة بالصواريخ، وتارة عبر حرق لجان انتخابية، وتارة عبر اغتيال العسكريين مثل محاولة اغتيال معمر الضاوي آمر كتيبة “55 مشاة” في المعمورة بالغرب الليبي، وقد قُتل 12 من المهاجمين وأُسر آخرون، واتضح أنهم مرتزقة من جنسيات إفريقية.

الليبيون فرحوا بالانتخابات وخطة تيتيه، وازدادت الآمال في لمّ شمل البلاد، والأيام القادمة ستكون على ليبيا إما استقرارًا وإما مزيدًا من التدهور.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/12qsm2

...................................

الضربات الصهيونية على الدوحة.. المغزى والمعنى - سيد أمين

شهادة وطنية حقيقية جديدة منحها الكيان الصهيوني اليوم إلى دولة قطر حينما استهدفت مسيَّراته أو صواريخه أحياءً في العاصمة الدوحة، قاصدًا اغتيال قادة الوفد المفاوض لحركة حماس حين كان يناقش مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن شاءت الأقدار أن ينجو الجميع، ويبقى استهداف الدول الحرة ومدنييها وصمة عار في جبين قادة هذه الدولة المارقة المدعومة من أعتى جبابرة الأرض.

الشهادة تأتي من أن الدول العربية في نظر الكيان نوعان: نوع تمرح فيها جالياته ووفوده ومراكز أبحاثه وجواسيسه ويُستقبلون استقبال الأهل وأصحاب الدار، ودول أخرى تتسلل خلسة فيها صواريخه ومسيَّراته لتقصف

مبنى هنا أو هناك وتفر هاربة أو تسقطها الدفاعات الأرضية. ونعلم أن الفرق بين هذه وتلك كالفرق بين الثري والثريا، وشاءت الأقدار أن تؤكد قطر موقعها في منطقة الثريا.

هذا التموضع لم ينشأ فقط على إثر تداعيات طوفان الأقصى، فإسرائيل فعلت بعده تمامًا كما كانت تفعل قبله، فقد اغتالت سلسلة طويلة من طواقم إعلاميي قناة الجزيرة في غزة بعده، ومنهم على سبيل المثال أنس الشريف والغول وأسرة الدحدوح، كما قتلت قبله شيرين أبو عاقلة. وكان هدفها الدائم إخراس شبكة الجزيرة القطرية التي كان لها نصيب الأسد في تعرية وجهها القبيح عالميًّا، وحطمت “السردية” التي رسختها الصهيونية لدى الغرب طيلة عقود مضت.

يُنتظر من الأشقاء العرب، خاصة في مجلس التعاون الخليجي، عدم الاكتفاء بإدانة هذه الضربات، بل القفز نحو قطع كل أشكال التعاون مع الكيان، وإثبات أن المجلس كتلة واحدة ضد استهداف مكوناته.

ولعل هذه الضربات ليست بمثابة رسالة إرهاب صهيونية إلى وفد الحركة المفاوض، ولا لدولة قطر فقط، ولكنها رسالة صهيونية إلى الأنظمة كافة في الشرق الأوسط، طبقًا لما عبَّر عنه صراحة رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا الذي نشر “فيديو” للقصف، وقال إنه بمثابة رسالة إلى الشرق الأوسط بأسره.


علاقات غير حميدة

وتدرك إسرائيل، كما يدرك أي مراقب منصف، أن العلاقات التي تربطها بقطر لا تصب أبدًا في صالحها، كما في نماذج علاقاتها السرية والمعلنة مع دول عربية وإسلامية أخرى، وذلك أن قطر تستخدمها في إطار تمثيل القضايا العربية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والقيام بالوساطات بينه وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، وليس في إطار مساعي طمس القضية والعبور فوق جثتها. ومن ثَم، فهذا ليس تطبيعًا حميدًا بالنسبة لها.

والحقيقة أن دور الوساطة، الذي تمارسه قطر بين وفد المقاومة الفلسطينية المفاوض والمستهدف بمحاولة الاغتيال الدنيئة والكيان الصهيوني، هو دور يهم الكيان بالقدر نفسه الذي يهم المقاومة، خاصة مع تعثره البالغ في غزة، وقيام المقاومة بتحطيم أسطورته العسكرية التي أجبر بها المنطقة العربية قاطبة زمنًا طويلًا، وصار الجميع يعلم أنه لولا الدعم الأمريكي والغربي له لكسرته المقاومة منذ زمن بعيد.

ولذلك فهذه الضربة تأتي في إطار كراهية الكيان لأدوار دولة قطر العربية بعد الطوفان وقبله. وفيما يبدو أن من أشعل نار الاختلاف بين قطر وأشقائها العرب من قبل وأثناء ولاية ترامب الأولى للبيت الأبيض، هو نفسه من أعطى الضوء الأخضر للاعتداء الصهيوني على دولة مستقلة وذات سيادة هذه المرة أيضًا، خاصة بعد ما صرَّح به المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي بأن إسرائيل أبلغتهم بالضربة.

وعمومًا، فكما استطاعت الإدارة القطرية اجتياز الاختبار الأول بحكمة، ستجتازه هذه المرة أيضًا، وسترتد آثاره على إسرائيل في المحافل الدولية.


الدور الإقليمي

الدور الإقليمي الذي تؤديه دولة قطر في المنطقة العربية والعالم دور عملاق، وكان أداؤها فيه ناجحًا لدرجة أن صارت الدوحة محط أنظار الساسة في العالم شرقًا وغربًا. فهي تقود الوساطات بين أمريكا وطالبان، وأمريكا وإيران، والمقاومة والكيان، بخلاف وساطات كثيرة قادتها لفض نزاعات بين دول إفريقية أو آسيوية متناحرة، ونجحت في كثير منها، محققة ما عجزت عن تحقيقه دول كبرى في العالم.

مع هذه الأدوار وهذا النجاح، ورفضها الانخراط في مؤامرات إقليمية، خاصة في تلك التي تمس مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني الذي وقفت طول الوقت على معرفة بوصلته وخدمتها بوصفها قضية إنسانية محقة، لهذا تَزلقها كثير من الأنظار بشيء من الحسد تارة على صمودها في وجه الإغراءات، وتارة بالحقد عليها ومحاولة تشويهها، بينما تمتد أيادٍ أخرى لتساندها وتدعمها.


تساؤلات مهمة

السؤال الأهم: ما الذي سيفيد إسرائيل من اغتيال أفراد الوفد الفلسطيني المفاوض في الدوحة؟ وهل بعد أن تغتالهم ستكون بذلك انتصرت، أم أن مأزقها في غزة لا يزال قائمًا مع حركة فقدت كثيرًا من قادتها ومع ذلك تُلحق بالكيان الخسائر يوميًّا؟

وهل ستنجح في إعادة بناء صورة الغول بعدما حطمها مقاتلون جائعون محاصرون تتجسس عليهم معظم مخابرات الشرق والغرب؟

وهل كان ترامب مخادعًا في مقترحات السلام التي قدَّمها بينما كان يعلم في الوقت نفسه أن إسرائيل ستقصف اجتماع الوسطاء؟

الضربات كانت دليلًا عمليًّا على عدم رغبة نتنياهو في السلام ووقف العدوان على غزة، وخرقًا لقاعدة أخلاقية عرفها أعتى الظالمين في التاريخ، كالمغول مثلًا، وهي أن الوسيط مأمون في روحه وحريته.


المصدر: الجزيرة مباشر

https://ajm.news/te1gfz

تعليقات

  1. مرحبا،

    هل تحتاج إلى قرض مريح لإرضائك؟ نقدم قرضًا بسعر فائدة معقول بنسبة 3٪ للمقترضين المحليين والدوليين. نحن معتمدون وموثوقون وموثوقون وفعالون وسريعون وديناميكيون ونعمل معًا. نقدم قرضًا طويل الأجل من 2 إلى 50 عامًا على الأكثر.

    هل تحتاج إلى قرض مباشر وسهل وميسور التكلفة لسداد الديون أو بدء عمل تجاري أو لأي سبب آخر؟ إذا كان الأمر كذلك ، يرجى الاتصال بنا لطلب القرض الخاص بك.

    هذا العرض للأشخاص الجادين.

    يرجى الاتصال بنا إذا كنت مهتما عبر البريد الإلكتروني: easyloanfirm2020@gmail.com

    نحن معتمدون ،
    موثوقة وموثوقة وفعالة وسريعة وديناميكية.

    تحياتي الحارة،
    ديريك دوجلاس
    easyloanfirm2020@gmail.com




    3٪ عرض قرض بسيط وبأسعار معقولة

    ردحذف

إرسال تعليق