آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2015 10:42 مكة المكرمة
في بلد لا يعمل فيه بكفاءة سوى السجن والمقصلة, ويدخل غالبية شبابه صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بأسماء مستعارة، ويعتبر نصف شعبه النصف الآخر شعباً إرهابياً لمجرد أنه طالب بحقه في المشاركة في تقرير مصير بلادهم.
ويصبح سحب الجنسية والحرمان من الانتماء إلى البلاد التى تفاخر بالانتساب إليها الآباء والأجداد أسهل من نفاذ رصيد شحن الهاتف المحمول، ولا يٌسمح أن تعلو فيها سوى الأصوات النشاز.
في بلد فيها كل هذا -وهو قليل للغاية من كثير للغاية- يصبح حديث أى صاحب قلم بموضوعية في أى شأن لاسيما السياسة هو مهمة انتحارية في المقام الأول.
وللحقيقة أن أجواء كتلك تجعل الكثيرين يفكرون ألف مرة قبل أن يكتبوا, لأن الكاتب هنا ليس مجرد فرد فتعود مخاطر كتاباته على نفسه فقط بالضرر، ولكنه شأنه شأن كل المجتمع، هو كائن حى له أسرته الصغيرة المسئول عنها، وهم لهم متطلباتهم وأحلامهم وأمانيهم التى قد تكون ليست هي ذاتها اهتمامات الكاتب نفسه في الدفاع عن أسرته الكبيرة التى هى الوطن، وهم ليسوا على استعداد للمساهمة في دفع الفاتورة التى يستعد هو لدفعها والتى ستعود عليهم أيضا بالضرر، الأمر الذى يجعله يتعامل فقط في الجزء اليسير المسموح به من الحقيقة.
ليس كل ما يعرف يقال
ويبدو أن سقراط الحكيم حينما قال قديما انه "ليس كل ما يعرف يقال"، كان هو أيضا يعيش ذات الأجواء التى يعيشها كتاب الداخل من المصريين الآن بدليل أن الأمر انتهى بحبسه ثم إعدامه.
كما أنه في أوقات انطلاق جمرة اللهب في ذيل الثور الهائج، لا يكون أبدا من الحكمة الوقوف في وجهه , بل أن الحكمة تصبح في أن يتحدث الكاتب الذى لا حول له ولا قوة في أى شئ كان يؤجل الحديث فيه لاوقات الراحة والدعة.
ومن الأمور التى لطالما شدت انتباهى، وانتباه كل الناس في هذا العالم الذى نعيش فيه, وهى التى يبدو أن الحديث فيها هو الأنسب في مثل هذه المرحلة, تلك المتعلقة بـ"الميتافيزيقا" أو العلم الذى يتناول مواد "ما وراء الطبيعة", أو بالمعنى الأكثر شيوعا, السحر والفلك والطالع, وغيرها من أمور تتحدث في الغيبيات، ويثار حولها جدل كبير بين التشكيك والتأكيد.
فمن بين من يشككون دوما فيه، رجال الدين -أي دين- ورجال المنهج العلمي، وذلك بدوافع دينية أو منطقية بحتة, وهو تشكيك ينفي وجود هذا العلم أساسا ويلقي نتائجه دائما إلى حالة الصدفة والهرتلة وما إلى ذلك, إلا أن رجال الحكم في معظم دول العالم يحرمون هذا العلم –إن جازت التسمية- ليس لكونه هرتلة، وصدفة كسابقهم بل لأنهم يعتبرون تداوله بين العامة يقوض سلطتهم، ويفشى أسرار دولتهم وهو منع يؤكد وجود هذا العلم لا ينفيه.
ويقول متابعون إن الكثير من أجهزة الاستخبارات في العالم عامة, وفي عالمنا العربي خاصة، تعتمد بشكل جزئى او كلى في معلوماتها على استخدام الميتافيزيقا كأساس معرفي, بل يتردد أن تقرير الميتافيزيقا هو واحد من أهم التقارير التى تعرض كل صباح على الرئيس الامريكى ذاته.
رؤساء مصر والمنجمون
ويدلل مؤيدو وجود مثل هذا العلم عليه بأن التجريم وأحكام الإعدام التى كانت تصدرها كل نظم الحكم الغربية في القرون الوسطى على من يثبت استخدامه لـ"السحر الاسود" هو في حد ذاته اعتراف بتأثير هذا النهج على الأمن العام، أو بالأحري أمن النظام الحاكم، لدرجة جعلتهم لا يفصلون بين نتائج هذا النهج غير العلمى وبين نتائج العلم ذاته، فراحوا يحكمون على "جاليليو" مخترع التليسكوب بالسحر والهرطقة فأعدموه.
وبعد ثورة يناير الموءودة في مصر راح كتاب كثر منهم "بلال فضل" يكتب مقالا موثقا أثار صدمة آنذاك حول قيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاستعانة بعدد من السحرة لدعم نظام حكمه، وأن سفره للسنغال خصيصاً للقاء عدد من السحرة "الجبارين" هناك.
فيما أشار آخرون إلى أن مثل هذا السلوك يتبعه كل حكام مصر منذ بدء الخليقة، وأن الرئيس المصري الوحيد الذى رفض الاستماع إلى صوت "السحرة" و"قارئى الطالع" هو الرئيس الإسلامى محمد مرسي بناء على خلفيته الدينية, ما تسبب في سقوطه سريعاً، وأنه لو استشار أياً من "المنجمين" لكانوا أكدوا له ان المكائد من كل أجهزة الدولة لم تتوقف ضده منذ أن أعلن اسمه كفائز في رئاسة الجمهورية لحظة واحدة.
سحقاً أجدني قد تحدثت في السياسة مجدداً.
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق