الخميس، 27 ديسمبر 2012

الشيعة.. ضحايا التاريخ بقلم سيد أمين


نشر بتاريخ 9 آذار (مارس) 2012

سيد أمين

كنت قد فرغت لتوي من قراءة كتاب ثري بالأفكار بل المواقف الدينية والتاريخية الإسلامية والعروبية التى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه ليس بين الشيعة العرب وأبناء السنة غير الذي بين الشقيق وشقيقه , ولعل عمق اقتناع المؤلف بهذا الاستنتاج جعله يضع تلك العبارة ملحقة بعنوان الكتاب نفسه.

يحمل الكتاب عنوان "ضحايا التاريخ " وهو عنوان شديد التوفيق لكونه يعكس مضمون الحالة التى تناولها المؤلف والتى نجح من خلالها لحد كبير فى إقناع القارئ بصدقية طرحه .

وما يلفت الانتباه بشدة فى هذا الكتاب الرائع أمرين اثنين , أولهما مؤلف الكتاب وهو الشاعر العراقى "أسعد الغريري" ذلك الرجل دمث الأخلاق , رقيق المشاعر , الذى دائما ما ذوبت أشعاره قلوب العاشقين حينما انشدها المطربون لاسيما القيصر "كاظم الساهر" , والذى كانت أحاسيسه متسقة مع مبادئه الثابتة حينما اتشحت العراق بالسواد وسال دم أبنائها الطاهر ليخضب طرقات بغداد وما تلاها من أحدث فى ليبيا وسوريا وغيرها من بلاد "الثورات العربية" فراح يكتب أروع أشعار المقاومة انحيازا للمشروع الوطنى والقومى العربى فى مواجهة المشروع الصهيوأمريكى – الصفوى , ومن ثم عبرت المواقف عن تلك القناعات فراح يرفض العودة الى العراق "المحتل إيرانيا بعد الجلاء الاسمي للاحتلال الأمريكي " حتى لو كان المنصب وزيرا للثقافة.

وثانية المفلتات – وان كنا لم نعطه حقه فى وصف الملفتة الأولى – أن الكتاب لم يستقى معلوماته من مراجع خاصة بخصوم " المذهب الشيعى" ولكنها معلومات مستقاة من كتب عبرت عن قناعات "المراجع الحقيقيين " للشيعة العرب والتى تؤكد أنه لا خلاف فى الأصول بينهم وبين السنة ولكن الاختلاف وضع وضعا فقط على يد علماء المشروع الصفوى الفارسى لخدمة إغراض السياسة وهى ما يستنكرها علماء الشيعة العرب وكل شيعتهم.

ولما كان العراق والعراقيون قد دفعوا ثمنا باهظا من دمائهم وأموالهم وأمنهم جراء صراعات الساسة ومن يدور فى فلكهم من رجل الدين شيعة وسنة ’ راح المؤلف يضع اهداءا معبرا ( إلى كل أولئك الذين يقفون الآن على أبواب جهنم (من الإحياء والأموات) وممن أركبتهم كتب التاريخ الشوهاء صهوة جواد الشطط فقرؤوا وتعصبوا ودعوا "مبنى للمجهول" ولم يستجيبوا فضلوا طريق الحق وانتهت بهم رحلة التيه الى ما هم عليه الآن ..ولات ساعة مندم ).

استهل الغريري كتابه بحديث الإمام على "كرم الله وجهه" : لقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصب لشيء من الأشياء الا عن علة تحتمل تموية الجهلاء أو حجة تليط بعقول السفهاء غيركم , فإنكم تتعصبون لأمر لا يعرف له سبب ولا علة .

الكتاب يتضمن عشرة مباحث او فصول وبابين , فى المبحث الأول " محاكمة الخبر ومقاضاة الأثر " استعرض المؤلف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتفق عليها فى المذهبين مضيفا إليهما أقوال الإمام على عن خشيته من تحريف مواقفه وتأويلها على غير مقصده من بعده , ونلفت هنا الى أن الكاتب نجح من الوهلة الأولى عبر الدلائل العقلية والنقلية الثابتة فى تأصيل طرحه تاريخيا عن ان الخلاف بين أنصار المذهبين مصطنع.

وتحت عنوان " الإمامة " رصد المؤلف حرص علماء الطائفة الصفوية على تأصيل "الإمامة وجعلها ركنا من أركان الدين مثلها مثل التشهد بالله ورسوله وإيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والحج وذلك خلافا لما يؤمن به شيعة العرب الذين يرون ى ذلك غلوا.

وفى المبحث الثالث " حقيقة ما جري " راح المؤلف يروي تفاصيل المؤامرة التى تعرضت لها وحدة المسلمين على يد المشروع الصفوي عبر التاريخ , مرصعا شهادته تلك بأحاديث وأقوال كبار علماء الدين الشيعة العرب المعتبرين كالصفار والشريف الرضى والنوبختى والشهرستانى والأشعري وغيرهم وهى شهادات حاسمة تنفى الولاية "الإمامة " وتنسب نشأتها الى عبد الله بن سبأ اليهودى الموتور الذي تنكر فى الإسلام , بل ويشهدون - اى هؤلاء العلماء الكبار - بابي بكر وعمر بن الخطاب وسائر صحابة الرسول.

ورابعة المباحث "مظلومية الزهراء" استعرض فيها الكاتب رؤية "الطائفة الصفوية" حول مظلومية الزهراء وزوجها الإمام على والتى خلص فيها إلى أن الطائفة جهدت فيها الى تبرير الهجوم على صحابة الرسول الكريم , وهنا استعرض الكاتب رؤية تاريخية ودينية معمقة تؤكد تحريف تلك الروايات والغريب ان هذه الرؤية مستقاة كتب الطائفة الصفوية نفسها فضلا عن كتب عموم الشيعة.

وما جري من تصويب لرؤية الطائفة الصفوية حول مظلومية الزهراء جري أيضا فى تصويب البيعة فى المبحث الخامس "البيعة" وما جري فيها فاصلا الصادق من الكاذب , مذكرا بمئات الأحاديث التى وردت على لسان علماء الشيعة حول الصحابة ومنها ما جاء فى عيون الرضا لابن بابوية القمى ص313 - الجزء الأول أن الإمام على قال ان أبا بكر منى بمنزلة السمع وان منزلة عمر منى بمنزلة البصر ,وكذلك ما رواه المجلسى فى 2/ 621 من حياة القلوب عن على قال لأصحابه "أوصيكم فى أصحاب رسول الله ,لا تسبوهم , فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا فى الدين شيئا ولم يوقروا صاحب بدعة , نعم أوصاني رسول الله بهؤلاء , وكذلك ما ورد عن الإمام محمد الباقر نقلا عن الاحتجاج للطوسى انه قال "لست بمنكر فضل ابى بكر ولست بمنكر فضل عمر ولكن أبا بكر أفضل من عمر".

وفى المبحث السادس "إنما المؤمنون إخوة" عرج المؤلف إلى عشرات بل مئات الأحاديث التي أوردها علماء الشيعة والسنة الكبار التي تحث على وحدة المؤمنين وحرمة دمهم بعضهم البعض سنة وشيعة , خالصا ان الطائفة الصفوية فقط لا غير هى التي تناصب السنة العداء.

وفى المبحث السابع "إساءات المؤسسة الصفوية لأل بيت النبى" استعرض مواقف تلك الطائفة من أل البيت ولم تكف إساءاتهم حتى الرسول الكريم نفسه فضلا عن الإمام على الذي لقبوه بوليد الكعبة حيث اتهموا والدته بأنها استغاثت بأصنام الكعبة لتسهيل ولادته وغير ذلك من خزعبلات طالت بيت النبى.

وفى المبحث الثامن والأخير "العداء الفارسى للعرب" وهنا استحضر الكاتب حزمة كبيرة من المأثورات الفارسية بل ومن أحاديث علماء الطائفة الصفوية حيث تفوح أحاديثهم برائحة كراهية غير متوقعة وغير معقولة للعرب فها هو المجلسى يقول فى كتابه بحار الأنوار 5/333 اتق شر العرب فان لهم خبر سؤ وقال فى نفس المرجع 52/349 "ما بقى بيننا وبين العرب الا الذبح .

كما امعنوا فى الاساءة الى مصر "60/211 من نفس المرجع " وقالوا انتحوا مصر ولا تطلبوا المكث فيها لأنه يورث الدياثة " وفى 60/208 قال ان ابناء مصر لعنوا على لسان داود فجعل الله منهم القردة والخنازير , وجاء فى تفسير العياى 1/304 "ما غضب الله على بنى اسرائيل الا وادخلهم مصر وما رضى عنهم الا واخرجهم منها الى غيرها.

وفى المبحثين الاخرين استرسل الغريرى فى الحديث عن الدولة الصفوية ومأخذها ومروياتها وامجادها التى بنيت على البغضاء والغل الموجه ضد العرب ونبيهم وسادة حكمهم .

اما الباب الثانى فقد ناقش الكاتب عقائد الشيعة الصفويين والخرافات التى تروج لها ورؤية الشيعة فى عقيدة التجسيم وربوبية الامام على والولاية التكوينية وتحريف القرأن وعلم الغيب والعصمة والبداء ونور فاطمة وعقيد الطيتة وفدك والمتعة وولاية الفقيه وتعطيل عقيدة الجهاد والقضاء والقدر والخمس وظهور المهدى واحزان عاشوراء والتطبير وغيرها متناولا لها بشىء من التحليل والنقد الذهنى الذى يفضى بعدم عقلانيتها.

دافع "الغريري" لكتابة هذا الكتاب المهم نبع من حالة إيمانية عميقة تجذرت بداخله إعمالا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " إذا ظهرت البدع ولعن أخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره , فان كاتم العلم يومئذ ككاتم ما انزل الله على محمد " ويأتي مع حالة البحث عن خلاص من هذا التيه الذى يعانيه عالمنا الاسلامى كافة والذي تجلت أبشع صوره فى حمام الدم العراقى المتواصل بعد سقوط دولته الوطنية عام 2003 , وانتهاج ساسته الجدد أساليب المغالبة وهى بالقطع أساليب لا تضمن أبدا الاستقرار ولا ينتج عنها الا مزيدا من الكر والفر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق