نشر بتاريخ 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2012
سيد أمين
جعلتنا الاحداث التى مرت بها مصر اليومين الماضيين من خلال تبعات قرار المحكمة المختصة بتبرئة جميع المتهمين بارتكاب مجزرة موقعة الجمل وما تلاها من استياء شعبي قد يكون دفع الرئيس الدكتور محمد مرسي لاصدار قرار بتكليف المستشار عبد المجيد محمود النائب العام للعمل كسفير لمصر فى الفاتيكان وذلك بهدف اقصائه - نظرا لانه لا يجوز عزله – وما تلاها من اشتباكات فى ميدان التحرير بين مجموعات غير معروفة الهوية , كل ذلك دفعنا لان نعود مرة اخري للحديث عن حالة التربص التي تتبعها قيادات القوي السياسية وما يساندها من قوي الإعلامية.
والمتابع للمشهد , المتجرد من النزوع نحو الانتصار للانتماء السياسي , الميال للانتصار لقيمتي الحق والحقيقة , يستطيع ان يدين جميع أطراف الأزمة "مؤسسة الرئاسة – الإخوان المسلمين – القضاة – القوى السياسية – الإعلاميين" باعتبار الجميع شركاء فى صناعة تلك الأزمة .
فقد اخطأ الرئيس الدكتور محمد مرسي فى إصدار قرار تكليف النائب العام للعمل كسفير لمصر فى الفاتيكان , وخطأ الرئيس هنا ليس كما يريد البعض ان يصدره للعامة بانه اعتداء على السلطة القضائية , ولكن لان الرئيس- وهو صادق النية- حينما قرر اتخاذ قرار إقصاء النائب العام تلبية لضغط الشارع كان يجب عليه ان يدرس الطريقة والوقت والمكان الملائم لاتخاذه , مع دراسة كافة الاحتمالات الممكنة والشعارات التى يمكن لأنصار النائب العام ترديدها وخداع العامة بها مع اتخاذ السلطات كافة الاحتياطات والاجراءات لتفنيدها , الا ان ما حدث اعطى الفرصة للقوي المضادة للثورة للتوحد حول شخصية رمزية جديدة بعد الفريق احمد شفيق ومن قبله الراحل اللواء عمر سليمان يتخندقون حولها ضد من يحكم مصر لا فرق عندهم بين الاخوان المسلمين او حتى الليبراليين.
واخطأ الإخوان المسلمون ايضا حينما لم يستوعبوا المشهد بشكل كبير وراحوا ينظمون تظاهرات مؤيدة للرئيس , لأنهم بذلك صوروا للمتابع غير المدرك بشكل كامل للأحداث بان التظاهرات ضد او مع الرئيس, وهو فى الحقيقة بعيد عنها, بل أنهم أتاحوا الفرصة للطرف الثالث – او اللهو الخفي – الذى لا هو خفى ولا حاجة – للاندساس بين المتظاهرين من اجل إحداث الوقيعة بين الجميع وبالتالي التغطية على الحدث الأهم وهو تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل , ولو كان الإسلاميون انسحبوا من تلك التظاهرات او أنهم لم يدعوا لها اصلا لانكشفت حقيقة مقاصد ذوي النوايا السيئة من الأطراف الاخري , حيث كانت هذه الأطراف ستواجه لوما شعبيا كبيرا لو انها هتفت ضد الرئيس فى موضع كان يجب عليها فيه ان تهتف ضد تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل نيلا لحقوق الشهداء وتطالب بتطهير القضاء , وحيئئذ سيصبح قرار الرئيس متسقا مع المطالب الشعبية فى حين تأتى مواقف هؤلاء معبرة عن حاجة فى نفوسهم لا علاقة للشعب بها.
كما يجب على قادة عناصر الإخوان المسلمين إلا يظهروا وكأن قرارات الرئيس هى قراراتهم لان ذلك يضعف من موقف الرئيس لا يقويه.
ورغم ان التعميم ليس منطقيا بالمرة , الا انه هناك أزمة لا شك فى البيت القضائي , لدرجة ان مطالب تطهير القضاء خرجت أول ما خرجت من بين القضاة أنفسهم قبل الثورة بسنوات قليلة , ومن مظاهر تلك الأزمة أن عددا كبيرا من القضاة انخرطوا بشكل كامل فى الصراع السياسي , وتنامي لديهم شعور قوي بأنهم شيء مقدس لا يمس ولا ينظر له امرؤ مهما كان إلا بإعزاز وإجلال حتى لو كان مصطنعا , مما خلق انطباعا عند العامة بأنهم عصابة او سوط يجلد به الحاكم من يشاء, بل ان رئيس نادي القضاة المستشار احمد الزند قدم أسوأ الصور التى من الممكن ان يخزنها العقل كصورة نمطية عن القضاة , وظهر فى مواضع عدة كبلطجي وليسا قاضيا يبحث عن الحقيقة ويستوي لديه الناس , كما أن طول عصر الاستبداد والفساد الذي كرث له مبارك وعبرت عنها قوانينه جعلت من القضاة أنصاف آلهة لا ينطقون عن الهوى ولا يعصى لهم أمر , ومهما كانت أحكامهم جائرة وغير موضوعية إلا أنها تعبر عن قدر لا يصح للضحية انتقاده أو حتى التعليق عليه وهو أمر مخالف للمنطق والشرع ولمعايير الدولة المدنية ولحقوق الإنسان فضلا عن أن الكثيرين منا يوقنون تمام اليقين بان الالتحاق بسلك النيابة والقضاء لا يتم فى مصر إلا بإحدى سوئتين "إما رشوة أو واسطة " وكلاهما يجرمه القانون , يضاف الي ذلك ظاهرة توريث القضاء!!
ولابد ان نشير هنا الى ان من رفعوا شعار احترام القضاء واعتبروا قرار مرسي بخصوص النائب العام مجزرة ..لماذا صمتم على قيام رجال شرطة مبارك بتلقين القضاة علقة ساخنة فى عقر نادى القضاة , وكذلك صمتم على قرار اصدره مبارك باقالة قرابة الف قاضي من اعمالهم!!
أما القوي السياسية فقد ابتلعت الطعم وطعنت نفسها , حينما غلبت قياداتها من أقصي اليمين لأقصي اليسار مصالحها السياسية على مصلحة الوطن , وحينما تنكرت لأهداف كانت تنادي بها بالأمس فظهرت للعيان بأنها ليست قوي معنية بقضية الموضوعية بقدر كونها قوي انتهازية.
ورغم انه كان يجب على جميع قوي الثورة بكل أطيافهم بمن فيهم الإسلاميين الخروج للتنديد ببراءة المتهمين فى موقعة الجمل من أجل رد حقوق الشهداء من قتلتهم وهو المطلب الذى لم تتوقف عن المطالبة به منذ خلع مبارك , إلا إننا هنا وجدنا هذا الشعار يغيب لدي التيارات اليمينية واليسارية فى وقت كان الشهداء وأسرهم فيه أحوج ما يكون إليهم , مما آثار شكا ليس فى صدق شعاراتهم عن حقوق الشهداء فحسب ولكن أيضا فى الشعارات الجديدة التى يرفعونها الخاصة بتأسيسية الدستور والمائة يوم وغيرها , خاصة انهم حملوا الرئيس من قبل مسئولية أحكام البراءة لقتلة الثوار .. مما يقودنا فى النهاية لسؤال مهم : ماذا تريدون من الرئيس ان يفعل؟ وكيف؟.
والغريب والشئ العجيب – كما تقول وردة – أن القوى التى خرجت مرارا وتكرارا مطالبة بإقالة النائب العام من مهام منصبه محملة إياه التستر على ملفات الفساد ورموزه وأيضا أحكام البراءة المتتالية لقتلة الثوار مطالبة المجلس العسكري- حينما كان ماسكا بزمام الأمور- بإصدار قرارات استثنائية بإقالته بل ومحاكمته , إلا أنهم راحوا يقلبون ظهر المجن حينما اتخذ الرئيس مرسي قرارا يفهم منه إقالته , وراحوا يتباكون على استباحة استقلال القضاء , واخذوا يعظمون من شأن النائب العام ليحولوه الى بطل على خلاف الحقيقة !!
والملاحظ ان الثوار و القوي المدنية – ومعظمهم من قوى الثورة المضادة – راحوا يعارضون القرار الخاص بالنائب العام بوصفه عملا غير قانونى , مع أن الثورة نفسها أيضا هى عمل غير قانونى , والثوار فى نظر القانون متمردون يتوجب إعدامهم , هذا لو نظرناها بنظرة قانونية , أما لو نظرنا إليها بنظرة ثورية , فالنائب العام هو احد اهم رجال مبارك, والمسئول المباشر عن أحكام البراءة من قتل الثوار بعد الثورة وحماية الفساد قبل الثورة , كما ان القوانين سواء أو الدستور هى من صناعة مبارك , ولا تعبر عن إرادة الشعب الذى هو مصدر السلطات والقوانين.. فعلينا إذن أن نحدد ماذا نريد.. شرعية دستورية ام ثورية .. وإذا ارتضينا واحدة منهما فعلينا إلا نطالب بمطالب تخالف ما ارتضيناه.
أما آخر المتسببين فى الأزمة – وهو فى الحقيقة أولهم – الإعلام , لقد كان الإعلام والإعلاميون غير موضوعيين فى تغطية الأزمة , حيث راحوا يروجون الشائعات ويوجهون الضيوف ويصدرون الإحكام ويركزون بشكل ممل على احد الإطراف ودفوعاته بينما يتجاهلون الأخر حتى لو كان رئيس الجمهورية , لدرجة ان الفائيات لم تبث خطاب الرئيس فى الإسكندرية او حتى تشير إلى انه القي خطابا فى حين تفرغت لنقل كل همزات الزند وعبد المجيد ومن يواليهم , فلم يكن إعلامنا قط محايدا حيث انحازت كل قناة فضائية لمصالح رجل الإعمال الذى أنشأها علي حساب استقرار الوطن الذي كانت تدعو اليه حينما كان مجلس مبارك وشفيق وعمر سليمان قاب قوسين من حكم مصر.
الحقيقة ان ما يحدث فى مصر يكشف عن مؤامرة كبري ليس المقصود منها تجريد الاخوان المسلمين من السلطة التى حصلوا عليها بارادة الشعب ولكن اخشي ما اخشاه ان يكون المقصود هو بث القوضى فى مصر , خاصة ان التظاهرات والاحتجاجات فقدت اى منطق لها وتحولت الى "تلكيك" والسلام.
اقول ذلك وانا واثق تمام الثقة ان "المتلككين" سيعتبروننى قد "تأخونت" وهم لا يعرفون ان الدفاع عن الحق والحقيقة تتجاوز الايديولوجيات".
Albaas10@gmail.com