الثلاثاء، 7 مايو 2024

سيد أمين يكتب: مغزى إغلاق مكتب الجزيرة في الكيان

جاء تصويت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالإجماع على إغلاق مكتب شبكة الجزيرة في الكيان بمثابة شهادة كفاءة مهنية جديدة قدمتها إليها ضمن شهادات البراءة الكثيرة التي واظبت إسرائيل على تقديمها للشبكة منذ عقود؛ والتي كان أبرز محطاتها اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، مرورا بحزمة الاستهدافات بالقتل لمراسليها وأسرهم بعد طوفان الأقصى، وأبرزها استهداف مصورها سامر أبو دقة في غزة أثناء تأديته عمله، واستهداف كافة أفراد أسرة مدير مكتبها هناك وائل الدحدوح، مع إصابات عديدة لكثير من طواقمها الفنية.

قيمة -شهادة التقدير- التي تلقتها الجزيرة أنها جاءت من دولة صارت بجرائمها المروعة مجرد سبة في جبين البشرية جمعاء، وأجمع القاصي والداني والأعجمي قبل العربي على أنها تنفذ إبادة جماعية في غزة والضفة الغربية، وأنها لا تضع للقوانين الدولية ولا حتى قوانين الفطرة الإنسانية أي اعتبار، وقد تسببت بأفعالها في دق أول مسمار في نعش المنظومة الدولية القائمة.

وعزز هذا الاعتقاد أن الشهادة الإسرائيلية الجديدة جاءت بعد أيام قليلة من منح اليونسكو جائزتها الصحفية السنوية لصحفيي غزة الذين يبرز بينهم بلا شك مراسلو الشبكة بشكل واضح.

وكان لهم مع قلة غيرهم من أبطال مهنة البحث عن الحقيقة الفضل في كشف حقيقة الوحشية الصهيونية للعالم رغم الظروف المميتة التي يفرضها الاحتلال ليس عليهم فقط بل على أسرهم أيضا، وصارت شبكتهم كما كانت في كل الأحداث الكبرى في عالمنا العربي هي محط أنظار العالم ومصدر معلوماته الموثقة.

فلم يروّع مراسلي الجزيرة الذين تريد إسرائيل إخراس أصواتهم قتلها نحو 141 صحفيا في غزة وحدها -في أعلى نسبة اغتيال لصحفيين في مكان واحد من العالم- بينهم طواقم فنية واعلامية للشبكة، بل أصروا على استكمال رسالتهم في تحدّ له ثمن باهظ سيخلده التاريخ لفرسان هذه المهنة كلها.

ضربة انتقامية

القرار البائس جاء أيضا بعد عدة ضربات إعلامية تلقتها تل أبيب من الشبكة عبر كشفها العديد من مشاهد الإبادة الحصرية في غزة والضفة الغربية، وهي المشاهد التي وضعت الاحتلال وداعميه الغربيين في حرج شديد ومثلت أدلة كافية لاتهامه بارتكاب هذه الجرائم في غزة سواء من قبل محكمة العدل الدولية أو من المحكمة الجنائية الدولية التي تتسرب معلومات شبه مؤكدة عن عزمها إصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين كبار منهم رئيس الوزراء ووزير دفاعه ورئيس أركانه، وعدد آخر من الوزراء وقادة الجيش، هذا إن لم تكن قد صدرت هذه القرارات بالفعل.

وخطورة هذه الإدانات أنها تجرد إسرائيل من استمرارها في بث الوهم الذي سقته لشعوب أوروبا بأنها الحمل الوديع الذي يتعرض للبربرية من قبل جيرانه العرب، وأنها تتعرض للإبادة والاضطهاد في الشرق العربي تماما كما تعرض له اليهود على يد النازية، وهو الوهم الذي يمثل شريان وجودها الحيوي.

ولعل إسرائيل تصرفت هذا التصرف اليائس في محاولة ممجوجة للضغط على قطر الوسيط في المفاوضات لكي تضغط على المقاومة من أجل قبول اشتراطاتها في إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق نار يعطيها ما عجزت عن نيله بالحرب.

ومما لا شك فيه أن تل أبيب ترددت كثيرا في اتخاذ هذا الإجراء ضد شبكة عالمية بحجم شبكة الجزيرة كانت تتقبلها على مضض حتى لا يقال إنها تقيد حرية الإعلام، ثم اضطرت إلى أن تضحي بتلك الاعتبارات نظرا لأنها لا تملك أوراقا للضغط على الوسيط القطري سوى ذلك، ولن يضيرها صداه عالميا لكون سمعتها صارت في الحضيض بالفعل، ولن تسقط أكثر من هذا السقوط المدوي الذي تسبب فيه في المقام الثاني بعد استبسال المقاومة استبسال وسائل الإعلام العاملة في ميدان الأحداث وفي القلب منها قناة الجزيرة.

مردودات القرار

في اعتقادي الشخصي أن مردودات القرار على قناة الجزيرة هامشية للغاية، فعملها لن يتأثر كثيرا نظرا لأن تغطيتها للعدوان على غزة -وهي بيت القصيد- لم تكن أصلا بإذن من إسرائيل، ولن تستطيع بكل وحشيتها أن توقفها.

أما تغطيتها للعدوان على الضفة الغربية الخاضعة لسلطة الاحتلال فيمكن تدبيرها بالعديد من الطرق، وإن كنت أعتقد أنها لم تكن خاضعة أيضا لسلطة الاحتلال نظرا لوجود السلطة الفلسطينية، ويبقى التأثير قائما فيما يخص تغطيتها داخل الكيان ذاته، وإذا كانت هذه التغطية مهمة فإنه مع ذلك يمكن الاستغناء عنها والاكتفاء بتقارير الوكالات الدولية.

وأتوقع أن تسقط حكومة نتنياهو قريبا بعدما استنفد كافة محاولاته لمد أجل الحرب من أجل بقائه السياسي في السلطة وبالتالي تأجيل إعلانه الهزيمة، وبلا شك وقتها لن يكون مجديا لأي حكومة إسرائيلية جديدة تتحلى بقدر من الحكمة الإبقاء على قرارات فاشلة لحكومة فاشلة مرغت بعنجهيتها سمعة دولتهم في الأرض.

الجزيرة باقية وسيرحل نتنياهو ونظامه المتطرف.


اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

bit.ly/3JNcAPu

الجمعة، 12 أبريل 2024

سيد أمين يكتب: ربح البيع.. إسماعيل هنية!

 

يا له من نجاح في الابتلاء، ذلك الإيمان العميق النادر الذي يتحلى به قادة المقاومة الإسلامية العربية عموما والفلسطينية خصوصا، بدءًا من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وانتهاء بأنصار الله في مواجهة عدو متغطرس وأخ متخاذل.

ففي أول أيام عيد الفطر المبارك، كانت هناك منحة تنتظر رمزا من رموز المقاومة لكنها أتت له في شكل محنة، حينما استهدف طيران الكيان الصهيوني سيارة تقل أولاد وأحفاد المجاهد

الثلاثاء، 2 أبريل 2024

سيد أمين يكتب: مأزق النظام الدولي بعد حرب الإبادة في غزة

 

الجميع وقع في مأزق، الكيان الصهيوني، النظام الدولي، النظم العربية، حتى المقاومة، جراء هذا العدوان الوحشي على غزة والضفة الغربية.

لم يكن العالم في أي وقت بلا قانون يحكمه كما هو الآن، حتى لو كان هذا القانون غير عادل، فإسرائيل ومن خلفها أمريكا والنظم الغربية حطمت منظومته القانونية المهترئة وأودعتها مثواها الأخير، جراء رفضها الدائم والمتكرر

الخميس، 28 مارس 2024

سيد أمين يكتب✍️: “سونكو” ناضل و”ديوماي” فاز.. وانتصرت الديمقراطية في السنغا

قفز السنغاليون قفزة ديمقراطية جديدة في إفريقيا، كما وجهوا ضربة موجعة أخرى لفرنسا التي ما كادت في السنوات الأخيرة تتعافي من أوجاع كل ضربة تلقتها في أحد مراكز تمركزها التاريخية في القارة السمراء حتى تتلقى ضربة أخرى في مكان جديد.
فقد فاز “باسيرو ديوماي فاي” مرشح حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف بـ(باستيف) وهو الحزب الذي أُسّس عام 2014 على يد الدكتور “عثمان سونكو” وهو شاب عُرف بتدينه وجرأته وخطاباته المناهضة للفساد في مؤسسات الدولة المالية، فضلا عن رفضه الهيمنة الفرنسية على البلاد.
وفي الواقع لا بد أن يقود الحديث عن فوز “بشير” أو” بصيرو ديوماي” بالرئاسة إلى حديث واسع عن نضالات معلمه الدكتور “سونكو” الذي ألهب مشاعر الشباب بخطاباته الحماسية والعاطفية الداعية إلى مكافحة الفساد في نظام الضرائب وإدارة موارد الدولة بعدما تسنى له الاطلاع عليه من خلال عمله موظفا ساميا في إدارة الضرائب بالدولة برفقته، وجراء معلومات الفساد التي كشفها للجماهير، أحرج قطاعات كبيرة من المقربين لرئيس الدولة “ماكي سال” مما دفعه إلى فصله من وظيفته بتهمة “انتهاك حق التحفظ”.
ولمّا خاض “سونكو” الانتخابات البرلمانية عام 2017 على رأس قائمة حزبه حقق نجاحا جعله يحرم الحزب الحاكم من الانفراد المطلق بالحكم، تلاه ترشحه عام 2019 في الانتخابات الرئاسية أمام رئيس البلاد، لكنه حل في المرتبة الثالثة مع وجود معلومات عن تزوير في النتائج مكنت الرئيس “سال” من الاستمرار في الحكم، وبدأ “سونكو” منذ ذلك الوقت الإعداد لانتخابات الرئاسة عام 2024 عبر إنشاء تحالف قوي من عشرات الأحزاب والحركات في الدولة لرفض ترشح الرئيس لولاية ثالثة واحترام الدستور الذي ينص على فترتين رئاسيتين فقط.
في حين عمل “سال” من جانبه هو الآخر على تشويه سمعة “سونكو” من أجل إبعاده عن المنافسة في الانتخابات، وفي عام 2021، قامت فتاة تعمل في صالة تدليك باتهامه باغتصابها في دعوى قضائية، ووقت محاكمته خرج آلاف الشباب في أرجاء البلاد بمظاهرات تتهم الحكومة بمحاولة إبعاده وتلفيق التهم له، واعتُقل “سونكو” في حين استمرت الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها ضد اعتقاله، لكن القضاء أصدر عليه حكما في يوليو/تموز 2023 بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، ثم مُنع من الترشح مستقبلا، وانتهى المطاف بقيام حزب “باستيف” بترشيح الرجل الثاني فيه “ديوماي” ليفوز بالحكم.

الرئيس المنتخب
في الواقع أن “بشير ديوماي” نال هو الآخر نصيبه من الاستهداف من الرئيس “سال”، إذ صدر في إبريل/نيسان 2023 حكم بسجنه بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء، ليدخل السجن مع نخبة من قياديي الحزب قبل الإفراج عنه بعفو رئاسي قبل أيام من الانتخابات.
في حين تجمع بين الرفيقين “سونكو” و”ديوماي” صفات عديدة مشتركة، أولاها زمالة العمل موظفين ساميين في الضرائب، فضلا عن التنشئة الإسلامية الخاصة بهما، إضافة إلى مناهضتهما للفساد والتدخلات الخارجية ولا سيما الفرنسية والأمريكية، ورغبتهما في مراجعة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجارة موريتانيا التي بقيت محط تساؤلات وحديث شعبي مستمر عن فساد كبير.
وقد وعد “ديوماي” في برنامجه الانتخابي الذي أعده مع “سونكو” بمراجعة اتفاقيات الغاز والنفط والصيد والتعاون الدفاعي مع فرنسا، لضمان تحقيق الفائدة القصوى للشعب السنغالي، إضافة إلى التخلي عن عملة الفرنك “سيفا” المرتبط بالفرنك الفرنسي نهائيا، مع مراجعة شاملة لعلاقات بلاده بفرنسا.
ومن المعروف عن “ديوماي” أنه فصيح اللسان قوي الحجة هادئ الطباع من أسرة بسيطة، وهي الصفات التي مكنته من البروز السريع بين أعضاء الحزب، وجعلته ينال استحسانا شعبيا وقبولا خارجيا خاصة مع جولاته الأوروبية التي التقى فيها مسؤولين غربيين، وهي ما تترك علامات استفهام قد نجد لها إجابات مستقبلا.
وقد يثير وجود زوجتين له تساؤلات عن أيهن التي ستحصل منهن على لقب سيدة القصر، وهو المنصب الذي اعتادت الثقافات القبلية الإفريقية على تبجيله ومعاملته معاملة خاصة، كما اهتمت بها الثقافات الغربية بوصفها قرينة الرئيس.

الديمقراطية السنغالية
تعرّض “سونكو” و”ديوماي” لكثير من الملاحقات السياسية والقضائية من الرئيس “ماكي سال” وحزبه الحاكم “التحالف من أجل الجمهورية” الذي حاول تعطيل الانتخابات وإقصاءه مع العديد من المعارضين البارزين بشتى الوسائل، لكن محاولاته باءت بالفشل وتسببت في تأجيج مشاعر التعاطف مع خصومه مما أدى في النهاية إلى هذا الفوز، ودفع “سال” إلى المبادرة بتهنئته بالفوز قائلا إن ذلك يُعَد انتصارا للديمقراطية السنغالية.
وقد أسهمت أسباب عدة في وصول حزب حديث النشأة إلى سدة الحكم في هذا البلد الذي يشكل المسلمون فيه غالبية عدد سكانه، أهمها أن السنغال تُعَد واحدة من الدول شبه الديمقراطية في إفريقيا في حقبة ما بعد الاستقلال، ولها نظام حكم علماني يحترم إرادة الأغلبية وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، مما جعل حركة مثل الإخوان المسلمين تحتل مكانة مرموقة ويكون لها تأثير كبير في الحياة الدينية. أما أهم الأسباب فيعود إلى استقلال القضاء بدرجة كبيرة مع حرص الجيش على عدم التدخل في السياسة على خلاف السائد إفريقيا، فضلا عن وجود مؤسسات لمراقبة الديمقراطية منها مثلا المكتب الوطني لمكافحة الفساد وآخر للانتخابات، إضافة إلى التكوينات العشائرية للدولة.
ها هي السنغال تحرز هدفا جديدا في شباك الديمقراطية بينما تفتقد أغلب دول القارة السمراء امتلاك تلك الكرة.

الأربعاء، 6 مارس 2024

سيد أمين يكتب: حكومة اجترار فشل جديدة في باكستان

بعد إعادة انتخاب البرلمان الباكستاني رئيس الحكومة المؤقتة السابق شهباز شريف رئيسًا لوزراء البلاد، بدا شكليًا أن الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد فبراير/شباط الماضي قد انتهت، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ويشي بأنها ستتطور وتتفاقم، وما حدث أنها فقط اتخذت شكلًا جديدًا يتمثل في فشل ذريع وانقسامات حادة ستلاحق جميع قرارات البرلمان وحكومته الجديدة، وستزيد من حنق المجتمع على النخب الحاكمة.
فالذين تحالفوا وتكتلوا من أجل الحيلولة دون تشكيل عمر أيوب مرشح حزب الاتحاد الذي انتسب إليه مرشحو حركة الإنصاف المستقلين للحكومة، تجمع بينهم الكثير من التناقضات التي تجعل استمرار تحالفهم مهددًا بالانهيار في أي لحظة، ومع أي احتكاك بأقرب نقاط التماس.

تناقضات بالجملة

من أولى التناقضات هي التناقض الكبير بين قطبي هذا التحالف، فحزب الشعب الباكستاني الذي حل ثالثًا في الانتخابات العامة وثانيًا في تحالف الحكم بقيادة بلاول بوتو زرداري هو في الحقيقة حزب علماني يساري، والمدهش أنه بينما يتحدث برنامجه عن تحويل باكستان إلى دولة ديمقراطية اجتماعية، وتعزيز القيم العلمانية والمساواة، وإقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومي، نجده في الوقت ذاته يصمت بل ويشارك في الغبن الذي تعرضت له حركة الإنصاف التي ينظر لها المجتمع الباكستاني بأنها منبر التغيير الثوري الحقيقي لباكستان من أجل تحويلها إلى دولة ديمقراطية.

والغريب أن قادة حزب الشعب فضلوا التحالف مع حزب الرابطة الإسلامية رغم أن سياسة حزبهم القديمة كانت ساعية للجنوح خارجيًا نحو الصين وروسيا، كبديل عن الانضواء التقليدي للحظيرة الأمريكية والغربية الذي تمثله حليفته الأخرى والسلطة العسكرية المتنفذ الحقيقي في البلاد.

كما أن تلك التوجهات هي نفسها توجهات حركة الإنصاف وكان الأولى التحالف معها، ولكن ربما كانت سياسة الإنصاف الخاصة بالانفتاح على طالبان الأفغانية بتوجهاتها الجهادية حالت دون ذلك.

كما طال الانقسام أيضًا الحركة القومية وهي الحليف الأصغر في التحاف الذي فاز بـ17 مقعدًا في البرلمان، فهي أيضًا حركة علمانية تشمل اللاجئين من الهند في باكستان، ولكنها مع ذلك انقسمت إلى كتلتين.

أحزاب أسرية

ولعل من المدهش أن تجد في العالم دولة كباكستان تعد من ثاني أكبر بلدان العالم الإسلامي، لكن تؤسس فيها أحزاب بناء على حب شخص ما أو كراهيته، بل وتجد أيضًا تناقضات حادة بين توجهات الكتل في الحزب الواحد كما في حزب أو أحزاب الرابطة الإسلامية.

فبخصوص حزب الرابطة الإسلامية الذي يفترض فيه أنه حزب إسلامي ينتمي إلى يمين الوسط، فهو في الواقع ليس متناقضًا فقط مع شركائه في التحالف، ولكن تناقضاته تمتد حتى مع ذاته، فقد شهد الحزب العديد من الانشقاقات، فإذا كان الحزب الأصلي بقيادة نواز شريف، فهناك حزب آخر بقيادة شقيقه شهباز يشار إليه بحرف “ن”، وحزب ثالث مناهض للديكتاتور السابق برويز مشرف أطلق عليه “ض”، في مواجهة حزبين مواليين له هما حزبا “ق” و”ف”.

فضلًا عن أن تشكيلة الأطياف غير المتجانسة التي عاد بها شهباز شريف لشغل منصبه القديم هي في الواقع تجميعة مثيرة للسخط لدى طبقات الشباب، لكونها تحالف بين الأسر التقليدية التي تناوبت حكم البلاد طيلة العقود الماضية، وبالتالي فالمتوقع أيضًا اجترار الفشل القديم ذاته.

حيث تمثل أسرة شريف التي ينتمي لها شهباز “73 عامًا” وشقيقه نواز “76 عامًا” واحدة من الأسر التي حكمت البلاد لفترات طويلة وأسهمت بفشل واضح أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما ينطبق على تلك الأسرة ينطبق أيضًا على الشريك الثاني في هذا التحالف وهو عائلة بوتو التي أيضًا حكمت لفترات طويلة وفشلت في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، رغم تاريخها المهم في تمكين البلاد من الحصول على القنبلة النووية، وما دفعته من بعد ذلك من ثمن باهظ في اغتيال قادتها أو سجنهم.

ردود الأفعال

تلقى المجتمع الباكستاني، الأحد الماضي، صدمة قوية من تفويض البرلمان لشهباز شريف بتشكيل الحكومة، وخرجت التظاهرات على الفور لتعم الكثير من مدن البلاد احتجاجًا على الاحتيال الكبير الذي حدث لسرقة نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الشعب، وحرمان الحزب الفائز بالرقم الأعلى من المقاعد بتشكيل الحكومة منفردًا.

ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات في البلاد لأشهر مقبلة قد تشمل الإجراءات ترويع نواب حركة الإنصاف في التحالف السني، وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية على البلاد، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف ليس لاستمرار الحكومة ولا تعزيز الاقتصاد، ولكن إلى إسقاط الحكومة بعد الفشل الاقتصادي والأمني المتوقع.

التجارب في العالم أثبتت أن الديمقراطية هي الحل، فلمصلحة من الاحتيال عليها؟

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3P4WwMb

الثلاثاء، 13 فبراير 2024

سيد أمين يكتب: انتخابات باكستان.. إما اضطرابات أو استقرار


أرسل الشعب الباكستاني من خلال تصويته لمرشحي حركة الإنصاف في الانتخاب الاتحادية العامة برسالة قوية إلى السلطات العسكرية المتحكمة خلف “الكواليس” بأنه لا سلطة فوق سلطة الشعب الذي حطم العراقيل، واختار من يمثله نيابيًا دون وصاية من يمكن أن نسميهم “المستبدين الشرعيين”.

صحيح أن هؤلاء النواب الذين أعلن عن نجاحهم وعددهم 98 مرشحًا أجبرتهم حالة القمع الاستثنائية التي شهدتها هذه الانتخابات ضد الحركة التي ينتمون إليها بعد سجن مؤسسها وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان إلى الترشح بصفتهم مستقلين، إلا أن ذلك لم يمنع من نجاح حيلتهم واستطاعوا أن يحطموا من خلالها القيود، وأعادها إلى صدارة المشهد رسميًا رغم تغييبها عنوة عن المشاركة في الانتخابات.
وحصل نواب الإنصاف على أغلبية بسيطة في البرلمان المكون من 336 مقعدًا بينهم 70 مقعدًا مخصصًا للنساء والأقليات، ويتم اختيارهم بنظام التمثيل النسبي غير المباشر على خلاف الـ266 مقعدًا المتبقية التي تعتمد نظام التصويت المباشر، ورغم ذلك يعتقد قطاع كبير من الشارع الباكستاني أن مرشحي الإنصاف حصلوا على عدد أكبر من المقاعد المعلنة في الأقاليم الأربعة، لكن التزوير حال دون نجاح كثير منهم، وهو ما أكده رئيس الحركة جوهر خان بقوله إن حركته فازت بـ170 من إجمالي مقاعد الجمعية الوطنية، ولكن جرى التلاعب بالنتائج النهائية.
تشكيل الحكومة
الصادم لكارهي حركة الإنصاف أن القانون يمنح زعيم الحزب الفائز بالعدد الأكبر من المقاعد حق تشكيل الحكومة الفيدرالية، وهو ما يجعل زعيمها مؤهلًا لتشكيل الحكومة، ومع ذلك يشترط عليه أيضًا الحصول على دعم 169 عضوًا من أعضاء البرلمان سواء من حزبه أو عبر التحالف مع أحزاب أخرى.
ولهذا فإن حصول حزب “الرابطة الإسلامية” المنافس الرئيس المقرب للجيش بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف على 71 مقعدًا فقط سيمنعه أيضًا من تشكيل الحكومة منفردًا أو حتى بالتحالف مع “حزب الشعب” المنافس الثالث المقرب لعائلة “بوتو” الذي حصل على نحو 53 مقعدًا، أو الحركة القومية المتحدة التي حصلت على 17 مقعدًا.
ومع هذه النتائج تلوح في الأفق أزمة صدام حزبي وسياسي واسع النطاق قد تطول معه فترة الفراغ الحكومي أو تتمدد معه مهمة الحكومة المؤقتة، وهي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها إلا عبر المرور من بوابة نيل رضا مرشحي حركة الإنصاف التي يرفضها الجيش، ويرزح عدد كبير من قادتها بما فيهم المؤسس عمران خان داخل السجون بتهم يجمع المراقبون المحليون والدوليون على أنها ملفقة.
وضع العراقيل
وطالما حضرت النوايا السيئة قبل مشهد الانتخابات من خلال حظر الإنصاف وتلفيق مئات التهم لزعيمها واعتقال ناشطيها، فبالتأكيد لن تتوقف المطاردات والتدابير الخبيثة لعبور العثرات التي برزت في الطريق دون أخذ التدابير اللازمة لاجتيازها.
ولهذا فمن المرجح أيضًا أن تعدّ المفوضية العليا للانتخابات ومن خلفها المؤسسة العسكرية أن مرشحي حركة الإنصاف لا يمكنهم تشكيل الحكومة، لكونهم ترشحوا مستقلين وليس تحت راية الحركة، فضلًا عن أن الحركة أصلًا حظرت إداريًا، وبالتالي لا يجوز تمثيلها في البرلمان.
وجراء ذلك من المتوقع أن تعلن المفوضية فوز حزب الرابطة الإسلامية وتمنح زعيمها نواز شريف الحق في تشكيل الحكومة، ويؤيد هذا التوجه أن شريف سارع بإعلان فوزه عشية الانتهاء من فرز الأصوات، وليعلن في الوقت ذاته حاجته للتحالف مع أحزاب أخرى، وهو الأمر الذي يؤكد علمه بعدد الأصوات التي حصل عليها حزبه وحزب الشعب، وما حصل عليه مستقلو حركة الإنصاف رغم كثرتهم.
صحيح أن هذا الحيلة قد لا تمنع أعضاء حركة الإنصاف من إحداث التأثير الكبير في البرلمان الاتحادي “الجمعية الوطنية”، ولكنها مع ذلك ضمنت ألا يمنح عضو منها مهمة تشكيل تلك الحكومة.
وفي الوقت ذاته هناك مخاوف من أن يقوم الجيش بممارسة الضغوط على عدد من نواب الإنصاف الفائزين من أجل التصويت لخصمهم نواز شريف في حال قيام هيئة الانتخابات بتكليفه بتشكيل الحكومة، خاصة مع الضعف النسبي لـ”كاريزما” رئيس حركة الإنصاف الحالي مقارنة بالمكانة العالمية التي كان يمثلها عمران خان القابع في السجن، فيضطر بعضهم للاستجابة لتلك الضغوط طالما أن رئيس حركتهم منع من تشكيل الحكومة.
ولعل الجيش بذلك يكرر ما حدث عندما صوّت البرلمان الذي استحوذت حركة الإنصاف فيه على الأغلبية، وتم سحب الثقة من حكومة عمران خان عام 2022، حيث شكا كثير من نوابها من تلقيهم تهديدات بالقتل في حال ذهابهم للبرلمان يوم التصويت.
درس بليغ
أيما كانت طبيعة الأحداث التي ستمر بها باكستان في الأيام القليلة المقبلة، فإن ميقاتها لدى المتنفذين في الجيش، فإما أن يجعلوا باكستان على خط الديمقراطية، وإما أن يضعوها على خط الفوضى والقلاقل والانقسامات، وليعلموا أنه إذا سقط الوطن لن تصبح هناك مكاسب شخصية ولا امتيازات.
يجب عليهم سحب أياديهم من العملية السياسية بعدما ضاق الباكستانيون ذرعًا بتدخلاتهم الواسعة والمستمرة منذ تأسيس الدولة منتصف القرن الماضي، تداعى خلالها الاقتصاد بشكل كبير وصارت البلاد في حالة اضطراب مستمر من الجهات كافة، وفشل الجيش في مهمته الأصلية بينما تعربد قوات الاحتلال الهندي في جامو وكشمير. ليتهم يستوعبون الدرس قبل فوات الأوان.
https://bit.ly/3UD1WS2

الثلاثاء، 6 فبراير 2024

سيد أمين يكتب : في باكستان.. انتخابات تفتقد الزخم الشعبي


4/2/2024

ستجري في الثامن من فبراير/شباط الجاري الانتخابات العامة في باكستان وسط حالة غير مسبوقة من الشعور بالغبن والظلم تعم الشارع، بعد تغييب مشاركة رئيس الوزراء السابق عمران خان عن الترشح بها، بزعم صدور أحكام قضائية ضده يدرك أغلب الباكستانيين أنها مسيسة.

ومن ضمن 200 دعوى قضائية ضد عمران خان، صدرت ثلاثة أحكام ابتدائية ضده، أحدها في أغسطس/آب الماضي بسجنه ثلاث سنوات بتهمة بيع هدايا عبارة عن ساعات ثمينة بقيمة 650 ألف دولار قُدمت له أثناء توليه منصبه من 2018 إلى 2022، وحكم نهاية الشهر الماضي بسجنه 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، و14 عاما على زوجته بشرى خان بتهمة بيع هدايا الدولة بشكل غير قانوني، وحُكم في مطلع هذا الأسبوع بسجنه وزوجته سبع سنوات بتهمة الزواج غير القانوني!!

عمران خان الذي أطيح به في ما يشبه المسرحية عبر تصويت برلماني مفاجئ بسحب الثقة من حكومته في مايو/أيار 2022، استغلالا لغياب عدد كبير من مجموعته البرلمانية عن الحضور، وبعد أسبوع واحد من تصويت البرلمان نفسه لتمديد الثقة بها، يُنظر إليه ولحركة الإنصاف التي أسسها من قبل قطاع واسع من المجتمع ولا سيما الشباب بأنه رئيس وزراء خارق للعادة يرغب في نقل باكستان نقلة ثورية من التبعية لأمريكا ومعسكرها الغربي، لتقترب أكثر إلى روسيا والصين وتركيا وإيران والجنوب العربي، ورغبته في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد، والحد من سيطرة الجيش على أدوات الحكم، والانفتاح بشكل أكبر على طالبان الأفغانية.

ولذلك فهناك إدراك عام داخل باكستان وخارجها أن كل ما يجري لعمران خان وحركته مجرد مؤامرة رسمتها أمريكا، ونفذها الجيش من أجل الحفاظ على الوضع التقليدي لهذه الدولة النووية التي يراد لها أن تمكث في الحظيرة الأمريكية، وأن تظل في حالة اقتصادية سيئة تجعلها في حاجة ملحة دائمة للدعم الغربي، وفي فساد داخلي يبقيها تدار من أحزاب الأقلية، ويمنع الكتلة الشعبية الكبيرة مثل “حركة الإنصاف” من الوصول إلى الحكم مجددا.

ولقد اعترف خان نفسه أثناء فترة حكمه بتلقيه تهديدات أمريكية بالإطاحة به من الحكم جرّاء تلك السياسات.

قمع حركة الإنصاف

والدليل على أن الاستهداف يطول حركة الإنصاف بما تملكه من شعبية جارفة، أن الحكم الذي منع زعيمها من المشاركة في الانتخابات، وتأكد هذا المنع بعد قيامه بتقديم أوراق ترشحه في دائرتين في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وتم رفضها بزعم عدم وجود اسمه على قوائم الناخبين المسجلين وصدور أحكام بإدانته، رغم كل ذلك فإن حالة القمع طالت معه حركته أيضا، فتحدث العديد من مرشحيها عن تلقيهم تهديدات بالقتل منعت العديد منهم عن الترشح، في حين رفضت لجنة الانتخابات تسلُّم أوراق العشرات منهم بحجج متنوعة.

وبعد عدم تمكن السلطة من حظر الحركة قانونا بسبب مشروعية فعاليتها المليونية العام الماضي التي نظروا إليها بوصفها استعراضا للعضلات، طال القمع فرض السلطات حظرا غير معلن على كل تجمعاتها وندواتها، مع رقابة مشددة على قيادتها وزعاماتها المحلية، واعتقالات كثيفة لعشرات الآلاف من ناشطيها وشبابها بحجج متنوعة، مع منع ملصقاتها وشعاراتها.

يأتي هذا الحصار الواسع النطاق ضد “الإنصاف” بعد إجراءات سابقة سعت لتفجيرها من الداخل عبر الإيعاز لأعضاء كبار فيها منتصف العام الماضي ليؤسسوا حزب “الديمقراطيون” كي يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم السياسية، وتردد حينئذ أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز علنا إلى رئيس البرلمان السابق القيادي في الحركة الذي اعتُقل مع عشرات القياديين الآخرين بالاستقالة منها مقابل الإفراج عنه حينما قال له علنا “اعقد مؤتمرا صحفيا، وأنهِ الأمر”.

ولقد شملت الحملة ضد الحركة رمزها الانتخابي الذي احتفظت به منذ تأسيسها وهو “مضرب الكريكت” الذي يشير إلى اللعبة التي هي مصدر نجومية مؤسسها عمران خان بصفته واحدا من أبرز لاعبيها في العالم، حيث نُزع الرمز منها ومُنحت “الزجاجة” بدلا منه، وخطورة الأمر أن هناك قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تعاني الأمية بسبب الحكم العسكري، وقد لا يدركون هذا التغيير فلا يصوتون للزجاجة بما فيها من إيحاء بالخمر، خاصة مع حرمان الحركة من كل وسائل الإعلام والدعاية.

سيف القضاء

هذه ليست المرة الأولى التي يُسلَّط فيها القضاء على رقاب السياسيين في باكستان ولا سيما رؤساء الوزراء الخارجين عن السيطرة، إذ لم يسلم منه شخص بقدر وقيمة عبد القدير خان -أبو القنبلة النووية الباكستانية- الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية لمدة 5 سنوات، وكذلك رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار صناعة القنبلة النووية الذي تعرّض لانقلاب عسكري وسُجن بل وأُعدم، وابنته بينظير بوتو أيضا، وكذلك نواز شريف الذي حُبس 10 أشهر قبل الإفراج عنه لأسباب طبية، وذهب إلى لندن لتلقي العلاج ثم عاد ليس لينافس عمران خان على المنصب مجددا، بل ليجده خارج المشهد تماما.

الكثيرون يرددون في باكستان أن شريف حصل على الإجازة الغربية لتوليه المنصب مجددا أثناء فترة مكوثه في لندن، وبالتالي تمكن من عقد صفقة مع قيادات الجيش على العودة إلى الحكم مقابل الرضوخ التام لما يُملى عليه، وقاموا بتهيئة المسرح له تماما عبر تغييب أبرز وأخطر منافسيه عمران خان.

ودللوا على أن علامات الرضا عن شريف تظهر جليا في السماح له ولحزبه بممارسة الدعايات بكل أريحية، بل وتركه للترشح أساسا رغم صدور حكم محكمة سابق ضده، في حين مُنع عمران خان من الترشح قضائيا، وخُنقت حركة الإنصاف بجميع السبل.

باكستان في انتظار المزيد من الاضطرابات، والانتخابات بدلا من أن تطفئ النار ستصب الزيت عليها.

المصدر : الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3uraHDW