الخميس، 28 مارس 2024

سيد أمين يكتب✍️: “سونكو” ناضل و”ديوماي” فاز.. وانتصرت الديمقراطية في السنغا

قفز السنغاليون قفزة ديمقراطية جديدة في إفريقيا، كما وجهوا ضربة موجعة أخرى لفرنسا التي ما كادت في السنوات الأخيرة تتعافي من أوجاع كل ضربة تلقتها في أحد مراكز تمركزها التاريخية في القارة السمراء حتى تتلقى ضربة أخرى في مكان جديد.
فقد فاز “باسيرو ديوماي فاي” مرشح حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف بـ(باستيف) وهو الحزب الذي أُسّس عام 2014 على يد الدكتور “عثمان سونكو” وهو شاب عُرف بتدينه وجرأته وخطاباته المناهضة للفساد في مؤسسات الدولة المالية، فضلا عن رفضه الهيمنة الفرنسية على البلاد.
وفي الواقع لا بد أن يقود الحديث عن فوز “بشير” أو” بصيرو ديوماي” بالرئاسة إلى حديث واسع عن نضالات معلمه الدكتور “سونكو” الذي ألهب مشاعر الشباب بخطاباته الحماسية والعاطفية الداعية إلى مكافحة الفساد في نظام الضرائب وإدارة موارد الدولة بعدما تسنى له الاطلاع عليه من خلال عمله موظفا ساميا في إدارة الضرائب بالدولة برفقته، وجراء معلومات الفساد التي كشفها للجماهير، أحرج قطاعات كبيرة من المقربين لرئيس الدولة “ماكي سال” مما دفعه إلى فصله من وظيفته بتهمة “انتهاك حق التحفظ”.
ولمّا خاض “سونكو” الانتخابات البرلمانية عام 2017 على رأس قائمة حزبه حقق نجاحا جعله يحرم الحزب الحاكم من الانفراد المطلق بالحكم، تلاه ترشحه عام 2019 في الانتخابات الرئاسية أمام رئيس البلاد، لكنه حل في المرتبة الثالثة مع وجود معلومات عن تزوير في النتائج مكنت الرئيس “سال” من الاستمرار في الحكم، وبدأ “سونكو” منذ ذلك الوقت الإعداد لانتخابات الرئاسة عام 2024 عبر إنشاء تحالف قوي من عشرات الأحزاب والحركات في الدولة لرفض ترشح الرئيس لولاية ثالثة واحترام الدستور الذي ينص على فترتين رئاسيتين فقط.
في حين عمل “سال” من جانبه هو الآخر على تشويه سمعة “سونكو” من أجل إبعاده عن المنافسة في الانتخابات، وفي عام 2021، قامت فتاة تعمل في صالة تدليك باتهامه باغتصابها في دعوى قضائية، ووقت محاكمته خرج آلاف الشباب في أرجاء البلاد بمظاهرات تتهم الحكومة بمحاولة إبعاده وتلفيق التهم له، واعتُقل “سونكو” في حين استمرت الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها ضد اعتقاله، لكن القضاء أصدر عليه حكما في يوليو/تموز 2023 بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، ثم مُنع من الترشح مستقبلا، وانتهى المطاف بقيام حزب “باستيف” بترشيح الرجل الثاني فيه “ديوماي” ليفوز بالحكم.

الرئيس المنتخب
في الواقع أن “بشير ديوماي” نال هو الآخر نصيبه من الاستهداف من الرئيس “سال”، إذ صدر في إبريل/نيسان 2023 حكم بسجنه بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء، ليدخل السجن مع نخبة من قياديي الحزب قبل الإفراج عنه بعفو رئاسي قبل أيام من الانتخابات.
في حين تجمع بين الرفيقين “سونكو” و”ديوماي” صفات عديدة مشتركة، أولاها زمالة العمل موظفين ساميين في الضرائب، فضلا عن التنشئة الإسلامية الخاصة بهما، إضافة إلى مناهضتهما للفساد والتدخلات الخارجية ولا سيما الفرنسية والأمريكية، ورغبتهما في مراجعة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجارة موريتانيا التي بقيت محط تساؤلات وحديث شعبي مستمر عن فساد كبير.
وقد وعد “ديوماي” في برنامجه الانتخابي الذي أعده مع “سونكو” بمراجعة اتفاقيات الغاز والنفط والصيد والتعاون الدفاعي مع فرنسا، لضمان تحقيق الفائدة القصوى للشعب السنغالي، إضافة إلى التخلي عن عملة الفرنك “سيفا” المرتبط بالفرنك الفرنسي نهائيا، مع مراجعة شاملة لعلاقات بلاده بفرنسا.
ومن المعروف عن “ديوماي” أنه فصيح اللسان قوي الحجة هادئ الطباع من أسرة بسيطة، وهي الصفات التي مكنته من البروز السريع بين أعضاء الحزب، وجعلته ينال استحسانا شعبيا وقبولا خارجيا خاصة مع جولاته الأوروبية التي التقى فيها مسؤولين غربيين، وهي ما تترك علامات استفهام قد نجد لها إجابات مستقبلا.
وقد يثير وجود زوجتين له تساؤلات عن أيهن التي ستحصل منهن على لقب سيدة القصر، وهو المنصب الذي اعتادت الثقافات القبلية الإفريقية على تبجيله ومعاملته معاملة خاصة، كما اهتمت بها الثقافات الغربية بوصفها قرينة الرئيس.

الديمقراطية السنغالية
تعرّض “سونكو” و”ديوماي” لكثير من الملاحقات السياسية والقضائية من الرئيس “ماكي سال” وحزبه الحاكم “التحالف من أجل الجمهورية” الذي حاول تعطيل الانتخابات وإقصاءه مع العديد من المعارضين البارزين بشتى الوسائل، لكن محاولاته باءت بالفشل وتسببت في تأجيج مشاعر التعاطف مع خصومه مما أدى في النهاية إلى هذا الفوز، ودفع “سال” إلى المبادرة بتهنئته بالفوز قائلا إن ذلك يُعَد انتصارا للديمقراطية السنغالية.
وقد أسهمت أسباب عدة في وصول حزب حديث النشأة إلى سدة الحكم في هذا البلد الذي يشكل المسلمون فيه غالبية عدد سكانه، أهمها أن السنغال تُعَد واحدة من الدول شبه الديمقراطية في إفريقيا في حقبة ما بعد الاستقلال، ولها نظام حكم علماني يحترم إرادة الأغلبية وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، مما جعل حركة مثل الإخوان المسلمين تحتل مكانة مرموقة ويكون لها تأثير كبير في الحياة الدينية. أما أهم الأسباب فيعود إلى استقلال القضاء بدرجة كبيرة مع حرص الجيش على عدم التدخل في السياسة على خلاف السائد إفريقيا، فضلا عن وجود مؤسسات لمراقبة الديمقراطية منها مثلا المكتب الوطني لمكافحة الفساد وآخر للانتخابات، إضافة إلى التكوينات العشائرية للدولة.
ها هي السنغال تحرز هدفا جديدا في شباك الديمقراطية بينما تفتقد أغلب دول القارة السمراء امتلاك تلك الكرة.

الأربعاء، 6 مارس 2024

سيد أمين يكتب: حكومة اجترار فشل جديدة في باكستان

بعد إعادة انتخاب البرلمان الباكستاني رئيس الحكومة المؤقتة السابق شهباز شريف رئيسًا لوزراء البلاد، بدا شكليًا أن الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد فبراير/شباط الماضي قد انتهت، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ويشي بأنها ستتطور وتتفاقم، وما حدث أنها فقط اتخذت شكلًا جديدًا يتمثل في فشل ذريع وانقسامات حادة ستلاحق جميع قرارات البرلمان وحكومته الجديدة، وستزيد من حنق المجتمع على النخب الحاكمة.
فالذين تحالفوا وتكتلوا من أجل الحيلولة دون تشكيل عمر أيوب مرشح حزب الاتحاد الذي انتسب إليه مرشحو حركة الإنصاف المستقلين للحكومة، تجمع بينهم الكثير من التناقضات التي تجعل استمرار تحالفهم مهددًا بالانهيار في أي لحظة، ومع أي احتكاك بأقرب نقاط التماس.

تناقضات بالجملة

من أولى التناقضات هي التناقض الكبير بين قطبي هذا التحالف، فحزب الشعب الباكستاني الذي حل ثالثًا في الانتخابات العامة وثانيًا في تحالف الحكم بقيادة بلاول بوتو زرداري هو في الحقيقة حزب علماني يساري، والمدهش أنه بينما يتحدث برنامجه عن تحويل باكستان إلى دولة ديمقراطية اجتماعية، وتعزيز القيم العلمانية والمساواة، وإقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومي، نجده في الوقت ذاته يصمت بل ويشارك في الغبن الذي تعرضت له حركة الإنصاف التي ينظر لها المجتمع الباكستاني بأنها منبر التغيير الثوري الحقيقي لباكستان من أجل تحويلها إلى دولة ديمقراطية.

والغريب أن قادة حزب الشعب فضلوا التحالف مع حزب الرابطة الإسلامية رغم أن سياسة حزبهم القديمة كانت ساعية للجنوح خارجيًا نحو الصين وروسيا، كبديل عن الانضواء التقليدي للحظيرة الأمريكية والغربية الذي تمثله حليفته الأخرى والسلطة العسكرية المتنفذ الحقيقي في البلاد.

كما أن تلك التوجهات هي نفسها توجهات حركة الإنصاف وكان الأولى التحالف معها، ولكن ربما كانت سياسة الإنصاف الخاصة بالانفتاح على طالبان الأفغانية بتوجهاتها الجهادية حالت دون ذلك.

كما طال الانقسام أيضًا الحركة القومية وهي الحليف الأصغر في التحاف الذي فاز بـ17 مقعدًا في البرلمان، فهي أيضًا حركة علمانية تشمل اللاجئين من الهند في باكستان، ولكنها مع ذلك انقسمت إلى كتلتين.

أحزاب أسرية

ولعل من المدهش أن تجد في العالم دولة كباكستان تعد من ثاني أكبر بلدان العالم الإسلامي، لكن تؤسس فيها أحزاب بناء على حب شخص ما أو كراهيته، بل وتجد أيضًا تناقضات حادة بين توجهات الكتل في الحزب الواحد كما في حزب أو أحزاب الرابطة الإسلامية.

فبخصوص حزب الرابطة الإسلامية الذي يفترض فيه أنه حزب إسلامي ينتمي إلى يمين الوسط، فهو في الواقع ليس متناقضًا فقط مع شركائه في التحالف، ولكن تناقضاته تمتد حتى مع ذاته، فقد شهد الحزب العديد من الانشقاقات، فإذا كان الحزب الأصلي بقيادة نواز شريف، فهناك حزب آخر بقيادة شقيقه شهباز يشار إليه بحرف “ن”، وحزب ثالث مناهض للديكتاتور السابق برويز مشرف أطلق عليه “ض”، في مواجهة حزبين مواليين له هما حزبا “ق” و”ف”.

فضلًا عن أن تشكيلة الأطياف غير المتجانسة التي عاد بها شهباز شريف لشغل منصبه القديم هي في الواقع تجميعة مثيرة للسخط لدى طبقات الشباب، لكونها تحالف بين الأسر التقليدية التي تناوبت حكم البلاد طيلة العقود الماضية، وبالتالي فالمتوقع أيضًا اجترار الفشل القديم ذاته.

حيث تمثل أسرة شريف التي ينتمي لها شهباز “73 عامًا” وشقيقه نواز “76 عامًا” واحدة من الأسر التي حكمت البلاد لفترات طويلة وأسهمت بفشل واضح أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما ينطبق على تلك الأسرة ينطبق أيضًا على الشريك الثاني في هذا التحالف وهو عائلة بوتو التي أيضًا حكمت لفترات طويلة وفشلت في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، رغم تاريخها المهم في تمكين البلاد من الحصول على القنبلة النووية، وما دفعته من بعد ذلك من ثمن باهظ في اغتيال قادتها أو سجنهم.

ردود الأفعال

تلقى المجتمع الباكستاني، الأحد الماضي، صدمة قوية من تفويض البرلمان لشهباز شريف بتشكيل الحكومة، وخرجت التظاهرات على الفور لتعم الكثير من مدن البلاد احتجاجًا على الاحتيال الكبير الذي حدث لسرقة نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الشعب، وحرمان الحزب الفائز بالرقم الأعلى من المقاعد بتشكيل الحكومة منفردًا.

ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات في البلاد لأشهر مقبلة قد تشمل الإجراءات ترويع نواب حركة الإنصاف في التحالف السني، وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية على البلاد، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف ليس لاستمرار الحكومة ولا تعزيز الاقتصاد، ولكن إلى إسقاط الحكومة بعد الفشل الاقتصادي والأمني المتوقع.

التجارب في العالم أثبتت أن الديمقراطية هي الحل، فلمصلحة من الاحتيال عليها؟

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3P4WwMb