السبت، 26 نوفمبر 2022

سيد أمين يكتب: العروبة.. فازت بكأس العالم

  

بدون مبالغة، يمكننا القول إن الفائز الحقيقي من مونديال كأس العالم لكرة القدم في دورته القطرية، هو الهوية العربية بجذورها الإسلامية، وإن قطر، وهي دولة صغيرة المساحة عظيمة التأثير استطاعت أن تحفر بمفردها في وجدان من يتسيدون هذا العالم، حقيقة أن هناك أمة تضرب جذورها في عمق التاريخ، تسكن حيزا جغرافيا يمتد عبر قارتين، لها هى أيضا مساهمات كبيرة في ميراث حضارة هذا الكوكب.

الأداء القطري في تنظيم هذا المونديال العالمي الفريد الذي يقام لأول مرة في تاريخه في دولة عربية أو مسلمة، جعل العالم الحر لا ينبهر فقط بأداء الفرق والمنتخبات وما قدمته من مفاجآت غير متوقعة، ولكن ينبهر أيضا بمعرفة قيم حضارية مختلفة ولكنها أكثر سموا ورقيا.

ولأول مرة أيضا صارت نشرات الأخبار العالمية لا يقترن فيها اسم “العربي” بالأوبئة والفساد والاستبداد والحماقات والحروب والانقلابات والمؤامرات والجرائم، لكن برسائل الإبداع والتألق والتعايش المشترك المبني على الاعتزاز بالهوية.

كان يمكن لقطر أن تنحني أمام عاصفة الانتقادات التي سرت في “الميديا” الغربية وتقبل بوجود مظاهر الفجور والشذوذ التي صارت تصاحب دورات كاس العالم، وكان لديها من المبررات ما يكفي ويفيض، وهي المبررات التي كان سيتذرع بها آخرون لو أقاموا هم هذا الحدث العظيم، لكن خيرا فعلت حينما تمسكت بحضور هويتها العربية والمسلمة، فاحترمها المنصفون الغربيون، وزادت هيبتها ومكانتها في قلوب الشرقيين.

اللغة العربية

أنا لم أتشرف بالذهاب لقطر أبدًا لكن ما عرفته عنها حتى قبل كأس العالم، أنها تعتز باللغة العربية اعتزازا واضحا حتى أن معظم اللافتات في الشوارع، وكما تظهر عبر المشاهد التي تبثها الشاشات حول المونديال أغلبها مكتوبة باللغة العربية بجانبا لغات أخرى أحيانا.

هي ملحوظة من جملة ملاحظات قد تبدو بسيطة لدى البعض، لكنها في الواقع شديدة الأهمية لكون “الهوية” وفي القلب منها “اللغة والدين والعادات والتقاليد” هي محور الاشتباك والتفاهم بين الأمم على مر التاريخ.

هذا يحدث بينما نحو 8 مليارات شخص حول العالم يلتفتون الآن نحو هذا البلد، وعشرات أو ربما مئات الألاف من الوافدين الأجانب يزورونها هذه الأسابيع لحضور المهرجان، وكان يمكنها أن تتذرع بما تتذرع به غيرها بأنهم يسحقون هويتهم ولغتهم من شوارعهم من أجل تشجيع السياحة أو حتى مواكبة “المدنية والنهضة العلمية”، ثم كانت النتيجة أنه لا جاء السائحون ولا جاءت المدنية، ولكن أصبح الناس غرباء يعيشون بهويات مستعارة.

ومن أجمل ما عرفت هو أن اللغة العربية في قطر بخلاف أنه منصوص عليها في الدستور كلغة للبلاد إلا أن هناك أيضا العديد من القوانين التي تشدد على احترامها منها مثلا القانون: رقم 7 لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية ودعمها في كافة الأنشطة والفعاليات والوزارات والجهات والمؤتمرات، مع معاقبة المخالفين، وفرض تدريسها في كافة المؤسسات التعليمية بالدولة.

وتلاه إطلاق “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، وهو مشروع فريد عملاق معني بإنشاء معجم تاريخي يؤصل للغة العربية عبر آلاف السنين وحفظ مدلولات وتطور ألفاظها عبر التاريخ ، وكذلك مبادرة “TED بالعربي”، وهي منصة عالمية تستقطب المفكرين والباحثين والفنانين وصناع التغيير من الناطقين باللغة العربية في العالم.

من فات قديمه تاه

في القرنين الأخيرين من الزمان كان التدفق الحضاري يأتي دائما من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق، لكن من اللحظات الفريدة التي تحققت في هذا المونديال أن هذا التدفق عاد لطبيعته ليكون من الجنوب للشمال ومن الشرق للغرب ولو لأسابيع معدودة.

فقد كان من الممكن لقطر أن تتهرب أيضا من انتساب ثقافتها للخيمة، كما يردد الحاسدون والماكرون، ولكن حكمتها البليغة التي أذهلت منتقديها جاءت عبر تحفة معمارية لـ”استاد” على شكل خيمة، وكأنها تقول للعالم إن تلك الخيمة العربية هى إحدى مفردات التراث العربي الذي نعتز به، سكن أسلافنا فيها ومنها انبعثت النهضة لقصورالعالم أجمع بالاسلام وبالرسالة التي بشر بها راعي الغنم، في وقت كان فيه يسكن أسلاف هؤلاء الناقمين الغابات وفجوات الجبال.

كان الناقمون يتوقعون أن يجدوا القطريين وأشقائهم العرب يرتدون ملابس العراة ويحملون شارات الرينبو، ويدوسون في تلك اللحظة كل القيم الحضارية التي انبعثت من شبه الجزيرة العربية للعالم، لكن ما حدث في كثير من التفاصيل التي رافقت الحدث العالمي كانت العكس تماما.

عموما، هى أيام وينتهي المونديال وقد لا يقام ثانية في بلد عربي أو إسلامي، لكن الرسالة الثقافية التي حملتها الإجراءات المصاحبة له في هذه المرة ستمكث طويلا في وجدان الملايين من عشاق كرة القدم، وستغير بشكل جذري الصورة الذهنية عن هذه البقعة من العالم، الثقافة والتراث والدين وحتى كرة القدم.

العروبة انتصرت في مونديال قطر.

.................

اقرأ المقال هنا على لتخطي الحجب الجزيرة مباشر

الموقع بدون تخطي الحجب 

السبت، 5 نوفمبر 2022

سيد أمين يكتب: عمران خان يواجه عاصفة التلطيخ

  

كان من المتوقع تمامًا أن يصدر حكم من مفوضية الانتخابات باستبعاد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من العمل السياسي لمدة 5 سنوات، فالقضاء الباكستاني شأنه شأن أي قضاء يقع في دولة تسيطر عليها سلطة عسكرية، يدور في فلكها ويعبّر عنها، لا سيما لو جاءت تلك السلطة عقب انقلاب “مقنَّع” على سلطة مدنية.

جاء الحكم الزلزال ليزيل من أمام المتحكمين في السلطة الباكستانية منافسًا عتيدًا يدين له عشرات الملايين من الباكستانيين بالولاء ويعدّونه بطلًا قوميًا، لا سيما من طوائف الشباب المطالبين بمدنية الدولة ووقف سيطرة الجيش على العمل السياسي، والاستقلال عن النفوذ الغربي، وذلك بسبب خطاباته وسياساته الساعية للتملص من الهيمنة الأمريكية على البلاد، ومحاربة الفساد المستشري بين الطبقات العسكرية والقضائية، وتنويع مصادر السلاح، والانفتاح على حركة طالبان.

خاصة أن خلفه شهباز شريف أحد رجال المعارضة البارزين الذي انتخبه البرلمان الباكستاني رئيسًا للوزراء في أبريل الماضي ضمن حكومة ائتلافية لحزبي الرابطة الإسلامية والشعب الباكستاني جاء لمنصبه بفوز يسير بنحو 174 صوتًا من أصل 342 صوتًا.

وفيما يبدو أن من يلعب خلف الكواليس هناك أراد أن يستكمل حرق زعماء المعارضة التي بدأها بعمران خان حينما جعل أعضاء من حزبه “حركة الإنصاف” بالإضافة إلى نواب آخرين من كتل برلمانية أخرى موالية يخذلونه في تصويت على سحب الثقة منه في أبريل الماضي، مع تسرب معلومات عن تلقيهم “تهديدات من جهات أمنية” في حال التصويت لدعمه.

ثم استمر هذا اللاعب في مهمته ليطول الحريق عدوه وخليفته شهباز شريف الذي ينتمي لأسرة أرستوقراطية، فضلًا عن أنه شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف -الذي انقلب عليه الديكتاتور برويز مشرف عام 1999- فسمحوا له بالفوز في تصويت البرلمان بفارق ضئيل، ليتولى منصبه وسط أجواء اقتصادية وأمنية عاصفة لا يمكن أن يجتازها أكثر السياسيين حنكة وحيطة.

في حين كان يمكن لهذا العابث خلف الكواليس بتوجيه النواب ضد شهباز أيضًا، لولا أن هناك حاجة في نفسه كان يريد أن يقضيها، وهو ضرب العصفورين المتنافسين بحجر واحد.

فالوضع الاقتصادي للبلاد مزريّ، والتضخم والدين الداخلي والخارجي هائل، مع تراجع كبير لقيمة الروبية الباكستانية، وهي الأجواء ذاتها والأسباب نفسها التي ورثها عمران خان من سابقه وخفضت من حماسة أنصاره له، فما بالك إذا كان كثر من الباكستانيين يرون أن شهباز متورط في التآمر على عمران خان ويذوق الآن الكأس نفسه الذي أسهم في سقايته له.

تنفيذ الحكم

والسؤال الأكثر أهمية الآن في المجتمع الباكستاني ولدى المراقبين لشأن هذا البلد الكبير: هل سيمر هذا الحكم؟ وهل سينال الرجل مصير مشرف أم بوتو؟

التجربة أثبتت أن الأحكام في باكستان كما في عالمنا الثالث كله تمر طبقًا لطبيعتها ولمن صدرت ضده أو لصالحه، وطبقًا للأضرار أو المنافع التي ستنجم عنها.

فهناك حكم نادر أصدرته محكمة باكستانية في ديسمبر 2019 ضد الجنرال برويز مشرف بالإعدام مع تعليق جثته أمام البرلمان لثلاثة أيام، إلا أن الجيش استاء من إدانة أحد جنرالاته بمثل هذا الحكم، فسارع المدعي العام الذي تم تعيينه في ظروف مرتبكة ليعلن أن حكمًا من هذا النوع “غير دستوري وغير أخلاقي وغير قانوني”، وأن القضاء “ألغى كل شيء”.

في حين أن محكمة أخرى كانت قد أصدرت حكمًا بالإعدام على ذي الفقار علي بوتو بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق عليه بتهمة فضفاضة أسموها “إهدار الممارسات الديمقراطية”، ونُفّذ الحكم فعليًا عليه في أبريل ١٩٧٩ بدلًا من تكريمه لكونه راعيًا لأهم إنجاز في تاريخ باكستان وهو حيازتها للقنبلة النووية.

المؤشرات تتجه لتنفيذ سيناريو “بوتو” وأن أحكامًا قد تصدر مستقبلًا بإعدام “عمران خان”، لكن هناك صعوبات كثيرة تحول دون الوصول لهذا السيناريو أهمها شعبيته الجارفة في الداخل، والكاريزما العالمية التي تملكها الرجل بصفته سياسيًا سواء أو لأنه واحد من أشهر 6 لاعبي كريكيت في العالم جعلته رمزًا دوليًا.

وهو ما قد يخشى معه تنفيذ سيناريو رئيسة الوزراء “بينظير علي بوتو” التي تم اغتيالها في مؤتمر انتخابي عام 2007 لمنعها من الوصول إلى كرسي رئاسة الوزراء مرة جديدة، ولعل “عمران” يدرك تلك المخاطر، وهو السيناريو الذي جرت محاولة فاشلة له صباح اليوم الخميس بينما هذا المقال في طريقه للنشر.

القضية والطعن

من الواضح أن عمران خان واثق جدًا من اتساع شعبيته بدليل المظاهرات المليونية التي قام بها طيلة الأسابيع الماضية نحو العاصمة إسلام أباد لإسقاط الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة، أما بخصوص الحكم المثير للضجة فقد تم الطعن أمام محكمة إسلام أباد العليا لإسقاطه هو أيضًا.

ولعل هذه الثقة وتلك المثابرة وما تركته من انطباعات هي من دعت بابار افتخار المتحدث باسم الجيش يعقد مع قائد وكالة الاستخبارات الرئيسية الجنرال نديم أنجوم، مؤتمرًا صحفيًا نادرًا يهاجم فيه عمران خان، ويؤكد فيه أن الجيش لن يقوم بدور غير دستوري ولا يقحم نفسه بالسياسة.

علمًا بأن “انجوم” كان واحدًا من أبرز الشخصيات التي اعترض “عمران خان” على توليها منصبها، لكن إرادة السلطة العسكرية انتصرت في النهاية.

وإذا كان هذا الجدل بسبب الحكم إلا أن تفاصيله هي محط الدهشة، وهو يتعلق باتهام “خان” ببيع “ساعات ملكية” قيمتها 650 ألف دولار أمريكي قدمت له أثناء فترة رئاسته للوزراء كهدايا شخصية، وهي الاتهامات التي نفاها تمامًا وعدّها محاولة لوصمه بالفساد، وهو الرجل الذي كانت خطته الأساسية محاربته، فضلًا عن صدور الحكم من محكمة غير مختصة.

الأحداث في باكستان رتيبة، ولم يتغير شيء منذ الاستقلال، أدوات في الظاهر والمتحكمون خلف الكواليس.

……

من البداية كنا ندرك أن من يعادي النفوذ الغربي في بلادنا لن يستمر.

لتخطي الحجب | ajm.me/78iwlq ajm.me/q7dlyb