الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

كتاب رؤي فى الوطن والوطنية - فصل ثالث

الفصل الثالث
مخاطر حول الأدمغة العربية

الوفد 26 مايو 2002
أين ذهبت شخصيتنا؟
لماذا تراجعت مقومات الشخصية القومية العربية؟
السؤال يطرق بقوة علي أبواب أدمغتنا كلما واجهتنا معضلة اكتشفنا فيها ضياع صفة من صفاتنا، ربما نتشتت في إيجاد الإجابة المقنعة بين من يعزو السبب إلي عوامل القهر الداخلي للشعوب الراغبة في حياة لا نقول مرفهة بل يسيرة تمتلك جزءاً من مقومات الدفع الذاتي.
بالإضافة لما تسبب فيه هذا القهر عبر وسائله المتعددة سواء المعنوي والنفسي والمادي والجسدي من تراجع الطموحات وضآلة الأمنيات لدي عامة المجتمع مما عطل الإمكانات الفكرية عن الخلق والإبداع والابتكار لتنصرف في اتجاه مغاير وهو البحث عما يسد الحاجات البيولوجية من أمن وعاطفة وغذاء وشرب…إلخ.
وقد عزا البعض تقلص تلك المقومات القومية للشخصية العربية مثل الصدق والتلقائية والشجاعة والوفاء لصالح صفات مناقضة إلي الاستعمار الذي نهش جسد الأمة طيلة القرنين السابقين والذي خلق صفة مرعبة في مكامن الشخصية العربية تتناقض مع الحقيقة التاريخية وهي شعورنا بالدونية أمام الحطام الذي ظل طيلة تلك الفترة يضرب كرامة شخصيتنا بالسوط وهو ممتط لجواده الأبيض ليس لسبب إلا كي يشبع غريزة التعالى عنده، بالدرجة التي جعلت من الثابت في اللاشعورنا القومي الآني، أن غطرسته تلك هي حق أصيل من حقوقه وعلينا التعامل معها بمنطقها.
حتي إننا قد آمنا معهم وربما قبلهم بالنظريات التنموية التي تعزو التخلف إلي السامية في الأجناس أو الإسلام والوثنية في الأديان أو الجنوب جغرافيًا أو البشرة.
وهناك من يعزو أسباب تخلفنا وتقلص المقومات الإيجابية في شخصيتنا إلي الاستعمار ويدللون علي ذلك بنظرة سيكولوجية ميكافيللية مفادها ((أن الولاء يكون أكيدًا لمن نخاف منهم بطشهم وليس لمن نحب وأننا من الممكن أن نخون من نحب ولا نخون من نخاف أبدًا)).
كما أن القهر لم ينته بفترة الاستعمار بل امتد إلي فترة ما بعد الاستقلال أيضًا حيث مارست الحكومات ممارسات وحشية ضد مواطنيها مستخدمة معهم سياسة الفلكة، مما كرس – في الشعور خيبة الأمل – لانهيار قيم أصيلة فينا.
والعولمة .. بالتأكيد متهمة أيضًا، فقد حرصت علي تذويب الخصائص القومية للشعوب لصالح سادة الكون وعلي رأسهم الولايات المتحدة التي تمتلك بمفردها 91% من أمواج الطيف الإذاعي العالمي ولديها أكثر من 600000 مطبوعة عابرة للقارات، ناهيك عن المحطات التليفزيونية والأقمار الصناعية وغيرها.
في الحقيقة الأمر لا يتوقف عند الأمور السابقة .. بل يتعداه إلي عوامل وظروف وجود لقمة العيش التي باتت قاسية لقطاع كاسح من الشعب العربي الذي تأكد له خداع حكوماته التي تحاول جاهدة إيهامه – كذبًا وجهلاً – بأنها تصنع معجزة يوميًا من أجل أن يظل هذا المواطن علي قيد الحياة بينما هي في حقيقة الأمر لا يشغلها أمر المواطن بقدر ما يشغلها اتمام عملية تسطيحه حتي ينتقل – كمداً وقهراً ذاتياً – بسهولة ويسر إلي مثواه الأخير.
إن حقيقة خواء الأدمغة وسطحية أو عشوائية الشخصية العربية – العادية طبعًا – هي جريمة تضامنية بين قوي الداخل والخارج.
وكان من اللائق للحكومات أن تعمل علي تنمية الخصائص المميزة لشعوبها وأن تستثمرها لصالح قضايا الإنتاج والخلق والابتكار، وأن تقف – أي الحكومات – حائلاً بين أي اختراق خارجي يحدث ضدها، كما أن المطلوب منها أيضًا تضخيم هذا الشأن والاعتناء به وجعله هدفًا لا يقل شأنًا عن تملك الأسلحة والأمن القومي لأن أمة أفرادها بلا خصائص مميزة هي أمة اللاأمة وحضارة اللاحضارة.
****
الوفد 18 مايو 2003
حول مفاهيم الديمقراطية!!
“الديمقراطية” .. ماذا تعني هذه الكلمة السحرية؟
هل يقصد بها حكم الشعب للشعب ولصالح الشعب؟
هل هي قرينة لفكر بعينه أو معتقد بخاصته؟
أم أنها خصيصة لأي فكر يحقق برامجه بنجاح؟
من الثابت أن جميع الأفكار في هذا الكون بدءًا من أقصي يسارها تدعي أنها أفكار “ديمقراطية” الطابع وأنها تطبيق ناجح لإرادة الشعوب حتي وإن كانت ذات شكل مغاير للمألوف.
فالنظم الرأسمالية هي حقًا نظم ديمقراطية .. متي توافر لها شرطا الأمانة والعدل، ولكن إن لم يتوافر فيها هذان الشرطان .. ستتحول إلي نظام احتكاري إقطاعي فاشي .. كما هو الحال في النظام الفاشي الإيطالي والنظام الامبراطوري الأحمر في اليابان قبيل الحرب العالمية الثانية.
والنظم الاشتراكية هي – أيضًا – نظم ديمقراطية .. شريطة توافر الصرامة في التنفيذ والابتعاد عن سوسة البيروقراطية مع العدالة المطلقة .. وإن لم تتوافر فيها تلك الشروط ستتحول إلي نظم بليدة .. نمطية .. يذبح فيها الشعب الذي جاءت لرفاهيته .. دون دم.
حتي النظم اليمينية المتطرفة .. تدعي أنها نظم ديمقراطية .. وأن تنفيذها لإرادة الله هو في حد ذاته تنفيذ لإراة الشعب .. ولكن شريطة الاعتراف بالآخر واتباع أساليب العدالة .. وإن لم يتحقق ذلك سيكون بحق هوان الإنسان وتسخيره لخدمة الطاغوت.
وما سبق يندرج أيضًا علي النظم القومية والشيوعية .. إذن .. ماذا تعني كلمة يمقراطية؟
وفي هذا الصدد يشهد التاريخ أن الرأي الجمعي لم ينشيء حضارة قط، بل إن عظماء الكون غالبًا ما كانوا مضطهدين من الأغلبية الكاسحة في بادئ عهدهم .. مرورًا بالأنبياء الكرام وعلي رأسهم سينا محمد صلي الله عليه وسلم الذي اتهموه بالجنون والمروق .. إلي نيوتن وتولستوي وجوته ومارتن لوثر ودانتي وغيرهم من المبدعين والمفكرين .. أي أن صواب رأي الأغلبية ليس مؤكدًا.
كما أن الديمقراطية تتطلب الوعي – كما يقول برتراندراسل – وذلك لأنه ليس من المنطقي أن يتساوي صوت مفكر سياسي من أمثال محمود أمين العالم أو سليم العوا – مثلاً – أو العقاد وطه حسين في وسط الأدباء .. بصوت فلاح لم ينل أي قسط من الثقافة – مع احترامنا البالغ له كمواطن جد فاعل في منظومة الانتاج – بل إن المشكلة أن نجد أن هناك الكثيرين من الذين نالوا قسطًا وافرًا من التعليم لم ينالوا أي قسط من الثقافة وهؤلاء هم الواقعون تحت مصطلح “أمية المتعلمين”.
ونتذكر في التاريخ أن أدولف هتلر تنبه إلي عملية الوعي في نظام حكمه فكتب في كتابه “كفاحي” ما معناه : إن المواطن الألماني هو المواطن الذي نال قسطًا من الوعي وتربي تربية سياسية .. وما عداه فليس ألمانيًا أصيلاً.
وإذا كان كارل ماركس عرف السياسة بأنها “حديث مكثف في الاقتصاد” فإنه من الأجدي تعريف الديمقراطية بأنها “العدالة في تطبيق السياسة”.
وهو الأمر الذي يندرج علي أي فكر في حال استقامته وعدالته.
****
الوفد 24 يونيو 2003
بحثًا عن السعادة
الإنسان السعيد من كانت وسائله وإجراءاته تناسب طبيعة العصر .. ولما كان العصر الذي نعيش فيه هو ((زمن السقوط)) بكل ما تعنيه الكلمة من سوء .. فإنه ليس مستغربًا أن تكون وسائل سعادة الناس هي القباحة بعينها.
السبب أننا نعيش في زمن انهارت فيه عوالم الأفكار والقيم لتفسح المجال لعالمي الأشياء أولاً والأشخاص ثانيًا .. حتي إن نتاج الأدمغة لم يعد له قيمة أمام نواتج الأرصدة البنكية والمرافيء والملابس والتسليات وأحدث موديلات السيارات … ماذا حدث بالضبط؟!
ما حدث هو ثورة اجتماعية مقلوبة .. جعلت المقدسات .. بما واكبها من محرمات في الحضيض .. وفي المقابل أعلت من قيم الفهلوة والخطف والانتهازية .. وربما كانت هذه القيم هي الوسائل الإجرائية الناجعة لسعداء هذا العصر.
وسعداء هذا العصر إما أنهم في منتهي الذكاء أو في منتهي الغباء .. فشديدو الذكاء هم الذين استطاعوا التعامل مع كل معطيات المرحلة بما حملته من جفاء وقسوة .. وغير منطقية .. وكأن من قدرتهم علي التعاملات هذه أنهم صاروا سعداء.
أما شديدو الغباء فهم الذين تجاهلوا كل هذه المعطيات جملة وتفصيلاً – بعدما عجزوا عن فهمها – وتقوقعوا علي أنفسهم كي يستمدوا منها سعادتهم.
والحقيقة أنه لا توجد سعادة حقيقية يعيشها الناس .. وذلك لأن مسالب المجتمع قديمًا كان يمكن الفرار منها بتجنبها .. لكن الجديد في هذه الآونة أن تلك المسالب أخذت تفرض نفسها علي الناس بلا استثناء .. فمن يستطيع تجنب أزمة الإسكان .. أو الصحة .. أو التموين .. أو الأمن .. أو الاقتصاد .. أو الأخلاق…إلخ؟ .. لا أحد!!
كل هذه الأزمات لا أحد يستطيع تجنبها أو أن يعيش بمعزل عنها، لأنه بشكل أو بآخر هو لا يعيش في كوكب آخر.
إن ((فقه الأزمة)) – إن جاز التعبير – هو البرنامج اليومي الدائم للمواطن المصري .. يتجرع الأزمة كما يتجرع الماء .. ويمارس معها وبشكل دائم لعبة القفز فوق الحبل .. أقول ذلك وأنا استشعر مرارة الحياة، التي صارت تحمل همين متلازمين .. هم عام، وهو المتمثل في الظروف الاقتصادية والسياسية – الدولية والمحلية – والاجتماعية وهو رغم كونه همًا شديد الثقل إلا أن الناس استطاعت القفز فوقه أيضًا بين الحين والآخر عبر استخدام مضاد حيوي شديد الأضرار الجانبية وهو ((البلادة)) الصناعية وحتي الطبيعية.
أما الهم الآخر وهو خاص ويتعلق بكل التحديات الموضوعة في طرق المواطن المصري .. وهي تحديات صعبة للغاية .. ربما لم يتعرض لها شعب آخر في العالم المتمدين أو حتي مدعي المدنية .. حيث الأزمات المتجهمة والمباشرة وشديدة الشراسة والإلحاح.
ولكن كيف يدافع الإنسان المصري عن سعادته؟ أهم وسائل الدفاع عن السعادة .. هو التخلص من إلحاحات العصر لا أقول معطياتها وبالتخلص من هذه الإلحاحات يمكننا التخفيف من وطأة الحاجة .. وإذا كانوا يقولون إن الحاجة أم الاختراع ويقولون أيضًا إن غياب البدائل يحرر العقول من أسرها، فإن إلحاح قد يخترع وسائله الشيطانية وهو ما يؤثر سلبًا علي مخزوننا من الوعي.
وأقصد القول إن إيجاد حلول أزماننا عبر العودة للماضي هو أكثر أمنًا من الحلول العابرة إلي المستقبل .. وذلك لأن الحلول القديمة تمت أرشفة أسبابها ونتائجها – لأنها حدثت بالفعل – ويمكننا إعادة قراءتها في أي وقت نشاء للاستفادة بها .. بخلاف هذه الحلول الاستشرافية للمستقبل التي تعتمد علي النظرية،رغم الفجوة الكبري بين النظرية والتطبيق.
إننا بحق في حاجة ماسة للعودة إلى الماضي لقراءة كيف كانوا قديمًا يصنعون السعادة دون دفع فواتير باهظة، من أرصدة أمن وأمان الأجيال القادمة .. ولكي لا نرحل إليهم كوارث عالمنا البغيض .. فليعِينُوننا.
****



الوفد 19 سبتمبر 2003
تساؤلات عن الهوي والهوية
ماذا يتبادر إلي ذهن الإنسان غير العربي حينما يذكر أمامه لفظ ((الإسلام؟)) ألا يتجه تفكيره تلقائيًا إلي أنه الدين الذي يدين به سكان المنطقة العربية وانتشر عن طريقهم إلي كافة ربوع العالم؟
ألا نراه يمزج بطريقة تلقائية أيضًا بين أخلاق العروبة كقومية لها ثقافة محددة تميزها شأن كل القوميات في العالم وبين قيم الإسلام السامية التي تميزه بين الديانات؟ ولم لا يحدث هذا المزج .. أليس الإسلام هو تأصيلاً ربانيًا للثقافة العربية؟ ألم يأخذ الإسلام معظم العادات العربية المنتشرة في عصر الجاهلية وهذبها فألغي التقاليد الضارة منها – وهي قليلة – وحرمها؟
إذن .. لماذا نعتبر أن الدعوة لإلغاء الهوية العربية من وجداننا شئ لا يمت بصلة للإسلام؟
ألم يأمر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف ((أحبوا العرب لثلاث: لأنني عربي، والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي))؟
ألم يأمرنا أيضًا بالحديث باللغة العربية حينما قال: ((تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق))؟!
فلماذا تتعالي الأصوات المناهضة للثقافة العربية بيننا؟ .. فماذا تكون هويتنا الثقافية إذن إن لم تكن الثقافة العربية؟ وهل لنا ثقافة أخري غيرها؟
فالثقافة العربية هي التي حفظت لنا تراثنا وذلك ليس بفضل قوة كامنة فيها فحسب ولكن لأنها مؤيدة ربانيًا، لأن القرآن العظيم نزل بلغتها، والله وعدنا بحفظه من الزوال، والمنطق يقول إن حفظ الله للقرآن من الاندثار هو أيضًا حفظ للغة العربية التي هي بالتالي لسان الثقافة العربية، والثقافة العربية أيضًا ما هي إلا مقومات سلوكية للهوية العربية.
إن الداعين لانسلاخنا عن قوميتنا العربية هم بحق الداعون إلي تراجعناإلى الخلف .. هم الداعون إلي العولمة والانجراف داخل القطار الأرعن الذي يخلع ركابه جميعًا أرديتهم اقتداء بسائقه العاري.
إن القومية – أية قومية – هي قوة دفع كبري لإرادات أفرادها نحو التميز والإبداع، فماذا لو كانت القومية العربية التي حباها الله بثقافة الإسلام؟!
كيف يمكننا إهدار عوامل تميزنا لكي نلحق بركب لا نحتل فيه إلا موقع السبنسة والمؤخرة ونترك قائد ركب العولمة الأمريكي غالبًا يوجهنا كيفما يشتهي وكما تقتضي مصالحه هو لا مصالحنا نحن؟
وفي الواقع فإن قوي استنزاف الشعوب والاستعمار الغربية قد تكشف لها أن أهم عوامل قوة الإسلام هم العرب، وتكشف لها من زاوية أخري أن أهم عوامل قوة العرب هو الإسلام، ولذلك سعت بشكل دءوب نحو خلق عوامل الانشقاق بين القدرين المتلازمين، فأخذت تدعو بخبث إلي التحلل من الثقافة العربية بوصفها من مخلفات الماضي المغلق قاصدة بذلك ليس النيل من الثقافة العربية فحسب بل من الثقافة الإسلامية أيضاً.
وما كان لها أن تجد بيننا – ربما حياء أو رهبة – انصارًا لو أنها دعت علانية إلي التحلل من قيم الإسلام وهو الذي يشكل لها سدًا معتقديًا منيعًا في كل نزواتها الاستعمارية الفكرية .. وليس صحيحًا أن الابتزاز الاقتصادي بمفرده وراء جموح الرغبة الاستعمارية الأمريكية لعالمنا العربي، ولكن هناك صراعًا حقيقيًا في الثقافات أيضًا.
لقد قالها بوش الأب عقب انهيار الاتحاد السوفيتي (انتهينا من الشيوعية وبقيت الحرب ضد الإسلام) .. نم الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حربها ضد الإسلام، وبالتالي ضد كل ما هو عربي، أعلنت حربها ضد أية قومية وأي فكر تميز به أصحابه.
انها لا تحب فكرًا إلا الأمريكي ولا تحب قومية إلا قوميتها الرقيعة الشتات حتي لو كانت القومية الصربية، وعلة الدعوة الأمريكية لتذويب القوميات هي رغبتها في تجريد شعوب العالم من دعامتها الثقافية وحينما تسقط تلك الدعامات يصبح البيت هشًا كل سكانه غرباء عنه وقابلاً للتدمير بكل سهولة ويسر، ومن الثابت أن هناك شعورًا ساديًا يجتاح صناع القرار في البيت الأبيض الأمريكي يعتبر العالم كله منحة سماوية لأمريكاويجب أن يدين هذا العالم بدينها ويسبح بحمدها ليل نهار، ولا يعصي لها رغبة ولا يتجنس بجنسية أو قومية يعتز بها غير القومية التي ارتضتها له وهي قومية للعبيد التُبع الفارغين.
لقد قالت وزيرة خارجيتها الأسبق الشمطاء مادلين أولبرايت واصفة وضع العالم بالنسبة لأمريكا ((علي الجميع أن يدرك أننا الأمة الوحيدة القادرة علي فعل أي شيء، في أي وقت، وكيفما تريد، وأن العالم لنا، العالم لأمريكا)) .. ولكننا نصف حركة التاريخ كما وصفها هيجل بأن ((التاريخ ماكر)) ولا يمكن أ‍ن يضمن لكيان ما دوام الريادة والسيطرة.
لذلك يجب ألا ننخدع بلفظ العولمة الذي تدعو إليه القوي الاستعمارية كما انخدعت تركيا فتنازلت طواعية عن مقومات زعامتها الاسلامية لتصبح ذيلاً كسيرًا أضناه اللهث خلف قطار السوق الأوروبية دونما اللحاق به، فما طالت كما يقول مثلنا الشعبى ((بلح الشام ولا عنب اليمن))، إننا حينما تناسينا قوميتنا صوريًا لأنها تجري مجري الدم في العروق وجدنا أننا كلما نخطط للرفاهية نزداد فقرًا وكلما نخطط للاستقلال نستعمر ونستعبد وكلما نفكر في التقدم نهرول إلي الخلف إن قوميتنا هي هبة من هبات الله لنا .. ومن يفرط في هبات الله لا يستحقها.
****
الوفد 26 سبتمبر 2003
أسمي آيات العشق
(أسمي آيات العشق ما كان من طرف واحد) ورغم رومانتيكية تلك العبارة الأفلاطونية وعمدها إلي إيجاد تبرير لعملية صلب الذات بوصفها عملية مثالية وتحمل قدرًا من التضحية .. إلا أن الشعب المصري تنطبق عليه هذه العبارة.
ومن الثابت أنني أحب لأن الآخر يبادلني قدرًا من حبي .. ولا يمكن أن ينجح هذا الحب دون مبادلة الآخر .. فالأمريكي يحب بلده لأن هذا البلد احترم إرادته في الداخل وأسبغ عليه حمايته في الخارج .. وكذلك الإنسان الأوروبي .. الجميع يحبون بلدانهم لأنها أعطتهم الكثير وما أخذته منهم أخذته علي حياء.
أما الإنسان المصري فهو عاشق لتراب وطنه منذ قديم الأزل بدون مقابل ولكن الجديد الذي حدث هذه الأيام أن الإنسان المصري مازال يحب وطنه رغم أن هذا الوطن يتفنن في ابتداع أساليب للقسوة عليه .. وهذا النوع من الحب هو ما قصده أفلاطون بأسمي أنواع الحب والإيمان بالآخر.
وللمصادفة في مصر حظ عظيم وأتمني أن تكون مجرد مصادفة وليست قصدًا فالمصريون دائمًا يكافحون ويزرعون ولكن غيرهم أو بعضًا منهم يأخذون كل الحصاد.
المصريون ثاروا قديمًا علي الطغاة العثمانيين ولما استتب لهم الأمر عين عليهم الجندي الألباني محمد علي واليًا والبسطاء أنشزوا جيشًا منظمًا ولكن الكولونيل الفرنسي سيف الذي كان في طريقه للتطوع في الجيش الإيراني قادمًا من فرنسا عين أيضًا عليهم كوزير للحربية وهكذا يمكنك أن تجد عشرات النماذج.
والحقيقة ان الإنسان المصري في حاجة ماسة إلى إيجاد علاقة عادلة تربط بينه وبين وطنه .. علاقة تقوم علي الحب المتبادل وعلي الولاء المطلق للطرفين.
وأقول العدالة لأن العدالة هي أعم من الحرية .. فالنظام في مصر لا يكف عن وصف جمال الحرية التي يعيشها المصريون ويقوم بتسويقها علي أنها أهم ما يدلل علي مشروعية وعدالة نظامه .. ويدلل علي ذلك بالحرية المنقوصة والمشروطة التي نطالعها في الصحف المصرية رغم أنها تشبه بشكل كبير حق الصراخ .. لأن المجروح ليس أمامه إلا أن يصرخ دون أن يكتم صوته أحد .. ذلك لأن الإيذاء الذي يخشاه حدث بالفعل ولا يمكن أن يتم التهديد به ثانية.
والفرق بين العدالة والحرية هو أن العدالة غاية والحرية هي وسيلة فحسب .. وأن وجود حرية دون وجود عدالة هو نوع من أنواع ((السداح مداح)) لأنك حينما تعطيني الحق في انتقاد مثالبك .. يجب أن تتحرك أنت لضبط تصرفاتك .. وإلا تكون كمن ترك المريض يصرخ طالبًا الدواء واعتبر أن شفاءه في مزيد من الصراخ!!
والمواطن المصري عاشق للعدالة وقانع بكفافها .. لكن حزمة الفساد التي انهالت عليه من كل حدب وصوب جعلته يفقد الإيمان بكل صواب.
ولنا أن نتخيل أن هناك قرية صغيرة في محافظة قنا ولتكن الكرنك بأبو تشت يقطنها عشرات الآلاف من البشر وشهدت حركة نمو صورية كبيرة علي مدار عشرين عامًا مضت إلا أن نسبة البطالة فيها تخطت الغالبية الكاسحة لسكانها .. وقس علي ذلك كل قري مصر ونجوعها.
الشباب في مصر الآن لا يشعر بالعدالة التي هي المراد الحقيقي ولا يقتنع بأنه يعيش أزهي عصور الحرية .. فهو لا يريد أن تكون الحرية سلبًا من العدالة .. هو يريد أن يجد وظيفة محترمة ولائقة وبالتالي دخلاً شريفًا ويريد أن يتزوج لاستكمال حيوية الحياة ويريد أن يربي أطفاله لاستكمال عملية توارث الأجيال .. يري أن يغذي روحه بالقراءة .. ولا يريد أن يمضي حياته في البحث عن لقمة خبز دون التمتع بمباهج الحياة وليتها تجيء .. إنه يريد من يطعمه وليس من يسمح له بالصراخ.
****



19 يونيو 2005
مرحلة الفرز وظواهر غير مبررة
في أوقات المحن والانكسار .. تظهر معادن الشعوب .. لأنه فى تلك الأوقات يحدث ذلك الفرز الآلي لهؤلاء الذين يستطيعون أن يؤثروا تأثيرًا جيدًا في الناس سلبًاأو إيجابًا بوصفهم منقذين.
كما أن الناس يصيرون أكثر توقًا إلي الوصول إلي شط الأمان وأكثر تمييزًا له وقد أضناهم أمر المحنة التي ألمت بهم مستغلين في ذلك صفة أصيلة من الصفات وهي تلك التي أشار إليها نيقولا ميكيافيللي صاحب الكتاب الأشهر “الأمير” وهي ان الإنسان يود دائمًا أن يسير في الطرق المجربة والمطرقة حتي لو كانت طويلة وينبذ الطرق المجهولة حتي لو كانت قصيرة .. كما أنه يحب حياة التجمع والتكتل عن حياة الوحدة والتفرد .. ولهذا وذلك تظهرمعادن الناس حينما يظهر الخطر الذي يهدد جماعتهم.
والحادث في منطقتنا العربية أن هناك عملية فرز بادئة في التفاعل .. وقد جاءت العملية عقب الانتكاسات الكبري التي تعرض لها الوطن العربي في الثلاثين سنة الماضية والتي وصلت إلي ذروتها عام 2003 باحتلال بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
وقد ترتب علي ذك الفرز طفو عدة ظواهر غير مبررة علي السطح منها ذلك الرفض المطلق لكل ما هو قائم حتي لو كان مفيدًا للقضية الوطنية وربما يكون ذلك بسبب طول فترات القهر التي تعرض لها الناس علي أيدى تلك القوي.
وهناك ظاهرة أخري في منتهي الخطورة وهي أنه علي الرغم من أن موجة الرفض للنظام القائم نمت بسبب شعور الناس بعمالة النظام لأمريكا إلا أن الناس بدأت تتقبل التدخل الأمريكي لما رأته من كبحه لجماح مفرمة النظام ضدهم وفي هذه النقطة بالذات لا يمكننا أن نلقي العيب علي مناهضي النظام بقدر ما نلقيه علي النظام نفسه.
وفي هذه النقطة بالذات لا يسعنا إلا التحذير من رغبة الذئب الأمريكي الذي قتل أهلنا في العراق وفلسطين وأفغانستان في ارتداء لباس الحمل ومنح الشعب المصري “رشوة” تتمثل في تحريره من جلاديه مقابل اقتناع المصريين بأهمية الدور الأمريكي في “تحرير” الشعوب العربية .. أي يريد أن يستعمرنا ثقافيًا أولاً ويقنعنا بأنه المحرر وليس المحتل.
وعودة لتلك الظواهر التي تجتاح الشارع العربي عامة والمصري خاصة منها فوضي الانتماء والتوجهات والتطرف.
وأعود لأقول إن هناك مرحلة فرز يمر بها المجتمع المصري يجب أن توجه في طريقها القومى الوطني.
****
الوفد 6 ديسمبر 2005
فلنعبر هذه المرحلة
“كيركجارد” الفيلسوف الوجودي المؤمن الدانماركي الجنسية قسم في إجمالي فلسفته الناس وأنواعهم إلي ثلاثة أقسام: الأولي وهي المرحلة الحسية وفيها الإنسان يكون أشبه ما يكون بالكائن الأولي “البيولوجي”، حيث يتحرك طبقًا لأوامر جسمه .. ويستمد منها مشروعية أفعاله .. فإذا اشتهي طعامًا فليحصل عليه وبأية طريقة .. ولو اشتهي جنسًا فلا مانع من الزنا أو حتي الاغتصاب.
والمرحلة الثانية وهي تضم هؤلاء القلة الذين استعملوا ضمائرهم ورأوا أن الغريزية تساوي بينهم وبين الحيوانات فتاقت أنفسهم للعالم المثالي المسالم المتخلق بأخلاق ونواهي الضمير .
ويري أن الانتقال من المرحلة الأولي إلي الثانية يحتاج إلي وثبة صادقة .. ولكن الانتقال إلي المرحلة الثانية والخيرة يحتاج وثبة صادقة وقوية .. ينتقل فيها “النادرون” من مرحلة سلطة الضمير إلي سلطة رب الضمير عز وجل .. حيث يقف الإنسان فيها أمام ذات الله في وجل وخشوع .. وكما لا مقارنة بين متعة الجسد ومتعة الضمير .. إلا أن المتعة المنبعثة من الروح في المرحلة الأخيرة لا مثيل لها.
وآثرنا تلك الإشارة الطويلة لفلسفة “كيركجارد” للتدليل علي أن كثيرًا منا تحت وطأة الجهل يعيشون في مرحلة الحس مازالوا، حتي ولو كان الاستبداد يحول بينهم وبين الاستمتاع به كاملاً، وهو الأمر الذي يفسر سر انتشار الجرائم في قطاعات المجتمع.
وحقيقة أنا أري أن الإعلام ساهم بشكل فعال في سيادة دور الغريزة والحس بشكل خطير وذلك بأشكال عدة منها ذلك الإغراء المكثف علي شراء السلع الاستهلاكية علي شاكلة أن “من تشرب هذه المياه الغازية تصير أميرة، ومن يحمل هذا الهاتف المحمول يصير وسيم عصره، ومن يتصل بهذا الرقم يتحقق حلم حياته” .. وغيرها من تفاهات.
بالإضافة إلي دراما التليفزيون والسينما التي تظهر عبر أبطالها وشخوصها أن قيمة الجمال تفوق قيمة الفكرة وقيمة الملبس تفوق قيمة الاحتشام وقيمة الحياة تفوق قيمة التفاني والنضال.
حتي الحب وهو قيمة نبيلة تحمل كل خصال الفضيلة يقدرونها علي أنها أقل من قيمة الجنس.
والحقيقة أن شبابنا وهم في سن المراهقة بحاجة إلي تعلم سمو الروح .. إلي قيم البناء لا الهدم .. إلي المثابرة والعرق وظهر وأنهما طريقًا النجاح وليست الصدفة وضربة الحظ والفهلوة .. في حاجة إلي تعلم المشاركة وليس العزوف عن الحياة السياسية والهموم المجتمعية .. فليحارب الإعلام اللامبالاة .. وليهبط له هؤلاء المحللون والمنظرون – بتشديد الظاء – من قوقعتهم العاجية ليلتقوا بالجماهير التي صارت منفصلة عنهم انفصالاً بينًا .. وذلك لأنه يجب أن نكون أمة متخلفة .. ولأننا خير أمة أخرجت للناس.
****
الوفد 28 مارس 2006
الفساد مفرخة الشائعات
هل حقيقي كما يقول الناس إننا بلد شائعات؟ .. أولاً للإجابة عن هذا السؤال نحتاج أول ما نحتاج إلى تعريف الشائعات .. معجم “لسان العرب” عرفها بأنها ما انتشر وافترق وذاع وظهر .. أما “جولدن سبورت” فيري أن الشائعة “هي اصطلاح يطلق علي رأي موضوعي معين مطروح كي يؤمن به من يسمعه وهي تنتقل عادة من شخص إلي آخر ويتم عادة بواسطة الكلام دون الاستناد إلي دليل أو شاهد”.
والغريب أن من الشائعات الاعتقاد أن الشائعة هي معلومة غير حقيقية .. فقد تكون هناك شائعة ما .. ويكون هناك صحة لهذه الشائعة .. ولكن من تلقوها غير مستندين لتصديقها بأي دليل ملموس وان أوحي لهم إحساسهم بصحتها بمعني ان الشائعة في حد ذاتها معلومة تحتمل الصدق والكذب .. ولكن هل بلدنا تحديدًا بلد تنتشر فيه الشائعات؟
لا نستطيع الجزم سلبًا أو إيجابًا .. ولكنْ للشائعات دائمًا مناخ تغيب فيه الحريات وتنعدم العدالة .. وتكثر في المجتمع الذي تولد فيه الكثير من الأسرار والمجهولات واللامنطقيات .. كأن تجد موظفًا صغيرًا عرف عنه عدم كفاءته صار وزيرًا .. أو عاملاً صار مليونيرًا .. وهكذا.
أما عن مصدر الشائعات فهو بالتأكيد مجهول .. ولكن .. من المؤكد أن الأفراد سواء أو الجماعات والهيئات .. أو الحكومات يظلون متهمين .. فكما أن الأفراد يطلقون شائعات .. أيضًا تطلقها الحكومات وأجهزتها الاستخبارية بغرض تحقيق أهداف معينة!! .. كأن تصير هناك شائعة بأن الدولة تنتوي بيع شركة ما أو ترفع سعر سلعة ما رفعًا مبالغًا فيه بهدف تهيئة ذهن المواطن الذي ما كان ليقبل بأية زيادة في سعر هذه السلعة لكي يقبل نصف السعر الذي طرحته الشائعة .. فمثلاً المواطن يرفض تمامًا رفع سعر كيلو السكر عن حد 175 قرشًا فتصير شائعة بأن كيلو السكر سيصير سعره 350 قرشًا .. وهنا تتدخل الدولة لتسعير السكر بمبلغ 250 قرشًا .. وهكذا.
وهناك شائعات لها أغراض سياسية دولية كأن يختلق البريطانيون شائعة الهولوكست مع الإسرائيليين بهدف ضمان دعم مادي وأدبي طويل الأمد من الدول الأوربية الأخري لإسرائيل والتي هي نشأت في الأصل لحماية المصالح البريطانية في المنطقة وهناك شائعة أخري تتحدث عن المقابر الجماعية في عهد صدام .. وهي في الواقع دعاية أمريكية للاستهلاك المحلي وكسب التأييد للحرب.
وقد أهتم العلماء بالشائعة كوسيلة رخيصة من وسائل الإعلام لدرجة أن أحدهم كان يقول لو إن شركة ما رأسمالها مليون دولار من الأجدي لها أن تنفق 900 ألف دولار لخلق الشائعات التي تروج للشركة.
ولا ننسي مقولة جوبلز وزير الدعاية في عه هتلر “لكي يصدق الناس الكذبة لابد أن تكون ضخمة” .. وهي المقولة التي طبقتها الولايات المتحدة باتقان في حربها علي ما أسمته “الإرهاب” .. وأخيرًا ينبغي التأكيد أن الفساد هو المفرخة الأولي للشائعات.
****
الوفد 23 مايو 2006
عن المثقف والمثقفين
منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف المثقف بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن كل شيء .. أما الآن فتعريف المثقف بدا شاحبًا تعتريه أمراض مزمنة.. فتارة نجدنا نعتبر أنه المواطن الخارج عن السرب .. وتارة نعتبره ذلك السليط الذي ينزع كل حياء ويستبيح كل مقدس .. وأخري نعتبره انه ذلك الداعي إلي التسليم والانتهازية والتنازل عن كل غال ونفيس بحجة الاحتكام إلي العقل والانطلاق إلي المستقبل .. أو ذلك المتبلد الذي يري أن معاناة الناس ضرورية لاستنباط معني الراحة والدعة.
ومثقف هذه الأيام هو ذلك الذي ينجح بكل بساطة في استفزاز مشاعر الناس والحصول علي أكبر قدر من كراهيتهم وإن شئت احتقارهم.
ناهيك عن مثقفي التيك أواي الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
ولعلي لست أكون مغاليًا لو قلت إن هناك فجوة عميقة بين اهتمامات المثقف واهتمامات الناس .. والمدهش أن تلك الفجوة ليست ناشئة من زيادة في الوعي لدي المثقف أو نقصه لدي العامة .. ولكن لأن كلا منه لا يفكر في الآخر وكلاهما يعمل في جزر منعزلة.
ويصبح فرضًا علي المثقف ألا يطلب من البسطاء الالتفاف حوله .. ولكن عليه هو أن يبحث عن قضاياهم ومشكلاتهم ويسعي لعرضها بصدق وأمانة علي الرأي العام .. وحينما ينجح في ذلك عليه أن يكون واثقًا بأن فطرة هؤلاء البسطاء ستجعلهم يلتفون حوله.
والحقيقة المُرة أن المجتمع فسد حينما فسد مثقفوه .. حينما شغلهم أمر العولمة عن هم البطون الجائعة والأجساد العارية والنفوس المحطمة .. حينما تحدثوا عن لغة “النت” في دولة أقل من نصف سكانها لا يجيد القراءة والكتابة ويعيش الملايين من سكانها في جحور العشوائيات ويتخرج الآلاف سنويًا من مدارسها وجامعاتها لتستقبلهم المقاهي والغرز علي الرحب والسعة.
فسد المثقفون حينما أهملوا الاهتمام بأسمي المهن وأقدمها الفلاحة والزراعة واستنباط الحياة والطعام من بطن الأرض.
فسد المثقفون حينما صمتوا علي مذبحة العمال وتخريب الصناعة وتعجيز الانتاج .. وحينما اعتبروا العامل والزارع والصانع مهنًا لا تستحق ان تأخذ منهم بريق الكاميرا فصنفوها كمهن دنيا.
فسد المثقفون حينما تصارعوا علي فتات يلقيه لهم ذوو النفوذ في الداخل أو الخارج .. نظير شراء ضمائرهم .. فصاروا سوطًا ثالثًا يضاف لسوطي الداخل والخارج يلهبون به ظهور هذا الشعب المسكين.
فسد المثقفون حينما سكنوا في ابراجهم العاجية وظلوا ينظرون إلي الناس باعتبارهم ابتلاء .. وحينما استوعبتهم مارينا ومراقيا وكل امتداد الساحل الشمالي بينما حرقت الشمس والفقر والفساد رؤوس الناس.
فسد المثقفون حينما افتعلوا معارك وهمية وخارج ميدان المعركة الحقيقية لتصفية حسابات هنا أو هناك.
ورغم قتامة الصورة إلا أن هناك لا شك العديد من المثقفين المحدثين الذين امتازوا برؤاهم المتميزة الصادقة .. مضافًا إليهم نخبة رائعة من القدامي الذين شكلوا أساس البناء والمرجعية.
****
محيط 15 نوفمبر 2009
لغتنا القومية .. التشخيص والعلاج
لاشك أنه ما من أمه أهملت لغتها القومية إلا انقرضت, هذا هو ما يؤكده التاريخ الذي تعد دراسته بمثابة قراءة مكثفة للمستقبل , ولنا في أمم خلت من قبلنا العظة والعبرة , ويكفي أن نشير إلي أن العبرانيين حينما أقاموا دولتهم علي جزء غال من الأرض العربية بعدما أبادوا سكانه وشردوا الباقيون منهم, إذ شرعوا في تجريم الحديث بغير اللغة العبرية التي كانت قد انقرضت فعلا في محافلهم الرسمية رغم أن جميع سكان هذا الكيان اللقيط هم شتات من كل بقاع الأرض يتحدثون بلغات الدول التي وفدوا منها وصلتهم بالعبرية انقطعت تماما.
أقول ذلك وقد لاحظت وأنتم معي لا شك حجم الاهتراء الذي أصاب لغة الضاد في بلدانها الأصلية , وفي محاولة مني لمشاركتكم في تشخيص الداء بما يمكننا من كتابة تذكرة للعلاج الناجع لهذه الأزمة شديدة الحساسية والأهمية سنحدد مكونات المرض الذي يتمثل في وجهة نظري في ثالوث ‘اللهجة العامية والتعليم الأجنبى والانحطاط السياسي والثقافي’.
العامية .. مسموعة ومكتوبة!!
والحقيقة أنه لا خطر كبير من اللهجة العامية طالما ظلت ثقافة سمعية وكلامية فقط , لكن الخطر المستجد فيها هو تحولها إلى ثقافة مكتوبة تتدوالها الأوساط الشعبية والرسمية أحيانا, حيث صارت تروج لها وسائل إعلام الدولة نفسها مما أضفى عليها هيبة ومشروعية وهو الأمر الذي عَمّق من حجم المأساة وذلك بعدما عمدت العديد من الاوساط الثقافية الي استخدامها بحجة واهية تستند الي كونها تتيح التواصل بشكل جيد مع البسطاء وبالطبع ذلك مجافي للحقيقة لأن مفردات العامية هي نتاج فردي وليس نتاجاً عقلياً جمعياً منظماً كما هو الحال في الفصحي ولأن دور الثقافة والتعليم والإعلام أساسا هو النهوض بوعي الناس وليس الهبوط إليهم.
ومع انتشار ظاهرة ‘الشات’ في الفضائيات المختلفة والقنوات التلفزيونية التي تملكها الدول والتي يقوم من خلالها شباب لا يجيدون الكتابة والقراءة بشكل معقول بإرسال رسائل متنوعة غير مضبوطة إملائيا وتنشرها تلك القنوات وهو الأمر الذي يحمل في طياته خطراً كبيراً علي ثقافة المتلقي الذي يعتبر أن التلفزيون وسيلة للتثقيف والتعليم وليس العكس .
والملفت للنظر ان التلفزيون المصري شرع في عملية تطوير صاحبتها حملة دعائية كبيرة وإذ بنا نكتشف انه بدل كلمة النيل في قنوات النيل المتخصصة إلى ‘ نايل’ وغير اسم قناة النيل للرياضة إلى ‘نايل سبورت’ والنيل للمنوعات إلى ‘نايل لايف’ واستحدث قناة ‘نايل كوميدي’ بل أن اذاعة’ صوت مصر’ التي تعبر عن لسان مصر وثقافتها تحولت الي ‘راديو مصر’ ناهيك عن عشرات البرامج التافهة والعقيمة والمسفة التي تحمل أسماء أجنبية او غارقة في العامية!!
وقد حكت لي احدي الناشطات والباحثة في العلوم الاجتماعية والثقافية انه منذ ان استبدل أهل القاهرة نطق حرف ‘ القاف’ إلى ‘ألف’ انحدرت ثقافة المصريين وقالت ساخرة لقد تحولت كلمة ‘حق’ ‘حأ’ وهي لا معني لها وكلمة ‘صدق’ إلى ‘صدء’ من صدأ وكلمة’قوة’ إلى ‘أوة’ وهكذا.. وبالتالي فقد فسدت معاني الكلمات وفسدت مدلولاتها علي ارض الواقع وافتقد الناس الصدق والحق والقانون والقوة .
ولعل ما حدث من تعليقات لبعض الدوائر الصهيونية علي كلمات المؤدي الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم التي عبر فيها عن كراهيته لإسرائيل بلغة شعبية مبتذلة كان الهدف منها أساسا هو الدعاية لهذا النوع من الأداء الأمر الذي يكون له مردود سيىء علي الثقافة في مصر.
التعليم الأجنبي.. وقتل الانتماء
وثاني أسباب المرض هو ذلك الزحف المريب للمدارس الأجنبية في العالم العربي لاسيما في مصر والتي لا تدرس اللغة العربية مطلقا داخل أروقتها بل تقوم بتجريم وتحريم الحديث بها, وفي إطار مواز دخلت الدولة عبر مؤسساتها التعليمية العامة كداعم لهذه المؤامرة – بقصد وبدون – حينما شرعت في تعليم اللغات الأجنبية لاسيما الانجليزية والفرنسية بجوار اللغة العربية إجباريا للأطفال في مراحل التعليم الأساسي المبكرة التي تبدأ من رياض الأطفال وما بعدها وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل تعلم الكلام والمحاكاة والتي كان يجب ان يتم تركيز المجهود فيها لتعليمه لغة بلاده القومية لكن عدم مراعاة ذلك من جانب القائمين علي أمر التعليم في مصر جعله لا يجيد أياً من اللغتين لا لغة بلاده القومية ولا اللغة المفروض عليه تعلمها
وقد أنتجت السياسات التعليمية الخاطئة أجيالا من أنصاف وأرباع وأسداس المتعلمين في كل المجالات في مصر كمن رقص علي السلم فلا احتفظ الإنسان العربي المصري بأصالته ولا صار غربيا.
بالإضافة الي ان التمادي في فتح الباب علي مصراعيه للتعليم الأجنبى الخاص والرسمي في مصر خلق هو الأخر أجيالا من الشباب الذي يفتقد للولاء والانتماء بعدما تشبع بثقافة الغرب, وهنا يعنينا أن نذكر بأنه لا يفيد مصر أن تنجب علماْْء ذوي صيت عالمي ولكن ما يفيدها أن يكون هؤلاء العلماء يدينون بالولاء لها وليس لأعدائها.
الانحطاط السياسي والثقافي
هل يصدق أيا منا أن للأمية فائدة ؟
فحينما كانت البلدان العربية مستعمرة غربيا سعي الاستعمار إلى تدمير الثقافة أو اللغة العربية وإحلالها بثقافته’ راجع مشروع دانلوب التعليمي البريطاني في مصر عام 1910′ ولكن حال دون مرامه ذلك ما صدمه من أمية الناس والفقر المدقع الذي يشغلهم ولذلك حول مخططه إلى دعم الثقافات المحلية في تلك البلدان علي حساب الفصحي ,ولكن بعد انحساره شهد عالمنا العربي فترة مد قومي أصلح ما رسب في أذهان الناس من أخطاء وخطايا.
والخطر المتمثل الآن ينحصر في أن نسبة الأمية في عالمنا العربي انحسرت بشكل كبير وأن الحكومات العربية هي التي تتبني العملية التعليمية وتصرف عليها المليارات من الدولارات سنويا لكن هذه العملية تسير في إطار عكسي لا تدعم الثقافة القومية ولكن تهدمها.
وقد ترسخ في أذهان أهل الثراء والأعمال والإعلام والثقافة والسياسة والحكم بالإضافة إلى أذهان العامة بأنه كلما زاد المرء من استخدام مفردات أجنبية في حديثه مع الناس كلما أعطي لهم إيحاء بأنه من أهل الرفاهية والثقافة والطبقات الاجتماعية العليا!!



تذكرة علاج
هذه هي أهم أسباب الداء أما عن أطروحاتى للعلاج .. والتي ادعوكم لمناقشتها وإجبار الحكومات علي وضع تشريعات صارمة لتنفيذها من أجل حماية اللغة العربية من جانب ولكي تبرئ تلك الحكومات ذمتها من مأساتها , فهي:
- الحد من انتشار مدارس التعليم الاجنبي وجعل تعليم اللغة العربية مادة أساسية فيها ولا يجتاز الطالب الامتحان سوى بالنجاح فيها بدرجة مرتفعة.
- منع تدريس اللغات الأجنبية في مراحل التعليم الأساسى في كل أنواع المدارس الخاصة والعامة والأجنبية مع التركيز على تدريس اللغة العربية.
- تدريس مادتي التربية القومية والدينية’حسب الديانات المعترف بها’ بالإضافة إلي مادة اللغة العربية في كافة أنواع المدارس .
- منع إنشاء قنوات أو إعداد برامج تلفزيونية أو إذاعية تحمل أسماء أجنبية أو عامية فضلا عن أسماء الإذاعات والقنوات .
- منع الكتابة باللهجة العامية أو كتابة الكلمة العربية بحروف أجنبية في كل وسائل الإعلام ووضع حل لمسائلة رسائل’ الشات ‘ في الفضائيات والقنوات المختلفة عبر إعادة صياغة الرسائل بالفصحي قبل بثها وهو الأمر الذي يكون له مردود تعليمي علي المتلقي وعلي صاحب الرسالة نفسها.
- تفعيل القوانين الخاصة بمنع تعليق يافطات أو الكتابة علي واجهات المحال التجارية والعيادات والمستشفيات وكذلك المنتجات المختلفة وغيرها بأسماء أجنبية فقط دون أن يقابلها الاسم باللغة العربية بشكل أكبر وأبرز وهو المشروع الذي تبناه الدكتور احمد الجويلي وزير التموين الأسبق في مصر ولكن فجأة رأيناه يقدم استقالته.
هذه هي ملاحظاتي وحلولي المتواضعة أطرحها عليكم وأدعو الجميع للتفاعل من اجل دواء شاف لهذا المرض الذي حولته سلبيتنا إلى مرض مزمن.
****
24 ديسمبر 2009
العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة
رغم الضربات السافرة التي تعرضت لها الأمة العربية ومازالت تتعرض لها علي يد قوي الامبريالية في الخارج وأزلامها في الداخل منذ عدة قرون مضت مرورا باتفاقات سايكس بيكو والحربين العالميتين وخلالهما وعد بلفور المشئوم الذي تسبب في ظهور الكيان الصهيوني الاستيطاني الإجرامي عام 1948 علي أنقاض أجزاء من الدولة السورية الكبري انتهاء بغزو العراق ومحاولة إبادة شعبه من خلال حربين أمميتين ظالمتين شنت ضده عبر 13 عاما من الحصار والتجويع انتهت بسقوطه عام 2003 ومصرع أكثر من المليوني شهيد ” راجع :
http://www.countercurrents.org/polya210309.htm’ من خيرة أبناء الأمة العربية ممن تربوا تربية قومية صحيحة وواعدة وكذلك محاولة تفتيت السودان والعبث باستقراره ووحدته وهو ما يحدث الآن في اليمن والصومال ولبنان ومحاصرة ليبيا إلا انه رغم كل ذلك تزايدت الحاجة الشعبية لهذه الوحدة القومية ومقاومة كل الأفكار التي تروج لتحويلها إلي فكرة شعوبية ضيقة مدفوعة بقيم انتهازية نخبوية علي حساب رغبة الجماهير العربية وحاجتها الماسة للوحدة والقوة.
ولعل السبب وراء صمود القومية العربية إزاء الصعوبات التي واجهتها أن تلك القومية تتوافر فيها مقومات ما كانت لأية قومية غيرها تملك هذا التعداد السكاني فضلا علي انتشارها علي رقعة جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي حتي الخليج العربي والتي تمثلت في وحدة اللغة والدم والجنس والثقافة والجغرافية والمصير الواحد والإرث السياسي والتاريخي بل والديني مما جعلها مثار حسد من قبل أمم لم تتوافر فيها مثل تلك الخصائص بذات الصورة من النضارة والخصوبة
ولقد لمس الشعب العربي ما حباه به الخالق من روابط في أزمنة تقوم فيها قوميات أخري تفتقد لمعظم تلك الخصائص الواجب توافرها في القومية الناضجة باصطناع وتأصيل روابط بين أفرادها في محاولة لخلق مبررات الوحدة بين دولهم ولذلك ثَمَّن الشعب العربي هبة الله له وراح يناضل من أجلها لا سيما بعدما شاهد القارة الأوربية التي تعرقل بشكل مستمر مشروعه القومي تسعي لاستنساخ قومية لها عبر إنشاء الاتحاد الأوربي وغيرها رغم تنوعها جنسيا ولغويا ودينيا وتاريخيا
إن الامبريالية العالمية في ثوبها الجديد وعبر مسلكها الثقافي الذي يحمل رداءات العولمة والتحرر والديمقراطية وهو بعيد كل البعد عن أية مثالية أو حسن نية يسعي وبشكل دءوب لفصل القومية العربية عن محيطها ومرجعها الثقافي المتمثل في الإسلام فى محاولة للوقيعة بين المتلازمتين وإظهارهما بمظهر المتناقضتين المتصادمتين رغم أن الإسلام يعد المرجعية الأولي للثقافة العربية بل إنه يشكل فيها ذروة السنام فضلا عن أن هذا الدين الذي استطاع أن يسود العالم في فترة وجيزة يعد استفتاء بشكل قاطع علي عالمية الثقافة العربية وعلي أن العروبة والإسلام وجهان لعمله واحدة
فقد أبقي الإسلام علي معظم العادات والأعراف العربية القديمة كالكرم والشهامة والجود والإخلاص والوفاء والصدق والعدل والصبر والوفاء وإغاثة الملهوف ونجدة المستغيث ورفض الظلم والاعتزاز بالأهل وردهم في حال التجاوز واحترام الكبير وتوقيره والرحمة بالصغير واحترام الجار وصيانة حقوقه بينما قام بتهذيب ومحو العادات السيئة منها مما يعني اعترافا ربانيا بأفضلية الثقافة العربية علي ما عداها من ثقافات أخري ولذلك اختارها لتحمل هذه الرسالة العظيمة.
ولبيان فضل العرب نشير الي ما تواترت الأحاديث النبوية الشريفة به فقد أمر صلى الله عليه وسلم : ‘أحبوا العرب لثلاث لأنني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي ‘ وكذلك’ تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق’ وامتداح النبي لأصله الشريف حين قال’ أنا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب’ وكذلك حينما عاد ليضرب لنا المثل عن قيمة التسامح العربي حينما قال ‘لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى’.
إن الإسلام بوصفه دينا عالميا لا يتصادم مطلقا مع وحدة القومية العربية وذلك لأن القومية العربية تعد هي اللبنة الأولي لهذا الدين العظيم وفي سيادته وانتشاره وفاء بها وامتداحاً لها وكذلك فإن القومية العربية لا يمكنها أن تعوق المشروع الإسلامي العالمي ما لم تكن تدعمه متي تيسرت له ظروف الوحدة الإسلامية الجامعة وأظنها لا يمكن أن تتحقق دون تحقق الوحدة العربية أولاً لينطلق منها الإسلام كما انطلق في المرة الأولي.
****
الاسبوع 28 فبراير 2010
ثقوب فى ثوب العدالة
لا أدري لماذا كلما ذكرت القوي الغربية مصطلح “الديمقراطية” أجد مشاهد الدماء والجوعي والنساء المغتصبات والأطفال الأيتام والملاجيء والعجائز والثكالي تجتاح مخيلتي , رغم أن هذا المصطلح العجيب عادة ما يثير لدي مخيلات غيري من الناس صور الرخاء والرفاهية والحب والعدالة؟
بل إنني عادة ما أتوقع من الخٌير الداعى للديمقراطية أن يكشر عن أنيابة في نهاية المسرحية العبثية ليكتشف الجمهور أنه ليس إلا ذئباً استطاع أن يخدع الجميع فترة طويلة من الوقت.
وفي الحقيقة أنا لا أجد معني واضحاً لهذا المصطلح سوي أن الجميع يفسره بما يرضي مشيئته ويحقق له أهدافه, فإذا أرادت القوي اليمين الليبرالية أو بالأحري “الإمبريالية” المزيد من السيطرة علي ثروات منطقة ما في العالم رفعت شعار الديمقراطية وراحت ترتكب بحق سكان هذه المنطقة أبشع الجرائم قتلا وتنكيلا , وإذا أرادت قوي اليسار الاشتراكي توصيف نفسها فإنها تصفها بذات المصطلح الذي تريد القوي السابقة احتكاره لنفسها , ونلاحظ هنا أن الجميع يضفي علي نفسه لقب الديمقراطية ويفسرها طبقا لمفهومه, لذلك نجد أنفسنا أمام تساؤل مهم حول مفاهيم مصطلحات “الديمقراطية” و”الأغلبية” و”العدالة”.
فهل من الممكن أن يكون معني مصطلح “الديمقراطية” ذلك التفسير الذي يصفها بأنها “حكم الشعب للشعب لصالح الشعب”كما كانوا يدرسونها لنا في المراحل التعليمية الإعدادية أم أن ذلك يعد تعريفا ساذجا فوضويا فضفاضا يكفي ليضم تحت عباءته كل “الموبقات”؟.
وهل يمكننا أن نسلم بأن نظام حكم “الأغلبية”هو نهاية المطاف للوصول إلى “العدالة” وغايتها المنشودة في تحقيق “السعادة” البشرية أم أن التاريخ يسجل أن تطور البشرية هو نتاج لجهود فردية كما أن أي نظام حكم مبني علي قاعدة “الأغلبية” يهدر طاقات “الأقلية” الخلاقة فضلا عن انه قد يقود إلى الكارثة وذلك حالما كانت اختياراتها غير مبنية علي اعتبارات علمية.
لاسيما أن كل ديكتاتوريات التاريخ صنعتها قوي الأغلبية التي عادة ما تنطلي عليها حيل “الخداع ” التي تمارسها إعلاميات قوي القلة المسيطرة فضلا عن تربيطات المصالح الشخصية لقادة الرأي وجماعات الاستغلال المحلية علي حساب المصالح الجمعية للأمة , أليس وسط كل هذا المناخ يعتبر اختيار”الأغلبية” اختيارا وهميا ونوعا من أنواع “الديكتاتورية”؟
وهناك تساؤل حول ما إذا كان تحقق مفهوم الديمقراطية أو الأغلبية يعني تحقق العدالة من عدمه؟
في الواقع ..لابد أن نجزم أولا بأن كمال الأشياء مرهون بمدي نفعها للناس واستفادتها القصوى من طاقات الشعوب بما يخدم تلك الشعوب.
وإنني استدعي هنا مصطلح “الوعي” وأعتبره متلازما لنظام “الأغلبية” وأن علاقتهما الواجبة ببعضهما البعض هي علاقة الشارط والمشروط ومتي تأكدت صحة تلك العلاقة وصحة تجاوبهما تسني لنا تلافي عوار الثوب المتهتك.
والسبب وراء اشتراط صواب اختيار”الأغلبية” ب “الوعي” أن رأي أقلية “تعلم” خير من رأي أغلبية “تجهل”وأنه ليس من العدل في شيء أن نساوي بين رأي “واع” وآخر”غير واع” فضلا عن أن رأي مجموع أصوات الأقلية في صندوق الاقتراع هي أراء أكيدة صاحبها إصرار وتيقن ومعاناة علي خلاف مجموع أصوات الأغلبية التي تصاحبها عادة المساومات والتهديدات والإغراءات وبالطبع “التزوير”.
ولا يخفي علينا أن الرسول الأكرم محمد ‘صلي الله عليه وسلم’ كان فردا يقاوم خصما من الجهل والوثنية التي لا تجتاح المنطقة العربية وحدها بل العالم بأسره شأنه في ذلك شأن جميع الأنبياء والرسل الكرام وأنهم لو اعملوا نظام “الاغلبية” الذي ننشده حينها لبقيت البشرية تغرق في الجاهلية حتي الآن ولو قاسوا أيضا الأمور بمنطقيات “الديمقراطية” الحالية لاتهموا الخليفة الراشد “عمر بن الخطاب”بالديكتاتورية والطغيان ولطالبوا بدق عنقه مع انه هو الذي شهد له أعداؤه قبل أصدقائه بكونه راعي العدالة الأول في التاريخ.
وحتي لا يفهمني البعض بطريقة خاطئة .. فأنا لا أقول إنني أقف ضد الديمقراطية ورأي الأغلبية أو أنني أدعو إلى الاستبداد بما يفهم منه مهاجمة الاختيار الجمعي ولكن علي النقيض تماما .. ولكننا نتحدث بصوت عال حول إشكاليات ومشكلات هذين المصطلحين ونحن نقف في صفهما بشدة ولكن نريد أن نضبطهما بما يخدم الهدف النهائي منهما وحتي لا تستطيع وسائل إعلام مأجورة ومغرضة قيادة أراء أغلبية تفتقد للوعي فتقودها إلى نتيجة مؤسفة لم تكن قط تقصدها اختيارات الأغلبية.
ودعونا نتساءل .. ألم يصعد أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا بأغلبية ساحقة”94%” ثم قادها إلى الجحيم ونجح المجرم جورج دبليو بوش لدورتين متتاليتين في أمريكا فقتل علي يديه الملايين في العراق وأفغانستان .
ونتساءل أيضاً .. ألم تكن العراق دولة مشهود لها بالازدهار في ظل حكم الرئيس الشهيد صدام حسين الذي اتهموه بالديكتاتورية ثم جاءوا بأساطيلهم تحت شعار الديمقراطية ونصبوا حكومتهم العميلة وإذ بنا نفاجأ بالدماء تفيض علي الرافدين بطريقة كتلك التي درسناها في كتاب التاريخ عن زحف المغول وأن ما قالوه عن بداية عصر الديمقراطية هو بعينه بداية عصر الاستبداد والإرهاب والقهر.
ألم تقم معظم الدول العربية بإجراء انتخابات يقولون عنها عادة نزيهة وشفافة وتحترم إرادة “التغيير” وإذ بنا نجد أن الحاكم والحاشية مازالوا موجودين في السلطة بل أنهم فازوا بأغلبية ساحقة رغم أن من قال “نعم” ممن اُجبر ترهيبا وترغيبا ومن قال “لا” كليهما متفقان علي رفضه فضلا عن أغلبية كاسحة سئمت حيل الخداع والذهاب إلى صناديق اقتراع غير معروف عنها تغيير حاكم عربي من قبل وفضلت إعطاء ظهرها للمسرح العبثي الذي تحدثنا عنه.
خلاصة القول أنه لا يمكن أن نصنع ديمقراطية ولا نحتكم لنظام الأغلبية ولا نستطيع الوصول للعدالة دون تحقيق “الوعي “وخلق مقومات تعزيز “الإرادة” وإذا تجاهلنا هذين الشرطين فإننا بذلك سنكون شركاء في تعزيز “الاستبداد” وخنق مكاسب “الشعوب”.
****
العروبة نيوز 21 مارس 2010
ماذا لو عاد الفاروق حاكما والمسيح مبشرا؟
ليس ترفاً فكرياً أن نعيد الآن طرح السؤال الذي طرحه الكثيرون من الساعين لترتيب أولويات الفكر علي مر العصور: أيهما يقود إلي الآخر.. العدل أم الحرية؟ وأيهما أكثر أهمية من الآخر؟
في الواقع إن التجارب الإنسانية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن قيمة الحرية تعد وسيلة لتحقيق العدالة التي متي تحققت توافرت وانبثقت منها الحرية بمعني أن كليهما متلازمان ولكن لو خيرنا بالتضحية بواحدة منهما مقابل انتعاش القيمة الأخري لاختار الناس – لاسيما العقلاء منهم – التضحية بالحرية حتي تبقي العدالة.
وفي الفكر الإسلامي تقدمت فكرة العدالة علي ما سواها من عوالم الأفكار ونجده -سبحانه وتعالي – في مواضع متعددة يشير إلي العدالة كواحدة من أهم القيم التي ينبغي علي المجتمع المسلم المحافظة عليها بل إنه قدمها علي قيمة الإحسان التي تعد نهاية المطاف ودرة الخصال الواجب توافرها في المجتمع.
ومع ذلك لم نجد التشديد والجزم الذي وجدناه في قيمة العدالة عند الحديث عن الحرية سوي في مواضع الرق والعبودية وهي المواضع التي تسلب فيها الحرية كاملة.
ورغم أن الكثيرين من المفكرين الغربيين – علي اختلاف مشاربهم الفلسفية – أمثال هيجل وكيركجارد وكانط وجاسبرز ولينين وماركس- يعلون من شأن قيمة العدالة منطلقين في ذلك من مواقفهم الاجتماعية , نجد آخرين أمثال برتراندراسل وسارتر يعتبران أن الحرية هي القيمة الأعلي وأن العدالة جزء منها وقد وجهت لهما انتقادات لاذعة باعتبار أن كراهيتهما للشمولية الاجتماعية قادتهما للخروج بنتيجة لا يمكن أن تقود إلي الحقيقة.
اللافت أن قيمة الحرية بمفهومها الحالي بدأت في الظهور والتنامي متزامنة مع فترة الاستعمار العسكري وإن كان المقصود بها آنذاك مصطلح ‘الاستقلال’ ثم سرعان ما تحولت إلي الحرية الفردية مع انتشار موجة العولمة العلمانية والمقصود من ورائهما القضاء علي كل مظاهر الدولة القومية والخصوصيات الثقافية للأمم تحت وهم الأولوية للعلم وهو الأمر الذي يمكن الغرب من بسط السيطرة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حتي السياسية والعسكرية علي المستعمرات القديمة في ثوب جديد.
ولم تكن البشرية أكثر سعادة حينما تعالت الأصوات المنادية بالحرية خصوصا في ظل معايير مبتدعة مثل الديمقراطية ونظام الأغلبية اللذين كشفت سوءاتهما أكثر مما تخبئان لاسيما في أمم اعتادت علي تزييف إرادتها التي لم تكن هي الأخري بالناضجة أصلاً.
إن ترتيباً جيدا للأفكار سيجعلنا نؤكد أن الحرية الفردية ليست إلا وسيلة لتحقيق العدالة لاسيما في تلك الأمم التي يفتقد مواطنوها الوعي جملة وتفصيلا بل إنه يمكننا القول إن توافر عنصر الحرية الفردية في مثل تلك المجتمعات قد يكون عاملاً للهدم وليس البناء، خاصة إذا كان المراد من توفير ضمانات الحرية الفردية التدليل علي وجود العدالة.
إن نظرية العادل المستبد التي شخصها عبد الرحمن الكواكبي في ‘طبائع الاستبداد’ هي فعلا النظرية المثالية للنهوض بالكثير من أمم العالم لاسيما الأمة العربية، ولذلك فإن الشعب العربي يسوقه حنين دائم إلي جمال عبد الناصر وصدام حسين وهواري بومدين وليس إلي الزعامات الحالية التي استخدمت صناديق الاقتراع ونادت بالحرية الفردية لكنها قتلت العدالة.
وأنا أتصور ولعلي لا أكون مبالغا بأن الفاروق عمر بن الخطاب مع ما عرف عنه من عدل لو عاد ليحكم بلداً عربياً الآن لوصموه بالطاغية وأن المسيح – عليه السلام – لو عاد مجدداً لصلب بحق في هذه المرة.
وبالطبع ليس العيب لا في المسيح ولا في الفاروق ولكن العيب كل العيب في زمن يساوي فيه بين العالم والجاهل ويهتم بالتفاصيل وليس الغايات ويعلي من قيمة الإجراء وليس قيمة النهاية الأمر الذي أفسح المجال بشدة للطفيليات لتنمو وتترعرع وسط رضاء خادع مع أن البشرية حتي في حالة اكتمال الصورة المثالية لا زالت تعاني من ديكتاتورية الأغلبية.
****
الاسبوع 6 ابريل 2010
عن المعقول واللا معقول
هناك ظواهر عديدة نعيشها صباح مساء ولكن لا نستطيع أن نجد لها تفسيراً علمياً، الأمر الذي يضطرنا إلي إنكارها جملة وتفصيلاً رغم أننا بذلك لم نتخلص منها أو بالأحري من وجودها.
من أهم تلك الظواهر المثيرة للجدل قوانين الصدفة والسحر والحسد وتوارد الخواطر والفراسة والمكاشفة الصوفيتين وهي كلها ظواهر لا يمكن إثباتها علمياً رغم أنها موجودة بالفعل في الحياة ولو لم تكن موجودة ما صدرت قوانين أوربية قديمة بإعدام من يمارس السحر الأسود.. وما تردد الآلاف بل الملايين يومياً علي وجه البسيطة للعرافين وقارئي الفنجان ومن يحلو لنا تسميتهم بـ’الدجالين’ لرصد الطالع وفك العمل والمس الشيطاني ولو لم يكن الناس يرون أنها تقدم حلولاً ما لجأوا إليها عبر آلاف السنين.
البعض من المثقفين يتحرجون من الخوض بشكل منهجي -ولا أقول علمياً كما سيتضح لاحقاً- في تلك الأمور خشية اتهامهم بالجهل والشعوذة رغم أن الجميع يوقن في قرارة نفسه بوجود تلك المسائل ولا أدري لماذا كل هذا الحذر في تناول ظواهر مجتمعية متوطنة في كل أرجاء العالم ومتجذرة عبر التاريخ رغم أن الأديان جميعها السماوي منها والإنساني يؤمن بها بل إن إحصاءات أوربية رصدت أن معظم ساسة العالم يستعينون بالسحرة والعرافين لتأمين حكوماتهم.
ومشكلة البشرية في رأيي -لو أخذنا الأمر بشكل أعمق وأكثر شمولية- في أنها اتجهت منذ اشتعال الثورة الصناعية الأوربية لإنكار كل ما هو غير علمي وما لا يمتلك نسقاً منطقياً وبالتالي قدست العلم وتفردت بالإيمان بالمنطق رغم أن أشياء كثيرة ومنها الظواهر السابقة لا نسق لها ولا منطق.
وفي الحقيقة أنه لو شبهنا الحياة كقطار يمشي علي قضيبين حديديين لكان أحدهما المنطق والآخر اللامنطق، لو نزعنا أحدهما لسقط القطار وتهشم.
الغريب أن الأديان السماوية التي يؤمن بها نصف سكان الأرض لو قيست بمعياري المنطق واللامنطق لاكتشفنا بسهولة عدم منطقتيها.
فالكائن المنطقي البحت ‘العلماني’ لا يمكنه أن يصدق أن لهذا الكون العظيم إلهاً يدير شئونه ويعلم ما في النفوس ويرسل الرسل وينزل الوحي ويبعث الموتي ويرزق من لا حيلة له حتي يتعجب صاحب الحيلة وبأن أولي التدبير هلكي وتقية من لا يُري تنجي من هول ما يري.
إنها ظواهر مجتمعية لم نستطع قط إخضاعها للمنطق أو للعلم والعلمانية ولكن لن نكون صادقين البتة لو أنكرناها واعترفنا بقصور علمنا الذي قادنا للوصول إلي المريخ في الوصول إلي جوهرها.
وهناك أيضاً ظواهر مجتمعية أخري قد لا تحتاج إلي بحث علمي لتفسيرها لأننا سنلجأ لإنكارها -حينئذٍ- رغم أنها أيضاً موجودة ومنها ظاهرة ‘التوفيق’ والتي يعبر عنها العامة بـ’إيده خضرا’ للشخص الموفق في كل عمل يقوم به وظاهرة ‘النحس’ وهي للشخص الذي يقف في الجانب الآخر رغم أننا لو أجرينا فحصاً ودراسة لاكتشفنا أن الشخص الموفق قد يكون جاهلاً وعشوائياً والشخص ‘المنحوس’ معروف عنه الاهتمام بالبحث والتفكير العلمي.
ويحكي ميكيافيللي في كتابه ‘الأمير’ عن حاكم لم يحالفه الحظ رغم ما عرف عنه من حكمة وحزم واستعداد عسكري واسع فخسر الحرب والملك أمام عدو لم يكن من المتوقع أن يصمد في معركة أكثر من ساعة. ويروي أيضاً عن ‘صانع الفخار’ الذي حالفه الحظ حينما هاجم الأعداء الإمارة التي ينتمي إليها وقتلوا الحاكم وكل جيوشه وانسحبوا ولم يجد الشعب أبرز وأقوي من هذا الشخص ليلتفوا حوله وينصّبوه حاكما عليهم طمعاً في أن يأخذ لهم بالثأر وهو ما حدث فعلاً، بل إن ‘صانع الفخار’ صار بعد ذلك أهم وأعظم حكام إيطاليا.
ولماذا نذهب بعيداً.. ألم يقم المصريون بثورة – هي الأولي في تاريخهم الحديث – ضد الحاكم المستبد فأطاحوا بالوالي العثماني ‘خورشيد باشا’ الذي فر مع جنوده وهنا لم يجدوا إلا جندياً من أصل ألباني ونصّبوه حاكماً ليظل ملكه منذ 1805 حتي 1952 وليعتبر مؤسس مصر الحديثة.
ثمة أشياء أخري يلاحظها الناس في جميع أنحاء العالم لكنهم لا يستطيعون الإمساك بتلابيب فهمها، فلماذا الجنوب والشرق عادة أكثر تخلفاً علمياً من الشمال والغرب ومع ذلك هو أكثر إيماناً وثباتاً؟! وليست تلك الظاهرة علي مستوي العالم فحسب بل إنها في الدولة الواحدة أيضاً بل في القرية ذاتها.
ولماذا حينما يسعد الإنسان بشكل كبير يصاب بالهم والخوف بعدها مباشرة لفترة ؟ ، لماذا نتشاءم من نعيق الغراب والبوم ونفرح بزقزقة العصافير؟.. لماذا.. لماذا؟
هي أشياء لا منطق لها.
المطلوب من رجال الدين – أي دين – وخبراء علم النفس والميتافيزيقا السعي لإيجاد إجابات شافية لتلك الملاحظات بما يخلص البشرية من هم و خوف ظل يعتريها عبر التاريخ اخذين في الاعتبار أن البشرية تسعي للخلاص من أمراض لم تدركها علوم العصر بعد.
****
باريس القدس 29مايو 2010
عن الدراما السورية وبراعم القطرية
لا أخفيكم سراً إننى منذ فترة بعيدة انصرفت عن مشاهدة السينما والدراما المصرية واعتقدت أن الفن بهذه الصورة لا يمكن أن يساهم فى تطوير المجتمعات بل قد يكون له تأثير سلبى ربما لا يصلح فيه ترميم ولا إصلاح.
وتأتى خطورة الإعلام عموما والأعمال الدرامية خصوصا مع ما يتعرض له المشاهد إثناء استرخائه وهى الفترة المثلى للتقبل اليسير والسهل للأفكار المطروحة عبر استخدام تكنيكات تهدف إلى الإقناع مثل التكرار والتجاهل والتضخيم والتهوين.
وأدركت أن إساءة استعمال الفن – وهو ما يحدث بالفعل الآن – قد خلق مشكلة قومية كبرى يعد الصمت عليها جريمة نكراء لكونه يعبث فى المكون الفكرى والتوعوى للإنسان المصرى ولا يتركه إلا حطاما يملك بقايا إنسان بحيث يصرفه بل يغيبه عن طرح ومناقشة اهم قضاياه التى تمثل له قضايا حياة أو موت ويلقى به فى جب عميق من الترهات والتفاهات والإسفاف والتبلد والاستكانة.
بصراحة اعتقدت أن كل الأعمال الفنية فى منطقتنا العربية تجرى بنفس المنطق التغييبى والهزلى وذات المنوال الذى يدار به الأمر فى مصر فأقررت حكما متسرعا يصور الفن والفنانين كأبواق تخدم المخططات الاستعمارية المرادة لبلداننا – بقصد او بدون - ولكن كان لزوجتى الفضل فى أن تصوب لى الأمر وأخبرتنى أن هناك من يقدمون فنا فعالا يخدم المجتمع وينقل الواقع وينشد الفضيلة وان متعة المشاهدة قد تجعلك لا تفارق الشاشة الا مضطرا بسبب انتهاء العرض.
فى الحقيقة كانت هذه هى المرة الأولى التى أشاهد فيها عملا دراميا سوريا ووجدتنى أمام “باب الحارة” أجد فنا يقاس فيه العرض بالثانية والكلام بالكلمة دون مط أو تطويل أو حشو فارغ ويرسم صورة إبداعية فى غاية السمو والرقى ولم أتوقف عن متابعة هذا المسلسل إلا بعد مشاهدة أجزائه الثلاث ورحت أتابع بعد ذلك الدراما السورية بشكل عام فوجدت فيها ضالتى.
أنا فى الواقع لم أشأ أن اعقد مقارنة بين الفن المصرى والسوري وذلك لأننى لا أؤمن أساساً بوجود الحدود الشعبوية القطرية الاستعمارية.
ولكن المقياس عندى يدور فى الإجابة حول سؤال : هل هذا الفن أو ذاك فنا ايجابيا يخدم الشعب والثقافة العربية أم لا ؟ وهل هو يناصر قضايا الواقع والتحرر والتنوير أم انه فن اظلامى سلبى لا ينقل الواقع ولكنه يحلق منفردا لخلق واقع وهمى يدور فى خيال هذا المخرج الشاذ او ذلك الفنان عديم الثقافة أو ذاك المأجور وهم الذين استحلوا قسرا تنصيب أنفسهم كمعبرين عن الثقافة المصرية رغم أنهم هم الأكثر مناقضة وإساءة لها .
لقد لفتت زوجتى نظرى إلى أمر غاية فى الخطورة حينما قالت لى ان الدراما المصرية لا تظهر فيها امرأة محجبة مطلقا مع ان معظم نساء المجتمع المصرى محجبات بل ان الأعمال التاريخية والدينية فى الدراما والسينما المصرية تظهر نساءا ربما كن صحابيات وهن غير محجبات بل قدموهن كمطربات كما حدث فى فيلم الشيماء.
ليس ذلك فحسب بل انه حينما قدموا مسلسلا عن صلاح الدين الأيوبى عرضوه بصورة قد يفهم منها انه “زير” نساء وليس بطلا إسلامياً تاريخيا أضفى عليه الناس نوعا من القداسة من فرط استبساله.
درسنا فى كلية الإعلام أن الوظيفة الرئيسة من الفن هى التنوير والإرشاد ثم الإعلام ثم الترفيه لكن على ما يبدو أن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب فى مصر فصارت الوظيفة الأولى للفن هى الترفية المبتذل ثم نقل مخيلة المنتج أو المؤلف والمخرج “بوصفها الحقيقة التى لا تقبل جدلاً” دون المرور بالتنوير والإرشاد.
لقد غاص الفن المصرى فى متناقضين أساسيين إما الإفراط فى “التعرى” و”الجنس” و”الخيانة” تحت دعوى”الحب ” و” الشباب”و”الحرية” أو الإفراط فى”القتل” تحت “دعوى” الواقع” و”المخدرات” و”العشوائيات” والمؤسف ان لا هذا ولا ذاك يعبر عن المجتمع المصرى.
ربما قد تكون السينما التجارية استطاعت أن تقنع قطاعا من الشباب “فاقد الهوية” لتقليدها ولكن سرعان ما يدرك هؤلاء الشباب انهم وقعوا ضحية لفن ساقط جعلوا منه مرجعيتهم ولم يفيقوا إلا مع الاصطدام بقسوة الواقع ومغايرته لخيال الافلام وهنا يجب التنويه إلى أن هذا القطاع يمثل نسبة ضئيلة للغاية من الشباب المصرى الذى تكويه نار الفقر والبطالة.
قناة “براعم” القطرية
كما استطاعت قناة “الجزيرة” القطرية أن تصبح منبرا عربيا مميزا يقف فى صف المقاومة العربية فى العراق وفلسطين ولبنان وحتى الصومال وهى المقاومة التى خذلتها معظم النظم الرسمية , استطاعت قناة”براعم” القطرية أيضاً أن تجمع أطفال العرب حولها لتقول أن هناك من مايزال يقاوم تغريب النشء والعبث بثقافتهم العربية .
لقد تمكنت تلك القناة بحق أن تؤكد للجميع أن اللغة العربية الفصحى هى أم اللغات وأكثرها جمالا وإبداعا.
وأفضلها تعبيرا وأسلسها نطقا وكتابة عبر برامج مدروسة بعناية شديدة تربط ماضى الطفل بحاضره ومستقبله وتجعل من مهمة تثقيفه أمراً يسيراً بحيث تخلق منه شاباً عربياً صالحاً.
****
الأسبوع 7 يونيو 2010
القدرة وحسن الطالع
أجدني رغم ما يحيط بنا من أحزان قومية اعتدناها جراء مذابح ‘الحريات’ التي ترتكب ضدنا صباح مساء والتي لن يكون آخرها مذبحة قافلة الحرية علي يد الصهيونية الفاشية، أجدني أميل إلي عدم خوضها لأن الجميع قد تحدث فيها وانتحي بقلمي جانباً للحديث في أشياء بعيدة قد لا يبدو للوهلة الأولي الحديث فيها مستساغاً في تلك الأوقات..
وعلة هذا الميل يرجع إلي أن أقلام الوطن كثيرة وأقلام الإنسانية أكثر ورب كثرة أفقدت الكلمات وحيها فباعدت بين لفظة ‘الجرح’ وآلام ‘المجروح’ وبين مفردة ‘الموت’ وبين ‘رهبته’ وآلام اليتامي، هنا وجدت نفسي أنأي عن تكرار ما ردده غيري وهو واجب عليَّ وعليهم وأدلف للحديث عن ‘الطالع والقدرة’ ولعل..
مسألة ‘الطالع’ توحي أول ما توحي بأن من يؤمن بها أو حتي يرددها هو شخص غيبي ينكر قدرة العقل ويفضل إلقاء اللوم علي المجهول في كل فشل.
وفي الحقيقة، وبقراءة ولو سريعة في التاريخ قد يتأكد لنا أن لـ’الطالع’ دوراً كبيراً في رسم خريطة العالم.
ويرصد نيقولا ميكافيللي – في كتابه الأمير – قصصاً كثيرة لفشل أو نجاح كان لسوء أو حسن الطالع، الدور الأساسي فيها إلا أن ميكافيللي الذي عاني هو نفسه من حسن وسوء الطالع يؤكد أنه لا جدوي للطالع دون القدرة، كما أنه لا جدوي للقدرة والذكاء دون توافر حسن الطالع.
ويضرب ميكافيللي لنا الأمثال عن صانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد، حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً وبعد نهب ثرواتها عادوا أدراجهم، هنا وجد البسطاء أن صانع الفخار هو أكثر السكان شهرة فنصبوه أميراً خاصة لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.
هنا اختلط حسن الطالع بالنسبة لصانع الفخار وليس شعبه، مع القدرة وهي التي جعلت هذا الرجل من أشهر أمراء إيطاليا القديمة ودام حكمه وحكم أسرته بضعة قرون.
وعلي النقيض يضرب ميكافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتيت له كل إمكانات الدوام والبقاء إلا حسن الطالع فهزم في معركة كان يجب أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.
ويقول ميكافيللي إن قدرة بدون حسن طالع تعني فشلاً وإن حسن طالع مع نصف قدرة يعني انتصاراً.
وتأكيداً لهذه الرؤية يؤكد أحمد ميشيل عفلق أنه لا يستطيع أن يصدق أن هذه الأجيال العربية المتعاقبة لم تنتج لنا سوي ابن سينا وابن النفيس والخوارزمي وغيرهم ويشير إلي أن الحياة فرن جبارة احترقت بداخلها ملايين العبقريات والإبداعات وحرمت عالمنا العربي من ثمارهم، وأنه متي هيأنا للمواطن العربي عيشة رغدة جنبنا انصراف جهده إلي تلبية حاجات بيولوجية تحول دونه والإبداع.
ويقصد عفلق أنه ليس بالتأكيد أفضل كتابنا وعلمائنا من هم يطفون علي السطح الآن وأنه لولا سوء الطالع لكان بيننا بدلاً من أحمد زويل ويحيي المشد أو فاروق الباز الآلاف أمثالهم فقط لو تهيأ لهم حسن الطالع من خلال إمكانية في التعليم وتوفير لقمة عيش سهلة وموضوعية في التعيين والتدرج الوظيفي ومناخ عام يساعد علي الإبداع.
وفي التاريخ العربي يلعب حسن الطالع دور الأسد علي مسرح الأحداث، فها هو قطز يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف إلي مصر فيهئ له حسن الطالع كاملاً للقيادة ويصير هذا الفتي المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد فيلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي علي المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب والانقلابيين.
وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً للبلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم امبراطورية عرفتها مصر ودام حكم أسرته نحو القرن ونصف القرن وسار مؤسس مصر الحديثة.
وحتي في تأسيس الجيش المصري الحديث قصة عجيبة فالكولونيل ‘سيف’ وهو جندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلي حياة الحربية وتنامي إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه علي حاكم الاسكندرية الذي أرسله إلي محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري ويكون وزيراً له.
وفي ثورة يوليو المجيدة 1952 يؤكد الضباط الأحرار أنه لو كانوا قد تأخروا يوماً واحداً عن يوم 23 يوليو لكانوا قد أعدموا في المقاصل الملكية بعد افتضاح أمرهم.
وحتي بعد الثورة ما كان للرئيس السادات أن يتصور وهو يعمل ‘حامل أمتعة’ في محطة قطار نجع حمادي في حيلة للتخفي من البوليس السياسي الملكي أن يصير بعد نحو 20 عاماً حاكماً للبلاد.
وحتي الرئيس مبارك ما كان يتصور حينما كان ضابطاً في الكلية الحربية أن يحكم هذه البلاد لولا دوره في حرب أكتوبر.
نعم هناك حسن للطالع ولكن لابد أن يقترن بالقدرة.. فقدرة كبيرة وحسن للطالع تعني خلق زعيم كبير وهو ما حدث مع سايس الخيول خروشوف الذي تحول إلي زعيم للاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم وقواه الضاربة.
نحن لا ننفي القدرة ولكن قدرة بمفردها لا يمكن أن تنجح لولا حسن الطالع الذي هو بالتأكيد التوفيق الرباني، والخلاصة أن حسن الطالع والقدرة التي هيأت للكيان الصهيوني البغيض الولادة في عام 1948 آخذة في الاندثار وأن أياماً مقبلة سيئة الطالع تواجهه ولن تغني عنه قدرته .
****
محيط 25 يونيو 2011
عن منطق الاستبداد فى عالمنا العربى
فى كتابه الأشهر “الأمير” عرض نيقولا ميكافيللى على أميره أمير “فلورنسا” الذى كان يتأهب لغزو إحدى الإمارات المجاورة له- فى سعيه لتوحيد واستعادة أمجاد الإمبراطورية الرومانية الممزقة- ثلاثة أساليب لغزو تلك الإمارة أولها أن يذهب الأمير بنفسه على رأس جيشه لغزوها ولكن نصحه هنا بتجنب هذا الخيار لأنه قد يفقد إمارته الأصلية بعد تغيبه فيستقل “النبلاء” بها.
وثانيها أن يجرد جيشا لغزو تلك الإمارة وهنا حذره من أن يستقل قائد الجيش بالإمارة الجديدة ويكون كمن استبدل خصما بخصم.
وثالثها أن يجرد الأمير جزءا من جيشه ويبقى على الجزء الآخر فى إمارته الأصلية ثم يتوجه لغزو تلك الإمارة الجديدة ويقوم هناك بالتنكيل بوجهاء القوم “على طريقة اضرب المربوط ” ويختار شخصا ينتمى لأحط العائلات من تلك الإمارة وأكثرها سفها وإجراما وأقلها عدداً وينصبه أميرا على تلك الإمارة ثم ينسحب بقواته بعد ذلك , وقال له “ميكافيللى ” إن الأمير الذى ستنصبه سيكون أكثر ولاء لك من أى من جنودك الأوفياء وأنه سيقمع شعب إمارته أكثر من القمع الذى كان من الممكن ان تلحقه جيوشك بهم كما أنه دائما سيعتبر شعبه عدواً له بينما سيعتبرك الصديق الصدوق وسيرسل لك كل خيرات إمارته دون حرب أو عناء.
ويقول عبد الرحمن الكواكبى فى “طبائع الاستبداد” إن الحاكم المستبد يسعى دائما لتجهيل شعبه وتغييب وعيه وذلك لأن وجود الشعب الواعى يعنى فى المقابل مزيدا من القلاقل أو الثورات على الاستبداد, كما أن الحاكم المستبد يسعى لربط الشعب به وبنظامه , بحيث تتدخل الدولة فى كل صغيرة وكبيرة لحياة الفرد , الأمر الذى سيصيب الإرادة الفردية أو حتى الجمعية للشعب بالترهل والعطب , ومن ثم يقاس مدى شقاء الإنسان أو سعادته وتلبيته لحاجته الطبيعية بمدى قربه أو بعده من الحاكم.
واتفق “الكواكبي” مع “ميكافيللى” فى أن الحاكم المستبد يجيد اختلاق الأزمات التى تشعر الناس بالخوف والقلق من المستقبل والواقع معا , ومن ثم يهرولون إليه طلباً للحماية وهنا يقوم باحتضانهم مقنعا إياهم بأنه يصنع معجزة يومية من أجل حمايتهم والإبقاء على حياتهم.
كما أن الحاكم المستبد لا يجب أن يكون سخيا على شعبه بشدة ولا مقتراً بشدة ولكنه فقط يعطيهم “كسرة” من خبز رغم أنه يستطيع منحهم رغيف الخبز كله , وذلك لأن الشعب الجائع بشدة سيكون أمامه طريقان إما الثورة أو أن يسلك مسلك التجريب “الحاجة أم الاختراع ” فينجح , وبالتالى يخرج من حظيرة هذا الحاكم المستبد , وكلاهما خطر , كما أن السخاء الذى يشبع الشعب سيقوده إلى أمرين إما أن ينصرف الى العمل السياسى بعدما تمت تلبية حاجاته البيولوجية أو ينصرف عن الحاكم ولا ينفذ أوامره , كما أن السخاء الشديد قد يفقد الحاكم ثروته عملا بمبدأ “خذ من التل يختل” ويصبح بعد فترة ليس لديه ما يقدمه للشعب فيثور عليه.
والحاكم المستبد يعادى العلم ويخرب المنطق ويقتل الطموح لدى شعبه , فيقوم بمعاقبة المثقف ويكافىء الجاهل و السطحى و التافه, يعلى من قيمة لاعب كرة القدم و”المشخصاتى” وكل عمل لا ينتج جديدا – بحسب زماننا – ويحط من شأن العالم والمخترع والصانع والزارع والمدرس والدارس والطبيب والمهندس , بل إنه يعلى من قيمة العمل التافه فى كل تخصص ويقتل الإبداع والمبدعين لأنه يريدها أرضاً جرداء حيث يمكن أن تنمو الطفيليات .
وذكر لى صديق بالغ الاطلاع والثقافة أن إحصاءً أممياً أصدرته منظمة العلوم والثقافة العالمية – لم يتسن لى التأكد منه- أكد أن نسبة الأمية السياسية فى مصر تصل إلى 94.7% .
والحاكم المستبد يمتاز أيضا بالقسوة المفرطة فى حين , واللين المفرط فى حين آخر , وينصح “ميكافيللى” أميره بأن يستخدم القوة المفرطة ضد أعدائه بحيث إنه ينتقم منهم انتقاما يغنيه عن خشية انتقامهم فى أى وقت لاحق , بل ويجعل منهم عبرة لمن يعتبر , كما أنه يجب أن يبدو لينا ودوداً ويتقلد وشاح الإنسانية طالما كان الأمر فيه أمراً إنسانياً لأشخاص لا يكنون عداء له .
فى الحقيقة إن “ميكافيللى” رسم منذ عدة قرون خارطة طريق للاستبداد اقتدى بها كل التبع الطالح من بعده , رغم أنه لم يكن شريرا قط بل كان وطنيا قوميا عاشقا لبلاده كما لم يكن عاشق من قبل , بدليل أنه وجد ميتا وحيدا عن عمر 33 عاما بسبب الجوع والبرد , بعدما كان سفيرا نابغا لبلاده فى سن التاسعة عشرة , ولم يكن يدرى أن نصائحه تلك ستصير مرجعا أساسيا لكل نظم الحكم فى العالم من بعده, وأن أول من المستفيدين منها هم أعداء بلاده, وأنها أتعست فيمن أتعست بلداننا العربية وشعوبنا فوجدنا حكاما على شاكلة “مبارك مصر” و”زين عابدين تونس” وغيرهم كثيرين فى الممالك والإمارات والجمهوريات العربية يطبقونها باستخدام القلم والمسطرة , فصرنا أمة مستعمرة بدون جيوش للأعداء , فقيرة رغم أن جبالها تنضح بالنفط والمعادن , جاهلة ونحن امة أوصى دينها أول ما أوصى بالقراءة , أمة خائفة مرتعدة جبانة ونحن فينا حمزة والمعتصم وعنترة وشمشون وغيرهم وأدبيات ثقافتنا تحض على الشهامة والشجاعة والإباء , أمة تجمع بين كل مقومات الوحدة ولكن ممزقة إلى حد التهتك.

كتاب رؤي فى الوطن والوطنية - فصل ثانى

الفصل الثانى
الثورات العربية بين المطالب المشروعة .. والمؤامرات

الوفد 6 سبتمبر 2002
هل نحن أمة مرشحة للزوال؟
كان لهذا التساؤل شديد الوقع علي نفسي، ولولا إيماني بأننا خير أمة أخرجت للناس لكنت الآن قانعًا بهذه الرؤية شديدة الكآبة.
فثمة علامات تبدي صدقاً للقول وتدلل علي خوف المواطن العربي من خطر الإبادة الجماعية، فخليجنا العربى يمتلىء بأقدم الأساطيل والبوارج وحاملات الطائرات الأمريكية، بينما محيطنا الخائر واقع تحت برزخ التغريب والإرهاب .. والإرهاب المضاد وأما وسط أمتنا فهو الآخر لاحق بهم بلاء حيث يعيش أسوأ مراحل حضارته المهددة بالانقراض أو الانفجار - أيهما - تحت وطأة ثالوث الفساد والفقر والتبعية.
بينما والمشاهد الثلاثة السابقة ترسم ملامح وطننا العربي يظل هاجس الرعب النووي الصهيوني هو الهاجس الأخطر .. حيث لا يترك عسكريو هذا الكيان فرصة للتذكير بأن جميع العواصم العربية واقعة تحت رحمة صواريخهم النووية.
انني أري (جنكيز خان) القرن الحادي والعشرين .. مرتيًا ملابس الكاوبوي ملوحًا من فوق جواده لشعوبنا - كل شعوبنا - طالبًا منا الاستسلام والتسليم حتي نلقي حتفنا في دورات مياهنا وإلا سيقوم بشينا في نار جهنم التي صنعها.
والمدهش انه رغم عدم حدوث أية مقاومة له إلا أنه يري أن يذبحنا ونحن مسلوبو شرف لمقاومة فارضًا علينا خيارين، الموت جبنًا وعهرًا وقتلاً بالخوف والرصاص أحيانًا أو الموت شيًا بنيرانه النووية .. والنهاية في الخيارين واحدة وهي: الموت!!
ويبدأ الكاوبوي حملته الإبادية الفاشية بالعراق الشقيق المناضل كحلقة أولي في سلسلة لم يخجل من كشف سترها لتشمل معظم الأقطار العربية حتي ما كان منها حليفًا له.
وحال الكاوبوي في ذلك كمن يقول ساعدوني في ذبح العراق وبيعها سوف انظر في شأن الحليف المخلص لي منكم وأجعله في مرحلة بعيدة من مراحل الذبح .. ولكنني لن استثنيه أبدًا.
قلت لنفسي إن الفرق كبير بين خطر اليوم وخطر الأمس .. وبين تتار اليوم وتتار الأمس وجهًا لوجه .. أما تتار اليوم فلا عين تراهم وهم يمتطون العلم لمحو الحضارة ويستخدمون المجهول لمحو كل معلوم .. يحلقون في الفضاء البعيد لمحو الأرض ومن عليها سواهم .. ولكنهم لا يمتلكون الشجاعة لكي يواجهوا تتار الأمس الفرد يقتل فردًا، أما تتار اليوم فالفرد يقتل جيلاً كاملاً وربما أمة .. خاصة لو كانت هذه الأمة راقدة علي فراش الاحتضار.
******
الوفد 19 ابريل 2003
نحو آلية جديدة للنضال .. عقب النكسة الكبري
كاد العقد ينفرط .. أو ربما انفرط فعلاً .. لكن الحلم مازال باقيًا في النفوس وربما ازداد ترسخًا عن ذي قبل وازددنا الحاجة الماسة إليه.
والجرح الغائر لم يكن ذلك الجرح النازف من آلاف الشهداء ولا دمهم الذي مازال ساخنًا في المشهدالحسيني في كربلاء العراق .. ولكن كان أشد نزفًا في نفوس الملايين من المحيط إلي الخليج من جماهير الشعب العربي التي ارتأت في شخص الرئيس العراقي صدام حسين بطلاً خرج وياللمصادفة من نفس المدينة التي أنجبت صلاح الدين ليذود عن كرامة واستقلال شعبه!! تعلقت الجماهير به بعدما استطاع أن يقول: "لا" لأمريكا وإمبرياليتها وأذنابها وهو الأمر الذي طالما نادت به الشعوب.
لقد أيقظ العدوان الوحشي علي العراق من قبل الغرب بزعامة الولايات المتحدة والصمود العراقي البطل طيلة عشرين يومًا ..بصيص الكرامة والأمل من جديد في أوردة الأمة وأشعرها بأنها مازالت رقمًا فاعلاً في منظومة الكون..وأننا لسنا ذبابًا تنجح أمريكا أو إسرائيل دائمًا في قتله برشة واحدة من أي مبيد حشري.
وللحقيقة..فرغم مرارة النكسة التي يتجرعها الناس بعدما فقدوا الكاريزما المناضلة التي تعلقوا بها،إلا أن ثمة نصرًا حقيقيًا نستطيع تلمسه يطل علينا من بين الركام،وهذا النصر المعرفي له عدة أركان أولها:أوضحت بشكل جلي أن أية حركة قومية تحررية لا يمكن أن تنجح إن لم تكن القاهرة بؤرة ارتكازها أو أحد أركانها علي أقل تقدير.وذلك انطلاقًا من فهم نابليوني قديم أشار فيه إلي أن من أراد السيطرة علي الشرق فليسيطر علي القاهرة.
ثانيها: انهيار كافة الاستراتيجيات الخاصة بالردع بغير القوة .. بل إن القوة في حد ذاتها وسيلة ناجحة لإكراه الناس علي الإيمان بما يكرهونه كما يقول مكيافيللي.
ثالثها: فشل نظريات وتكتيكات الدعاية الإعلامية الخاصة بتسطيح الشعوب .. حيث لم تنجح كافة الوسائل الإعلامية بإقناعها بشرعية العدوان علي العراق.
رابعها: يجب علي القوي القومية العربية العمل بشكل أكبر لنيل دعم الحكومات العريبة حتي لو قدمت لها بعض التنازلات الأساسية .. وذلك لأن دعم الشعوب وحده يساوي صفرًا في مجمل النتيجة الميدانية.
وفي هذه النقطة الأخيرة يلاحظ أن الحكومة العراقية قد تنبهت إليها قبيل العدوان بأعوام وتقريبًا منذ عام 1998 عقب عملية عاصفة الصحراء .. ودأبت في إطار ذلك بتقريب فجوة خلافها مع النظم العربية الموالية لأمريكا .. وإن كانت تلك النظم غير صادقة في تقاربها معها.ورغم ذلك فهناك تساؤل نطرحه: كيف نتعامل مع النكسة الكبري؟هناك عدة محاور أيضًا للتعامل مع مستجدات النكسة؟
أولها: عدم ترك العدو يهنأ باستعمار العراق مطلقًا بل من الممكن تحويلها إلي جراح نازف في وجدانه باستمرار.
ثانيها: اعتماد وسائل متطورة للضغط علي الحكومات العربية كي تتخذ مواقف منسجمة مع المصلحة القومية ويتأتي ذلك عبر الوسائل المشروعة مثل الاعتصامات والاحتجاجات وتوالي الدعاوي القضائية ضد المصالح الأمريكية في البلدان العربية وتوعية الرأي العام العربي بأهداف التصرفات غير المحسوبة لبعض الحكومات والتي تصب في مصلحة الاستعمار.
ثالثها:التذكير بأن القدرة العراقية كدولة من دول العالم الثالث استطاعت عبر 20 يوماً مكافحة الغول الأمريكي ليس هو فقط بل ومعه أعتي قوي الكون بريطانيا وإسرائيل وأسبانيا واستراليا وهولندا بالإضافة لتآمر عربي..أي دعم رؤية سقوط الغول الأمريكي.
رابعها: الدعوة إلي تحقيق الوحدة العربية عبر وضع برامج حقيقية تعبر عن خطوات ممكنة تتلافي حدود نوعية النظم العريبة سواء كانت ملكية أو جمهورية وسواء كانت اشتراكية أو رأسمالية وذلك عبر نظام كونفيدرالي، ويجب الإشارة هنا إلي أهمية احتفاظ كل إقليم بخصائصه من فقر وغنى وبرلمان ومكتسبات الإدارة الحاكمة وذلك كمرحلة أولية إلي جانب توضيح المكاسب العائدة لكل قطر سواء أكان أمنيًا أو اقتصاديًا.
ونقول لقد خسرت القومية العربية معركتها الثانية فى بغداد .. بعدما خسرتها عام 1967 في القاهرة .. ولكن مواقع الحرب متعددة، التواريخ والميادين والحرب لم تنته بعد .. طالما بقي هناك فى أي قرية عربية نائية مواطن عربي يقول: لا.
******
الوفد 30 ابريل 2003
حتي نستشعر الصدمة .. مبكرًا!!
مازال جسد الأمة العريبة في حالة خدر .. ومع تعاظم حجم قسوة العملية الاستئصالية التي تعرضت لها الأمة ستطول عملية الخدر تلك .. حيث تمتد شهور طويلة أو ربما سنوات ..ولكن مهما طال الوقت فلابد لمفعول المخدر أن ينتهي .. وذلك لأنه لا يمكن ترحيل الشعور بألم الجراحة الميتة إلي مالا نهاية .. ولابد كذلك من مواجهة الصراخ والارتجاف في وقت ما .. وللحقيقة .. لا يمكن التنبؤ بحجم وهج النار الراقد خلف حالة الهدوء تلك .. ولا بوجهة انطلاقها أو مصدرها أيضًا .. وذلك لأن الجزء الذي تم استئصاله هو اليد اليمني من الجسد .. أو القلب أو المعدة .. حيث لا توجد بدائل حقيقية ولا يمكن التعايش بدونه، ومكمن الخطورة أن العراق – والذي تم استئصاله – سيتحول من يد داعمة للحق القومي العربي إلي يد باطشة به .. رغم ضعف الواقع القومي العربي الشديد وكثرة أعدائه.
إن المستقبل يحمل في طياته علامات استفهام خطيرة .. بعدما فرض علي القومية العربية قسرًا قبول كسر جناح من أجنحتها .. وتحويلها إلي مجرد أمنية في نفوس الناس ليس لها واقع ملموس علي موائد المباحثات.
لكنه في منحي يبعث علي الأمل يقول سقراط الفيلسوف اليوناني "إن الضربة التي لا تقتلني تقويني" .. وطالما الأمة العربية لم تمت بعد .. وطالما بقي في الوريد دم .. فإن إمكانية الحياة تظل قائمة ويعد من السابق لأوانه إعلان الوفاة.
التاريخ فيه كثير من العبر .. فإذا كانت قد انهرمت قوات صدام حسين بسبب ما يشاع عن استخدام الأنجلوأمريكان للقنابل النيترونية والتي تحرق الناس وتجعلها تتبخر والتي تعادل في آثارها الميدانية القنابل النووية وما ترتب علي ذلك من سقوط سريع لعاصمة الرشيد .. بعدما أصاب الفزع العراقيين من هول ما سمعوه من أشقاء لهم في جبهات أخرى، فإن كل ذلك وربما أشد خطورة منه .. مع اختلاف الوسائل والتوقيت قد حدث في الماضي ورغم ذلك عادت الأمة العربية أكثر قوة وترسخا .. فلقد اجتاح الانجليز مصر عام 1882 واستطاعوا هزيمة أحمد عرابي والذي ظلت المناهج التعليمية عقودًا طويلة من السنين بعد ذلك تصوره علي أنه "مارق" وخائن!!
وفي ليبيا .. هزم عمر المختار وتم اجتياح ليبيا وكذلك هزيمة عبد القادر الجزائري وهكذا انفرط عقد الدول العربية وقتها حبة حبة في حجر قوى الاستعمار .. ورغم ذلك تحررت الشعوب العربية وعادت القومية العربية إلي رباطها الوثيق .. ووجه الخسارة فيما حدث .. ان الأمة العربية ستعيش رازحة تحت نير الاستعمار الانجلوأمريكي الصهيوني عقودًا طويلة .. تعاني فيها الأمة همًا إضافيًا علي ما عانته من التخلف نتيجة الحقب الاستعمارية التي تعاقبت عليها .. وأوصلتها للحالة المزرية التي تعيشها الآن حيث استهانة عالمية بها وبإرادتها وبطموحاتها .. وكان يجب علي الأمة العربية انتهاز فرصة الاستقلال قصيرة العمر التي عاشتها قبيل تعاظم النفوذ الصهيوأمريكي علي أراضيها وعلي إرادتها والتي وصلت منتهاها بسقوط العراق في قبضة أيديهما .. بالعمل الجاد علي الأخذ بأسباب القوة سواء عسكريًا أو اقتصاديًا وعدم الخضوع غير المبرر قوميًا لما يسمي بـ"الشرعية الدولية" طالما كان تلك الأخيرة لا تراعي مصالحنا القومية من جانب وغير قادرة علي حماية استقلال شعوبنا من جانب آخر.
وإذا كانت الأمة العربية ظلت 55 عامًا تناضل العصابات الصهيونية في إسرائيل دون أن تحقق نصرًا حقيقيًا، فإن المكتوب عليها أن تناضل تلك العصابات ومعها الحكومة العراقية العميلة التي يريدون تنصيبها علي العراق فترات أطول وبشكل أكثر عنفًا .. ونقول إن الأمة العربية تعرضت لطعنة غادرة شعر بها العالم الإسلامي قبل شعورنا نحن بها .. وأن المستقبل سيحمل الكثير من المتغيرات غير المحسوبة .قد تعصف عصفًا بكل هذا الواقع إما سلبًا أو إيجابًا أو منهما معًا..لكن الأمل لن يموت طالما عاشت الشعوب.
ومن المفيد العمل علي أن نقصر أمد مفعول المخدر .. حتي لا تطول فترة السكون والخمول .. ولكي نبدأ مرحلة النضال مبكرًا.
******
الوفد 13 مايو 2003
الذين دنسوا أرض الرافدين
للنصر منطق وفلسفة .. وللهزيمة منطق وفلسفة أيضًا .. منطق النصر في أنه لا يؤمن إلا بكل ذاته .. فحسب .. يؤمن بالاشباع – ولأقصي درجة – من كل حرمان بدءاً من التشبع من رؤية قلاع الخصم تنهار حجرًا حجرًا ومرورًا بإذلاله وامتهانه إلي التمتع باستجدائه لرحمتهم وإنسانيتهم .. حتي إن عدم قبول الاستجداء والغفران هو أيضًا منطق للنصر.
المنتصر يستحل كل شيء للخصم بدءاً من إرادته والتي قد يستخدمها لتدمر ذاتها فيعفي بذلك نفسه من كلفة تدمير ما تبقي منها وما يستتبعه من مخاطر طفيفة .. إلي استحلال كل ما هو مقدس للمهزوم، أرضه وهي مجاله الحيوي المادي "الأفقي" الذي يتحرك فوقه، وثقافته "وتشمل دينه وتراثه وعاداته" وهي المجال الحيوي "الرأسي" الذي يتحرك باخله .. وأي شيء كان يشعر المهزوم بالحمية نحوه وفي مقدمته العرض .. كل ذلك هو متاع للمنتصر .. وغنائم حرب .. حسب منطق النصر.
أما منطق الهزيمة .. فهو يعني عكس كل ما قيل في منطق الانتصار .. إنه التسليم التام والامتناع حتي عن الأحلام .. الهزيمة هي إلغاء من الحياة.
والمراد من تفصيل منطقي النصروالهزيمة هو ألا نستهين بفداحة خسارة الانهزام للتحسر علي عدم نيل النصر .. ومعاقبة كل من تسببوا في حرماننا منه .. فالهزيمة التي لحقت بالعراق .. هي في مجملها إلغاء لوجو 26 مليون عراقي مع اصابة أكثر من 250 مليون عربي بمرض نفسي مزمن لا شفاء منه إلا بعودة إحياء العراق وتخليصه من كل من ألحقوا به الهزيمة النكراء في الداخل سواء أو في الخارج.
وقد يتخيل بعض المثاليين أن الغازين الذين دنسوا أرض العراق هم ملائكة .. وأنهم بعيدون عن كل موبقة .. وهو خيال مريض عار من الصحة .. فالغازون لا ينتمون إلا إلي أصحاب منطق النصر يستحلون كل شيء في العراق .. الأرض والمال والثقافة .. انهم يستحلون هتك عرض النساء عنوة أمام أهلهن .
بل إن المنتصر دائمًا ما يطوع التاريخ لصالحه .. يحذف منه تحت تراشق الدعايات المكثف إيمانًا بأن الكذبة لكي تصدق لابد أن تكون ضخمة جدًا كما يقول جوبلز وزير الدعاية النازي وتحت الضغط المكثف أيضًا علي زناد المسدس – كل ما يسيء إليه.
فالتاريخ في فلسفة ماركس هو مجرد "ديالتيك لا يتوقف عند حدود الزمان والمكان .. يسرد قصص المنتصرين وأنهم هم الذين يتم الاعتراف بهم فيه، بل انهم هم صناعة".
فمن منا يعلم أن (هتلر) كان شاعرًا .. كل جريمته أنه أحب قوميته (الآرية( التي تناثرت في دويلات عديدة بسبب خسارتهم للحرب العالمية الأولى وأراد توحيدها في ألمانيا الأم، وأنه كان يستقبل بالورود في عدة مدن ودول يقوم بضمها مثل اقليم (بولونيا) بل إن البولنديين طلبوا منه غزو أراضيهم وضمها إلي ألمانيا.
ومن يصدق أن نيقولا ميكيافيللي والذي حينما يذكر اسمه يذكر الشر والدمار كان أحد المسيحيين المتدينين الطيبين وانه كان يدعو في كتابه (الأمير) إلي العدالة وليس الحرب والدمار .. بل إنه كان شاعرًا رقيقًا وكان سفيرًا لبلاده وهو لم يبلغ من العمر 19 سنة، أي انه ليس باحثًا عن وجاهة أو هاربًا من فقر أو قهر .. لكن كل جريمته أنه أحب وطنه (إيطاليا) وأراد لها الوحدة والاستقلال ومات ولم يحقق حلمه بعدما انتصر الانهزاميون.
نعم .. التاريخ لا يعترف سوى بالمنتصرين ويبرر لهم خطاياهم .. أما المهزومون حتي لو كانوا ملائكة ودعاة عدالة وخير فهم في نظر التاريخ خونة .. مارقون .. مستبدون .. ملعون أيها التاريخ .. فأنت حقًا المارق الأول .. والأخير.
******
الوفد 2 يوليو 2003
التكريس للبراجماتية والشر
عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلي تأصيل مغاير جديد لوعي العالم يتجه نحو الأطر المادية البحتة باعتبارها غاية الغايات، متجاهلة في ذلك كل الأطر القديمة السائدة والخاصة بالمعتقد الأيديولوجي والمعرفي والحق والخير والجمال.
وهذه الأطر التي روجت لها الولايات المتحدة الأمريكية علي حياء أحيانًا، وبجرأة في أحيان أخري تعظم دور الانتفاع والاستغلال باعتباره عملاً يستحق التقدير حتي لو جاء علي حساب مقدسات معتقدية وإنسانية واجتماعية.
ورغم أنها تكرس لسيادة البراجماتية هذه إلا أنها – وهو الأمر المضحك – تتخذ من الدعايات الإنسانية غطاء لهذا الغرض رغم أن ما نراه من هذا التناقض البديهي يضاعف من حجم المصيبة.
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تخجل من أن يتحدث مسئولوها مرة تلو الأخري عن أن الدافع لغزو العراق هو اقامة عراق حديث علي الطريقة الغربية مع تجريده من هويته العربية والإسلامية.
وإن كانت في أحيان أخري تردد أنها تحتل العراق لـ(تحرير العراق من صدام حسين وحكومته البعثية)!! .. فإنها تضيف إليها بعض المحسنات الإنسانية وتقول (اللذان أذاقا شعبه الهوان والذل).
وهو ذات الأمر الذي ردده نابليون بونابرت حينما غزا مصر معلنًا أن حملته جاءت لتحرير مصر من المماليك الذين ساموا المصريين سوء العذاب .. رغم ما يعرفه العالم ويعلنه الفرنسيون أنفسهم من أنهم جاءوا لإقامة امبراطورية عظيمة تمتد من فرنسا إلي المشرق العربي حتي الهند.
وإذا كان الفرنسيون قد قتلوا الآلاف من العرب فإن الأمريكيين قد قتلوا مليوني عراقي حصارًا بالجوع والمرض وقتلوا مئات الألوف بالضرب المباشر باستخدام أسلحة فتاكة ومحرمة إنسانيًا وليس دوليًا فحسب.
ويتمثل دور البراجماتية الأمريكية فى تجاهلها لأية قيمة إنسانية لأنها تعتبر أنه لا يوجد شيء إنساني غير ما تردده.
فالخير لديها أن تقتل الملايين من العرب والشر لديها أن يقتل العرب المئات أو حتي العشرات من جنودها، تسمي ما تفعله هي مقاومة الإرهاب وتسمي ما يفعله العرب المقاومون إرهابًا!!
ورأينا عبر شاشات التليفزيون الأحاديث والمناورات والمداولات المكثفة بين الحكومتين الأمريكية والتركية حول ما يجب أن تقدمه تركيا لخدمة العدوان الأمريكي علي العراق مقابل ما يمكن أن تحصل عليه من أموال.
رأينا هذا الفعل الفاضح بين الدول العظمي علي شاشات التليفزيون .. رأينا الراشي والمرتشي ولكنا لم نلمس أية نية لتحرك الشرطي الذي كان يراقب المشهد مبتسمًا.
شاهد العالم الولايات المتحدة تحرض علي شراء وطن وشاهدوا أيضاً قادة عراقيين كبارًا يبيعون الخيانة بأبخس الأسعار..حسب ما أعلنه تومي فرانكس من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قدمت رشاوي لثلاثة من قادة الجيش العراقي الكبار لشراء ولائهم وإصدار أوامرهم لقواتهم بعدم الدفاع عن بغداد مما نتج عنه الانهيار المفاجيء لهذه القلعة.
أليس الغرض من تسريب هذه الأخبار أمريكيًا هو الحرص علي نزع الحياء والتكريس للرذيلة وخلق حالة من الاعتراف بشرعية ممارسة هذه الأعمال الدولية الفاضحة، بوصفها حالة كمال وليس نقصًا، إن إعلاء قيمة الانتفاع هو بداية انهيار عظيم جديد للعالم ومثالياته .. هو تحويل العالم إلي مجرد فاترينة، كل شيء فيها يباع بدءًا من الأشخاص وانتهاء بالأفكار.
فخلق فجوة كبيرة بين واقع وأحلام مليارات البشر هو ما تعمل زعيمة العالم علي تثبيته وتكريسه كمبدأ ثابت .. بعدما شاهدوا أوطانًا تباع .. وذممًا تتسع لوأد هذا الكون الذي نعيش فيه.
إن التصرفات الأمريكية في شئون العالم سيكون لها مردود واضح علي سلوكيات الأشخاص والجماعات.
وإنني أخشي ذات يوم أن نجد المواطنين ينشرون إعلانات في الصحف يعرضون فيها استعدادهم الكامل للتخلي عن أية معتقدات دينية وفكرية وأخلاقية مقابل الدفع لهم، أو نجد أحدهم يعلن استعداده لارتكاب جميع الكبائر والموبقات وما يعف اللسان عن ذكره مقابل بضعة جنيهات.
وأخشي أكثر ما أخشي أن يكون هذا الأمر قد أصبح واقعًا مؤكدًا الآن.
******
الوفد 8 أغسطس 2003
هل أخفق البعد القومي للأمة العربية؟
سؤال صارت أجندة الأحداث المتلاحقة في المنطقة العربية تفرضه بقوة بعدما صار معروفًا للقاصي والداني أن الجميع يهرولون نحو البيت الأبيض حتي لو كانت الفاتورة المدفوعة هي الدم العربي الزكي في العراق وفلسطين والسودان وبقاع متعددة في عالمنا العربي المخلوط بالنفط العربي أيضًا ليشعل حرائق في بلداننا ويعمر الحياة في بلدانهم.والحقيقة أن البعد القومي للأمة العربية ليس بعدًا فاشلاً ولكنه بعد مهمل في حسابات الكثير من القوي العربية المدجنة.
والواقع أن العرب يجيدون إهدار أبعادهم الطبيعية، فشلوا في أن يتحدوا وأ‍ يتقدموا في سبيل ذلك خطوة حتي يرجعوا مثلها للخلف.
أنشأوا جامعة الدول العربية في منتصف الأربعينيات القرن الماضي علي أمل لم الشمل وتوحيد الأمة ذات المصير الواحد فإذا بنا نفاجأ بأن العرب صاروا عدة دول ودويلات وصاروا أكثر تقزماً وتقوقعاً .. قالوا إنهم لابد أن ينفتحوا علي العالم الخارجي ويسايروا معطيات العصر فإذا بنا نجد الأزمة التي ما برحت الفكاك من الاستعمار عبر الكفاح المسلح تعود إليه طواعية مبررة له استعماريته.
لم يخفق البعد القومي العربي ولكن أخفق شخوص المرحلة في قيادته ، أخفقوا في قيادته لأنهم لم يكونوا صادقي النوايا في إحيائه.والدليل علي أصالة البعد القومي هو أنه لم ينهر حتي الآن في نفوس الشعوب العربية وإن كان قد انهار فعلاً منذ زمن طويل لدي الحكومات.
الشعوب تتواصل والساسة يقطعون .. الشعوب تتألم للافتراق والساسة يعتبرونه نجاحًا .. الشعوب تقاوم التغريب والحكومات تفرضه علي شعوبها.حقيقة لم يخفق البعد القومي العربي،ولكن الذي أخفق هو ربط إرادة الحكومات بشعوبها.
إنهم يريدون إهدار البعد القومي العربي كما أهدروا من قبل البعد الإسلامي وأرادوا أن يهدروا البعد الأفريقي.نعم أرادوا صناعة بعد مزيف يسمي الشرق أوسطية وبعد آخر أطلقوا عليه دول البحر المتوسط كلها لاتعدو أن تكون مسميات وحبرًا علي ورق بال.
فالمواطن المصري مثلاً لا يشعر أنه مواطن بحر متوسطي مثلاً وأنه وجه آخر من وجوه شعوب الدول الأوروبية المطلة علي البحر المتوسط وهو يدرك أن علاقته بهم لا تتعدي أن تكون علاقة العسكري بالحرامي.والمواطن المصري لا يشعر أنه مواطن شرق أوسطي ولا يمكن أن يشعر بالإخاء مع مواطن استعماري إسرائيلي بوصفه من الأشقاء.
نعم القومية العريبة هي شعور حقيقي يختلج في النفوس يسري مسري الدم في عروق الناس .. قد تفتر حميته مرة ولكنها ساخنة في جميع الأحيان .. أما الذين أرادوا أن يقنعونا بأن القومية العربية قد سقطت فهم واهمون.
القومية العربية لا يمكن أن تسقط لأنها رابطة دم وتاريخ ولغة وتراث ودين.
فمن منا لا يعتصر قلبه ألمًا لاحتلال العراق؟ من منا يطيب عيشه وحاضرة أبي جعفر المنصور محتلة مدنسة من قبل جنود المارينز .. من منا لا يبكي دمًا وحمية ومئات الفتيات يتعرضن للاغتصاب من قبل همج العصر في العراق ويصرخن وامعتصماه ..وامعتصماه .. بلا عاصم يأتي.
فلماذا نحزن علي العراق وفلسطين إن كانت القومية العربية وهمًا؟!
القومية العربية لن تسقط لأنها علامة مميزة للإسلام .. فهل يسقط الإسلام؟!
******


الوفد 9 مايو 2003
العربي التائه .. إلي أين؟
هل أصبح العربى مرادفًا لليهودي التائه؟
لست أدري هل أصبح الفكر العربي تائهًا؟
يقول نيقولا ميكافيللي: "إن طول فترة السلام تصنع شعبًا مخنثًا" .. والمشكلة في أن الإنسان العربي لا يسعي إلي الحرب .. بل إن الحرب هي التي تسعي إليه .. وانه يريد السلام ولكن العالم لا يريد لنا إلا الاستسلام والقبول قصرًا بكل ما هو أجنبي.
إن الإنسان العربي له حق أصيل في الدفاع عن ذاته وعن قوميته، وعن ثقافته وأرضه وعرضه . لكن كما لو كان قدرنا ان الغرب يقف دائمًا ضد برامجنا القومية ويجهضها إما إعلاميًا أو عسكريًا .. رغم انني لا أتخيل أن ترسل الدول العربية جيوشًا مثلاً لتحارب إحدى الكوريتين إن أرادتا الوحدة، أو ترسلها لتحارب بريطانيا لو أرادت توحيد الجنس الانجلو أو لتحارب أ‍لمانيا لو أرادت توحيد الجنس الآري مرة ثانية كما فعل هتلر .. فلماذا دائمًا العالم يقف ضد قوميتنا؟!
لماذا؟ .. لماذا؟
في الواقع ان هناك أسبابًا داخلية وخارجية تجعل الإنسان العربى تائهًا: الخارجي منها هو أن الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم "غير" الحر تري أن ظهور القومية العريبة وتناميها في المنطقة العريبة يمثل خطرًا عظيماً علي استعماريتها الثقافية ثم العسكرية وخطرًا داهمًا ضد حليفتها المدللة "إسرائيل" ولذلك فهي تسعي جاهدة لاعتماد الأسلوب الاستعماري القديم "فرق تسد" وذلك لأنه في وحدة الأمة غني عن رعايتها .. وتحضرني هنا مقولة برنارد شو: "إن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي انتقلت من عصر الهمجية إلي عصر الانحلال دون المرور بعصر الحضارة".
أما السبب الداخلى فهو اقتصادي الطابع استبدادي الهوية حيث تعاني الشعوب العربية عناءً مريرًا في البحث عن الطعام بمعناه المجرد.
فكيف يتسني لمواطن بالكاد يجد قوت يومه أن يشارك في العمل السياسي؟
إن الحكومات العربية تشعر المواطن بشكل دائم أنها تصنع معجزة حقيقية يومية لكي توفر له طعامه، وهي قاصدة بذلك قتل طموحاته الفكرية وتحويله إلي كائن بيولوجي .. رتيب .. مطبع، لا هم له إلا أن يبقي حيًا يرزق .. ووقتها سيكون البحث عن الهوية هو مجرد رفاهية وسط تلك المعمعة الحياتية.
ولكني كي لا انصرف بعيدًا أقول إن بربرية الولايات المتحدة من جانب، وفقر المواطن العربي جعل العمل السياسي رفاهية والقومية العربية حلمًا بعيد المنال.
ولكنني أيضًا اذكر .. أن اليهودي التائه الذي طالما روج له اليهود في أوربا وأمريكا .. هو المرض الذي يعانيه العرب الآن .. المهمومون أو المبتلون بتعاظم دور الصهيو – أنجلو – أمريكية في حياتهم وثقافتهم وحق شعوبهم في الوحدة .. وبسبب ضعف النظم العربية وانصرافها عن الفكرة القومية لأسباب غير واضحة أو مبررة.
إننا نريد أن نصرخ في وجه الولايات المتحدة: انصرفي عن حياتنا .. دعينا نتذوق نيران نظمنا فهي أجمل وأرق من كل ديمقراطياتك وحرياتك .. دعينا نكافح تلك النظم بأنفسنا ونختار بدائلها بأنفسنا .. ونحقق أحلامنا بأنفسنا .. دعينا .. دعينا .. فقد جعلتنا غرباء في أوطاننا .. نحن لا نحب ديمقراطيتك – صدقيني – ولن نقبلها!
******
الوفد 14 يناير 2006
سوريا .. لاحقتك السلامة
سوريا الحبيبة .. لاحقتك السلامة .. فقد تحور المرتزقة المدافعون عن احتلال العراق وإبادة شعبه ليظهروا بمظهر دعاة الاستقلال ويدافعوا بهتانًا عن استقلال لبنان وهو البلد المستقل.
وظهر هؤلاء المفكرون ((الاستراتيجيون)) بذات مناطقهم الغامضة والمغلوطة التي دافعت عن ذبح شعب العراق علي يد الامبريالية العالمية ليدافعوا عن استقلال لبنان .. وكأننا ضد استقلال لبنان الشقيق الذي دفع ومازال فاتورة ضخمة في تصديه للصهيونية ومثل الجبهة العربية الوحيدة النابضة بالمقاومة ضد العدو الصهيوني طيلة سنوات عديدة مضت.
ظهر هؤلاء ((الاستراتيجيون)) ليتعاطفوا وبراءة الحملان في عيونهم مع ما تسميه الامبريالية العالمية بالمصالح الغربية لبلدانها في لبنان بينما كشروا عن أنيابهم محاولين الكشف عن أي خيط ملموس أو حتي ((مفبرك)) لشبهة وجود تلك المصالح بالنسبة لسوريا، وليحولوه إلي حبل مشنقة يلتف حول عنق دمشق، وليعيدوا ذات السيناريو الذي استخدم في ذبح بغداد الرشيد الباسلة.
وكأن قدرًا علي شعوبنا أن تذبح تارة باسم القضاء علي (الإرهاب)..وتارة باسم التخلص من السلاح النووي..وتارة باسم الديمقراطية..وأخيرًا باسم الدفاع عن الاستقلال.
ولست أدري ما قيمة المنطق إذن؟ لأنه بمنطق الحوار والعدو المشترك والتاريخ والثقافة نبرر أن يكون لدمشق مصالح في لبنان، ولكننا لا نبرر - لذات الأسباب - لواشنطن أو باريس أو حتي تل أبيب وجود تلك المصالح، لكن ما حدث هو أننا – أو أنهم – برروا لهذه الدول الغربية ما رفضوه لسوريا، وحرموا ما له منطق وأباحوا ما ليس له منطق!!
ولبنان بكل تعقيداته الطائفية والدينية كان من المقبول فيه أن تجد ما يهاجم سوريا ومصالحها وربما هم كثيرون، ولكن في ذات الوقت ستجد من هم يدافعون عن سوريا وهم الأكثر، والمشكلة كما تحاول أن تصورها بعض الفضائيات وتيارات سياسية بعينها من التركيز والتكثيف إظهار أن الموضوع هو رغبة لبنانية في ((التحرير)) من الاستعمار السوري!!
وهؤلاء الداعون لهذه الرؤية هم في الحقيقة لا يحبون لبنان أبدًا، ناهيك عن كراهيتهم لسوريا، وذلك لأن لبنان الذي تشافي قليلاً من صراعاته الإثنية والدينية الداخلية هو الآن يُجر للمرض جرًا ولصالح طرف واحد وهو إسرائيل.
ومن هذا الفهم فليس من الغريب أن تخرس ألسنة هؤلاء ((الاستراتيجيين)) المدافعين عن الاستقلال الآن حينما عربدت إسرائيل طولاً وعرضًا في أراضي لبنان الشقيق تحرث فيه الأرض والنسل لسنوات طويلة مضت لولا بسالة الشيخ حسن نصر الله وحزب الله المناضل الذي تحمل فاتورة الدفاع عن لبنان بمفرده.
ولعلنا نتذكر المظاهرات المليونية التي نظمها حزب الله فى دولة عدد سكانها لا يصل لتمام أصابع اليدين بالمليون وكلمتى لهؤلاء المتنكرين تارة في لباس الفكر الاستراتيجي وتارة في لباس حقوق الإنسان وأخري في لباس الأدباء والعلماء بأن انزلاق لبنان في صراع داخلي هذه المرة قد يكون مدمرًا.
أسد عليَّ .. وفي الحروب نعامة عار عليك .. إذا فعلت عظيم
******
عرب نيوز 10اكتوبر 2008
صور المساخر فى بلاد المفاخر
يثير الظلم فى أى بلد فى العالم مشاعر السخط والحنق والرغبة فى الانتقام إلا فى بلادنا العربية خاصة والإسلامية عامة فالظلم يثير الضحك وأنا فى تقديرى أن هذا الضحك يأتى ليس لبساطة فعل الظلم ولكن لشدته وقسوته وكتعبير ساخر عن مدى جبروت الجلاد من جهة واستكانة واستسلام الضحية المجلودة والتى بدأت تستطيب الجلد والجلاد من جانب آخر.
وكانت من أكثر الأشياء التى أثارت ضحكى أو سخريتى فى الآونة الأخيرة ما تناقلته وسائل الإعلام عن وجود أحزاب وجمعيات ونحو الألف شخصية عامة فى تونس وقعوا عريضة تطالب الرئيس زين العابدين بن على بالترشح لفترة رئاسة رابعة وتعديل الدستور الذى يمنع ذلك.والأكثر إضحاكاً أن تلك الدعوة انطلقت قبيل انتهاء فترة ولاية الرئيس بنحو أربع سنوات وهى الفترة الكافية لتمكين السلطات بمحاسبة و"تطيين عيشة" من لا يوقع على تلك العريضة .ويبدو أن المسئول الذى خطط لهذه الوقائع كان يريد إظهار أن الشعب هو الذى اجبر الرئيس - وليس العكس - على الاستمرار الى ما لا نهاية فى حكم هذه البلاد إلا انه نسى أن هذه الحيل لا يمكن أن تنطلى على الشعوب العربية التى تكتوى بنفس جموح النزوات للنظم الحاكمة.
المضحك أن النظام التونسى طور فى الطريقة وكأنه يريد أن يقول لأقرانه إنه الأذكى مع أن الجميع يعلم أن تونس هى الدولة العربية الوحيدة التى يعاملها رئيسها كشركة "قطاع عام" بحيث يروح يدفع للصحف والصحفيين فى العالم العربى لينشروا خبر افتتاحه اى شىء حتى لو كان لمحل "طرشى" ولذلك لا يمكن أن تجد صحيفة واحدة تهاجم نظامه اللأخلاقى الذى انفرد استبداديا بالتدخل بين العبد وربه وجعل الصلاة فى المساجد بتذكرة وحرم الطلاق واحل الزنا وقام - بحسب ما تواترت الروايات- بالظهور بطلعته البهية عبر شاشات التلفزة وقام باحتساء الخمر فى نهار رمضان حاثا موظفى الدولة على الإفطار وإلا فالعقاب .هذه صورة لأخطر النظم الاستبدادية فى عالمنا العربى الذى يكرس للقيم العلمانية الأتاتوركية التى تقريبا انقرضت فى بلدانها.
أما ثانية صور المساخر ففى مصر وهى تتمثل فى قيام خمسة أشخاص يتزعمهم سائق نقل ثقيل والثانى صحفى لم يكتب طوال حياته الصحفية عشرة اسطر والثالث مساعد مخرج فاشل كما فشل من قبل كـ"طبال"والرابع شخص كل أمانيه قيد اسمه فى جداول نقابة الصحفيين رغم أته ذو مؤهل متوسط والخامس "سمسار" متواضع للغاية للرخص الصحفية الأجنبية وقام الخمسة بتكوين حركة لدعم السيد جمال مبارك لحكم مصر أسبغوا عليها صفة الشعبية وقامت المنابر الإعلامية المصرية بـ"اللت والعجن" فى الموضوع الذى موله رجل أعمال "شرقاوى" ينتمى للحزب الوطنى.
ومع ذلك فهذا لا يعنى إننا ننكر حق السيد جمال مبارك الترشح لرئاسة الجمهورية فى أجواء انتخابية صحية وديمقراطية.
ومن المساخر التى هى حقا تؤلم أى عربى نظرا لمكانته العالية فى النفوس ما يحدث فى اليمن فالجميع يتذمر ويطلب المزيد من نظام لا يوجد معه ما يقدمه , فالجميع يعانى التهميش ولم يقل هذا الحزب أو ذاك من هذا الذى لا يعانى أيضاً وعلى رأسهم النظام "الحاكم" نفسه , فالمشكلة أن اليمن بلد فقير ولا رفاهية فيه لحاكم أو معارض.
اليمن يحتاج الى جهود التوحيد والعمل والإنتاج وليس إلى جهود التجزئة والتفتيت والتى تصنع كانتونات قزمية تضيف مأساة جديدة الى مأسينا القائمة خاصة فى هذا البلد الذى يلقبونه بالسعيد مع أنه لم يكن يوماً سعيدا بالمرة.ومن المساخر أيضاً علاقة الجزائر بجبهة البوليساريو ذات النزعة الانفصالية عن المغرب.
ولا أدرى ما شأن الجزائر قى ذلك وما علاقتها بتلك الجبهة وماذا ستستفيد من انقسام المغرب إلى دولتين إحداهما شمالا وعاصمتها الرباط والأخرى جنوبا وعاصمتها العيون .. وقد يقول قائل إن جبهة البوليساريو تدعم الدخل الجزائرى عبر إجراءات جمركية لصادراتها ووارداتها ولكن أى حكيم يقول وهل يكون المقابل تقسيم دولة عربية جارة ولماذا لا تطرح أن تأخذ مزايا مغربية مقابل دعم الاتحاد والوحدة لا الانفصال والتشرذم؟.
ألم تجد الحكومة الجزائرية معركة قومية أكثر نبلاً من معركة لا ناقة للجزائريين فيها ولا جمل؟!!!
وعدوى المساخر العربية انتقلت إلى البلاد الإسلامية وعلى رأسهم باكستان التى تعد بكل معنى الكلمة دولة فاشلة تفتقد فيها كافة مقومات الدولة فالجيش الوطنى يقف عاجزا أمام كل أزمة والجيش الأمريكى وحركة طالبان المتنازعان لهما اليد الطولى فى معظم أقاليم الشمال.
المدهش أنه حينما ضربت السيول البلاد طولا وعرضا وعرضت حياة نحو 20 مليونا للموت فى أبشع كارثة إنسانية يشهدها العالم تفردت حركة طالبان " طلاب الشريعة" بمهام الإنقاذ وإطعام الجوعى وعلاج المرضى فى حين ظل الجيش لفترة طويلة عاجزا عن التحرك , وبدلا من أن يتم تقديم الشكر للحركة تم حظر مساهمتها فى أعمال الإنقاذ وهو ما يذكرنى بمثل شعبى مصرى يقول "لا يرحم ولا يدع الرحمة تنزل"


محيط – 25 يناير 2010
ماذا تبقى من العراق ليحكمه المالكي؟
في مارس العام الماضي أصدرت منظمة رصد فرنسية تقريرا خطيرا يفيد بأن عدد ضحايا الغزو الأمريكي للعراق وصل الي مليونين و350 ألف عراقي.
وقالت المنظمة التي اعتمدت احصائياتها علي ارقام استقتها من المستشفيات واقسام الشرطة والهيئات والمنظمات الانسانية والصحية الدولية العاملة في العراق وعبر مسح شامل لجميع الاراضي العراقية إن ما تأكد لديها يعد "هولوكست" حقيقي تعرض له العراقيون وأن ما قالته الولايات المتحدة وحلفاؤها في معرض تبريرها فرية كبري.
راجع الرابط علي شبكة الانترنتhttp://www.countercurrents.org/polya210309.htm’
وفي الأشهر القليلة الماضية أصدرت منظمة صحية أمريكية مستقلة وثيقة الصلة بمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة تدعي ‘ جماعة ‘ميرسي كور’ ‘ تقريرا آخر يؤكد وجود نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون عراقي يعانون إعاقات جسدية وبتراً في الأطراف وتشوهات في الإبصار والسمع والكلام نتج معظمها جراء القصف العشوائي الذي شنه الجيش الامريكي علي العراقيين طيلة السنوات السبع الماضية بالإضافة إلى وجود نسبة منها ترجع إلى التفجيرات التي تجريها الميليشيات المتحالفة مع الحكومة العراقية او المتصارعة معها.
ذلك فضلا عن تقارير قالت ان نحو المليون عراقي قضوا نحبهم جراء الحصار الظالم الذي فرض علي العراق قبل الغزو.
ونشرت اليونيسبف التابعة للأمم المتحدة في تقارير متعددة لها أن نحو 70% من إجمالي الشعب العراقي يعانون من امراض نفسية وهلاوس بصرية وسمعية وعمليات خوف شديد تنتاب غالبية أطفال العراق وأرجعت التقارير السبب وراء ظهور تلك الأمراض إلى انه لا يوجد عراقي واحد لم يفقد واحداً من أقاربه علي الأقل جراء الحرب.
وأضافت التقارير أن أطفال العراق بالكامل مصابون بحالة خوف لا إرادي تجعلهم يخشون النظر إلى السماء التي لا تلقي عليهم إلا القنابل التي تحصد ذويهم.
راجع الرابط علي شبكة الانترنت
http://www.almansore.com/MakalatL/MK-DrMohanned14-09-09.htm#_ftnref1
ويوجد الآن نحو 150 ألف عراقي اسري في سجون الحكومة العراقية أو الاحتلال الامريكي وذلك بحسب تقارير نقلتها إذاعة وتلفزيون "روسيا اليوم " وهي أرقام تقل كثيرا عن أرقام أخرى نقلتها منظمات تابعة لفصائل المقاومة العراقية بكامل أطيافها تقول أن عددهم يتجاوز 750 ألف أسير.
كما يوجد نحو الخمسة ملايين عراقي هم الآن لاجئون إلى عدة دول لعل أهمها سوريا والأردن واليمن ومصر وبعض الدول الأوربية .
وأشارت تقارير عديدة إلى أنهم يعيشون في ظروف لا أدمية وتمارس حكومة "المالكي " الأمريكية – الإيرانية ضغوطا شديدة علي الدول التي تستضيفهم لإلغاء أقامتهم وإعادتهم إلى العراق تارة بحجة الحاجة إلى "كفاءتهم" في اعمار العراق " الجديد" أو إلى أنهم مطلوبون امنيا .. بما يعني إنهم يريدون تصفيتهم ليتحولوا إلى مجرد أرقام في تعداد ضحايا هذا العراق الجديد.
ولو أضفنا إلى هذا وذاك البدء فعليا في تقسيم العراق والاستقلال شبه التام الذي حازه إقليم "كردستان" في الشمال والبالغ عدد سكانه نحو الخمسة ملايين فإننا سنجد أنفسنا أمام سؤال منطقي للغاية وهو : ماذا تبقي من العراق والعراقيين ليحكمه المالكي؟
ماذا تبقي من شعب استشهد وأصيب أكثر من ربع عدد سكانه البالغ 20 مليون تقريبا وفضل الربع الثاني اللجوء السياسي في الخارج عن الموت دون ضجيج في الداخل بينما انسلخ الربع الثالث ليقيم دولة شبه مستقلة في كردستان في حين يظل الربع الأخير أما المنتمون لميليشيات الموت الحكومية أو المنتمون لحركات المقاومة أو خائف ومرتعش وصامت ومستفيد؟
وما هي كل تلك الضجة التي نسمعها هناك عن أحزاب وتيارات وحركات متصارعة ومساومات ومواءمات وتوافقات واختلافات وهي كلها أساليب تحاول بها حكومة المالكي العميلة الظهور بثوب الديمقراطية التي لو صدقت لكانت العراق أكثر من أمريكا نفسها ديمقراطية وليست الدولة الأكثر فسادا في العالم حسب تقارير أممية ؟
ولماذا كل تلك الضجة والكل يعلم أن هذه التنظيمات والأحزاب أو تلك هي صنيعة للاحتلال الأمريكي الإيراني المشترك للعراق ؟ لماذا يتناسى البعض أن العراق قطر محتل؟
منذ أيام أمهل ما يسمي مجلس محافظة النجف بالعراق البعثيين العراقيين من مواطني المحافظة للخروج منها خلال يوم واحد وإلا فانه سيقوم بعمليات إبادة لهم .. هل سمع أحدكم بهذه المهزلة ؟ هل سمع أحدكم بأن دولة ما حتي لو كانت من بلاد واق الواق تطالب مواطنيها بالرحيل عنها علما بأن عدد البعثيين في هذه المحافظة يتجاوز 190 ألف بعثي لو انضمت إليهم أسرهم لقاربوا المليون عراقي.
هل سمعتم عن دولة تقوم باستئجار مواطنين من دولة أخري للتظاهر ضد مواطنيها كما حدث حينما تظاهر نحو الألفي إيراني في العراق يطالبون بالقضاء علي البعثيين العراقيين ؟.
راجع الرابط علي الانترنت
http://www.almansore.com/MakalatL/MK-DrMohanned14-09-09.htm#_ftnref1
هل سمعتم من قبل عن رئيس وزراء يستعين بنحو 59 ألف عنصر استخباري إيراني لتأمين حكومته المفترض فيها أنها عراقية ؟
هل سمعتم عن دولة تقتل صحفييها وتستعين بمرتادي المقاهي والمتسكعين والساقطات لتضمهم إلى نقابة الصحفيين التي كان عدد أعضائها قبل الغزو نحو 950 صحفياً قتل منهم نحو 400 صحفي بعد الغزو وفر للخارج نحو 400 آخرين ثم صار عددهم في يوم وليلة نحو 12 ألف شخص لا يحمل معظمهم مؤهلات عليا ويتقاضي عدد كبير منهم رواتب ثابتة من قبل ضباط قوات الاحتلال الأمريكية مقابل أن يضعوا أسماءهم علي المقالات التي يكتبونها لهم ؟ وهي الفضيحة التي كشفت عنها صحف أمريكية وأوروبية نقلا عن اعترافات لضباط أمريكيين سابقين شاركوا في احتلال العراق .
أليس بعد كل ذلك يكون من الأجدى والمنطقي أيضاً تقديم نوري المالكي وزمرته وكل المشاركين معه فيما يحلو لهم تسميته بالعملية السياسية لمحاكمة عاجلة تقتص لدماء الأبرياء؟ ولكرامة بلد كانت هي الأقوى والأفضل تعليما وتماسكا وثراء في المنطقة العربية.
******
جبهة انقاذ مصر – 28 يناير 2010
عبث المنطق ومنطق العبث بين مصر والجزائر
حقا يا سادة , نحن نعيش الآن في زمن الصغار , صغار القلوب والهمم والأماني , ضعاف النفوس والضمائر والبصائر, ضعاف الانتماء لله والوطن , قصار القامات والهامات , معدومي الشرف والكرامة. فما يحدث الان علي الساحة الكروية والتي انعكست علي الساحة السياسية بين القطرين الشقيقين مصر والجزائر لشيء مثير للغثيان ما لم يكن القرف , انه العبث بعينه , فالشعبان اللذان ضحي كل منهما بدمه فداء للآخر نجدهما الأن بعد مرور نحو الاربعين عاما.. وقد فعل الدهر خلالها ما فعل يضحي كل منهما بالغالي والثمين حتي يتسني له أن يسحق الأخر وأن يهدر كرامته مقابل الفوز في مباراة لكرة القدم ما جني منها الرابح ولا الخاسر شيئاً له قيمة تذكر , رغم أن كرامة الامة العربية بأسرها تهدر في كل مطلع شمس مائة مرة علي يد الصهيونية العالمية ورجالاتها وعملائها في فلسطين والعراق المحتلين , ورغم أن كل بلداننا العربية تقريبا ترزح تحت نير الامبريالية الأمريكية , وحال سبيلنا يقول "أسد علي وفي الحروب نعامة".
وفي زمن الكبار تصبح بالتالي كل التضحيات كبيرة , حيث راحت مصر الكبيرة والخارجة لتوها من عفن الاستعمار والاقطاع والشارعة في تنفيذ المشروعات التحررية الكبري في داخل مصر وخارجها تحت قيادة الكبير جمال عبد الناصر , فراح الزعيم خالد الذكر يدعم ثورة شعب المليون شهيد ويدرب كوادره ويعلن استقلال الجزائر وراح ايضا يرسل البعثات التعليمية والمهنية والعسكرية تلو البعثات حتي يهييء هذا الشعب العظيم لبناء دولته المستقلة ويعيده الي حضن أمته العربية بعد فرنسة دامت قرابة القرن ونصف القرن وعوقبت مصر جراء تلك المساندة الصادقة بالإضافة إلى أسباب أخرى عديدة نعلمها جميعا بالعدوان الثلاثي الغاشم 1956وما إن شبت أظافر الدولة الجزائرية الوليدة حتي حدثت نكسة 1967فعز علي الكبير أيضاً هواري بو مدين الزعيم الجزائري أن يري مصر وسوريا تمران بتلك المحنة فطار إلى الاتحاد السوفيتي مقدما شيكا مفتوحا علي بياض إليه نظير تجهيز جيشي هاتين البلدين الصامدين بأحدث الأسلحة السوفيتية.
وفي هذه الواقعة يحكي أن الزعيم السوفيتي بريجينيف اتفق عقب تناول الغداء الرسمي مع أحد كبار المرافقين العسكريين للرئيس الجزائري في تلك الرحلة وكان معروفا عنه أنه كان يعاقر الخمر علي أن مصر ستحصل علي دبابة متطورة مجانا مقابل كل كأس يشربه , فراح الرجل يتحامل علي نفسه وأخذ يشرب ويشرب حتي بلغ ما شربه نحو 19 كأسا –وهو رقم يكفي لقتل حصان- إلى أن خر ساقطا فنقل علي أثرها الي المستشفي بين الموت والحياة , وجاءت بعد ذلك حرب أكتوبر المجيدة 1973 فشاركت الجزائر بلواء كامل في أتون المعركة.
هذه هي نماذج النضال التي يجب أن تعلمها الأجيال القادمة , هذا هو النضال الحقيقي الذي يهدف في الأساس لحفظ الكرامة والدم العربي في معركة حقيقية ضد إمبريالية تتربص بنا وتضعنا جميعا معا في سلة واحدة لا تفرق بين القاهرة ودمشق والرباط وبغداد والدار البيضاء وبيروت , فجميعنا عندهم عرب ومسلمون يجب القضاء عليهم.
أما في زمن الصغار , فكل الأشياء حتماً ستبدو صغيرة , سنترك إسرائيل تنجو بجريمتها في حق دم أبنائنا الذين يقتلون مرارا وتكرارا دون دية علي أراضينا في سيناء وسنصب جام غضب شعبنا في مصر ضد شعبنا في الجزائر بحجة "ماتش" كرة , سندعو الي التحرر الجنسي وسنترك بلداننا العربية محتلة , سنعتبر أن الوصول للعب في كأس العالم هو النجاح بعينه مع أننا فاشلون في كل العلوم , سنكرم لاعبي كرة القدم والمشخصاتية ودعاة التغريب وسنهدر طاقة علماء الذرة والكيمياء والفيزياء لدرجة تجعل الواحد منهم يتمني أن ينال من الحظ ما تناله راقصة , سنحط من شأن أي باحث وسنعلي من شأن المباحث, إنه الحول الذي أعمي الأفئدة قبل الأبصار, فصارت المصالح الشخصية اعلي من مصلحة الأوطان , ولا عزاء للشعوب وأمانيها القومية.إنه بحق عبث المنطق أو ربما منطق العبث .
مرفقات لها دلالة:
* برنامج الحياة اليوم علي قناة الحياة أذاع يوم الجمعة 20 نوفمبر الماضي لقطات لعدد من مشجعي كرة القدم يحملون العصي والسكاكين وصفهم بأنهم مشجعون جزائريون الا أن مراسل القناة في الخرطوم أكد في اتصال هاتفي أن هذه اللقطات ليست لمشجعين جزائريين وأن الاستاد ليس هو الاستاد الذي أقيمت عليه المباراة بل إنه قال إن هذه اللقطات قديمة ومتوافرة علي صفحات الفيسبوك منذ سنوات!!
*احدي الفضائيات حضرت إلى نقابة الصحفيين المصريين وراح المعد والمخرج يدعوان المتحدثين إلى سب الجزائر والقومية العربية ودعاهم لأن يصفهم بالهمج .. كان من سوء حظ معد البرنامج أن أحد الذين التقي بهم وهو الزميل حسن بديع وهو واحد من المثقفين القوميين المعروفين فراح ينهرهما وطردهما من النقابة.
*الاعلامان المصري والجزائري-علي حد سواء- الرسمي وغير الرسمي يقومان وبطريقة منظمة بتصعيد الحرب الكلامية بشكل غير مسبوق .. و شاركت في هذه المعركة أقلام عرف عنها "تلقي الأوامر".. فهل الاعلام العربي في مصر والجزائر علي حد سواء .. مخترق.
******
محيط 11 فبراير 2010
إيران .. معنا أم علينا
سؤال يلح على أذهان الكثيرين فى عالمنا العربى ومجرد طرحه يعد معيارا لعمق الفجوة التى أحدثتها نظم الحكم والسياسيون فى العلاقات بين الثقافتين المتقاربتين التى يؤمن بها العرب سواء أو الفرس.
هل نحن فشلنا فى فهم إيران أم هى التى فشلت فى فهمنا ؟
فنحن - واقصد بها الشعب العربى وليست نظم حكمه- كنا نعتقد أن إيران جزء مكمل لمنظومتنا العربية وأنها ليست بعدو قط ولكنها حليف استراتيجي مهم وامتداد فكري بالغ الأهمية لامتنا العربية , وكناتج لهذا الإيمان نرى أن القوة العسكرية الإيرانية من الممكن -لو حسنت النوايا- أن تصبح رصيدا مضافا للقوة العربية- إن وجدت- ولذلك فنحن نتمنى لها النجاح فى اجتياز أزمتها النووية .
ولكن ثمة أمر محير لدى نظام الحكم القائم فى إيران الذى نتفق معه بشده فى نصف إشكالياته ومنها موقفه من الصهيونية والمحرقة المزعومة وبرنامجه النووى ونختلف معه بشدة أيضاً فى النصف الآخر والمتمثل فى سعيه لتصدير الثورة الى جيرانه العرب فى الخليج لاسيما العراق التى استعملها كرهينة بالمشاركة مع الاحتلال الأمريكى لإملاء إرادته علينا.
ولكل ذلك تثور تساؤلات لدى الشعوب العربية حول الأسباب التى تدفع إيران للتضحية بكل روابطها العربية مقابل سعيها لالتهام العراق؟ وكيف ترضى أن تصبح فزاعة الخليج العربى مقابل الرضاء الأمريكي الذى لا يمل ولا يكف عن اختلاق الفزاعات الوهمية لابتزاز هذه الإمارات رغم انه اخذ منها ما ينوء عن حمله أولوا القوة وافترش أرضها طولا وعرضا بقواعده العسكرية
لماذا دفعت إيران بميليشيات حزب الدعوة الايرانى المنشأ والجذور والوسيلة والشخوص والغاية والأهداف لكى يعتلى حكم العراق المذبوح أمريكياً وعبر جسر بناه أكثر من مليونى شهيد وخمسة ملايين مشوه وستة ملايين لاجىء من إجمالى شعب لا يتجاوز عدد سكانه 25 مليونا؟
ولماذا دفعت أيضاً بميليشيات أخرى مثل بدر الإجرامية وجيش المهدى ليمارسا دور المعارضة رغم أن الجميع وتحت المظلة الأمريكية صاحب توجه ايرانى ويرتكبون الفظائع عنها بالوكالة.
انه وبصدق فإن الشعب العربى لا يكن العداء لإيران ولكنه فقط يطلب منها أن ترفع يدها عن العراق وان تتركه لشعبه ومقاومته الباسلة ليحددا مصيره,وأنا اعتقد جازما بأن هذا المطلب لو عرض فى استفتاء على الشعب الايرانى لوافق عليه فورا بأغلبية كاسحة .
نعم.. لا توجد أية خلافات عربية إيرانية عدا ما سبق , أما ما اثير من نزاعات فى الآونة الأخيرة فكلها مجرد أوراق تستعملها النظم الموالية فى معظمها لأمريكا لكى يتمكن أى طرف منهما فى تقديم الآخر قربانا على معبد البيت الأبيض بغية التوريث او غض الطرف رغم أن البيت الأبيض لا يحترم هذا ولا ذاك .
وقبل أن نعاتب نظام الحكم فى إيران فمن الإنصاف أن نعاتب نظم حكمنا العربية التى ناصبت إيران العداء ليس لكونها شريكاً فى مأساة العراق - وذلك لكون تلك النظم متورطة أيضاً وبشكل جدى ومخز فيها - ولكن مجاملة للاحتلال هناك من أجل أن ينال هو وليست هى - أى إيران- الجزء الأكبر من الكحكة المعجونة بدماء الأبرياء.
إننى قد لا أكون مبالغا لو قلت أن إيران لو قررت باكرا رفع يدها عن العراق وسحبت ميليشياتها الحاكمة منه وكشفت عن أسماء مئات الآلاف من الإيرانيين الذين تجنسوا بالجنسية العراقية بغية الإخلال بالتوازن العرقى بما فيهم نحو 56 ألف عنصر أمنى ومخابراتى لغفر العرب لها خطاياها وأدانوا حكامهم الذين يساعدون الاحتلال سرا وعلانية ولأسقطوا عنهم أقنعتهم الزائفة بوصفهم شركاء أصليين فى الجريمة وهو بالطبع ما يبرئ ساحة إيران مما يعد اكبر دعاية لها فى العالمين العربى والإسلامى.
فنحن بحق فى حاجة إلى إيران القوية من أجل إحداث التوازن فى المنطقة مع الكيان الصهيونى وفى ذات الوقت نريدها أن ترفع يدها عن عالمنا العربى لا أن توجه تلك القوة ضدنا ’اى نريدها معنا وليس علينا, وهو الأمر الذى نعتب على نظم حكمنا فى عدم سعيها إليه..
وقبل أن أنهى حديثى لا يمكننى إلا أن أنبه إلى أن العراق الذى ضحى بالملايين من أبنائه لن يتحرر إلا على يد مقاومته الباسلة بكل فصائلها سنة وشيعة وأنه ليس قاصرا وليس فى حاجة لدعم أى نظم تخلت عنه سواء أكانت عربية أو إيرانية أو عالمية
******
18 اغسطس 2010
في فهم حقبتنا التاريخية
من أصعب فترات التاريخ فترة "اللاشيء ", وهي الفترة التي عادة ما تكون طويلة جدا زمنيا ومهملة وتافهة للغاية حدثيا وفكريا وهي أيضا الفترة التي عادة ما يقفز فوقها المؤرخون ليذهبوا الي الفترات ذات الفعالية بعدها أو قبلها.
ومن إعراض فترة "اللاشيء" أن بطولات أبطالها بالغة الصغر لدرجة لا يمكن معها رؤيتها بالعين المجردة , وربما لم تكن موجودة أصلا , والمدهش أن أبطالها يبذلون الغالي والنفيس لإنجازها ولذلك هم يعدونها من عظائم الأعمال ومعجزات التاريخ , والأكثر دهشة .
في تلك الفترات يصبح مبرراً ومعتادا ضياع الجميع في صمت ضحايا لها , ومع ذلك يبقي من أصعب صفاتها أن العذابات فيها قاسية للغاية بما لا يتناسب مع تفاهة "اللاشيء" الذي تذخر به.
وأنا اعتقد أن تعاسة الإنسان منا - نحن بني البشر - أو سعادته يقع جزء كبير منها علي العصر الذي خلق فيه , فإذا كان الواحد منا مبدعا أو مفكرا أو حكيما سيصبح من المفيد أن يكون قد خلق في زمن مهم , لأنه في الأزمان المهمة ينقب الناس عن المفكرين والموهوبين ليستفيدوا أعظم الاستفادة منهم ولكي يعطونهم حقهم من التقدير والإجلال , أما في الأزمان غير المهمة فان الناس ينقبون عن المفكرين والمبدعين ليشبعوهم قتلا أو سجنا وذلا وفقرا وتحقيرا وذلك لأن الحاكم المستبد يسعي جاهدا إلى تجهيل وتغريب شعبه - كما بقول عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد.
اعذروني يا سادة .. لو قلت لكم إنني اعتقد إننا كعرب نعيش في حقبة تاريخية تافهة من حقب "اللاشيء " وان كاتبا محترما للتاريخ سيقفز متجاوزا الخمسين عاما الماضية - مع ما يضاف إليها مستقبلا - دون أن يكتب حرفا واحدا عن العرب , وان كتب فلن يعرفها إلا "بحقبة الانحطاط والاضمحلال العربي".
اعذروني لو قلت إنها أزمنة ضحي العرب فيها بالعرب , من اجل استمرار "اللاشيء", هي فترة تآمر فيها العرب علي فلسطين حتي تأكدوا من ضياعها , مدينة مدينة , وحارة حارة , وراحوا بعد ذلك يقلبون المفاهيم فأطلقوا علي الخيانات دهاء الساسة والسياسات , واعتبروا التبلد والبرودة دبلوماسية , ولقبوا الهزائم بالتضحيات , وما إلى ذلك , مع أن من يمتلك ولو ادني توثيق تاريخي سيدرك بلا ريب أن فلسطين قدمت قربانا لاستمرار ملوك فوق العروش .
وليت الأمر انتهي , حيث استمروا في تقديم القرابين لغول لا يشبع , فما أن فرغوا من تقديم فلسطين حتي شرعوا في ذبح العراق وراحوا جميعا بكل جد وإخلاص في تجفيف منابع الحياة لها طيلة 20 عاما - 13 للحصار و7 بعد الاحتلال - حتي سقطت حاضرة الرشيد قربانا جديدا عظيما من اجل استمرار البقاء علي تلك الكراسي.
ومن ضمن مسلسل القرابين الذي لا يجيد ساسة العرب شيئا سوي الاستمرار فيه في ظل حقبة "اللاشيء" التافهة , الوقوف علي مشارف انفصال وتفتت السودان , والسعي لتقسيم اليمن السعيد الذي لم يكن سعيدا في تلك الحقبة.
قد يخالفني أحدكم الرأي - ويطرح رؤية أخشي طرحها وان كنت لا استبعدها - بأنها ليست أزمنة تافهة ولكنها علي النقيض هي شديدة الخطورة والأهمية , وإنها بمثابة مفصليات في جسد التاريخ تتحكم في توجهه لينتصر لكل رذائلنا ونقائصنا ونصبح أمة مهددة حقا بالزوال والانقراض كأمم كثيرة خلت من قبلنا.
بصراحة صارت الأخطار والمؤامرات المحدقة بالأمة العربية لا تعد ولا تحصي ولأن تيار المقاومة ينحسر فموجة العدوان الخارجي تزداد شراسة والنظم - أو اللانظم - الرسمية تزداد انبطاحا وتنازلا لدرجة جعلتها مجردة من كل إمكانية للمساومة علي التنازل.
لقد صرنا امة مهددة في كل شيء بدءا من الثقافة إلى الاقتصاد مرورا بالإدارة والقوة , امة تفتقد لكل مقومات البقاء والاستمرار.
ومهما كانت تلك الحقبة التاريخية شديدة الأهمية إلا إنها قطعا حقبة غير معتادة , استعمرت فيها بلادنا عسكريا وقاومت وتحررت ثم عاد الاستعمار إلينا عبر وكلائه من بني جلدتنا والأقطار التي خلت من الوكلاء استعمرت عسكريا , لدرجة صار فيها الحكم مرادفا للانبطاح والموالاة لأمريكا وربما إسرائيل.


المنصور 14 نوفمبر 2010
أيها الشهيد العظيم .. أطلت قامتنا
في يوم استشهادك,أطلت قامتنا, وكعادتك , لم تخذلنا قط , فلم تضن علينا أبدا ولو حتي بروحك الطاهرة الأبية, فعشت رجلا في زمن تسيد فيه المخنثون والأشباه والاتصاف , ومت بطلا في زمن استولي عليه القرود والأقزام.
عشقت عروبتك فعشقتك, تمسكت بشيم الأولين فتنفست شجاعة عنتر وشهامة المعتصم وجود حاتم وعدل عمر وصدق الصديق ووراعة وحكمة علي ومت كما مات جدك الحسين وعلي.
فما أشرف أن نحيا كما حييت وما أقدس أن نموت كما مت,عشت رمزا لكل عربي صادقاً ومت مبرهنا علي عظمة الإيمان بالإسلام.
أيا صدام, يا صقر العرب ,بل يا صقر العروبة نم في جنتك قرير العين ,فلعاصمة الرشيد التي أسقطتها الدسائس رجال ما هدأت لهم عين ولا غمض لهم جفن حتي يكملوا مسيرة تطهيرها من الأزلام تطهيرا كما طهرها أسلافهم من المغول والإنجليز , وهو أمر لا نشك قط أنه آت لا محالة وأن سوط العدالة وزمجرة البنادق سيمزق هذا الظلم والإجرام.
فلقد جعلت يا أبا الشهيدين قوميتنا - وأنت فاديها وابنها البار-تتباهي بنبتها الطيب أمام كل قوميات الدنيا , فتضاءل أمام فدائك فداء ديجول فرنسا وماوتسي تونج الصين وتشي جيفارا اللاتيتي ولومومبا الإفريقي وهتلر الألماني وبوليفار الكولومبي وسبارتكوس الإغريقي.
ورحت تتقدم الصفوف مع رفاقك وأحبابك كيلاني العراق وعرابي وناصر مصر وعبد القادر الجزائري ومختار ليبيا وسلال اليمن ومهدي السودان وكل رموز فدائنا في أقطارنا العربية.
فتحية لك أيها الشهيد العظيم الذي وقف أمام حبل المشنقة فلم يرتجف ورفع رأسه العربية وهزأ منها فقالها عالية "هذه الأرجوحة للرجال""..
تحية لرقبتك الكريمة التي التفت حول حبل المشنقة .. وتحية موازية لرجال المقاومة العراقية سنتها وشيعتها قومييها وإسلامييها واشتراكييها الي أن يطردوا شراذم الأمريكان والإيرانيين وحكومتهما المختلطة العميلة .
أيها الشهيد العظيم ،استشهدت دفاعا عن الأرض والعرض والدين فحقت لك الولاية ، واجتزت اختبارا راهن الضعفاء علي رسوبك فيه - وأنت الذي ما رسبت قط - فلم تجتازه فحسب بل جعلته شهادة لك يخلدها التاريخ وتتناقل حكاياتها الأجيال بكل فخر، جيل بعد جيل.
وصموك بكل ما لم يستطيعوا ان يفهموه فيك ، لأنهم يفتقدونه ، وفاقد الشئ لا يعطيه ، فقالوا عن حزمك طغيانا ، وشجاعتك وإقدامك ديكتاتورية ، وعدالتك تسلطا ، وحبك للعروبة سفها ، ورفضك للخنوع تهورا ، وعدم خيانتك لوطنك غباء ..
فحمتك مشيئة الله من كل ما كادوه لك ، وما رسموه حولك من أكاذيب ، ورصدوا في سبيل ذلك - كما نشرت صحف غربية وأمريكية - نحو نصف تريليون دولار ، فذهبت الرشي للقاصي والداني واخترقت كبريات وسائل الإعلام في العالم حتي انتهت بصحف بئر السلم ، إلا أنه رغم كل ذلك كان أولوا التدبير هلكي ، وراح شعاع الحقيقة يخترق الظلمة ضعيفا حتي هزمها ، فأخذت في التلاشي.
فها هو قاضيك يستقيل من المحكمة ويقول للعالم إنه يفخر بأنه كان مواطنا في بلد يحكمه صدام حسين وان هذا الرجل برئ من كل ما نسب إليه .
وها هم اللصوص ، الذين انبريت بكل شهامة ومروءة في محاربتهم في حملة الأنفال ، ينهشون العراق لحما وعظما ودما ، ويحكمونه بالتفجيرات والأباتشي الأمريكية والمليشيات الإيرانية ، وها هم أبناء العراق النشامي ونساؤه الماجدات الآن ينتظرون في لهف ولادة صدام حسين جديد يقود العراق للتحرر من العصابات الحاكمة والميلشيات الإيرانية والمارينز الأمريكي الذي قتل مليوني عراقي بحسب إحصاءات فرنسية ومليون عراقي بحسب تصريحات للسفير الروسي في قطر.
ندرك يا سيادة الرئيس الشهيد أن إيران فرضت علي العراق حربا في الماضي فخضتها ولكن هذا لم يكن يدركه من قبل إلا القليلون.
وندرك إنكم براء مما نسبوه لكم زورا في قصف قرية حلبجة الكردية بالسلاح الكيماوي وها هي صحف غربية تؤكد أن إيران هي من قصفت تلك القرية وقتلت نحو 3500 شخص .
ندرك أنك لم تخض حربا إلا دفاعا عن بغداد لا واشنطن ، والجميع في بلادنا يخوضون حروبهم دائما بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل .
وندرك ان الكثيرين من حكام العرب كانوا يغارون من شجاعتك فتأمروا عليك والآن انكشف كيدهم وانفك سحرهم وصاروا سوءة في تواريخ بلدانهم.
ندرك يا سيادة الشهيد أن المقاومة العربية في فلسطين خسرت فيكم أبرز مقاتليها وأكرم مانحيها واخلص الناس فيها .
جعلت من العراق كل بلاد العرب والتقي في بغداد كل من تقطعت بهم السبل في أوطاننا ، فالضعفاء في كل أرجاء الوطن العربي هم رعايا لك يحجون الي عاصمة الرشيد ليحتموا بها ولتقوي هي بهم.
كل يوم ينكشف المزيد والمزيد من دلائل عظمتك حتي صار لا يجهل سموك إلا اعمي ولا يسمع صوتك إلا أصم.
تقبل تحياتنا ودعواتنا لله لك بالفردوس الدائم مع الصالحين.
****
24 نوفمبر 2011
وهم دولة العراق الاسلامية
فى نهاية شهر يناير من مطلع العام 2010 , نقلت وسائل الإعلام المحلية العراقية والدولية أنباء عن قيام طائرات تابعة للاحتلال الأمريكى بإلقاء منشورات موقعة باسم"دولة العراق الإسلامية" فى مناطق واسعة مما يسمى - طبقا لتقسيمات الاحتلال - بالمثلث السنى , تحذرهم من الخروج للتصويت فى هذا اليوم, ونقلت الصحف ووكالات الأنباء هذه المعلومات إلا أنها خمدت بشكل مفاجئ فيما بعد.
وفى كتابه "وكلاء الرعب فى الإسلام" كشف البروفيسور "جوزيف مسعد" المدرس بجامعة كولومبيا عن العديد من تفاصيل تعمد بعض الشخصيات الذين وصفهم بوكلاء الإساءة للإسلام نسج الحكايات وبث الأفلام التى من شأنها تحقيق هذا الغرض مؤكدا علاقة هؤلاء الأشخاص بالصهيونية.
وممن كشف "مسعد" عن شخصيتهم شخص يدعى "ستيفن ايميرسون" وهو ينحدر من عائلة يهودية بنيويورك وقال انه رجل استمر طيلة عقدين من الزمان ينسج الأباطيل ضد المسلمين محاولا إظهارهم بمظهر الإرهابيين.
وقال إن "ايميرسون" قدم عام 1993 للإعلام الأمريكى فيلما وثائقياً أسماه "الجهاد فى أمريكا" حرض فيه بشدة ضد المسلمين حتى سقط العديدون منهم قتلى فى هجمات عنصرية , بل وراح وبعيد تفجيرات "أوكلاهوما" بدقائق يظهر على شاشات التلفزة الأمريكية ليخبر الجميع انه حذر من هجمات للإرهابيين المسلمين من قبل , ولم يكترث أحد , حتى حدثت هذه الجريمة التى كان يعلم بكل تفاصيلها , واكتسب شعبية كبرى لم يمحها إثبات تورط أمريكيين اثنين من غير المسلمين فى تلك التفجيرات , وفى 1998 نشرت كبريات الصحف الأمريكية ما قالت إنها معلومات يقينية عن نية باكستان ضرب الهند بالقنابل النووية وراحت تقدم رجلا قالت إنه عالم نووى باكستاني يدعى "افتخار خان" ووصفته بأنه مصدر تلك المعلومات إلا أنه فى لقاء مع علماء ذرة أمريكيين انكشف أمر "افتخار خان" حيث اتضح انه يجيد الكذب ولا علاقة له بالذرة وما هو إلا لاجئ يضمر العداء لإسلام أباد وقد قدمه للإعلام الأمريكى "ايميرسون" ذاته.
ومن أكاذيب "ايميرسون" أنه ادعى فى شهادته أمام لجنة فرعية من لجان الكونجرس الأمريكى بأنه تلقى تهديداً من إرهابيين مسلمين بالقتل وراحت الاستخبارات الأمريكية تحقق فى الأمر بجدية فاكتشفت زيفه كالعادة.
وذاع صيت "ايميرسون" وبدأت حبكته المتقنة فى الكذب تلقى اندهاشا من أوساط الإعلاميين الأمريكيين الذين رأوا أنه بكذبه قد نبههم إلى خطر محتمل حقيقى , وقامت الجيروزاليم بوست الصهيونية تكشف عن علاقة "ايميرسون" بالموساد الصهيونى.
وتأتى بعد "ايميرسون" شخصية أخرى أشد اتقانا للكذب وتدعى "ريتا كاتز" وهى يهودية تنتمى للبصرة العراقية وقد أعدم والدها مع 14 شخصا اخرين بينهم 9 يهود فيما برىء 7 يهود آخرين بتهمة التجسس لحساب الكيان الصهيونى وذلك فى 27 يناير 1969 وهربت وعائلتها الى إيران ومنها إلى أمريكا.
ارتبطت ريتا بعلاقة وطيدة مع "ايميرسون" فيما كانت تعمل فى مركز يدعى "مركز الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط" ويرمز له اختصارا بـ"ميمورى" وهو مركز يقول أن من أهدافه مراقبة الإعلام فى الشرق الأوسط ويرأسه شخص يدعى"ايجال كرمون" وهو ضابط استخبارات إسرائيلى تربطه علاقة وطيدة بديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش.
والمدهش أن "ميمورى" افتتحت فرعا لها فى شارع "أبو نواس" ببغداد مع قدوم الاحتلال اليه رغم خطورة الأوضاع الأمر الذى يتنافى مع مهمة مراقبة الإعلام فى بلد لم يكن تعمل فيه أجهزة الإعلام بسبب الحرب.!
والسبب فى خطورة "ريتا كاتز" والتى افتتحت مركزا مستقلا لها أسمته s.l.t.e"" أو"سايت انتيلجانس جروب" أنها كانت تتقن التزييف وترتبط بثقافة الإسلام لكونها فتاة بصراوية وينسب إليها إنشاء تنظيم "دولة العراق الإسلامية" على الشبكة العنكوبتية والتى تلقفت وسائل الإعلام أخباره دون تمحيص حتى صار حقيقة لا تقبل الشك عند بعض الناس رغم ان الـ"الآى بى" الذى كانت ترسل منه بيانات " دولة العراق الإسلامية " هو ذاته الـ"الأى بى" الخاص بشركة "ميمورى" لمراقبة الإعلام .
وقد كانت من اكثر فضائحها أنها قامت ببث شريط للشيخ أسامة بن لادن قبل أن يبثه موقع القاعدة نفسه.
وكتب "جوبى اريك" الصحفى فى الواشنطن بوست الأمريكية فى 10 اكتوبر 2007 مؤكدا ان التسجيل الذى نسب إلى زعيم تنظيم القاعدة فى اليوم السابع من شهر سبتمبر الماضى وحث فيه الأمريكيين على اعتناق الإسلام متنبأ بفشل الحرب على العراق وأفغانستان هو تسجيل صادر من "سايت انتيلجانس جروب" لمؤسسته "ريتا كاتز" والتى سارعت حينئذ بإخبار الجميع أنها سرقت الفيديو من موقع القاعدة عبر قرصنة اليكترونية وقبل بثه رسميا.!! بالطبع .. عذر غير منطقى اقبح من ذنب غير مغفور.
وفى حوار أجرته صحيفة "المصرى اليوم " المصرية بتاريخ 21 نوفمبر 2010 , كشف عبد السلام ضعيف أنه سمع بنفسه من الشيخ أسامة بن لادن نفيه القاطع عن علاقة القاعدة بهجمات سبتمبر الأمريكية وذلك فور وقوع تلك الهجمات.
فيما نشرت مراكز بحثية غربية متعددة أبحاثا أكدت فيها براءة القاعدة من هجمات سبتمبر الأمريكية واختصت الاتهام بالموساد الاسرائيلى نفسه وبعض القوى الأمريكية ومن تلك الموقع موقع يسمى Press Pakalert وهو مركز دراسات أميركي يعنى بالملفات الساخنة التي يعيشها العالم، والقضايا الكبرى على المستويات الأمنية والسياسية حيث نشر ذلك فى ديسمبر 2010 الماضى.
وأكَّد تقرير للمخابرات الألمانية "أن الموساد الإسرائيلي لم يكن على علم بهجمات 11 سبتمبر فحسب، وإنما شارك في وضع الخطط لتنفيذها"، وجاء في التقرير الذي نُشر على موقع "تيير نيوز أورج الألماني" أن الإسرائيليين حذَّروا الأمريكيين من احتمال حدوث الهجمات، ولكنهم لم يُطلِعوا الأمريكيين على مكان وزمان الهجوم اللذين يعرفهما الموساد الإسرائيلي بدقة تامة، وأشار التقرير الألماني إلى أن عددًا من أجهزة الاستخبارات الغربية لا سيَّما الفرنسية والألمانية والروسية حذَّرت الإدارة الأمريكية من الهجمات، ولكن بوش وتشيني ومسئولين آخرين تجاهلوها.
وكان موقع "دات ريلي هايند" الأمريكي قد كشف في وقت سابق من هذا التقرير عن أن خمسةً من عناصر الموساد الإسرائيلي اعتُقِلوا في يوم الحادث عندما كانوا يشاهدون انهيارَ الأبراج المستهدفة مبتهجين، وأضاف الموقع أن شبكة تجسُّس تابعة للموساد قامت بتصوير لحظة اصطدام الطائرات ببرجي مركز التجارة في نيويورك بالكامل، وتبين فيما بعد أن الشبكة كانت قد أَعدَّت كاميرات خاصة صوب الأبراج لتصويرها بدقة، وكان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها قد اعتبر أحداث سبتمبر بعد وقوعها بأنها تخدم المصالح الإسرائيلية.
أما الكاتب الفرنسي الشهير "إريك لوران" فقد أكَّد من جهته في الفصل السابع من كتابه "عالم بوش السري" أن إسرائيل كانت حاضرةً بقوة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بقدر ما كانت وراء حرب العراق.
بدوره أكد الكاتب البريطاني "آيد تونر" أن هناك دلائل قاطعة تشير إلى أن الموساد الإسرائيلي كان على علم بهجمات 11 سبتمبر التي استهدفت مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون"، وأضاف موضحًا: "لقد نشرت صحيفة الجيروزالم بوست الإسرائيلية في اليوم التالي للهجمات تقول إن وزارة الخارجية الإسرائيلية تسلَّمت أسماء أربعة آلاف إسرائيلي يعتقد أنهم كانوا في مبنى مركز التجارة العالمي قبل وقوع الهجمات".
ويقول الكاتب الأمريكي "ديفيد ديوك" المرشح السابق للرئاسة الأمريكية في مقالٍ نشره على موقع الإنترنت الخاص به ردًّا على التساؤل حول دور إسرائيل في الهجمات: "إن خبراء مركز الأبحاث والدراسات العسكرية في الجيش الأمريكي يقولون: إن الموساد لديه القدرة على توجيه ضربات لقوات ومصالح أمريكية وجعل الأمر يبدو على أنه من تدبير فلسطينيين أو عرب"، ويضيف: أنه من السخرية أن يهاجم مركز التجارة العالمي بعد أربع وعشرين ساعة من نشر هذا التقرير.. فهل للموساد يدٌ خفية في هذا الهجوم؟!
ويرى الكاتب ديوك أن الموساد تمكَّن من اختراق ما يعتبر أخطر منظمة إرهابية في العالم، ألا وهي القاعدة.. ويتساءل: هل من المنطق في شيء ألا يكون لدى شبكة الموساد الواسعة الانتشار أي علم مسبق بأكبر عملية إرهابية في التاريخ؟!
ويجزم الكاتب بـ"أن الموساد كان على علم بالأمر.. وربما ساعد الموساد وحرض من دبَّر الهجوم، لأنه رأى في مقتل الآلاف من الأمريكيين ما يخدم مصالح إسرائيل".
وتعزيزًا لنظرية "ديوك"، أكَّد عضو البرلمان الألماني آندرس وون -بولو "أن إسرائيل هي التي تقف وراء الأعمال الإرهابية -عن صحيفة هآرتس"، وبينما أشارت تقارير عديدة استنادًا إلى صحيفة هاآرتس أيضاً إلى "أن موظفي شركة ستارت-إف الإسرائيلية تلقَّوْا رسائل تحذِّرُهم من الهجوم قبل وقوعه بساعتين تقريبًا"، وعرض ثَرِي أمريكي يدعى "جيمي وولتر" مكافأة مالية تتجاوز ثلاثة ملايين دولار لمن يُثبِت عدم تورط الإدارة الأمريكية بهجمات سبتمبر.
أما "راي ماكجافرن" وهو مسئول سابق في جهاز الاستخبارات الأمريكية فأعلن من جهته أمام عددٍ من أعضاء الكونجرس: "أن أمريكا ذهبت إلى الحرب على العراق من أجل النفط وإسرائيل؛ كي تتمكن من الهيمنة على ذلك الجزء من العالم".
هذا غيض من فيض , نحن لا ننكر وجود تنظيم القاعدة ولا اشكك فى جهادية الشيخ أسامة بن لادن والدكتور ايمن الظواهرى وغيرهما ولكن أخشى ان ينسب إليهما ما ليس فيهم , وان يستعملا كمعاول للهدم لا للبناء , خاصة مع انه فى كل مرة تنتشر حقيقة براءة القاعدة من هجمات سبتمبر نفاجأ بشريط يؤكد أن القاعدة هى من نفذته, أليس بتلك الشرائط تعطى الذرائع لقتل ملايين المسلمين فى كافة إنحاء العالم تحت مسمى "مكافحة الإرهاب".
إذا أرادوا تدمير العراق قالوا ان هناك علاقة بين صدام والقاعدة وتخرج علينا التسجيلات التى تؤكد ذلك , وإذا أرادوا تقسيم اليمن ظهرت الطرود المفخخة وتصدير الطابعات الحديثة من "اليمن" الى "أمريكا" ,وإذا أرادوا جعل البحر الأحمر بحيرة مغلقة للأساطيل الأمريكية والصهيونية ظهر القراصنة الصوماليون , واذا أرادوا إرهاق مصر بالتفجيرات والفوضى هددت "دولة العراق الإسلامية" بتدمير الكنائس المصرية وتحرير فتيات مسلمات تقول إنهن مختطفات فيها , مع انه كان أولى لهذا التنظيم تحرير العراق لا مصر.
لقد جزم لى أيمن الفايد المستشار السابق للشيخ أسامة بن لادن فى حوار أجريته معه -نشرته الأسبوع اون لاين -أن تنظيم دولة العراق الإسلامية هو مجرد وهم استخباري,وان القاعدة نفسها مرت بثلاث مراحل وهى الـتأسيس ثم الثبات والانتشار ثم الانحسار والاضمحلال,ولكن على ما يبدو أن هناك- بحسب قوله–جهات تسعى لاستعادة السمعة التى حظى بها تنظيم القاعدة من اجل التبرير لأعمال إجرامية واستعمارية ضد الشعوب الإسلامية فيما يسمى بالمرحلة الرابعة من مراحل تنظيم القاعدة. المهم فالتفاصيل تأخذني دون قصدي بعض الأحيان , ولكن لكل مقام مقال .. فقد هاجمنى بعض الأشخاص على تقرير كتبته يؤكد عدم وجود تنظيم "دولة العراق الإسلامية" واعتبروا هذا النفى تبريرا للإرهاب الذى سأكتوي – لاشك – بناره , ولست أدري طالما كانت النوايا سليمة فماذا يضيرهم أن أطمئنهم بعدم وجود هذا التنظيم الذى هددهم أم أنهم يريدونها دائما "ساخنة".!!
******
محيط – 9يناير 2011
سوق الشماعات
لأشد ما يصيبني بالدهشة أن أجد مثقفا مصريا أو عربيا لا يؤمن بأن أمتنا مستهدفة ’ مع أن فلاحا بسيطا في حقل ناء في أي من بلداننا العربية استطاع أن يدرك ذلك بجلاء , وذلك لأن أمتنا فعلا في مرمي نيران العدوان الناعم وأحيانا العسكري.
وحينما حدثت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية وراح ضحيتها الأبرياء من المصريين – مسيحيين ومسلمين – خرجت الأبواق تفتي بأن أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم القاعدة مع أنني غير مقتنع بالمرة لهذه التحليلات حتي لو خرجوا علينا بشريط لأسامة بن لادن نفسه وقال إن تنظيمه هو من نفذ التفجير.
وعلة ذلك أنني اعتبر أن من يذهب إلى هذا المذهب فإنما يهدر دم الضحايا ويقيد القضية برمتها ضد مجهول والشاطر يذهب ليلقي القبض علي أعضاء هذا التنظيم "الهلامي".
ليس ذلك فحسب ولكن علينا أن نتساءل , إذا كانت القاعدة هي التي قامت بتنفيذ تلك الجريمة التي لا يرضاها الإسلام التي تقول إنها تحمل لواءه فما مصلحتها إذن - إذا كانت تريد بمصر الخير - من هذا التفجير الذي لم يفرق بين مسلم ومسيحي؟
ثمة تساؤل أخر , هل استطاعت القاعدة أن تنتصر علي خصومها التقليديين المعلنين كأمريكا خاصة والغرب عامة حتي تفتح جبهات قتال جديدة ضد أبناء الوطن ؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذى يقتص منها ويثأر للأبرياء رغم أن أمريكا والغرب والعالم أجمع تقريبا – طبقا للمعلن - حاول النيل من هذا التنظيم ولم يفلح.
بل إنه تحت شعار تعقب تنظيم القاعدة , احتلت الولايات المتحدة العديد من بلداننا وقتلت الملايين من المسلمين الأبرياء في أفغانستان والعراق والصومال وباكستان واليمن وغيرها, ونهبت ثروات تلك البلدان وبلداننا الأخري, واعتدت علي الحرمات والمحرمات وأسقطت الحضارة الإنسانية تحت قذائفها الثقيلة المخضبة باليورانيوم المنضب .. فهل يعقل أن تستمر جماعة من المسلمين في المضي بارتكاب الحماقات ضد الأهل ولم تسجل انتصارا واحدا ؟.. أنا لا اعتقد.
الحقيقة .. واضحة .. تنظيم القاعدة هو الشماعة التي تبرر أمريكا بها جميع جرائمها .. لقد صنعت عملاقا من وهم وأخذت تخوف الناس منه حتي خافته هي نفسها وهناك ما يبرهن علي أن الولايات المتحدة هي التي صنعت هذا الكيان وهو ما تناولته بعض وسائل الإعلام الغربية علي حياء كما أشرت إليه في مقال سابق بعنوان " وهم دولة العراق الإسلامية " ولا داعي لتكراره.
والآن دعوني أكون صريحا , فأنا متعصب للرأي القائل بأن هناك مؤامرة ضد بلداننا , بل إنها ليست مؤامرة فحسب بل هي مؤامرة كبري وأزلية منذ أن خلق الله العرب عربا والروم روما والعجم عجما , وما تناوب المستعمرون علي بلداننا العربية عامة ومصر خاصة إلا تفسير ظاهر وسهل الإدراك لتلك المؤامرة.
وما مقولة ارنست رونان في خطابه الافتتاحي عام 1862 في الكوليج دي فرانس حول نصيب الشعوب السامية في تاريخ الحضارة بأن "" الشرط الأساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ما له علاقة بالسامية الحقة ’ تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية لأن الإسلام لا يستطيع البقاء الا كدين رسمي وعندما يختزل إلى وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض ’ وان هذه الحرب الدائمة لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل جوعا أو ينبذه الإرهاب في الصحراء مكانا قصيا"".
إنه اعتراف واضح بأنهم يستهدفوننا شئنا أم أبينا ليس لجرم ارتكبنا, ولكن لأننا نحن نحن , أحفاد الفاتحين الأوائل للدنيا وما عليها وما فيها وما بها.
هاهو نابليون بونابرت يوصي جنوده ويعلمهم أصول الجغرافيا السياسية أو "الجيو بولوتيكا" ويقول "إن من يريد أن يسيطر علي الشرق يبدأ بالقاهرة فهي بمثابة القلب في الجسد" وهاهو الزعيم النازى أدولف هتلر يرسم خريطة العالم ويقول إن فيها مثلثا رأسه في برلين وضلع من قاعدته في القاهرة من يمسك أضلاعه أمسك بالعالم.
وها هي جانيس تيري تعد دراسة بعنوان "صورة الشرق الأوسط في الرواية الأوربية المعاصرة " والتى نشرت في كتاب إدموند غريب "الصور المنقسمة" تكشف عن العديد من أمثلة الاستهداف والتشويه المتعمد للإسلام والعروبة .
ويذكر الباحث د. زياد أبو غنيمة تشويهات دائرة المعارف البريطانية للإسلام والعرب فيقول إن الموسوعة تعّرف محمدا "عليه الصلاة والسلام " بأنه "زعم" بكونه نبياً مرسلاً من الله وأنه أعظم الأنبياء وأن المسلمين يعبدونه فيما تصف الموسوعة الفرنسية الرسول الكريم بأنه " قاتل ودجال وخاطف للنساء وأكبر عدو للعقل البشري ".
ويصف معجم وبستر الامريكي الإنسان العربي بأنه رجل حيواني وشهواني وقاتل وماكر ومخادع وزير نساء ومتشرد ومتسكع وغبي وفوضوي" وغيرها من المفردات التي لا تليق إلا بحيوان.
بل الغريب أن موسوعة "تاريخ الجنس البشري وتقدمه الثقافي والعلمي" والتابعة لمنظمة اليونسكو تعّرف الإسلام بأنه "تركيب ملفق من المذاهب اليهودية والنصرانية بالإضافة إلى التقاليد الوثنية العربية التي أبقي الإسلام عليها كطقوس قبلية فجعلها أكثر رسوخا في العقيدة".
إذن .. فعالمنا العربي مستهدف نظرا لطبيعته الجغرافية من جانب ولكونه يمثل التربة الثقافية الخصبة التي نبتت فيها البذرة الأولي للإسلام حتي ساد العالم من جانب آخر.
ولا يخفي علي متعمق أن يري أن رداء الإسلام في الأصل رداء عربى ’ ولا يخفي عليه ملاحظة أن تناوب الاستعمار تاريخيا علي بلداننا هو وجه من وجوه الاستهداف ليس ذلك فحسب بل أن يلاحظ أيضا أن امتنا العربية هي الأمة الوحيدة التي لازالت أجزاء من أراضيها مستعمرة في فلسطين والجولان ولبنان والاسكندرونة وسبتة ومليلة’ بل إنها الأمة الوحيدة التي يعاد فيها استعمار بلدان تحررت منذ عقود كما هو الحال في العراق.!!
لا أظن أنه لا يزال هناك عاقل يشك في كوننا امة مستهدفة يعاد تخليق الأزمات فيها تخليقا وكأن أقطارنا هي الأقطار الوحيدة في العالم التي تعددت فيها الإثنيات والأديان – رغم بساطتها - مع أن دولة مثل الهند مثلا تحفل بنحو 245 لغة و ألف و652 لهجة ونحو 271 دينا وكذلك الأمر بالنسبة إلي الصين بل إن أى بلد في العالم لا يخلو من التعدد الثقافي الذي يتمتع به عالمنا العربي , ورغم ذلك لم نسمع قط من يطالب بتقرير مصير الأقليات في أمريكا أو الصين أو الهند أو في أى بلد في العالم عدا في بلداننا العربية ’ أليست تلك قرائن للاستهداف ومحاولة للقضاء علينا بالتفتيت والتجزئة والتشرذم؟
أليس عجيبا ان يبحث البعض تحت ذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان عن مواطن الاختلاف بين مكونات كل قطر من أقطارنا ليقوم ببعثها من مرقدها بدلاً من العمل علي إخمادها ؟
ألم تتحول الديمقراطية في بلداننا الي وسيلة للصدام لا الي التعايش , والانزواء لا التكامل والخيانة لا الوطنية ؟
فأي أياد ملعونة تلك التي فجرت صراعا بين السنة والشيعة والأكراد والعرب والتركمان في العراق وهى الفئات التي امتزجت عبر آلاف السنين؟
وأي أياد تلك التي قسمت اليمن جنوبا وشمالا رغم أن الجميع معتدى عليهم ومستهدفون وفقراء؟
وأية أياد تسعي لدق الأسافين بين العرب والأمازيغ في بلدان المغرب العربي - رغم أن الدراسات تؤكد أن الأمازيغ هم عرب يمنيون هاجروا قبل آلاف السنين إلى شمال إفريقيا وأن الامازيغية هي خليط من العربية واللغات الأفريقية القديمة.
ومن الذي بات يحلم بتفتيت السودان حتى رآه الآن يتهاوى فاليوم الجنوب والغد دارفور ولا ندري ماذا يحمل له المستقبل؟
إنني أعيب وبشدة علي الدكتور محمد البرادعي ما نسب إليه من قول بأنه يؤمن بأحقية تدويل قضية النوبة في مصر , ولا أدري كيف استطاع هذا الرجل النطق بهذا المعني وفي تلك الأثناء بالذات ؟
إنني لا أخفيكم قولا إنه بمثل تلك التصريحات التي توقظ الفتن لم اعد أميز بين ما يجب وما لا يجب لقد صارت أسواق الشماعات رائجة في بلداننا نعلق عليها خطايانا وننتظر أين وكيف تأتي الضربة لنا.
******
محيط – 17 يناير 2011
حتى لا تلد الثورة التونسية فأرا ؟
فى يوليو الماضى " كتبت مقالاً بعنوان "صور المساخر فى بلاد المفاخر" تناولت فيه صور المظالم التى ظل يرزح تحت نيرها الشعب التونسى فى ظل حكم طاغيته ’ وتطرقت فى حديثى إلى التواطؤ العام من قبل الإعلام العربى الرسمى والحزبى والخاص تجاه هذا القهر وقلت إن ذلك يرجع لكون طاغية تونس اعتبرها شركة وراحت النقود التونسية تذهب إلى الصحف والصحفيين فى العالم العربى طولا وعرضا فى صورة إعلانات أو إعانات أو حتى رحلات وهدايا الأمر الذى جعل قطاعا منهم يهلل لكل ما يفعله "بن على" حتى لو كان افتتاح محلا للطرشى!.
أنا فى الحقيقة خائف من تطويق واحتواء الثورة التونسية ’ بل أكاد أقرأ الصورة بكثير من الحذر وقليل من التفاؤل مما يقرأها الكثيرون ’ وأرى أن الثورة المضادة للثورة التونسية قد بدأت فى ذلك اليوم الذى أعلن فيه الوزير الأول محمد الغنوشى نفسه رئيسا للجمهورية رغم أنه أحد أضلاع النظام البائد !.
ورغم عفوية الثورة التونسية المباركة وطاقتها الهادرة المستمدة من شعب تصور العالم أجمع أنه "مات" وشيع "بن على" جثته الى مثواها الأخير ’ إلا أنه فاجأ العالم بأنه ليس ما زال حيا فحسب ’ بل إنه قوى وقادر على دحر قاتليه وإصابة القتلة بالذهول وإيقاظ شعوب العالم العربى أجمع وتأكيد قدرتها على التغيير القسرى.
ولكن ما كان ينقص الثورة التونسية المباركة تلك القيادة الواعية التى تؤطر الأطر وتقيس الأفعال والأقوال أثناء قيادتها الجماهير الغفيرة إلى بر الأمان الذى تحقق فيه الثورة أهدافها كاملة ’ والتى لو تواجدت ما كانت لتسمح لأفراد من حزب "بن على" الحاكم الاستيلاء على الثورة ’ ليستمر ينهش أجساد التوانسة مجددا ويمتص دمهم ’ وبالتالي ستكون الثورة لم تفعل شيئاً سوى أنها غيرت ظلما بظلم وطغاة بطغاة.
إن نجاحاً لأية ثورة يتطلب اشتمالها على عناصر مركبة تبدأ بثورة شعبية وتنتهي بتغيير شامل وهو ما لم يتحقق فى الثورة التونسية التى بدأت بشعبية ولكن لم تحقق التغيير الشامل ’ ومن تلك العناصر الواجب اشتمالها هى ثورة شعبية وقيادة واعية ونظرية فكرية إطارية ’ ورغم أن الثورة التونسية تهيأ لها أهم وأخطر تلك العناصر المتمثل فى الحشد الشعبي’ إلا أنها افتقدت للقيادة الواعية حتى ارتضت أن يقودها أشخاص ممن قامت الثورة ضدهم ’ كما افتقدت أيضا للأطر الفكرية الساعية إلى تبنيها وتحقيقها الأمر الذي قد يدفع بعضا من المغرضين لركوب الثورة وتوجيهها إلى أية وجهة يتوجهونها .
كان يجب على الثوار التونسيين أن يقوموا بعقد جمعية وطنية ممثلة من كافة الأطياف الفكرية الرئيسة كالقوميين والإسلاميين والاشتراكيين والليبراليين ’ ويراعى فى أعضاء هذه الجمعية أن يكون مشهوداً لهم بالنزاهة واحتراف "التفكير" لا "التجارة" بالأفكار وعدم التلوث بإغراءات النظام البائد ’ ويبقى عمر هذه الجمعية عامين يوضع فيهما دستور جديد وتلغى جميع الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الوهمية التى كانت ترتدى رداء الديمقراطية .
ورغم ذلك فقد أعدت الثورة التونسية بحق واحدة من أهم الثورات فى العالم أجمع ’ وتكاد تعادل فى قيمتها الثورتين البلشفية فى روسيا وهى الثورة التى امتلكت كل مقومات الثورة ’ والثورة الفرنسية وهى التى بدأت كهبة شعبية ثم اكتمل لها ضلعا المثلث حينما وجدت الزعامات والمرجعيات الفكرية.
أما الفرق بين الثورة التونسية وثورة يوليو المصرية 1952 أن الأخيرة بدأت كانقلاب عسكرى ثم بعد ذلك حققت التغيير الشامل الذى تلاقى مع إرادة الجماهير وعبر عنها.
لقد وعدت الثورة التونسية الحالمين بالتغيير فى عالمنا العربى بإمكانية تحقيقه ’ لاسيما أن الجميع جرعوا من نفس الكأس وتهيأت عندهم نفس الأسباب والمفجرات.
وكشفت تلك الثورة عن الأهمية القصوى لمتغيرين تقنين لم تعهدهما أية ثورة سابقة وهما الانترنت والفضائيات ’ فلقد اخترق التوانسة حاجز الإغلاق والصمت المطبق الذى فرضه عليهم نظام الطاغية وراح الانترنت يصبح متنفسا لا يمكن السيطرة عليه فى نقل ما يحدث فى الداخل إلى الخارج وتعريف العالم بوحشية وقمعية النظام التونسى البائد ’ وساهم مع قناة "الجزيرة" دون سواها بشكل فعال فى دعم الثوار وربط الشعور الوطنى التونسى المفتت ’ وإشعار كل تونسى بأنه ليس وحده يقف محتجا ولكن يقف معه كل أبناء شعبه فى كل المدن والمحافظات وتقف معه الشعوب العربية بكاملها من الخارج.
******
المصور 15 يونيو 2011
لماذا ليبيا وسوريا .. وليس الأردن والبحرين؟
حينما انطلقت الثورة العربية فى تونس ومصر واستطاعت أن تغير نظام هاتين الدولتين ، أمل الجميع أن تتمدد تلك الثورة لتزيح كيانات ونظما اتفقت جميعها على الفساد والاستبداد والقمع بأشكاله المتنوعة ،إلا أن بعضها تميز إضافة إلى ما سبق بالعمالة لأعداء الأمة وفتح البلاد طولا وعرضا للقواعد العسكرية الأجنبية الأمريكية سواء أو البريطانية أو الفرنسية فضلا عن علاقات سرية وطيدة مع الكيان الصهيونى.
لقد رجونا أن يبدأ التغيير بتلك النظم الخطيرة علي الأمن القومي العربي والتى انطلقت من بلدانها حاملات الطائرات الأمريكية لتقتل ملايين الأطفال فى العراق وتستبيح أعراض نسائه وتستذل شبابه ثم تتدرج لتزيح النظم الأقل خطرا لكونها لم يسبق لها التعامل مع الكيان الصهيونى سراً أو جهراً كسابقتها، بحسب ما هو متواتر من أحاديث.
إلا أن الثورات العربية أظهرت وجها آخر تسبب فى صدمة الشعور القومى الراغب فى التغيير ، فهى بدأت بقلب نظم الاستبداد ولم تجرؤ على أن تتجاوزها لتغيير نظم جمعت بين الاستبداد والخيانة الوطنية.
بدأت الثورة فى تونس ومصر وهما نظامان يمثلان حقيقة أسوأ أنواع النظم السياسية فى عالمنا العربي لكونهما جمعا بين الاستبداد والعمالة لإسرائيل أو أعداء شعوبهما وتحميان وتشجعان الدول لسلوك نفس المسلك وكان ينبغى أن تتمدد الثورة لتزيح نظام آل سعود الذى أنشأه البريطانيون فى مطلع القرن المنصرم على الأراضى المقدسة ليكون خادما للكيان الصهيوني المزعوم ثم قاموا بإنشاء مندوبية الأردن التى تحولت إلى إمارة ثم مملكة تكريماً لأسرة الشريف حسين وجهودها فى قمع انتفاضة الفلسطينيين وزرع الكيان المزعوم .كنا نأمل أن تزيح الثورات العربية نظام الحكم فى قطر والتى توجد بها أكبر القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط متمثلة فى قاعدة «العديد» وتبعتها قاعدة «السيلية» والبحرين ثم القواعد الأمريكية فى الظهران بالسعودية ثم الكويت التى تحتل القوات الأمريكية ثلثى مساحتها وتتلوها دولة الإمارات العربية وأخيرا سلطنة عمان، إلا أن العالم راح يؤيد الثوار فى ليبيا وسوريا واليمن ويغض الطرف عن الثوار فى البحرين وشرق السعودية والأردن تحت وطأة حملات إعلامية شرسة.نعم.. هناك عبث بالثورات العربية وتوجهاتها، هناك مظاهرات مستمرة منذ عدة أشهر فى بغداد والمنامة، و لم يعرها الإعلام الموجة غربياً أى انتباه يذكر وكذلك هناك مظاهرات فى الأردن وفى الرباط والجزائر جوبهت بقوة شديدة إلا أن عينا لم تر وانتباها لم يلحظ ذلك وإعلاما لم يشاهد رغم أن قضايا الحريات كلها واحدة ولا يجب أن ندعم قضية فى دولة ونهملها فى أخرى.
والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا تستحوذ الثورات فى سوريا وليبيا واليمن على كل هذا الزخم الإعلامى فى حين لم تستحوذ عليه ثورة الشعب العراقى التي أقامت فى كل مدينة من مدنه ميداناً جديدا للتحرير؟
لماذا تناصر السعودية وقطر والكويت والأردن والإمارات الاحتجاجات فى سوريا و«الثورة المسلحة» فى ليبيا وتتجاهلها فى البحرين بل وتدعم النظام اليمني ضد الثوار؟
وهل لهذا التناقض الأخلاقى سبب غير السعى لتغيير الخارطة العربية لصالح التيار الموالى لأمريكا وإسرائيل؟
نعم.. الثورة المصرية سواء أو التونسية هى ثورة وطنية ورأسا الحكم فى هاتين الدولتين عرفا بالاستبداد والعمالة لأعداد الأمة.
ولكن من يقف وراء تحويل مجرى الثورات نحو سوريا وليبيا واليمن وحال دون وصولها إلى نظم أخرى ترتبط بالحلف الأمريكى ؟
هل ينكر أحدنا أن سوريا دولة لم ترتبط بعلاقة مباشرة من أى نوع مع الكيان الصهيونى أو الولايات المتحدة ، وان كان ثمة علاقة فهي قطعا تتم عبر وسطاء خليجيين ، وما ينطبق على سوريا ينطبق على ليبيا؟
دعونا نخفف من تفاؤلنا تجاه الثورات العربية ونقصر ابتهاجنا بثورتينا المصرية أو التونسية فحسب ، بل إننى اتصور أن ما يحدث فى ليبيا وسوريا ليس إلا محاولة غربية لتطويق الثورتين المصرية والتونسية وإقامة قواعد أجنبية فى بنغازى ، وان تحطيم النظام السورى سينتج عنه تكريس الاستمرار في احتلال العراق وذبح المقاومة اللبنانية والفلسطينية وانهيار مشروع المقاومة العربية برمته.
أخيرا .. أنا أود التأكيد علي أنني ضد الديكتاتوريات أيما كانت ولست مؤيدا لهذا أو ذاك ، ولكن هناك تساؤلات قومية لابد أن تطرح لنصل إلى رؤية مقنعة سويا.
******
الأسبوع 20 سبتمبر 2011
ربيع الشرق الأوسط الكبير
قد تكون قراءتى تلك للأحداث الجارية فى عالمنا العربى صادمة للبعض، مقنعة للبعض، محيرة للكثيرين ولكن ماذا يملك الواحد منا غير أن يقرأ الأحداث ويناقشها مع الآخرين؟
قد يصيب وقد يخطئ ولكن لا هذا ولا ذاك يعنى سوى محاولة للفهم.. فقد يكون عالمنا العربى الآن متعرضاً لمؤامرة «سايكس بيكو» جديدة كتلك التى أعقبت الثورة العربية الكبرى فى بداية القرن الـ20 ولكن بغطاء جديد يستغل تطلعات شعوبنا المقهورة من قيد الاستبداد الذى قيدنا به الغرب نفسه على مدى قرون طويلة.
وكل ما أخشاه أن تكون ملامح الشرق الأوسط الكبير هى ما خدعنا به الغرب وحاول تسويقه إلينا بوصفه ثورات ضد الاستبداد لاسيما أن عالمنا العربى فى جله يوصف بأنه عالم مستبد بجدارة وحكامه مجرد مندوبين للشيطان.
وتقوم فكرة الشرق الأوسط الكبير بحسب تصورى لما طرحته الإدارة الأمريكية منذ سنوات على جعل عالمنا العربى مجرد فضاء خال؛ استهلاكى يدور فى فلك تل أبيب وأنقرة وطهران وهى عواصم الدول التى تقاسمت رغماً ورضاءً عالمنا العربى برعاية غربية وأمريكية بحتة.
ولما كان عالمنا العربى الذى تتسم نظم حكمه بالاستبداد منقسماً إلى كتلتين كبيرتين متضادتين إحداهما تسمى دول الموالاة وهى: «مصر والسعودية وقطر والبحرين وعمان والكويت والأردن وتونس والسلطة الفلسطينية وكتلة سعد الحريري فى لبنان» وهى كتلة الدول التى فقدت قدرتها على التحكم فى إرادتها وراحت تدار بالريموت كنترول من البيت الأبيض الأمريكى.
أما الكتلة الثانية فهى كتلة الدول المتبقية فى عالمنا العربى والتى تسمى دول الممانعة وهى الدول التى رفضت الانبطاح للإرادة الأمريكية ومازالت تحتفظ فى جعبتها ببقية من مقاومة وبعضًا من حياء فى حين تغيب العراق رائد تلك الكتلة قسرًا وصار فاقدًا للهوية والإرادة.
فان سياسة الولايات المتحدة ثابتة إزاء حكام دول التبعية لها فهى تصنع الحاكم المستبد وتصنع معارضته العميلة ثم بعد أن يستفحل فساد الحاكم الذى زرعته وتتأخر تنمية البلاد جراء موجات الكر والفر بين العميلين «الحاكم وجزء من معارضته» وتوشك البلاد على القيام بهبة شعبية لا تبقى ولا تذر تتدخل عناية البيت الأبيض لإزاحة هذا الحاكم المستهلك وتزرع بديلا جديداً له قد يحظى لحين من الوقت بحب الشعب إلى أن تفوح رائحة نتنة منه.
ويبدو أن الإمبريالية الأمريكية وكعادة أية إمبريالية مستحدثة ضحت برمزين من رموزها هما: مبارك وزين العابدين وذلك ليس من قبيل الخسارة ولكن من قبيل الحفاظ على المكسب على طريقة الطبيب الذى ضحى بالأم من أجل إنقاذ الجنين أو بالأصح الاحتفاظ بالبلد.
كما أن قيامها هى بمساندة المطلب الشعبى فى التغيير قد يحسن من صورتها القبيحة المناهضة لرغبات شعوبنا العربية من جانب ومن جانب آخر يبخر شحنة الغضب الفائرة فى الصدور فضلا عن أنها فى هذا وذاك تضمن ولاء الجنين الجديد.
ثم راحت الإمبريالية الأمريكية تستمرئ لعبة الخداع مستغلة حسن صنيعها فى مصر وتونس وتشعل الثورات فى دول الممانعة قاطبة تلك التى يتم ذبحها جميعا على مذبح المؤامرة التى تستخدم الإعلام لتصنع به ما لم تصنعه فيها قنابلها وبوارجها الحربية المتناثرة هنا وهناك مستفيدة فى ذلك بتجربتها التحريضية والتجسسية التى استخدمتها فى تركيع وتفكيك الاتحاد السوفيتى بكل ما له من هيبة وقوة.
أنا هنا لا أشك مطلقاً فى وطنية وعفوية ومشروعية الثورة المصرية أو التونسية ولكننى واثق تمام الثقة من أن ما كان يراد للثورة المصرية أن يكون مجرد فقط زوبعة فى فنجان تستمر يوما أو يومين يقوم على أثرها المخلوع بنقل سلطاته إلى نائبه وينتهى الأمر ويهلل الشعب للثورة ويروى الرواة أساطير ألف ليلة وليلة عنهما، إلا أن الشعب المغلوب على أمره والذى فاض به الكيل لم يبرح الميادين قط مصراً على محو كل مبارك وديكتاتورياته وما يذكره به وهو الموقف الذى مايزال يتخذه رغم كل محاولات التفتيت والتخوين والتخويف وأنا على ثقة بأن عناية الله أقوى من عناية البيت الأبيض ولابد للماسونية التى حكمت بلادنا نحو 40 عاماً أن تقتلع من جذورها لأن الأحرار لا يعرفون أرباع الثورات.
وبشكل عام تعالوا ننظر إلى جوارنا فالذين تزعموا الثورة فى ليبيا مثلا هم جميعا بعض من رجال القذافى وأمضى بعضهم نحو 40 عاماً فى خدمة نظام حكمه رغم أن ليبيا وشعبها لم يعان قط أزمة اقتصادية أو أزمة تحرر وطنى تعانيها دول عربية كثيرة كما هو الحال فى دول الخليج قاطبة ومصر والأردن وغيرها من دول «الموالاة».
وثمة تساؤل آخر يبدو منطقيا: لماذا لم تحدث الثورات العربية وتتخذ زخما وحراكاً واسعاً فى دول الموالاة رغم وجود أزمتي الاستبداد والتبعية الوطنية فيها فضلا عن الانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان؟
هل ننكر أن هناك استبداداً فى الأردن وقطر والبحرين والسعودية والكويت لكنه لم يثر قط حفيظة لا منظمات حقوق الإنسان ولا المحكمة الجنائية الدولية ولا حكومات الغرب ولا الشرق ولم تعرها الفضائيات العربية ولا الغربية انتباهاً.
ورغم أن كثيراً من الإسلاميين وحتى الليبراليين المصريين يرون أن تركيا تلعب دوراً لصالح عالمنا العربى والشعب الفلسطيني خصوصاً فإن قراءة أخرى للمشهد قد تضعنا على طريق مغاير.
فتركيا هى الدولة التى توجد بها أكبر القواعد الأمريكية فى هذه المنطقة وهى المعبر ومركز الإمداد المتقدم للحلف الأطلسي فى كل عملياته العسكرية فى عالمنا العربى فضلاً عن أن هناك تعاوناً سرياً وثيقاً بين تل أبيب وأنقره استخبارياً بل عسكريا على عكس الصورة التى يراد تسويقها إعلامياً إلينا بوصف تركيا حزب العدالة والتنمية هى صاحبة أسطول الحرية وصاحبة الحسم مع إسرائيل فضلا عن أنها الدولة العائدة إلى عالمها الطبيعي وهو العالم العربى والإسلامي.
ولم يكن اقتراح رجب طيب أردوغان أثناء لقائه مع دكتور عصام شرف بوضع دستور على أساس علمانى بمجرد زلة لسان أو جراء سوء فهم ولكن هذا التوجه كان مقصوداً لخدمة الشرق الأوسط الكبير الذى يهدف إلى تجريد عالمنا العربى من كل مقومات وحدته ومنها الدين واللغة والثقافة.. ومما يؤيد هذا الموقف أن الحكومة الانتقالية فى ليبيا أعلنت عن أن فرنسا بدأت فى تجهيز مدارس فرنسية لإقامتها فى ليبيا فضلا عن حصولها على 35% من النفط الليبى.
فيما نزعت إيران العراق نزعا من عالمنا العربى وصارت تبسط سطوتها على كل دول الخليج العربى ليصير عالمنا العربى مجرد دمية يلعب بها الآخرون.
وحتى الكيان الميت للجامعة العربية بدا مزعجاً لهذا المخطط فراحت قطر تطالب بحلها مستغلة فى ذلك حالة الحنق الشعبى ضدها، مع أن هذا الحنق ناجم عن رغبة فى توسيع نشاطها وليس قتلها كما أراد حاكم الدوحة .. إنه الشرق الأوسط الكبير.
******
الاسبوع 24 اكتوبر 2011
ورحل أمين القومية العربية
من واجب المثقف أن ينبه الناس لا أن يجاريهم بغية تجنب انتقاداتهم، وذلك لأن تحمل انتقادهم اليوم ثم اكتشافهم لو بعد سنوات خطؤهم هو خير من مجاراتهم الآن ثم لا يتذكرونك ولو بعد سنوات إلا بالمذمة.
رأيت أن أكتب هذا المقال لأمين القومية العربية الأخ الشهيد معمر القذافى حتى لا يقال ماتت أمة خشى كتابها قولة حق فى حق واحد من أبرز صناع تاريخها، وحتى أذكر الساهى بتاريخ الشهيد الجديد من شهداء القومية العربية، وكيلا نلوم أنفسنا فى غد آت لا محالة نكتشف فيه أننا وقعنا نحن العرب- كعادتنا- فريسة للمؤامرة والخداع والتضليل.
فذاكرتنا العربية مثقوبة، يتسرب عادة منها العظات والتجارب، وتفكيرنا أيضًا- نحن العرب- يعانى أحادية النظرة وقصر المدى، حتى فى أسمى إخلاص المخلصين من بنى جلدتنا، وهذا هو مكمن الداء فينا.
فى الأمس سقط صدام حسين شهيدًا ومعه أبناؤه أثناء دفاعهم عن أرض العراق، واليوم سقط معمر القذاف وأبناؤه شهداء أثناء دفاعهم عن أرض ليبيا، هل هناك اختلاف؟
نفس المقاتل ونفس الضحايا ونفس المسروقات.. الناتو.. القومية العربية.. البترول.. إذن لا فرق بين الأمس واليوم اللهم إلا رتوش صغيرة فى الديكورات.. وكأن الغرب كتب علينا قدرًا بأن زعاماتنا القومية لا تموت إلا مقتولة منكلاً بجثامينها.. وبترولنا لا يؤخذ إلا عنوة.. ولا نفهم ما يحدث إلا بعد خراب مالطة.
ولو أردنا أن نعرف ماذا حدث فى ليبيا هذا العام يجب أن نطرح سؤالاً أكثر أهمية: لماذا القذافى؟ فضلا عن سؤال محورى يدور حول لماذا الآن؟ فى الحقيقة إن الولايات المتحدة الأمريكية ومن تبعها كفرنسا وبريطانيا حتى إيطاليا يعانون أزمة اقتصادية خانقة وهم فى أمس الحاجة إلى منقذ يحمى خزائنها من الإفلاس خاصة بعدما نضبت اقتصاديات دول الخليج العربى وصار نفطها بمثابة احتياطى استراتيجى خالص لأمريكا فى ظل أزمة طاقة مرعبة تعيشها، ما يعنى حاجة الغرب الأوربى إلى فتح أراضٍ جديدة وأسواق نفطية دائمة يمكنه الاعتماد عليها فضلاً عن الاستيلاء على الأموال الليبية فى بنوكها.
ولما كان الأمر كذلك خططت يد العدوان الغربية من أجل السيطرة على مقدرات عدة دول عربية تسمى إعلاميًا وسياسيًا بدول الممانعة وهى الدول التى رفضت من قبل الوصاية الأمريكية على قرارها السياسى، مبتكرة فى ذلك أسلوبًا سحريًا وفعالاً يستغل التناقضات الفكرية بين الحاكم والمحكوم لتجعل من المحكوم وقودًا للإطاحة بالحاكم دون أن تكبد نفسها الخسائر المادية والبشرية من خلال تدخلها العسكرى المباشر مثلما ارتكبت هذا الخطأ الأحمق فى العراق من قبل.
ولإضفاء مشروعية دولية بل شعبية على هذه المخططات، راحت تزيد فى الخداع وضحت برمزين من رموزها فى مصر وتونس وهى قاصدة فقط استبدال الرأس والإبقاء على الجسد أو النظام الذى هو صنيعها.
ما سبق يأتى مع أسباب أخرى فى إطار الإجابة عن تساؤل: لماذا الآن؟ أما لماذا القذافى؟ فهذا ما يجب أن نوفيه حقه، خاصة أننا نكتب ذلك إعلاء للحق والحقيقة ولأن من نكتب عنه ومعظم رجاله فى مقام صدق عند عزيز مقتدر.
لقد كانت ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 واحدة من أعظم ثورات تاريخنا العربى بشكل عام خاصة لكون تلك الثورة- والتاريخ يؤخذ بسياق أحداثه الدولية والسياسية والعسكرية- خلصت ليبيا بل الأمة العربية الآخذة فى النهضة القومية برعاية عبدالناصر من أخطر مواطن الضعف فيها نظرًا لأن ليبيا فى تلك الأثناء كانت موطناً لقواعد عسكرية أجنبية عملاقة يقطن حولها شعب بدوى أقيم عليه ملك وهمى،فى حين أن الأرض الليبية مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ دولية يقتبس العلم الملكى ألوانه الثلاثة من أعلام تلك الدول وهى أمريكا وبريطانيا وإيطاليا فضلا عن فرنسا وكنائسها العسكرية!!
وبعد ثورة الفاتح، تحولت ليبيا من فضاء لا تأتى لمصر منه سوى الطائرات الغربية المحملة بتقنية الموت والدمار كما حدث فى العدوان الثلاثى 1956 وفى 1967 إلى يد تقدم الدعم والعون المادى والعسكرى والدبلوماسى ليس لمصر فحسب بل لسوريا وفلسطين، الأمر الذى انتهى بقيام الإمبريالية الغربية الأمريكية بقصف منزل الزعيم الليبى فى طرابلس عام 1986 بنحو مائة وسبعين طائرة.
ولما كان العرب قد انشغلوا كثيرًا بالصراع مع إسرائيل وأهملوا فى سبيل ذلك الفضاء أو الفناء الخلفى الإفريقى مما تركه نهبًا لعبث الصهيونية راح القذافى يقاتل فى تلك الميادين البعيدة محققًا انتصارات رائعة داعيًا إلى إنشاء الأمم المتحدة الإفريقية وداعماً القوى الثورية الإفريقية، الأمر الذى انتهى إلى أن صار للعرب موطئ قدم كبير فى قلب بلدان الصحراء الكبرى الإفريقية وما يقع جنوبها وساعد القذافى على ترسيخ التواجد العربى فعمل على نشر الإسلام عبر دعم مراكز جمعية الدعوة الإسلامية، الأمر الذى أسهم فى تحول دول بأكملها من الوثنية إلى الإسلام وفى 2 مارس 1977 أعلن العقيد الليبى عن قيام سلطة الشعب وهو نظام الحكم الذى يمنح الأقاليم والقبائل السلطة المطلقة فى أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم عبر ما يسمى باللجان الشعبية التى تتجمع إرادتها المركزية فى مؤتمر الشعب العام متخذة من القرآن الكريم دستورًا ولا دستور سواه كما لا سلطة للقذافى على تلك اللجان والمؤتمرات وهو النظام الذى كان قد بشر به المفكرون الغربيون أمثال سارتر وبرتراندراسل و جاسبرز.ووقف القذافى موقفًا صلبًا من القضيتين الفلسطينية والعراقية حيث كان يقدم الدعم المادى والعسكرى للمقاومين، فضلا عن نشاط دبلوماسى مخلص قامت به الخارجية الليبية فى هذا الصدد وله فى ذلك صولات وجولات فى الجامعة العربية سواء أو الأمم المتحدة.
ولما كان القذافى هو الداعم الوحيد للمقاومة العراقية التى تنكر لها الجميع بالمال والسلاح ثارت حفيظة الإمبريالية الأمريكية المحتقنة أصلا ضده، وكان لابد من الإطاحة به.وفى مجال التنمية الوطنية أقام القذافى أول نهر صناعى مغطى فى التاريخ حول الصحراء الجدباء إلى حدائق خضراء، مستقدما العمالة العربية وخاصة المصرية والسودانية والتونسية، الأمر الذى تطرق له قوى الإمبريالية بعين التوجس والقلق وراحت تحرض بشدة ضد إكمال هذا المشروع وكان لموقف نظام مبارك الموالى لأمريكا وإسرائيل سجال كبير بخصوصه مع الشقيقة ليبيا.
منجزات خطيرة تلك التى صنعها القذافى فى بلاده، محولاً مجتمع البادية إلى مدن صناعية وسكانية متحضرة، مهتمًا بشكل أساسى بصناعة الإنسان الذى وفر له مستوى معيشيًا مرتفعًا موزعا عائد النفط على عموم السكان فى بادرة هى الأولى عالميًا، والحكايات والدلائل فى هذا الصدد لا تنقطع.
واختصارًا.. فإذا أردنا أن نعرف ماذا حدث فى ليبيا علينا أولاً الحذر من الإعلام المأجور الذى قلب الحقائق حيث ارتكبت الجرائم وسارع هذا الإعلام بخلع رداء المهنية وقام بتوجيه أدلة الاتهام دون تروٍّ إلى النظام الحاكم، وفى أحيان كثيرة قامت الفضائيات لا سيما الجزيرة بصناعة الأكذوبة والترويج لها دون أن تأخذ رأى الطرف الآخر، فسوقت المتهم بكونه ضحية والضحية اعتبرته متهما.
لى أصدقاء كثيرون فى كل المدن الليبية ومنها بنغازى ومصراتة حكوا لى كيف بدأت الفتنة.. وهى أن قرابة الخمسين شخصًا ارتدوا سترات الجيش الليبى وقاموا بإطلاق الرصاص الحى على المارة فى شوارع بنغازى وسارعوا بخلع ستراتهم وبدأوا الهجوم على ثكنات الجيش.. وهنا لم يفهم الطرفان ماذا يحدث، فاشتبكت قوات الجيش مع المحتجين من أهالى بنغازى وكان ذلك بمثابة إشعال فتيل الأزمة.. وحتى ما كان يردده الإعلام الليبى حول «حبوب الهلوسة» كانت تحالفه الصحة حيث حقنت زجاجات المياه المعدنية بمواد مخدرة وتم توزيعها من قبل مجهولين على المحتجين على أحداث ميادين بنغازى.
التفاصيل كثيرة فى المؤامرة الإعلامية على ليبيا، ولا يحسن بنا فى هذا الصدد ذكرها، ولكن المؤامرة السياسية والعسكرية وحتى الدبلوماسية كانت كبيرة، فبعد تدمير وسائل الإعلام الليبية وإخراس صوت الطرف الثانى تم تدمير القطاع الدبلوماسى بالكامل عبر شراء ذمم معظم السفراء فى الخارج ورجال الحكم الذين خدموا مع القذافى طيلة أربعين عاماً!! وفى ظروف غامضة مررها الجميع مرور الكرام تمت الاستعانة بالأمم المتحدة ثم مجلس الأمن الذى وجد نفسه قاب قوسين من تحقيق غايته فتدخل الناتو وبدلاً من حماية المدنيين وجدناه هو من يقتل المدنيين ويدمر ليبيا بالكامل.
إن أكبر المتضررين من سقوط نظام القذافى ليس الشعب الليبى والمقاومة العراقية فحسب بل تضررت كل الدول العربية حينما قطعت يدها فى إفريقيا، وتضررت أيضًا الصين الحليف للتواجد العربى فى إفريقيا مقابل أمريكا وإسرائيل التى وضعت يدها على منابع النيل.
تضررت مصر بشكل شديد وصارت حدودها مع جارتها الغربية مشاعًا لكل العصابات الإجرامية المنظمة التى راحت تغزو مصر بأفتك أنواع الأسلحة ومنها المدافع ومضادات الطائرات باعتراف جهات رسمية.
نعم.. كل ما يحدث فى ليبيا وحتى سوريا مجرد مؤامرة يعمل الإعلام فيها عمل السحر مستغلاً حمق بعض التيارات الفكرية أحادية النظر التى سخرت رجالها لتغذية المؤامرة دون وعى مع أنها هى من ستكون وقود المحرقة الجديدة لأن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، وإن غداً لناظره قريب.
رحم الله معمر القذافى.. لقد كان لسان صدق فى كل المحافل الدولية.. رحم الله شهداء القومية العربية الذين لم يتخاذلوا قط مهما كانت الضربات ضدهم موجعة وذلك لأنه على قدر أهل العزم تأتى العزائم.