الجمعة، 18 نوفمبر 2016

سيد أمين يكتب : الافرازات الضارة للديمقراطية


آخر تحديث : الجمعة 18 نوفمبر 2016   21:08 مكة المكرمة
فجر الزلزال المدوى الذى أفرزته الانتخابات الأمريكية ، ووصول مرشح صاحب توجهات عنصرية لا تتفق مع معاييرالديمقراطية إلى كرسي حكم العاصمة التى تقود الكون تقريبا، عبر وسائل ديمقراطية خالصة، تساؤلات مدوية في شرق العالم وغربه حول الإفرازات الضارة المحتملة للديمقراطية ونظام حكم الأغلبية.
وهذا النتاج ليس الأول من نوعه حيث يشهد التاريخ أن الزعيم القومى أدولف هتلر وحزبه النازى– اختصارا لكلمة حزب العمال الاشتراكى الوطنى- الذى تسببت قيادته لألمانيا في اندلاع ثانى الحروب العالمية ومقتل نحو مئة وخمسين مليون شخص حول العالم ، صعد للحكم بانتخابات ديمقراطية خالصة، بل وحاز فيها على نسبة 84.6% من الناخبين، لكن ذلك قد ساعده فيه الغبن القومى الذى وقع على الألمان جراء الوصاية التى فرضتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.
كما أن اليميني الإيطالي المتطرف أندريا موسولينى زعيم الحزب الفاشي– حزب العمال والجنود – قد وصل للحكم تحت رعاية ديمقراطية واسعة ليشارك في كبريات المآسي الانسانية في ليبيا والحبشة ويكون قطبا من أقطاب الحرب العالمية الثانية.
ولكن قبل الحديث عن أخطاء الديمقراطية ينبغي بداية رثاء حالنا ، فبينما نحن في القرن الحادى والعشرين، نناضل في وطننا العربي للوصول لحالة ترسيخ تعريفها والإقناع بها، نجد أن الديمقراطية التى أسس لها نظام الحكم الأمريكى وحلفاؤه الغربيون منذ مئتى عام تقريبا أو يزيد، قد تجاوزت حالة الرسوخ في وجدان الناس لدرجة أنها لما تمكنت من افراز أسوأ منتجاتها احترموها، وعملوا أيضا على تهذيبها وتجنيب مخاطرها حتى وإن كانت شطحاتها لا تمسهم هم بالأذى، وأسقطوها بالديمقراطية وليس الانقلاب.

عيوب الديمقراطية
للديمقراطية أخطاء وعيوب لا شك، والتى من أخطرها مثلا أنه من الممكن خداع الجماهير وتضليلها تحت دعاوى زائفة وتحفيزها لاتخاذ مسارات مغايرة لتلك التى تؤمن بها أو ترغبها أو تلبي احتياجاتها فعلا، واستغلال جهلها أو حاجتها المادية أو اكراهها بالقوة أو بالحيل وبالحرب والإكراه النفسي للتصويت في صناديق الاقتراع في اتجاه معين.
ولذلك فان الديمقراطية تحتاج من ضمن أهم ما تحتاج درجة كاملة من الوعى والمعرفة والحرية ، وبدونهم ستكون كل تصرفات العمل الديمقراطى نوعا من أنواع التزوير، الذي يحرم المواطن من معرفة الحقيقة كاملة ثم يقدم له الاختيارات مشوهة ليختار من بينها.
كما أن للديمقراطية أيضا عيب أخر أكثر خطورة وهو ما يمكن أن نسميه بـ"عيوب المساواة المطلقة في الأمور المتخصصة"، فمثلا لو أجرينا استفتاءا حول اللجوء لاستخدامات الطاقة الذرية في مصر هنا يصبح من المضحك أن نساوى بين رأى الفلاح أو العامل أو الصحفي أو المدرس مع رأى عالم الفيزياء أو الكيمياء أو المهندس ، وحتى في الشأن العام بكل تنوعاته ، قد يكون من المخزى المساواة بين رأى من يملك وعيا  وبين من لا يملكه ونسوى بينهما في صندوق الانتخاب على ندرة "الواعين".
وأيضا من أبرز عيوب الديمقراطية ونظام حكم الأغلبية ما يمكن تسميتها بـ"ديكتاتورية الأغلبية " والتى تجعل الأغلبية تفرض ارادتها على الأقلية ، حتى إن قاربتها في أعدادها، وإن صحت وجهة نظر الأقلية ، وتجارب التاريخ في ذلك تشهد.

خيار لابد منه
تأول النظم المستبدة - وهى كثيرة في وطننا العربي المنكوب – مثل تلك الانتقادات وتنزعها نزعها من سياقها لتتخذها ذريعة فلسفية للانقضاض على الديمقراطية ولتسويغ استبدادها.
ومن العجب أنه في اطار الرسائل المتتالية التى تبعث بها تلك النظم إلى الغرب للتأكيد بأن شعبنا العربي يرفض الديمقراطية التى لن تأتى إلا بأعدائه ، وأنه يدافع عن الزعامات العسكرية ومقتنع بها ، استغلت السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في خمسينيات القرن الماضى جهل الجماهير وراحت تحشدهم للنزول بالملايين للتعبير عن رفضهم للديمقراطية والهتاف ضدها بوصفها بدعة استعمارية جديدة ، يا للخجل.
كل مثل تلك الهرطقات في الواقع هى في سبيل اللغو المردود عليه بأن خطأ أفرزته حركة ديمقراطية هو خير من صواب أفرزه حكم مستبد، لأن الديمقراطية تصوب توجهاتها وتحمى مبادئها، المهم أن تتمسك الشعوب بها.
 الفلسفة الغربية ناقشت مثل تلك الاشكاليات قبلنا بمئات السنين، وبعد دمار شديد عاشته الحضارة الغربية كذلك الذى تعيشه أمتنا العربية الآن جراء الصراع بين الجديد والقديم، استقر في وجدان الناس أنه لا خلاص للبشرية سوى الاحتكام لإرادة الشعوب واحترام أفكار الناس جميعا وعقائدهم وحقهم في الحكم ، وما أن ترسخ هذا الوعى حتى قفزت أوربا من الظلام إلى النور.
جاء ذلك رغم أن الاستبداد في عصور الظلمات الغربية لم يكن تحت رعاية عسكرية فحسب كما هو حالنا، ولكن كانت سلطة الكنيسة الدينية الروحية أشد جلدا لظهور الناس من سياط الحاكم المستبد ونبلائه ونخبته، وهو ما يعنى بشكل جازم أن العبء الملقي على ظهور دعاة الديمقراطية في مصر والوطن العربي أقل بكثير من العبء الذى ألقي على كاهل المواطن الغربي في عصوره الوسطى، ما يعنى أيضا أن امكانات النجاح هنا أعلى وأكبر لكوننا نواجه فاشية واحدة لا فاشيتين.
أعتقد أنه رغم قساوة المشهد الدموى والفوضوى الذى تعيشه أمتنا العربية الأن، ورغم التعثر والإحباط، فإن المستقبل محسوم للديمقراطية بلا شك.

لقراء المقال على الجزيرة مباشر اضفط هنا

 

الأحد، 6 نوفمبر 2016

تساؤلات حول "غضبة" سامح عاشور

*نقلا عن مصر العربية
موقف محترم ذلك الذي تتخذه نقابة المحامين المصريين ونقيبها الأستاذ سامح عاشور بحق ضريبة الدمغة المضافة وتصدرها رفض المجتمع لهذا النوع من الجباية المقننة.
وفي الحقيقة هذا الموقف ليس مستغربًا بتاتًا على نقابة محامي مصر، فهي التي ناضلت دفاعًا عن سيادة القانون نضالاً شرسًا في أحلك فترات الظلام، ومنها مقاومة الاحتلال الإنجليزي والاستبداد العسكري ما بعد خمسينيات القرن الماضى.
ولعبت أدواراً بارزة في الحياة السياسية ، فكان معظم قيادات مصر من خريجي كلية الحقوق ومنتسبي تلك النقابة التي كان الانتساب إليها، وربما ما زال مدعاة للفخر والشرف، وهو ما يفسر الارتباط التاريخى بين تلك النقابة والعمل السياسي والحزبي، ولعل ذلك ما تسبب في نشوء صدام دائم بينها وبين السلطة أدى إلى قيام الأخيرة بحلها بأمر مباشر ثلاثة مرات، الأولى سنة ١٩٥٤ بسبب صدام بين المجلس وبين قادة حركة يوليو، والثانية سنة ١٩٧١ بسبب رفضها الاعتراف بما أسميت بـ"ثورة التصحيح"، والثالثة سنة ١٩٨١ بسبب رفضها توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
كما فرضت الحراسة القضائية عدة مرات عليها كان أبرزها في عام 1995 بعد نشوب أزمة بينها وبين والحكومة، على خلفية مقتل محامٍ داخل قسم شرطة، انتهي بالقبض على 3 محامين في النقابة
اندهاش مستحق
كل ذلك ليس غريبًا على نقابة المحامين قلعة الحريات الأول في مصر، ولكن المستغرب هو أن يتحول موقف نقيبها الأستاذ سامح عاشور هذا التحول الكبير من نظام الحكم القائم، خاصة أنه كان واحدًا من أهم رجالات هذا النظام، والتزم الصمت تجاه كل الانتهاكات المروعة والقضايا المصيرية التي ارتكبها هذا النظام.
الاستغراب مستحق أيضًا لأن القضية التي ثار لها الرجل لم تكن بذات الشأن من الفداحة والأهمية التي نالتها قضايا أخرى في المجتمع تستدعى الثورة اللانسانية المهدرة أو حق الإنسان الأساسي في الحياة، والتي أهدرته سلسلة المذابح الأكبر في كل تاريخ مصر والتي جرت في الأعوام الثلاثة الماضية مثل رابعة والنهضة ورمسيس1و2 والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها.
ولم تكن أيضًا قضية تمسّ تقييد حقوق وحريات المجتمع تستدعى معارك قانونية هو ونقابته أهل لها ولكنهم صمتوا عنها، والتي مثلتها قوانين تحضّ على العنصرية والإقصاء مثل قوانين "الارهاب"، والكيانات الإرهابية، وقوانين التظاهر، وتقييد الجمعيات الأهلية ، ومنظمات المجتمع المدني، والحق في التجمع، وتبادل المعرفة، والحق في الاحتجاج والإضراب.
ولم تكن أيضًا قضية كرامة وطنية، فقد التزم الصمت في قضايا التنازل عن جزيرة "تشيوس" المصرية وحقول غاز أخرى في البحر الأبيض لليونان، وما يتردد عن سيطرتها أيضا على المناطق المقدسة في سانت كاترين بسيناء، ولم تثره أيضًا قضية تيران وصنافير، ولا بيع ملايين الكيلومترات لدول أجنبية وعربية ، ولا أفواج المفتشين الأجانب على المطارات والموانئ ، ولا التنازل عن مياه النيل التي تمثل الشريان الحيوي لمصر.
ولم تأتِ في إطار قضية الصراع العربي الاسرائيلي الذى صمت حيالها النقيب "الناصري" بينما السلام الدافئ مع إسرائيل يتسارع ويترسخ ويأخذ مشروعية، ووفود المطبعين تمتد، وحصار الشعب الفلسطيني يشتد.
ولم تكن حتى قضية نقابية، ما كان لأحد أن يلومه أبدًا لو صال وجال فيها، فهي نقابة الحقوق والحريات وهو نقيب دعاة الحقوق والحريات المخول به وبها قبل الدفاع عن حقوق المجتمع كله أن تدافع بشراسة عن حقوق أعضائها أولا، وهو ما لم يحدث للأسف، فبحسب إحصائيات منظمات حقوقية يوجد نحو 250 محاميًا معتقلاً بعضهم ينتظر الاعدام، وهناك مئات المحامين هاربون خارج البلاد وداخلها خوفا من محاكمات غير عادلة، وهناك قوانينا تسن للتضييق على العمل الحقوقي والقانوني.
وهناك محامون تعرضوا للقتل تعذيبًا في أقسام الشرطة، نرجو أن تكون تبرئة قاتل أحدهم تزامنًا مع غضبة النقابة على قانون الدمغة المضافة جاءت من قبيل الصدفة وليس السخرية والتحدي، أو حتى المساعدة في صناعة صورة ذهنية عن صدقية هذا الصراع بين النقابة والنظام.
تفسيرات منطقية
"لفت الانتباه" و"تجزئة الغضب" و"الاعتماد على الغير" هي من "تقنيات" العمل السياسي والدعائي الذى تستخدمه السلطة للسيطرة على الصراع، وحرفه عن مساراته الطبيعية، لعلّ فهمها وفهم تقنيات الدعاية الأخرى يمكن يفسر لنا ما يجري في نقابة المحامين الآن.
حيث يتيح أسلوب "لفت الانتباه" للسلطة أن تحول اهتمام الجماهير إلى مسارات بديلة تشغلهم عن القضايا الأهم، وهو أسلوب صار مبتذلاً ومفهومًا للكثيرين من العامة نظرًا لفرط استخدامه، فيما يقوم أسلوب "تجزئة الغضب" بتفريغ شحنة الغضب الجماهيري على مراحل ما يفقده قوته الكاسحة، ويأتي أسلوب "الاعتماد على الغير" من أخطر تلك الأساليب حيث يهدف إلى استثمار مناخ الخوف السائد في المجتمع والذى تمت صناعته بجدارة، إلى دفع الجماهير إلى التكاسل والاتكالية والاعتماد على حراك يقوم به غيرهم في إبراز غضبهم، دون أن يدركوا أن النوايا الحقيقية لبعض ممن يقومون بهذا الحراك "المستأنث" هي دفعهم للاعتراف بالهزيمة والتعايش مع الأمر الواقع.
في إطار نظرية المؤامرة، وهى في الحقيقة نظرية محترمة، قد يكون ذلك تفسيرًا لما يجري في نقابة المحامين، وقد يكون أيضًا تعبيرًا عن صراع بين الأجهزة، وقد يكون ذلك قفزًا من سفينة السيسي الغارقة.
كل ذلك محتملاً في تفسير تلك "الغضبة" إلا تفسيرًا واحدًا أنا شخصيا أستبعده، وهي أن تكون انتفاضة ضد ضريبة الدمغة المضافة.

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

سيد أمين يكتب:على هوامش المؤامرة

آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2016   14:28 مكة المكرمة
حتى لو سلمنا جدلا بأنه لا توجد مؤامرة ، وأننا مفرطون في تبرير الفشل بإلقائه على شماعات الأخرين ، وأننا فاشلون وكسالى، وأنه تنطبق علينا كل النظريات العنصرية الغربية حول الشعوب الغبية ، لكن من يفسر لنا السبب وراء فشل ثورتنا المصرية في موجتها الأولى وبالضرورة فشل كل ثوراتنا العربية؟
لماذا غلت أيادى العون أمامها، بينما فتحت للثورة المضادة مغارة كنوز "على بابا" لتنهل منها ؟ لماذا حاسب الغرب اختياراتها الحرة على كل شاردة وواردة ، بينما صمت بل بارك كل مجازر الثورات المضادة؟ التساؤلات حول كيف هم أصبحوا ، وكيف نحن أمسينا لا تنتهى، ولا إجابة وجيهة لها ، إلا أنها ..المؤامرة.

ملامح المؤامرة
تلك "المؤامرة" التى جعلتهم يجتاحون بلادنا حملات وراء حملات ، وأسرابا وراء أسراب ، دون كلل أو ملل ، منذ فجر التاريخ ، تارة بإسم الصليب وتارة بذريعة "الحماية " وأخري بـ"المستشرقين" ، واخيرا بالعولمة والتدفق الإعلامى والمعلوماتى ذي الاتجاه الواحد.
"المؤامرة" التى اعترف بها قديما المستشرق الفرنسي المتطرف "أرنست رونان" في خطابه الافتتاحي عام 1862 في "الكوليج دي فرانس" حول نصيب الشعوب السامية في تاريخ الحضارة حين اعترف بأن "الشرط الاساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ما له علاقة بالسامية الحقة ، تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض ، وأن هذه الحرب الدائمة لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل جوعا أو ينبذه الإرهاب في الصحراء مكانا قصيا".
وهاهو السيسي يلبي النداء ويحاول تدمير تلك السلطة عبر ما أسماها "الثورة الدينية"، وهاهو من قبله نابليون بونابرت يوصي جنوده ويعلمهم أصول الجغرافيا السياسية أو"الجيوبولوتيكا" ويقول "من يريد أن يسيطر علي الشرق يبدأ بالقاهرة فهي بمثابة القلب في الجسد" وها هو أيضا أدولف هتلر يرسم خريطة العالم ويقول أن فيها مثلثا رأسه في برلين وضلع من قاعدته في القاهرة ومن يسيطر عليها سيطر على العالم ، فهل هناك من يعتقد أن الغرب صاحب سطوة القوة والعلم والنفوذ سيترك هذا الكنز سداحا مداحا؟
إنها هى ذات التصريحات التى يطلقها المرشح المتطرف الرئاسي الأمريكى "ترامب" ومن قبله بوش الأب والابن والتى تعبر عن سياساتهم الفعلية تجاهنا.
وهى ذات "المؤامرة" التى جعلتهم يختارون "فلسطين" و"قدس أقداسنا" مكانا ليزرعوا فيه الكيان البغيض من بين عدة أماكن رحيبفة ي العالم، وجعلتهم من قبل يشطرون أوطاننا ويدقون فيها الأسافين في"سايكس بيكو" فأنشطرت معها ولاءاتنا وتقزمت من حالة القومية العظيمة إلى حالة الشعوبية البغيضة.

الحكم العسكري
من ملامح "المؤامرة" أيضا أن التطور الحداثي والحقوقي والديمقراطى الكبير الذى شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن لنا فيه نصيب إلا في القشور.
فحداثيا، تطورت مدننا ولكننا أبدا لم نُصنِّع ولم ننتج ولم نبنى شيئا بأيدينا ، فقط العالم حولنا هو من أنتج وصنع وشيد لنا بأموالنا ، أما حقوقيا فنحن من أعلى بلدان العالم انتهاكا لحقوق الانسان ، الاحصاءات لا تكذب ولا داعى لذكرها لكونها صارت من نوافل المعلومات ، وأوضحها أن عشرات الألاف من خيرة أبناء مصر ، من حملة الطب والهندسة وغيرها من كليات القمة ، فضلا عن حملة الماجستير والدكتوراة، يزج بهم في مقابر السجون لينكل بهم الفاشلون من أصحاب المحسوبية لدى النظام العسكري، ومثلهم طلقاء يتظاهرون كل يوم من أجل البحث عن فرصة عمل.
وديمقراطيا ، نحن نضع نصوص الدساتير ونخوض المعارك الجدلية الفكرية بشأنها ، وتبدى نخبنا المدجنة فروسية منقطعة النظير في طعن بعضها البعض ، ثم بعد ذلك يلقي العسكر بكل هذا الهراء سلة المهملات ويقرون الدستور الذى يرونه ، وسط صمت بل ومباركة هؤلاء المتجادلين المتشاحنين ، والأغرب أننا نجد أن العسكر لا يحترمون حتى تلك الدساتير التى وضعوها متى تعارضت مع نزعتهم السطوية.
الحقيقة أن الأمور الأن تكشفت ، وصار الكثير منا يعلم أنه قد رحل المستعمر بالفعل ولكن لم يرحل معه استعماره ، وأنه كما تطورت كل مناحى الحياة في نصف القرن الأخير من الزمان ، تطورت أيضا أساليب الاستعمار، وما كان للاستعمار أن يترك أبقاره الحلوب إلا بعدما ولى عليها الراعى الأمين الذى يجلب إليه السمن والحليب في منزله.

نظرية المؤامرة
وكذلك لا يمكن أن نتحدث عن "المؤامرة" دون الإشارة إلى واقعة تاريخية شهيرة ، ونظرية فلسفية أيضا شهيرة ترسخ لتلك"المؤامرة".
أما الواقعة فهى بخصوص ذلك المسئول السوفيتى الرفيع الذى اعترف تحت ملابسات مجهولة بأنه عمل جاسوسا للأمريكان على بلاده وكانت مهمته الوحيدة هى اختيار الأسوأ لتولى أعلى المناصب التنفيذية والإدارية في الدولة ، فيختار هذا الأسوأ بالقطع الفاسدين ليترأسهم وهم يفعل مثله وهكذا دواليك فتنهار المؤسسات تحت ضغط الفساد.
أما النظرية الفلسفية فقد قال الإيطالي نيقولا مكيافيللي ناصحا أميره بأنه إن أراد السيطرة على الإمارة المجاورة فأمامه ثلاث طرق، الأولى أن يغزوها على رأس جيش جرار وهنا يجب عليه الحذر من أن ينقلب عليه نبلاء إمارته القديمة بعد رحيله ، والثانية أن يرسل قائد جيوشه بدلا منه وعليه هنا أن يحذر من أن يطمع فيها لنفسه ، والثالثة هى أن يترك جزءا من جيشه يحمى الإمارة القديمة ، ويستقل الجيش مع قائد الجند ليغزو تلك الإمارة الجديدة ، ولما يتمكن منها عليه أن يستذل كرامها من الأغلبية ،ويعين عليهم حاكما من أقليتها فيصبح هذا الحاكم طوع اشارته ويحتمى به من شعبه.
والسؤال :هل هذا ما جري؟

لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا 


الجمعة، 23 سبتمبر 2016

سيد أمين يكتب: الثقافة اليهودية عند المصريين

الجمعة 23 سبتمبر 2016 15:29
وجدت الموروثات الثقافية الدخيلة مكانا رحبا في الثقافة الشعبية المصرية ، لتبقي دليلا متداولا يعبر تعبيرا صارخا عن حجم التدخلات الدولية المستمرة عبر التاريخ في ثقافة هذا الشعب، لدرجة أنها تمكنت –أى تلك التدخلات- من التوغل في كلماته وتعبيراته الاعتيادية ، بل وامتدت حتى وصلت إلى طقوسه الدينية لدرجة قد تثير الدهشة ، ثم عبرت معه إلى خارج مصر بدلا من أن تعبر مع أصحابها الأصليين.
ولا جديد في القول أن الثقافة المصرية الحالية هى مزيج تطور تاريخى لثقافات عدة منها المصرية الغابرة، ومنها العبرانية، والفارسية، والتركية، والأمازيغية، والنوبية، والحبشية واليونانية الذين ذابوا جميعا في ثقافة أنضج وأبلغ هى الثقافة العربية، الأمر الذى ساهم مع عوامل أخري في اعطاءعربية مصر الدارجة تميزها.
ربما حدثت تلك التدخلات بحكم الموقع الجغرافي ، وربما بحكم مسالمة سكان مصر القدماء أو حتى عجزهم عن مقاومة الغزاة الذين تناوبوا على احتلالها على مدى طويل جدا يقدر مجموعه بنحو الألف ونصف الألف سنة ، وهو ما ينسف في زاوية أخري عمليا مقولة "خير أجناد الأرض".
في الحقيقة أن المجال هنا لن يتسع لذكر نماذج لتداخلات الحضارات الأخري في حياة المصريين ، ولكن يمكننا القول بأن التداخل الثقافي التركى مثلا يبدو واضحا في عادات وألفاظ كثيرة منها النسب بحرف "جى" كمكوجي وعربجى وبلطجى .. إلخ" ، كما أن التداخل الفارسي أيضا جاء في كلمات كثيرة منها مثلا "الشخت، البخت، تختة، وممنون، وميمون، يللا .. إلخ" .
وما يعنينا هنا الإشارة إلى أن تماس الموروث الثقافي اليهودى مع جوانب الغيبيات والميتافيزيقا في عقل الانسان عامة، يجعله يجد رواجا عند المصريين دون أن يعرفوا مصدره ودون أن يدركوا أنه يضرب فى صميم العقيدة الاسلامية.


طقوس يهودية


أثرت العبرانية والعقيدة اليهودية تأثيرا مبهرا في الثقافة الشعبية المصرية، ، وجعلت كثيرا من المصريين - في غفلة من العلم بالدين - يمزجون بين طقوس العقيدتين الإسلامية واليهودية ، فيمارسون المعتقد اليهودى بوصفه إسلاميا.
ومن هذا مثلا ، درج كثير من المصريين لاسيما في الأرياف ، أنهم حينما يذبحون "الأضاحى" يقومون بغمس أكفهم في دمائها ، ثم يضربون بها على أبواب منازلهم وحوانيتهم طلبا للرزق وجلبا للبركة ، ولا يدرون أنهم بذلك يفعلون ما فعله اليهود في فجر يوم الخروج من مصر.
فبحسب ما جاء في "سفر الخروج" في التوراة الحالية، أن موسي "عليه السلام" طلب من اليهود ذبح القرابين ليلا والاستيقاظ فجرا للهروب من فرعون وجنوده ، فخشى اليهود ألا يستطيع بعضهم الاستيقاظ فجرا فيقع ضحية للفرعون في الصباح ، فطلب منهم موسي أن يغمسوا يدهم بدماء قرابينهم ويعلمون بها بيوتهم حتى يقوم "يهوه"- إله اليهود- بطرق تلك الأبواب ليلا وإيقاظهم من ثم تشملهم بركته.
ويقول المصريون لمن لا يعتبر ولا يتعظ "حط في عينك حصوة ملح"، وهو في الحقيقة قول يعود بحسب المعتقد اليهودى في سفر "التثنية" أيضا إلى زوجة النبي "لوط"، حيث أمر الملكان النبي وأسرته بالرحيل عن القرية وألا ينظرا خلفهما حين تدميرها، فعصت زوجة لوط الأمر ونظرت خلفها فتحولت في حينها إلى "حصوة ملح".
ولا يفوتنا الإشارة إلي أن المصريين كانوا يسخرون أو يتندرون من موسي ومن معه حينما رأوهم يعبدون إلها لا يرونه وكانوا يقولون أن اليهود يعبدون "اليهوه الخفي" وهى اللفظة التى تدرجت في العامية لتنطق "اللهو الخفي"، وكذلك عبارة "يا خلق يهوه" التي يقولها البعض تعجبا ومعناها "يا خلق الله !!".
وكانت المصريات في زمن ليس ببعيد تتوشم بوشم أزرق في أيديها خاصة اليد اليمنى أو في جبينها وهى بذلك تنفذ دونما تدري تعليمات الاصحاح 11بسفر التثنية حيث ينصح "يهوه" اليهود بها للبركة.
ومنذ سنوات راحت ناشطات إسرائيليات وفلسطينيات تتخذن من "الخرزة الزرقاء" التى عبرت حدود القطرية المصرية رمزا للتقاليد المشتركة بين اليهود والمسلمين ومسوغا للتعايش المشترك، رغم أن الخرزة الزرقاء واللون الأزرق ويسمونه"الأسمانج"عموما هو من الألوان المقدسة عند اليهود دون غيرهم ، لدرجة أن الإسرائيليين جعلوه لونا رئيسيا في علمهم ، فهو يرمز للعظمة والسعادة والكبر طبقا لما ذكر عنه في مواضع متعددة من سفر الخروج واصحاح أستير.
المهم أن "الخرزة الزرقاء" و"العين الزرقاء" هى طقوس عقائد يهودية بحتة وقع في حبائلها المصريون كما وقع العالم.


كلمات عبرية


يحفل اللسان المصري بكلمات من كل الألسنة ، طرزها جميعها بشكل فريد في لغته العربية، ولم يجعل سلطانا لأى لسان آخر عليها ، ما دل على قدرة تلك اللغة البارعة في تعريب الكلمات الدخيلة وامتصاصها، ودل أيضا على أن "عروبة المصري" ليست هوية دخيلة عليه ولكنها أصلا يصهر كل ما عداها فيها.
ومن الكلمات العبرية التى يتداولها بعض المصريين كلمات مثل "سجرة" أى الشجرة ، و"شيمش" أى شمس ، "أنى" أى أنا ، "بعلى" أى زوجى، "بت" أى بنت ، شاف أى شاهد.

السبت، 13 أغسطس 2016

سيد أمين يكتب: حينما تحول التصويت إلى تفويض

آخر تحديث : السبت 13 أغسطس 2016   14:24 مكة المكرمة
بالأمس القريب فوجئ المصريون باعلان إعلام السلطة عن تدشين حملة قال إنها تسعى لجمع توقيعات لنحو40 مليون مصري من أجل مد المدة الرئاسية للسيسي لتصبح ثمانى سنوات بدلاً من أربع، ليس الغريب أن تلك الحملة تأتى في وقت تآكلت فيه شعبية الرجل إلى ما دون الـ5% ، ولكن أيضا لأنها تأتى في وقت لا يثق فيه المصريون بأنهم سينهضون صباح اليوم التالى ويجدونه لا يزال رئيسا إجباريا للجمهورية.
والحقيقة أنه منذ أن جاء نظام السيسي وهو يتبع اجراءات خارجة عن سياق الديمقراطية المعروفة خطواتها عالميا لتثبيت دعائمه ، حيث راح يبتدع ديمقراطية جديدة يفصلها على هواه لتناسب الخدعة التى يريد تسويقها، وذلك من أجل صناعة شرعيته المزعومة التى تؤهله ليحل محل شرعية رئيس مدنى انتخبه الشعب بطريقة شعبية ديمقراطية حقيقية نادرة الحدوث في بلد كمصر، التى لم تشهد طوال تاريخها الممتد والضارب في التاريخ تغليبا لرأى الجماهير مهما كبرعددها واتسعت مظالمها على رأى الفرعون العسكري.
اخترع نظام السيسي طريقة "التفويض" عبر جمع التوقيعات أوالتواجد في الميادين ليحل محل "التصويت" في الصندوق ولجان الانتخابات.
وبالقطع الجميع يعرف أن الفارق بين الأسلوبين ، هو تماما كالفارق بين "الجهل" وظلاميته وظلمه وخداعه وتضليله وعشوائيته ، وإهداره لقيمة القانون والضوابط والروابط والإحصاء ، وبين "العلم " ورسوخه ومنهجيته الواضحة وعدله.

إرهاصات  الخدعة
بدأت حاجة النظام الحاكم الملحة لإيجاد وسيلة للتغلب على إرادة الجماهيرالفاعلة مع انطلاق تظاهرات "المليونيات" في ميادين الثورة ، والتى جاءت أصلا كتعبير طبيعى عن حالة الثورة ضده ولاجباره على اتباع إجراءات ديمقراطية في"الصندوق" ، وجرب بادئ الأمر أن يحشد أمامها جماهيره في ميادين مغايره كمصطفي محمود والعباسية ، محاولا إيهام الرأى العام العالمى بأن المصريين ليسوا على قلب رجل واحد وراء تلك الثورة وأن ثمة من في الميادين أيضا من كان له رأى أخر.
ولما افتضح أمر حشوده عالميا وعرف الجميع أنها لا حشود ولا يحزنون ، بل جماعات بائسة من الناس استغل النظام فقرهم الذي كان هو سببا فيه، وتم دفعهم بأجر إلى الميادين، راح يغير تكتيكاته كليا ويتبع سياسة تفتيت الخصوم من الداخل، فضلا عن توسيع هيمنته الإعلامية واختراق الثورة بفضائيات الثورة المضادة ، وحقق نجاحا ملموسا في تخفيف حدة الحماسة للثورة عند الكثيرين عبر الزعم بأن الثورة حققت أهدافها، وأن الثوار هم من يحكمون ، وأن الاستمرار في هذا النشاط الثورى يعنى تخريبا للبلاد.
وقد نتج عن هذا الوضع أن فقدت الميادين روادها الأصليين من الثوار، فعمل النظام على شغلها بعناصره ليمارسوا ممارسات شيطنتها ، ثم تطور الهدف تدريجيا حتى انتهى بالدفاع عن الثورة المضادة تلميحا أو تصريحا.
هنا أدرك النظام أنه يملك الميادين جميعها، ويملك معها الإعلام الذى يستطيع تسخيره لتصوير الأمر بالطريقة التى تحلو له ، لكنه أيضا أدرك أنه يفقد السيطرة على الصناديق التى تعززت نزاهتها عبر الإجراءات القانونية والحقوقية التى أتخذت بقوة الثورة، وأهمها التصويت ببطاقة الرقم القومي، ومنع تعدد أماكن التصويت للناخبين ، وإعلان النتائج في اللجان، ولذلك فبدلا من أن يدافع النظام عن الصناديق ويهاجم الميادين كما كان يفعل في البداية ، راح يتهرب منها وانقلب ليدافع عن الميادين ، ولما استشعر بأن سيطرته على تلك الميادين ممكن خلخلتها راح يبتدع نظام "التفويض".

مراحل التفويض
حملة "تمرد" بمدلولاتها العسكرية كانت هى الأسلوب "الشعبي" الذى تفتق لذهن النظام العسكري من أجل تدشين سياسة "التفويض"، لإيجاد مسوغ أخلاقي للانقلاب على الرئيس الذى طرحته الثورة ، خاصة بعد انكشاف ضعف الظهيرالشعبي المساند لهذا النظام في أحداث الاتحادية أمام تيار"الاخوان المسلمين" الذىن أفشلوا خطة اقتحام قصر الرئاسة وقتل الرئيس.
وللأسف وقع "الإسلاميون" في الفخ فراحوا يردون عليها بطريقة مشابهة تعطيها صدقية ما حينما قاموا باطلاق حملة "تجرد" بدلا من إنكار هذا الأسلوب جملة وتفصيلا.
وكانت 30 يونيو/حزيران 2013 هى أكبر اختبار لتوضيح مدى سيطرة النظام على "الميدان"حيث نجح الإعداد الجيد لها واستنفار الكنيسة لشعبها وحشد جماهير الحزب الوطنى والجنود الذين يرتدون ملابس مدنية مع تأميم الإعلام وتسخيره بشكل كبير في الحشد والدعاية ، في حشد ناجح لبضعة ملايين في كل الميادين المصرية.
ثم جاء طلب التفويض الذى أطلقه عبد الفتاح السيسي في 27 يوليو/تموز 2013 كأول اعتراف رسمى من قبل السلطة بهذا النوع من الشرعية ، ثم راح عبر إعلاميه يطلب التفويض مجددا في 6 فبراير/شباط  2015 إلا أن الشعب قال كلمته ورفض هذا الاحتيال على الديمقراطية ورفض النزول.
المدهش أن تلك التفويضات كان يقابلها فشل ذريع في كل انتخابات الصناديق كاستفتاء الدستور وانتخابات الرئاسة والبرلمان –وهى الطريق الوحيد للديمقراطية - والتى قاطعها الشعب بشكل واضح وباعتراف وسائل إعلام محسوبة على النظام وكانت جميعها مثارا للتندر والسخرية حتى لدى رجل الشارع البسيط ، وقد أوضح تلك المقاطعة هو مقارنتها بالطوابير العريضة غير المسبوقة في انتخابات رئاسة ودستور  2012.

تواطؤ غربي
ولأن ما حدث يأتى على هواها وبتدبيرها في الغالب ، تواطأت الدول ذات الديمقراطية الراسخة كبريطانيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي مع هذا الخداع ، وبدلا من أن تجهر بأن هذا النوع من السلوكيات لا يعد سلوكا ديمقراطيا ولا يمكن اعتباره أنه يعبر تعبيرا حقيقيا على إرادة الجماهير ، راحت تسايره وتغض الطرف عنه وتتفاعل معه بوصفه عملا ديمقراطيا!!
مع أننا لم نسمع طوال التاريخ قط أن رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس أمريكا أو حتى رئيس زيمبابوى أو الصومال طالب شعبه بالنزول لتفويضه لذبح معارضيه ، أو لمد فترته الرئاسية بينما الشعب لا يزال يكتوى بنار العام الثاني من حكمه.
صحيح أن هناك عيوبا في الديمقراطية ، منها مثلا أن وعى الجماهير يمكن تزييفه – وفي اعتقادى أن ذلك ما حدث لتبرير الانقلاب- وأنها قد تنتج ثمارا ليست على الهوى العام ، ولكن ليس الحل أن ننسب إلى الديمقراطية ما ليس نبتا لها ، أونكفر بها ونؤمن بالاستبداد؟ وذلك لأن الديمقراطية كيانا متكاملا نطبقه كله ونصبح ديمقراطيين، أو نهدره كله ونصبح طغاة ، لا مكان هنا للون رمادي!!

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر من هنا

الأربعاء، 13 يوليو 2016

سيد أمين يكتب: رسائل ثورة السيسي الدينية

آخر تحديث : الأربعاء 13 يوليه 2016   11:42 مكة المكرمة
اندهشنا كما اندهش غيرنا مما نشرته الصحف ووسائل الإعلام المصرية بشكل مكثف، عن أن محال الخمور في القاهرة والمحافظات شهدت زحاما وتراصت أمامها طوابير الزبائن الذين رغبوا في الشراء استعدادا لعيد الفطر المبارك!!!
وراح الكثيرون يضربون كفا بكف تندرا من تلك الوقائع، خاصة أن الخمور محرمة شرعا في الإسلام، والاحتفال بها لا يتفق أبدا مع مناسك اناس صاموا نهار شهر كامل عن الماء و الطعام في درجة حرارة مرتفعة، إرضاء لرب العباد الذى أوصاهم بالصوم ونهاهم أيضا عن احتساء الخمور.
كثيرون اعتبروا أن نشر مثل تلك الأخبار أساء لنظام السيسي، وأنها خرجت دون رغبة منه، ولكن على ما يبدو أن السيسي لم يعد مشغولا كثيرا بالرأى العام في الداخل المصري، فقد جرب استثارته مرات عدة، فوجد أن حراكه مؤقتا، ويمكن إجهاضه بسهولة، وصار مقتنعا تماما أن "تكنيك" الترويع الأمنى والخداع الإعلامى ألجما كل الأصوات غصبا ورضاءً.

رسائل للغرب
وعلى ما اعتقد أن الهدف من نشر مثل تلك الأخبار كان لكونها رسالة من عدة رسائل أطلقها نظام السيسي يخاطب بها العالم الغربي ، مؤكدا فيها أن "ثورته الدينية" أتت ثمارها ، وأن ثمة انحراف في عقيدة المسلمين في مصر ، وأنه يجب مساندته لاتمام تلك المهمة.
وما ينطبق على "الخمور" ينطبق أيضا على "المفطرين في نهار رمضان " ، حيث  ركز الإعلام المصري الرسمى طوال الشهر على هؤلاء المفطرين و"أخبار القبض" عليهم.
وكأن نظام السيسي بذلك يؤكد على رسالته تلك التى أرسلها للخارج من ناحية، ومن ناحية ثانية يقوم بإيهام مؤيديه الذين صاروا ينفضون عنه بشكل لافت لأسباب عدة، واحد منها الشك في نواياه "الدينية" بأنه نظام حريص على الإسلام وخدمته.
أما الرسالة الثالثة فهى ترويع "المفطرين" من المسلمين ، و"الملحدين" ،والمسيحيين ، من أن مطاردتهم من قبل نظام السيسي "العلمانى" الرحيم بهم ، لا تتساوى أبدا ما قد يلاقونه من اضطهاد لو تمكن الإسلاميون من الحكم وقاموا بذات المطاردات.

تدمير الأزهر
من ضمن رسائل ثورة السيسي الدينية أيضا ، هو سعيه الواضح لتدمير الأزهر ، وجعل الأزهري مثارا للسخرية في كل محفل ، وتعليمه خاليا من أى قيمة فكرية واجتماعية ، والحقيقة أن السخرية من الازهر ورجاله ليست بالشئ الجديد في الإعلام المصري وهى ممتدة من نظام مبارك ، لكن الشئ الجديد هو أن نظام السيسي يستعد لإصدار قرار وشيك بإلغاء الكليات العلمية منه وتفريغ الطالب الأزهري لعلوم "الشرع"، ومن يرغب الكليات العلمية فعليه الالتحاق بالتعليم العام.
للمرة الأولى، قد يبدو الأمر فيه وجاهة ما، لكن لو أضفنا إلى ذلك تكنهات صارت تتحول إلى معلومات ثم إلى دراسات ومطالبات أعلنها مسئولون تعليميون مصريون، بأن الحكومة تتجه لإلغاء نظام "التنسيق" المعمول به لدخول الكليات في التعليم العام، وتستبدله بنظام الاختبارات الخاصة كتلك التى تجري للالتحاق بكليات الشرطة والحربية والتعيين في السلك القضائى والدبلوماسي، وقتها نكتشف أن الحكومة تلغي المنفذ الوحيد الذى لم تطاله بقوة يد الفساد والمحسوبية وتحريات الأمن في مصر.
قد يتضح الأمر لو عرفنا أن الرئيس جمال عبد الناصر أدخل التعليم العلمى في الأزهر بهدف احداث تقارب وتذويب سريع للفارق بين أعداد المسيحيين الهائلة التى كانت تحتكر المهن العلمية الدقيقة كالطب والصيدلة والهندسة والعلوم من خلال إلتحاقهم بالتعليم العام ، مع أخوة الوطن من المسلمين الذين كانوا "يتبركون" بإلحاق أبنائهم بالتعليم الأزهري الشرعى.
نجح عبد الناصر في اعادة التوازن القومى بهذا القرار، إلا أن متطلبات ثورة السيسي الدينية كانت تقتضى كسر هذا التقارب وإعادته إلى سابق عهده ، خاصة أن أبناء الأزهر هم خصوم تلك الثورة الطبيعيين.

أبو 50%
من الواضح أن سخرية وهتافات "الثوار" حول سلطات "أبو"50% - ويقصد بهم رجال الشرطة والجيش - وهم الذين كان الفيصل في التحاقهم بكلياتهم هو الواسطة والمحسوبية والرشوة، ليس مجموع الدرجات في الثانوية العامة حتى لو تدنت إلى الحد الفارق بين الرسوب والنجاح ، ، من الواضح أن ذلك ترك أثرا نفسيا في السلطة العسكرية وراحت تنتقم من نظام التنسيق لتخضعه لإرادتها كاملا ، فتسمح لمن ترضى عنه أن يكون طبيبا أو مهندسا وتمنع من ترفضه ، وفي الغالب سيكونون من  الطلاب الإسلاميين.
والأمر ليس مستغربا بتاتا ، فنظام الدراسات العليا في مصر جري تخريبه وخضع هو الأخر لتحريات الأمن، فضلا عن أنه كان خاضعا من فترة أسبق لمفاهيم الشلة والمحسوبية والرشوة ن بل إن الأمن كان يمنع بعض الطلاب الإسلاميين من حضور بعض الامتحانات لكى يرسبوا في مواد ما يمنعهم من استكمال الدراسات العليا.

"الارهاب الإسلامى"
طيلة الوقت يتمسك عبد الفتاح السيسي بالحديث عن الإرهاب الاسلامى ، لدرجة أنه ما وجد مناسبة قط إلا وراح يحذر من خطر الإسلاميين داعيا لمحاربتهم عبر تحالف دولى واسع، وهو في الحقيقة بذلك يخاطب الغرب بما يحبوا أن يسمعوه ، ويعرض نفسه عليهم بأن يقوم بذات دور مبارك كشرطي حراسة من شر هؤلاء الإرهابيين، ما يجعلهم يتمسكون به أكثر فأكثر ، وتصمد حكوماتهم في وجه انتقادات منظمات حقوق الإنسان المحلية.
ولعله حديثه المتكرر عن المسلمين الذين يريدون أن يقتلوا العالم ليعيشوا هم ، هو تبرئة لضمير الغرب من جرائمه بحق المسلمين في العالم ، وهى كثيرة للغاية تمتد من العراق وفلسطين والجزائر حتى أفغانستان وجامو وكشمير والصومال ومدغشقر ألخ ،وكأنه يطالبهم بالمزيد.
وتبدى موقف السيسي واضحاً حينما احتفل للعام الثانى على التوالى بذكري الحرب العالمية الأولى، وهى الحرب التى سيق إليها العرب وفي القلب منهم المصريون كرها تحت راية الصليب ليحاربوا دولة الخلافة الإسلامية ، وهى للحقيقة واقعة من وقائع الخزى الكبير في تاريخنا العربي، كنا نمر عليها بأسف شديد لكنه جاء ليحييها بوصفها واقعة مجد وفخار!
اقرأ على الجزيرة مباشر المقال هنا


الجمعة، 24 يونيو 2016

سيد أمين يكتب: من خصال الكائن "السيساوى"

آخر تحديث : الأربعاء 22 يونيو 2016 22:49 مكة المكرمة
بدون شماتة أو استهزاء، لو أردنا أن نعدد خصال "الكائن السيساوي" لانبهرنا وربما انبهر العالم معنا ، بقدرته الكبيرة على ابتكار تفسيرات غير معتادة للمواقف ، وتسميات غير تقليدية للأشياء، فضلا عن أن اجماع رهط من الناس "السيساوية" على ذلك النهج ، يجعلنا في حيرة من أمرنا ، هل العيب فينا، أم في المنطق، أم في كلينا معا؟
والحقيقة أن "الكائن السيساوي" يمتاز بمواصفات خاصة في شخصيته، لو أردنا أن نحصيها في كلمات معدودات لقلنا أنها هى ذاتها صفات المواطن "الفاسد" أو "المخطوف ذهنيا" وهى الصفة التى سبق أن اطلقوها من باب "الردح" على معارضيهم ، أو "المغيب" سواء ذلك المغيب قسريا عن ادراك مشاهدة الحقيقة ، أو المغيب طوعيا لعيب في شخصيته، أو ذلك "الغيبوي" الذى يرفض المنطق والقدرة ولا يؤمن إلا بالاتكالية، والمعجزات "السرية" التى يصنعها من يتفضل بالجلوس على كرسي الحكم في مصر.
ويعانى الكائن السيساوى في جملة ما يعانيه ، فسادا مزمنا في التقدير وخللا في ترتيب أولويات القيم ، فهو لا يستوعب من القيم إلا أشباه قيمة الاستقرار ، ولأنه نجح في أن يستوعبها نجده يدافع عنها بشراسة ويعلى من قيمتها بشكل مبالغ فيه حتى إلتهمت كل القيم الاخري بما فيها أهم تلك القيم ، قيمة الحياة ذاتها.
هو يقف دائما مع الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا بسجن الرافضين أو نفيهم أو قتلهم، ويقف على حافة الطرف الأخر المستوعب لقيم العدل والحرية والاستقلال والاحسان.


الكائن المغيب
وكما أن توعية الناس تكلف الكثير من الأموال والجهد والوقت ، فإن تجهيلهم وتسطيحهم كلفته أكثر من ذلك ، وبذات المعنى فإن صناعة الإنسان المثقف - ولا أقول المتعلم - تكلف أقل بكثير من صناعة الإنسان الجاهل- ولا أقول الأمى- ومع ذلك يزداد الطلب على صناعة الغيبوبة رغم كلفتها.
وأعتقد أنه كما يكون تعليم الناس وتثقيفهم في الأمم الغربية ضرورة من ضرورات الأمن القومى، يصبح تجهيلهم وتسطيح وعيهم ضرورة من ضرورات الأمن القومى للنظم الفاشية العربية وأولها بالقطع مصر.
بل أن ما ينفق سنويا على ميزانيات التعليم في مصر- على ما به من حشو وتغريب وضرب في صميم التراث الثقافي الوطنى - يصل بالكاد الى عشرة مليارات جنيه - نحو مليار دولار- في حين أن ميزانية الإعلام الحكومى تزيد عن العشرين مليار جنيه ، وتلتهم ميزانيات وزارات الأمن "الداخلية والدفاع" نصف اجمالى الميزانية تقريبا.
والكائن "المغيب" هو كائن لا يعرف من العلم حتى القشور، ومن الوطنية إلا "أمين الشرطة" و"العَلَم" وما تنشره "صحف الصباح" ونشرات "التلفزيون الرسمى"، ومن الممكن أن ترتكب عبر حشده وباسمه أبشع الجرائم كما حدث في "التفويض".


الكائن الفاسد
الأن لم يعد مثيرا للاستنكار لدى كثير من المصريين بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نظام 3 يوليو القول بأن كثيرين ممن يؤيدون الانقلاب في مصر استفادوا بشكل أو بأخر من الفساد وثقافته وممارساته ،وترسخت قناعة بذلك لدى حتى بسطاء الناس ، بأن مؤيديه إما فاسدون سابقون يخشون ضياع مكاسبهم القديمة ، أو فاسدون حاليون- في الغالب من قليلى الوعى والخبرة - أعجبهم أن يوصموا بأنهم لهم ثقل سياسي تم استدعائه على عجل من حالة الضألة والتيه التى كانت تتلقفهم ، فراحوا يسعون إلى التكسب، من ثم التبرير لهذا النظام مهما كانت خطاياه.
وهناك فاسدون مستقبليون تم "تعشيمهم" إما بشكل شخصي من خلال العطايا والوظائف أو بشكل عام من خلال دعايات المستقبل الزاهر والحياة الرغدة التى أغرق نظام السيسي فيها هذا البلد منذ أن جاء دون أى دليل موضوعى ملموس على ذلك.
والمشكلة أن ثقافة الفساد عند هؤلاء الناس ، ليست كما هى في المجتمعات السليمة ، ثقافة منبوذة قانونا، ومرفوضة اجتماعيا ، تجلب لصاحبها العار بين أقرانه ، بل هى في مجتمعنا المريض نوع من أنواع "الفهلوة" أو الذكاء الاجتماعى ، والصلاح والفلاح في الحياة ، فهى تختصر أصعب الطرق وتوفر الكثير من الوقت.
وهذا النوع من الناس يدافع عن الفساد كما يدافع عن ذاته نفسها ، ويبرع في اختلاق الذرائع لمسايرته والاستفادة منه، ويحاول جاهدا اقناع نفسه بتلك الذرائع المختلقة التى نجح في أقناع الناس بها ، دون جدوى.
المهم ان هذا النوع مشغول بالفساد المالى والأخلاقي فقط ، لكنه لا يحبذ اقتران فساده بالدم ولا يشجع على ذلك، ومع ذلك لا يتخذ موقفا قويا حيال رفضه له.
لكن أخطر أنواع هؤلاء الفسدة هؤلاء الذين يبررون قمع حرية الآخر وإقصائه والتنكيل به بل وذبحه وإبادته ، ويعتبرون ذلك عملا من أعمال الوطنية والدفاع عن الدولة التى يحصرونها هى الأخري في ذواتهم وعائلاتهم ، ويؤمنون تماما بأن كل شئ مباح طالما يدافع عن تميزهم ومكاسبهم الخاصة ، ويهربون من ضمائرهم بتبرير الرواية الرسمية لكل عمليات القتل والإبادة التى تنفذ سلطتهم ضد الطرف الأخر حتى يصدقونها من كثرة تكرارهم لها.


الكائن التافه
كثير من الناس ممن حرموا من التوعية السليمة ، يبنون مواقفهم طبقا لمبدأ المكايدة أو من أجل اثبات امتلاكهم لرأى مستقل أو وعى هم في الحقيقة يفتقدونه ، فما أن يدخلوا في نقاش حتى يبنون مواقفهم ليس على أساس القضية التى يدور بشأنها النقاش ولكن على أساس رأيهم في شخصية صاحب الرأى الأخر ، والأغرب أن رأيهم ذلك بنى أيضا على أسباب غير موضوعية ، قد يكون لأنه يتحدث بحدة ما مثلا ، أو بلغة راقية اعتبروه يستعلى بها عليهم ، أو أن مطالبته لهم بالاطلاع على مصادر معرفة مستقلة اعتبروها أيضا اتهام لهم بالجهل ، أو لعداء أسري بين العائلتين ، أو حتى خلاف على ميراث أو زواج أو طلاق ، أو بناء على صورة ذهنية قديمة.
ومن نماذج التفاهة أيضا أن يسعى أحدهم لمحاولة بناء رأى يحدد به شخصيته ، فلما يعجز عن تكوينه نظرا لقلة خبرته فيقوم بتبنى منطقيات جاهزة يروج لها اعلام السيسي ويصم كل من يتبناها بأنه مواطن "واع"، ويدافع عنها باستماتة بالغة لأنه في الوقع يدافع عن شخصيته.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر