الأحد، 4 يونيو 2017

سيد أمين يكتب : تساؤلات حول الرابط بين "درنة" والمنيا

الجمعة 2 يونيو 2017 20:57
تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه
تساؤلات كثيرة تحتاج لإجابات عاجلة حول الضربات الجوية التي وجهها نظام السيسي لمدينة درنة، وبعض المدن الليبية وعلاقتها بمذبحة المنيا التي وقعت مؤخرا وراح ضحيتها عشرات الضحايا والمصابين من المسيحيين المصريين.
أول تلك التساؤلات يأتي حول منطقية هذا الربط الغريب الذي ربطت به السلطات المصرية بين تلك المدينة التي تستعصي علي الجنرال المتقاعد المدعوم غربيا خليفة حفتر، وبين مرتكبي المذبحة المروعة المدانة، خاصة أن المسافة بين المدينتين تزيد عن الألفي كيلو متر.
وعلي افتراض أن الطريق مرصوف وآمن، ومع التغاضي عن حالة التخفي الواجبة للخارجين عن القانون، والطرق الرملية الوعرة والمرتفعات والمنخفضات وبحر الرمال الناعمة، وهي كلها ملاحظات جد خطيرة، فان السفر بين المدينتين قد يستغرق20 ساعة متواصلة بسرعة 100 كيلو متر في الساعة، ما يعني أن الإرهابيين منفذي المذبحة لم يتمكنوا من العودة بعد تنفيذ جريمتهم، وبالتالي فلماذا تم قصف درنة بعد ساعات من المذبحة؟
وإذا كنت قد عرفت بعد ساعة فقط من وقوع المذبحة بمسئولية مجاهدي درنة عنها، فكيف لم تعلم باختراق مهاجميهم الجبال والقفار بصحبة أربعة سيارات رباعية الدفع- كما قال شهود العيان من الناجين- للأراضي المصرية التي تسيطر عليها القوات المسلحة، فتمنع المجزرة من الوقوع؟
كما أن السرعة في قصف درنة تعني أن الطائرات كانت علي أهبة الإقلاع حين وقوع المجزرة، ما يكشف عن النوايا المبيتة للضربة الجوية ، فهل كانت النوايا مبيتة للضربة أم للمجزرة أيضا؟
وإذا كانت تحريات رجال الأمن شديدة الألمعية والجاهزية لتحدد مرتكب المذبحة بعد ساعة واحدة من وقوعها، فإنه سيكون من المستغرب عليهم حينئذ عدم تقديم قتلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني رغم مرور عامين علي الواقعة، وتوفير الاتهامات الغربية التي تشير إلي ضلوع قيادات كبري بالجهاز الأمني في الجريمة؟
وهل هناك علاقة بين صفقة القرن وبين استنجاد السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب لدعمه في مكافحة الإرهاب، وبين محاولات إنهاء الصراع في ليبيا لصالح التيار الموالي لأمريكا؟
كما أن هناك تساؤلات عدة حول مجزرة المنيا أهمها كيفية رصد الجناة للضحايا وعلمهم بوجود هذه الحافلات في هذا التوقيت؟
وما الذي أضافه قانون الطوارئ الذي تم فرضه مؤخرا في طريق الحد من العمليات الإرهابية؟ وكيف تحول الإرهاب المحتمل إلي إرهاب حقيقي، تشهد مصر بسببه في ستة أشهر فقط خمسة عمليات إرهابية كبري تمس الأقباط ، فضلا عن تفشي الخطف والقتل وكافة ظواهر البلطجة والانفلات في الشوارع؟.
ومن نافلة القول التساؤل حول سر الصمت المزري علي العصف المستمر بالدستور الذي كتبه السيسي علي عينه، فالمادة152 منه تمنعه من إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء، وهو ما لم يحدث بالقطع .

ظلال من الشك
تلك التساؤلات تضيف ظلالا من الشكوك حول صحة كل ما يجري في حرب السيسي علي الإرهاب ، الذي كان الفيديو المصور الذي بثته قناة "مكملين" مؤخرا حول قيام أشخاص يرتدون زيا عسكريا بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق مدنيين، كاشفا وصادما.
وسواء أكان الفيديو كاذبا أم صادقا، إلا أن الكثيرين يؤكدون أنه لم يأت بجديد واعتبروه تحصيل حاصل وتأكيدا للمؤكد، فيما اعتبره آخرون عملا زائفا ومبالغة يستهدف منها الإساءة إلي الجيش المصري الذي يعتز به كل مصري.
ولأنه في الفم ماء، يمكننا القول بأنه إذا قام عاقل بتطبيق القاعدة البديهية التي يستخدمها رجال البحث الجنائي في الدول المتقدمة "ابحث عن المستفيد"، فإننا قطعا سنجد أن "الوجهاء الأشرار" الذين طالما رأيناهم يتباكون على الإنسانية المهدرة وينددون بملء فيهم بالإرهاب الغادر هم من أكبر صناعه، بل أنه هو بضاعتهم الوحيدة التي يسوقونها للنيل من كل من يعاديهم بعدما يغلفون نواياهم السياسية غير الأخلاقية بأقنعة تبدو نبيلة ومشروعة.
وسيكتشف أيضا وبكل جلاء أنه بضاعة لا يستفيد منها إلا من جري تسويقهم بوصفهم ضحاياها ،ولا يتاجر بها إلا من يقولون إنهم يحاربونها.

الإعلام والإرهاب
كل المذابح التي تمس المدنيين والأقباط مدانة ولا يمكن بأية حال تبريرها، ولكن أيضا صار الإرهاب الإسلامي من أكبر المزاعم التي يجري ضخ الأموال لترسيخها في العقول، لتنفيذ الحرب الإمبريالية الجديدة الأكثر نجاعة ضد الإسلام، وهي الحرب التي صرح بها علانية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ذاته في لحظة مصارحة عقب سقوط الاتحاد السوفيتي.
وعادة ما تستهدف التهمة المقاومة العربية والإسلامية أو من يدافع عن عرضه وأرضه ودينه وهم من يجب تكريمهم بـاعتبارهم"فدائيين" يحمون أوطانهم، خاصة أن المعتدي هو من عبر المحيطات إلي بلادنا ولم نذهب نحن إليه.
ونستطيع الجزم بأنه جراء الدعاية الإعلامية والسياسية المتواصلة والضخمة ، تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه حتى لو كان من أولئك الذين يحملون الإسلام وراثة ولم يمارسوا شعائره قط.
وإذا كان هناك اعتقاد حاسم عند الكثيرين بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، فالإرهابي أيضا يصفه بتلك الصفة الأقوياء الذين يملكون ثالوث القوي، قوة الردع وفرض الرأي إجبارا، وقوة المال وفرض الرأي رشي وهبة ، وقوة الإعلام وفرض الرأي استغلالا لمواطن الجهل في الأذهان.
ولأن النوع الثالث من نظم فرض الرأي هو الأكثر فعالية والأنجع علاجا والأرخص تكلفة ويغطى الفئة الأوسع انتشارا على الأرض، فإنه يجري استعماله على نطاق واسع فيغسل أدمغة الناس أو يخطف أذهانهم بما يشكل سلاحا فتاكا يفوق في حسمه القنبلة النووية ذاتها.
ومن مخاطر الصورة النمطية الشائعة عن الإرهابي والتي تخلقت غالبا في دهاليز أروقة المخابرات أنه شخص منغلق على أفكار رجعية جامدة ،وكأنه خلق نشازا في منظومة هذا الكون ، يحب الخراب والتدمير في الأرض لجينات ورثها من أبائه وأجداده المسلمين أو "الإرهابيين" الأوائل, وأنه يمارس الإرهاب من أجل الإرهاب وكرها في الأخر.
وهو بالطبع تصور قاصر ينفيه المنطق قبل التجربة، لأن الإنسان مجبول على حب الأمن والاستقرار، كما أن أغلب معاركه هي في الغالب للدفاع عن تلك الحاجات الملحة المسلوبة، ولذلك فمتى توقف عدوان الأقوياء – وهم عادة من يعتدون ويغتصبون أمنهم المفرط على حساب الخوف الشديد لدى الآخرين - توفر الأمن والاستقرار فتوقفت مظاهر "الإرهاب" التي يمارسها الضعفاء.
ومفاد ذلك أن الجميع فئ الواقع يكافح من أجل الأمن والاستقرار بما فيهم "الإرهابي" الذي يكافح جلاديه.

تابع قراءة المقال علي الجزيرة مباشر هـــــــــــــــــــــــنا
ولكسر الحجب اتبع هذه الطريقة


السبت، 3 يونيو 2017

سيد أمين يكتب: الإجابة عن السؤال الصعب: مَن فجّر الربيع العبثي؟

وتجري عملية الترميم تلك من خلال عمليات تبديل واسعة في الوجوه، مع إعادة إنتاج الأحزاب الكرتونية القديمة بمسميات ووجوه جديدة من رعيل الصف الثاني والثالث، بما يبدو معه المشهد وكأن ثورة حدثت، وإرادة الشعب حكمت، وذلك دون تغيير يذكر في الفكر، في محاولة خداعية تأخذ بصمة شعبية، تقول إن الشعب وصل إلى ذروة التغيير الذي يريده ورسم طريقه بنفسه، غير الوجوه المتحجرة القديمة بأخرى شابة.


لقراءة المقال كاملا انقر هنـــــــــــــــــــــــــــــا
لكسر الحجب انقر و اتبع هذه الطريقة

الاثنين، 15 مايو 2017

سيد أمين يكتب: حول مأساة التعليم في مصر

الاثنين 15 مايو 2017 11:33
خرجت مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم ولم تستطع الحفاظ على رباطة الجأش والتفوق الذي كانت تبديه علي دولة غينيا.
ويثير أمر الاعتراف العلني الذي أبدته السلطات المصرية علي لسان وزير تعليمها بهذه الفضيحة بعد النكران التام ، الريبة من أن يكون النظام الذي بدا تغريبيا وجانحا إلى التنكر للهوية العربية والإسلامية للدولة في جميع سلوكياته ، يسعي لاستغلال الأمر كذريعة لمزيد من تغيير المناهج وطمس الجزء اليسير جدا الذي ما زالت تحتفظ به من وطنية.
ولو تحدثنا عن التقدم فلا يمكننا إلا أن نتحدث عن التعليم ، ولا يمكننا أيضا- مرضاة للضمير وكتعبير عن الصدق - إلا أن نقول إنه لا يمكن أن تتقدم أمة من الأمم دون أن تمتلك منظومة تعليمية سليمة تراعي أول ما تراعي ربط حاضر الإنسان بماضيه وذلك علي اعتبار أن فهم واستنهاض الماضي هو دراسة مكثفة لاستدراك المستقبل.

الهوية القومية
في سعي النظام العسكري لتغريب المجتمع راح يعلم النشء اللغات الأجنبية قبل أن يعلمهم لغتهم القومية الأصلية "اللغة العربية" ، فتوسع في إنشاء المدارس التجريبية فضلا عن مدارس اللغات الخاصة والمدارس الدولية وجميعها لا تدرس باللغة العربية ، في نفس الوقت الذي أهمل فيه المدارس الحكومية العربية والتي تدرس اللغة الانجليزية أو الفرنسية أو كليهما جنبا إلى جنب مع اللغة العربية ، بل راح يخنق التعليم الأزهري خنقا ويخربه ، تارة بكثافة المناهج واعتماده علي الحفظ ، وتارة بسوء الإدارة وإهماله وتعيين مدرسين غير أكفاء له، وأخرى بنشر ثقافة الغش ثم بمحاصرة خريجيه وعدم إيجاد وظائف حكومية لهم وغيرها، وذلك نظرا لما به من مناهج تربط الطلاب بالهوية القومية للدولة.
ورغم أنه من أهم المقاصد التي تسعى إليها الدول من التعليم هو تعميق الهوية الوطنية والقومية للدولة لدي الشباب، يبدو ذلك التغريب لدي بعض المصريين ممن لا تعنيهم تلك الهوية وللأسف هم من يشكلون القطاع الأكبر في الحكم الآن ، أمرا عاديا بل ويستحق الثناء لا الذم ، ولكن ألا يعتبرون أن هذا الإثقال في المناهج يخرج جيلا من المتعلمين لا يجيدون لا اللغة العربية ولا حتى الإنجليزية ولم يتعلموا شيئا البتة وهو ما يشرح ظاهرة التسرب من التعليم التي بدأت تتفشي في الأرياف مؤخرا؟

فشل تام
لقد أنتجت الرؤية المشوشة والمنظومة المعدومة للقائمين علي التعليم بمصر جيلا أقل ما يوصف به أنه "مسخ" فلا هو أوربي ولا هو عربي , ولا هو متعلم ولا هو جاهل , ولا هو يعرف من أين هو آت ولا الى أين هو ذاهب، ولا حتى يعرف عدوا ولا حبيبا ، بل شخصا يحمل شهادة الاعدادية منذ نحو 30 عاما مضت يمتلك وعيا وثقافة وعلما أفضل من حامل لشهادة الدكتوراه هذه الأيام.
انهارت أطراف العملية التعليمية بشكل كلي في مصر، فالمناهج يعتريها كثير من العوار و"الأهواء" ،وسخرت طبقا لمقتضيات السياسة لا مقتضيات البحث العلمي الدقيق والصالح العام ،وذلك طبقا للقرب والبعد مع أهداف السلطة الحاكمة.
والمدرسة صارت أداة للربح بعد استغراق القطاع الخاص لهذا المجال وحرصه علي ما يحرص عليه التاجر غير الأمين في بيع البضاعة الفاسدة مع الحفاظ على طيب المنظر العام.
وصار الطالب هو أيضا غير راغب في التعليم بقدر رغبته في الحصول علي الشهادة التعليمية.
فساد العلاقة بين أطراف التعليم حولته من منتج له مردود أخلاقي واجتماعي بناء، إلى سلعة تباع وتشتري تصلح معها الفلسفة السوقية المصرية التي تلخصها لفظة "الفهلوة" ، ما فاقم من ظاهرة الغش وأوجد خريجي جامعات لم ينالوا حتى الحد الأدنى من مقومات التعليم لدرجة الجهل بالقراءة والكتابة لاسيما من خريجي الكليات الأدبية.
كما يمتاز التعليم في المدارس الحكومية وهى قليلة عددا مقارنة بالمدارس الخاصة بفوضوية خاصة وكل ما ليس له علاقة "بالتربية" والتعليم.

الاستقرار الوظيفي
وكما انتهى دور المدرسة الاجتماعي مع عصر الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي وما رافقته من ممارسات تتنكر للتراث ورجاله والمدافعين عنه، انتهى أيضا دورها التعليمي الذي أنشئت من أجله، وأمست محصلات العملية التعليمية في المدارس تساوى صفرا كبيرا بكل معني الكلمة ،وتحولت المدارس بكل أنواعها ومراحلها إلي مجرد دور للالتقاء الاجتماعي والتجاري وعقد الاتفاقات علي الدروس الخصوصية بين المدرسين والطلبة أو أولياء أمورهم.
كما أن الحملة الممنهجة التي تشنها وسائل الإعلام المصرية علي المدرس حين طرح أي مناقشة جادة لحل قضية التعليم في مصر تبدو صادقة مع مدرسي المدارس الحكومية فقط ، في حين أنها أمست شديدة الظلم مع مدرسي مدارس القطاع الخاص.
فكثير من المدارس الخاصة تمنح المدرس فيها راتباً غاية في التدني يقل كثيرا عن الألف جنيه مصري شهريا، وتمارس ضده شروطا تعسفيه تتيح لها فصله في أي لحظة ، مع جعل رضا الطالب عنه هو المعيار الأول لاستمراره في عمله، ما يجعله ينصرف عن تقويمهم إلى إرضائهم، فقضي هذا الوضع علي المدرس الجاد وأبقي علي الأقل كفاءة منهم.
وتسببت تلك الحالة في تنامي الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان الوظيفي لدي المدرس ، وانعكس ذلك بالقطع علي سلوكياته التعليمية فبدا مهتزا مثيرا للرثاء ،وبالتالي أثر ذلك علي الطلاب تعليميا لكون فاقد الشيء لا يعطيه.
ومع قبول المدرس بهذا الوضع نظرا لفقر سوق العمل، جعله مضطرا بل مجبرا علي اللجوء للدروس الخصوصية لتعويض حاجته المادية.
في الحقيقة الكلام يطول ولكن الخلاصة هي أنه لن يستقيم حال التعليم في مصر إلا إذا عدنا إلي المعادلة الأولي التي أنجب استخدامها كل نجباء مصر في العقود الماضية ، وهي اعتبار التعليم رسالة وطنية وإنسانية ودينية مقدسة ، واحترام المدرس واعتباره مربيا ، واعتبار التلميذ قائدا للمستقبل الذي نرجوه.

الأحد، 16 أبريل 2017

"نبض المرايا "قصص قصيرة - سيد أمين




* تماثل

كانا متماثلين.. حينما ينظر إليه ينظر إليه الآخر، حينما يفتح فاه يفتح الآخر فاه أيضاً، حينما يهرش رأسه يهرش الآخر رأسه، هذا دائماً يفكر، أما الآخر فليس له قلب.

* اتساخ

كان يريد أن يصبح غبارها.. فاتسخت بها يداه.

* تطويع

كان يأبى السير في الظلام، فهبطت له الشمس طائعة.

* مثالية

كان مثالياً.. الدنيا حوله أنشودة حب ونور، ذات يوم انكسرت نظارته، فتعثر في الطريق المظلم.

* واقعية

كان يحبها جداً، سألها فقالت: مشغولة.

ومع ذلك كان واقعياً جداً، ويعرف واحدة تحبه، تقدم لخطبتها، وأحبها جداً.

* تجربة

كانوا يقولون له: أنت دائماً تغني، فجرب أن يصمت فبكى.

* طموح

كان طموحاً، وأخبره العرافون أنه بقدر ما يتنازل يكسب، فتنازل عن ذاته، فلم يعد لديه ما يخسره.

* تماد

كان ضريراً، كلما يتقدم خطوة نحو الباب يكتشف أنه تنقصه أخرى

* وضوح

كان دائماً يتساءل: لماذا كل الناس يمتدحونه؟

لكن المرايا المقعرة كانت تظهر له وجهين، ولا يدري لماذا؟

* سمو

كان بنّاء ماهراً وسريعاً، يجلس بمعوله فوق الجدار، يقذفونه بالطوب فيعلو به، لكن حينما أراد النزول لم يستطِع.

الجمعة، 14 أبريل 2017

سيد أمين يكتب: صراع الشيخ الطيب

الجمعة 14 أبريل 2017 15:29
مسكين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ، لابد أنه الآن يعانى صراعا داخليا مريرا ، فما كان يخشاه ويكذب حواسه إن اتجهت إلى تصديقه صار يتأكد حثيثا يوما بعد يوم، بأن الحرب التي يخوضها السيسي ليست ضد الإخوان المسلمين فحسب، ولا حتى ضد الإرهاب ، ولكنها ضد الإسلام ذاته.
لم يعد خفيا عليه أن عذابات السيسي تجاهه ليست عذابات محب مفرط في الحب العذري الطاهر، ولكنها عذابات حقيقية لغريم يكشف يوما بعد يوم عن وجهه الحقيقي وعن انحيازاته المضادة.
وعلي ما أعتقد أن الطيب الآن هو بحاجة ماسة لأن يتكاتف الحرصاء على هوية مصر الإسلامية للاصطفاف خلفه وحوله ، فقد نجده حينئذ أكثر وضوحا في رفضه لثورة السيسي الدينية ، وإذا تقاعس فسيتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود في شخصيته ونكون حينئذ من الموقنين.

أسباب الصراع
مصدر صراع الطيب الآن هو اكتشافه أنه كان مجرد أداة يتم العبث بها من أجل الوصول لهدف بغيض، وهو محو الهوية الإسلامية والعربية لبلد يتمتع بها منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ، ومن العار أن يتم هذا السقوط الخطير لهوية مصر في ظل رئاسته لأكبر مؤسسة إسلامية في البلاد، والأكثر عارا انه شارك بحسن نية في تمرير هذا السقوط، تارة تبريرا وتارة صمتا وتارة خوفا ، وكان في ذلك كرجال دين بني الأحمر وحكامهم في أخر ممالك المسلمين في الأندلس الذين برروا الاستغراق في حروب الخصومات الطائفية بين المسلمين وتركوا الإسلام نفسه يضيع في تلك البلاد الحالمة.
الطيب كان يعتقد أن المطلوب تغييرا في التعامل الديني لكنه اكتشف انه تغيير في الدين نفسه وهو ما يتكشف بشكل متسارع للجميع .
لا أتفق مع من يقول آن الطيب أيد الانقلاب بسوء نية وأنهم أتوا به منذ زمن بعيد لأغراض كتلك، ولو كان كذلك ما تعب السيسي منه وما أطلق عليه الأبواق الإعلامية تنهشه ، وما استبيحت هيبة الأزهر الدينية في النفوس على يد قوى تدعي أنها ضد السلطة الدينية وضد المتاجرين بالدين ، وهو اللفظ الذي لا يلقونه أبدا إلا على رجال هذا الدين الذي لا سلطة دينية فيه أصلا ، فيما لا يجرءون على انتقاد زعماء الديانات الأخرى الذين صبغوا عيانا بيانا الدين بالسياسة.

سجالات الشيخ
علامات ذلك الصراع الداخلي للطيب برزت بشكل واضح حينما صرح على غير عادته منذ الانقلاب أن هناك إرهابا مسيحيا ويهوديا وبوذيا لا يجرؤ العالم على إدانته ، وأن التركيز على الإرهاب الإسلامي فيه ظلم بين ، وكأنه بذلك يرسل رسالة للسيسي أن حقيقتكم انكشفت لي ، وأنا لا أقف معكم في ثورتكم الدينية الهادفة لقتل الإسلام في تلك البلاد .
وكانت من السجالات أيضا بين الشيخ ودولة السيسي وقوفه ضد الخطبة المكتوبة التي كان الهدف منها ليس تأميم المنابر فحسب، بل وضرب هيبتها وهيبة مشايخها في مقتل بحيث ينصرف الناس عن المساجد وخطبائها وخطبهم التي ستكون قد تحولت إلي نشرة للشئون المعنوية ، ليتحلل الإسلام من واحدة من أهم مميزاته وهى كون صلاة الجمعة عبارة عن اجتماع أسبوعي للمسلمين لمناقشة أمورهم بمنتهي الحرية وطبقا لمقتضى الحاجة ، فتتحول كل الصلوات بل والعقيدة كلها إلي مجرد سلوك فردي قبل أن تندثر.
وهذه واحدة من كبريات معارك الإمام ضد ثورة السيسي الدينية التي تلاها فتورا في حماسة الرجل لدعم قراراته من جانب، وما ترافق معها من انطلاق الحملات الإعلامية المنظمة المحرضة ضده وضد الأزهر كله من الجانب الأخر، والتي راحت توصمه بالتهمة المشاع لدعم الإرهاب، مع أن الإرهابيين في سيناء يستهدفون ضمن ما يستهدفون تفجير المعاهد الأزهرية دون أن يشير الإعلام المتواطئ لذلك.
صحيح أنه لم يخض سجالا ذا شأن ضدها ، لكنه أيضا لم يلتزم الصمت المطبق لا هو ولا مؤسسته كما فعلت كثير من المؤسسات الرسمية في الدولة ، فقد كان الأزهر أول جهة رسمية وربما الوحيدة حتى الآن التي أدانت مذبحة رابعة.
فعلا هي لم تسمها باسمها في بيان تجريم إراقة الدماء الذي أصدرته آنذاك ، وأنه كان بيانا ضعيفا لا يرقي لهول الحدث ، لكن توقيت صدوره كان ذا صدى طيب مؤثر أكبر بكثير من كلماته ، ليس ذلك فحسب بل وخرج مستشاره الدكتور حسن الشافعي وهيئة كبار العلماء ببيان عاصف ضد المجزرة.
أتصور أن الطيب الآن في انتظار إطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو في أحسن الظروف بيان إقالته حتى وإن كان مخالفا لشروط وقوانين تعيين وإقالة الإمام ، فالحصانة ما نفعت من قبله المستشار هشام جنينة.

التعليم الأزهري
وفي الواقع أن الحرب ضد شيخ الأزهر بدأت متأخرة، ولكن الحرب ضد الأزهر نفسه كانت سابقه ، فالتعليم الأزهري الآن علي مستوي الجمهورية يعاني تدميرا منظما كما هو معلوم للقاصي والداني ، لدرجة جعلت الكثيرين من خريجيه الجامعيين لا يجيدون القراءة والكتابة ، ومدارسه لا يوجد بها تعليم ، وبعضا من مدرسيه غير مؤهلين لذلك ، ومناهجه من الصعوبة ما تنفر من الالتحاق به .
وصورة الأزهري في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي صارت مدعاة للحزن، فقدمته بصورة الجاهل والمتعصب والانتهازي والفاسد والمتآمر والمغفل وألصقت به كل نقيصة.
فإذا كان الطيب الآن يعاني صراعا نفسيا ، فان الإسلام يعاني خطرا وجوديا بمحاولات افراغه من مضمونه

قراءة المقال علي الجزيرة مباشر انقر هـــــــــــنا


الأحد، 9 أبريل 2017

سيد أمين يكتب: هل كانت ثورة يناير صراع أجنحة حكم؟


أمضى مبارك ثلاثين عاماً حاكماً على مصر، مع أنه في رأيي -وقد يعترض عليه الكثيرون- لم يحكم يوماً واحداً إلا فيما "سفه" من الأمور، أما ما عدا ذلك فقد استخدم كناطق رسمي لحكم المجلس العسكري، ليتلو قرارات قد يكون حرمَ حتى من مناقشتها، وإبداء رأيه فيها.

في هذا الوضع ترعرع جمال مبارك الذي قرر أن ينتفض انتفاضاً ناعماً، ثأراً لكرامة والده الذي رآه يستخدم كخيال "مآتة"، أو "فلتر" يخفف وقع "الأوامر" العسكرية على مسامع الناس الموهومة بالدولة المدنية وأدواتها المزعومة من برلمان وقضاء وأحزاب ومعارضة ونخب ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دينية، ليس ذلك فحسب، بل ويتلقى منهم الانتقادات بل والطعنات الناقمة.

فراحَ جمال في غفلة من رقابة الرقيب العسكري، أو بترقب صامت منه على ما يبدو، يستحوذ على أجهزة لتدين له بالولاء، وكان بالطبع من أهمها "جهاز أمن الدولة"، ولما كان هذا الجهاز الأمني يفتقر إلى الدعم الشعبي الذي يستمد منه قوته في حال صدام الأجهزة، تم ضبط "الحزب الوطني"؛ ليكون على مقاس الرئيس وابنه وزوجته التي دخلت هي الأخرى في معركة الاستحواذ، وكان له ما لهم من أصدقاء وعليه ما عليهم من أعداء.

واستكمالاً للبناء الذي يترسخ بخطى ثابتة، تم تفصيل الأذرع الإعلامية والاقتصادية والشعبية والنخبوية والدينية، مروراً بتعديلات 2005 الدستورية الخاصة بالمادة 76 وتطويعها لتنص على أن اختيار الرئيس يمر عبر البرلمان الذي هو بالقطع تحت رحمة الحزب "التفصيل" الذي يسيطر عليه مبارك الابن.

واستمرت الترتيبات حتى اكتمل البناء ولم يتبقَّ سوى الانقلاب على حالة الانقلاب، وإعطاء الرئيس لأول مرة حقه في أن يحكم بما يتفق ورؤيته للحكم، لا أن يكون "ببغاء" يردد ما يطلب منه، ثم بعد نجاح الأمر يرث الابن الوليمة كاملة بلا شريك.

وحاول هذا الطرف التواصل مع المجتمع وإرسال رسائل ضمنية تشرح رؤيته لما يجري في الحكم، وذلك عبر أعمال فنية منها "طباخ الرئيس" ومسرحية "الزعيم".

الجانب الآخر

وإذا كان الطرف السابق هو الطرف المتغير الذي يمكن الإشارة إليه بالمجموعة "ب"، فإن الطرف "أ" الثابت الممتد هو بلا شك قوى العسكر والمخابرات التي ظلت تراقب الموقف عن كثب، وتعتمد هي الأخرى سياسة الخداع والتخبئة وتعد العدة للانقلاب على الخصم الذي أتت به ونصبته رئيساً للبلاد فلما اشتد عوده تمرد عليها، مستغلة في ذلك حالة الحنق الشعبي عليه من جانب، وعدم معرفة الشعب بتفاصيل انقسام السلطة "العسكرية" إلى ضدين متصارعين من جانب آخر.

ولأن حرية الإعلام هي مطلب عالمي، فقد استغلته المجموعة "أ" كحصان طروادة لإنجاز الأمر، فيما كان من الطبيعي أن تنخدع المجموعة "ب" بمطالب الانفتاح تلك، واعتبروا أنها أيضا ممكن أن تخّدم على خطتهم، وتضيف احتراماً إليهم، خاصة أن منعها سيساعد بلا شك الأعداء في مآربهم، ويرفع سقف الغضب الداخلي والخارجي في عصر السماوات المفتوحة.

فجندت المجموعة "أ" نخبتها الخاصة بها في مواجهة النخب القديمة من الإعلاميين والصحفيين وبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها، وأسست لهم المنابر الإعلامية، وقدمتهم كـ"قوى وطنية" من أجل المساعدة في تغذية حالة السخط الشعبي المتزايدة ودعم رفع سقف الحريات إلى أقصى مستوى له.

كما أسست الحركات السياسية التي شجعت جرأتها وتراجع نظام المجموعة "ب" غير المسبوق أمامها أطيافاً كبيرة من الناس للانضمام إليها، رغم أنهم لا ينتمون لهذا أو ذاك ولا يعرفون بحقيقة معسكرهم.

فلاقت هذه "التشكيلة" التفافاً شعبياً منقطع النظير بوصفهم "رجال خلاص وتضحية وطنية".

وبين هذا وذاك، تركت بعض الشخصيات للقيام بدور الوساطة في أي تسويات "حربية" بين الفريقين، ومن أبرز تلك الشخصيات صحفي عرف بلهجته الصعيدية.

وكما فعل الطرف الأول فعل هذا الطرف أيضاً، فأنتج أعمالاً فنية تدعم وجهة نظره، ومنها أفلام "هي فوضى" و"واحد من الناس" وغيرها.

الانفجار العظيم

أعدت العدة، وتخندق الفريقان، ولم يبقَ إلا إشعال فتيل الثورة الشعبية، وأخذ كل فريق يقدم دروعه البشرية، فريق يبدو للناس كما لو كان قد حكم ثلاثين عاماً، فلم يحصد فيهم إلا الفشل، وبالتالي انفضاض كثير من الناس من حوله مع أول شعاع للحقيقة، لدرجة أن صار الدفاع عنه مسبباً للخزي والعار، في مواجهة فريق آخر يبدو للرائي أيضاً بأن -جميع أفراده وليس بعضهم- ثوريين عفويين حركتهم غيرتهم الوطنية ووعيهم السياسي الجامع وليس الفئوي فانضم إليهم جل الشعب الساخط.

وبدأ الحراك في الأرض في اليوم المحدد سلفاً، استطاعت المجموعة "ب" أن تجهضه، هنا شعر أفراد المجموعة "أ" بالخطر فأعدوا العدة في اليومين التاليين لحراك أكبر تساندهم فيه ذمم اشتروها لقيادات الصف الثاني من وزارة الداخلية، وعدوا بالحماية، وفعلاً حصلوا على البراءة بعد ذلك.

حاصرت تلك القيادات الميادين والشوارع من الجوانب الأربعة، وراحوا يطلقون النار وقنابل الغاز على جميع المواطنين وفي كل الاتجاهات، حتى الأدوار العليا من العمارات بغية استنفار غضب سكانها وضمهم للحراك الغاضب على الأرض، وكانوا يقصدون بذلك تكثيف الرفض الشعبي ثم التجهيز لمشهد "اختفاء الشرطة" أو انكسار الذراع العسكرية للمجموعة "ب" وترك المسرح بالكامل للمجموعة "أ" والحراك الشعبي الساخط، ما نجم عنه تهاوي كل متاريس المجموعة "ب" الإعلامية والاجتماعية والدينية بسرعة كبيرة.

ويبدو أن وزير الداخلية حبيب العادلي واللواء عمر سليمان وزير المخابرات والفريق أحمد شفيق هم من المسؤولين القلائل الذين رفضوا الاستسلام للخطة، فتم التنكيل بالأول وقتل الثاني "ويقال إنه تم اختطافه"، في حين لم يمس الثالث أذى لوجود أنصار كثر له داخل المجموعة "أ"؛ لذا قرروا أن يتم التخلص منه عبر شيطنته إعلامياً.

وفي محاولة بائسة راح مبارك يستعطف الناس بالخطاب المشهور فخفتت حدة الاحتجاج، هنا، عاجلت المجموعة "أ" المتظاهرين بموقعة "الجمل" فرفعت من موجة الحنق والاحتجاج مجدداً؛ بل وتوسعت أكثر فأكثر، وكان يجري توجيهها لاتخاذ طابع عنيف، ما وضع مبارك في حالة مذرية، خاصة أن معظم أدوات سلطة كانت تعمل ضده، ثم انتهى الأمر بعدها بإجباره على التنحي.

ولا ننسَ هنا أن نزول الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي للميادين أسهمَ في السقوط السريع لمبارك ومجموعته، وأفشلوا الخطة التي أريد لها توقيف الثورة عند حد إسقاط مبارك وتعيين جنرال بديل له فقط، وحولوها إلى ثورة شعبية حقيقية تعادي كلتا الكتلتين المتصارعتين.

ورغم أن نزولهم بدا كما لو كان مساندة للمجموعة "أ" فإن تلك المجموعة اعتبرتهم الأعداء الجدد لها، خاصة حينما عرفت قدرتهم على الحشد الشعبي، حيث فتح السقوط السريع لمبارك ومجموعته شهيتها في إتمام التخلص من كل المنافسين المحتملين الجدد، وعلى رأسهم بالطبع حركات الإسلام السياسي، ولكن بطريقة تحولهم إلى أعداء لجميع قوى الأقليات في البلاد، وذلك عن طريق شيطنتهم عبر الإعلام ثم الانقضاض عليهم من كل حدب.

مؤشرات الصراع

مؤشرات الصراع الخفي بين جهازَي الأمن في مصر كانت واضحة، لعل أوضحها الاحتكاكات التي حدثت في عدة محافل بين رجال الجيش والداخلية، كما حدث في قسم شرطة مايو/أيار 2010، ثم الرد عليها باقتحام مقار مباحث أمن الدولة بعد الثورة.

والظهور المفاجئ للحركات السياسية الجريئة و"المسنودة" الداعمة لأي من الكتلتين المتصارعتين، والتحول السريع لإعلاميين رسميين عرفوا بولاءاتهم الأمنية الراسخة، لا سيما لو قورن موقفهم آنذاك بما جرى بعد الانقلاب العسكري وتوحدهم جميعاً خلفه رغم ما جرى بسببه من مذابح كانت أدعى لصحوة ضمير كتلك التي تصنَّعوها في 2011.

الغريب أنهم كما دافعوا باستماتة عن فتح سقف الحريات لأقصاه حتى إسقاط مبارك ومجموعته، وعن تحوله إلى حالة فوضى حتى إسقاط التيار الإسلامي، راحوا يدافعون باستماتة مشابهة، ولكن على إغلاق سقف الحريات تماماً، وذلك حينما نفذت المجموعة "أ" كامل خطتها ولم يتبقَّ إلا اليسير.

عموما.. ثورة يناير/كانون الثاني، سواء أكانت ثورة حاول الجيش إجهاضها، أو صراع أجنحة حكم تحول إلى ثورة، فهى حقيقة ثابتة تربعت في قلوب المصريين، وحتماً ستنتصر.

الجمعة، 31 مارس 2017

سيد أمين يكتب: ولكم في الانقلاب مكاسب.. أيها الإخوان


الجمعة 31 مارس 2017 13:47
رب ضارة نافعة، ما كان يتصور من دبروا للانقلاب أن ينقلب سحرهم عليهم ويكون عليهم حسرة، والشواهد كثيرة.
فقد قصدوا شيطنة التيار الاسلامي خاصة، وسحق كل كتلة ممانعة عامة أيما كانت توجهاتها الفكرية لاسيما كتلة الإخوان المسلمين فأمعنوا فيهم القتل والتنكيل، واستفزوهم أيما استفزاز، فجردوهم من انسانيتهم عسى أن يهبوا للدفاع عن حيواتهم، فيحملون ويحمل معهم العالم الغربي المتواطئ أصلا عليهم بتهمة الارهاب.
لكن نجح الإخوان كجزء كبير وحاسم من ثوار ثورة يناير ، في امتصاص الضربات المتتالية شديدة الإيلام الموجهة إليهم ، دون انفلات أعصاب منهم ، سواء أكانت نتائجه بالإنتقام أو حتى بالاستسلام ، فحازوا على تعاطف الكثيرين ممن لا زالوا يؤمنون بحرية الفكر والاعتقاد.

أصل الحكاية
والملاحظ أن كثيرا من المصريين لم يكونوا لينتبهوا أن جيرانهم الأخيار أو زملائهم المخلصين فى العمل أو المدرسة أو الحقل ينتمون لتنظيم فكري يضم جمعا عريضا من الناس يسمى الإخوان المسلمين.
ولما لمس الناس في هؤلاء التدين وحسن الصفات لم يصدقوا لوقت طويل ما رمتهم به السلطة من اتهامات ملفقة لهم بالإرهاب.
فراح الإعلام الموجه يدخل المعركة بعمليات غسيل كامل للأدمغة وتزييف حقير لكل ما هو حقيقي، ونسف لكل نسق ذهني مهما كان بديهياَ، مستغلا في ذلك حصاد جهد دؤوب استمر عقوداً أو ربما قروناً من التغييب والتسطيح والتجريف لوعي الانسان المصري.
فظلت الشاشات تمطر بغزارة في مساء كل يوم بالدعايات الوضيعة والمسيئة المحرضة بالقتل ضدهم ،والتي من فرط التسرع في إطلاقها، ورغبة في تكثيف الهجوم كان كثير منها يفتقد للحبكة الجيدة وفي الغالب كان يفتقد حتى للمنطق.
تلك الدعايات عبثت كثيرا بالمنطق ، فنسبت إلى الاخوان قتل الخازندار باشا في اربعينيات القرن الماضي غير آبهة بنفي الجماعة وشح الأدلة،وقفزت لاعتبار ذلك نزوعا للارهاب وخيانة لا تغتفر، لكن حينما قام أنور السادات بقتل أمين عثمان اعتبرتها تلك الدعايات بطولة وطنية لا تقدر بثمن، رغم أن القتيلين عرفا بالولاء للانجليز، وكان قتلهما دربا من دروب المقاومة الوطنية المصرية آنذاك.
هذا نموذج بسيط من نماذج مظلومية فئة من المصريين لا ترضاها العدالة الحقة ،والتي بدت تتكشف حقيقة آلاف الحكايات منها بفضل كفاح ثلة من الثوار ضد هذا الانقلاب البغيض ، وهو ما لا يمكن له أن يحدث من قبل بمثل هذا الشغف.

ثلة من النابهين
لكن كما نجح هذا الاعلام في تجييش بسطاء الناس ضد هذا التيار الاسلامي صاحب اليد الخضراء عليهم، كشف لكتل أخرى تترواح ما بين مثقفة وناضجة وعاقلة حجم الافتراء والتلفيق الذى يمارس ضد هؤلاء الناس.
والأهم أن ذلك جعل تلك الكتل ترتاب ليس في صدق الحاضر فحسب ، بل في كل الروايات- بالأحري التلفيقات– السابقة التى رمت السلطة العسكرية الإخوان بها تاريخيا ،فتحرروا من قيد الاستسلام للمعلومات التى تقدم لهم معلبة، وراحوا ينبشون في دفاتر التاريخ بأنفسهم ليكتشفوا أنه أيضا مزور حتى الثمالة.
صحيح أنهم لم يصلوا إلى كل خبايا المعرفة ، لكن من المؤكد أن من سار على الدرب وصل، وسلامة المقدمات قطعا ستقود حتما إلى سلامة النتائج ، مع ضرورة التأكيد على أن الحديث هنا ليس دفاعا عن الاخوان أو التيار الاسلامى أو حتى الثوار جميعا كفكر باختلاف توجهاتهم ، لأنه من البديهى لدى الشعوب المتحضرة أن حرية الفكر والتعبير والتنظيم والاحتجاج أمر مقدس لا يعقل الاقتراب منه ، ولكن الحديث عن جرم جنائي يرتكب ضد فئة بعينها من الناس دون أن يرتكبوا جرما سوى أنهم مارسوا حقوق المواطنة في وطنهم التاريخي.
لقد كسب الاسلاميون ضمن أغلى ما كسبوا ثلة من المثقفين والنابهين المنصفين، بل وممن وقعوا سابقا في حبائل شراك التاريخ المعلب، بعدما شاهدوا بأم أعينهم كيف يزيف التاريخ، وكيف يكتبه الأقوياء، وكيف تلفق التهم، وكيف تختلق الأدلة ، فانبروا للدفاع عن العدالة المهدرة ولإصلاح المنطق المعطوب، فنالهم جزء من النَصَب والعَنَت ،ولو كان أهون مما نالوه هم .
لذلك رأينا أغلب القطاع الاعلامي والصحفي والحقوقي المدافع عن حقوق الاخوان كمواطنين مصريين،هم من أبناء هذه الفئة الخيرة ، وهم الفئة التى وجودها في صف المسار الشرعي أوقع نظام الانقلاب في شر تلفيقاته.

مكاسب أخري
ولنقف على صلب المكاسب التي حققها الاخوان المسلمون من هذا الانقلاب على ما ذاقوا فيه من أهوال ، يمكننا أن نتخيل أنه لو كان الاسلاميون يمثلون ربع المجتمع قبل الانقلاب، وكان الربع الأخر يقف منهم موقفا عدائيا بينما كان النصف المتبقي خارج الصراع أساساً ، سنجد أن الأغلبية ونعنى بها النصف الأخر- ويضم الكثير من نشطاء يناير والعوام وغيرهم- انشطرت هى الأخري لقسمين، انحاز كل قسم منهما إلى طرف من طرفي الصراع بدرجة أو بأخرى وبطريقة أو بأخرى، ثم رويدا رويدا ما بدأ الخيط يترى مرجحا كفة المظلوم، وتلاه مؤشرات قرب الالتحام مجددا كما كان المصريون قبل الانقلاب.
نعم.. قد خرج الإخوان من محنتهم بمزيد من الأعداء ، ولكن أيضا خرجوا بالأكثر كثيرا من الأصدقاء ، مع وجود فارق خطير هو أن كثيرا من أعدائهم هم يتوزعون ما بين طبقات ثلاثة، إما من المختلفين فكريا وهؤلاء لهم حقهم في العداء السياسي طالما يحترمون حقوق الأخر، وإما ضحايا التزييف الإعلامي وهؤلاء يمكن لعدة برامج تلفزيونية توضيح الحقائق لهم ، وإما جهلاء وهؤلاء لا يفيدون لا الثورة ولا الثورة المضادة أصلا.
كما أن شدة الهجمة وطبيعة كل ما حدث، وسع من مدارك الإخوان وكل قوى الثورة ذهنيا عموما حول أساليب وطرق إدارة النظام العسكري للبلاد ، حتى لا يفكرون بحسن نية في الموجة الثورية التالية التى باتت ليست وشيكة فحسب ، بل ملحة لدى المصريين الآن.
ومن المكاسب أيضاً، أنه حينما قصد نظام السيسي مهاجمة الإسلام ، انصب هجومه على الاخوان المسلمين ما نصبهم في نظر المراقبين حماة لهذا الدين ، كما أن التكالب الغربي على الاسلاميين وتحالفهم مع النظام العسكري كشف بالدليل القاطع لمن كان في حيرة من أمره من هو عميل أمريكا واسرائيل.

لقراءة المقال على الجزيرة مباشرانقر هــــــــــــنا