الأحد، 22 مارس 2020

سيد أمين يكتب: في مصر.. ضحايا مجهولون لكورونا


لا تقتصر مخاطر تفشي فيروس كورونا في مصر وما تلاه من إجراءات اتخذتها الدولة للحد من انتشاره؛ على من يمرضون به أو على ذويهم فقط، ولكن يتخطاه ليترك آثارا كارثية على فئات واسعة في دولة يعتاش قطاع كبير من سكانها على مدخولاتهم المادية اليومية أو الشهرية.
ومشكلة هذه الفئة أنها لا تمتلك مدخرات أو عوائد مادية ثابتة، ولو توقف أحدهم عن العمل يوما واحدا فإنه سيعرض نفسه وأسرته للجوع، في ظل غلاء تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى أن هذه الفئات تسكن في الغالب مساكن إيجارات جديدة تقتطع جزءا كبيرا من مدخولاتها المادية.
ورغم عجز كثير من المواطنين عن مواجهة تكاليف المعيشة في ظل الظروف المعيشية العادية، فإنهم مع تفشي الوباء وما قد يعقبه من إجراءات تفرضها الدولة، سيكونون قد فقدوا مورد رزقهم، ومطالبين في الوقت نفسه بزيادة إنفاقهم لتغطية مستلزمات الوقاية من إصابتهم وذويهم بالفيروس القاتل، خاصة أنهم الفئة الأقل في الرعاية الصحية.

الفئات المتضررة

فعلت وزارة القوى العاملة خيرا حينما قررت منح أصحاب العمالة المؤقتة راتبا قدره 500 جنيه (30 دولارا) شهريا، وهو رقم مع زهادته إلا أننا نشك أصلا في صحة تطبيقه، وفي عدد من سيستفيدون منه، ونأمل ألا يكون مجرد "لقطة" من "لقطات" خادعة اعتادها المصريون السنوات الماضية.
فهناك قائمة طويلة ممن سوف تتأثر أعمالهم جراء تفشي الفيروس وستستحيل حياتهم مع فرض الدولة حظرا للتجول، أو ستتوقف أعمالهم جراء الذعر الذي ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.
فهناك ما بين 2.4 مليون (حسب الإحصاءات الرسمية) إلى 5 ملايين عامل (حسب إحصاءات أهلية) من العمالة غير المنتظمة، والتي تتضمن عمال "اليومية" والتراحيل والمعمار والمقاهي ومحطات الوقود والباعة الجائلين وغيرها، وتتسع رقعة إعالة هذه الفئة لما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون نسمة.
وهناك أيضا فئات توجب طريقة عملها التعامل المباشر مع الجماهير وتسلم وتبادل النقود والأوراق، ما يضاعف تعرضها للإصابة بالفيروس، ومن أمثلة هؤلاء محصلو الأتوبيسات والقطارات والمترو وحتى شركات الطيران، فضلا عن سائقي السرفيس والتكسي والتوكتوك، أيضا محصلي المستشفيات والنوادي وغيرها.
كما تشمل المعاناة الأيادي العاملة في قطاعات الصحة والعناية الصحية والخدمات المعاونة من طواقم التمريض وحتى عمال النظافة، بمن فيهم أولئك العاملون في الشوارع العامة، وجميع هؤلاء معرضون بشكل مباشر للمرض. بل إن تفشي الوباء يفرض عليهم مسؤوليات أكبر في حين أن بعضهم ليس بوسعه تحمل تكاليف الرعاية الصحية التي يشارك في صناعتها.
ونحن هنا نستثني الأطباء الذين يقع عليهم دور البطولة في هذه الحرب الحقيقية، لكونهم يتلقون محفزات مالية وطبية تبدو مقبولة وإن كانت في حدها الأدنى.
كما امتد خطر كورونا ليقطع أقوات العاملين المستقرين في القطاع الخاص، كالمدارس الخاصة على سبيل المثال، حيث استغلت كثير من اداراتها قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة 14 يوما، فمنحت العاملين لديها اجازة دون راتب، ما يخشى أن تحذو حذوه الشركات والمكاتب الخاصة حال تمديد وتعميم الاجازات، وتحرم المواطنين من أموال هم في أمس الحاجة لها.
وقد تندهش إن علمت أن غالبية أئمة المساجد معينون بعقود ؤؤقتة ويتقاضون رواتبهم بناء على عدد الصلوات التي قاموا بإمامتها وخطب الجمعة التي حضروها، وإغلاق المساجد سيعرض تلك الفئة لفقدان مورد رزقهم.

واجبات الدولة

في الواقع، إن الجميع في مصر سوف يتأثرون بدرجة ما من تفشي وباء الكورونا، وواجب الدولة والمجتمع هو حماية الفئات الفقيرة والمسحوقة وتقديم يد العون لهم لمجابهة هذا الخطر الوجودي الجسيم.
ويبقى من أولى واجبات الدولة الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجونها، وهم بعشرات الآلاف، خاصة أنهم الأكثر عرضة لتفشي الوباء بسبب تكدس السجون وسوء التهوية والتغذية فضلا عن ضعف مناعة المعتقلين التي يلهبها سوء الحالة النفسية جراء الحبس الطويل غير المبرر.
ومن واجباتها توفير الطعام والدواء والرعاية الصحية لغير القادرين طوال فترة تلك المحنة، وأن تسقط التزاماتهم المادية من فواتير ماء وكهرباء وغاز وإنترنت وغيرها حتى جلاء المحنة، لأنه كما للدولة حقوقا على أبنائها فإنها ملزمة بتأدية واجباتها تجاههم، وإن لم تؤدها فلا يحق لها الحديث عن الحقوق وذلك ببساطة لأنه لا وطن بلا مواطن.
كما يجب على الشعب عدم التكالب على تخزين السلع والبضائع ما يؤدي لرفع أسعارها بصورة جنونية، فيعجز الفقير عن الحصول عليها، لأن ذلك ليس من خلق المسلم المحب لدينه ووطنه.

الخميس، 12 مارس 2020

سيد أمين يكتب: من يقف وراء محاولة اغتيال حمدوك؟

 نقلا عن موقع عربي 21

قد يحمل اتهام النظام السوداني السابق بالتورط في محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك شيئا من العمق، لكن الأعمق منه توجيه أصابع الاتهام إلى المستفيد من توجيه تلك الأصابع لهذا النظام الراحل.
فمن يوجه الاتهامات سيخلق بلا ريب انقساما مجتمعيا حادا في هذا البلد، من خلاله وصم قطاع عريض من الشعب بالارهاب، ما يعني ضرورة مواجهته بذات السلاح، وبالتالي عليه أن يتخير ما بين الإبادة أو الإقصاء.
وهي ذات الاتهامات التي حاولت سلطة الجار الشمالي للسودان أن تواجه بها جزءا كبيرا من الشعب، وبررت من خلالها تكميم الأفواه والحريات، واستباحة الدماء، وجرّمت حقهم المشروع في المواطنة والتعبير والاحتجاج والتظاهر، مستظلة بشعارات زائفة، بدأتها من الإرهاب المحتمل حتى وصلت للمعركة التي لا يجب أن يعلو صوت فوق صوتها.
والقول بأنه من مصلحة النظام القديم تخريب المسار الديمقراطي للسودان أملا في العودة للحكم، هو في الواقع قول يحمل قدرا من السذاجة؛ لأن أوضاع السودانيين الاقتصادية في ظل النظام الجديد لم تختلف كثيرا عن حالها في ظل النظام القديم، بل إنها ساءت بشكل كبير دون أن يكون للبشير والأحزاب الإسلامية أي تدخل فيها.
يحدث هذا السوء رغم تدفق المعونات والمنح والقروض على الحكومة الجديدة من القوى الخليجية الراغبة في ضم الخرطوم لأحلاف اقليمية معينة، ورغم رفع قسم كبير من العقوبات الأمريكية والأوروبية عن السودان، وهي العقوبات التي كبلت نظام البشير وأوصلت الوضع الاقتصادي إلى حد الثورة عليه.
كما أن تحميل النظام السابق مسؤولية الانهيار الاقتصادي في السودان (رغم مساوئه التي لا تعد ولا تحصى) فيه تحامل كبير عليه، لأنه أصلا لم يتسلم السودان واحة خضراء فبوّرها، لكنه تسلمها من سابقيه، وهم كثر، على هذا الخراب، فأهمل فيها كما سيهملها من يحكمون الآن.

شيطنة الإسلاميين


وعلى غرار ما حدث في شمال الوادي من ظهور، حركات وجماعات لم يسمع بها ولا بنشاطها الشارع المصري قط سوى بعد انقلاب 2013، حدث في جنوبه، وخرجت بيانات من جهات غير معروفة من قبل تعلن تحملها المسؤولية عن التفجير. والغريب أن جميعها تحمل مسميات أو شعارات ذات طابع إسلامي، منها مثلا "حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان" و"داعش السودان".
كما ترافق مع الدقائق الأولى للهجوم، إسراع أحزاب وجهات وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحاكم بإدانة حزب البشير واتهامه بالتورط في الحادث، رغم عدم وجود أي دلائل توحي بذلك، واستباقا لأي تحقيقات.
وهذا يوحي بأن الهدف هو شيطنة الحركات والأحزاب الإسلامية السودانية، رغم أنها نفت علاقتها بالحادث جملة وتفصيلا، وسارعت للتعبير عن إدانته في اللحظات الأولى، فضلا عن أنها الأحرص على ألا يتكرر المشهد المصري في السودان.
واللافت أن صحف وفضائيات الإمارات والسعودية ومصر دون سواها، اهتمت بالحادث اهتماما كبيرا، وتوجهت بـ"ربطة معلم" باتهام الإخوان في تدبير الحادث، داعية لسرعة تصفيتهم من المجتمع السوداني.

الرابح والخاسر


في الواقع هناك فئات كثيرة ستستفيد من الحادث، وفي المقابل هناك جهة واحدة تضررت بشدة منه.
أول المستفيدين من الحادث، هي تلك الدول التي تناصب الإسلام السياسي العداء، وتحاول أن تقصيه من السودان، وأن توجد لنفسها موطئ قدم ينافس الوجود التركي في جزيرة سواكن والصومال، لا سيما في هذا البلد صاحب السواحل الهائلة على البحر الاحمر، والمعبر الحيوي لأدغال أفريقيا، والأراضي الزراعية الوفيرة. وفي مقدمة هؤلاء الإمارات والسعودية ومصر.
ثاني المستفيدين، هي القوات المسلحة التي تم إرغامها عبر المظاهرات والمسيرات وتردي الحالة الاقتصادية وغيرها على القبول بمشاركة القوى المدنية في الحكم، وهذه القوات بحاجة لتبرير العودة للقبضة الحديدية تدريجيا حتى يتسنى لها في نهاية المطاف الإطاحة بحلفائها المدنيين، على غرار ما حدث في مصر.
ولا ننسى أيضا أن هناك عدة محاولات انقلابية نفذتها جهات في الجيش في وقت سابق، لكنها فشلت.
ثالث تلك الجهات هي التيارات ذات الطبيعة الراديكالية في القوى المدنية، كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والتي تريد صبغ أيديولوجيتها على الحكومة، وهي بالمناسبة من أكثر الكارهين للتيار الإسلامي.
يأتي رابعهم الحركات المسلحة في السودان، وهي كثيرة وقادرة على تنفيذ أجندتها بقوة السلاح.
ورغم كل ذلك، فإن البعض يحلو له تحميل حزب البشير المسؤولية رغم أنه هو الخاسر الأكبر من سلوك هذا المسلك، وأن زيادة معاناة الناس جعل البعض يترحم على أيامه، على غرار ما حدث في مصر.

الثلاثاء، 10 مارس 2020

سيد أمين يكتب: كورونا.. هل هو حرب بيولوجية؟

السينما الأمريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل.
في عام 2011 أنتجت السينما الأمريكية فيلما مدهشا أسمه "المرض المعدي" أو "Contagion" من إخراج ستيف سوديربيرغ، يوثق انتشار مرض معد مصدره "شربة الخفافيش" ، وانطلقت العدوى من وسط مدينة مزدحمة بالسكان لتقتل ملايين البشر في كوكب الارض.
ثم أنتج في عام ٢٠١٤ مسلسلا أمريكيا أسمه السفينة الأخيرة the last ship"" عن رواية صدرت عام 1988 تحمل الاسم نفسه لويليام برينكلي يتحدث عن فيروس دمر العالم، والغريب أنه في يعض المشاهد يتحدث عن أن الوباء انتشر في القاهرة والحكومة المصرية تسترت عليه حتى أصبح خطرا وجوديا عليها"
وهناك أعمال سينمائية أمريكية أخرى تتحدث عن ملامح المشهد العالمي الحالي، مثل فيلم "Outbreak" أو "تفشى الوباء" الذي أنتج عام 1995، ويتحدث عن وباء يدمر الجهاز التنفسي وينتشر بسرعة شديدة في العالم انطلاقا من قرود في "زائير".
وفيلم "I Am Legend" أو الناجى الوحيد ويتحدث عن حرب بيولوجية نجمت عن تصنيع فيروس معدي ينتقل بالتنفس ويدمر العالم، ومثله أيضا فيلم "الحجر الصحى" "Quarantine" ، وفيلم "Flu" أو "الأنفلونزا القاتلة".ذلك بخلاف سلسة أفلام الزومبي الأمريكية الشهيرة تتحدث عن نفس الموضوع تقريبا.
كل تلك الأعمال تثير علامات تعجب حول دقة السينما الأمريكية في تجسيد خطر الفيروس، بحقائقه واحتمالاته التي نعيشها الآن، بلغت من التطابق درجة أنها حددت أن مصدر الوباء الخفافيش، وأنه انطلق من مدينة مزدحمة، وأنه يصيب الجهاز التنفسي، وأن القاهرة تتكتم.
تماما مثلما تنبأت تلك السينما بوصول شخص الرئيس الأمريكي بصورته وشخصيته للبيت الأبيض والتي جسدها الفيلم الكرتوني "عائلة سيمبسون" الذي أنتج في عام 2000.
ما يثير علامات استفهام حول ما إذا كان هذا التشابه مجرد صدفة، أم استباق نشر لمعلومات عسكرية أو علمية دقيقة تحصلت عليها، أم إن هناك أشقياء "أشخاصا أو دولا" قاموا بتطبيق هذه الأعمال السينمائية على أرض الواقع كما فعل "أحمد بدير" في فيلم "بطل من ورق"؟

تنبوأت أم معلومات؟


لكن الأمر يزداد دهشة حينما تعرف أن السينما الامريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل في أسواق الصين، قبل انتقاله بسرعة إلى مختلف بقاع العالم"
فيما قام مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي البريطاني العام الماضي بعمل محاكاة لمواجهة فيروس مشابه يقضي على 85 مليون شخص في أشهر قليلة، وتنقل عن الدكتور إريك تونر العالم بالمركز لاحقا أنه لم يشعر بالصدمة عندما ظهرت أنباء عن انتشار فيروس كورونا.
وسيبلغ التشويق مبلغه حينما تعلم أنه في 2018 صدرت تحذيرات علمية من تعتيم عن خطط عسكرية أمريكية لتحويل الفيروسات إلى "فئة جديدة من الأسلحة البيولوجية" ونشر الفيروسات المعدلة وراثيا بالمحاصيل في إطار برنامج Insect Allies، وهو ما نفته تماما وقتها وكالة (داربا) صاحبة البرنامج مؤكدة أنها تحاول فقط تعديل المحاصيل باستخدام الفيروسات لإحداث تغييرات جينية عليها، بينما نقلت مواقع عن القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأميرال الأمريكي جيمس ستاف أنه حذر في مقال سابق له بمجلة فورين بوليسي من أخطار حرب بيولوجية متوقعة قد تقضي على خمس عدد سكان العالم.

الحرب البيولوجية


تباينت الاتهامات بتصنيع الفيروس بين الدول العظمى ولكنها انحصرت بين أمريكا والصين وإسرائيل، إذ اتهم ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق داني شوهام الذي درس الحرب البيولوجية الصينية، فى حوار له مع صحيفة الواشنطن تايمز الصين بأنها أنتجت الفيروس كورونا فى مختبر بمدينة ووهان الصينية، ضمن برنامج سري للأسلحة البيولوجية.
وعلى غرار اتهام رئيس الحزب الليبرالي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي والمعروف بآرائه المتطرفة بشأن وقوف أمريكا وراء الفيروس، اتهم بطل فيلم "Outbreak" الحكومة الأمريكية بالمسؤولية عن إنتاجه.
ولم يستبعد الروسي إيغور نيكولين المسؤول السابق قي البعثة الأممية للأسلحة البيولوجية أن يكون الفيروس جاء نتيجة حرب بيولوجية واختار صانعوه مدينة ووهان التي تقع في قلب الصين ذات الكثافة السكانية لينطلق منها.
أصحاب هذا التوجه يدعمون حجتهم بما تردد عن أن فيروس إنفلونزا الطيور الذي ضرب العالم في عام2010 كان نتاجا لأبحاث بيولوجية أمريكية في مختبرات لها بإندونيسيا.

قارب النجاة

عمليات الإبادة الجماعية ليست مستبعدة في السلوكيات الاستعمارية، بل إن هناك بعض الفلاسفة الغربيين برروا لها وحذروا من أن زيادة أعداد سكان العالم بشكل كبير قد يقضي على فرص ما أسموه السعادة البشرية، واقترحوا نظرية غير أخلاقية بالمرة من أجل ذلك اسموها "قارب النجاة" تقترح التضحية بالحمولة الزائدة من القارب لكي ننقذه من الغرق، وأنصار هذه النظرية الفجة يشجعون أعمال الإبادة الجماعية.
عموما فإن سلوك مسلك الحرب البيولوجية ليس ببعيد في السياسات الخارجية للدول العظمى، فقبيل غزو العراق عام 2003 م خرجت العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية لتؤكد أنهم يجرون أبحاثا من أجل إنتاج مواد بيولوجية تستهدف العراقيين وحدهم، وتلاها مزاعم إعلامية ترددها وسائل التواصل عن وجود مركز أبحاث اسرائيلي بريطاني مشترك لاستخلاص فيروس لقتل العرب.


ولتخطي الحجب انقر هنا 



الثلاثاء، 25 فبراير 2020

سيد أمين يكتب: ورحل مبارك.. خبر تمنيناه فلما رحل ترحمنا عليه!


كان من الممكن أن يكون الخبر الذي أعلنه التلفزيون المصري اليوم حول وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كفيلا وحده بأن يهز مصر من شمالها إلى جنوبها فرحا في الغالب أو حزنا أحيانا، بل وأن يكون الخبر في حد ذاته ثورة قبل الثورة، وأن يتصدر كافة وسائل الاعلام العالمية بلا استثناء، لو كان حدث ذلك قبل عشر سنوات من الآن.
وقتها كان سيعتبر الناس ذلك تغييرا ربانيا – حتى لو كان شكليا – في حكم وصل لمرحلة قصوى من الاستقرار والثبات والتجذر، لدرجة أدرك معها خصومه أنه لا يمكن اسقاطه بفعل عمل شعبي.
وربما فتح هذا الحدث أفاق الأمل لدى الحالمين لخلق مسار ديمقراطي كامل وتداول للسلطة بعدما تاقت نفوس الناس آنداك لأن يسمعوا لـ "ملهم" غيره يقضي على الفساد والمحسوبية والرشوة ويعطي اعتبارا لدولة القانون، كما يحدث في كثير من بلدان العالم المبتلاة بـ "داء الديمقراطية".

خبر باهت

لكن فيما يبدو أن الله لم يرد للمصريين السعادة، فقد جاء خبر وفاة الرجل وقد صار أكثر الناقمين عليه آنداك مترحمون على أيامه، وأصبحنا نوازن بين الشر الذي تمنينا زواله والأشر الذي وقعنا فيه، والضر الذي كان والأضر الذي أمسى جاثما على صدورنا، وأصبح حال أكثر من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة يردد المثل "ما اسخم من ستي إلا سيدي".
وقد تلقى المصريون الخبر بشيء من الفتور، تماما كما يتلقى أحدهم خبر وفاة شخص يعرفه بشكل سطحي في العمارة أو الشارع الذي يقطن فيها، وقد ساهم في صناعة هذا الفتور تكرار الأخبار التي تداولتها المواقع طيلة السنوات الماضية عن وفاته أو وفاة السيدة زوجته ثم يثبت كذبها.
وكذلك حالة الانشغال التي يعيشها المصريون جراء همومهم الداخلية وغلاء المعيشة لم يترك لهم مجالا للتفكير كثيرا في هذا الحدث الذي لا يغني أو يسمن. 
وفي الواقع كان هناك فقر ولكن لم يكن هناك جوع كما هو الآن، ووجد فساد ولكن كان يوجد تكيف شعبي معه، وكان هناك ظلم ولكن كان معه شيء من ردع بسلطة القانون، وكان للشرطة تغول ولكن كان هناك ما يردعها من قوى مجتمع مدني واعلام ونخب وقضاء فضلا عن أنها كانت تقوم بدور في حفظ الامن في الشارع ولم تكن هي مصدر الفزع لدى الناس كما يحدث حاليا.
كانت المؤسسات مترهلة وفاسدة ومع ذلك حاولت أن تحتفظ بالحد الأدنى من مهام وظيفتها، ولم تهدرها وتقوم بعكسها كما يحدث الان.
لجأت السلطة آنداك لتغليف مواقفها وإجراءاتها بمبررات تبدو منطقية بدلا من تلك السلطة التي تقوم بتصنيع الخطأ من أجل تبرير الخطيئة التي ستقوم بها.
كانت سلطة مبارك تحاول الظهور بمظهر الديمقراطية بينما تجتهد سلطة السيسي في التدليل على قسوة إجراءاتها القمعية وأنها تنفذ ما تريد دون الحاجة للتبرير ودون أي رادع على الإطلاق، حتى صار الجميع يدرك أن ما تريده السلطة تفعله بأقسى الطرق وأكثرها وحشية.

واحد من الناس


كنت واحدا من الناس الذين انشغلوا كثيرا بصحة مبارك ورأيت في أخبار مرضه قبل ثورة يناير نافذة للتغيير، ولما حدثت الثورة وتنحى الرجل اعتبرت أن أعظم احلامي في الحياة تحققت، وأن شمس الحرية أشرقت على مصر، لدرجة أنني في يوم من غير أيام المظاهرات تعمدت أن أصلي صلاة الشكر بميدان التحرير.
وأسست مع زملاء حركة صغيرة طموحة تحت مسمى "الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك "، استضافتني بسببها معظم الفضائيات المصرية، وأسهبت في تعديد جرائم مبارك حتى ركزت في أحداث التسعينيات الخاصة بقمع الجماعات الإسلامية وما شابها من جرائم حتى بدأ الإعلام ينصرف عني، وقتها شعرت أن من ارتكب تلك الأحداث كان ما زال حاكما وينوي أن يكررها، وقد كررها بشكل أكثر بشاعة وفجاجة.
وقتها خشيت أن يتم تسخيري دون قصد وتسخير الحركة في تحقيق أهداف خاصة بنزاع بين أقطاب السلطة العسكرية الحاكمة، فأعلنت إلغائها.
ولعل القرار الذي اتخذته السلطة بتشييع مبارك في جنازة عسكرية، بزعم كونه أحد كبار قادة القوات المسلحة في حرب أكتوبر لدليل بين أن النظام الحاكم هو النسخة الأكثر قمعا واستهانة باردة الشعب من نظام ثرنا عليه في يناير 2011،
بينما قام نفس هذا النظام بدفن أول وآخر رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر سرا وفي جنح الظلام ودون تحقيق جدي في ملابسات استشهاده.

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر
ولتخطي الحجب انقر هنا


الخميس، 13 فبراير 2020

سيد أمين يكتب: قصة خليفة حفتر!


مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل ، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح"
لا ننكر أن هناك قسطا كبيرا من الناس لا يعير لمسألة العدالة أو الديمقراطية أو الخير والشر بالا، ويسخر من مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها، ويتركز كل اهتمامه على مسألة الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا مات فيه الجميع.
فانحيازات هذا الصنف دائما مبنية على موقف الدولة، وهي المحصورة لديه فقط في مظاهر سلطتها وسطوتها وحتى استبدادها، وأهم أدواتها بالطبع قواتها المسلحة.
لهذا لا عجب في أن تجد بعض الناس يدافعون عن ديكتاتور عسكري لم يصل حتى لامتلاك سلطة حقيقية مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة سلطة مدنية منتخبة ممثلة شرعية للدولة ومعترف بها دوليا، وهي المميزات التي في الغالب يعتبرونها عيوبا مقابل ما يمتلكه حفتر من عيوب يعتبرونها مزايا، كعدم احترامه لحرية الناس وحقهم في الاختيار.
فحفتر والنظام الذي اقامه في مدينة "بنغازي" برعاية رعاة الثورات المضادة في الوطن العربي، لعب كثيرا على طريقة تفكير هؤلاء "الدولجية"، حينما سمى الجيش الذي أسسه باسم "الجيش الوطني الليبي" فدغدغ خيالات هؤلاء بأنه مناضل وطني قاد الجيش الليبي "الوطني" ليقهر عناصر"المليشيات الإرهابية" الذين انقضوا على الدولة، وتناغما مع ذلك كثيرا ما أطلق اعلامه عليهم لفظ "الجرذان" الذي كان يطلقه معمر القذافي عليهم في 2011، محاولا بذلك توثيق نفسه أمامهم بأنه الوريث الشرعي لدولة القذافي.
ولعل قيام مكونات دينية متطرفة كالجامية المدخلية في ليبيا، والمعروفة بتبني النهج "الدولجي"، بالانحياز لحفتر ومليشياته يعني أن تلك السياسة لاقت ارتياحا لدى البعض، للدرجة التي جعلت أنصار القذافي نفسه في "سرت" يتجاوبون معها ويرحبون باستيلاء قواته على مدينتهم عوضا عن قوات حكومة الوفاق الشرعية.
لكن سرعان ما خرجت قيادات القبيلة التي ينتمي اليها القذافي واعلنت عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع وأنها غير طامحة في الحكم ولا تسعى له، وقد نالت كفايتها منه.

كشف الأباطيل


بالطبع تلك الدعايات السمجة لا يمكن أن تنطلي ألا على قليل الخبرة السياسية وعديم المعرفة بتاريخ الدولة الليبية ومسيرة القذافي وأحداث الواقع.
فلو تعاملنا بمنطق وراثة حكم القذافي، وهو منطق باطل ومذموم، فالجنرال المتقاعد خليفة حفتر لا يصلح وريثا للقذافي بينما ابنه سيف الاسلام القذافي نفسه حي يرزق، وابن عمومته قذاف الدم على قيد الحياة.
كما أن مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح" وهى التي تعني ببساطة أن جميع فئات الشعب هى ذاتها قوات الجيش، وقد تعني بشكل أخر عدم وجود جيش نظامي للبلاد أصلا، وتقوم النظرية على أنّ جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح سنويا، في حين أن الجيش الذي يقوده حفتر أسس بعد سقوط القذافي عام 2011.
وها هى الشهادات تتوالى لتثبت أن جيش خليفة حفتر "الوطني" ما هو إلا مجموعات من المرتزقة تم استئجارهم من قبائل الجنجاويد بالسودان وتشاد ومصر والأردن وسوريا وشركات أمنية أوكرانية وروسية، لدرجة جعلت المسماري المتحدث باسم جيش حفتر يقر بوجود العسكريين الروس كما أقر بوجودهم الرئيس الروسي نفسه، ونجد أن الممول الرئيسي المشتبه به في تمويل تأجير هؤلاء المرتزقة السعودية والإمارات، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اختصهما القذافي بالعداء سواء قبل الثورة أو أثنائها ، وألقى عدة خطابات موجهة لقادتهما تطالبهم بعدم تأجير "الجرذان" وعدم التأمر على ليبيا.
كما أن فرنسا الداعمة الكبيرة لحفتر هي ذاتها أبرز الجهات التي دعمت الإطاحة بالقذافي.

حياة متمردة


حياة خليفة حفتر الذي يقترب من الثمانين "مواليد 1943" مليئة بقصص التمرد ، فبعدما ساهم في انقلاب 1969 في ليبيا والذي يعرف باسم ثورة الفاتح من سبتمبر التي أوصلت القذافي للحكم ، أرسله القذافي عام 1987 للمشاركة في الحرب ضد دولة تشاد المدعومة "فرنسيا" لكنه وقع في الأسر ومعه700 من قواته واتهمته تشاد باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا ، فاستدار على من أرسله، وقام هناك بدعم خارجي بتشكيل تنظيم عسكري بهدف الإطاحة بالقذافي لكن الأمر افتضح لدى القذافي فاصدر عليه أحكاما بالإعدام، ما جعله يعقد صفقة "تجنيده" مع الأمريكان لكي تُطلق تشاد سراحه ، ويؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي انبثق عنها "الجيش الوطني الليبي" بدعم أمريكي كامل في كينيا، وفي عام 1990 يسافر إلي فرجينيا ليقضي فيها أكثر من عقدين من الزمان ويحصل على الجنسية الامريكية، ولما حدثت الثورة الليبية هنا ارسلت أمريكا "مجندها الثمين" ليساهم في إسقاط القذافي على أمل أن تنصبه حاكما على هذه الدولة الثرية، إلا أن يقظة الثوار حالت دون حدوث ذلك حتى تلك اللحظة.
الغريب أنه حينما تم أسر حفتر في تشاد كانت رتبته عقيد، ولا يعرف للآن من منحه رتبة المشير تلك التي يحملها.

قصة تمرد


للجنرال العجوز قصص أخرى أكثر غرابة وتشويقا، منها اتهامه من قبل المتحدث السابق باسم "جيشه" محمد الحجازي بالاستعانة بـ "السحر" واستجلاب سحرة من النيجر وتشاد بهدف إخضاع المحيطين به.
وروى المتحدث العسكري السابق قصة على هذا المنوال، مشيرا إلى أن المحيطين بحفتر أتوا له بساحر دفعوا له نصف مليون جنيه ليبي ، ليصنع له خاتما يضعه في يده، به فص يقولون إن جنيا خادما يقبع داخله، وهو ما يجعل الناس حين يحضر حفتر تهتف وتصفق.
على ما يبدو أن الدولجية يحبون من يخدعهم!



الخميس، 23 يناير 2020

سيد أمين يكتب: يناير هذه المرة مختلفا

عوامل عديدة تجعل من ذكرى ثورة يناير هذا العام ليست كسابقاتها ، وهي العوامل التي أدركتها السلطة أيضا فانعكست بحالة التشديد الأمني التي بلغت ذروتها ، متمثلة في تفشى الكمائن في كل الشوارع ، وتفتيش هواتف المارة لا سيما الشباب منهم ، والتكثيف الاعلامي المنصب ليل نهار على قنوات المعارضة في الخارج لا سيما الشرق ومكملين ووطن ، وانهمار الشائعات المختلقة وما فيها من تشنيع على بعض الشخصيات المؤثرة في الحالة الثورية ، لا سيما الفنان والمقاول محمد علي الذي دعا لتظاهرات ذكرى الثورة هذا العام ، وكثير من الاعلاميين خاصة معتز مطر ومحمد ناصر.
وتبقى من أهم العوامل التي تجعل تلك المرة مختلفة، أنها جاءت بعد أشهر قليلة من تظاهرات 20 سبتمبر 2019، وهى التظاهرات التي دلت بشكل واضح على أن هناك قطاعات من الجيش والشرطة متضامنة مع أي حراك في الشارع.
وبما أن من دعا لتلك التظاهرات هو ذاته من دعا لتظاهرات ذكرى الثورة فإن احتمالات تحقق نفس النتيجة وارد جدا ما قد يشجع الناس للنزول.

وفاة الشرعية


ومن أهم العوامل التي من المتوقع أن تساهم في دعم الحراك هي حالة الوحدة التي تحققت لدي جميع معارضي النظام، كاسرة حاجز الانقسام الذي قام بتصنيعه وتغذيته طوال السنوات الماضية عملا بسياسة "فرق تسد"، وضمن له الاستمرار في الحكم.
وكان استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي في محبسه، أحد أهم عوامل توحيد الصف الثوري، على عكس ما كان يعتقد النظام، بل إن موقف الغرب الذي ظل داعما للسيسي طيلة تلك الفترة سرا وعلنا خيفة أن يعود مرسي والإخوان لحكم مصر من الممكن أن يكون قد تغير هذه المرة لا سيما بعد إعلان الأخوان بأن شرعية الرئيس سقطت باستشهاده، والثورة الآن في يد الشعب.
وهي الواقعة ربما ذاتها السبب الذي يجعل مواقف قيادات في الجيش والشرطة والجهات الأمنية الفاعلة قد تغير.

موجة الربيع العربي


ولعل المآسي التي عاشها العرب في ظل جرائم الثورة المضادة في حق الربيع العربي في موجته الأولى سواء في مصر أو اليمن أو سوريا أو حتى ليبيا والسودان، ونجاح اعلام الثورة في نقله للإعلام الخارجي ساهم في تغير مواقف الحكومات الغربية بعدما تم فضحها أمام شعوبها بأنها تدعم النظم الديكتاتورية سرا وتدينها او تتجنبها علنا، وهو التغير الذي لم يكن واضحا من قبل كما هو الأن، ومانشتات الصحف والفضائيات الغربية تشهد بذلك.
ثم جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي في العراق ولبنان، وتسارع النظم الغربية لدعمها بشكل قد يجعل البعض يشكك في ضلوعهم في تفجيرها، جعل البعض يتساءل: ألم يكن في مصر ثورة كما هي الآن في العراق، فلم سارعت هنا في دعم الثورة، وسارعت هناك في دعم الثورة المضادة؟
كما أن هناك حالة انكشاف واضحة التصقت بالنظام لا سيما في تعاملاته الخارجية، حيث إن ما يعتبره رأس النظام "جونا"، كشف في حقيقته أن هناك تنازلا لا يقل عن "تيران وصنافير" قد حدث في البحر المتوسط، وبدلا من أننا كنا نصدر الغاز لإسرائيل بربع سعره الحقيقي – وهو عمل مكروه ومقيت وطنيا – صرنا نحن من نستورد الغاز منها بأضعاف سعره، حيث جرى تبديل مثير في المواضع، وصارت اسرائيل موجودة في كل مطبخ مصري.

الظروف الداخلية


وتبقى من عوامل تنامي الآمال بنجاح الحراك هذه المرة انهيار الحالة الاقتصادية لعشرات الملايين من المصريين بصورة غير مسبوقة من قبل، وتزايد وسائل الجباية ونهب الأموال، وتفشي الأوبئة والأمراض، والانفلات الامني، واستمرار سياسة الاستدانة، والتفريط في تراب الوطن … ألخ، وهي العوامل – لا سيما الاقتصادي منها – التي يثق غالبية الناس في أنها ستؤدي حتما في نهاية المطاف لواحد من اثنين، إما ثورة عارمة قد تأتي بعد فوات الأوان وانعدام إمكانية الإصلاح، أو خراب غير مسبوق سيقضي على حاضر مصر ومستقبلها.
كما أن وجود عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون قد أفاد النظام في السنوات الماضية بوصفهم رهائن يتم استخدامهم للضغط على ذويهم ليقبلوا بالاستكانة، إلا أنه يمكن هذا العام أن يؤدي نتيجة عكسية حيث طالت فترة الاعتقال دون بوادر أمل مع تنامي حالات الوفاة في المعتقلات بالإهمال الطبي واقتناع العديدين بأنهم لن يخرجوا إلا موتى.
لكل هذه الأسباب انتعشت آمال المصريين بنجاح حراك هذه المرة.

اقرأ المقال هنا بعد تخطي الحجب على الجزيرة مباشر
او رابط مباشر هنا

الخميس، 16 يناير 2020

سيد أمين يكتب: سليماني.. مغزى الاغتيال والانتقام

نشر المقال للمرة الاولى في عربي 21


يأتي اغتيال الجنرال في الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، عقب وصوله إلى العراق، برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس وعدد من الجنرالات الآخرين كتغير دراماتيكي مفاجئ في السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه منافسي وجودها في الشرق أو الشرق الأوسط، من قبيل القوى الصاعدة كتركيا وإيران أو حتى باكستان.
فقواعد الصراع التي اعتمدتها أمريكا منذ عقود كانت ترتكز على إثارة الضغائن بين تلك القوى الجديدة وإذكاء الصراع بينها، وتقريب إحداها على حساب الأخرى، لتحصل أمريكا مقابل ذلك على امتيازات أو مكاسب مادية أو صفقات بترولية وغيرها، مع احتفاظها بقنوات تواصل سرية مفتوحة مع الجميع. هذا إلى جانب اتباع سياسة "حافة الهاوية" ضد التطلعات العسكرية لتلك الدول. ولعل مواقف واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني أو صفقة الصواريخ الروسية لتركيا والضجة التي أثيرت حول القس الأمريكي أندرو برونسون الذي اعتقلته أنقرة بتهمة التجسس وأفرجت عنه بعد حبس عامين، كانت خير مثال لتك السياسة.
وكان الخطر الأكبر الذي تخشاه واشنطن دوما هو توحد تلك القوى أو توحد السنة والشيعة في المنطقة.
وعبر المليشيات التي مولها المال السعودي والإماراتي، نجحت أمريكا في تحويل سوريا إلى منطقة صدام مذهبية ثابتة بين المذهبين تحول دون وحدتهما، ما أبقى النزاع دائم الاشتعال والتأجج وأضعف قدرتهما على مقاومة العدو المشترك، إسرائيل.
وللأسف سقطت إيران بعمق في هذا الفخ خوفا من افتقاد مجالها التأثيري الطبيعي في سوريا والعراق، وفقدان خط التواصل الجغرافي الرابط بينها وبين حزب الله في لبنان، خاصة بعدما رضيت بمهادنة الاحتلال الأمريكي في العراق وتقاسمت سلطته معه، ظنا منها أنها ستزيح (عبر شعبيتها ونفوذها المذهبي الإقليمي) النفوذ الأمريكي في نهاية المطاف.

اكتشاف الفخ


استمرت الاستراتيجية الأمريكية تؤتي أكلها حتى تنبهت الدول المشاركة في قمة كوالالمبور بماليزيا للأمر، ورأت أن الانقسام بين محوري المقاومة الإسلامية هو ما شجع أعداء المسلمين في العالم أجمع على التجرؤ عليهم، فعقدوا قمتهم في نهاية العام 2019المنصرم. وأكد القادة المشاركون على سياسة التوحد ونبذ الشقاق بين المسلمين، والقفز على هذا الانشقاق والعمل على إعادة اللحمة بين المسلمين، والعمل كفريق واحد كان من أبرز مظاهره حضور دولة إيران للقمة. هنا جوبهت القمة بحملة إعلامية إسرائيلية وأمريكية وخليجية محرضة، ما مثّل انكشافا للشرك وبدء سياسة اللعب على المكشوف بين تلك القوى ودول المحور الصهيوني، أو ذلك المحور الذي يتبنى الشرق أوسطية وصفقة القرن و"تزعيم" إسرائيل على الوطن العربي.
ومن مؤشرات التقارب السني الشيعي البارزة تعاطي إيران مع مقترحات إعادة اللحمة؛ التي كان أبرزها صمتها عن عملية نبع السلام التركية في سوريا، وما رددته صحف روسية بأن هناك توافقا إيرانيا روسيا بأن سوريا الجديدة لن يكون فيها بشار الأسد حاكما.

تغير الصراع


إزاء هذه التطورات غيّرت أمريكا وحلفاؤها في إسرائيل والخليج أوراق اللعبة، وراحت تفتعل معركة مباشرة باستهداف أبرز الشخصيات العسكرية لأحد جناحي هذا التحالف الجديد، لتجني من وراء الحدث عدة مكاسب، أهمها ضرب الأمثال على القدرة العسكرية والاستخبارية لهذا الجناح، أيضا للجناح الآخر، وخطب ود بعض دول الخليج التي كادت أن تفقد الأمل في قدرة أمريكا على مجابهة إيران رغم الأموال الضخمة التي تجبيها منها، فضلا عن اختبار إصرار القوى الأخرى على السير في طريق الوحدة الإسلامية أو كسر هذا التحالف، والعودة لمربع إذكاء الصراع السني الشيعي، وإذا لم تقم بهذا الدور فإنها ستكون حينئذ محط العمليات الانتقامية القادمة، خاصة بعدما رأت هذه الدول بنفسها أنه لا عزيز عند أمريكا وقت الشدة.
وفي المقابل، وإزاء هذا الانكشاف المبكر للمؤامرة الأمريكية التي أرادت بها أمريكا تغيير آليات الصدام البارد إلى الصدام الساخن والحاسم لصالح أمريكا كقوة عالمية، كان الرد الإيراني العنيف سيعطي أمريكا ضالتها، لذا ارتأت إيران ضرورة أن يكون الرد كبيرا في مدلولاته، صغيرا في أضراره لا سيما البشرية، ولذا جاء قصف القواعد الأمريكية في العراق باهتا، ما حرم أمريكا من مبررات الرد الحاسم وأجبرها على العودة للحرب الباردة.
لعل القيادة الإيرانية ارتأت أن الانتصار الحقيقي لدم سليماني يتركز في عملية استنزاف عسكري بطيء وطويل الأمد، تجبر |أمريكا في نهاية المطاف على سحب قواعدها العسكرية من العراق وسوريا.

ارتباك


احتفال ثوار سوريا بمقتل قاسم سليماني وهم من تيار المقاومة "السنية"، وتنديد فصائل المقاومة الفلسطينية "السنية" أيضا بمقتله، يعكس بشكل جلي الارتباك الكبير الذي تشعر به فصائل المقاومة السنية العربية، ليس تجاه "سليماني" فقط، بل تجاه إيران نفسها، وهو الارتباك الذي تسبب فيه المشهد السوري، والذي انتقل فيه الدور الإيراني من دور الضحية المقاوم لدى عموم العرب والمسلمين إلى دور الجلاد الطائفي الظالم، وذلك تحديدا هو صلب الفخ الذي جنت إيران ثماره الآن، وليس من المستبعد أن يتكرر السيناريو في المحاور الاستراتيجية لكافة القوى الإسلامية الأخرى، وهو ما يوجب على الجميع التخلي عن بعض المكاسب الخاصة من أجل نجاح الوحدة الإسلامية الناشئة وتخفيف.
ليتنا ندرك قبل فوات الأوان.