الثلاثاء، 28 أبريل 2020

سيد أمين يكتب: مواقف مشرفة للزعيم الكوري.. مات أو لم يمت!

رغم أن الحكام المستبدين والطغاة يملأون عالمنا اليوم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، إلا أن "الميديا العالمية" المعروف تدفقها من الغرب والشمال إلى الشرق والجنوب، نجحت نجاحا مبهرا في جعل الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" – الذي تتضارب الأنباء حول وفاته من عدمها – أيقونة لهذا النوع من الحكام.
 وتجاوز تأثير تلك "الميديا" بسطاء الناس وعامتهم حتى وصل إلى النخب السياسية والمثقفة في العالم التي باتت تتصرف بناء على ما تتلقاه منها من معلومات، وما تبثه من أخبار شبه يومية عن التصرفات بالغة القسوة أو الغرابة التي تنسبها له ولحاشيته.
من نماذج تلك الأخبار مثلا أنه قتل وزير دفاعه بصاروخ مضاد للطائرات بسبب أنه لم يحزن بما يكفي في حفل تأبين أحد اقربائه، وأنه أصر على اعلان فوز فريق بلاده لكرة القدم بكأس العالم، رغم أن فريق بلاده لم يتأهل أصلا للعب في كأس العالم، بخلاف "الصورة النمطية" التي رسمها الاعلام عن حياة الشعب الكوري الشمالي المعتادة، حيث الفقر المدقع، والعمل بنظام السخرة، وعبادة "كيم جونغ أون" وعائلته بالإكراه، والبلاد المتأخرة حضاريا، ناهيك عن أن هناك مخبر لكل مواطن يراقبه حتى في احلامه.
بالتأكيد "لا دخان بدون نار" وبعض تلك المعلومات تبدو قريبة من الحقيقة لا سيما فيما يخص مسألة الحريات، لأن كوريا الشمالية شأنها في ذلك شأن كل بلدان العالم التي يحكمها نظام شمولي أو استبدادي، كما هو الحال في معظم بلداننا العربية التي تذبح الصحفيين وتقطعهم في دورها الدبلوماسية.
ولكن الكثير من تلك الأخبار بدا انها مبالغ فيها، فـ"جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" ليست دولة متخلفة حضاريا والأبراج والمنشآت العملاقة فيها تشهد، فضلا عن أنه لا يمكن أن تكون متخلفة وهي تهدد القوى العظمى في العالم عسكريا.
عموما، يعيق أي باحث عن حقيقة ما يجري في كوريا الشمالية أنه لا يجد ما يستقي منه معلوماته غير الميديا الغربية وما تنشره، وهو ما يفقد المعلومات جديتها.
ولقد جربنا نحن كعرب تلك الميديا في القضية الفلسطينية وغزو العراق والموقف الغربي من المقاومة وحتى من الاسلام السياسي.

المواقف العربية

نحن كعرب لا يعنينا في مواقف كوريا الشمالية أو زعمائها سوى مواقفهم من قضايانا، وهي في الواقع مواقف مشرفة منحازة بقوة للحق العربي في فلسطين والعراق.
فرغم أن الكثير من البلدان العربية طبعت مع اسرائيل ومنهم من ينتظر أو يطبع خلف الستار، لم تعترف كوريا الشمالية بدولة اسرائيل، وبل وتصفها بكيان استعماري تابع لأمريكا، وتعترف في المقابل بدولة فلسطين على كل أراضيها بما فيها الأرض التي أقيمت عليها دولة اسرائيل ذاتها. وطبقت نفس الأمر في مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
وانتهجت موقفا داعما للتسليح المتطور لكل الدول التي صنفتها "أمريكا" في عهد جورج دبليو بوش بـ "محور الشر" – والتي كانت هي على رأسهم – كعراق صدام حسين، وليبيا القذافي، وسودان البشير، وحزب الله وحماس وسوريا وإيران.
وهناك حرب دعائية معلنة مستعرة بينها وبين إسرائيل سواء أو الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن كوريا الشمالية استبعدت مواطني الدولتين بالإضافة إلى مواطني اليابان وفرنسا من السياحة في اراضيها في وقت مبكر من انفتاحها المحدود على العالم.

الموقف من إيران


اللافت أن ثلاثة من زعماء الدول التي صنفتها أمريكا بالدول المارقة قد قضوا أو اقصوا من الحكم، فيما يواجه الآخرون متاعب كبيرة ما بين الحصار أو الحرب.
ولعل هذه الرؤية كانت أيضا مدعاة لتمسك كوريا الشمالية باستراتيجيتها في انتاج أكبر قدر من اسلحة الردع الشامل كالأسلحة النووية والذرية وحتى الهيدروجينية، التي تشير التقارير الاعلامية وتكهنات المراقبين بانها استطاعت تملكها.
ويذهب المراقبون إلى أنه بسبب تشابه التشدد في الموقف الأمريكي تجاهها وتجاه إيران، فمن المحتمل أن يكون التعاون العسكري الكوري الايراني لا سيما في المجال النووي عميقا أيضا.

الموقف المصري


ورغم أن بوصلة مصر السيسي السياسية معروفة ومعروف من يرعاها في العالم، إلا أن اخبارا ترددت الاعوام الماضية تناقض هذه التوجهات، وتتحدث عن ضبط البحرية الأمريكية أسلحة كورية في بواخر مصرية متجهة إلى مناطق غير معلومة، الأمر الذي لا يمكنها التسامح، إلا إذا كان هذا التواصل تم بناء على طلب من "قيادتها" لغرض ما، واستجابت له كوريا الشمالية نظرا لحاجتها الى تسويق بضاعتها الرائجة "السلاح".
مواقف كوريا الشمالية تحت حكم اسرة "الوالد  المؤسس"، تتفق تماما مع الحق العربي، وبرغم ذلك فإن الميديا العربية تسير على نهج الميديا الغربية في التشنيع عليها.
بالحق وبالباطل، ودون التأكد للتمييز بين ما هو حق وما هو باطل!


ولتخطي الحجب انقر هنا

الخميس، 16 أبريل 2020

سيد أمين يكتب: المشاهد الخمسة في مقالات "نيوتن"

كان من الممكن أن يمر المقترح الذي طرحه من يكتب تحت اسم "نيوتن" المستعار في مقاله بجريدة المصري يوم الأحد الماضي 12 ابريل بعنوان"استحداث وظيفة" وما أعقبه من مقال أخر بعنوان "حاكم سيناء" مرور الكرام، لولا عدة مشاهد داخلية وخارجية لا يمكن أبدا تجاهلها والقفز عليها.

المشهد الأول:

أولى تلك المشاهد هي أن المنطقة المستهدفة بالاقتراح بأن يتولى أمرها حاكم خاص لمدة ستة سنوات بعيد عن سيطرة حكومة القاهرة المركزية، هي نفسها سيناء التي ذكرت العديد من التقارير والمصادر المسئولة المعلنة والمجهولة، العربية والاجنبية والمصرية والاسرائيلية، بأنها جزء من "صفقة القرن".
و"صفقة القرن" هي مصطلح كان أول من أعلنه صراحة هو عبد الفتاح السيسي في لقاء شاهده العالم أجمع مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب عام 2017مبديا حماسة ودعما كبيرا لها، قبل أن يعود لينكر معرفته بهذا الأمر، ثم يجري بعدها تغيير مسمى الصفقة اعلاميا لتكون أكثر نعومة تحت مسمى "صفقة تبادل الاراضي". 
وبالتالي فإن حديث "نيوتن" هو أقرب ما يكون لطرح رؤية جديدة على نفس قواعد صفقة القرن، مع طرح تعديل بسيط هو بدلا من التنازل عن جزء من سيناء لحكم أجنبي، هو التنازل عن كل سيناء لحاكم "ذا هوية مصرية" يفعل بها ما يشاء. 
ولم يقل المقال ما إذا كان هذا الحاكم واعوانه ممن اشتروا الجنسية المصرية مؤخرا ام لا؟

المشهد الثاني:

من التدليس أن يقوم "نيوتن" بتبرير طرحه بأنه الحل الوحيد في التغلب على بيروقراطية الدولة التي تحول دون تنمية سيناء، والقاصي والداني يعلم ان تنمية سيناء لا ينقصها أليات وكفاءات وخبرات ولكن أهم ما ينقصها هو صدق النوايا السياسية في تنميتها، خاصة مع ما يتردد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 أن هناك بنودا سرية لم يطلع عليها الشعب تقضي بتقاسم ثروات سيناء مع اسرائيل.
وكذلك بأنها ستبقى رهن التفريغ العمراني كمسافة آمنة بين البلدين وممنوع احداث اية تنمية فيها.
قد يكون ها الكلام ليس صحيحا ولكن التجربة الفعلية على الارض أيدته، فسيناء 2020 لا تختلف كثيرا عن سيناء 1979 سوى أن قرى ومدن فيها ازيلت من الوجود، بمعنى انها أهملت أكثر وفرغت أكثر ولا شأن للكفاءة والأليات بذلك.
بل أن اتفاقية السلام التي كانت مدتها 20 عاما انتهت 1999 وكانت هناك فرصة للتخلص من اعبائها لكن ما جرى هو تمديد الاتفاقية وبالتالي تمديد قيود غياب سيناء، فإذن المسألة كانت ارادة سياسية وليست كفاءات.

المشهد الثالث:

ضرب "نيوتن" المزعوم مثالا بالمكان المرجو أن تكون سيناء مثله لو تحقق مقترحه وهو "هونج كونج"، والواقع يقول أن هذه المدينة الصينية كانت تحت السيادة البريطانية لمدة قرن من الزمان بالتأجير قبل ان تعود للصين، بما يعني انها كانت تحت حكم اجنبي في حين أن المفروض في سيناء انها تحت السيادة الوطنية المصرية.
كما أن هونج كونج نمت بشكل سريع بسبب ما يمكن ان نسميه المكايدة الغربية التي تريد ان تبدو انها تتفوق على الصين حضاريا وهو ما ليس موجودا في مشهد سيناء، إلا اذا كنا نريد كمصريين أن نتفوق على بعضنا حضاريا، أو أن أجنبيا سيديرها.
والواقع أن اقليم هونج كونج لم يختلف كثيرا تنمويا عن الصين نفسها بلد المليار ونصف المليار نسمة، بدليل أن أوربا وأمريكا يستعينون بالخبرات الصينية في كافة مناحي الحياة، والصين هى الدولة الأعلى انتاجا قوميا في العالم.

المشهد الرابع:

نيوتن عرج في مقاله إلى التجربة الماليزية ومهاتير محمد، والواقع أن هذه التجربة لم يقتصر نجاحها على اقليم من اقاليمها ولكن شملت كل ارجاء الدولة، وكانت الديمقراطية وحرية تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير هي مفتاح هذه التجربة.
وهو ما يفتقده المشهد المصري تماما، وكان الاجدى الاقتداء بهذه التجربة لتنفيذها في كل ارجاء مصر لتنمو كل محافظات الجمهورية واقاليمها سويا.
كما أن مهاتير محمد الذي يشير إليه نيوتن بالتقدير لوطنيته واستنارته هو ذاته من هاجمه اعلام الدولة المصرية لعقده قمة "كوالالمبور" الاسلامية مع تركيا وإيران وقطر وممثلي باكستان واندونيسيا 

المشهد الخامس:

كل من يعرف حالة حرية الرأي والتعبير في مصر الأن يدرك يقينا أنه لا يجرؤ أحد أن يكتب مقالا بمثل تلك الخطورة القومية في الصحيفة الأكثر انتشار في مصر دون أن يكون مكلفا به من قبل السلطة.
كما أن هناك العديد من الآراء تقول ان اختيار الصحيفة والصحفي لكتابة هذا المقال له دلالة فريدة، فهناك العديد من الآراء – التي لا نستطيع التأكد من صحتها – تؤكد ان صلاح دياب مالك صحيفة المصري اليوم هو ذاته من يكتب تحت اسم "نيوتن"
ولذلك وجب الخروج من حالة اعتباره مجرد رأي شخصي إلى تحليل أهدافه، فهل هو جس نبض للمجتمع، أم لفئات داخل الجيش والسلطة كانت ترفض "صفقة القرن"؟ 
غدا سنعرف والحبل على الجرار


الأحد، 22 مارس 2020

سيد أمين يكتب: في مصر.. ضحايا مجهولون لكورونا


لا تقتصر مخاطر تفشي فيروس كورونا في مصر وما تلاه من إجراءات اتخذتها الدولة للحد من انتشاره؛ على من يمرضون به أو على ذويهم فقط، ولكن يتخطاه ليترك آثارا كارثية على فئات واسعة في دولة يعتاش قطاع كبير من سكانها على مدخولاتهم المادية اليومية أو الشهرية.
ومشكلة هذه الفئة أنها لا تمتلك مدخرات أو عوائد مادية ثابتة، ولو توقف أحدهم عن العمل يوما واحدا فإنه سيعرض نفسه وأسرته للجوع، في ظل غلاء تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى أن هذه الفئات تسكن في الغالب مساكن إيجارات جديدة تقتطع جزءا كبيرا من مدخولاتها المادية.
ورغم عجز كثير من المواطنين عن مواجهة تكاليف المعيشة في ظل الظروف المعيشية العادية، فإنهم مع تفشي الوباء وما قد يعقبه من إجراءات تفرضها الدولة، سيكونون قد فقدوا مورد رزقهم، ومطالبين في الوقت نفسه بزيادة إنفاقهم لتغطية مستلزمات الوقاية من إصابتهم وذويهم بالفيروس القاتل، خاصة أنهم الفئة الأقل في الرعاية الصحية.

الفئات المتضررة

فعلت وزارة القوى العاملة خيرا حينما قررت منح أصحاب العمالة المؤقتة راتبا قدره 500 جنيه (30 دولارا) شهريا، وهو رقم مع زهادته إلا أننا نشك أصلا في صحة تطبيقه، وفي عدد من سيستفيدون منه، ونأمل ألا يكون مجرد "لقطة" من "لقطات" خادعة اعتادها المصريون السنوات الماضية.
فهناك قائمة طويلة ممن سوف تتأثر أعمالهم جراء تفشي الفيروس وستستحيل حياتهم مع فرض الدولة حظرا للتجول، أو ستتوقف أعمالهم جراء الذعر الذي ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.
فهناك ما بين 2.4 مليون (حسب الإحصاءات الرسمية) إلى 5 ملايين عامل (حسب إحصاءات أهلية) من العمالة غير المنتظمة، والتي تتضمن عمال "اليومية" والتراحيل والمعمار والمقاهي ومحطات الوقود والباعة الجائلين وغيرها، وتتسع رقعة إعالة هذه الفئة لما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون نسمة.
وهناك أيضا فئات توجب طريقة عملها التعامل المباشر مع الجماهير وتسلم وتبادل النقود والأوراق، ما يضاعف تعرضها للإصابة بالفيروس، ومن أمثلة هؤلاء محصلو الأتوبيسات والقطارات والمترو وحتى شركات الطيران، فضلا عن سائقي السرفيس والتكسي والتوكتوك، أيضا محصلي المستشفيات والنوادي وغيرها.
كما تشمل المعاناة الأيادي العاملة في قطاعات الصحة والعناية الصحية والخدمات المعاونة من طواقم التمريض وحتى عمال النظافة، بمن فيهم أولئك العاملون في الشوارع العامة، وجميع هؤلاء معرضون بشكل مباشر للمرض. بل إن تفشي الوباء يفرض عليهم مسؤوليات أكبر في حين أن بعضهم ليس بوسعه تحمل تكاليف الرعاية الصحية التي يشارك في صناعتها.
ونحن هنا نستثني الأطباء الذين يقع عليهم دور البطولة في هذه الحرب الحقيقية، لكونهم يتلقون محفزات مالية وطبية تبدو مقبولة وإن كانت في حدها الأدنى.
كما امتد خطر كورونا ليقطع أقوات العاملين المستقرين في القطاع الخاص، كالمدارس الخاصة على سبيل المثال، حيث استغلت كثير من اداراتها قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة 14 يوما، فمنحت العاملين لديها اجازة دون راتب، ما يخشى أن تحذو حذوه الشركات والمكاتب الخاصة حال تمديد وتعميم الاجازات، وتحرم المواطنين من أموال هم في أمس الحاجة لها.
وقد تندهش إن علمت أن غالبية أئمة المساجد معينون بعقود ؤؤقتة ويتقاضون رواتبهم بناء على عدد الصلوات التي قاموا بإمامتها وخطب الجمعة التي حضروها، وإغلاق المساجد سيعرض تلك الفئة لفقدان مورد رزقهم.

واجبات الدولة

في الواقع، إن الجميع في مصر سوف يتأثرون بدرجة ما من تفشي وباء الكورونا، وواجب الدولة والمجتمع هو حماية الفئات الفقيرة والمسحوقة وتقديم يد العون لهم لمجابهة هذا الخطر الوجودي الجسيم.
ويبقى من أولى واجبات الدولة الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجونها، وهم بعشرات الآلاف، خاصة أنهم الأكثر عرضة لتفشي الوباء بسبب تكدس السجون وسوء التهوية والتغذية فضلا عن ضعف مناعة المعتقلين التي يلهبها سوء الحالة النفسية جراء الحبس الطويل غير المبرر.
ومن واجباتها توفير الطعام والدواء والرعاية الصحية لغير القادرين طوال فترة تلك المحنة، وأن تسقط التزاماتهم المادية من فواتير ماء وكهرباء وغاز وإنترنت وغيرها حتى جلاء المحنة، لأنه كما للدولة حقوقا على أبنائها فإنها ملزمة بتأدية واجباتها تجاههم، وإن لم تؤدها فلا يحق لها الحديث عن الحقوق وذلك ببساطة لأنه لا وطن بلا مواطن.
كما يجب على الشعب عدم التكالب على تخزين السلع والبضائع ما يؤدي لرفع أسعارها بصورة جنونية، فيعجز الفقير عن الحصول عليها، لأن ذلك ليس من خلق المسلم المحب لدينه ووطنه.

الخميس، 12 مارس 2020

سيد أمين يكتب: من يقف وراء محاولة اغتيال حمدوك؟

 نقلا عن موقع عربي 21

قد يحمل اتهام النظام السوداني السابق بالتورط في محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك شيئا من العمق، لكن الأعمق منه توجيه أصابع الاتهام إلى المستفيد من توجيه تلك الأصابع لهذا النظام الراحل.
فمن يوجه الاتهامات سيخلق بلا ريب انقساما مجتمعيا حادا في هذا البلد، من خلاله وصم قطاع عريض من الشعب بالارهاب، ما يعني ضرورة مواجهته بذات السلاح، وبالتالي عليه أن يتخير ما بين الإبادة أو الإقصاء.
وهي ذات الاتهامات التي حاولت سلطة الجار الشمالي للسودان أن تواجه بها جزءا كبيرا من الشعب، وبررت من خلالها تكميم الأفواه والحريات، واستباحة الدماء، وجرّمت حقهم المشروع في المواطنة والتعبير والاحتجاج والتظاهر، مستظلة بشعارات زائفة، بدأتها من الإرهاب المحتمل حتى وصلت للمعركة التي لا يجب أن يعلو صوت فوق صوتها.
والقول بأنه من مصلحة النظام القديم تخريب المسار الديمقراطي للسودان أملا في العودة للحكم، هو في الواقع قول يحمل قدرا من السذاجة؛ لأن أوضاع السودانيين الاقتصادية في ظل النظام الجديد لم تختلف كثيرا عن حالها في ظل النظام القديم، بل إنها ساءت بشكل كبير دون أن يكون للبشير والأحزاب الإسلامية أي تدخل فيها.
يحدث هذا السوء رغم تدفق المعونات والمنح والقروض على الحكومة الجديدة من القوى الخليجية الراغبة في ضم الخرطوم لأحلاف اقليمية معينة، ورغم رفع قسم كبير من العقوبات الأمريكية والأوروبية عن السودان، وهي العقوبات التي كبلت نظام البشير وأوصلت الوضع الاقتصادي إلى حد الثورة عليه.
كما أن تحميل النظام السابق مسؤولية الانهيار الاقتصادي في السودان (رغم مساوئه التي لا تعد ولا تحصى) فيه تحامل كبير عليه، لأنه أصلا لم يتسلم السودان واحة خضراء فبوّرها، لكنه تسلمها من سابقيه، وهم كثر، على هذا الخراب، فأهمل فيها كما سيهملها من يحكمون الآن.

شيطنة الإسلاميين


وعلى غرار ما حدث في شمال الوادي من ظهور، حركات وجماعات لم يسمع بها ولا بنشاطها الشارع المصري قط سوى بعد انقلاب 2013، حدث في جنوبه، وخرجت بيانات من جهات غير معروفة من قبل تعلن تحملها المسؤولية عن التفجير. والغريب أن جميعها تحمل مسميات أو شعارات ذات طابع إسلامي، منها مثلا "حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان" و"داعش السودان".
كما ترافق مع الدقائق الأولى للهجوم، إسراع أحزاب وجهات وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحاكم بإدانة حزب البشير واتهامه بالتورط في الحادث، رغم عدم وجود أي دلائل توحي بذلك، واستباقا لأي تحقيقات.
وهذا يوحي بأن الهدف هو شيطنة الحركات والأحزاب الإسلامية السودانية، رغم أنها نفت علاقتها بالحادث جملة وتفصيلا، وسارعت للتعبير عن إدانته في اللحظات الأولى، فضلا عن أنها الأحرص على ألا يتكرر المشهد المصري في السودان.
واللافت أن صحف وفضائيات الإمارات والسعودية ومصر دون سواها، اهتمت بالحادث اهتماما كبيرا، وتوجهت بـ"ربطة معلم" باتهام الإخوان في تدبير الحادث، داعية لسرعة تصفيتهم من المجتمع السوداني.

الرابح والخاسر


في الواقع هناك فئات كثيرة ستستفيد من الحادث، وفي المقابل هناك جهة واحدة تضررت بشدة منه.
أول المستفيدين من الحادث، هي تلك الدول التي تناصب الإسلام السياسي العداء، وتحاول أن تقصيه من السودان، وأن توجد لنفسها موطئ قدم ينافس الوجود التركي في جزيرة سواكن والصومال، لا سيما في هذا البلد صاحب السواحل الهائلة على البحر الاحمر، والمعبر الحيوي لأدغال أفريقيا، والأراضي الزراعية الوفيرة. وفي مقدمة هؤلاء الإمارات والسعودية ومصر.
ثاني المستفيدين، هي القوات المسلحة التي تم إرغامها عبر المظاهرات والمسيرات وتردي الحالة الاقتصادية وغيرها على القبول بمشاركة القوى المدنية في الحكم، وهذه القوات بحاجة لتبرير العودة للقبضة الحديدية تدريجيا حتى يتسنى لها في نهاية المطاف الإطاحة بحلفائها المدنيين، على غرار ما حدث في مصر.
ولا ننسى أيضا أن هناك عدة محاولات انقلابية نفذتها جهات في الجيش في وقت سابق، لكنها فشلت.
ثالث تلك الجهات هي التيارات ذات الطبيعة الراديكالية في القوى المدنية، كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والتي تريد صبغ أيديولوجيتها على الحكومة، وهي بالمناسبة من أكثر الكارهين للتيار الإسلامي.
يأتي رابعهم الحركات المسلحة في السودان، وهي كثيرة وقادرة على تنفيذ أجندتها بقوة السلاح.
ورغم كل ذلك، فإن البعض يحلو له تحميل حزب البشير المسؤولية رغم أنه هو الخاسر الأكبر من سلوك هذا المسلك، وأن زيادة معاناة الناس جعل البعض يترحم على أيامه، على غرار ما حدث في مصر.

الثلاثاء، 10 مارس 2020

سيد أمين يكتب: كورونا.. هل هو حرب بيولوجية؟

السينما الأمريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل.
في عام 2011 أنتجت السينما الأمريكية فيلما مدهشا أسمه "المرض المعدي" أو "Contagion" من إخراج ستيف سوديربيرغ، يوثق انتشار مرض معد مصدره "شربة الخفافيش" ، وانطلقت العدوى من وسط مدينة مزدحمة بالسكان لتقتل ملايين البشر في كوكب الارض.
ثم أنتج في عام ٢٠١٤ مسلسلا أمريكيا أسمه السفينة الأخيرة the last ship"" عن رواية صدرت عام 1988 تحمل الاسم نفسه لويليام برينكلي يتحدث عن فيروس دمر العالم، والغريب أنه في يعض المشاهد يتحدث عن أن الوباء انتشر في القاهرة والحكومة المصرية تسترت عليه حتى أصبح خطرا وجوديا عليها"
وهناك أعمال سينمائية أمريكية أخرى تتحدث عن ملامح المشهد العالمي الحالي، مثل فيلم "Outbreak" أو "تفشى الوباء" الذي أنتج عام 1995، ويتحدث عن وباء يدمر الجهاز التنفسي وينتشر بسرعة شديدة في العالم انطلاقا من قرود في "زائير".
وفيلم "I Am Legend" أو الناجى الوحيد ويتحدث عن حرب بيولوجية نجمت عن تصنيع فيروس معدي ينتقل بالتنفس ويدمر العالم، ومثله أيضا فيلم "الحجر الصحى" "Quarantine" ، وفيلم "Flu" أو "الأنفلونزا القاتلة".ذلك بخلاف سلسة أفلام الزومبي الأمريكية الشهيرة تتحدث عن نفس الموضوع تقريبا.
كل تلك الأعمال تثير علامات تعجب حول دقة السينما الأمريكية في تجسيد خطر الفيروس، بحقائقه واحتمالاته التي نعيشها الآن، بلغت من التطابق درجة أنها حددت أن مصدر الوباء الخفافيش، وأنه انطلق من مدينة مزدحمة، وأنه يصيب الجهاز التنفسي، وأن القاهرة تتكتم.
تماما مثلما تنبأت تلك السينما بوصول شخص الرئيس الأمريكي بصورته وشخصيته للبيت الأبيض والتي جسدها الفيلم الكرتوني "عائلة سيمبسون" الذي أنتج في عام 2000.
ما يثير علامات استفهام حول ما إذا كان هذا التشابه مجرد صدفة، أم استباق نشر لمعلومات عسكرية أو علمية دقيقة تحصلت عليها، أم إن هناك أشقياء "أشخاصا أو دولا" قاموا بتطبيق هذه الأعمال السينمائية على أرض الواقع كما فعل "أحمد بدير" في فيلم "بطل من ورق"؟

تنبوأت أم معلومات؟


لكن الأمر يزداد دهشة حينما تعرف أن السينما الامريكية ليست الوحيدة من تنبأت بكورونا، فعملاق مايكروسوفت "بيل غيتس" حذر في حلقة وثائقية بعنوان الوباء القادم" صدرت عام 2019، من مخاطر ظهور فيروس قاتل في أسواق الصين، قبل انتقاله بسرعة إلى مختلف بقاع العالم"
فيما قام مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي البريطاني العام الماضي بعمل محاكاة لمواجهة فيروس مشابه يقضي على 85 مليون شخص في أشهر قليلة، وتنقل عن الدكتور إريك تونر العالم بالمركز لاحقا أنه لم يشعر بالصدمة عندما ظهرت أنباء عن انتشار فيروس كورونا.
وسيبلغ التشويق مبلغه حينما تعلم أنه في 2018 صدرت تحذيرات علمية من تعتيم عن خطط عسكرية أمريكية لتحويل الفيروسات إلى "فئة جديدة من الأسلحة البيولوجية" ونشر الفيروسات المعدلة وراثيا بالمحاصيل في إطار برنامج Insect Allies، وهو ما نفته تماما وقتها وكالة (داربا) صاحبة البرنامج مؤكدة أنها تحاول فقط تعديل المحاصيل باستخدام الفيروسات لإحداث تغييرات جينية عليها، بينما نقلت مواقع عن القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأميرال الأمريكي جيمس ستاف أنه حذر في مقال سابق له بمجلة فورين بوليسي من أخطار حرب بيولوجية متوقعة قد تقضي على خمس عدد سكان العالم.

الحرب البيولوجية


تباينت الاتهامات بتصنيع الفيروس بين الدول العظمى ولكنها انحصرت بين أمريكا والصين وإسرائيل، إذ اتهم ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق داني شوهام الذي درس الحرب البيولوجية الصينية، فى حوار له مع صحيفة الواشنطن تايمز الصين بأنها أنتجت الفيروس كورونا فى مختبر بمدينة ووهان الصينية، ضمن برنامج سري للأسلحة البيولوجية.
وعلى غرار اتهام رئيس الحزب الليبرالي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي والمعروف بآرائه المتطرفة بشأن وقوف أمريكا وراء الفيروس، اتهم بطل فيلم "Outbreak" الحكومة الأمريكية بالمسؤولية عن إنتاجه.
ولم يستبعد الروسي إيغور نيكولين المسؤول السابق قي البعثة الأممية للأسلحة البيولوجية أن يكون الفيروس جاء نتيجة حرب بيولوجية واختار صانعوه مدينة ووهان التي تقع في قلب الصين ذات الكثافة السكانية لينطلق منها.
أصحاب هذا التوجه يدعمون حجتهم بما تردد عن أن فيروس إنفلونزا الطيور الذي ضرب العالم في عام2010 كان نتاجا لأبحاث بيولوجية أمريكية في مختبرات لها بإندونيسيا.

قارب النجاة

عمليات الإبادة الجماعية ليست مستبعدة في السلوكيات الاستعمارية، بل إن هناك بعض الفلاسفة الغربيين برروا لها وحذروا من أن زيادة أعداد سكان العالم بشكل كبير قد يقضي على فرص ما أسموه السعادة البشرية، واقترحوا نظرية غير أخلاقية بالمرة من أجل ذلك اسموها "قارب النجاة" تقترح التضحية بالحمولة الزائدة من القارب لكي ننقذه من الغرق، وأنصار هذه النظرية الفجة يشجعون أعمال الإبادة الجماعية.
عموما فإن سلوك مسلك الحرب البيولوجية ليس ببعيد في السياسات الخارجية للدول العظمى، فقبيل غزو العراق عام 2003 م خرجت العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية لتؤكد أنهم يجرون أبحاثا من أجل إنتاج مواد بيولوجية تستهدف العراقيين وحدهم، وتلاها مزاعم إعلامية ترددها وسائل التواصل عن وجود مركز أبحاث اسرائيلي بريطاني مشترك لاستخلاص فيروس لقتل العرب.


ولتخطي الحجب انقر هنا 



الثلاثاء، 25 فبراير 2020

سيد أمين يكتب: ورحل مبارك.. خبر تمنيناه فلما رحل ترحمنا عليه!


كان من الممكن أن يكون الخبر الذي أعلنه التلفزيون المصري اليوم حول وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كفيلا وحده بأن يهز مصر من شمالها إلى جنوبها فرحا في الغالب أو حزنا أحيانا، بل وأن يكون الخبر في حد ذاته ثورة قبل الثورة، وأن يتصدر كافة وسائل الاعلام العالمية بلا استثناء، لو كان حدث ذلك قبل عشر سنوات من الآن.
وقتها كان سيعتبر الناس ذلك تغييرا ربانيا – حتى لو كان شكليا – في حكم وصل لمرحلة قصوى من الاستقرار والثبات والتجذر، لدرجة أدرك معها خصومه أنه لا يمكن اسقاطه بفعل عمل شعبي.
وربما فتح هذا الحدث أفاق الأمل لدى الحالمين لخلق مسار ديمقراطي كامل وتداول للسلطة بعدما تاقت نفوس الناس آنداك لأن يسمعوا لـ "ملهم" غيره يقضي على الفساد والمحسوبية والرشوة ويعطي اعتبارا لدولة القانون، كما يحدث في كثير من بلدان العالم المبتلاة بـ "داء الديمقراطية".

خبر باهت

لكن فيما يبدو أن الله لم يرد للمصريين السعادة، فقد جاء خبر وفاة الرجل وقد صار أكثر الناقمين عليه آنداك مترحمون على أيامه، وأصبحنا نوازن بين الشر الذي تمنينا زواله والأشر الذي وقعنا فيه، والضر الذي كان والأضر الذي أمسى جاثما على صدورنا، وأصبح حال أكثر من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة يردد المثل "ما اسخم من ستي إلا سيدي".
وقد تلقى المصريون الخبر بشيء من الفتور، تماما كما يتلقى أحدهم خبر وفاة شخص يعرفه بشكل سطحي في العمارة أو الشارع الذي يقطن فيها، وقد ساهم في صناعة هذا الفتور تكرار الأخبار التي تداولتها المواقع طيلة السنوات الماضية عن وفاته أو وفاة السيدة زوجته ثم يثبت كذبها.
وكذلك حالة الانشغال التي يعيشها المصريون جراء همومهم الداخلية وغلاء المعيشة لم يترك لهم مجالا للتفكير كثيرا في هذا الحدث الذي لا يغني أو يسمن. 
وفي الواقع كان هناك فقر ولكن لم يكن هناك جوع كما هو الآن، ووجد فساد ولكن كان يوجد تكيف شعبي معه، وكان هناك ظلم ولكن كان معه شيء من ردع بسلطة القانون، وكان للشرطة تغول ولكن كان هناك ما يردعها من قوى مجتمع مدني واعلام ونخب وقضاء فضلا عن أنها كانت تقوم بدور في حفظ الامن في الشارع ولم تكن هي مصدر الفزع لدى الناس كما يحدث حاليا.
كانت المؤسسات مترهلة وفاسدة ومع ذلك حاولت أن تحتفظ بالحد الأدنى من مهام وظيفتها، ولم تهدرها وتقوم بعكسها كما يحدث الان.
لجأت السلطة آنداك لتغليف مواقفها وإجراءاتها بمبررات تبدو منطقية بدلا من تلك السلطة التي تقوم بتصنيع الخطأ من أجل تبرير الخطيئة التي ستقوم بها.
كانت سلطة مبارك تحاول الظهور بمظهر الديمقراطية بينما تجتهد سلطة السيسي في التدليل على قسوة إجراءاتها القمعية وأنها تنفذ ما تريد دون الحاجة للتبرير ودون أي رادع على الإطلاق، حتى صار الجميع يدرك أن ما تريده السلطة تفعله بأقسى الطرق وأكثرها وحشية.

واحد من الناس


كنت واحدا من الناس الذين انشغلوا كثيرا بصحة مبارك ورأيت في أخبار مرضه قبل ثورة يناير نافذة للتغيير، ولما حدثت الثورة وتنحى الرجل اعتبرت أن أعظم احلامي في الحياة تحققت، وأن شمس الحرية أشرقت على مصر، لدرجة أنني في يوم من غير أيام المظاهرات تعمدت أن أصلي صلاة الشكر بميدان التحرير.
وأسست مع زملاء حركة صغيرة طموحة تحت مسمى "الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك "، استضافتني بسببها معظم الفضائيات المصرية، وأسهبت في تعديد جرائم مبارك حتى ركزت في أحداث التسعينيات الخاصة بقمع الجماعات الإسلامية وما شابها من جرائم حتى بدأ الإعلام ينصرف عني، وقتها شعرت أن من ارتكب تلك الأحداث كان ما زال حاكما وينوي أن يكررها، وقد كررها بشكل أكثر بشاعة وفجاجة.
وقتها خشيت أن يتم تسخيري دون قصد وتسخير الحركة في تحقيق أهداف خاصة بنزاع بين أقطاب السلطة العسكرية الحاكمة، فأعلنت إلغائها.
ولعل القرار الذي اتخذته السلطة بتشييع مبارك في جنازة عسكرية، بزعم كونه أحد كبار قادة القوات المسلحة في حرب أكتوبر لدليل بين أن النظام الحاكم هو النسخة الأكثر قمعا واستهانة باردة الشعب من نظام ثرنا عليه في يناير 2011،
بينما قام نفس هذا النظام بدفن أول وآخر رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر سرا وفي جنح الظلام ودون تحقيق جدي في ملابسات استشهاده.

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر
ولتخطي الحجب انقر هنا


الخميس، 13 فبراير 2020

سيد أمين يكتب: قصة خليفة حفتر!


مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل ، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح"
لا ننكر أن هناك قسطا كبيرا من الناس لا يعير لمسألة العدالة أو الديمقراطية أو الخير والشر بالا، ويسخر من مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها، ويتركز كل اهتمامه على مسألة الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا مات فيه الجميع.
فانحيازات هذا الصنف دائما مبنية على موقف الدولة، وهي المحصورة لديه فقط في مظاهر سلطتها وسطوتها وحتى استبدادها، وأهم أدواتها بالطبع قواتها المسلحة.
لهذا لا عجب في أن تجد بعض الناس يدافعون عن ديكتاتور عسكري لم يصل حتى لامتلاك سلطة حقيقية مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة سلطة مدنية منتخبة ممثلة شرعية للدولة ومعترف بها دوليا، وهي المميزات التي في الغالب يعتبرونها عيوبا مقابل ما يمتلكه حفتر من عيوب يعتبرونها مزايا، كعدم احترامه لحرية الناس وحقهم في الاختيار.
فحفتر والنظام الذي اقامه في مدينة "بنغازي" برعاية رعاة الثورات المضادة في الوطن العربي، لعب كثيرا على طريقة تفكير هؤلاء "الدولجية"، حينما سمى الجيش الذي أسسه باسم "الجيش الوطني الليبي" فدغدغ خيالات هؤلاء بأنه مناضل وطني قاد الجيش الليبي "الوطني" ليقهر عناصر"المليشيات الإرهابية" الذين انقضوا على الدولة، وتناغما مع ذلك كثيرا ما أطلق اعلامه عليهم لفظ "الجرذان" الذي كان يطلقه معمر القذافي عليهم في 2011، محاولا بذلك توثيق نفسه أمامهم بأنه الوريث الشرعي لدولة القذافي.
ولعل قيام مكونات دينية متطرفة كالجامية المدخلية في ليبيا، والمعروفة بتبني النهج "الدولجي"، بالانحياز لحفتر ومليشياته يعني أن تلك السياسة لاقت ارتياحا لدى البعض، للدرجة التي جعلت أنصار القذافي نفسه في "سرت" يتجاوبون معها ويرحبون باستيلاء قواته على مدينتهم عوضا عن قوات حكومة الوفاق الشرعية.
لكن سرعان ما خرجت قيادات القبيلة التي ينتمي اليها القذافي واعلنت عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع وأنها غير طامحة في الحكم ولا تسعى له، وقد نالت كفايتها منه.

كشف الأباطيل


بالطبع تلك الدعايات السمجة لا يمكن أن تنطلي ألا على قليل الخبرة السياسية وعديم المعرفة بتاريخ الدولة الليبية ومسيرة القذافي وأحداث الواقع.
فلو تعاملنا بمنطق وراثة حكم القذافي، وهو منطق باطل ومذموم، فالجنرال المتقاعد خليفة حفتر لا يصلح وريثا للقذافي بينما ابنه سيف الاسلام القذافي نفسه حي يرزق، وابن عمومته قذاف الدم على قيد الحياة.
كما أن مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح" وهى التي تعني ببساطة أن جميع فئات الشعب هى ذاتها قوات الجيش، وقد تعني بشكل أخر عدم وجود جيش نظامي للبلاد أصلا، وتقوم النظرية على أنّ جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح سنويا، في حين أن الجيش الذي يقوده حفتر أسس بعد سقوط القذافي عام 2011.
وها هى الشهادات تتوالى لتثبت أن جيش خليفة حفتر "الوطني" ما هو إلا مجموعات من المرتزقة تم استئجارهم من قبائل الجنجاويد بالسودان وتشاد ومصر والأردن وسوريا وشركات أمنية أوكرانية وروسية، لدرجة جعلت المسماري المتحدث باسم جيش حفتر يقر بوجود العسكريين الروس كما أقر بوجودهم الرئيس الروسي نفسه، ونجد أن الممول الرئيسي المشتبه به في تمويل تأجير هؤلاء المرتزقة السعودية والإمارات، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اختصهما القذافي بالعداء سواء قبل الثورة أو أثنائها ، وألقى عدة خطابات موجهة لقادتهما تطالبهم بعدم تأجير "الجرذان" وعدم التأمر على ليبيا.
كما أن فرنسا الداعمة الكبيرة لحفتر هي ذاتها أبرز الجهات التي دعمت الإطاحة بالقذافي.

حياة متمردة


حياة خليفة حفتر الذي يقترب من الثمانين "مواليد 1943" مليئة بقصص التمرد ، فبعدما ساهم في انقلاب 1969 في ليبيا والذي يعرف باسم ثورة الفاتح من سبتمبر التي أوصلت القذافي للحكم ، أرسله القذافي عام 1987 للمشاركة في الحرب ضد دولة تشاد المدعومة "فرنسيا" لكنه وقع في الأسر ومعه700 من قواته واتهمته تشاد باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا ، فاستدار على من أرسله، وقام هناك بدعم خارجي بتشكيل تنظيم عسكري بهدف الإطاحة بالقذافي لكن الأمر افتضح لدى القذافي فاصدر عليه أحكاما بالإعدام، ما جعله يعقد صفقة "تجنيده" مع الأمريكان لكي تُطلق تشاد سراحه ، ويؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي انبثق عنها "الجيش الوطني الليبي" بدعم أمريكي كامل في كينيا، وفي عام 1990 يسافر إلي فرجينيا ليقضي فيها أكثر من عقدين من الزمان ويحصل على الجنسية الامريكية، ولما حدثت الثورة الليبية هنا ارسلت أمريكا "مجندها الثمين" ليساهم في إسقاط القذافي على أمل أن تنصبه حاكما على هذه الدولة الثرية، إلا أن يقظة الثوار حالت دون حدوث ذلك حتى تلك اللحظة.
الغريب أنه حينما تم أسر حفتر في تشاد كانت رتبته عقيد، ولا يعرف للآن من منحه رتبة المشير تلك التي يحملها.

قصة تمرد


للجنرال العجوز قصص أخرى أكثر غرابة وتشويقا، منها اتهامه من قبل المتحدث السابق باسم "جيشه" محمد الحجازي بالاستعانة بـ "السحر" واستجلاب سحرة من النيجر وتشاد بهدف إخضاع المحيطين به.
وروى المتحدث العسكري السابق قصة على هذا المنوال، مشيرا إلى أن المحيطين بحفتر أتوا له بساحر دفعوا له نصف مليون جنيه ليبي ، ليصنع له خاتما يضعه في يده، به فص يقولون إن جنيا خادما يقبع داخله، وهو ما يجعل الناس حين يحضر حفتر تهتف وتصفق.
على ما يبدو أن الدولجية يحبون من يخدعهم!