الأربعاء، 27 مايو 2020

سيد أمين يكتب: من منى مينا؟.. ومن زوجها الاخواني؟!

حملة ضارية ومنظمة تشنها أبواق إعلامية في مصر ليست ضد جماعة أو حزب أو حتى دولة، كما تعودنا دائما، ولكن هذه المرة ضد الدكتورة "منى معين مينا غبريال" الشهيرة بـ "منى مينا" وكيل نقابة الأطباء السابق والمنسق العام لحركة أطباء بلا حقوق بسبب تصريحات أغضبت السلطة حول سوء تعامل وزارة الصحة مع مرضي وباء الكورونا لا سيما من الأطباء وانتقادها لنظام التكليف الجديد، فانهالت عليها البلاغات.
ورغم أنها مسيحية، راحت تلك الأبواق تتهمها بالخيانة وبالتالي الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ولما صار الأمر مثيرا للضحك، وجدت الأبواق ضالتها في زوجها المسلم المهندس سعيد أبو طالب لتلصق به تهمة الأخونة، رغم أن الرجل من كوادر التنظيمات الشيوعية العتيقة في مصر.
فسعيد أبو طالب هو واحد من مؤسسي حزب "العيش والحرية" اليساري، وبدأت علاقته باليسار حينما التحق بهندسة عين شمس منتصف السبعينيات حيث أصبح كادرا سريا من كوادر تنظيم "المطرقة" الشيوعي الناشط في هذا الوقت، والذي تفكك بعد مقتل السادات عام 1981، وحينما تم التفكير في إعادة تشكيله في عام 1983 فوجئوا بقضية "التنظيم الشيوعي المسلح" دون أن يكون لهم معرفة بالأمر.
كما أن سعيد أبو طالب تربطه علاقات وطيدة بقيادات شيوعية تاريخية، وهو ما ينفي عنه تماما تهمة الأخونة، فهو تلميذ نجيب من تلاميذ الزميل "حمدي" وهو الاسم الحركي لأحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، بصفته عضو اللجنة القيادية، مسؤول التنظيم والاتصال بالمطرقة، كما يقول سعيد أبو طالب في حوارات صحفية.
والأهم أنه عضو جماعتي المهندسين الديمقراطيين و"مصريون ضد التمييز الديني" واللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي، وهي بلا شك تكشف عن بعده.

هي هي .. كما هي:

والحقيقة لا أعرف ما السر الذي يجعل إعلام السلطة يجتهد لإلصاق تهمة الأخونة لكل من يتبنى وجهة نظر لا تعجبه دون أن يسعي أن يرد عليها بالتفنيد والحجة، مع أنه يمكنه أن يعترض عليها بمنطق "الفتونة" دون أن يقدم الحجة والبراهين، ولن يجرؤ أحد على الاعتراض.
والأسئلة الأهم، كيف تكون الدكتورة منى مينا أو زوجها على صلة بالإخوان، بينما هي من قادت إضرابات الأطباء في أكتوبر/ تشرين 2012 المطالبة بالكادر وتحسين ظروف عمل ورواتب الطبيب وتعيين الخريجيين الجدد وتقديم خدمة طبية متميزة للمريض وتأمين المستشفيات ورفع ميزانية وزارة الصحة، كما أصيبت ابنتها الطبيبة والناشطة "سلمى" بطلقات خرطوش الداخلية في تلك الأحداث، وخرجت في وسائل إعلام الدولة لتكشف عن ذلك؟
أليست هي من كانت ضيفا يوميا على شاشات كل القنوات الفضائية، وعلى صدر صفحات الصحف القومية الخاضعة للدولة لتعرض وجهة نظرها منذ إضراب الأطباء الأول في مايو/ أيار 2011 والثاني في أكتوبر/ تشرين 2012؟
 أليست هي نفسها ذات المطالبات التي تتحدث عنها في إضرابات الأطباء 2016 والآن؟
ألم تشكل احتجاجات2012 التي اندلعت بعد أربعة أشهر فقط من توليه الحكم، ضغطا شديدا على حكومة الرئيس الدكتور محمد مرسي؟.
وإن لم تتصدر الدكتورة منى مينا المشهد في الحديث عن أي مطالبات صحية تلزم الطبيب أو حتى المريض فمن يتحدث عنهما؟!
 وهي من شغلت معظم المناصب النقابية الخاصة بالمهنة لعقود وأول سيدة تتفرد بمنصب أمين عام الأطباء، فمن يتحدث إذن؟
وما الذي تغير الأن فضاق صدر الإعلام والدولة بها، وكيف تحولت البطلة: "قديسة الأطباء" أو "سيدة مصر الأولى" و"الأم المثالية لشباب الاطباء" "ومسيحية التحرير" كما كانوا يسمونها إلى خائنة الآن، رغم أن مطالبها ذات المطالب، ومواقفها ذات المواقف، ما يؤكد أنها لم تتغير.

مواقف إنسانية

المواقف الإنسانية لا تتجزأ عند الإنسان السوي، فللدكتورة منى مينا طبيبة الأطفال مواقف تكشف عن عمق إنسانيتها، منها موقفها عام2003 حينما ألقى القبض عليها في مظاهرة منددة بالغزو الأمريكي للعراق حيث تعرضت للضرب والاعتقال بعد محاولتها إفلات متظاهرة من قبضة مخبرين كانوا يعتدون عليها بالضرب، وللهزل وجهت لها تهمة "سحل" رجال الشرطة وسرقتهم!!
وكيف أنها تطوعت لعلاج المهاجمين والثوار في "موقعة الجمل" دون تمييز، وكيف رفضت تسليم المصابين في أحداث 28 يناير/كانون الأول 2011 الموجودين في المستشفى الميداني لرجال الأمن.
مواقف منى مينا المتعددة جعلتها أيقونة نسوية ونقابية من طراز فريد شكلت بوتقة صهر لعناصر الوحدة الوطنية المصرية، فهي مسيحية متزوجة من مسلم، وهي يسارية تناصب الاستبداد، وهى نقابية دفعها العمل النقابي للالتحام مع الشأن العام.
في الواقع أن منى مينا إنسانة متحيزة لإنسانيتها.

الثلاثاء، 19 مايو 2020

سيد أمين يكتب : ماذا يعني تحرير الوطية؟

يبدو جليا أن تحرير قاعدة الوطية المركز العسكري الكبير لمليشيات الجنرال المتمرد خليفة حفتر في الغرب الليبي، ثمرة كبيرة من ثمار الاتفاق الأمني الموقع بين حكومتي طرابلس وأنقرة نهاية العام الماضي.
فهذا الاتفاق وما أعقبه من تطبيقات على الأرض، كان سببا حاسما في تغليب كفة الحكومة الشرعية، لدرجة أنه في نصف يوم فقط تهاوت المدن والمناطق الاستراتيجية التي استولت عليها قوات حفتر كصرمان وصبراته والجميل ورقدالين وزليطن والعجيلات والعسة ومليتن أمام الجيش الليبي في 13 من أبريل/نيسان.
والملفت أنه في تلك المدة الزمنية القصيرة سيطرت حكومة الوفاق على مسافة 500 كيلومتر ممتدة على طول الشريط الساحلي الغربي حتى الحدود مع تونس، وهي المساحة التي كانت قوات حفتر وما لديها من مرتزقة أجانب وسلاح غربي متطور قد أمضت أشهرا طويلة من أجل الاستيلاء عليها.
ولعل هذه الانتصارات العسكرية الكبيرة المتلاحقة تفسر السبب وراء الضجة الكبيرة التي أثارتها الدول الداعمة للجنرال المتمرد تنديدا بالاتفاق الأمني حين توقيعه، نظرا لكونها تعلم أن التعاون العسكري الليبي التركي سيقلب كفة الموازين تماما ويدفن مشروع حفتر ليس في الغرب الليبي فحسب، بل في عموم ليبيا، في التراب.

قاعدة الوطية


بعد تحرير مدن الغرب الليبي، اتجهت الأنظار إلى قاعدة الوطية التي تم تشييدها خلال الحرب العالمية الثانية، واتخذتها قوات حفتر مخلب قط لترويع مدن الغرب الليبي، حيث تسببت الطائرات التي تنطلق منها في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء من المدنيين في طرابلس ومدن أخرى جراء القصف العشوائي والانتقامي.
وخطورة هذه القاعدة التي تمتد على مساحة كبيرة تصل إلى 50 كيلومترا، في أنها تقع على امتداد منطقة مكشوفة وغير مأهولة تجعل أية قوات مهاجمة برا أو جوا عرضة للقصف بالأسلحة الثقيلة، كما أن بعدها عن طرابلس العاصمة بمسافة 150 كيلومترا فقط جعلها شوكة عصية على الكسر تنغص على أهل طرابلس أمنهم.
بالإضافة إلى تحصيناتها القوية، ووعورة الطرق الرابطة بينها وبين قاعدة الجفرة التي تبعد عن طرابلس650 كيلومترا جنوبا وتستخدم نقطة دعم وحشد رئيسية لقوات حفتر، وتربط بين قواعده في شرق البلاد وجنوبها.
كما أن "الوطية" أيضا تعتبر نقطة ربط بين المدن التي لا زالت تحت سيطرة حفتر كالرجبان والزنتان والأصابعة والعربان وهي المناطق التي تمثل خزانا بشريا له بجانب المرتزقة الأجانب.
وهذه الخصائص هي ما جعلت هذه القاعدة حصينة أمام قوات "فجر ليبيا" التي كانت تبعد عنها بمسافة 30 كيلو مترا فقط من دون اقتحامها لمدة عامين، وهى أيضا التي مكنت ميليشيات حفتر من سرعة استرداد أربعة مناطق ومدن من الاماكن المحررة في الغرب الليبي هى رقدالين وزليطن والعجيلات والعسة.
ولذلك صار هناك اقتناع كبير لدى الكثيرين بأن تحرير هذه القاعدة مسألة حياة أو موت للحكومة الشرعية، ولأهميتها تلك ركزت الجهد العسكري عليها، حتى وقفت قوات الجيش الليبي على مشارفها نهاية مارس/ذار الماضي، ودمر منظومات الصواريخ الروسية التي كانت تتحصن بها، ونجح في قطع المؤن والامدادات عنها حتى تم تحريرها اليوم دون أي خسائر بشرية في صفوفه.

ما بعد المرحلة


 لا شك في أن تحرير قاعدة "الوطية" يعد انتصارا كبيرا لقوات حكومة الوفاق، حيث إن الامتيازات الكبيرة التي كانت تتمتع بها مليشيات حفتر بسبب امتلاكها تلك القاعدة، قد آلت الآن إلى حكومة الوفاق، ما يمكنها من درء الهجمات التي كانت تنطلق منها نحو المدن الخاضعة للحكومة الشرعية.
بالإضافة إلى أنها تمكن الحكومة الشرعية من تشغيل بعض المرافق المعطلة بسبب كثافة هجمات طائرات حفتر المسيرة، مثل مطار زوارة.
وسيمكّن تحرير تلك الوطية الجيش الليبي من الانتقال لطور الهجوم بدلا من الدفاع، فيهاجم قوات حفتر في حي بني عشير جنوب العاصمة طرابلس، ويهاجم قواته أيضا في مدن الرجبان والزنتان، وبالطبع سيساهم في إحكام الحصار على مدينة ترهونة التي يتوقع تحريرها الأيام القليلة القادمة.
وسيكون للقاعدة بلا شك دورا مهما في تحرير الجنوب الليبي وخاصة قاعدة الجفرة.
وينبغي على قوات الجيش الليبي التحصن في القاعدة مع تزويد قدراتها الخاصة بالدفاع الجوي والمضادات الأرضية من أجل استهداف الطائرات المسيرة التي من المتوقع أن يستخدمها حفتر في الأيام القادمة لاستعادتها، والتي كان نقصها بسبب حصار القاعدة وقطع الإمدادات عنها سببا رئيسيا في تمكين الجيش الليبي من السيطرة عليها.

المسار السياسي


وعلى المسار السياسي، فالجميع يعلم أن الغرب يعترف بحكومة الوفاق علنا، ويدعم مليشيات حفتر سرا، إلا أن انقلاب الموازين العسكرية لصالح طرابلس بعد الدعم اللوجيستي والفني والعسكري التركي لها، جعل بعض تلك الدول تراجع حساباتها.
فخرجت تصريحات أمين عام حلف الناتو التي عرض فيها تقديم خدماته للحكومة الشرعية، وكذلك تصريحات السفارة الأمريكية في طرابلس عن أنه لا جهة معترف بها في ليبيا سوى حكومة الوفاق، كما صار الموقف الإيطالي أكثر حيادية.
ومع هذه الانتصارات على الأرض وما واكبها من وضوح في الموقف الدولي يتوجب على الحكومة الليبية اقتناص الفرصة، وطرح مبادرة للم شمل الليبيين على مشروعها الديمقراطي، والتداول السلمي للسلطة، والعفو العام.
وأن تؤكد في خطابها العام أنها لا تقاتل من أجل فرد ولا حكومة كما يفعل حفتر، ولكنها تقاتل من أجل وطن حر ديمقراطي.
فجر ليبيا يلوح في الأفق.
اقرأ المقال كاملا هنا على قناة الجزيرة مباشر
ولتخطي الحجب انقر هنا

الأحد، 10 مايو 2020

سيد أمين يكتب: لماذا تفشى الوباء يا سيادة الوزيرة؟

لم أستغرب أبدا – على العكس من كثيرين – من تصريح وزيرة الصحة المصرية حينما أحالت ارتفاع نسب تفشى الاصابات بوباء كورونا في مصر إلى تراجع وعي الشعب وعدم التزامه بتنفيذ إجراءات الوقاية المتبعة.
فوزيرة الصحة هي في الحقيقة تتبع نظام حكم دأب منذ أن  تولى الحكم قبل سبع سنوات على الفشل، ثم الهروب بسهولة من عواقب النتيجة بتحميل الشعب المسؤولية باعتباره "الحيطة الواطية".
تختلج في صدور المصريين ردود كثيرة جدا على هذا الادعاء الباطل، لكن "الأسلم لنا" القول بأن تعامل السلطة المصرية مع الوباء كان يشوبه إهمال معتاد في دولة عتيدة البيروقراطية، وأن قلة الخبرة في مثل هذه الجائحة غير المسبوقة هي من أربكت التعامل معها فجاءت كما لو كانت مؤامرة.
دعنا نكن ممن يحسنون الظن ونرفض القول بأن هناك أيادي آثمة تعمدت التلكؤ والتباطؤ في مكافحة تفشي الفيروس في البلاد، بل وإنها تعمدت عبر لجانها الإلكترونية وأبواقها الإعلامية التقليل من خطره الجسيم على أجساد الشعب المصري.
ودعنا أيضا نعتبر أن الاعلام المصري المعروف للقاصي والداني بأنه لا ينطق إلا بأمر من يأمره في كل صغيرة وكبيرة، كان هذه المرة ينطق عن الهوى الشخصي فهون من الوباء بدعاياته الساذجة كقوله إن معدة المصري الذي يفطر على "الفول والطعمية" ويتناول الغداء "ملوحة" و"فسيخ"و"شلولو" تهضم الزلط، وصولا لترويج إعلامك لمن يطالبون بعلاج الوباء بعصير البرسيم.
وعلى منوال هذه المبادرات الشخصية – وهي غير معهودة في مصر منذ 2013 – أطلق فنانون وصحفيون وسياسيون مقربون من السلطة حملات دعائية تهون من خطر الفيروس وتساوي بين "كورونا" و"المكرونة"، وترفض أي إجراءات حمائية بخصوصها.

تربح سياسي


تعالي يا سيادة الوزيرة نتكلم من البداية، فقد كان أول ظهور معروف لفيروس كورونا في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019 في مدينة ووهان الصينية، وما هى إلا أسابيع حتى ضرب دولا عدة في العالم من بينها دول عربية كثيرة يوجد فيها ملايين العمال المصريين.
وبالتالي فإن انتقال الوباء لمصر كان أمرا متوقعا بل وبديهيا مع فتح مطارات وموانئ البلاد على مصاريعها لكل القادمين من دول العالم بما فيها تلك الدول التي تفشي فيها الوباء.
وبكل تباه استقبلت مصر مئات السائحين من الصين وإيطاليا – في عز تفشي الوباء في بلادهما – بل وتم زيادة حجم الواردات من الصين رغم إعلان الصحة العالمية أن الفيروس ينتقل أيضا عبر الأسطح المختلفة ومن ضمنها لا شك أسطح تلك "المنتجات".
لعلك يا سيادة الوزيرة أكثر مني دراية بأن النظام حاول التربح اقتصاديا وسياسيا من تفشي الفيروس عبر إرساله مساعدات طبية لدول ذات نفوذ واقتصادات عملاقة، لا يذكر اقتصادنا بجوارها، رغم أن الداخل المصري وبالأخص المستشفيات في أمس الحاجة لها، وشاهدنا نزيف الطواقم الطبية النادرة والمدربة جراء عدم وجود كمامة أو مطهر.
ونحن هنا لا نلقي بالا لما يتردد من أن المساعدات المقدمة لإيطاليا كانت في الاصل عربونا لدور منتظر لها في دعم الجنرال حفتر أو كـ “دية" لردم قضية ريجيني، وإلا كانوا قدموها لمن هم في حاجة أكثر إلحاحا إليها من المصريين المصابين بالفيروس، وإن كان لابد من الخارج فالجار المحاصر في غزة أولى بالمعروف.
لابد أنك تعرفين يا سيادة الوزيرة أن المعتمرين العائدين من الأراضي المقدسة لم يوقع على أغلبهم الكشف الطبي، وتم الاكتفاء بتقديم النصح والارشاد لهم بالمكوث في البيوت، وبالطبع فإن التزامهم بمضمون النصح مشكوك في حدوثه.

إهمال أم مؤامرة


لكن هل يمكننا يا سيادة الوزيرة تصنيف إصراركم على عدم وجود مصابين بكورونا في مصر حتى 9 من مارس/آذار الماضي حين وفاة السائح الالماني على أنه مجرد "إهمال"، في حين تطاردون من ينشر خبرا عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود إصابات بالوباء وتتهمونه بأنه يردد شائعات، بدلا من شكره لخوفه على صحة الناس؟
ثم تلا السائح الالماني ظهور وفيات من المصريين ما يؤكد أن الوباء كان داخل البلاد بينما كنتم تنكرون وجوده.
ألم يلفت انتباهك يا سيادة الوزيرة أن الصحف الصينية والأمريكية والكندية ومن دول أخرى نشرت تباعا – قبل الاعتراف الرسمي بأكثر من شهر – أخبارا عن اكتشاف عشرات الإصابات بكورونا من مسافرين قدموا لها من مصر، فلماذا كان الإنكار الرسمي المصري؟

إجراءات متأخرة

دعينا نتفق يا سيادة الوزيرة أنه في بعض الأحيان يتحول الإجراء الملح إلى إجراء عديم الفائدة ما لم يتخذ في الوقت المناسب، وهذا ما حدث.
فبعد ارتباك وقرارات متضاربة أوقفت الدراسة، ولكن بعد فوات الأوان والمرض ينتشر في ربوع الوطن، وحتى هذا الإيقاف كان للطلاب فقط، وكأن المدرسين والإداريين محصنون من الوباء.
ثم فُرض حظر للتجوال من المغرب للصباح تُرك خلاله كل شيء يعمل بطبيعته، الأفراح والمقاهي والنوادي، ثم بعد انتقادات للتهاون في الحظر فرضت غرامة على المخالفين، وكأن المرض ينام في باقي اليوم، وهو ما تسبب في زيادة التكدس في المترو والقطارات وغيرها وبالطبع صنع بيئة مناسبة لانتشار الفيروس.
أنتم المسؤولون يا سيادة الوزيرة عن تفشي الوباء، فالهدف من الحظر لم يؤدِ وظيفته، والتجمعات التي يمنعها بالليل موجودة بالنهار في مقار الحكومة وفي وسائل النقل كافة والمحاكم والشهر العقاري وغيرها.


الثلاثاء، 28 أبريل 2020

سيد أمين يكتب: مواقف مشرفة للزعيم الكوري.. مات أو لم يمت!

رغم أن الحكام المستبدين والطغاة يملأون عالمنا اليوم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، إلا أن "الميديا العالمية" المعروف تدفقها من الغرب والشمال إلى الشرق والجنوب، نجحت نجاحا مبهرا في جعل الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" – الذي تتضارب الأنباء حول وفاته من عدمها – أيقونة لهذا النوع من الحكام.
 وتجاوز تأثير تلك "الميديا" بسطاء الناس وعامتهم حتى وصل إلى النخب السياسية والمثقفة في العالم التي باتت تتصرف بناء على ما تتلقاه منها من معلومات، وما تبثه من أخبار شبه يومية عن التصرفات بالغة القسوة أو الغرابة التي تنسبها له ولحاشيته.
من نماذج تلك الأخبار مثلا أنه قتل وزير دفاعه بصاروخ مضاد للطائرات بسبب أنه لم يحزن بما يكفي في حفل تأبين أحد اقربائه، وأنه أصر على اعلان فوز فريق بلاده لكرة القدم بكأس العالم، رغم أن فريق بلاده لم يتأهل أصلا للعب في كأس العالم، بخلاف "الصورة النمطية" التي رسمها الاعلام عن حياة الشعب الكوري الشمالي المعتادة، حيث الفقر المدقع، والعمل بنظام السخرة، وعبادة "كيم جونغ أون" وعائلته بالإكراه، والبلاد المتأخرة حضاريا، ناهيك عن أن هناك مخبر لكل مواطن يراقبه حتى في احلامه.
بالتأكيد "لا دخان بدون نار" وبعض تلك المعلومات تبدو قريبة من الحقيقة لا سيما فيما يخص مسألة الحريات، لأن كوريا الشمالية شأنها في ذلك شأن كل بلدان العالم التي يحكمها نظام شمولي أو استبدادي، كما هو الحال في معظم بلداننا العربية التي تذبح الصحفيين وتقطعهم في دورها الدبلوماسية.
ولكن الكثير من تلك الأخبار بدا انها مبالغ فيها، فـ"جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية" ليست دولة متخلفة حضاريا والأبراج والمنشآت العملاقة فيها تشهد، فضلا عن أنه لا يمكن أن تكون متخلفة وهي تهدد القوى العظمى في العالم عسكريا.
عموما، يعيق أي باحث عن حقيقة ما يجري في كوريا الشمالية أنه لا يجد ما يستقي منه معلوماته غير الميديا الغربية وما تنشره، وهو ما يفقد المعلومات جديتها.
ولقد جربنا نحن كعرب تلك الميديا في القضية الفلسطينية وغزو العراق والموقف الغربي من المقاومة وحتى من الاسلام السياسي.

المواقف العربية

نحن كعرب لا يعنينا في مواقف كوريا الشمالية أو زعمائها سوى مواقفهم من قضايانا، وهي في الواقع مواقف مشرفة منحازة بقوة للحق العربي في فلسطين والعراق.
فرغم أن الكثير من البلدان العربية طبعت مع اسرائيل ومنهم من ينتظر أو يطبع خلف الستار، لم تعترف كوريا الشمالية بدولة اسرائيل، وبل وتصفها بكيان استعماري تابع لأمريكا، وتعترف في المقابل بدولة فلسطين على كل أراضيها بما فيها الأرض التي أقيمت عليها دولة اسرائيل ذاتها. وطبقت نفس الأمر في مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
وانتهجت موقفا داعما للتسليح المتطور لكل الدول التي صنفتها "أمريكا" في عهد جورج دبليو بوش بـ "محور الشر" – والتي كانت هي على رأسهم – كعراق صدام حسين، وليبيا القذافي، وسودان البشير، وحزب الله وحماس وسوريا وإيران.
وهناك حرب دعائية معلنة مستعرة بينها وبين إسرائيل سواء أو الولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن كوريا الشمالية استبعدت مواطني الدولتين بالإضافة إلى مواطني اليابان وفرنسا من السياحة في اراضيها في وقت مبكر من انفتاحها المحدود على العالم.

الموقف من إيران


اللافت أن ثلاثة من زعماء الدول التي صنفتها أمريكا بالدول المارقة قد قضوا أو اقصوا من الحكم، فيما يواجه الآخرون متاعب كبيرة ما بين الحصار أو الحرب.
ولعل هذه الرؤية كانت أيضا مدعاة لتمسك كوريا الشمالية باستراتيجيتها في انتاج أكبر قدر من اسلحة الردع الشامل كالأسلحة النووية والذرية وحتى الهيدروجينية، التي تشير التقارير الاعلامية وتكهنات المراقبين بانها استطاعت تملكها.
ويذهب المراقبون إلى أنه بسبب تشابه التشدد في الموقف الأمريكي تجاهها وتجاه إيران، فمن المحتمل أن يكون التعاون العسكري الكوري الايراني لا سيما في المجال النووي عميقا أيضا.

الموقف المصري


ورغم أن بوصلة مصر السيسي السياسية معروفة ومعروف من يرعاها في العالم، إلا أن اخبارا ترددت الاعوام الماضية تناقض هذه التوجهات، وتتحدث عن ضبط البحرية الأمريكية أسلحة كورية في بواخر مصرية متجهة إلى مناطق غير معلومة، الأمر الذي لا يمكنها التسامح، إلا إذا كان هذا التواصل تم بناء على طلب من "قيادتها" لغرض ما، واستجابت له كوريا الشمالية نظرا لحاجتها الى تسويق بضاعتها الرائجة "السلاح".
مواقف كوريا الشمالية تحت حكم اسرة "الوالد  المؤسس"، تتفق تماما مع الحق العربي، وبرغم ذلك فإن الميديا العربية تسير على نهج الميديا الغربية في التشنيع عليها.
بالحق وبالباطل، ودون التأكد للتمييز بين ما هو حق وما هو باطل!


ولتخطي الحجب انقر هنا

الخميس، 16 أبريل 2020

سيد أمين يكتب: المشاهد الخمسة في مقالات "نيوتن"

كان من الممكن أن يمر المقترح الذي طرحه من يكتب تحت اسم "نيوتن" المستعار في مقاله بجريدة المصري يوم الأحد الماضي 12 ابريل بعنوان"استحداث وظيفة" وما أعقبه من مقال أخر بعنوان "حاكم سيناء" مرور الكرام، لولا عدة مشاهد داخلية وخارجية لا يمكن أبدا تجاهلها والقفز عليها.

المشهد الأول:

أولى تلك المشاهد هي أن المنطقة المستهدفة بالاقتراح بأن يتولى أمرها حاكم خاص لمدة ستة سنوات بعيد عن سيطرة حكومة القاهرة المركزية، هي نفسها سيناء التي ذكرت العديد من التقارير والمصادر المسئولة المعلنة والمجهولة، العربية والاجنبية والمصرية والاسرائيلية، بأنها جزء من "صفقة القرن".
و"صفقة القرن" هي مصطلح كان أول من أعلنه صراحة هو عبد الفتاح السيسي في لقاء شاهده العالم أجمع مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب عام 2017مبديا حماسة ودعما كبيرا لها، قبل أن يعود لينكر معرفته بهذا الأمر، ثم يجري بعدها تغيير مسمى الصفقة اعلاميا لتكون أكثر نعومة تحت مسمى "صفقة تبادل الاراضي". 
وبالتالي فإن حديث "نيوتن" هو أقرب ما يكون لطرح رؤية جديدة على نفس قواعد صفقة القرن، مع طرح تعديل بسيط هو بدلا من التنازل عن جزء من سيناء لحكم أجنبي، هو التنازل عن كل سيناء لحاكم "ذا هوية مصرية" يفعل بها ما يشاء. 
ولم يقل المقال ما إذا كان هذا الحاكم واعوانه ممن اشتروا الجنسية المصرية مؤخرا ام لا؟

المشهد الثاني:

من التدليس أن يقوم "نيوتن" بتبرير طرحه بأنه الحل الوحيد في التغلب على بيروقراطية الدولة التي تحول دون تنمية سيناء، والقاصي والداني يعلم ان تنمية سيناء لا ينقصها أليات وكفاءات وخبرات ولكن أهم ما ينقصها هو صدق النوايا السياسية في تنميتها، خاصة مع ما يتردد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979 أن هناك بنودا سرية لم يطلع عليها الشعب تقضي بتقاسم ثروات سيناء مع اسرائيل.
وكذلك بأنها ستبقى رهن التفريغ العمراني كمسافة آمنة بين البلدين وممنوع احداث اية تنمية فيها.
قد يكون ها الكلام ليس صحيحا ولكن التجربة الفعلية على الارض أيدته، فسيناء 2020 لا تختلف كثيرا عن سيناء 1979 سوى أن قرى ومدن فيها ازيلت من الوجود، بمعنى انها أهملت أكثر وفرغت أكثر ولا شأن للكفاءة والأليات بذلك.
بل أن اتفاقية السلام التي كانت مدتها 20 عاما انتهت 1999 وكانت هناك فرصة للتخلص من اعبائها لكن ما جرى هو تمديد الاتفاقية وبالتالي تمديد قيود غياب سيناء، فإذن المسألة كانت ارادة سياسية وليست كفاءات.

المشهد الثالث:

ضرب "نيوتن" المزعوم مثالا بالمكان المرجو أن تكون سيناء مثله لو تحقق مقترحه وهو "هونج كونج"، والواقع يقول أن هذه المدينة الصينية كانت تحت السيادة البريطانية لمدة قرن من الزمان بالتأجير قبل ان تعود للصين، بما يعني انها كانت تحت حكم اجنبي في حين أن المفروض في سيناء انها تحت السيادة الوطنية المصرية.
كما أن هونج كونج نمت بشكل سريع بسبب ما يمكن ان نسميه المكايدة الغربية التي تريد ان تبدو انها تتفوق على الصين حضاريا وهو ما ليس موجودا في مشهد سيناء، إلا اذا كنا نريد كمصريين أن نتفوق على بعضنا حضاريا، أو أن أجنبيا سيديرها.
والواقع أن اقليم هونج كونج لم يختلف كثيرا تنمويا عن الصين نفسها بلد المليار ونصف المليار نسمة، بدليل أن أوربا وأمريكا يستعينون بالخبرات الصينية في كافة مناحي الحياة، والصين هى الدولة الأعلى انتاجا قوميا في العالم.

المشهد الرابع:

نيوتن عرج في مقاله إلى التجربة الماليزية ومهاتير محمد، والواقع أن هذه التجربة لم يقتصر نجاحها على اقليم من اقاليمها ولكن شملت كل ارجاء الدولة، وكانت الديمقراطية وحرية تداول السلطة وحرية الرأي والتعبير هي مفتاح هذه التجربة.
وهو ما يفتقده المشهد المصري تماما، وكان الاجدى الاقتداء بهذه التجربة لتنفيذها في كل ارجاء مصر لتنمو كل محافظات الجمهورية واقاليمها سويا.
كما أن مهاتير محمد الذي يشير إليه نيوتن بالتقدير لوطنيته واستنارته هو ذاته من هاجمه اعلام الدولة المصرية لعقده قمة "كوالالمبور" الاسلامية مع تركيا وإيران وقطر وممثلي باكستان واندونيسيا 

المشهد الخامس:

كل من يعرف حالة حرية الرأي والتعبير في مصر الأن يدرك يقينا أنه لا يجرؤ أحد أن يكتب مقالا بمثل تلك الخطورة القومية في الصحيفة الأكثر انتشار في مصر دون أن يكون مكلفا به من قبل السلطة.
كما أن هناك العديد من الآراء تقول ان اختيار الصحيفة والصحفي لكتابة هذا المقال له دلالة فريدة، فهناك العديد من الآراء – التي لا نستطيع التأكد من صحتها – تؤكد ان صلاح دياب مالك صحيفة المصري اليوم هو ذاته من يكتب تحت اسم "نيوتن"
ولذلك وجب الخروج من حالة اعتباره مجرد رأي شخصي إلى تحليل أهدافه، فهل هو جس نبض للمجتمع، أم لفئات داخل الجيش والسلطة كانت ترفض "صفقة القرن"؟ 
غدا سنعرف والحبل على الجرار


الأحد، 22 مارس 2020

سيد أمين يكتب: في مصر.. ضحايا مجهولون لكورونا


لا تقتصر مخاطر تفشي فيروس كورونا في مصر وما تلاه من إجراءات اتخذتها الدولة للحد من انتشاره؛ على من يمرضون به أو على ذويهم فقط، ولكن يتخطاه ليترك آثارا كارثية على فئات واسعة في دولة يعتاش قطاع كبير من سكانها على مدخولاتهم المادية اليومية أو الشهرية.
ومشكلة هذه الفئة أنها لا تمتلك مدخرات أو عوائد مادية ثابتة، ولو توقف أحدهم عن العمل يوما واحدا فإنه سيعرض نفسه وأسرته للجوع، في ظل غلاء تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى أن هذه الفئات تسكن في الغالب مساكن إيجارات جديدة تقتطع جزءا كبيرا من مدخولاتها المادية.
ورغم عجز كثير من المواطنين عن مواجهة تكاليف المعيشة في ظل الظروف المعيشية العادية، فإنهم مع تفشي الوباء وما قد يعقبه من إجراءات تفرضها الدولة، سيكونون قد فقدوا مورد رزقهم، ومطالبين في الوقت نفسه بزيادة إنفاقهم لتغطية مستلزمات الوقاية من إصابتهم وذويهم بالفيروس القاتل، خاصة أنهم الفئة الأقل في الرعاية الصحية.

الفئات المتضررة

فعلت وزارة القوى العاملة خيرا حينما قررت منح أصحاب العمالة المؤقتة راتبا قدره 500 جنيه (30 دولارا) شهريا، وهو رقم مع زهادته إلا أننا نشك أصلا في صحة تطبيقه، وفي عدد من سيستفيدون منه، ونأمل ألا يكون مجرد "لقطة" من "لقطات" خادعة اعتادها المصريون السنوات الماضية.
فهناك قائمة طويلة ممن سوف تتأثر أعمالهم جراء تفشي الفيروس وستستحيل حياتهم مع فرض الدولة حظرا للتجول، أو ستتوقف أعمالهم جراء الذعر الذي ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.
فهناك ما بين 2.4 مليون (حسب الإحصاءات الرسمية) إلى 5 ملايين عامل (حسب إحصاءات أهلية) من العمالة غير المنتظمة، والتي تتضمن عمال "اليومية" والتراحيل والمعمار والمقاهي ومحطات الوقود والباعة الجائلين وغيرها، وتتسع رقعة إعالة هذه الفئة لما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون نسمة.
وهناك أيضا فئات توجب طريقة عملها التعامل المباشر مع الجماهير وتسلم وتبادل النقود والأوراق، ما يضاعف تعرضها للإصابة بالفيروس، ومن أمثلة هؤلاء محصلو الأتوبيسات والقطارات والمترو وحتى شركات الطيران، فضلا عن سائقي السرفيس والتكسي والتوكتوك، أيضا محصلي المستشفيات والنوادي وغيرها.
كما تشمل المعاناة الأيادي العاملة في قطاعات الصحة والعناية الصحية والخدمات المعاونة من طواقم التمريض وحتى عمال النظافة، بمن فيهم أولئك العاملون في الشوارع العامة، وجميع هؤلاء معرضون بشكل مباشر للمرض. بل إن تفشي الوباء يفرض عليهم مسؤوليات أكبر في حين أن بعضهم ليس بوسعه تحمل تكاليف الرعاية الصحية التي يشارك في صناعتها.
ونحن هنا نستثني الأطباء الذين يقع عليهم دور البطولة في هذه الحرب الحقيقية، لكونهم يتلقون محفزات مالية وطبية تبدو مقبولة وإن كانت في حدها الأدنى.
كما امتد خطر كورونا ليقطع أقوات العاملين المستقرين في القطاع الخاص، كالمدارس الخاصة على سبيل المثال، حيث استغلت كثير من اداراتها قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة 14 يوما، فمنحت العاملين لديها اجازة دون راتب، ما يخشى أن تحذو حذوه الشركات والمكاتب الخاصة حال تمديد وتعميم الاجازات، وتحرم المواطنين من أموال هم في أمس الحاجة لها.
وقد تندهش إن علمت أن غالبية أئمة المساجد معينون بعقود ؤؤقتة ويتقاضون رواتبهم بناء على عدد الصلوات التي قاموا بإمامتها وخطب الجمعة التي حضروها، وإغلاق المساجد سيعرض تلك الفئة لفقدان مورد رزقهم.

واجبات الدولة

في الواقع، إن الجميع في مصر سوف يتأثرون بدرجة ما من تفشي وباء الكورونا، وواجب الدولة والمجتمع هو حماية الفئات الفقيرة والمسحوقة وتقديم يد العون لهم لمجابهة هذا الخطر الوجودي الجسيم.
ويبقى من أولى واجبات الدولة الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجونها، وهم بعشرات الآلاف، خاصة أنهم الأكثر عرضة لتفشي الوباء بسبب تكدس السجون وسوء التهوية والتغذية فضلا عن ضعف مناعة المعتقلين التي يلهبها سوء الحالة النفسية جراء الحبس الطويل غير المبرر.
ومن واجباتها توفير الطعام والدواء والرعاية الصحية لغير القادرين طوال فترة تلك المحنة، وأن تسقط التزاماتهم المادية من فواتير ماء وكهرباء وغاز وإنترنت وغيرها حتى جلاء المحنة، لأنه كما للدولة حقوقا على أبنائها فإنها ملزمة بتأدية واجباتها تجاههم، وإن لم تؤدها فلا يحق لها الحديث عن الحقوق وذلك ببساطة لأنه لا وطن بلا مواطن.
كما يجب على الشعب عدم التكالب على تخزين السلع والبضائع ما يؤدي لرفع أسعارها بصورة جنونية، فيعجز الفقير عن الحصول عليها، لأن ذلك ليس من خلق المسلم المحب لدينه ووطنه.

الخميس، 12 مارس 2020

سيد أمين يكتب: من يقف وراء محاولة اغتيال حمدوك؟

 نقلا عن موقع عربي 21

قد يحمل اتهام النظام السوداني السابق بالتورط في محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبد الله حمدوك شيئا من العمق، لكن الأعمق منه توجيه أصابع الاتهام إلى المستفيد من توجيه تلك الأصابع لهذا النظام الراحل.
فمن يوجه الاتهامات سيخلق بلا ريب انقساما مجتمعيا حادا في هذا البلد، من خلاله وصم قطاع عريض من الشعب بالارهاب، ما يعني ضرورة مواجهته بذات السلاح، وبالتالي عليه أن يتخير ما بين الإبادة أو الإقصاء.
وهي ذات الاتهامات التي حاولت سلطة الجار الشمالي للسودان أن تواجه بها جزءا كبيرا من الشعب، وبررت من خلالها تكميم الأفواه والحريات، واستباحة الدماء، وجرّمت حقهم المشروع في المواطنة والتعبير والاحتجاج والتظاهر، مستظلة بشعارات زائفة، بدأتها من الإرهاب المحتمل حتى وصلت للمعركة التي لا يجب أن يعلو صوت فوق صوتها.
والقول بأنه من مصلحة النظام القديم تخريب المسار الديمقراطي للسودان أملا في العودة للحكم، هو في الواقع قول يحمل قدرا من السذاجة؛ لأن أوضاع السودانيين الاقتصادية في ظل النظام الجديد لم تختلف كثيرا عن حالها في ظل النظام القديم، بل إنها ساءت بشكل كبير دون أن يكون للبشير والأحزاب الإسلامية أي تدخل فيها.
يحدث هذا السوء رغم تدفق المعونات والمنح والقروض على الحكومة الجديدة من القوى الخليجية الراغبة في ضم الخرطوم لأحلاف اقليمية معينة، ورغم رفع قسم كبير من العقوبات الأمريكية والأوروبية عن السودان، وهي العقوبات التي كبلت نظام البشير وأوصلت الوضع الاقتصادي إلى حد الثورة عليه.
كما أن تحميل النظام السابق مسؤولية الانهيار الاقتصادي في السودان (رغم مساوئه التي لا تعد ولا تحصى) فيه تحامل كبير عليه، لأنه أصلا لم يتسلم السودان واحة خضراء فبوّرها، لكنه تسلمها من سابقيه، وهم كثر، على هذا الخراب، فأهمل فيها كما سيهملها من يحكمون الآن.

شيطنة الإسلاميين


وعلى غرار ما حدث في شمال الوادي من ظهور، حركات وجماعات لم يسمع بها ولا بنشاطها الشارع المصري قط سوى بعد انقلاب 2013، حدث في جنوبه، وخرجت بيانات من جهات غير معروفة من قبل تعلن تحملها المسؤولية عن التفجير. والغريب أن جميعها تحمل مسميات أو شعارات ذات طابع إسلامي، منها مثلا "حركة الشباب الإسلامي السوداني- طالبان" و"داعش السودان".
كما ترافق مع الدقائق الأولى للهجوم، إسراع أحزاب وجهات وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحاكم بإدانة حزب البشير واتهامه بالتورط في الحادث، رغم عدم وجود أي دلائل توحي بذلك، واستباقا لأي تحقيقات.
وهذا يوحي بأن الهدف هو شيطنة الحركات والأحزاب الإسلامية السودانية، رغم أنها نفت علاقتها بالحادث جملة وتفصيلا، وسارعت للتعبير عن إدانته في اللحظات الأولى، فضلا عن أنها الأحرص على ألا يتكرر المشهد المصري في السودان.
واللافت أن صحف وفضائيات الإمارات والسعودية ومصر دون سواها، اهتمت بالحادث اهتماما كبيرا، وتوجهت بـ"ربطة معلم" باتهام الإخوان في تدبير الحادث، داعية لسرعة تصفيتهم من المجتمع السوداني.

الرابح والخاسر


في الواقع هناك فئات كثيرة ستستفيد من الحادث، وفي المقابل هناك جهة واحدة تضررت بشدة منه.
أول المستفيدين من الحادث، هي تلك الدول التي تناصب الإسلام السياسي العداء، وتحاول أن تقصيه من السودان، وأن توجد لنفسها موطئ قدم ينافس الوجود التركي في جزيرة سواكن والصومال، لا سيما في هذا البلد صاحب السواحل الهائلة على البحر الاحمر، والمعبر الحيوي لأدغال أفريقيا، والأراضي الزراعية الوفيرة. وفي مقدمة هؤلاء الإمارات والسعودية ومصر.
ثاني المستفيدين، هي القوات المسلحة التي تم إرغامها عبر المظاهرات والمسيرات وتردي الحالة الاقتصادية وغيرها على القبول بمشاركة القوى المدنية في الحكم، وهذه القوات بحاجة لتبرير العودة للقبضة الحديدية تدريجيا حتى يتسنى لها في نهاية المطاف الإطاحة بحلفائها المدنيين، على غرار ما حدث في مصر.
ولا ننسى أيضا أن هناك عدة محاولات انقلابية نفذتها جهات في الجيش في وقت سابق، لكنها فشلت.
ثالث تلك الجهات هي التيارات ذات الطبيعة الراديكالية في القوى المدنية، كالأحزاب الشيوعية والعلمانية والتي تريد صبغ أيديولوجيتها على الحكومة، وهي بالمناسبة من أكثر الكارهين للتيار الإسلامي.
يأتي رابعهم الحركات المسلحة في السودان، وهي كثيرة وقادرة على تنفيذ أجندتها بقوة السلاح.
ورغم كل ذلك، فإن البعض يحلو له تحميل حزب البشير المسؤولية رغم أنه هو الخاسر الأكبر من سلوك هذا المسلك، وأن زيادة معاناة الناس جعل البعض يترحم على أيامه، على غرار ما حدث في مصر.