الجمعة، 26 أغسطس 2022

سيد امين يكتب: لماذا نهدر تميزنا وننافس على الذيل؟

لا ندري ما السر وراء هذا السعار الذي يجتاح الحكومات العربية للتنكر لهويتها عبر طمس اللغة العربية والنزول بسن تعلّم اللغات الأجنبية إلى رياض الأطفال، وهو القرار الذي اتخذه وزير التعليم المصري السابق الدكتور طارق شوقي، وهو السن الذي يحتاج فيه الطفل إلي تعلّم الحروف الأولى من لغته القومية وإتقانها، وليس التشويش والإثقال عليه بتعلم لغات الآخرين.

يأتي هذا القرار ضمن جملة إجراءات سابقة اتخذها هذا الوزير، بجعل اللغة الإنجليزية هى اللغة التي سيجري بها تعلم كافة المواد العلمية والإنسانية في جميع مراحل التعليم الابتدائي الرسمي.

ولا نعرف ما الداعي للسعي وراء التخلص من موروثاتنا الثقافية والحضارية التي نتميز بها، وتجعلنا محطا لأنظار العالم الباحث عن التفرد والاقتداء، الذي نملك كل أدواته عبر الاعتناء بلغتنا العربية التي شرّفها الله بالقرآن الكريم لتكون لغته الوحيدة، ومع ذلك نلقي بذلك أرضا ونهرول لننضم إلى حشد لا يمكننا أبدا أن نكون إلا في نهاية ذيله.

علما بوجود عشرات من الدراسات قد نتطرق إليها في مرات أخرى أجراها علماء مصريون وعرب وأجانب تؤكد جميعها أن أداء الأطفال الذين يتعلمون لغة واحدة كان أفضل من أداء ونتائج الأطفال الذين يتعلمون لغتين حيث يعانون من مخاطر دينية وثقافية ولغوية وعاطفية.

وهي النتائج التي يراها المصريون الآن عمليا في الواقع جراء هذا الاضطراب التعليمي حيث إن عوائد التحصيل العلمي منخفضة للغاية، وكانت نتائجها عدم تعلم الأطفال لا العربية ولا الإنجليزية.

مبررات واهية

التعليل لأهمية تعلم اللغات الأوربية لا سيما الإنجليزية أو الفرنسية بكونها لغات العلوم أمر قد يحظى بوجاهة ما في بادئ الأمر، لكن وجاهته تزول سريعا لتحل محلها علامات استفهام كبيرة إن لم نجد لها إجابات مقنعة على جملة من التساؤلات أهمها:

لماذا نعلّم أطفالنا في المراحل التعليمية المتقدمة في رياض الأطفال والابتدائية والإعدادية لغات غير لغتنا القومية المنصوص عليها دستوريا بناء على موروثاتنا الحضارية والثقافية، بينما كان يمكننا أن نعلمهم تلك اللغات في مراحل تعليمية متأخرة بما يتناسب مع حاجتهم الفعلية لتلك العلوم وسوق العمل؟

فنحن مثلا لم نجد مؤسسات علمية غربية صغرى أو كبرى تطلب اطفالا عربا للالتحاق بها للتعلم أو العمل، لكي نسعى لتقديم ما تحتاجه أسواقها منهم، بل إن عمالة الأطفال تحت أي مسمى أمر مخالف للقوانين الصارمة لعمالة الأطفال في المجتمعات الغربية، وهي الصرامة التي نحن بحاجة إليها أكثر من حاجتنا لتعلم لغتهم.

ولماذا نعلمها لجميع الطلاب إجباريا ونحرمهم من حقهم في الاختيار بين تعلمها من عدمه، ونكلف أسرهم المنهكة اقتصاديا أعباء مادية ثقيلة تزيدهم فقرا على فقر، وتزيد أعباءهم مرة أخرى حينما تنفق الدولة مئات المليارات من الدولارات عليها فتلجأ لتعويضها من جيوب ذويهم في صورة ضرائب ورسوم وغيرها.

بينما عدد من يمكنهم استثمار ما تعلموه من تلك اللغات لا يكاد يُذكَر، مقارنة بالأعداد الكبيرة للطلاب الذين أُنفِقت عليها تلك الأموال الطائلة، التي لو مُنحت لهم بعد التخرج أو استُثمرت اقتصاديا لكانت سببا في رقي البلاد ورفاهية مواطنيها.

وهل هناك جدوى أو قيمة واحدة من أن يتعلم أطفالنا التاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية والفكرية باللغة الإنجليزية؟

في حين أن تعليمهم هذا باللغة العربية أسهل وأوقع وذو مردود استيعابي أوسع، ووطني أعمق بما يعزز قيم الانتماء الوطني والثقافي لدى هؤلاء النشء، فضلا عن أنه لا يمكن أن تجد أمة واحدة في العالم كله تدرس تاريخها وآدابها لطلابها بغير لغتها الأصلية.

السعي وراء تحقق الفائدة العلمية

ويبقى السؤال الأهم، وهو: هل كل الشعوب التي أهدرت لغتها القومية وتعلمت الإنجليزية أو الفرنسية وصارت تتحدث بها في الحياة اليومية صارت شعوبا متقدمة؟

الإجابة تأتينا من قارات العالم الست، لا سيما أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، فأخبار الجريمة والفساد والمجاعات والجهل والتخلف فيها تتصدر نشرات الأخبار في فضائيات العالم مثلها مثل باقي دول العالم وربما أكثر وقعا، فما الجديد الذي نسعى لتحصيله من وراء تعلم طلابنا تلك اللغات على المشاع؟

الاستثمار في اللغة العربية

بدلا من الجري وراء قطار التبعية الثقافية، يمكن لدولة مثل مصر أن تستثمر حضاريا واقتصاديا في الإنفاق على تعلم اللغة العربية وتتلقى مردودا هائلا منها، فمصر واحدة من أكبر بلدان العالم التي يتحدث سكانها اللغة العربية، وتمتلك أعظم معاقل تعلمها التاريخية وهو الأزهر الشريف.

بينما هناك ما يقرب من 57 دولة حول العالم ديانتها الرسمية هى الإسلام، فضلا عن ضعف هذا الرقم في دول أخرى يمثل فيها المسلمون أقليات بنسب متفاوتة، وبالتالي فهي بحاجة إلى المتكلمين باللغة العربية الفصحى لتعليم أبنائهم لغة دينهم، وهي بحاجة أيضا لمن يملكون خبرات في كافة المجالات الأخرى ممن يجيدون العربية، في مثل هذا يمكن لنا الاستثمارالاقتصادي، ونجاحنا في ذلك مضمون.

كما يمكننا أيضا العودة إلى عصر كان فيه الأزهر منارة الحضارة ومحجا لراغبي العلم من أصقاع العالم كافة، وتعظيم هذا الشأن واستغلال ذلك في عودة مصر لتحتل مكانتها القديمة بين أمم العالم بعلمها وثقافتها وليس بعلم وثقافة الآخرين.

…….

نأمل من وزير التعليم الجديد في مصر تدارك الأخطاء، وأن يعلم الأطفال العربية، وعندما يجيدونها يعلمهم لغة غيرها، فمن خرج من داره قلّ مقداره.

المصدر : الجزيرة مباشر

لتخطي الحجب:
المزيد:

الجمعة، 5 أغسطس 2022

سيد أمين يكتب: بذريعة الاقتباس والتمصير.. شاعت السرقات الفنية في مصر

  


جددت فضيحة اتهام الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف المصممة المصرية غادة والي بـ”سرقة” أربع لوحات من أعماله، واستخدامها في جداريات محطة مترو “كلية البنات” بشرق القاهرة، الحديث عن ظاهرة السرقات الفنية والفكرية وتفشيها في مصر.

خاصة حينما تكون تلك السرقات الفنية مقرونة بوقائع فساد واستنزاف لأموال الدولة، وهو ما توافر أيضا في تلك الواقعة التي تردد أن “ستوديو والي” -وهي الوكالة التي تديرها المصممة المصرية- تقاضى عشرات الملايين من الجنيهات مقابل تزيين المحطة بتلك الجداريات، بينما لم تتغرم الوكالة في تنفيذها أكثر من أربعة آلاف جنيه في أعلى تقدير، وهي ثمن طباعة “الاستيكرات” الخاصة بتلك الرسوم والعمالة والمواد اللازمة لتركيبها في المحطة.

وبعد قليل من تلك الفضيحة، نشر مراقبون عاملون في المجال ذاته على صفحاتهم في فيسبوك ما قالوا إنها وقائع سرقات أخرى قامت بها غادة والي لأعمال فنية تخص تصميمات دعاية سياحية لمدينة الأقصر نفذتها سبع فتيات، وهو الاتهام الذي لم يتسنّ بعد تأكيده.

وبعيدا عما يتواتر في تفاصيل واقعة محطة المترو من اعتذارات الهيئة القومية للأنفاق والشركة الفرنسية المسؤولة عن تشغيل الخط الأخضر الثالث، للفنان التشكيلي الروسي وللجمهور عن الواقعة، إلا أن الحقيقة تقول إننا في مصر نتعايش منذ عقود مع كثير من الأعمال المسروقة، ولكن رافق اللصوص شيء من التوفيق فمرت المسروقات بسلام.

فما كاد المجتمع المصري يفيق من تداعيات تلك الفضيحة حتى وجدنا فنانة روسية أخرى تدعى فيرا زولوتاريفا، تتهم مصممي أزياء مسلسل “أحلام سعيدة” بسرقة تصميماتها لترتديها الممثلة يسرا، بينما ردت ياسمين القاضي -مصممة أزياء يسرا- بأنها قامت بشراء تلك التصميمات من أحد المحال ولا شأن لها بالواقعة.

ولعل السبب في الضجة الكبيرة التي أثيرت حول مثل هذه الوقائع، وهي في الواقع تستحقها، هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وإفلات تلك الوسائل من الرقابة الحكومية ولو جزئيا، وتقريبها بين أقطار العالم، مما جعل أخبار تلك السرقات سريعة الوضوح والشيوع والفضح، ولا يمكن أبدا تخبئتها بغربال.

طرب مسروق

ولو تتبعنا أمر السرقات الفنية في مصر لوجدنا أن هناك عشرات الأعمال الفنية إما مسروقة كليا أو جزئيا أو تم اقتباس الفكرة، والغريب أن المؤلفين كانوا لا يرون في ذلك حرجا حال تم اكتشاف تلك السرقات، فيعللون ذلك بأنهم قاموا بتمصير الأفكار.

ومن نماذج السرقات أو الاقتباسات أو الممصّرات -سمّها كما شئت- لحن أغنية “معانا ريال” لأنور وجدي وفيروز عام 1950 المسروق من لحن أوكراني، وألحان أغنيات “تملّي معاك” لعمرو دياب، و”طمّني عليك” لمحمد فؤاد، و”جتلك” لمصطفى قمر، و”كل الأوقات” لسميرة سعيد، وغيرها، وأحيانا تترافق سرقة اللحن مع سرقة التوزيع الموسيقي أيضا.

لكن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب امتلك الجرأة ليعترف في حوار صحفي بأنه كان يمارس هذا النوع من الممارسات في بداية مشواره الفني، واقتبس لحن “يا ورد مين يشتريك” من بيتهوفن، و “أحب عيشة الحرية” من فلكلور روسي، وقال “كان لا بد أن أقول ممن اقتبستهم، وهذه كانت حركة بايخة مني”.

وتشيع في شارع الفن والغناء في مصر قيام غواة شهرة زائفة، وأحيانا شعراء وأدباء ومطربون، بشراء الأشعار وكلمات الأغاني بقليل من الجنيهات من الشعراء والمؤلفين المبتدئين ونسبتها إلى أنفسهم.

صُنع في مصر

ولا تخلو الدراما الرمضانية كل عام من حدث الاتهامات المتبادلة بالسرقة، سواء للحن أو أغنية أو تصميم وأحيانا للقصة كلها، كما حدث عام 2019 من قيام روائية سعودية تدعى نور عبد المجيد برفع قضية تتهم فيها المؤلف محمد عبد المعطي باقتباس أحداث روايتها “باسكالا” في مسلسل “حكايتي”، وما حدث أيضا مع مسلسل “الهيبةـ الحصاد” الذي يثير البعض اتهامات بأنه مقتبس من مسلسل أمريكي يدعى “الأقنعة الهزيلة”.

ومن أمثلة الأعمال التي أثيرت حولها اتهامات بكونها مسروقة أو مقتبسة كليا من أعمال أجنبية، أفلام قام ببطولتها الفنان عادل إمام، مثل (واحدة بواحدة) المأخوذ من فيلم “lover come back” الأمريكي، و(حنفي الأبهة) من فيلم “hours 48″، و(خمسة باب) من فيلم “Irma le douce”، و(شمس الزناتي) وأعمال أخرى له.

وهناك أيضا أفلام (حلاوة روح) (أمير الظلام) (بطل من ورق) (التوربيني) (الإمبراطور) (الحرب العالمية الثالثة) (عريس من جهة أمنية) (الحاسة السابعة) (طير إنت) (جوازة ميري) (الفيل الأزرق) (جيم أوفر)، وغيرها.

ومن المثير للسخرية أن من بين تلك الأعمال فيلمًا يحمل اسم (صُنع في مصر) رغم أنه مسروق من الفيلم الأمريكي “Ted”.

السرقات الشعرية

السرقات الفنية لم تترك الشعر ينجو لحال سبيله، فالسرقات كما طالت شعراء محدثين طالت في الأكثر شعراء قدامى جدا، مثل الشاعر الكبير ابن عروس، الذي ولِد في القرن السابع عشر في قوص بمحافظة قنا، ويعد كثير من المراقبين قصائده بأنها كانت من أكثر الأعمال التي جرى السطو عليها أو محاكاتها من كبار الشعراء وصغارهم.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما تتمتع به مربعاته الشعرية من موسيقى رنانة وحكمة بليغة مختصرة، والأهم من هذا وذاك أن مخطوطاته الشعرية لم تكن متاحة للعامة ولم تحظ بكثير من الشهرة، مما جعلها مطمعا لكل سارق أو مقتبس.

ولو بحث أحدنا قليلا على شبكة الانترنت لوجد قصصا كثيرة عن وقائع لسرقات تشمل كتبا وأبحاثا ورسائل ماجستير ودكتوراه، بل ومقالات رأي.

……

السرقات الفنية والأدبية في مصر شائعة، ولا يتكشف منها إلا النزر، إذ يراهن السارق على ضعف الذاكرة، ويأمن تماما العقاب.

لتخطي الحجب | https://ajm.me/ugew5p
لقراءة المقال كاملا ◀️ | https://ajm.me/cc8avc

الأربعاء، 20 يوليو 2022

سيد أمين يكتب: العدالة الغربية كما نتوقعها.. شيرين أبو عاقلة نموذجا

ليس من المستغرب أبدا أن ينتهي فريق التحقيق الأمريكي إلى النتائج التي توصل إليها في واقعة اغتيال الجيش الإسرائيلي لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في شهر مايو/ أيار الماضي، وإعلانه عن وجود أضرار بالغة في المقذوف الناري الذي اغتيلت به الصحفية البارزة حالت دون التوصل إلى نتيجة واضحة بشأنه، وهو الإعلان الذي يعني ما يشبه قيد الجريمة ضد مجهول.
حاول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس شراء الخواطر العربية بالإشارة إلى احتمال تورط الجيش الإسرائيلي في الجريمة، لكن دون أن يدينه حينما قال إن “المنسق الأمني لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن هذا كان مقصودًا، بل نتيجة ظروف مأساوية خلال عملية عسكرية بقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد فصائل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 11 مايو/ أيار 2022 في جنين، أعقبت سلسلة من العمليات الإرهابية في إسرائيل”.
ولم يقل برايس ما هو السبب وراء قيام الفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وهو أنهم يطالبون بجلائها عما تبقى من أراضيهم التي تحتلها منذ 1967، مع فك الحصار الخانق المفروض عليهم برا وجوا وبحرا.
طرف في الجريمة
عموما عدم الاندهاش من تلك النتائج يعود في الأساس إلى عدم حياد من أوكل إليه التحقيق، حيث وجدنا أن من يرعى القاتل هو نفسه من يقوم بدور القاضي، فضلا عن أن كل تاريخ هذا القاضي معنا وفي كل الوقائع الأخرى المماثلة كان دائما انحيازا فاضحا للآخر.
وقد جاءت الطامة حينما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف أنه تم إخضاع الرصاصة لاختبار باليستي في مختبر الطب الشرعي الإسرائيلي من قبل هيئات مهنية إسرائيلية حضرها ممثلون محترفون من USSC، من أجل تحديد السلاح الذي أطلقت منه.
وبثير هذا التصريح الكثير من السخرية؛ فرغم أن إسرائيل هي المتهمة الوحيدة في الجريمة فإن اللجنة الأمريكية سلمتها الرصاصة التي اغتيلت بها شيرين أبو عاقلة لتجري تحقيقات حولها.
ولأنهم أعطوا القط مفتاح الكرار، خرج المتحدث ليقول إنه في ضوء حالة الرصاصة ونوعية العلامات الموجودة عليها فقد تبين أنه لا يمكن تحديد ما إذا كانت قد أطلقت من السلاح الذي تم اختباره أم لا!!
ويبقى السؤال الأخطر وهو أنه طالما أن المقذوف وقع تحت يد جيش إسرائيل فما المانع من تبديله أو تزييفه أو الإمعان في طمس معالمه، تحرّزًا من وصوله إلى جهات تحقيق دولية؟ ولماذا كانت أمريكا تضغط على السلطة لتسلّمه منها؟ ولماذا استجابت السلطة؟ وهل هناك شيء تحت الطاولة؟
جهات مختصة
وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي أن هناك جهة اختصاص تمتلك الشرعية الكاملة لإجراء التحقيقات في مثل هذه القضايا وهي النيابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية التي وقعت الجريمة في الأراضي الخاضعة لها، وبما أن حكومات العالم بما فيه أمريكا تعتد نتائج التحقيقات النيابية في أي بلد في العالم، فإنه ينبغي لها أيضا الاعتداد بنتائج التحقيقات التي تقرها النيابة الفلسطينية.
وها هي النيابة العامة الفلسطينية ترد على التقرير الأمريكي بقولها إن “أحد عناصر القوات الإسرائيلية أطلق عيارا ناريا أصاب شيرين، بشكل مباشر في الرأس، أثناء محاولتها الهرب، مما أدى إلى تهتك الدماغ، والتقارير الفنية الموجودة لدينا تؤكد أن الحالة التي عليها المقذوف الناري قابلة للمطابقة مع السلاح المستخدم”.
وجاء في تقريرها الفني أن الطلقة من عيار 5.56 ملم، وله علامة وخصائص تطابق سلاح قنص نصف ناري يستخدمه الجيش الإسرائيلي من ماركة “مني فورتي روجر”، وأنها تحتوي على “جزء حديدي خارق للدروع”، وقد اخترقت ذراع خوذة القتيلة، واصطدمت بالجمجمة، وأن إطلاق النار جاء من نقطة ثابتة بشكل مباشر من الناحية الجنوبية، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية، ولم تكن هناك أي مواجهات مسلحة في مكان الحدث.
وأضافت أنها هي السلطة المختصة بإجراء التحقيق، وأن أي تحقيقات تجريها أي جهات أخرى ليست ملزمة لها قانونًا، وستلجأ للجنائية الدولية.
هذه هي نتائج التحقيقات الفلسطينية، ويجب على الجهات الأمريكية والغربية التعامل معها بالجدية الواجبة، حتى لا ترسب العدالة الغربية مجددا في الامتحانات الفلسطينية المتكررة، وتهدر قيمها الديمقراطية التي تتباهى بها على حسابات السياسة الدولية والمصالح الخاصة.
...
على العموم فالنتيجة التي قررت أمريكا أن تنهي بها المشهد كانت متوقعة منذ البداية، وكل فلسطيني يعلم تماما أن حق أي شهيد فلسطيني لن تعيده محاكم دولية.
تابع المقال كاملا هنا 

الاثنين، 4 يوليو 2022

سيد أمين يكتب: مأساة العربية في موطنها

  

هناك العديد من الأخطار التي تواجه اللغة العربية في داخل أقطارها، وتشكل تهديدا جوهريا لها، ورغم ذلك لا وجود لأي ردّ جادّ ومناسب من قبل الجهات المختصة بحماية الثقافة والتراث والهوية تجاهها، خاصة أن اللغة تشكل في الواقع هوية البلاد، وبالانتساب إليها أطلق علينا “البلاد العربية”.

وما يزيد الطين بلة، أن الإعلام بكافة أنواعه الرسمي والخاص، يتصدر قائمة أكثر الوسائل مساهمة في تسارع وتيرة هذا الانهيار، مع ملاحظة أن هذا الإعلام في البلدان العربية -بكل أنواعه أيضا- يخضع لرقابة الدولة الصارمة، ولا يمكن أن يمرّ أي توجه فيه دون رغبة السلطة.

ومن جانب آخر، أضفت مسألة العولمة، والتفوق التكنولوجي الغربي، وتدفق الإعلام من شمال العالم إلى جنوبه حيث تقبع أمتنا العربية، والإعلام الإلكتروني، ولغته، وأدواته، وطبيعة مستخدميه، تعقيدا كبيرا للأزمة، مسّ بضرّ جميع لغات العالم تقريبا، وفي مقدمتها العربية.

ومصدر فداحة الضرر الواقع على اللغة العربية هنا يعود إلى ما تمتلكه من رصانة وبلاغة لا تتناسب مع تعجل ومحدودية ثقافة ووعي الكثير من مستخدمي تلك التقنيات والتطبيقات.

وفي المقابل جاء الأمر ذاته بفائدة كبيرة للغات المسيطرة على الإنترنت في العالم كالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية.

 اللهجات العامية

وتأتي مشكلة اللهجات “العامية” أو “الدارجة”، لتضرب اللغة العربية في مقتل، نظرا لأن الطعنة هنا تأتيها من الناطقين بها، وممن يفترض فيهم حمايتها.

فالعامية لم تكتف بابتذال الكلمات والمصطلحات وتسطيحها، بل إنها اختلقت كلمات ومصطلحات ومعاني لتشكل قواميس خاصة بها، وجرى الترويج لها تحت شعارات خادعة، كالشبابية، والعصرية، وخفة الدم.. إلخ.

هذا الابتذال أضر خارجيا باللغة العربية حيث كان سببا في وقف بعض الجامعات العالمية إيفاد طلابها لدراسة العربية في بيئتها الأصلية، لأنهم كانوا يعودون ولم يتعلموا العربية، ولكنهم تعلموا لهجات البلاد التي أوفدوا إليها.

والأنكى من ذلك أنه تم “تغريب” ونبذ من يتحدث العربية الفصحى في الشارع ووسائل الإعلام، والسخرية منه، باعتباره يعاني من إعاقة ذهنية، مع أنهم هم -وليس هو- الأحق بتلك السخرية.

وهناك من دلل على أن انتشار اللهجات العامية في البلدان العربية تم بقصد استعماري، حيث ذكرت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد في كتابها “تاريخ الدعوة إلى العامية في مصر”، أن هذه الدعوة بدأت في منتصف القرن التاسع عشر على يد كتاب ومستشرقين أجانب، ونجح الأمر بعد دعوات “التمصير” التي حدثت بعد ذلك، فخرجت “العامية المصرية”.

وغني عن البيان أن الاستعمار البريطاني حينما عجز عن فرض لغته في البلاد بسبب تفشي الفقر والأمية، عمل على فصل مصر من محيطها العربي تحت دعاوى “تمصير” لغتها العربية.

ولكن من بوارق الأمل، أن العامية العربية واجهت أيضا معضلات في طريقها لتحل محل العربية الفصيحة، أهمها أن كل قطر أو إقليم عربي صارت له لهجته الخاصة، مما تعذر معه انتشار لهجة عامية موحدة، ورجح انتشار اللهجات العربية المسيطرة بسبب السينما والإعلام ووسائل التواصل، كالمصرية والسورية، فقلل ذلك من حدة تشظي اللهجات.

كما زكى شعور الانتماء العربي حالة التفاعل بين اللهجات المحلية والتقريب بينها، خاصة أن العربي من الخليج إلى المحيط مهتم بطبيعته بما يحدث في باقي الأقطار العربية، وبالتالي فهو مضطر لفهم لهجاتها والتواصل مع سكانها، وهو ما ساعد على تقريب الألسنة.

كما أن الكثير من اللهجات الدارجة في مناطق البادية لا تزال تستخدم الألفاظ والمصطلحات التي امتازت بها العربية الرصينة.

 اللغات الأجنبية

ومن الأخطار التي تحيق بلغتنا القومية، ذلك السيل الجارف من المدارس الأجنبية التي تفشى إنشاؤها في جميع البلدان العربية، يرافقه طوفان من مدارس اللغات الخاصة والحكومية، بما لا يتناسب في الكم والكيف مع المدارس المعنية بتدريس العربية.

وخذ مثلا مصر؛ فقد كشفت دراسة بجامعة جنوب الوادي تحت عنوان “نشأة وتطور مدارس اللغات التجريبية الرسمية في مصر وبداية انتشارها” للباحث صبري الأنصاري إبراهيم وآخرين أن “مصر انفردت عن باقي الدول العربية والإسلامية في نهاية السبعينيات بإنشاء مدارس لغات رسمية، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 94 لسنة 1985لتنظيمها”.

وغني عن البيان أنه جرى في ذات التوقيت، توقيع اتفاقية كامب ديفد التي أحدثت تطبيقات شروطها السرية التي تتكشف بين الحين والآخر تغييرات سلبية كبيرة في المجتمع المصري، ومن غير المستبعد أن يكون تغيير طبيعة التعليم بينها.

ولقد كانت هناك اعتراضات كبيرة من قبل التربويين والمهتمين بالتعليم على تلك المدارس لما تؤدي إليه من تشتيت الهوية الوطنية والإضرار باللغة العربية، لكن الأمر استقر لهذه المدارس وبدأت تتوسع حتى وصل عددها طبقا لإحصائية حديثة لوزارة التربية والتعليم المصرية إلى 2397 مدرسة.

هذا في حين تتردد معلومات بين التربويين -لا نستطيع التحقق منها- بأنه منذ عام 1990 لم يتم بناء مدارس حكومية عربية جديدة.

يقابل ذلك تقزيم لدور المدارس الأزهرية، سواء في الكليات التي يمكن الالتحاق بها، أو في توظيف خريجيها، مع كثافة المناهج، وعجز هائل في المعلمين، وزيادة نسب التسرب التعليمي، كل ذلك غيبها من أولويات الطلاب وأولياء الأمور، وأخرجها من المنافسة.

كما يظهر الإعلام شريكا في الجريمة مرة أخرى، حيث تظهر الأعمال الدرامية والفنية أن من لا يدخل في حديثه الكلمات الأجنبية هو الأقل تعليما ووعيا وثقافة مقارنة بغيره.

……

لذلك يجب على الحكومات العربية أن توقن بأنه لا يمكن أن يستقر انتماء في نفوس طلاب لا يتعلمون لغتهم، ولا يدرسون ثقافتهم، وأن من يزرع الشوك يجني الجراح.

لتخطي الحجب | https://ajm.me/y963da
لقراءة المقال كاملا ◀️ |https://ajm.me/w8753t

الأحد، 12 يونيو 2022

سيد أمين يكتب: هكذا نرد على ازدراء حكومة الهند للإسلام

 تتزايد حدة الإساءات التي تلحق بالمسلمين والمقدسات الإسلامية في الهند يوما بعد يوم، والمثير أن تلك الإساءات تأتي من الحزب الحاكم للدولة وليس من قبل فئات أو أحزاب تفتقد دبلوماسية العمل السياسي المتزن المتفق عليها وتظهر احترام الأقليات ولو على خلاف ما تبطن، خاصة لو كانت أقليات ضخمة تمثل 15% من عدد السكان كالأقلية المسلمة البالغة 195 مليون نسمة، وفقًا لتعداد 2020.

كانت آخر تلك الإساءات تلك التي أطلقها مطلع الشهر الجاري المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم هناك، واعتُبرت إساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتسببت في غضب واسع داخل الهند وخارجها، ناهيك عن إساءات شبه يومية من قبل متطرفين هندوس ضد المسلمين، تنتصر فيها السلطة غالبا للجانب الهندوسي، وتعاقب الأقلية المسلمة.

ومن ذلك على سبيل المثال قيام حكومة ناريندرا دامودارداس مودي العام قبل الماضي بتهجير مسلمي ولاية آسام بشمال شرقي البلاد، والاعتداء عليهم والتنكيل بهم وإزالة مساكنهم بحجة أنها مقامة على أرض مملوكة للدولة، وهدم المساجد وبناء معابد هندوسية على أنقاضها، ومنع الحجاب في كثير من الجامعات. هذا فضلا عن ضمّ أراضي إقليمي جامو وكشمير المحتلة إلى الهند رسميا، وضرب عرض الحائط بالمناشدات الأممية بالانسحاب منها أو منحها الاستقلال.

وكذلك انتشار لقطات مروعة لاعتداء الشرطة على أحد المسلمين وإصابته بالرصاص وظهور جنود وهم يدوسون بقسوة بالغة جسد الرجل الجريح، وهي أمثلة من أحداث تتكرر بشكل متقارب تاركة خلفها انطباعا سلبيا في عموم العالم الإسلامي.

المقاومة الاقتصادية

إن صدقت النيات فإنه يمكننا في الدول العربية الضغط على الحزب اليمني المتطرف الحاكم هناك من أجل تعديل سلوكه ومنع عناصره من توجيه الإهانات إلى الاسلام، وذلك عبر عدة وسائل أهمها الضغط الاقتصادي الذي يشمل مثلا: مقاطعة المنتجات الهندية أو حتى التلويح بذلك لا سيما من قبل دول الخليج العربي التي تعد الأكثر استخداما للمنتجات الهندية.

ويعد الشاي والقطن واللحوم من أكثر المواد التي تقوم الدول العربية باستيرادها من نيودلهي، في حين  تستورد الهند ثلث احتياجاتها من الطاقة من دول الخليج.

مع توقف ذات الدول عن استقدام العمالة الهندية واستبدالها بالعمالة العربية أو البنغالية والباكستانية.

وتمثل عوائد العاملين في الخارج رافدا كبيرا من روافد الاقتصاد الهندي، حيث احتلت صدارة قائمة الدول المستقبلة للتحويلات من الخارج في 2018 بقيمة 78.6 مليار دولار طبقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، وهناك إحصاءات أخرى تقول إن 55% من تلك العائدات تأتي إليها من دول الخليج العربي وحدها.

كما يعيش نحو 8.5 ملايين هندي في دول الخليج العربي خاصة دولة الإمارات العربية، ونظرا لزيادة أعدادهم يحلو لبعض الهنود القول بأن دبي هي خامسة أكبر المدن الهندية.

وفضلا عن ذلك ينبغي مقاطعة الدراما الهندية وتوقف الفضائيات العربية عن عرضها لهذه الأعمال خاصة أن العديد منها يظهر المسلمين متطرفين ومتعصبين وخونة وعملاء للخارج، بينما يظهر أتباع الديانات الأخرى ولا سيما الهندوسية أصحاب قيم ومثل.

ولعل من أسباب انتشار هذه الدراما في بعض الفضائيات العربية رخص أسعارها، مما يسمح لأصحاب القنوات الخاصة بتحقيق أرباح طائلة من وراء عرضها، وهنا يجب إيجاد حل يجعل تلك القنوات تحافظ على أرباحها مع التوقف عن عرض الدراما الهندية نصرة للإسلام والمسلمين.

ومما يجب ذكره أيضا أن هناك من يتوسع في استخدام الدراما الهندية فقط من أجل التشويش على الدراما التركية التي تعد المنافس الأقوى في الفضائيات العربية.

وتمثل صناعة الدراما في الهند أحد روافد الدخل القومي الهندي المهمة حيث تدر مليارات الدولارات سنويا مما جعلها تتصدر هذا المجال عالميا في 2013 طبقا لتقارير نشرتها مجلة التايمز.

المقاومة السياسية

ظلت الهند فترة طويلة من تاريخها تحت الحكم الإسلامي، وكان الحكام المسلمون هناك يحترمون فيها تعدد الأديان، ولم تتنام فيها الكراهية بين الطوائف أبدا، لكن حينما سقطت تحت الحكم البريطاني بدأت تهب فيها رياح التعصب الديني والقومي والثقافي بين كافة الديانات والطوائف الكثيرة المنتشرة في هذا البلد، طبقا لسياسة فرق تسد التي اتبعتها بريطانيا في كل مستعمراتها.

وهو ما أدى في النهاية إلى انشطار الهند الموحدة إلى عدة دول هي باكستان وبنغلاديش وجامو وكشمير.

ومع ذلك كانت الهند قريبة لدرجة كبيرة من العالم الإسلامي ومناصرة للعديد من قضاياه، وانطلقت منها مجموعة عدم الانحياز التي تأسست إبان الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية المسماة حلف وارسو، والكتلة الغربية المعروفة بالحلف الأطلسي، وبالطبع كانت الكثير من بلدان العالم الإسلامي تنضوي في هذه المجموعة.

وتتمثل المقاومة السياسية في التضامن أو التلويح بالتضامن مع عدوتَي الهند التقليديتين وهما الصين وباكستان، خاصة أن باكستان تلتقي مع أمتنا العربية في العديد من الروابط الدينية والثقافية والتاريخية، وتحتاج إلى الدعم الاقتصادي بكافة أشكاله حيث إنها تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة تهدد استقرارها.

كما يجب على الدول العربية استغلال علاقاتها المتميزة بواشنطن من أجل تحفيزها على ممارسة الضغط على نيودلهي لتحسين حقوق الأقليات المسلمة.

……

وأخيرا.. إذا لم نهرع نحن المسلمين للدفاع عن الرسول الكريم، فمتى ولمن نهرع؟

رابط تخطي الحجب: https://ajm.me/xnysy9
للمزيد:

الأحد، 5 يونيو 2022

سيد أمين يكتب: متى تدرك إسرائيل أن العالم كشف حقيقتها؟

 

 “مسيرة الأعلام” التي نفّذها المستوطنون المتطرفون، لا تعبّر إلا عن عجز إسرائيل عن تهويد القدس طيلة عقود من الاحتلال، وقطعا ستزيد من سمعتها سوءا، خاصة مع الجيش العرمرم الذي حشدته من أجل تأمين تلك المسيرة، خوفا من أصحاب الأرض الحقيقيين رماة الحجارة.

حكام إسرائيل لا يريدون مواجهة الحقيقة بأن العالم كشف حقيقتهم

فقد حلّت ذكرى قيام دولة إسرائيل هذه المرة مختلفة قليلا عما قبلها، فتل أبيب لم تكد تهنأ بعد بالهرولة العلنية لبعض العواصم العربية للارتماء في أحضانها، والدعم الباطن والظاهر لمشاريعها الاستيطانية، حتى واجهت ضجرا من تصرفاتها الحمقاء لدى حلفائها القدامى في أوربا وأمريكا والعديد من بقاع العالم على إثر إقدامها على اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ثم زادت الطين بلة حينما واجهت بعنف غير حضاري تشييع جنازتها.

صحيح أن هذا هو سلوك إسرائيل المعتاد منذ 74 عاما بعد قيامها على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، إلا أن الله العلي القدير يشاء أن يفك هذه المرة اللجام المربوط على لسان الحلفاء بعد طول صمت وتبرير، فتصدر التنديدات الشديدة من العواصم الأوربية بالجريمة وتطالب بالعقاب.

وليس رجما بالغيب أن العاصفة التي أثارها استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة ستهدأ مع مرور الزمن، وستفلت إسرائيل من العقاب، كما تعودنا في جميع القضايا العربية معها، بسبب التواطؤ في صورته الغربية أو حتى العربية، ولكن يقينا أن مزيدا من السخام قد نال الصورة البيضاء التي حاولت الدعاية الإسرائيلية صناعتها على مدار عقود.

تحوّل الرأي العام العالمي

وبات واضحا أن الشعوب الغربية صارت الضاغط الأساسي على حكوماتها من أجل كبح شطط إسرائيل وإجبارها على احترام حقوق الفلسطينيين، وهو ما أجبر تلك الحكومات المنحازة على أن تتصرف -ولو فوق الطاولة على الأقل- بتصرفات الحكومات المحايدة.

فانتشرت الجمعيات المناصرة للقضية الفلسطينية، وصار معتادا خروج مظاهراتها وإجراء فعالياتها في عواصم أوربا، لتطوي زمنا كان فيه مجرد حمل علم فلسطين هناك جريمة تستوجب غضب الشعب قبل الحكومة، ومن عجب أن ذلك يحدث بينما تمنع معظم الأنظمة العربية شعوبها من تنظيم مثل تلك المظاهرات.

بالتأكيد حدث ذلك بفضل أسباب عدة، منها تطور الإعلام العربي المهني، وكانت قناة الجزيرة ومكاتبها في الأراضي المحتلة جزءا مهما منه، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تنجح الرقابة المفروضة عليها في منع وصول الحقيقة إلى الناس بمختلف لغاتهم وأجناسهم وأديانهم.

ولأن دولة إسرائيل قامت في الأساس على مجموعة من الأساطير والأكاذيب، فإن وصول الحقائق إلى الخارج وما أحدثه من تحوّل في الرأي العام العالمي تم استيعاب خطورته مبكرا، فأنشأت عام 2015 وزارة خاصة تأخذ على عاتقها مهمة تحسين الصورة وإعادتها إلى سابق عهدها.

الضربة كانت قوية، فالضغط الإسرائيلي نجح فقط في دفع بعض الحكومات الغربية إلى التضييق على حركات التضامن مع فلسطين، إلا أن الصدمة التي تلقتها تلك الحكومات هو وقوف البرلمانات والمنظمات المدنية في الصف الأول دفاعا عن تلك الحركات.

كما حدث مع شبكة “صامدون” التي استقبلها نواب في البرلمان الأوربي، وحركة “فلسطين ستنتصر” التي حرضت عليها السفارات الإسرائيلية في فرنسا وألمانيا، ومع ذلك لم تستطع إصدار أحكام بحلها.

التحول داخل إسرائيل

يوميا يتوسع تطبيع الدول مع إسرائيل رسميا، ويزداد عدد الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات رسمية معها، وبعضها يعقد معها تحالفا ضد عدو غير معلوم، لكن في المقابل يزداد التحول الشعبي الغربي، ويزداد معه التحول داخل إسرائيل نفسها.

ففي إسرائيل تتوسع أيضا مساحة الرفض لممارسات الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وتتدرج  بين المطالبة بالتعايش المشترك إلى تفكيك دولة إسرائيل، وقد تسببت تلك الحركات في إحداث تحول في ضمير اليهود، تعكسها تقارير تنامي ظاهرة الهجرة من إسرائيل إلى خارجها في العقود الأخيرة.

وها هي دائرة الإحصاء الإسرائيلية تشير في تقرير لها صدر عام 2013 إلى ارتفاع هروب العقول والكفاءات العلمية بنسبة 26% عما كان عليه الأمر عام 2003، وبالتأكيد زادت تلك النسبة كثيرا بعد معركة سيف القدس عام 2021، وهى المعركة التي وضعت المدن الإسرائيلية كافة تحت رحمة صواريخ المقاومة في غزة.

وهناك دراسة إسرائيلية صدرت عام 2018، تؤكد أن عدد الذين تركوا إسرائيل بلغوا خلال العقود الأخيرة مليونا ونصف المليون نسمة، وهو رقم ضخم للغاية في دولة لا يتعدي عدد اليهود فيها ستة ملايين نسمة تقريبا.

ومن أمثلة تلك الحركات، “ناطوري كارتا” (اليهودية الحقة) وهى حركة قديمة ترفض وجود دولة إسرائيل أساسا باعتبار أن إنشاءها مخالف لتعاليم موسى عليه السلام، وتؤمن بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على كامل أراضيه من البحر إلى النهر، وينتشر أعضاؤها في مدينة القدس.

وكذلك حركة “JVP” أو “صوت يهودي للسلام” وهي حركة شاركت في أسطول الحرية لكسر حصار غزة عام 2011، وجمعية “زوخروت” الهادفة إلى تعميق الوعي لدى اليهود بالأزمة الفلسطينية.

وكذلك هناك الطائفة الحريدية المعبّرة عن اليهود المعارضين للنزعة الصهيونية، وأيضا “ترابط” وهي حركة ترفض النزعة الاستعمارية لإسرائيل، و”فوضويون” وهى حركة أُسِّست للتعبير عن رفض الجدار العازل الإسرائيلي.

ولعل واحدة من تلك المنظمات، وهي “بتسيلم” (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) حينما سارعت في تقرير ميداني لها بتفنيد وتوثيق زيف ادعاءات الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي، وادعى فيه أنه لإطلاق نار من فلسطيني على شيرين أبو عاقلة.

………..

ذكرى النكبة تأتي هذه المرة والفضيحة تحيط بإسرائيل من كل جانب


لتخطي الحجب | https://ajm.me/k9nyj4

الأحد، 15 مايو 2022

سيد أمين يكتب: لماذا استهدفت إسرائيل شيرين أبو عاقلة؟

استيقظ الناس اليوم على نبأ ضحية جديدة من ضحايا الحقيقة في هذه البقعة المظلمة بظلم الاحتلال والتواطؤ الدولي، حيث ارتقت شيرين نصري أنطون أبو عاقلة والشهيرة بـ”شيرين أبو عاقلة” مراسلة شبكة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة شهيدة أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة

شيرين أبو عاقلة التي طالما أطلت على الملايين حول العالم بوجهها البريء من قناة الجزيرة لتؤدي رسالتها الإعلامية، قتلت اليوم بطلقة في الرأس أطلقها قناص إسرائيلي، وأصيب معها زميلها الصحفي بشبكة الجزيرة على السمودي برصاصة في ظهره.

لماذا قتلوها؟

شواهد كثيرة تؤكد أن استهداف شيرين أبو عاقلة كان متعمدا، لما تتميز به من نشاط وجرأة جعلها تصبح مثالا نادرا للإعلامي الدءوب، صاحب الرسالة، الذي لا يغيب عن أداء الدور المنوط به ويوثق جميع الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني حتى لو كلفه الأمر حياته، لتصبح كاميرته وكلماته في حد ذاتها وثيقة إدانة دامغة لقاتليه.

شهرة شيرين أبو عاقلة والمهام الصحفية الخطيرة التي قامت بها، تجعلها وجها مألوفا بشدة للمهتمين بالشأن الفلسطييني في العالم أجمع، وبالتالي فإنه ما من شك أن معرفة عناصر قوات الاحتلال بها أيضا قوية جدا، حيث حضرت معهم على مدار عقود أينما كانوا لتوثق عدوانهم.

وحينما استشهدت الراحلة كانت ملتزمة بارتداء سترتها الإعلامية مثلما كانت تفعل دائما، برفقة زملاء لها يرتدون السترات نفسها، وتقف في ركن منزوٍ بعيدا عن الاشتباكات التي يزعمها الاحتلال عادة في كل عدوان يقوم به، خاصة أنه في لحظة الاغتيال لم تكن قد بدأت أي مقاومة أو إطلاق نار، وبالتالي فإنه لا مجال للخطأ والالتباس.

ومما يؤكد استهانة قوات الاحتلال بأرواح الطواقم الإعلامية العربية عبر استهدافهم قتلا وسجنا وإصابة حالما نجحوا في توثيق جرائمها التي تصر على إخفائها، قيامها باستهداف منزل الصحفي الشهيد يوسف أبو حسين بغارة جوية مطلع العام الجاري، إلا أنها مع ذلك نادرا ما قامت بإلحاق الأذي بزملائهم من الإعلاميين والمراسلين الغربيين.

لكن حتى في رحيلها، لم تكف شيرين أبوعاقلة عن توجيه الصفعات على وجه الاحتلال حينما كشفت زيف ادعاءاته بأنه لا يستخدم إلا الرصاص المطاطي وقنابل الدخان لفض التجمعات، بينما اخترقت رصاصاته الحية رأسها لترديها شهيدة في الحال، وهي التي لم تمسك بسلاح ولا حتى بحجر.

رحلت شيرين أبو عاقلة أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية “انتفاضة الأقصى” كما لقبتها كثير من وسائل الإعلام العربية والدولية، وتركت إرثا كبيرا من المواد الإعلامية المهمة التي يندر أن تتوافر لأي شبكة اعلامية أخرى.

سياسة إخراس الأصوات

مع توجه إسرائيل لاستكمال تهويد القدس والاستيلاء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة أو هدمها، رصدت مراكز حقوقية عن تزايد استهداف تل أبيب للطواقم الإعلامية حيث سجلت هذا العام فقط وقوع 150 اعتداءً على الصحفيين والطواقم الإعلامية من بينها إطلاق الرصاص الحي، أدت في إحداها إلى قتل صحفي، وإصابة 40 آخرين بعضهم اصابات أدت للعجز الدائم، و35 اعتداء جسديا بالضرب والسحل، فضلا عن 28 حالة احتجاز واعتقال لصحفيين فلسطينيين، وتدمير 23 مكتب صحفي جراء القصف، و20 حالة إبعاد ومنع من التغطية الصحفية، واستمرار منع طباعة صحيفتين في الضفة، وحالة إغلاق مطبعة، بحسب تقارير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

فيما رصدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين، قيام إسرائيل بقتل 48 صحفيا فلسطينيا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 بينهم 22 صحفيا في العقد الأخير فقط، فضلا عن آلاف الانتهاكات الأخرى التي قد تفضي إلى الموت لاحقا.

قناة الجزيرة

هكذا تستمر قناة الجزيرة بطاقم مراسليها في مهمتها التي تتفرد بها تقريبا للكشف عن حقيقة ما يجري في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في ترويع واستهداف الإعلاميين دون حسيب أو رقيب.

ولعل استهداف مراسلي مكتب الجزيرة وإعلامية متميزة مثل شيرين أبو عاقلة وبعض المكاتب الإعلامية الداعمة للمقاومة الفلسطينية يعد في حد ذاته دليلا بيّنًا على أن إسرائيل تضمر مزيدا من التنكيل بالشعب الفلسطيني وتخطط لفرض تغيير تاريخي في القدس خلال الأيام القادمة، وأن في تخطيطه العمل على مرور الجرائم في صمت، ولكنها أبدا لن تمر.

وداعًا شيرين

وداعا شيرين أبو عاقلة.. الإعلامية التي آثرت ألا تتزوج من بشر، وذلك لأنها تزوجت مهنة البحث عن الحقيقة.

رابط تخطي الحجب: https://ajm.me/jwf5xj
للمزيد: