الجمعة، 9 سبتمبر 2022

سيد أمين يكتب: يبغونها عوجا.. العالم يخوض معركة الشذوذ الجنسي

 

لا أحد يعرف السر الذي يجعل من المجموعات المثلية أو بالأدق “الشواذ” حول العالم تستخدم ممارساتها بشكل دعائي ودعوي، مع أنه كان يمكنها أن تكتفي بالمطالبة بعدم تعقبها طالما أن نشاطها يجري في الخفاء، مثله مثل كل العلاقات الجنسية السليمة أو الشاذة، والمشروعة أو المحرمة والمجرمة على حد سواء.

ولا نعرف أيضا ما الدواعي المنطقية لما يتردد عن أن هناك ضغوطا تمارس على الحكومات العربية من أجل إباحة الشذوذ، بل والدعاية له، وهو الفعل الذي قبل أن يُجرم قانونا، محرم شرعا في الأديان السماوية وفي كثير من العقائد الأخرى.

والأهم أنه يكون سببا للخزي والعار اجتماعيا لمن ينخرط فيه، وبالتالي فالحكومات ليس بيدها فعل شيء لتمرير ممارسات يلفظها المجتمع، خاصة أنها تهدد أولى وحداته وهي الأسرة.

صحيح أن تلك الضغوط قد حققت نجاحا طفيفا فيما مضى، لكنه أيضا ليس النجاح الذي تريده الجهات الضاغطة.

ذلك النجاح الشكلي تدلنا إليه أحاديث جانبية كثيرة تتناثر في أكثر من بلد عربي وإسلامي تفيد أن الشذوذ الجنسي واحد من مفاتيح الترقي في السلم الحكومي، وأنه يمكن أن يكون في حد ذاته سببا لشغل المناصب القيادية لاسيما في المجالات الاجتماعية والفنية والأدبية.

يحدث ذلك في حين أن دولا غير مسلمة كروسيا مثلا تعرف قوانينها الزواج بأنه ما يتم فقط بين الرجل والمرأة، ويحكى في ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سخر من رفع السفارة الأمريكية في بلاده علم المثليين قائلا إنه يعكس التوجه الجنسي للموظفين فيها.

دين جديد

وبحسب احصاءات الأمم المتحدة؛ يعيش واحد من كل خمسة أطفال في العالم في فقر مدقع، مع مخاطر تعرض 160 مليون طفل للموت جوعا في الأعوام السبعة القادمة، مع مقتل 167 ألف شخص نصفهم عرب في عام 2015 وحده، فيما فتكت الامراض والأوبئة بالملايين.

مع تفجر النزاعات بكافة أطيافها، وتنامي الديكتاتوريات وتراجع خريطة الديمقراطية في العالم بسبب الانتهازية الغربية، وكذب شعاراتها الزاعمة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي اتضح أنها تقتصر على حقه في الشذوذ والإلحاد.

لذلك لا يوجد أي سبب مقنع يبرر ترك حماة حمى الحرية في العالم تلك المقتلة الكبيرة الدائرة في كثير من بلدان العالم ضد الإنسان بسبب عقيدته أو فكره أو عرقه، وذلك الموت المتربص به جوعا وحرقا وغرقا ومرضا وفقرا، وينشغلون بتطويع العالم للانشغال بقضية لا تمس سوى 2% من سكانه، اللهم إلا إن كانوا يَبْغُونَهَا عِوَجًا لإفساد الأرض.

ولعلهم يبغونها كذلك فعلا بدليل أن تلك المجموعات هي من تتحرش بالمجتمعات بغية أن تحوز على إعجاب الآخرين وتنال دعمهم، بل وتجعلهم يسلكون مسلكهم، وتلطخ من لم ينخرط أو حتى يتأفف من الانخراط فيها؛ بالعنصرية ومعاداة حقوق الإنسان.

هدف أممي

وبدلا من قصر أنشطتها على أعضائها، تشيع أبواقها مناخا يؤكد بأنه من كمال صلاح المرء الإيمان بهذا الشذوذ والدفاع عنه، مع أنه لو طبقت على هذه الدعوات معايير الديمقراطية، فلا مانع أبدا من الاعتراض السلمي عليها، شأنها شأن كل النشاطات والأفكار التي يتبناها الإنسان ومن المتوقع أن يخطئ أو يصيب فيها.

وتهتم ماكينة الدعاية للشذوذ بالنشء، فنجد فضائيات للأطفال تدعو، ودراما تدعم، وإعلام مشبوه يدافع، ونجد كبريات شركات الإنتاج الإعلامي الخاص بالأطفال مثل والت ديزني تعلن تحويل 50% من شخصياتها الكرتونية إلى شخصيات ذات ميول جنسية مثلية، كما أباحت 28 دولة في العالم الزواج الرسمي بين المثليين.

ولم يتوقف الأمر عند الجمعيات الأهلية والفضائيات وما شابه، ولكن دخلت الأمم المتحدة على الخط وراحت تبارك هذا القبح وتدعو إليه بعشرات المقاطع المصورة، بل إن قوانين الأسرة والطفل التي اعتمدتها كمعيار فيما يعرف بقوانين “السيداو” هى نفسها القوانين الداعية لتفتيت الأسرة، وانفراط الرقابة الأبوية، وتشجيع انحراف الأبناء.

وللأسف هناك الكثير من قوانين الأحوال الشخصية التي تسن في بعض بلدان العالم الآن تراعي هذه المعايير النموذجية، تحت دعاوى الحرية الشخصية وهي الدعاوى التي تم تحميلها كل النقائص التي لا تستحقها.

ولا نعرف هل كل هذا الزخم المدافع عن الشذوذ المقصود منه هو جعلنا نتساهل معه، أم يريدوننا أن ننخرط فيه، فنصبح لا مؤاخذة شواذ؟!

ولك أن تتخيل مثلا أن الكثيرين ممن يدافعون عن مسيرات ومهرجانات واحتفالات المثليين ويصفونها بأنها تعبير عن الحرية الشخصية، هم أنفسهم سيكونون المبادرين بالهجوم على أي أنشطة تكذب وقوع الهولوكوست أو تمجد هتلر أو موسوليني مثلا،، مع أن ذلك في الأساس هو نشاط فكري بحت حتى لو اختلفنا معه.

الواقع أننا حينما أطلقنا مصطلح المثلية الجنسية على الشذوذ الجنسي بما فيه من وضوح، وقعنا في الفخ وخسرنا شوطا من المبارزة، وعملنا بأنفسنا على تحسين الوقع النفسي البغيض لتلك الفاحشة.

يجب أن نخوض المعركة بمسمياتها.

تخطي الحجب: https://ajm.me/k279bv
للمزيد: https://ajm.me/fnzwxz

الخميس، 1 سبتمبر 2022

سيد أمين يكتب: إفريقيا تخلع عباءة فرنسا

عام بعد عام، ينسلخ غرب إفريقيا أكثر فأكثر من العباءة الاستعمارية الفرنسية التي ارتداها قسرا حينا من الزمن، وارتداها عبر وكلاء فرنسا الإفريقيين قسرا أيضا حينا آخر.. تفقد باريس أجزاء من إرثها الإمبراطوري ومصادر قوتها الاقتصادية والسياسية بوتيرة متسارعة وذلك بفقدها مساحات ضخمة من الأراضي التي كانت تعتبرها الحديقة الخلفية لنفوذها الجيوسياسي في القارة السمراء.

أتت الضربة الأخيرة لهذا النفوذ من دولة مالي وتسببت في إجلاء باريس آخر جندي من جنودها الذين أرسلتهم إلى هناك بزعم مكافحة الإرهاب عام 2013 من الأراضي المالية. وما إن تمت تلك العملية حتى قامت حكومة باماكو باتهام القوات المنسحبة في شكوى رسمية قدمتها إلى مجلس الأمن بالتجسس عليها ودعم “الجهاديين” في أراضيها.

ذلك الانسحاب وما أعقبه من اتهام سبب لفرنسا إحراجا كبيرا، خاصة أن قواتها التي انسحبت إلى النيجر، ما إن وصلت إلى هناك حتى خرجت في نيامي مظاهرات شعبية تطالب بجلائها من البلاد أيضا، ولما منعت الحكومة تلك المظاهرات أطلق المتظاهرون حملة توقيعات شعبية لتنفيذ مطالبهم.

وفي العام الماضي تفجرت مظاهرات في دولة بوركينا فاسو تطالب برحيل القوات الفرنسية القادمة إليها من ساحل العاج، مما أجبر تلك القوات على الإسراع في الانضمام إلى قوات فرنسا في مالي.

يأتي هذا الرفض المتنامي للوجود الفرنسي على الأراضي الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى لينسجم مع نفس الرفض للنفوذ الثقافي الفرنسي في بلدان شمال تلك الصحراء كتونس والمغرب، وقيام الجزائر بجعل الإنجليزية لغتها الثانية في البلاد بدلا من الفرنسية.

هذا فضلا عن أن انسحاب القوات الفرنسية الذي تم بناء على تفجر مظاهرات شعبية في مدن شمال مالي تطالب برحيلها وتمهلها ثلاثة أيام للتنفيذ، كان في حد ذاته إهانة لباريس التي تزعم أن وجود قواتها في بلدان إفريقيا جاء تلبية لرغبة الشعوب الإفريقية.

قصة الرحيل

كان للصراع الشديد بين الرئيس المالي بوبكر كيتا المدعوم من قبل فرنسا الذي صعد إلى الحكم عام 2013 في انتخابات وصفتها المعارضة والمنظمات الدولية بأنها مزورة؛ وبين حركة 5 يونيو (تجمُّع القوى الوطنية المدعومة شعبيا) هو أول انهيارات الوجود الفرنسي في مالي.

وقد سرّع ذلك الانهيار ما ترافق معه من تردّ في الأوضاع الاقتصادية والحقوقية واختناق سياسي، واستمرار الاحتجاجات في المدن الرئيسية للبلاد ضد الفساد والغلاء والوجود الأجنبي، مع تنامي العمليات الإرهابية التي كان من المفترض أن القوات الفرنسية جاءت أصلا للحدّ منها، مما عجّل بانقلاب عسكري في 18 أغسطس/آب 2020.

لكن العسكر المتمردين انصاعوا للضغوط الفرنسية وقبلوا بأن يعود الرئيس بوبكر كيتا ليتولى فترة انتقالية مدتها عام، إلا أنه قبل أن يمر ذلك العام قام عسكريون بقيادة العقيد عاصمي كويتا بالانقلاب مجددا على “كيتا” في 24 مايو/أيار 2021، وتحالفوا مع قيادات حركة 5 يونيو المناهضة للوجود الفرنسي في البلاد.

ترافق ذلك مع إحداث تغييرات عميقة في بنية القوات المسلحة المالية تهدف لعزل كبار الضباط الذين لا يرون أي غضاضة في التبعية لفرنسا، ليحلّ محلّهم آخرون من صغار الضباط الذين يحملون نزعات وطنية استقلالية.

البديل الروسي

لكن للأسف، هناك اتهامات بأن عمليات التخلص من النفوذ الفرنسي في إفريقيا لا تتم لصالح الاستقلال بل لصالح إيجاد موطئ قدم لروسيا في إفريقيا، وهو أمر -إن كان صحيحا- لا يحمل ألمًا مضاعفا لفرنسا وحدها، بل لحلفائها الأوربيين والأمريكيين أيضا.

هذا الاتهام تصر عليه فرنسا ربما رغبة في استدرار تضامن الأمريكان والحلفاء الأوربيين معها، وحثهم على استعمال نفوذهم لدى الدول الإفريقية من أجل العمل على إبقائها هناك.

لكن مع ذلك هناك شواهد تدعم صحة هذا الافتراض، وهي أنه في السنوات الخمس الماضية وحدها أبرمت روسيا عدة اتفاقات عسكرية مع مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى وموريتانيا، لتفتح تلك الاتفاقات سوق السلاح الروسي أمام هذه الدول.

ولم يتوقف الأمر عند مجرد فتح أسواق الأسلحة فحسب، بل تخللتها أيضا اتفاقات تتعلق بنشر قوات فاغنر كما حدث في إفريقيا الوسطى وليبيا، وهي قوات تحرص الحكومة الروسية في المناسبات العامة على اعتبارها تابعة لشركة خاصة لا تمثل روسيا، في حين تؤكد كل ممارسات تلك القوات أنها ممثلة لحكومة موسكو.

وقد كشفت وثيقة عسكرية ألمانية أن قوات ألمانية تابعة لبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة رصدت عشرات من أفراد قوات أمنية يُفترض أنها روسية في مطار جاو بشمال مالي، وهو نفس يوم رحيل القوات الفرنسية.

انهيار نظام فوكار

كل الأدلة تؤكد أن إفريقيا تعمل بشكل حثيث على إكمال خلع العباءة الفرنسية والتخلص نهائيا من النظام الذي أنشأه جاك فوكار عام 1962 بتكليف من الرئيس الفرنسي شارل ديغول حول صياغة علاقة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في إفريقيا، مما جعل البعض يعتبر فوكار “مهندس الاستعمار الفرنسي” الحديث لإفريقيا.

وهو النظام الذي قام على إبرام فرنسا عقودا سرية أو معلنة مع حكام الدول الإفريقية تحميهم من الانقلابات العسكرية وتضمن سلامتهم وعائلاتهم مقابل مليارات الدولارات وآلاف الأطنان من الثروة المعدنية والنفطية التي تتمتع بها القارة السمراء، وهو ما يفسر وجود آلاف من الشركات الفرنسية في كافة المجالات تسيطر على الأوضاع الاقتصادية في أغلب بلدان غرب إفريقيا.

لكن تمادي فرنسا في امتصاص ثروات الدول الإفريقية في حين يموت الشباب الأفريقي غرقا في البحر المتوسط لكي يأخذ الفتات من ثرواته التي استحوذت عليها باريس، جعل فكرة الخلاص تختمر في العقول. لأن جحا أولى بلحم ثوره.

تابع المقال 

 لتخطي الحجب | https://ajm.me/6nhrgw

الجمعة، 26 أغسطس 2022

سيد امين يكتب: لماذا نهدر تميزنا وننافس على الذيل؟

لا ندري ما السر وراء هذا السعار الذي يجتاح الحكومات العربية للتنكر لهويتها عبر طمس اللغة العربية والنزول بسن تعلّم اللغات الأجنبية إلى رياض الأطفال، وهو القرار الذي اتخذه وزير التعليم المصري السابق الدكتور طارق شوقي، وهو السن الذي يحتاج فيه الطفل إلي تعلّم الحروف الأولى من لغته القومية وإتقانها، وليس التشويش والإثقال عليه بتعلم لغات الآخرين.

يأتي هذا القرار ضمن جملة إجراءات سابقة اتخذها هذا الوزير، بجعل اللغة الإنجليزية هى اللغة التي سيجري بها تعلم كافة المواد العلمية والإنسانية في جميع مراحل التعليم الابتدائي الرسمي.

ولا نعرف ما الداعي للسعي وراء التخلص من موروثاتنا الثقافية والحضارية التي نتميز بها، وتجعلنا محطا لأنظار العالم الباحث عن التفرد والاقتداء، الذي نملك كل أدواته عبر الاعتناء بلغتنا العربية التي شرّفها الله بالقرآن الكريم لتكون لغته الوحيدة، ومع ذلك نلقي بذلك أرضا ونهرول لننضم إلى حشد لا يمكننا أبدا أن نكون إلا في نهاية ذيله.

علما بوجود عشرات من الدراسات قد نتطرق إليها في مرات أخرى أجراها علماء مصريون وعرب وأجانب تؤكد جميعها أن أداء الأطفال الذين يتعلمون لغة واحدة كان أفضل من أداء ونتائج الأطفال الذين يتعلمون لغتين حيث يعانون من مخاطر دينية وثقافية ولغوية وعاطفية.

وهي النتائج التي يراها المصريون الآن عمليا في الواقع جراء هذا الاضطراب التعليمي حيث إن عوائد التحصيل العلمي منخفضة للغاية، وكانت نتائجها عدم تعلم الأطفال لا العربية ولا الإنجليزية.

مبررات واهية

التعليل لأهمية تعلم اللغات الأوربية لا سيما الإنجليزية أو الفرنسية بكونها لغات العلوم أمر قد يحظى بوجاهة ما في بادئ الأمر، لكن وجاهته تزول سريعا لتحل محلها علامات استفهام كبيرة إن لم نجد لها إجابات مقنعة على جملة من التساؤلات أهمها:

لماذا نعلّم أطفالنا في المراحل التعليمية المتقدمة في رياض الأطفال والابتدائية والإعدادية لغات غير لغتنا القومية المنصوص عليها دستوريا بناء على موروثاتنا الحضارية والثقافية، بينما كان يمكننا أن نعلمهم تلك اللغات في مراحل تعليمية متأخرة بما يتناسب مع حاجتهم الفعلية لتلك العلوم وسوق العمل؟

فنحن مثلا لم نجد مؤسسات علمية غربية صغرى أو كبرى تطلب اطفالا عربا للالتحاق بها للتعلم أو العمل، لكي نسعى لتقديم ما تحتاجه أسواقها منهم، بل إن عمالة الأطفال تحت أي مسمى أمر مخالف للقوانين الصارمة لعمالة الأطفال في المجتمعات الغربية، وهي الصرامة التي نحن بحاجة إليها أكثر من حاجتنا لتعلم لغتهم.

ولماذا نعلمها لجميع الطلاب إجباريا ونحرمهم من حقهم في الاختيار بين تعلمها من عدمه، ونكلف أسرهم المنهكة اقتصاديا أعباء مادية ثقيلة تزيدهم فقرا على فقر، وتزيد أعباءهم مرة أخرى حينما تنفق الدولة مئات المليارات من الدولارات عليها فتلجأ لتعويضها من جيوب ذويهم في صورة ضرائب ورسوم وغيرها.

بينما عدد من يمكنهم استثمار ما تعلموه من تلك اللغات لا يكاد يُذكَر، مقارنة بالأعداد الكبيرة للطلاب الذين أُنفِقت عليها تلك الأموال الطائلة، التي لو مُنحت لهم بعد التخرج أو استُثمرت اقتصاديا لكانت سببا في رقي البلاد ورفاهية مواطنيها.

وهل هناك جدوى أو قيمة واحدة من أن يتعلم أطفالنا التاريخ والجغرافيا والدراسات الاجتماعية والفكرية باللغة الإنجليزية؟

في حين أن تعليمهم هذا باللغة العربية أسهل وأوقع وذو مردود استيعابي أوسع، ووطني أعمق بما يعزز قيم الانتماء الوطني والثقافي لدى هؤلاء النشء، فضلا عن أنه لا يمكن أن تجد أمة واحدة في العالم كله تدرس تاريخها وآدابها لطلابها بغير لغتها الأصلية.

السعي وراء تحقق الفائدة العلمية

ويبقى السؤال الأهم، وهو: هل كل الشعوب التي أهدرت لغتها القومية وتعلمت الإنجليزية أو الفرنسية وصارت تتحدث بها في الحياة اليومية صارت شعوبا متقدمة؟

الإجابة تأتينا من قارات العالم الست، لا سيما أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، فأخبار الجريمة والفساد والمجاعات والجهل والتخلف فيها تتصدر نشرات الأخبار في فضائيات العالم مثلها مثل باقي دول العالم وربما أكثر وقعا، فما الجديد الذي نسعى لتحصيله من وراء تعلم طلابنا تلك اللغات على المشاع؟

الاستثمار في اللغة العربية

بدلا من الجري وراء قطار التبعية الثقافية، يمكن لدولة مثل مصر أن تستثمر حضاريا واقتصاديا في الإنفاق على تعلم اللغة العربية وتتلقى مردودا هائلا منها، فمصر واحدة من أكبر بلدان العالم التي يتحدث سكانها اللغة العربية، وتمتلك أعظم معاقل تعلمها التاريخية وهو الأزهر الشريف.

بينما هناك ما يقرب من 57 دولة حول العالم ديانتها الرسمية هى الإسلام، فضلا عن ضعف هذا الرقم في دول أخرى يمثل فيها المسلمون أقليات بنسب متفاوتة، وبالتالي فهي بحاجة إلى المتكلمين باللغة العربية الفصحى لتعليم أبنائهم لغة دينهم، وهي بحاجة أيضا لمن يملكون خبرات في كافة المجالات الأخرى ممن يجيدون العربية، في مثل هذا يمكن لنا الاستثمارالاقتصادي، ونجاحنا في ذلك مضمون.

كما يمكننا أيضا العودة إلى عصر كان فيه الأزهر منارة الحضارة ومحجا لراغبي العلم من أصقاع العالم كافة، وتعظيم هذا الشأن واستغلال ذلك في عودة مصر لتحتل مكانتها القديمة بين أمم العالم بعلمها وثقافتها وليس بعلم وثقافة الآخرين.

…….

نأمل من وزير التعليم الجديد في مصر تدارك الأخطاء، وأن يعلم الأطفال العربية، وعندما يجيدونها يعلمهم لغة غيرها، فمن خرج من داره قلّ مقداره.

المصدر : الجزيرة مباشر

لتخطي الحجب:
المزيد:

الجمعة، 5 أغسطس 2022

سيد أمين يكتب: بذريعة الاقتباس والتمصير.. شاعت السرقات الفنية في مصر

  


جددت فضيحة اتهام الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف المصممة المصرية غادة والي بـ”سرقة” أربع لوحات من أعماله، واستخدامها في جداريات محطة مترو “كلية البنات” بشرق القاهرة، الحديث عن ظاهرة السرقات الفنية والفكرية وتفشيها في مصر.

خاصة حينما تكون تلك السرقات الفنية مقرونة بوقائع فساد واستنزاف لأموال الدولة، وهو ما توافر أيضا في تلك الواقعة التي تردد أن “ستوديو والي” -وهي الوكالة التي تديرها المصممة المصرية- تقاضى عشرات الملايين من الجنيهات مقابل تزيين المحطة بتلك الجداريات، بينما لم تتغرم الوكالة في تنفيذها أكثر من أربعة آلاف جنيه في أعلى تقدير، وهي ثمن طباعة “الاستيكرات” الخاصة بتلك الرسوم والعمالة والمواد اللازمة لتركيبها في المحطة.

وبعد قليل من تلك الفضيحة، نشر مراقبون عاملون في المجال ذاته على صفحاتهم في فيسبوك ما قالوا إنها وقائع سرقات أخرى قامت بها غادة والي لأعمال فنية تخص تصميمات دعاية سياحية لمدينة الأقصر نفذتها سبع فتيات، وهو الاتهام الذي لم يتسنّ بعد تأكيده.

وبعيدا عما يتواتر في تفاصيل واقعة محطة المترو من اعتذارات الهيئة القومية للأنفاق والشركة الفرنسية المسؤولة عن تشغيل الخط الأخضر الثالث، للفنان التشكيلي الروسي وللجمهور عن الواقعة، إلا أن الحقيقة تقول إننا في مصر نتعايش منذ عقود مع كثير من الأعمال المسروقة، ولكن رافق اللصوص شيء من التوفيق فمرت المسروقات بسلام.

فما كاد المجتمع المصري يفيق من تداعيات تلك الفضيحة حتى وجدنا فنانة روسية أخرى تدعى فيرا زولوتاريفا، تتهم مصممي أزياء مسلسل “أحلام سعيدة” بسرقة تصميماتها لترتديها الممثلة يسرا، بينما ردت ياسمين القاضي -مصممة أزياء يسرا- بأنها قامت بشراء تلك التصميمات من أحد المحال ولا شأن لها بالواقعة.

ولعل السبب في الضجة الكبيرة التي أثيرت حول مثل هذه الوقائع، وهي في الواقع تستحقها، هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وإفلات تلك الوسائل من الرقابة الحكومية ولو جزئيا، وتقريبها بين أقطار العالم، مما جعل أخبار تلك السرقات سريعة الوضوح والشيوع والفضح، ولا يمكن أبدا تخبئتها بغربال.

طرب مسروق

ولو تتبعنا أمر السرقات الفنية في مصر لوجدنا أن هناك عشرات الأعمال الفنية إما مسروقة كليا أو جزئيا أو تم اقتباس الفكرة، والغريب أن المؤلفين كانوا لا يرون في ذلك حرجا حال تم اكتشاف تلك السرقات، فيعللون ذلك بأنهم قاموا بتمصير الأفكار.

ومن نماذج السرقات أو الاقتباسات أو الممصّرات -سمّها كما شئت- لحن أغنية “معانا ريال” لأنور وجدي وفيروز عام 1950 المسروق من لحن أوكراني، وألحان أغنيات “تملّي معاك” لعمرو دياب، و”طمّني عليك” لمحمد فؤاد، و”جتلك” لمصطفى قمر، و”كل الأوقات” لسميرة سعيد، وغيرها، وأحيانا تترافق سرقة اللحن مع سرقة التوزيع الموسيقي أيضا.

لكن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب امتلك الجرأة ليعترف في حوار صحفي بأنه كان يمارس هذا النوع من الممارسات في بداية مشواره الفني، واقتبس لحن “يا ورد مين يشتريك” من بيتهوفن، و “أحب عيشة الحرية” من فلكلور روسي، وقال “كان لا بد أن أقول ممن اقتبستهم، وهذه كانت حركة بايخة مني”.

وتشيع في شارع الفن والغناء في مصر قيام غواة شهرة زائفة، وأحيانا شعراء وأدباء ومطربون، بشراء الأشعار وكلمات الأغاني بقليل من الجنيهات من الشعراء والمؤلفين المبتدئين ونسبتها إلى أنفسهم.

صُنع في مصر

ولا تخلو الدراما الرمضانية كل عام من حدث الاتهامات المتبادلة بالسرقة، سواء للحن أو أغنية أو تصميم وأحيانا للقصة كلها، كما حدث عام 2019 من قيام روائية سعودية تدعى نور عبد المجيد برفع قضية تتهم فيها المؤلف محمد عبد المعطي باقتباس أحداث روايتها “باسكالا” في مسلسل “حكايتي”، وما حدث أيضا مع مسلسل “الهيبةـ الحصاد” الذي يثير البعض اتهامات بأنه مقتبس من مسلسل أمريكي يدعى “الأقنعة الهزيلة”.

ومن أمثلة الأعمال التي أثيرت حولها اتهامات بكونها مسروقة أو مقتبسة كليا من أعمال أجنبية، أفلام قام ببطولتها الفنان عادل إمام، مثل (واحدة بواحدة) المأخوذ من فيلم “lover come back” الأمريكي، و(حنفي الأبهة) من فيلم “hours 48″، و(خمسة باب) من فيلم “Irma le douce”، و(شمس الزناتي) وأعمال أخرى له.

وهناك أيضا أفلام (حلاوة روح) (أمير الظلام) (بطل من ورق) (التوربيني) (الإمبراطور) (الحرب العالمية الثالثة) (عريس من جهة أمنية) (الحاسة السابعة) (طير إنت) (جوازة ميري) (الفيل الأزرق) (جيم أوفر)، وغيرها.

ومن المثير للسخرية أن من بين تلك الأعمال فيلمًا يحمل اسم (صُنع في مصر) رغم أنه مسروق من الفيلم الأمريكي “Ted”.

السرقات الشعرية

السرقات الفنية لم تترك الشعر ينجو لحال سبيله، فالسرقات كما طالت شعراء محدثين طالت في الأكثر شعراء قدامى جدا، مثل الشاعر الكبير ابن عروس، الذي ولِد في القرن السابع عشر في قوص بمحافظة قنا، ويعد كثير من المراقبين قصائده بأنها كانت من أكثر الأعمال التي جرى السطو عليها أو محاكاتها من كبار الشعراء وصغارهم.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما تتمتع به مربعاته الشعرية من موسيقى رنانة وحكمة بليغة مختصرة، والأهم من هذا وذاك أن مخطوطاته الشعرية لم تكن متاحة للعامة ولم تحظ بكثير من الشهرة، مما جعلها مطمعا لكل سارق أو مقتبس.

ولو بحث أحدنا قليلا على شبكة الانترنت لوجد قصصا كثيرة عن وقائع لسرقات تشمل كتبا وأبحاثا ورسائل ماجستير ودكتوراه، بل ومقالات رأي.

……

السرقات الفنية والأدبية في مصر شائعة، ولا يتكشف منها إلا النزر، إذ يراهن السارق على ضعف الذاكرة، ويأمن تماما العقاب.

لتخطي الحجب | https://ajm.me/ugew5p
لقراءة المقال كاملا ◀️ | https://ajm.me/cc8avc

الأربعاء، 20 يوليو 2022

سيد أمين يكتب: العدالة الغربية كما نتوقعها.. شيرين أبو عاقلة نموذجا

ليس من المستغرب أبدا أن ينتهي فريق التحقيق الأمريكي إلى النتائج التي توصل إليها في واقعة اغتيال الجيش الإسرائيلي لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في شهر مايو/ أيار الماضي، وإعلانه عن وجود أضرار بالغة في المقذوف الناري الذي اغتيلت به الصحفية البارزة حالت دون التوصل إلى نتيجة واضحة بشأنه، وهو الإعلان الذي يعني ما يشبه قيد الجريمة ضد مجهول.
حاول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس شراء الخواطر العربية بالإشارة إلى احتمال تورط الجيش الإسرائيلي في الجريمة، لكن دون أن يدينه حينما قال إن “المنسق الأمني لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن هذا كان مقصودًا، بل نتيجة ظروف مأساوية خلال عملية عسكرية بقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد فصائل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 11 مايو/ أيار 2022 في جنين، أعقبت سلسلة من العمليات الإرهابية في إسرائيل”.
ولم يقل برايس ما هو السبب وراء قيام الفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وهو أنهم يطالبون بجلائها عما تبقى من أراضيهم التي تحتلها منذ 1967، مع فك الحصار الخانق المفروض عليهم برا وجوا وبحرا.
طرف في الجريمة
عموما عدم الاندهاش من تلك النتائج يعود في الأساس إلى عدم حياد من أوكل إليه التحقيق، حيث وجدنا أن من يرعى القاتل هو نفسه من يقوم بدور القاضي، فضلا عن أن كل تاريخ هذا القاضي معنا وفي كل الوقائع الأخرى المماثلة كان دائما انحيازا فاضحا للآخر.
وقد جاءت الطامة حينما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ران كوخاف أنه تم إخضاع الرصاصة لاختبار باليستي في مختبر الطب الشرعي الإسرائيلي من قبل هيئات مهنية إسرائيلية حضرها ممثلون محترفون من USSC، من أجل تحديد السلاح الذي أطلقت منه.
وبثير هذا التصريح الكثير من السخرية؛ فرغم أن إسرائيل هي المتهمة الوحيدة في الجريمة فإن اللجنة الأمريكية سلمتها الرصاصة التي اغتيلت بها شيرين أبو عاقلة لتجري تحقيقات حولها.
ولأنهم أعطوا القط مفتاح الكرار، خرج المتحدث ليقول إنه في ضوء حالة الرصاصة ونوعية العلامات الموجودة عليها فقد تبين أنه لا يمكن تحديد ما إذا كانت قد أطلقت من السلاح الذي تم اختباره أم لا!!
ويبقى السؤال الأخطر وهو أنه طالما أن المقذوف وقع تحت يد جيش إسرائيل فما المانع من تبديله أو تزييفه أو الإمعان في طمس معالمه، تحرّزًا من وصوله إلى جهات تحقيق دولية؟ ولماذا كانت أمريكا تضغط على السلطة لتسلّمه منها؟ ولماذا استجابت السلطة؟ وهل هناك شيء تحت الطاولة؟
جهات مختصة
وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي أن هناك جهة اختصاص تمتلك الشرعية الكاملة لإجراء التحقيقات في مثل هذه القضايا وهي النيابة العامة التابعة للسلطة الفلسطينية التي وقعت الجريمة في الأراضي الخاضعة لها، وبما أن حكومات العالم بما فيه أمريكا تعتد نتائج التحقيقات النيابية في أي بلد في العالم، فإنه ينبغي لها أيضا الاعتداد بنتائج التحقيقات التي تقرها النيابة الفلسطينية.
وها هي النيابة العامة الفلسطينية ترد على التقرير الأمريكي بقولها إن “أحد عناصر القوات الإسرائيلية أطلق عيارا ناريا أصاب شيرين، بشكل مباشر في الرأس، أثناء محاولتها الهرب، مما أدى إلى تهتك الدماغ، والتقارير الفنية الموجودة لدينا تؤكد أن الحالة التي عليها المقذوف الناري قابلة للمطابقة مع السلاح المستخدم”.
وجاء في تقريرها الفني أن الطلقة من عيار 5.56 ملم، وله علامة وخصائص تطابق سلاح قنص نصف ناري يستخدمه الجيش الإسرائيلي من ماركة “مني فورتي روجر”، وأنها تحتوي على “جزء حديدي خارق للدروع”، وقد اخترقت ذراع خوذة القتيلة، واصطدمت بالجمجمة، وأن إطلاق النار جاء من نقطة ثابتة بشكل مباشر من الناحية الجنوبية، حيث تمركزت القوات الإسرائيلية، ولم تكن هناك أي مواجهات مسلحة في مكان الحدث.
وأضافت أنها هي السلطة المختصة بإجراء التحقيق، وأن أي تحقيقات تجريها أي جهات أخرى ليست ملزمة لها قانونًا، وستلجأ للجنائية الدولية.
هذه هي نتائج التحقيقات الفلسطينية، ويجب على الجهات الأمريكية والغربية التعامل معها بالجدية الواجبة، حتى لا ترسب العدالة الغربية مجددا في الامتحانات الفلسطينية المتكررة، وتهدر قيمها الديمقراطية التي تتباهى بها على حسابات السياسة الدولية والمصالح الخاصة.
...
على العموم فالنتيجة التي قررت أمريكا أن تنهي بها المشهد كانت متوقعة منذ البداية، وكل فلسطيني يعلم تماما أن حق أي شهيد فلسطيني لن تعيده محاكم دولية.
تابع المقال كاملا هنا 

الاثنين، 4 يوليو 2022

سيد أمين يكتب: مأساة العربية في موطنها

  

هناك العديد من الأخطار التي تواجه اللغة العربية في داخل أقطارها، وتشكل تهديدا جوهريا لها، ورغم ذلك لا وجود لأي ردّ جادّ ومناسب من قبل الجهات المختصة بحماية الثقافة والتراث والهوية تجاهها، خاصة أن اللغة تشكل في الواقع هوية البلاد، وبالانتساب إليها أطلق علينا “البلاد العربية”.

وما يزيد الطين بلة، أن الإعلام بكافة أنواعه الرسمي والخاص، يتصدر قائمة أكثر الوسائل مساهمة في تسارع وتيرة هذا الانهيار، مع ملاحظة أن هذا الإعلام في البلدان العربية -بكل أنواعه أيضا- يخضع لرقابة الدولة الصارمة، ولا يمكن أن يمرّ أي توجه فيه دون رغبة السلطة.

ومن جانب آخر، أضفت مسألة العولمة، والتفوق التكنولوجي الغربي، وتدفق الإعلام من شمال العالم إلى جنوبه حيث تقبع أمتنا العربية، والإعلام الإلكتروني، ولغته، وأدواته، وطبيعة مستخدميه، تعقيدا كبيرا للأزمة، مسّ بضرّ جميع لغات العالم تقريبا، وفي مقدمتها العربية.

ومصدر فداحة الضرر الواقع على اللغة العربية هنا يعود إلى ما تمتلكه من رصانة وبلاغة لا تتناسب مع تعجل ومحدودية ثقافة ووعي الكثير من مستخدمي تلك التقنيات والتطبيقات.

وفي المقابل جاء الأمر ذاته بفائدة كبيرة للغات المسيطرة على الإنترنت في العالم كالإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية.

 اللهجات العامية

وتأتي مشكلة اللهجات “العامية” أو “الدارجة”، لتضرب اللغة العربية في مقتل، نظرا لأن الطعنة هنا تأتيها من الناطقين بها، وممن يفترض فيهم حمايتها.

فالعامية لم تكتف بابتذال الكلمات والمصطلحات وتسطيحها، بل إنها اختلقت كلمات ومصطلحات ومعاني لتشكل قواميس خاصة بها، وجرى الترويج لها تحت شعارات خادعة، كالشبابية، والعصرية، وخفة الدم.. إلخ.

هذا الابتذال أضر خارجيا باللغة العربية حيث كان سببا في وقف بعض الجامعات العالمية إيفاد طلابها لدراسة العربية في بيئتها الأصلية، لأنهم كانوا يعودون ولم يتعلموا العربية، ولكنهم تعلموا لهجات البلاد التي أوفدوا إليها.

والأنكى من ذلك أنه تم “تغريب” ونبذ من يتحدث العربية الفصحى في الشارع ووسائل الإعلام، والسخرية منه، باعتباره يعاني من إعاقة ذهنية، مع أنهم هم -وليس هو- الأحق بتلك السخرية.

وهناك من دلل على أن انتشار اللهجات العامية في البلدان العربية تم بقصد استعماري، حيث ذكرت الدكتورة نفوسة زكريا سعيد في كتابها “تاريخ الدعوة إلى العامية في مصر”، أن هذه الدعوة بدأت في منتصف القرن التاسع عشر على يد كتاب ومستشرقين أجانب، ونجح الأمر بعد دعوات “التمصير” التي حدثت بعد ذلك، فخرجت “العامية المصرية”.

وغني عن البيان أن الاستعمار البريطاني حينما عجز عن فرض لغته في البلاد بسبب تفشي الفقر والأمية، عمل على فصل مصر من محيطها العربي تحت دعاوى “تمصير” لغتها العربية.

ولكن من بوارق الأمل، أن العامية العربية واجهت أيضا معضلات في طريقها لتحل محل العربية الفصيحة، أهمها أن كل قطر أو إقليم عربي صارت له لهجته الخاصة، مما تعذر معه انتشار لهجة عامية موحدة، ورجح انتشار اللهجات العربية المسيطرة بسبب السينما والإعلام ووسائل التواصل، كالمصرية والسورية، فقلل ذلك من حدة تشظي اللهجات.

كما زكى شعور الانتماء العربي حالة التفاعل بين اللهجات المحلية والتقريب بينها، خاصة أن العربي من الخليج إلى المحيط مهتم بطبيعته بما يحدث في باقي الأقطار العربية، وبالتالي فهو مضطر لفهم لهجاتها والتواصل مع سكانها، وهو ما ساعد على تقريب الألسنة.

كما أن الكثير من اللهجات الدارجة في مناطق البادية لا تزال تستخدم الألفاظ والمصطلحات التي امتازت بها العربية الرصينة.

 اللغات الأجنبية

ومن الأخطار التي تحيق بلغتنا القومية، ذلك السيل الجارف من المدارس الأجنبية التي تفشى إنشاؤها في جميع البلدان العربية، يرافقه طوفان من مدارس اللغات الخاصة والحكومية، بما لا يتناسب في الكم والكيف مع المدارس المعنية بتدريس العربية.

وخذ مثلا مصر؛ فقد كشفت دراسة بجامعة جنوب الوادي تحت عنوان “نشأة وتطور مدارس اللغات التجريبية الرسمية في مصر وبداية انتشارها” للباحث صبري الأنصاري إبراهيم وآخرين أن “مصر انفردت عن باقي الدول العربية والإسلامية في نهاية السبعينيات بإنشاء مدارس لغات رسمية، ثم صدر بعد ذلك القرار الوزاري رقم 94 لسنة 1985لتنظيمها”.

وغني عن البيان أنه جرى في ذات التوقيت، توقيع اتفاقية كامب ديفد التي أحدثت تطبيقات شروطها السرية التي تتكشف بين الحين والآخر تغييرات سلبية كبيرة في المجتمع المصري، ومن غير المستبعد أن يكون تغيير طبيعة التعليم بينها.

ولقد كانت هناك اعتراضات كبيرة من قبل التربويين والمهتمين بالتعليم على تلك المدارس لما تؤدي إليه من تشتيت الهوية الوطنية والإضرار باللغة العربية، لكن الأمر استقر لهذه المدارس وبدأت تتوسع حتى وصل عددها طبقا لإحصائية حديثة لوزارة التربية والتعليم المصرية إلى 2397 مدرسة.

هذا في حين تتردد معلومات بين التربويين -لا نستطيع التحقق منها- بأنه منذ عام 1990 لم يتم بناء مدارس حكومية عربية جديدة.

يقابل ذلك تقزيم لدور المدارس الأزهرية، سواء في الكليات التي يمكن الالتحاق بها، أو في توظيف خريجيها، مع كثافة المناهج، وعجز هائل في المعلمين، وزيادة نسب التسرب التعليمي، كل ذلك غيبها من أولويات الطلاب وأولياء الأمور، وأخرجها من المنافسة.

كما يظهر الإعلام شريكا في الجريمة مرة أخرى، حيث تظهر الأعمال الدرامية والفنية أن من لا يدخل في حديثه الكلمات الأجنبية هو الأقل تعليما ووعيا وثقافة مقارنة بغيره.

……

لذلك يجب على الحكومات العربية أن توقن بأنه لا يمكن أن يستقر انتماء في نفوس طلاب لا يتعلمون لغتهم، ولا يدرسون ثقافتهم، وأن من يزرع الشوك يجني الجراح.

لتخطي الحجب | https://ajm.me/y963da
لقراءة المقال كاملا ◀️ |https://ajm.me/w8753t

الأحد، 12 يونيو 2022

سيد أمين يكتب: هكذا نرد على ازدراء حكومة الهند للإسلام

 تتزايد حدة الإساءات التي تلحق بالمسلمين والمقدسات الإسلامية في الهند يوما بعد يوم، والمثير أن تلك الإساءات تأتي من الحزب الحاكم للدولة وليس من قبل فئات أو أحزاب تفتقد دبلوماسية العمل السياسي المتزن المتفق عليها وتظهر احترام الأقليات ولو على خلاف ما تبطن، خاصة لو كانت أقليات ضخمة تمثل 15% من عدد السكان كالأقلية المسلمة البالغة 195 مليون نسمة، وفقًا لتعداد 2020.

كانت آخر تلك الإساءات تلك التي أطلقها مطلع الشهر الجاري المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم هناك، واعتُبرت إساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتسببت في غضب واسع داخل الهند وخارجها، ناهيك عن إساءات شبه يومية من قبل متطرفين هندوس ضد المسلمين، تنتصر فيها السلطة غالبا للجانب الهندوسي، وتعاقب الأقلية المسلمة.

ومن ذلك على سبيل المثال قيام حكومة ناريندرا دامودارداس مودي العام قبل الماضي بتهجير مسلمي ولاية آسام بشمال شرقي البلاد، والاعتداء عليهم والتنكيل بهم وإزالة مساكنهم بحجة أنها مقامة على أرض مملوكة للدولة، وهدم المساجد وبناء معابد هندوسية على أنقاضها، ومنع الحجاب في كثير من الجامعات. هذا فضلا عن ضمّ أراضي إقليمي جامو وكشمير المحتلة إلى الهند رسميا، وضرب عرض الحائط بالمناشدات الأممية بالانسحاب منها أو منحها الاستقلال.

وكذلك انتشار لقطات مروعة لاعتداء الشرطة على أحد المسلمين وإصابته بالرصاص وظهور جنود وهم يدوسون بقسوة بالغة جسد الرجل الجريح، وهي أمثلة من أحداث تتكرر بشكل متقارب تاركة خلفها انطباعا سلبيا في عموم العالم الإسلامي.

المقاومة الاقتصادية

إن صدقت النيات فإنه يمكننا في الدول العربية الضغط على الحزب اليمني المتطرف الحاكم هناك من أجل تعديل سلوكه ومنع عناصره من توجيه الإهانات إلى الاسلام، وذلك عبر عدة وسائل أهمها الضغط الاقتصادي الذي يشمل مثلا: مقاطعة المنتجات الهندية أو حتى التلويح بذلك لا سيما من قبل دول الخليج العربي التي تعد الأكثر استخداما للمنتجات الهندية.

ويعد الشاي والقطن واللحوم من أكثر المواد التي تقوم الدول العربية باستيرادها من نيودلهي، في حين  تستورد الهند ثلث احتياجاتها من الطاقة من دول الخليج.

مع توقف ذات الدول عن استقدام العمالة الهندية واستبدالها بالعمالة العربية أو البنغالية والباكستانية.

وتمثل عوائد العاملين في الخارج رافدا كبيرا من روافد الاقتصاد الهندي، حيث احتلت صدارة قائمة الدول المستقبلة للتحويلات من الخارج في 2018 بقيمة 78.6 مليار دولار طبقا لتقرير صادر عن البنك الدولي، وهناك إحصاءات أخرى تقول إن 55% من تلك العائدات تأتي إليها من دول الخليج العربي وحدها.

كما يعيش نحو 8.5 ملايين هندي في دول الخليج العربي خاصة دولة الإمارات العربية، ونظرا لزيادة أعدادهم يحلو لبعض الهنود القول بأن دبي هي خامسة أكبر المدن الهندية.

وفضلا عن ذلك ينبغي مقاطعة الدراما الهندية وتوقف الفضائيات العربية عن عرضها لهذه الأعمال خاصة أن العديد منها يظهر المسلمين متطرفين ومتعصبين وخونة وعملاء للخارج، بينما يظهر أتباع الديانات الأخرى ولا سيما الهندوسية أصحاب قيم ومثل.

ولعل من أسباب انتشار هذه الدراما في بعض الفضائيات العربية رخص أسعارها، مما يسمح لأصحاب القنوات الخاصة بتحقيق أرباح طائلة من وراء عرضها، وهنا يجب إيجاد حل يجعل تلك القنوات تحافظ على أرباحها مع التوقف عن عرض الدراما الهندية نصرة للإسلام والمسلمين.

ومما يجب ذكره أيضا أن هناك من يتوسع في استخدام الدراما الهندية فقط من أجل التشويش على الدراما التركية التي تعد المنافس الأقوى في الفضائيات العربية.

وتمثل صناعة الدراما في الهند أحد روافد الدخل القومي الهندي المهمة حيث تدر مليارات الدولارات سنويا مما جعلها تتصدر هذا المجال عالميا في 2013 طبقا لتقارير نشرتها مجلة التايمز.

المقاومة السياسية

ظلت الهند فترة طويلة من تاريخها تحت الحكم الإسلامي، وكان الحكام المسلمون هناك يحترمون فيها تعدد الأديان، ولم تتنام فيها الكراهية بين الطوائف أبدا، لكن حينما سقطت تحت الحكم البريطاني بدأت تهب فيها رياح التعصب الديني والقومي والثقافي بين كافة الديانات والطوائف الكثيرة المنتشرة في هذا البلد، طبقا لسياسة فرق تسد التي اتبعتها بريطانيا في كل مستعمراتها.

وهو ما أدى في النهاية إلى انشطار الهند الموحدة إلى عدة دول هي باكستان وبنغلاديش وجامو وكشمير.

ومع ذلك كانت الهند قريبة لدرجة كبيرة من العالم الإسلامي ومناصرة للعديد من قضاياه، وانطلقت منها مجموعة عدم الانحياز التي تأسست إبان الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية المسماة حلف وارسو، والكتلة الغربية المعروفة بالحلف الأطلسي، وبالطبع كانت الكثير من بلدان العالم الإسلامي تنضوي في هذه المجموعة.

وتتمثل المقاومة السياسية في التضامن أو التلويح بالتضامن مع عدوتَي الهند التقليديتين وهما الصين وباكستان، خاصة أن باكستان تلتقي مع أمتنا العربية في العديد من الروابط الدينية والثقافية والتاريخية، وتحتاج إلى الدعم الاقتصادي بكافة أشكاله حيث إنها تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة تهدد استقرارها.

كما يجب على الدول العربية استغلال علاقاتها المتميزة بواشنطن من أجل تحفيزها على ممارسة الضغط على نيودلهي لتحسين حقوق الأقليات المسلمة.

……

وأخيرا.. إذا لم نهرع نحن المسلمين للدفاع عن الرسول الكريم، فمتى ولمن نهرع؟

رابط تخطي الحجب: https://ajm.me/xnysy9
للمزيد: