الاثنين، 30 يناير 2023

سيد أمين يكتب: حينما يعادي المتطرفون أردوغان والإسلام؟

 

 لعل الأمر مدعاة إلى التأمل فعلا، فكلما زاد حقد متطرف غربي أو شرقي على الإسلام، سبّ رموز الدين الإسلامي ومقدساته وهاجم تركيا وأردوغان، وكلما أراد الغربي أن يعبر عن قوة الحضارة الغربية في مقابل الحضارة الإسلامية هاجم الإسلام ورموزه ثم الدولة العثمانية والدولة التركية وأردوغان.

هناك حالة ربط دائم بين تركيا والاسلام في العقلية الغربية، وهناك إجماع غير محسوس في العقل الباطن الغربي على أن أردوغان هو من يمثل العالم الإسلامي رغم أنه لا يحكم إلا دولة واحدة فقط من نحو 56 دولة مسلمة في هذا العالم، ولا تمتاز هذه الدولة بينهم مثلا بأنها الأكثر سكانًا، ولا أنها تستحوذ على مقدسات الإسلام، ولا حتى أنها تتكلم بلغة القرآن، بل إنها من دونهم جميعا لها دستور يقول إنها دولة علمانية.

وقد وصل الأمر إلى أنه في عام 2018 أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدى فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

كما أن الإرهابي الذي أطلق النار ببندقيته الرشاشة فقتل أكثر من 50 مصليًا في مجزرتين بمسجدين في نيوزيلندا عام 2019 كتب رسائل على الأسلحة تحمل تواريخ تشير إلى أن المذبحة تأتي ردًّا على انتصارات الدولة العثمانية والسلجوقية على الحملات الصليبية.

وفي إطار الحرب المتصاعدة بين تركيا وفرنسا لجأ الرئيس الفرنسي إلى تشجيع إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، باعتبارها حرية تعبير وهي الرسوم التي احتجت عليها أنقرة ضمن عدد كبير من دول العالم الإسلامي عقب نشرها في السويد والدنمارك، وهنا رد عليه أردوغان بدعوة الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلا إن ماكرون بحاجة إلى الرعاية العقلية.

الإساءة سياسية

كثير من المؤشرات تشير إلى أن الواقعة التي جرت في السويد الأسبوع الماضي هي في الأصل سياسية، وأن سلطات السويد أرادت الرد على الوقوف التركي دون انضمامها إلى الحلف الأطلسي بالموافقة على تظاهرة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا حركة إرهابية فيها إساءة لصورة أردوغان، وبقيام المتطرف الدنماركي بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.

وأكدت هذه الرؤية ما جاء في نص طلب التظاهرة، فبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة ستكهولهم فإن مواطنا دنماركيا سويديا يمينيا متطرفا قدم طلبا لتنظيم تظاهرة أمام السفارة التركية، كتب فيه تنظيم “مظاهرة ضد الإسلام في السويد عبر حرق القرآن ومظاهرة ضد رجب أردوغان الذي يضع عقبات أمام حرية التعبير في السويد”.

لعل تلك الواقعة باختيار وقوعها أمام سفارة تركيا تعزز من صحة الرؤية الخاصة بأنهم يهاجمون الإسلام من أجل الإساءة إلى تركيا وقيادتها، وهي الرؤية التي عارضها مراقبون منهم الإعلامي المصري عمرو أديب فحاولوا التقليل من شأن الواقعة والإساءة إلى أردوغان، وتناسوا أن ذلك يرفع من مكانته ولا يحط منها.

وربما أدركت القيادة التركية الأمر، فراحت تصعد من لهجتها اتجاه الواقعة بإلغاء زيارات كانت مقررة لوزير الدفاع ورئيس البرلمان السويديين لأنقرة، بل قامت تركيا بتكليف محامين سويديين بمقاضاة مرتكب الواقعة.

المعارك الداخلية

العجيب أن معارك أردوغان مع المعارضة التركية في الداخل يدور كثير منها أيضا حول الإسلام، وموقف الدولة منه ومن مظاهره، وخاصة مسألة منع أو إتاحة ارتداء الحجاب التي يشتعل الآن أوارها بسبب اتجاه حزب العدالة والتنمية لتحصين حرية ارتدائه في البلاد دستوريًّا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار القادم.

وقد أكدت استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة جهات استقصاء مستقلة بعضها علماني التوجه، أن ما بين 55% و70% من الأتراك يفضلون التدين وعودة المظاهر الإسلامية إلى تركيا.

لذلك تقوم الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بمحاولة الظهور بمظهر من يكنون للإسلام التقدير في دعاياتهم الانتخابية، رغم التاريخ الممتد لهذا الحزب في العداء للمظاهر الإسلامية، مما يدل على أنهم أدركوا أن المصدر الرئيسي لشعبية أردوغان وحزبه هو الدفاع عن تلك المظاهر.

ولقد وصل التماهي إلى درجة قول كمال كليشدار أوغلو زعيم هذا الحزب العلماني إن “الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رُفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام”.

وذلك للتخفيف من وطأة تصريح أطلقه نائبه يلماز أوزتورك الذي دعا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إعادة الأذان باللغة التركية، كما كان يفرضه هذا الحزب قسرًا على الدولة التركية في عقود مضت، ودفع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس رأسه ثمنًا لإعادته باللغة العربية.

كل الدلائل تشير إلى أن أعداء أردوغان في الخارج والداخل نصبوه حاميًا للإسلام، سواء كان الأمر حقيقيًّا أم لا.

اقرأ المقال على موقع الجزيرة مباشر

https://ajm.me/0cmxe9?fbclid=IwAR0yMSyw9o7Vpdb-o4tmksyWiR3Du9ypFvbxLWCzdIxNg9tCfp07yAfW4RY

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/1/26/%D8%AD%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86


السبت، 21 يناير 2023

الوطنية من حب الوطن إلى تقديس الفرد.. عبد الناصر نموذجا

  

بقلم سيد أمين

لست أدري ما الذي يبرر تلك الموجة السياسية العارمة السائدة في وطننا العربي في تقديس الشخص لا الوطن، والبحث عن الانتصار للولاء بدلا من الانتصار للحقيقة، والاعتناء بالإجراءات والصورة وليس بالجوهر والنتيجة، مع أن حكمة الزمان تقول إن العِبرة بالنهاية.

ورغم النهايات الواضحة وضوح الشمس، فإن البعض يصر على المراوغة والخداع، والاستمرار في تقديس “تابوهات” أضرت أكثر مما أفادت، وقد يكون هؤلاء النسّاك في محرابها هم أنفسهم من متضرريها، لكنهم فقط لا يحسبون الأمور بمنطق العقل والحقيقة، ولكن بمنطق “المكابرة”، والإصرار على الانتصار للولاءات الزائفة، وكأننا في مباراة شطرنج، وليست أمورا تحدد مصائر أوطان وأرواح بشر.

مشهد واحد

خذ لقطة من هذه في مصر، فمثلا، ليس سرّا أن اتفاقية “السلام” مع إسرائيل وشروطها المجحفة المعلنة -وغير المعلنة التي باتت معروفة للجميع- طوّقت مصر بشدة لعقود، وحرمتها تماما من تنمية سيناء والاستفادة القصوى والمثلى من مواردها.

وليس سرّا أيضا أن مصر أُجبرت على توقيع تلك الاتفاقية لأنه لم يكن باليد حيلة لاسترداد أراضيها، كما سوّق الإعلام المصري لفترة من الزمن.


مع أن ذلك أعدم مصر وحوّل مسارها السياسي من قيادة تيار الممانعة العربية إلى قيادة تيار التطبيع، وكانت نتيجة ذلك إهدار ثروات البلد في الرشاوى والفساد الذي صاحب عملية “الانفتاح الاقتصادي” التي كانت في الواقع تنفيذا لأمر بيع القطاع العام، وحرمان الجيش المصري من أهم روافد تمويله ليتم تعويضه بالمعونة الأمريكية.

وقبل ذلك، خاضت مصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي استُشهد فيها آلاف الجنود وثكلت بسببها آلاف الأمهات، وأُنهك فيها الاقتصاد المصري بشدة.


وإذا كان الحال كذلك في الانتصار، فما بالك بنكسة يونيو/حزيران 1967 التي هي في الواقعة هزيمة نكراء لم تحدث في تاريخ حروب العالم، حيث أبيد عشرات الآلاف من الجنود المصريين دون حتى أن يتمكنوا من إطلاق الرصاص في الهواء، ولأن تفاصيل ما جرى كثيرة وجميعنا يعرفها فلا داعي لتكرارها، ولكن يكفي أن نقول إنه لولاها ما حدث ما بعدها، وما وقعنا في فخاخ اسرائيل الآن.

فضلا عن أننا في غنى عن الحديث عن تأثيرها السياسي والاقتصادي والنفسي على الوطن وشبابه، وتأثيرها العسكري الذي انعكس بصورة كارثية على ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء، والذي لا يزال سمه ساريا إلى اليوم.

فإذا كانت كل هذه المصائب هي مجرد آثار معلنة لهزيمة عسكرية واحدة حدثت منذ أكثر من نصف قرن، من هزائمه المتعددة في اليمن والكونغو و1956 وغيرها، أليس من الطبيعي أن نعتبر أن جمال عبد الناصر الذي يناسب هذا الشهر ذكرى ميلاده “أبو الهزائم”، بدلا من تقديسه واعتباره النموذج الكامل للوطنية دون دليل واحد؟

ظاهرة صوتية

ولا أرى بطولة إطلاقا في أن يخطب الرجل بأنه سيلقي إسرائيل ومن يقف وراءها في البحر، فهذا قد يكون مشهدا تمثيليا لا يتناسب مع المواقف الجادة، ولكن البطولة أن تفعل ذلك حقا بها، وتحرر الأراضي المحتلة لا أن تضاعفها للقادمين بعدك.

ولعله ليس من الصدفة أبدا أن كل معركة تخوضها تخسرها خسارة فادحة، دون مسوغات موضوعية لذلك، لا سيما أن إسرائيل آنذاك لم تكن إلا في حجم محافظة مصرية دون امتلاكها سلاحا استراتيجيا كما هو الآن، وكان حجم التعاضد العربي والإسلامي والعالمي جبارا، لدرجة أنه بإمكانه مع قليل من الجهد العسكري لدول المواجهة خنق إسرائيل وتحرير فلسطين كاملة في أيام معدودات، لكن الإرادة في ما يبدو كانت مخصصة فقط للقطة.

هذا نموذج لإخفاق واحد من إخفاقات قائد قدسوه لدرجة أن أحدهم وصفه بأنه “آخر الأنبياء”، ولا يزال آخرون يمارسون تلك النسك رغم الانكشاف الكامل للمشهد، وما زالت أنقاض الدمار تملأ المكان.

حب من طرف واحد

ولطالما تساءلت عن السبب الذي يدفع قامات كبيرة إلى السقوط في هذا الفخ المهين، لكني سرعان ما أتدارك أن كبرها هذا ربما جاء فقط بسبب تسليط الإعلام الأضواء عليها.

وفي حالة هؤلاء المتيمين القدامى والمحدثين، نكتشف أنهم يعيشون حبا من طرف واحد، يهرول خلاله المحبون خلف المحبوب ويتفنون في استخراج المآثر له، في حين أن المحبوب لا يبالي، وربما كان يسخر في قرارة نفسه بسفه المحبين وضيق أفقهم.

فما المتعة التي يجدونها في ممارسة هذا النشاط المريب الذي دفعت شعوبنا وبلادنا بسببه ثمنا باهظا، فقرا وظلما واستبدادا وتخلفا، ونزف فيه شبابها الدماء على عتبات اللا شيء، حتى أنهم لم يفعلوا كما فعل أصحاب الجاهلية الأولى الذين لم يتشبثوا بأوثانهم التي عبدوها أبا عن جد، حينما أتتهم دعوة الخلاص؟

قد أكون مخطئا في كل تقديري، ولكن فليأتني أحدهم بما يقنعني عسى أن أعود من الناسكين!!

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/1/18/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF?fbclid=IwAR2nevkQWyKlU5Mswnb8PBiVvf6zqM0LfBTK4PBpWiPrVURChDkgFKeh_kw

الأحد، 1 يناير 2023

مقالات عام 2022

سيد أمين يكتب: "الاستبداد الديمقراطي" عند عصمت سيف الدولة

في كتابه القيّم (الاستبداد الديمقراطي)، قسّم المفكر القومي الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة ظاهرة الاستبداد إلى ثلاثة أقسام متباينة “استبداد متخلف واستبداد متحضر واستبداد ديمقراطي”، تتفق جميعا في النتيجة، في حين تختلف في الأشكال والأساليب والوسائل والمبررات.

ويستعرض في قسم الاستبداد المتخلف عددا من نظريات الديمقراطية، خاصة نظرية

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

سيد أمين يكتب: ليت اسرائيل تعي الدرس

لو كنت مكان قادة اسرائيل لاستخلصت العبر الكافية من مواقف الجماهير العربية تجاههم وتجاه إعلامييهم في مونديال قطر، ولشرعت على الفور بالهرولة -بأقصى سرعة- نحو حل سياسي سلمي يضمن للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة على أراضيه المحتلة عام 1967، والتوقف عن ممارسات استعداء الشعب العربي التي تجريها عبر صناعة ودعم ديكتاتورياته، وزرع الفتن والمؤامرات بينه.

فبحسابات المكاسب الآنية ستكون اسرائيل بذلك قد سكبت الماء على النار المتقدة في صدور مئات الملايين العرب وملياري مسلم تجاهها، بدلا من السكب المستمر للبنزين عليها الذي عملت عليه منذ نشأة كيانها عبر الاغتيالات، والهجمات الجوية الوحشية على بيوت الآمنين في المدن والقرى الفلسطينية المحتلة، مخلفة قوافل شهداء تعج بهم مدن غزة والضفة الغربية يوميا، وبيوت مهدمة، وأمهات ثكالى، وحصار خانق..

فضلا عن أنها بالحسابات بعيدة المدى ستكون قد استطاعت الهرب بمسروقاتها الأصلية من الأراضي الفلسطينية المسماة “اسرائيل” وطوت قسما كبيرا من سجل النزاع القائم على الفعل ورد الفعل، ووقتها يمكن للجميع الحديث عن القواسم المشتركة بين العرب والعبرانيين، والمسلمين واليهود في التاريخ، بلا خجل ولا تخوين.

خاصة أن اليهود لم يكونوا هم الأعداء الأصليين للمسلمين في أي حقبة من حقب التاريخ سوى بعد إنشاء هذا الكيان، بل إنهم حينما تعرضوا للمظلومية في الأندلس وحتى في روسيا القيصرية وأوربا والعديد من بقاع العالم مثلهم مثل المسلمين، كان العالم الاسلامي هو الملاذ الآمن لهم، وكان المسلمون هم المدافعون عنهم.

ناهيك عن أننا حينئذ سيحلو لنا الكلام عن التشابه الكبير في الحدود والفقه بين اليهودية والإسلام، وعن الانتماء لسيدنا إبراهيم الأب لإسماعيل وإسحاق.

قصر نظر

لكن إسرائيل كما عودتنا دائما، لا تعير بالا لا بالحسابات الآنية ولا البعيدة سوى بما تملكه من وسائل الرعب، والمثل يقول “الطمع قلّ مما جمع”، فالسياسة الاسرائيلية الدائمة قائمة على نهب ما يمكن نهبه، وقتل ما يمكن قتله، وتخريب ما يمكن تخريبه، وهو الأمر الذي حتما ستدفع ثمنه مهما طال الزمن.

ولم تدرك بعد أنه قد تهاوت -مع تطور وسائل الإعلام الحر- ادعاءات المظلومية التي تقوتت عليها طيلة تاريخها، وظهر للرفيق والغريب نهم قادتها للدم.

ولم يأت في حسبانها أن المقاومة الفلسطينية تكسب مزيدا من التعاطف الشعبي العالمي كل يوم، وتتضخم رقعة الالتفاف حولها في الداخل بوصفها طوق النجاة الذي يحمي ما تبقى من مقدرات الشعب الفلسطيني.

ولعله من العقل أن تدرك أن تجاربها السابقة طيلة 74 عاما من القمع والوحشية لم تستطع خلالها ردع المقاومة الفلسطينية، ولا حتى إخافتها، لا بالطائرات، ولا بالمسيرات، ولا بالمفخخات، ولا بكل مقومات القوة الإسرائيلية بما فيها الأسلحة النووية.

وعليها أن تصدق أن من لم يخشاها ذات يوم حينما كان شبه أعزل يملك أسلحة بدائية وعزيمة لا تلين، يمكن أن يتم ردعه وهزيمته وقد امتلك هو الآخر وسائل الردع الكافية، وصار يملك أيضا الصواريخ والمسيرات؟ وصار يؤلم الغاصبين ويرد لهم الصاع بالصاع؟

إذن عليها أن تبقى على يقين أن الوضع القائم قد يكون نافعا في حقبة معينة من التاريخ، كالتي نعيشها نحن العرب الآن، حيث نظم رسمية تعيش هوانا غير مسبوق، ويتم التحكم بها كعرائس الماريونيت من قبل أمريكا والقوى الغربية وأحيانا من تل أبيب نفسها، وحيث تتلقى إسرائيل دعما غربيا غير محدود.

لكن لو قرأوا التاريخ جيدا لاكتشفوا أن التغيير قد يأتي فجأة، وأن موازين القوى قد تتغير أيضا فجأة، وبالتالي ستنهار كل العوامل التي تسببت في بقاء إسرائيل طيلة العقود الماضية، وسيعرفون وقتها أنها كانت مجرد غفوة بمقاييس التاريخ، وأن هذا الواقع المرير آخذ في الإدبار.

الفخ الإسرائيلي

هناك نفر من اليهود يعارضون قيام دولة إسرائيل، ويرون أن تعاليم موسى عليه السلام تنهى عن وجود كيان خاص لهم، وأن إنشاء هذه الدولة أضر بسمعة اليهودية كدين، ومن أبرز هؤلاء الناس منتسبو حركة ناتوري كارتا الذين يزيد عددهم عن 20 ألف شخص، وبالمناسبة هذا عدد له حسابه بالنسبة للعدد الإجمالي لليهود في العالم.

لكن البعض يزيد عليهم القول إن من ساهموا في إنشاء دولة إسرائيل، لم ينشئوها إلا تخلصا من أذى اليهود في أوربا، ومن أجل إبقائها شوكة في خاصرة المسلمين والعرب.

وأضيف إلى ذلك أن هناك من يقول إنهم أنشئوها لتوفير الأجواء اللازمة لتحقق نبوءات دينية خاصة بهم، تعنى بتجميع الأعداء جميعا “اليهود والمسلمين” في هذه المنطقة المقدسة حتى يتسنى للمخلص الخلاص منهم جميعا، وبدء الألفية السعيدة.

والملاحظ أنه في كل التفسيرات حتى الكهنوتية منها كان إنشاء هذه الدولة خلاصا من اليهود وليس دعما لهم، وبالتالي فإذا غيّر الداعم الغربي خطته في أي لحظة، أو حتى اختلت موازين القوى لديه، فلن يكون الأمر خيرا أبدا لهذا الكيان.

كل ذلك يجب أن يحفز اسرائيل على الاحتماء بالسلام الحقيقي، وليس ذلك السلام القائم على لي الذراع والإجبار على الابتسام المصطنع، والتطبيع غير الطبيعي، والضغط على الحكومات وشرائها.

السلام القائم على احترام حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته دون أي قيود، وعلى تخليها عن سياسة نفث سمومها في البلدان العربية، حتى لا تكون عاقبة ذلك تكرار ما حدث بعد فشل غزوة الخندق.

مع ملاحظة أنه لا الفلسطينيين ولا العرب سيفنون، وأنهم فقط ينحنون للريح ولا يسقطون.

اقرأ المقال هنا على موقع قناة الجزيرة مباشر  

لتخطي الحجب | https://ajm.me/v4jab1

للمزيد| https://ajm.me/a4ykwe

الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

سيد أمين يكتب: انتخابات قيس سعيّد.. تتحدث عنه

رفع الشعب التونسي صوته عاليا، وقال كلمته في مسار 25 يوليو الذي سلكه الرئيس التونسي قيس سعيّد دون وجود أي حاجة إليه، فقاطع الانتخابات التشريعية التي قاطعتها معه أيضا غالبية الأحزاب التونسية، حتى تلك التي كانت تدعم المسار السياسي الإقصائي للرئيس.

وجاءت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات كاشفة لكونها لا تزيد على 8.8% بواقع 803 آلاف شخص، وفقا لما أكدته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي نسبة المشاركة الأدنى على الاطلاق بعد ثورة الياسمين، وربما في كل الانتخابات في تاريخ هذا البلد بعد الاستقلال.

والمقارنة الفاضحة في هذه النسبة أنها جاءت بعد الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2019 والتي كانت نسبة المشاركة فيها 41.3%، ومع ذلك اتهمتها المعارضة آنذاك -التي تحالفت بعد ذلك مع قيس سعيّد- بأن البرلمان الناجم عنها لا يعبّر عن الشعب، وذلك في إطار المكايدة لكتلة الأغلبية التي تتزعمها حركة النهضة.

ولعل هذه النتيجة هي في حد ذاتها تحمل استفتاء على شعبية قيس سعيّد وعلى مساراته التي سلكها منذ أن جاء إلى الحكم، وبالقطع سيكون لها تأثيرات داخلية وخارجية كبيرة مستقبلا عليه وعلى حكومته، لعل أقربها تصعيب موافقة صندوق النقد الدولي على طلبه قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار.

خلط للأوراق

وعلى الفور بعد اعلان هذه النسبة، خرجت الأحزاب والأبواق المدافعة عن مسار قيس سعيّد الإقصائي، وتلك التي كانت تسايره لكنها لم تستطع الاستمرار في ذلك بسبب التخبط الشديد الذي يعتري مساره، لتمارس عملية تشويش وخلط للأوراق في محاولة بائسة للدفاع عنه ورفع الحرج البالغ الذي أصابه وأصاب أنصاره.

منها قولها إن الشعب لم يقاطع الانتخابات، ولم يستجب لدعوة المعارضة بمقاطعتها، ولكنه فقط “عزف” عنها بعد الفشل الذي لحق بالبلاد طيلة العشرية الماضية، التي أفسحت المجال لمشاركة حركة النهضة في الحكم.

ثم قامت تلك الأبواق بتوجيه الإهانة إلى الشعب التونسي بأكمله، بقولها إن ضعف المشاركة يعود إلى غياب المال السياسي والرشى التي كان يوزعها بعض السياسيين على الشعب لحثهم على المشاركة، وهو الاتهام الذي يعني أن غالبية من صوتوا في كل العمليات الانتخابية السابقة -وهم يمثلون نصف الشعب التونسي- كانوا مجرد مأجورين.

ولك مثلا أن تتخيل أننا لو صدّقنا بحسن نية أو حتى بسذاجة هذا الزعم، فهل يجعلنا ذلك نقول بأن 90% ممن شاركوا في انتخابات 2014 البرلمانية “التي كانت 69%” كانوا من المأجورين.

كما راحت بعض الأصوات تردد أن حماسة الناس للعمل السياسي قلت تدريجيا عما كان عليه الأمر بعد الثورة، مع أن الواقع العملي يكذّب ذلك الادعاء أيضا، فقد كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الخاصة بالجمعية التأسيسية في ظل المناخ الثوري عام 2011 نحو 54%، وبعد ذلك بثلاث سنوات عام 2014 قفزت إلى 69%، وحتى إن نسبة المشاركة في الانتخابات التي جاءت بقايد السبسي المحسوب على نظام بن علي تجاوزت 64%.

والواقع أن التونسيين لم يعرفوا نسبة المشاركة الضئيلة إلا في تلك الانتخابات التي يدعو إليها قيس سعيّد، سواء البرلمانية محل الحديث، أو في استفتائه الدستوري الذي لم يشارك فيه إلا 27% من الناخبين، مما يعني أنه دستور لا يمثل كل الشعب، وهو ما تقوله المعارضة.

تبادل الأدوار

الغريب في أمر المشهد التونسي أن مفهوم المعارضة يشوبه الكثير من الالتباس، فالمعارضة التونسية الآن هي في الواقع القوى الشعبية المنتخبة التي تم إقصاؤها من البرلمان ومن الحكومة بقرارات غير دستورية للرئيس قيس سعيّد، ليحل محلها قوى أخرى غير منتخبة شعبيا، وتصير الممثلة للحكومة وللدولة، وهو الوضع الذي تتوافر فيه كل صفات الانقلاب.

وبدلا من أن ينصاع الرئيس للدستور الذي وقف حائلا دون تنفيذه مساره “غير المفهوم” و”غير المهم”، راح الرجل يغيّر الدستور بما يوافق هواه، فقاطعه الشعب وصوّت عليه ربع من يحق لهم التصويت فقط.

وبدلا من أن يهتم بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد كما وعد، وصلت الأحوال في عهده إلى حالة مزرية، ووجدناه يتفرغ بشكل شبه كامل لإدارة المعارك مع الجميع.

فتارة يخوض معركة من أجل رغبته في تنصيب هشام المشيشي المحسوب على نظام بن على رئيسا للوزراء، ولما استقر له الأمر ونجح في تعيينه وجدناه يعود ليخوض معركة أخرى من أجل إقالته بالمخالفة للدستور.

وتارة أخرى يهاجم الاستعمار الفرنسي لبلاده، ولما استقر له الأمر وجدناه يشيد به ويعتبره تحالفا بين بلاده وفرنسا.

بخلاف معاركه الأساسية مع حركة النهضة والبرلمان والقضاء واتحاد الشغل والحركات الثورية ومع الرئيس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي وغيرهم.

وجدناه في كل شيء يفعل الشيء ونقيضه، ولو تحقق له ما يريده اليوم لربما وجدناه غدا يخوض معركة من أجل الخلاص منه.

لا أحد يعرف ماذا يريد قيس سعيّد، ولو كان قيس سعيّد نفسه!

لتخطي الحجب | https://ajm.me/0ifzbm
لقراءة المقال كاملا ◀️ | https://ajm.me/33ta5i

السبت، 26 نوفمبر 2022

سيد أمين يكتب: العروبة.. فازت بكأس العالم

  

بدون مبالغة، يمكننا القول إن الفائز الحقيقي من مونديال كأس العالم لكرة القدم في دورته القطرية، هو الهوية العربية بجذورها الإسلامية، وإن قطر، وهي دولة صغيرة المساحة عظيمة التأثير استطاعت أن تحفر بمفردها في وجدان من يتسيدون هذا العالم، حقيقة أن هناك أمة تضرب جذورها في عمق التاريخ، تسكن حيزا جغرافيا يمتد عبر قارتين، لها هى أيضا مساهمات كبيرة في ميراث حضارة هذا الكوكب.

الأداء القطري في تنظيم هذا المونديال العالمي الفريد الذي يقام لأول مرة في تاريخه في دولة عربية أو مسلمة، جعل العالم الحر لا ينبهر فقط بأداء الفرق والمنتخبات وما قدمته من مفاجآت غير متوقعة، ولكن ينبهر أيضا بمعرفة قيم حضارية مختلفة ولكنها أكثر سموا ورقيا.

ولأول مرة أيضا صارت نشرات الأخبار العالمية لا يقترن فيها اسم “العربي” بالأوبئة والفساد والاستبداد والحماقات والحروب والانقلابات والمؤامرات والجرائم، لكن برسائل الإبداع والتألق والتعايش المشترك المبني على الاعتزاز بالهوية.

كان يمكن لقطر أن تنحني أمام عاصفة الانتقادات التي سرت في “الميديا” الغربية وتقبل بوجود مظاهر الفجور والشذوذ التي صارت تصاحب دورات كاس العالم، وكان لديها من المبررات ما يكفي ويفيض، وهي المبررات التي كان سيتذرع بها آخرون لو أقاموا هم هذا الحدث العظيم، لكن خيرا فعلت حينما تمسكت بحضور هويتها العربية والمسلمة، فاحترمها المنصفون الغربيون، وزادت هيبتها ومكانتها في قلوب الشرقيين.

اللغة العربية

أنا لم أتشرف بالذهاب لقطر أبدًا لكن ما عرفته عنها حتى قبل كأس العالم، أنها تعتز باللغة العربية اعتزازا واضحا حتى أن معظم اللافتات في الشوارع، وكما تظهر عبر المشاهد التي تبثها الشاشات حول المونديال أغلبها مكتوبة باللغة العربية بجانبا لغات أخرى أحيانا.

هي ملحوظة من جملة ملاحظات قد تبدو بسيطة لدى البعض، لكنها في الواقع شديدة الأهمية لكون “الهوية” وفي القلب منها “اللغة والدين والعادات والتقاليد” هي محور الاشتباك والتفاهم بين الأمم على مر التاريخ.

هذا يحدث بينما نحو 8 مليارات شخص حول العالم يلتفتون الآن نحو هذا البلد، وعشرات أو ربما مئات الألاف من الوافدين الأجانب يزورونها هذه الأسابيع لحضور المهرجان، وكان يمكنها أن تتذرع بما تتذرع به غيرها بأنهم يسحقون هويتهم ولغتهم من شوارعهم من أجل تشجيع السياحة أو حتى مواكبة “المدنية والنهضة العلمية”، ثم كانت النتيجة أنه لا جاء السائحون ولا جاءت المدنية، ولكن أصبح الناس غرباء يعيشون بهويات مستعارة.

ومن أجمل ما عرفت هو أن اللغة العربية في قطر بخلاف أنه منصوص عليها في الدستور كلغة للبلاد إلا أن هناك أيضا العديد من القوانين التي تشدد على احترامها منها مثلا القانون: رقم 7 لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية ودعمها في كافة الأنشطة والفعاليات والوزارات والجهات والمؤتمرات، مع معاقبة المخالفين، وفرض تدريسها في كافة المؤسسات التعليمية بالدولة.

وتلاه إطلاق “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية”، وهو مشروع فريد عملاق معني بإنشاء معجم تاريخي يؤصل للغة العربية عبر آلاف السنين وحفظ مدلولات وتطور ألفاظها عبر التاريخ ، وكذلك مبادرة “TED بالعربي”، وهي منصة عالمية تستقطب المفكرين والباحثين والفنانين وصناع التغيير من الناطقين باللغة العربية في العالم.

من فات قديمه تاه

في القرنين الأخيرين من الزمان كان التدفق الحضاري يأتي دائما من الشمال للجنوب ومن الغرب للشرق، لكن من اللحظات الفريدة التي تحققت في هذا المونديال أن هذا التدفق عاد لطبيعته ليكون من الجنوب للشمال ومن الشرق للغرب ولو لأسابيع معدودة.

فقد كان من الممكن لقطر أن تتهرب أيضا من انتساب ثقافتها للخيمة، كما يردد الحاسدون والماكرون، ولكن حكمتها البليغة التي أذهلت منتقديها جاءت عبر تحفة معمارية لـ”استاد” على شكل خيمة، وكأنها تقول للعالم إن تلك الخيمة العربية هى إحدى مفردات التراث العربي الذي نعتز به، سكن أسلافنا فيها ومنها انبعثت النهضة لقصورالعالم أجمع بالاسلام وبالرسالة التي بشر بها راعي الغنم، في وقت كان فيه يسكن أسلاف هؤلاء الناقمين الغابات وفجوات الجبال.

كان الناقمون يتوقعون أن يجدوا القطريين وأشقائهم العرب يرتدون ملابس العراة ويحملون شارات الرينبو، ويدوسون في تلك اللحظة كل القيم الحضارية التي انبعثت من شبه الجزيرة العربية للعالم، لكن ما حدث في كثير من التفاصيل التي رافقت الحدث العالمي كانت العكس تماما.

عموما، هى أيام وينتهي المونديال وقد لا يقام ثانية في بلد عربي أو إسلامي، لكن الرسالة الثقافية التي حملتها الإجراءات المصاحبة له في هذه المرة ستمكث طويلا في وجدان الملايين من عشاق كرة القدم، وستغير بشكل جذري الصورة الذهنية عن هذه البقعة من العالم، الثقافة والتراث والدين وحتى كرة القدم.

العروبة انتصرت في مونديال قطر.

.................

اقرأ المقال هنا على لتخطي الحجب الجزيرة مباشر

الموقع بدون تخطي الحجب 

السبت، 5 نوفمبر 2022

سيد أمين يكتب: عمران خان يواجه عاصفة التلطيخ

  

كان من المتوقع تمامًا أن يصدر حكم من مفوضية الانتخابات باستبعاد رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من العمل السياسي لمدة 5 سنوات، فالقضاء الباكستاني شأنه شأن أي قضاء يقع في دولة تسيطر عليها سلطة عسكرية، يدور في فلكها ويعبّر عنها، لا سيما لو جاءت تلك السلطة عقب انقلاب “مقنَّع” على سلطة مدنية.

جاء الحكم الزلزال ليزيل من أمام المتحكمين في السلطة الباكستانية منافسًا عتيدًا يدين له عشرات الملايين من الباكستانيين بالولاء ويعدّونه بطلًا قوميًا، لا سيما من طوائف الشباب المطالبين بمدنية الدولة ووقف سيطرة الجيش على العمل السياسي، والاستقلال عن النفوذ الغربي، وذلك بسبب خطاباته وسياساته الساعية للتملص من الهيمنة الأمريكية على البلاد، ومحاربة الفساد المستشري بين الطبقات العسكرية والقضائية، وتنويع مصادر السلاح، والانفتاح على حركة طالبان.

خاصة أن خلفه شهباز شريف أحد رجال المعارضة البارزين الذي انتخبه البرلمان الباكستاني رئيسًا للوزراء في أبريل الماضي ضمن حكومة ائتلافية لحزبي الرابطة الإسلامية والشعب الباكستاني جاء لمنصبه بفوز يسير بنحو 174 صوتًا من أصل 342 صوتًا.

وفيما يبدو أن من يلعب خلف الكواليس هناك أراد أن يستكمل حرق زعماء المعارضة التي بدأها بعمران خان حينما جعل أعضاء من حزبه “حركة الإنصاف” بالإضافة إلى نواب آخرين من كتل برلمانية أخرى موالية يخذلونه في تصويت على سحب الثقة منه في أبريل الماضي، مع تسرب معلومات عن تلقيهم “تهديدات من جهات أمنية” في حال التصويت لدعمه.

ثم استمر هذا اللاعب في مهمته ليطول الحريق عدوه وخليفته شهباز شريف الذي ينتمي لأسرة أرستوقراطية، فضلًا عن أنه شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف -الذي انقلب عليه الديكتاتور برويز مشرف عام 1999- فسمحوا له بالفوز في تصويت البرلمان بفارق ضئيل، ليتولى منصبه وسط أجواء اقتصادية وأمنية عاصفة لا يمكن أن يجتازها أكثر السياسيين حنكة وحيطة.

في حين كان يمكن لهذا العابث خلف الكواليس بتوجيه النواب ضد شهباز أيضًا، لولا أن هناك حاجة في نفسه كان يريد أن يقضيها، وهو ضرب العصفورين المتنافسين بحجر واحد.

فالوضع الاقتصادي للبلاد مزريّ، والتضخم والدين الداخلي والخارجي هائل، مع تراجع كبير لقيمة الروبية الباكستانية، وهي الأجواء ذاتها والأسباب نفسها التي ورثها عمران خان من سابقه وخفضت من حماسة أنصاره له، فما بالك إذا كان كثر من الباكستانيين يرون أن شهباز متورط في التآمر على عمران خان ويذوق الآن الكأس نفسه الذي أسهم في سقايته له.

تنفيذ الحكم

والسؤال الأكثر أهمية الآن في المجتمع الباكستاني ولدى المراقبين لشأن هذا البلد الكبير: هل سيمر هذا الحكم؟ وهل سينال الرجل مصير مشرف أم بوتو؟

التجربة أثبتت أن الأحكام في باكستان كما في عالمنا الثالث كله تمر طبقًا لطبيعتها ولمن صدرت ضده أو لصالحه، وطبقًا للأضرار أو المنافع التي ستنجم عنها.

فهناك حكم نادر أصدرته محكمة باكستانية في ديسمبر 2019 ضد الجنرال برويز مشرف بالإعدام مع تعليق جثته أمام البرلمان لثلاثة أيام، إلا أن الجيش استاء من إدانة أحد جنرالاته بمثل هذا الحكم، فسارع المدعي العام الذي تم تعيينه في ظروف مرتبكة ليعلن أن حكمًا من هذا النوع “غير دستوري وغير أخلاقي وغير قانوني”، وأن القضاء “ألغى كل شيء”.

في حين أن محكمة أخرى كانت قد أصدرت حكمًا بالإعدام على ذي الفقار علي بوتو بعد انقلاب الجنرال ضياء الحق عليه بتهمة فضفاضة أسموها “إهدار الممارسات الديمقراطية”، ونُفّذ الحكم فعليًا عليه في أبريل ١٩٧٩ بدلًا من تكريمه لكونه راعيًا لأهم إنجاز في تاريخ باكستان وهو حيازتها للقنبلة النووية.

المؤشرات تتجه لتنفيذ سيناريو “بوتو” وأن أحكامًا قد تصدر مستقبلًا بإعدام “عمران خان”، لكن هناك صعوبات كثيرة تحول دون الوصول لهذا السيناريو أهمها شعبيته الجارفة في الداخل، والكاريزما العالمية التي تملكها الرجل بصفته سياسيًا سواء أو لأنه واحد من أشهر 6 لاعبي كريكيت في العالم جعلته رمزًا دوليًا.

وهو ما قد يخشى معه تنفيذ سيناريو رئيسة الوزراء “بينظير علي بوتو” التي تم اغتيالها في مؤتمر انتخابي عام 2007 لمنعها من الوصول إلى كرسي رئاسة الوزراء مرة جديدة، ولعل “عمران” يدرك تلك المخاطر، وهو السيناريو الذي جرت محاولة فاشلة له صباح اليوم الخميس بينما هذا المقال في طريقه للنشر.

القضية والطعن

من الواضح أن عمران خان واثق جدًا من اتساع شعبيته بدليل المظاهرات المليونية التي قام بها طيلة الأسابيع الماضية نحو العاصمة إسلام أباد لإسقاط الحكومة الحالية وإجراء انتخابات مبكرة، أما بخصوص الحكم المثير للضجة فقد تم الطعن أمام محكمة إسلام أباد العليا لإسقاطه هو أيضًا.

ولعل هذه الثقة وتلك المثابرة وما تركته من انطباعات هي من دعت بابار افتخار المتحدث باسم الجيش يعقد مع قائد وكالة الاستخبارات الرئيسية الجنرال نديم أنجوم، مؤتمرًا صحفيًا نادرًا يهاجم فيه عمران خان، ويؤكد فيه أن الجيش لن يقوم بدور غير دستوري ولا يقحم نفسه بالسياسة.

علمًا بأن “انجوم” كان واحدًا من أبرز الشخصيات التي اعترض “عمران خان” على توليها منصبها، لكن إرادة السلطة العسكرية انتصرت في النهاية.

وإذا كان هذا الجدل بسبب الحكم إلا أن تفاصيله هي محط الدهشة، وهو يتعلق باتهام “خان” ببيع “ساعات ملكية” قيمتها 650 ألف دولار أمريكي قدمت له أثناء فترة رئاسته للوزراء كهدايا شخصية، وهي الاتهامات التي نفاها تمامًا وعدّها محاولة لوصمه بالفساد، وهو الرجل الذي كانت خطته الأساسية محاربته، فضلًا عن صدور الحكم من محكمة غير مختصة.

الأحداث في باكستان رتيبة، ولم يتغير شيء منذ الاستقلال، أدوات في الظاهر والمتحكمون خلف الكواليس.

……

من البداية كنا ندرك أن من يعادي النفوذ الغربي في بلادنا لن يستمر.

لتخطي الحجب | ajm.me/78iwlq ajm.me/q7dlyb