السبت، 30 مارس 2013

الثورة وأوهام الثوار العشرة بقلم سيد أمين

الثورة وأوهام الثوار العشرة


بقلم سيد أمين

وضعت الثورة المضادة التى تشتعل في مصر عدة اوهام في طريق الباحثين عن الخلاص وعمدت الى الجنوح نحو ازدراء الاخر والتشكيك فيه والاهتمام بعالم الاشياء والاشخاص قفزا دون المرور بعالم الافكار وغيرها , ونحن هنا نرصد عشرة اوهام رئيسية تذكرنا لحد بعيد بالاوهام الاربعة "السوق والمسرح والكهف والجنس" التى كنا نستذكرها فى مراحل التعليم الثانوى. 
ومن اخطر الاوهام التى وضعتنا امامها الثورة المضادة الساعية لافشال كل حركة تطهير.. انها اقنعت بعضا من الناس ان حماس لا اسرائيل هى العدو الحقيقي لأمن مصر القومى , وان كل فلسطينى متهم بالتآمر على مصر حتى تثبت براءته , وان كل فلسطينى شكله "وحش" يبقي من حماس , هذا اولا.
كما نجحت قوى الامبريالية العالمية لحد ما على المستوى القومى العربي فى نقل العداء العربي للامبريالية الامريكية الى عداء طائفي بين الشيعة والسنة , هذا ثانيا.
اما ثالث الاوهام التى تسعي الثورة المضادة الى تأصيلها في الوجدان المصري اقناعه بان تأشيرة المثقف لابد ان تمر عبر تزكية العداء للتيار الاسلامى بوصفه تيارا رجعيا , بحسب وصفهم , ليس ذلك فحسب بل ان المثقف القومى لاسيما الناصري يجب ان يكيد كيدا للتيار الاسلامى عامة وللاخوان المسلمين خاصة وذلك حتى يثبت وفائه للقومية العربية او عبد الناصر كاحد رموزها , وخطورة هذا الوهم انه يضع المتحمسين الوطنيين فى قوالب جامدة لا تناسب الطبيعة المرنة للسياسة ولا الفكر بل انها تجعلهم يحكمون على الناس حكما مسبقا وبأثر رجعى , وبالقطع هذه "الشِرَاك" في اساليب التفكير لا تجعل المرء مفيدا للمجتمع بقدر ما تجعله مشعلا للحرائق.
وللرد الشافي على مثل تلك الادعاءات نقول انه لا خلاف بين التيارين الاسلامى والقومى بكافة فصائلهما مرجعيا , فكلاهما يعتبران ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة , وكلاهما يعانيان من صلف التآمر الغربي ضدهما ودفعا بمفرديهما -  احيانا - فاتورة النضال باهظة , وها هو ادوارد ماكميلان سكوت، احد نواب البرلمان الأوروبي يقول في منتدى اوربي حضره قادة جبهة الانقاذ المصرية بأن اوربا لن تسمح للفاشيين امثال دعاة القومية العربية او الاصوليين من الاسلاميين بحكم مصراو اى من الدول العربية , فالغرب يري فينا كلينا ما لا نراه نحن فى انفسنا. 
واتخذت الثورة المضادة من "الكراهية الايديولوجية " لدى البعض تجاه الاخوان المسلمين خاصة والتيار الاسلامى عامة ذريعة لمحاربة الثورة ذاتها وهدمها من داخلها بحجة مقاومة "الاخونة" ..وتقويض منطقياتها ومكاسبها ومنعها من اتمام مطالب التطهير .. بل ان ذلك يأتى وسط تأييد اعلامى كاسح.. لدرجة انه جعلهم يعتقدون فى مشروعية اعتبارهم بان مطالبة الدولة عددا من رجال الاعمال - وهم موالون لمبارك- بدفع مديونيات ضرائبية ضخمة للغاية مستحقة عليهم حال الفساد طيلة عصر مبارك من تحصيلها لصالح خزينة الدولة الخاوية عملا عدائيا للاستثمار.. وصار "ثوار ما بعد الثورة" يدافعون عن رجال مبارك الذين كانوا يطالبون بمحاكمتهم منذ أشهر قليلة مضت.. مع ان الغاية من تشجيع الاستثمار فى اى دولة سواء فى العالم المتحضر أوالنامى على حد سواء هى ان تحصد خزينة الدولة الخاوية حقها في الضرائب من المتهربين وليس الحرص على امتلاء خزائنهم فى بنوك اوربا حتى الثمالة والدفاع عنهم وعن حقهم فى التهرب الضريبى هذا رابعا.
وبدلا من اننا كنا نعتبر حتى وقت قريب ان الحوار هو الوسيلة العاقلة والوجيهة لحل النزاع بين متنازعين شركاء في كل شئ تقريبا .. قام البعض باستعجال القفز فوق خط الرجعة وقطع شعره معاوية.. وراح يكرس كل جهده لتأكيد رفضه للحوار وكأن هذا الخيار عملا من اعمال الشيطان التى يتوجب التوبة منها وانكارها فور طرحها هذا خامسا .
وسادس الاوهام التى يسعى البعض الان جعلها معادلة منطقية القول بانه يجب على الحاكم ان يستشر الناس فى كل كبيرة او صغيرة يقوم بها وانه اذا لم يفعل فارادة الميدان اعلى من ارادة البرلمان .. ومنطقيا نجد ان ارادة الميدان - ويقصد بها ميادين التظاهر - لا تعبر عن الشعب الا اذا خرج الشعب بجميع فصائله ضدها ومصرا علي رفضها وهذا بالقطع صغبا للغاية ولكنه ليس مستحيلا .. بل ان شرعية الميدان يشترط فيها ان تأتى كعمل واع وعفوي وتراكمى - اى تكونت عبر فترة طويلة من الزمن - وان تكون اعتراضا علي عمل سياسي وليس خصومة فكرية وألا يكون احتشادها احتشادا مصطنعا ومأجورا ..وان تأتى فى ظل فراغ نيابي او برلمانى او فى ظل برلمان تأكد للجميع تزوير ارادة الامه فيه.
والواقع ان ارادة البرلمان هى سيدة الارادات وذلك لان هذا البرلمان متى جاء بانتخابات نزيهة وتحت اشراف قضائى عادل فسنضمن تمثيلا عادلا لارادة كل قوى الشعب.. اقلية قبل الحكومة ..ومعه لا يجب ان ترتفع اصوات اخري ..وهناك ايضا مشكلة اخري فى فهم شفافية القرارات تتعلق بالامن القومى ..وذلك لأنه من غير المعقول ان تبقي خلفيات كل القرارات معروفة للرأى العام مع ما يتضمنه ذلك من خطورة .
ومن اخطر الاوهام وسابعها الاعتقاد بان هناك حصانة ممنوحة لاحد على الدوام وفى كل الاحوال والاخطر منها اضفاء صفة الشرعية عليها بشكل مطلق .. بمعنى انه من حق الصحفي كنموذج مثله القاضى والشرطى وصاحب التمثيل النيابي وغيرها ان ينقل الاحداث ويكتب ويعب عن رأيه بكل حرية ولكن يحظرعليه ان يصنع الاحداث .. وتلغي حصانته الصحفية اذا شارك فيها.. وعلينا ان نتخيل ان صحفيا شارك فى مظاهرة من مظاهرات "المولوتوف" هنا يصبح قانونا واخلاقا مدانا لان دوره ان يصورها وينقل ما جري فيها بشفافية وصدق وليس ان يشارك فيها.. وبمشاركته سقطت حصانته الاعلامية مباشرة.. ويعامل معاملة المشاغبين .. كما يجب على الاعلامى عامة ان يفصل بين عمله كاعلامى وموقفه السياسي ولا يجوز له ان يخلط بينهما.
وثامن تلك الاوهام ..الاعتقاد بأن الثورة المضادة انتهت .. مع ان ذلك لا يعقل اصلا وذلك لأن عناصر النظام القديم التى تربت طيلة 40 عاما على المراوغة والمناورة وامتلكت الثروة والنفوذ الذى تستطيع بهما ان تصنع واقعا ممانعا مع ما تحقق سلفا لها من شبكات مصالح فولاذية مؤمنة ومتماسكة , بالقطع هذه القوي ستظل عائقا قويا امام الثورة لجزء كبير من الزمن وقد تنجح في اجهاضها اذا لم تجابه بتنظيم قوي ومتماسك ومؤمن بحتمية الانتصار.
وتاسع الاوهام واهمها على الاطلاق اعتقاد الجميع "عدا النخب" اننا بحق دول مستقلة , ولو كنا حقا دولا مستقلة ما اعتادت تلك النخب ترديد مطالبها فى الاتحاد الاوربي وامريكا لا القاهرة فى حلم لمواصلة احتلاله لهذا البلد الذى يسعي الان للتحرر..ويكفي هنا اشير الى ضرورة الرجوع الى " الكتالوج الامريكى الذي يحكم مصر بقلم محمد عصمت سيف الدولة" على شبكة الانترنت.
فضلا عن اعتقاد البعض ان الثورة المصرية نجمت بشكل عفوي, رغم وجود ما يبرر حدوثها , وهنا قد اختلف مع كثيرين , لكننى لن اعود للخوض فى تفاصيل كيف حدث ذلك فقد ذكرته مرارا وتكرارا ويمكن البحث على شبكة الانترنت عن مقالى " الاعلام المصري .. وحرب الأجهزة الأمنية " 
ولكن يكفي ان نقول ان الثورة العفوية لا يمكن ان تعامل خصومها بطريقة انتقائية, انها ثورة مخططة ولكن ضلت طريق مخططيها ,وهذا هو الوهم العاشر 
albaas10@gmail.com

الأربعاء، 20 مارس 2013

الثورة واعلام الحرب النفسية بقلم سيد امين

 
يعرف خبراء الدعاية العسكرية سلاحا مبتكرا يسمونه الحرب النفسية , ويستخدم هذا السلاح من أجل خفض الروح المعنوية لجنود العدو وارباك قواته والتشويش على قيادته واضعاف قدرتها على التركيز والانجاز , فضلا عن اعطاء وثبة قوية لعزيمة الجنود فى الجانب المهاجم , وتسهيل المهام الحربية عليهم , وتتمثل خطورة هذا السلاح فى انه يحقق نتائج مذهلة ما كان لمئات الالاف من الجنود ان يحققونها , فضلا عن ان تأثير نتائجها على الجانب المعتدى عليه وفقدان ثقته فى قدرات قواته قد يمتد لفترة طويلة بعد انتهاء المعركة .
ويقول خبراء علم النفس السلوكى , ان اى مواطن مهما كانت رباطة جأشه وشديد ثقته بنفسه , حينما يشعر بأن ثمة احدا يراقبه فى كلامه او مشيه او تصرفه عموما , حتما سيصاب بالارتباك والتلعثم , وقد يتعرض لسلسلة متتالية من الاخطاء الجسيمة.
واستغلالا لهذه السيكولوجية , قام خبراء الحرب النفسية بابتكار "تكنيك دعائى" يسمونه " تحطيم الخصوم" وهذا التكنيك يعتمد بدرجة كبيرة على الدعاية السوداء المستمدة من التركيز الاعلامى الشديد علي العنصر المستهدف مع الانتقاد المتواصل له لدرجة تخلق حالة عامة من الرفض المطلق له حتى فى اقرب الحلقات شديدة الثقة به مما يصيب الشخص المستهدف نفسه بحالة فقدان ثقة وشك مطلق فى كل الثوابت .
وهذا التكنيك غير الاخلاقي .. استخدمه العرب الاقدمون فى حكايات سمرهم , مثل الحكاية التى نعرفها جميعا عن جحا وابنه وقصتهما مع طريقة امتطاء الحمار , وكذلك القصة الاخري التى ابتدع فيها جحا اكذوبة الفرح فى الحارة المجاورة من اجل ان يصرف اطفال يلهون ولما بالغوا فى تصديقه , اقتنع هو ان هناك فرحا بالفعل وذهب فى اثرهم.
ومن التكنيكات الدعائية الاخري التى يستخدمها الاعلاميون الأن , تكنيك "التكرار" فى ترديد المبررات والاتهامات لدرجة مملة بهدف خلق شرخ وجدانى عميق ووضع بذرة للتخوف والشك سرعان ما تنمو رويدا رويدا حتى تصبح "مسلمة" يقينية لا يجوز تكذيبها , كأن يكرر احدنا اتهام شخصا ما بأنه لصا رغم ما عرفه الناس عنه من التزام وامانة , فى البداية سيرفض الناس قبول الاتهام له ولكن مع اصرارنا على تكرار توجيه الاتهام اليه فى كل المناسبات يبدأ الشك يساور بعضهم فى صحة اتهامنا ويبدأون فى تأويل كل تصرفات الرجل ليتماشي مع هذه التهمة.
وهناك تكنيك "التضخيم" ويقوم فيه رجل الدعاية - ولا نقول اعلام لما يتوجبه من موضوعية - بتضخيم الاحداث البسيطة والصغيرة وتهويلها , كأن يتظاهر مئات الاشخاص فى مكان فنقوم بنقل التظاهرة وكأن الملايين شاركوا فيها , او ان يتشاجر بعض الناس بعضهما البعض فى مشاجرة عادية تحدث كل يوم منذ قديم الازل فنسميها حربا اهلية, ويقابل ذلك تكنيك "التجاهل" ويقوم على تجاهل كل امر مفيد يفعله الطرف الاخر بينما نقوم بالتركيز على حسناتنا ومميزاتنا .
ورغم ان التعميم من الاخطاء فى منطق التفكير الا ان هناك تكنيكا يقوم على مبدأ "التعميم" كأن نعتبر كل من هو ملتحى شخصا ينتمى للتيار الاسلامى , مع ان الرهبان اليهود وقساوسة المسيحية يلتحون ايضا , بل ان بعض شباب الهيبز ملتحون ايضا.
وهناك تكتيك "الترغيب والترهيب" وبالقطع كلنا نعرف مثل هذا النوع من وسائل الدعاية , ويقابلة تكنيك "الترغيب والتنفير" ويقوم بلصق ما هو جيد وطيب ومفيد باحد الاشخاص بينما يلصق عكس ذلك على الطرف الاخر لدرجة تجعل احدهما يبدو كملاك واخر كشيطان.
ويوجد ايضا تكنيك " تجريح الخصوم"ويهدف للنيل منهم واضعاف حالتهم المعنوية ويقابله تكنيك " التبجيل" كأن نضفي احتراما ومراتبا علميا على انفسنا وعلى فريقنا وعلى من يؤيدوننا , فى حين نتهم الاخرين بالجهل والتفاهة والسفه.
وهناك تكنيك "الشعارات الوطنية" كأن نضفى على كل ما نفعله شعارا وطنيا حتى ولو كان عملا تخريبيا , كأن نحرق مؤسسات الدولة لمنع الاخونة , وأن نستمر فى تظاهرات غير مبررة بهدف الحفاظ على مدنية الدولة - مع اننا نحن لا هم من يدعون لسيطرة الجيش علي الدولة بل أنهم هم لا نحن التيار المدني الداعى لمدنية الدولة فى هذه الحالة .
لقد اردت ان اسرد ذلك من اجل ان اضع للقارئ توصيفا علميا لحالة الانفلات الاعلامى الذى تشاهده مصر الان , ولأؤكد له انه ليس انفلاتا بما يحمله من علامات الفوضى ولكنه عملا مخططا وممنهجا من اجل تنفيذ هذه الحرب النفسية , مع ان المتحاربين هنا ابناء وطن واحد وثقافة واحدة, بل وجسد واحد واى محاولة لفصلهما عن بعضهما البعض تعنى موتهما معا , وبالقطع مصر ستبقي بكليهما لأبد الأبدين , فما هى الا سحابة صيف ستنقشع بمجرد ان يزول نظام مبارك وادواته واجهزة اعلامه التى تزفر الأن زفرتها الاخيرة قبل ان تفارق جسد مصر , هذا الجسد الذى اصابته بالهزال واخرته عن سائر الامم

السبت، 9 مارس 2013

تفاح الجن..وثوار ما بعد الثورة - بقلم سيد أمين


منذ زمن بعيد , كتب الدبلوماسي الايطالى الشهير نيقولا مكيافيلليى كتابا لم يرقى لشهرة كتابه الأشهر "الأمير" ,عنون هذا الكتاب النادر باسم "تفاح الجن" وسطر فيه فصولا من حيل واعاجيب مارسها جن القيلولة للايقاع بضحاياه من الشاردين والتائهين وضعاف النفوس في تلك البقاع النائية.
درس هذا الشيطان الماكر نفسية ضحاياه من هؤلاء المعذبين وتعرف على مخابئها اكثر مما هم يعرفونها فى انفسهم وراح يمتطيهم كما تمتطى الجياد والحمير والبغال ويقودهم الى حيثما يحب ويهوي بشغف منهم واصرار فيهم فيلقي بهم الى التهلكة.
فصور هذا الشيطان الماكر لهم الرذايا وكأنها مزايا.. وثمار الحنظل وكأنها تفاح ناضج يفتح الشهية طعما ويسر الناظرين عينا. 
والهدف من وراء استدعاء افكار هذا الكتاب الان , التذكير بأن ثمة هوة كبري بين النظرية والتطبيق , والقدرة والامنية, والظاهر والباطن , خاصة ان البعض يطرحون افكارا ورؤي بالغة "البهرجة والزركشة " لكنها تفتقد فى احيان كثيرة الى المنطق ..وهم يسعون من وراء ذلك الوصول الى نتائج اخري غير التى تقولها ألسنتهم , الا أن هذه الاطروحات الظاهرة صدقها بسطاء مسمطون بلا خيال, فرسخت فى مخيلاتهم , واعتبروا عينها عين اليقين , لا يمسها زيف او خداع او حول , رغم انها هى بالكامل مجرد زيف فى خداع فى حول وما كانت الا للتخديم على منطقيات الجلاد وليس الضحية.
ومروجو تلك اللا منطقيات الشائهة والدعاوي العبثية من قلة من الاعلاميين ارتضوا ان يعملوا كسحرة فرعون يزيفون الحقائق ليحيكوا غطاءا منطقيا يغطى ترهات ثوار ما بعد الثورة , اصحاب البطولات الورقية وصناع "ذوابع الفناجين" وهى البطولات التى تذكرنا لحد بعيد ببطولات اسماعيل يس وعلى الكسار.. الا ان الفارق هنا هو حسن نيه الممثلين الاثنين ورغبتهما فى اضحاك الناس وهو عمل حميد لحد ما, بينما الاخرون يفعلون ذلك بسؤ نيه واضح وافتقاد كبير للوطنية سواء أوشرف الخصومة السياسية , ويكيدون كما تكيد النساء حيث توافر لديهم الاستعداد لخرق السفينة والغرق فيها , طالما غرق بينهم من يكرهون.
والمشكلة ان هناك بسطاء صدقوا هؤلاء السحرة عارضي تفاح الجن , حينما اخبروهم انه لو سقط مرسي ستنتصر مصر , وفى الحقيقة انه لن تكون هناك مصر اصلا , بل ان الحسابات البنكية المتخمة باموال الشعب المسروقة هى فقط التى ستنتصر وستبقي , واللصوص سيستمرون فى اداء مهمتهم المقدسة فى امتصاص حليب البقرة الهزيلة البكماء الخرساء العمياء بمفردهم بعد توقف دام عامين من عمر التاريخ.
البسطاء صدقوا ان هؤلاء السحرة هم الثوار ولم يدركوا انهم فى الواقع ليسوا ثوار ما بعد الثورة فحسب ولكنهم ثوار على الثورة , هم لم يدركوا انه ما كان لمبارك واجهزته ان تمكن احدا ليعمل فى اى اقل المهن شأنا بالدولة ..ما بالك الاعلام .. الا بعد اداءه القسم واتخاذ ضمانات تجهيزه بان يكون كومبارسا لا دور له الا ما يلقن به , وكان الاكثر حظا وحظوة عند تلك الأجهزة هو هذا الذى يتم تقديمه للناس بوصفه معارضا للنظام , فيبدأون تدريبه على مهمة التمثيل او خداع الشعب , وسرعان ما ينجح فى اداء الدور فيصبح بطلا وطنيا وقف ضد النظام , مع انه هو قلب النظام ,لكنه اجاد مهمة الخداع واستطاع ان يصنع من الشعب مليون برئ كبراءة احمد زكى في فيلم البرئ .
وينسج هؤلاء البسطاء خيوط الاحلام ويبنون قصور تناطح السحاب بينما هى من رمال , املين فى وطن يكبر وينمو بينما هو ينهار , يعتبر الواحد منهم انه امتلك صندوق المعرفة بينما لا يعدو ان يكون ببغاء.
ويروج هؤلاء السحرة ضمن ما يروجون ان الاسلاميين الذين يحكمون "اسميا" مصر يريدون تسليم مصر لامريكا , وهم بذلك يمتدحون سيدهم ومولاهم مبارك ويعطونه صك الوطنية وكأن مصر كانت في عهده دولة مستقلة حقا , مع ان اى مراقب سياسي يعلم يقينا ان مشكلة الشعب العربي كله وعلى رأسه مصر انه صدق اكذوبة استقلال بلدانه؟. 
بل ان المصريين صدقوا انهم وقعوا اتفاقا للسلام بينهم وبين اسرائيل يقوم على الندية وفى الواقع هو يقوم على الاذعان وعلى جعل مصر كلها وليست سيناء رهينة لدى اسرائيل.
ويحضرنى هنا دراسة مكثفة وقصيرة للدكتور محمد سيف الدولة ذلك المفكر القومى المخلص عنونها باسم "الكتالوج الامريكى الذى يحكم مصر" حيث اكد فيها ان اتفاقية السلام مع العدو الصهيونى انتجت خمسة محاور لهدم الدولة المصرية اولها جعل سيناء رهينة دائمة لاسرائيل وثانيها تدمير القطاع العام الذى يقوم بالصرف على المجهود الحربي واستبداله بمعونة عسكرية ثالثها صناعة طبقة من رجال الاعمال وبالتالي الاعلام الذين يدينون بالولاء لامريكا ورابعها صناعة منظومة حزبية وسياسية شاملة تقوم على الاعتراف بالدور الامريكى في مصر وخامسها عزل مصر عن محيطها العربي والانفراد بكليهما.
هل فهمتم الأن ماذا يحدث في مصر أم انكم لا زلتم تحتاجون المزيد ؟
هل فهمتم ان السادات قد صدق حينما وصف نتائج ما جنته يداه بقوله ان 99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا؟
هل فهمتم ان الجميع بلا استثناء يذكر من صنائع هذا الشيطان الماكر يهرولون الى امريكا , وانه يجب علينا ان نختار بين من يمتلكون نصف ارادة للاستقلال بوازع من دين مقارنة باخرين لا يمتلكون اى ارادة ولا يوجد لديهم ما يحفزهم اليها ولا يوجد انصار لهم يقفون معهم وقت ان يحتاجهم الوطن. 
هل فهمتم ان استقلال البلاد يحتاج لقوة منظمة تقودنا اليه؟ 
هل عرفتم ان المسلمات الاصطناعية الزائفة , كالقول بأن الفكر العلمانى التقدمى يقف حجر عثرة امام الفكر الدينى الرجعى المتخلف هى مجرد تفاحات يقدمها الجن لخداع ضحاياه وهو يقودهم نحو الرذيلة ؟ 
هل شاهدتموه وهو يشق صفنا ويثير موروثات ماضى لو كان ابطاله موجودون الان بيننا لوبخوهم عليها توبيخا , بالزعم بأنه لكى تكون ناصريا فاذن يجب عليك ان تسب الاخوان, والعكس صحيح؟
مع ان نزاع الاقدمين كان الانتصار لاستقلال البلاد , اما نزاع اليوم فهو مضيعة للاستقلال وليس دفاعا عنه.

الأحد، 3 فبراير 2013

مرسي وصدام .. وحرب الاعلام الفاسد - سيد أمين



لحد بعيد .. تذكرنى الحملة الدعائية السلبية التى يتعرض لها الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية بتلك الحملة الدعائية التى تعرض لها الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين ابان حربى "ضم الكويت" عام 1990 وغزو العراق عام 2003 , وذلك من حيث التكنيكات الدعائية وكثافتها ومنطلقاتها واهدافها ووسائلها ومبرراتها.
ولعله ليس صدفة ان يكون عدد كبير ممن روجوا لتلك الحملة الدعائية السوداء انذاك طرفا فى الحملة الدعائية الثانية الأن , فها هو عمرو موسي وزير خارجية مصر الذى هندس عملية خنق العراق اثناء الحرب الاولى واضفى شرعية على الاحتلال الامريكى لهذا البلد فى الحرب الثانية من خلال موقعه كامين عام الجامعة العربية , ها هو موجود فى الطرف المخطط للحملة ضد الرئيس.
وها هو الدكتور محمد البرادعى الذى التزم الصمت المميت تجاه قول كلمة حق واضحة انتظرها منه مليار مسلم فى العالم وتوقفت عليها حياة اكثر من مليوني طفل وشيخ وسيدة وشاب عراقي لقوا حتفهم بأفتك الأسلحة وأكثرها اجراما , ها هو احد اركان الحلف المناوئ للدكتور محمد مرسي ويدير للأله الدعائية ضده.
وها هو حزب الوفد يمارس ذات الدور الذى مارسه عام 1990 بايعاز من حكام السعودية والكويت , حيث صار معقلا لكل القوي المناوئة ومركزا لتجمعهم , كما انه فى كلا الحالتين صار ايضا محطا للسفير الامريكى ووزير خارجيته.
وها هم رجال الاعلام - بقي من بقي ورحل من رحل وتاب من تاب - قبضوا انذاك الملايين واستلموا السيارات الفارهة من سفارات امارات الخليج وعرابيها وراحوا يبدعون فى اطلاق الشائعات والاكاذيب ضد العراق ورئيسها , وخنقوا كل كلمة حقا او حتى تتحلى بلمسة منطق اوعقل او دين او عطف او شفقة يمكن ان تقال هنا او هناك , وهم الأن لا زالوا يقبضون , لانهم لا يعرفون سوي القبض واستلام الشيكات.
والملفت ان منتجات ماكينة الدعاية التى يديرونها تتميز بكثافة الانتاج لدرجة تجعل المتلقى بل والضحية نفسه يقف عاجزا عن تفنيدها وبيان مواضع عدم منطقيتها , لكن الغريب ان المتلقي في قطاع ليس بقليل من الشعب يبتلع الدعاية السوداء حتى اخرها دون ادنى فحص او تمحيص , مع ان الكثير من تلك المنتجات الدعائية سيئة الصنعة لا تتوافرل فيها ادنى شروط توافر المنطقية في الحبكة وهو الامر الذى تسبب فيه تعجل المدبرون فى الحصول على المنتج من اجل تشتيت انتباه دفاعات الضحية , واستفادة من التكنيك الاعلامى الذى يؤكد ان شيئا سلبيا سيعلق فى اذهان الجمهور تجاه الضحية جراء اطلاق سيل من الاتهامات الكاذبة ضده حتى لو ثبت كذبها جميعا .
وتعرض الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لحملة متواصلة من الدعاية السوداء غير المبررة منذ ان نطق قضاة لجنة الانتخابات بفوزه بالمنصب , بدأت الحملة من خلال اطلاق ارتال من الشائعات غير المنطقية بان الانتخابات زورت "ودبروا" فى ذلك عشرات الاسانيد الواهية , ثم قالوا انه مريض بالصرع "ودبروا" عشرات الاسانيد الواهية وتحدثوا عن "الاستبن" وتدخل الجماعة فى شئون الرئاسة, والنفوذ القطري تارة والسعودى تارة والامريكى تارة والاسرائيلى تارة ,الى الاخونة وجماعات الامر بالمعروف وفرض النقاب وبيع قناة السويس , وغيرها ما لا يمكن لاحدنا ان يحصره .
ولكننا هنا سنتعرض  فقط لما حدث بعد الذكرى الثانية للثورة , فدعاة الديمقراطية عبر الشاشات رأيناهم  ينقلبون عليها بعدما صنعوا الاكاذيب وصدقوها , فقالوا ان الرئيس فقد شرعيته ويجب الاطاحة به , ولا نعرف لماذا ؟ هل لأن من انتخبوه ماتوا مثلا ؟ ام انهم تابوا ؟ وقالوا ان الشعب يطالب باسقاطه , بينما من نراهم على الشاشات لا يتعدون عشرة او عشرين الفا , نعرف من اين جئ بمعظمهم ؟ وكم دفع لهم؟ ومن دفع ؟ وعلى اى حال هم لا يمثلون الشعب مطلقا , ثم نراهم يدافعون عن ميليشيات محمد ابو حامد وحركة اسفين يا ريس بعدما غيرت اسمها الى "بلاك بلوك" و"ارتدت الاقنعة"  , رغم انهم ابتدعو اكذوبة ميليشيات الاخوان وراحوا يبحثون عما يمكن اعتباره تدليلا على وجودها .
ثم ان دعاة دولة القانون راحوا يعتبرون ان من يهاجمون السجون فى محاولة لافلات عشرات المجرمين المتهمين بقتل اكثر من 70 شخصا فى مباراة لكرة القدم والمحكوم بالاعدام على بعضهم , ثوارا , ويدافعون عنهم , مع ان ذلك ينافي تحقيق العدالة ويهدم دولة القانون , فاقتحام السجون فى كل مكان بالعالم مجرم والقتل عقوبة من يقدمون عليه مهما كان عددهم , وتعالوا بنا نتخيل ان هؤلاء المجرمين نجحوا فى اقتحام السجون وافلتوا المحكوم عليهم , تري كيف كان رد الفعل ؟ ألم يقيموا الدنيا ولايقعدوها  ضد الرئيس!!!
وحينما استمرت الاشتباكات فى مدن القناة وعاب بعضهم على الرئيس تأخره فى اصدار قانون الطوارئ ومفرض حظر التجول حقنا لدماء الناس , رأيناهم يغيرون مواقفهم ويدينون قرارات الرئيس ويحرضون عليها بل ويطالبون بمحاكمة الرئيس بحجة قتل "الثوار" الذين ذهبوا لاقتحام السجون فى مدن القناة الثلاث.
ورغم انه لم يمر يوم واحد على الوثيقة التى شهدت توقيعها مشيخة الازهر حول رفض و ادانة العنف واستخدام القوة, عقب الاضطرابات التى نتج عنها التحرش بل واغتصاب 32 فتاة فى ميدان التحرير اثناء الاحداث - بحسب منظمات نسوية وصحف اوربية - وكذلك اقتحام وحرق عدد من المدارس وسرقة المحال والفنادق اهمها فندق سميراميس وقطع خطوط المترو والسكك الحديدية والمياة والكهرباء واختطاف ضباط شرطة كبار وترويع الامنين بالسنج والمطاوي والطبنجات , رغم انه لم يمر يوم واحد من توقيع هذه الوثيقة الا ان "جبهة الانقاذ" دعت الى تظاهرات ومسيرات الى قصر الاتحادية وهناك قاموا باشعال النيران فى بوابات القصر والقوا قنابل المولوتوف على من هم بداخله من قوات الحرس الجمهوري التزمت اقصي درجات ضبط النفس وما ان كشرت الشرطة عن انيابها وكاد صبرها ينفد حتى راح بعض عناصر الجبهة بنفوون صحة البيان الذى يفيد بانسحاب الجبهة من التظاهرات حول القصر.
وكانت اخر حوائط مبكى اعلام مبارك تلك الخاصة بشخص قيل ان الشرطة جردته من ملابسه تماما رغم انه نفي صحة ذلك وقال ان من فعلوا ذلك هم المتظاهرين لاعتقادهم بانه كان يعمل مرشدا للشرطة , واكدت صحة اقواله شهادتان احداهما لاحد القضاة والاخري لاثنين من الاعلاميين احداهما براديو مصر والثانى فى قناة الجزيرة , ويبدو ان قناة "الحياة" لصاحبها السيد البدوي ارادت ان تساير شقيقاتها on tv   و cbc  وراحت تصنع الخبر بدلا من ان تنقله فقط.
لقد اظهرت الاحداث التى مرت بها مصر طوال الفترة الماضية انه يننا وبين الديمقراطية سنوات طوال , وان تحرر نخبتنا "المعينة" علينا , من امراضها هو محض هراء , وذلك ان من عينها اراد تعيين امراضها وليس تعيينها.

الأحد، 13 يناير 2013

عن الاخونة والقضاء والاعلام ومعارك التطهير - بقلم سيد أمين



فجأة قد يجد الواحد منا نفسه أمام أحد خيارين , اما ان ينحاز لولاءاته الفكرية والايديولوجية وينخرط للقتال فى صفها مدافعا بالحق والباطل , واما ان ينحاز لفكرة العدالة ويدافع عن الحقيقة حتى لو كانت بيد من هم ليسوا من نهجه , وهنا تظهر معادن الناس , ومدى قدرتهم على خدمة البشرية وتحملهم سهام النقد غير المنطقية من اجل العدالة .
ولاننى وقعت بين احد خيارين اولهما عبر عنه الرئيس الامريكى المجرم جورج دبليو بوش "من ليس معى فهو ضدى" والاخر للفيلسوف الفرنسي فولتير الذى قال"قد أختلف معك فى الرأى و لكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحريتك فى الدفاع عن رأيك" لذلك اخترت ان انحاز للعدالة , حتى لايقال ذهب العدل من الناس.
وسألنى احد الاصدقاء حول توقعاتى عما قد يحدث فى 25 يناير القادم وهو اليوم المناسب للذكري الثانية للثورة وعما قد تنتهي اليه عمليات الحشد المريبة التى تتم من قبل جماعات واحزاب واجهزة امنية توالى نظام مبارك , وقلت له اننى سأكتب مقالا حولها وعزمت ان اكتب عن مغامرات وبطولات ومعارك "دون كيشوت" , واعتبرتها هى الاقرب والاكثر تعبيرا عن طبيعة المرحلة , لانها معارك لاقيمة لها , وبطولاتها مفتعلة , ومغامراتها مخجلة , وستنتهى بمزيد من سكب الدماء دون وصول لهدف لا اكثر ولا اقل , فى معركة غير معروفة الاسباب ولا المبررات ولكن يعرف منها الهدف وهو تقويض نظام حكم الرئيس محمد مرسي , وستنتهى كما انتهى امر "دون كيشوت" بانه يكتشف انه كان مسخا , ضيع وقته ووقت الناس معه.
والحقيقة ان هناك ملفات منها القديم ومنها المستجد كان يجب ان اتطرق اليها , القديم هو الخاص بتطهير القضاء والسلك الدبلوماسي , والمستجد منها الاخونة .. بينما يبقي الملف القديم الجديد هو سلطة الاعلام.
ومنذ عدة سنوات والمجتمع المصري برمته من النخب ومن غير ذى النخب , ساخط بشدة على الفساد فى هذا الملف المهم , سواء من ناحية ألية تعيين وكلاء النيابة وباقي الاجهزة القضائية او من ناحية عدالة الاحكام وموضوعيتها , وكلنا يعلم – ولا ينكر ذلك مصري واحد الا اذا كان لا يعلم او فى نفسه مرض – انه طوال فترة الرئيس المخلوع لم يعين فى هذا المجال الا واحد من اثنين الا فيما نذر وهم قليلون للغاية , اما راشي , والتسعيرة كانت تصل لمئات الالاف من الجنيهات , واما محسوب على هذا المسئول وذاك القاضى الكبير, وكلاهما جريمة يعاقب عليها القانون لاهدارها مبدأ تكافؤ الفرص , وتهدر نظام الكفاءة كمعيار وحيد لهذه المهنة بالغة القدسية والخطورة , ونجم عن ذلك ظهور وكلاء نيابة وقضاة لا يعرفون شيئا عن القانون الذى يحكمون به , وعادة ما تصدر احكامهم هائمة تعبر عن الهوي والانطباع بل والمصلحة , فتأتى قاتلة للعدل وعكس ما ينبغي ان تكون.
وسر لى صديقى الصحفي "الناصري" عن خشيته من ان يمثل ذات يوم امام احد وكلاء النيابة في اى تهمة كانت ثم يعرف هذا الوكيل انه كان مؤيدا للدكتور محمد مرسي فيصدر عليه حكما قاسيا , وقال انه اصبح الان حينما تذهب للقضاء ,  فالقاضى لا يعمل جهده فى فحص ما لديه من مستندات ليصدر حكما بخصوصها , ولكنه يبذل قصاري جهده لمعرفة ولاءك السياسي ليصدر عليك حكمه.
ولنا فى حكمين صدرا مؤخرا ضد شخصيتين بارزتين برهانا واضحا , الاول خاص بالاعلامى توفيق عكاشة الذى كان يوالى الرئيس المخلوع ومن بعده المجلس العسكري حيث خرج فى برنامج يقدمه على احدى فضائيات الفلول يسب ويلعن رئيس الجمهورية ولما تمت مقاضاته تمت تبرئته على الفور, والثانى مع الشيخ عبدالله بدر الذى انتقد عبر قناة الحافظ الدينية الفنانة الهام شاهين - التى توالى نظام مبارك ايضا – بسبب ما اسماه ظهورها شبه العاري فى الاعمال الفنية التى قدمتها وهنا صدر الحكم باغلاق القناة ومنع الشيخ من الظهور اعلاميا لمدة شهر , والسؤال هل هيبة الفنانة يجب ان تكون اكبر من هيبة الرئيس.!!!
وقال لى رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة فى سؤال له حول تفشى ظاهرة العشوائيات فى تلك المدينة الحضرية , ان جهاز المدينة يقوم مرارا وتكرارا بتحرير محاضر الازالة ضد المعتدين على اراضى الدولة والمخالفين في منطقة التجمع الثالث ويرسلونها الى النيابة فيفاجئوا بانها تقوم باخلاء سبيلهم مقابل غرامة مائة جنيه دون ان تأمر بازالة المخالفات , الامر الذى حول تلك المنطقة الى منطقة عشوائية معبرا عن رغبته فى توصيل صوته الى المشرعين بضرورة تغليظ العقوبات فى القوانين الجديدة والا لن تصبح فى مصر منطقة حضرية واحدة , ولعل الانتقادات التى وجهت للقضاء هى ذاتها الموجهة للسلك الدبلوماسي من حيث المحسوبية والرشوى كمعيار للتعيين , فضلا عن عدم تفاعل تلك السفارات مع الجاليات المصرية فى الخارج ان لم يكن السفراء القائمون على امر تلك السفارات ارتضوا ان يعملوا كممثلين للدول التى هم بها فى مصر وليس العكس وهو ما يعرفه المصريون جليا فى سفاراتنا بدول الخليج , فضلا عن الامر لا يعدو عند اكثر سفرائنا عن مجرد نزهة طويلة  وفرتها له مصر للفسحة والاستمتاع بما حرم منه فى بلاده.
وثانى الملفات هى تلك التى تخص "الاخونة" ودعونى انتقد المصطلح جملة وتفصيلا , فمن المعروف فى البلدان المستقرة ديمقراطيا , ان من يفوز بالاغلبية يحكم , منفردا , وله وليس لغيره القرار فى ان يستعين بمن هم ليسوا من حزبه , وان فعلها فهذه مكرمة منه , وان لم يفعلها فلا غبار عليه ,هذه هى الديمقراطية ونظام حكم الاغلبية كما نعرفها وكما عرفها سارتر وبرتراند راسل وادم سميث وغيرهم ممن ارخوا لها من فلاسفة الغرب , هذه اولا , وثانيا ما مبرر القلق من ان يحكم الاخوان , أليسوا هم ومن يوالونهم فصيلا مصريا واسعا تم اقصاءه ظلما وتجبرا فى الفترات السابقة ؟ ألم يأتوا بنظام انتخابي ؟ أليس من حقهم ان يحكموا بالطريقة التى تناسبهم فى اطار الدستور الذى ارتضاه الشعب ؟ هل وجود وزير او خفير او رئيس اخواني يعنى انهم سيخلدون فى مناصبهم ولن يبقي احدهم لمدة اربعة سنوات فقط  ثم يحل محله من يفوز فى الانتخابات التى تليها؟ ثم انه لو كان بمقدور الاخوان ان ينالوا الاغلبية فى كل الانتخابات الديمقراطية , اذن , فمن حقهم ان يحكموا لانهم يحوزون على ثقة الشعب او ربما لانهم هم الشعب , ايهما ؟ كما انهم لو كانوا بتلك الكثافة التى تمكنهم من بسط سيطرتهم على البلاد فوجب ايضا ان نعترف بقوتهم وحقهم فى تقرير مصير بلادهم؟
ثمة , سؤال مهم ايضا , لماذا كلما يقترب مرسي من اى حركة تطهير – وهى من مطالب الثورة وثوار "عام 2011"  اصلا – نجد تنفجر نبرة الاخونة فى ابواق اعلام مبارك , ألا يعنى ذلك ان نظام مبارك المتجذر وليسوا الاخوان يرسلون رسائل لنا نحن لا نقرأها بانه اما هم او الاخوان ولا ثالث بينهما ؟ ام انها رسالة لترهيب الاخوان ودفعهم دفعا نحو الرضاء بتشكيل تحالف مع الفلول تحت وطأة دعاية ألة علامية شرسة يمتلك رجل اعمال واحد من رجال مبارك وهو محمد الامين قرابة عشرة قنوات فضائية ينفق فيها مئات الملايين شهريا كرواتب(!!) حيث انشأ (فى أول رمضان بعد الثورة قناة CBC ثم تبعها بقناة ثانية CBC دراما ثم ثالثة +CBC وفى سبتمبر 2011، اشترى 85% من قناة النهار وقناة النهار دراما، ثم اشترى مجموعة قناة مودرن (مودرن سبورت – مودرن كورة – مودرن حرية) ثم وكالة الأخبار العربية AUA من ورثة محمد الخرافي، حيث ينشئ قناة إخبارية بتكلفة قناة الجزيرة القطرية، التى تقف وراءها دولة كاملة، ثم صحف الفجر واليوم السابع والمصري اليوم , وتجرى الآن مفاوضات لشراء مجموعة قنوات بانوراما التى تضم قناتين للدراما وقناتين للأفلام إحداهما للأفلام العربى وأخرى للأفلام الأجنبي، وأيضاً "موجة كوميدى").
لقد سقط الاعلام سقوطا مدويا , فهذا الاعلام الذى كان يسبح بحمد مبارك ليل نهار ويبكى ويتباكى على ان سمعة الرئيس مبارك من سمعة مصر وهيبته من هيبتها ضد اى زفرة ألم مكتومة تنطلق هنا او هناك ضده , هو ذاته هذا الاعلام والاعلاميين الذين يستبيحون شخص مرسي شهيقا وزفيرا , وفى الليل والنهار , وبكرة واصيلا, ويقولون انه حرية الاعلام لدرجة انهم اعتبروا ان حرق قرابة 40 من مقار حزب الحرية والعدالة امرا مشروعا وتكسير زجاج حزب الوفد عملا بربريا , واعتبروا ان الاعتداء على المستشار صبحى صالح عملا ثوريا وان الاعتداء على محامى مبارك شوقى السيد عملا فاشيا , واعتبر ان حصار مبنى الاذاعة والتلفزيون عملا ثوريا وحصار مدينة الانتاج الاعلامى عملا بربريا , واعتبر ان دعوته لحصار وزارة العدل عملا ثوريا اما حصار الدستورية فاعتبره عملا بربريا , واعتبر ان مسألة رئيس تحرير الدستور فى جرائم تحريض اعتداءا على حرية الصحافة ورحب باغلاق قناة الحافظ .. والامثلة لا تحصى من تلك الازدواجية , لدرجة ان احدهم وهو واحد ممن سخرهم جهاز حساس لمعارضة مبارك من قبل رأيناه فى احداث الاتحادية يقوم باذاعة عناوين منازل قيادات الاخوان المسلمين داعيا متظاهري احداث الاتحادية للذهاب اليهم وقتلهم ,, فهل هذا يقع ضمن حرية الاعلام.
خلاصة : اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض , انها الثورة الربانية.

الجمعة، 28 ديسمبر 2012

يد الله الباطشة .. جبهة إنقاذ مصر الحقيقية بقلم سيد أمين

سيد أمين

الحمد لله ظهر وجه شعب مصر الحقيقى فى اللحظة الحاسمة حينما كانت مصرتقلب وجهها الى السماء بحثا عن مخرج وضعتها فيه نخبة من بنيها  لم يراعوا فيها دينا ولا ذمة, هذا حقيقة ما عاشته مصر طوال عدة اشهر مضت.
وكانت "جبهة إنقاذ مصر" الحقيقية ويد الله الباطشة فوق ايديهم هم هؤلاء الكادحين الذين انخرطوا فى ميادين العمل , الصانع فى مصنعه, والزارع فى مزرعته , والتاجر في سوقه أو متجره , والذين ما ان استدعتهم مصر ليقولوا كلمتهم حتى أسرعوا فحسموا الجدل وأنقذوها من خراب بين ودمار كاسح وسط حالة لا متناهية من اللغط والشك المتبادل والممنهج .
أراحت يد الله الباطشة الصدور بعدما نزعت فتيل قنبلة ألقاها ساسة النخب فى وجه التاريخ والحاضر والمستقبل كانت توشك ان تنفجر.
ويخطئ من يعتقد أن الريفيين هم عبارة عن اناس بسطاء لا شأن لهم بالسياسة ومسالكها وطرق فهمها أو ان الريفي كما صوره فيلم "العتبة الخضرا" عبارة عن إنسان بسيط موجه بهرته أضواء المدينة واعتقد ان كل صندوق احمر هو صندوق بريد , هذا هراء كبير , فالريفيون – ونحن منهم – لم تلوثهم بعد أضواء المدينة والمنهج النفعي الذى يسيطر علي بعض أهلها دون اكتراث بتراث وتاريخ وإحقاق حق وإبطال باطل وشهامة ونجدة وإغاثة ملهوف او مظلوم , كان بعضهم أكثر عمقا وبداهة فى فهم العمل السياسي من أساتذة الجامعات المتخصصين.
من بينهم وجد ما يطلق عليهم علماء الاجتماع "قادة الرأى", بسطاء يفصلون بين الخير والشر والحق والباطل بكلمة واحدة ناجزة بوعى اكتسبوه ليس من مدارس ولا جامعات فحسب ولكن من تراث متوارث من الجدود للآباء للأبناء للأحفاد, ومن فطرة سليمة واتساع أفق لم تشوشه حسابات خاصة او إعلام يسكب في العقول الخطايا سكبا ويحمل المواقف فوق ما تحتمل بحسب رغبة صاحب هذه الفضائية او تلك , بعضهم يحملون شهادات جامعية ولكنهم يعتبرونها مجرد أوراق قدر لها ان تحبس فى الإدراج من ضآلة علمها , وقلة قيمتها.
هؤلاء هم من قاوموا إعلام رجال أعمال مبارك ونخبته ومعارضته الوهمية , وفعلوا كما يفعل الجراح الماهر الذى يحدد السرطان بدقة متناهية ويقوم باستئصاله قبل ان يتفشى فى الجسد كله فيدمره , وراحوا يصوتون على الدستور ليعلنوا للعالم كله انه لا وصاية لأحد علي عقولهم.
ومن شدة وقع الصدمة , راح بعض النخبويين فى محاولة منهم لحفظ ماء الوجه جراء الكلمة التى أدلي بها الشعب الذى نصبوا من أنفسهم متحدثين باسمه , راحوا يهرتلون ويتنابذون , وتمادوا في غيهم وتعاليهم فقللوا من شأن أبناء الريف لاسيما فى الصعيد ووصفوهم تارة بقلة الوعى وتارة اخري بان قرارهم جاء نتيجة الفقر والحاجة والعوز .. وهى اتهامات لا أساس لها من الصحة .
وأقول أن منطقاتهم – اى لمن نصبوا أنفسهم كنخبة للمجتمع - تخالف المنطق والواقع فى عدة أمور:

أولها : انه اذا كان حقا أن أبناء الحضر المثقفين صوتوا برفض الدستور بينما أبناء الريف الجهلاء صوتوا بقبوله , فلنسألهم لماذا اذن صوت أبناء الإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد والسويس والبحر الأحمر بقبول الدستور رغم ان هذه المناطق مناطق حضرية وتقريبا لا يوجد فيها ريف؟

ثانيها : المحافظات التى صوتت بنعم فى كل ارجاء الجمهورية كان لها مدن كما كان لها ريف ايضا .. فلماذا صوت اهل مدن تلك المحافظات لصالح الدستور ؟ ام انتم فقط تنظرون الى ان المدن هى القاهرة والغربية والمنوفية وما عداها فمجرد ارياف؟ بل ا ن اهل منطقة الجيزة فى القاهرة الكبري – واغلب هؤلاء النخب ينتمون اليها – صوتوا لصالح الدستور ؟ أم ان هناك مناطق ريفية واخري مدنية كتلك التى تقطنوها فى المدينة ؟

ثالثها :ان أبناء الأقصر وجنوب سيناء والبحر الأحمر صوت للدستور مع ان هذه المناطق تعتمد بشكل أساسي علي السياحة ويتحدث أبناؤها عدة لغات أوربية اكتسبوها من خلال تعاملهم مع السائحين الغربيين؟

رابعها : أن ما ادعوه من عمليات تزوير فى الاستفتاء كانت مبنية على مجرد أقوال مرسلة , وما كان موثقا منها فهو لا يصيب مصطلح "تزوير" فى العمق ولكنه يأتي فى إطار عمليات توجيه للناخبين , وهو المسلك الذى اتبعه معارضو الدستور أيضا , كما ان هناك دلائل تؤكد وجود مخطط نفذه الرافضون للدستور – الا انه فشل – يقضى بقطع التيار الكهربائي عن عدة لجان فى وقت واحد من ثم يقومون بعدها بالدعاية بأنه أثناء هذا الانقطاع حدثت عمليات تزوير لصالح تمرير الدستور إلا أن هذا الشق من المخطط أفشلته المولدات الكهربائية التى كانت جاهزة لهذا الطارئ, اما الشق الثاني من المخطط فكان يقتضى قيام بعض المصوتين بسرقة أوراق الاقتراع بدلا من وضعها فى الصناديق المعدة لها من ثم يقومون بعرضها على وسائل الإعلام للتدليل على حدوث عمليات تزوير كما ان نقص عدد الأوراق عن عدد المصوتين فى اى لجنة قد يقضى بإلغائها والشق الثالث والأخير فيقوم على شراء بعض الذمم من حرس اللجان والمصوتين للشهادة بانهم شاهدوا عمليات تزوير.

خامسها : ان منطق تقسيم المعرفة بحسب البيئة الجغرافية هو منطق خاطئ وعنصري , فقد يكون أهل الصعيد عموما اقل فى الحالة الاقتصادية عن وجه بحري لحد ما , ولكن ذلك لا يعنى ابدا أنهم جهلاء , والتاريخ يشهد ان محمد "صلى الله عليه وسلم " صنع من العرب الحفاة العراة أعظم أمه أخرجت للناس , وانتم تعلمون ان مروض الخيول صار زعيما للاتحاد السوفيتى العظيم , وماو تسي تونج كان ابنا لفلاح صينى , وسقراط لم يحصل على تعليم يذكر , ومحمود عباس العقاد لم يحصل على الابتدائية .

فى الحقيقة , أن تعارض فهذا أمر ديمقراطى ومحمود ولا شك انه من حقك ان تعترض علي ما تراه يضر بوطنك , ولكن معارضة اليوم تعرض امن الوطن للخطر وتجازف به فى لعبة قمار, وذلك لأن استقرار الوطن فى هذه الأثناء مع عوار فى الديمقراطية أفضل من ان نجد ديمقراطية ولا نجد لها وطن - هذا ان كان الأمر متعلق حقا بقضية الدفاع عن الديمقراطية - وأصول المنطق تقول ان يجب عليك ان تدخر النضال للقضايا الجوهرية , ولا تستنزفه في معركة خالية من اى قيمة تذكر , مع التذكير بان السياسي الحقيقى هو من يتعامل دائما مع فن الممكن وانها كما يعرفها الماركسيون حديث مكثف فى الاقتصاد , وعلي المرء ان يقتنص الفرص ويعمل بكد من اجل تنمية مكاسبه منها .
ALBAAS10@gmail.com

الخميس، 27 ديسمبر 2012

الناصريون - حقا - والوجهاء الاشرار بقلم سيد أمين




نشر بتاريخ 13 كانون الأول (ديسمبر) 2012

اندهش عدد كبير من الرفاق فى إرجاء وطننا العربي الكبير بتاريخه وأمجاده والقزم بحاضره وهزائمه من تكوين عدد من الشباب القومي داخل مصر - وأنا احسب نفسي منهم - جبهة أطلقوا عليها " ناصريون وقوميون شرفاء ضد المؤامرة " ثم أصدروا بيانا يعلنون فيه احترامهم للمسار الديمقراطي ونتائجه التى انتهت بتنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا للبلاد , وطالبوا بضرورة توقف كل القوى السياسية الاخري عن وضع العراقيل أمامه بغية إفشاله وعرقلته من ثم عزوف الناس عنه وعن جماعته وعن التيار الاسلامى برمته , فتخلو لهم الساحة للبروز كبدائل رغم تنوع مشاربهم والتناقض الشديد بينهم.

واستنكرنا أيضا ان تتحالف تلك القوي الثورية مع قوي الخصم القديم التابع لنظام مبارك والذين لا زالوا يمتلكون المال والنفوذ والسيطرة ويتحينون الفرصة للقفز من جديد على السلطة.

وكان مصدر اندهاش الرفاق المندهشين لاسيما فى التيار الناصري يعود الى حالة نفسية عائدة من ميراث تاريخى يحمل كثيرا من الصدام بينهم وبين الإخوان المسلمين فى مرحلة معينة من مراحل التاريخ فى الوطن العربي , وان كان فى اغلبه صدام دعائى واعلامى اكثر منه صداما على ارض الواقع.

والحقيقة ان المتأمل للمشهد السياسي المصري الداخلى يمكنه ان يميز بين أربعة اتجاهات محددة ,اتجاه يتوجه نحو الإسلام السياسي واتجاه اخر يميل للعودة الى الوراء ويتزعمه أنصار النظام السابق وأحزاب أخرى متنوعة المشارب تدور فى فلكهم وان كان بعضهم ارتدى بشكل او بأخر رداءا شكليا للثورة , ثم اتجاه ثالث تتزعمه القوى الليبرالية ويمثلها الدكتور محمد البرادعى وحزب الدستور والاتجاه الرابع والأخير تتزعمه ائتلاف متباينة المشارب وتتوحد تحت شعار "اليسار" ومنه التيار الشعبى الذى يتزعمه حمدين صباحى ذو الخلفية الفكرية الناصرية.

ولما كانت الغلبة الانتخابية فى حقيقتها تنحصر بين تيارين رئيسيين هما التيار الاسلامى والفلول فان الثائر الحق لا يمكنه إلا أن ينحاز للإسلاميين ليس فقط لأنهم ونحن رفاق خندق واحد فى الأحداث المفصلية والحاسمة للثورة ولكن أيضا لأنهم نالوا النصيب الأوفر من المظلومية فى عهد مبارك قتلا وإعداما وسجنا وقهرا , ومعركتهم مع النظام السابق معركة مصير حتى وان بدا الأمر عكس ذلك بعد فوز الدكتور مرسي بالرئاسة إلا أنه يأتي فى إطار عمل سياسي تكتيكي لإدارة المرحلة.

وينطبق شعار "سمك لبن تمر هندي" على ما تسمى نفسها "جبهة الإنقاذ الوطنى" حيث تضم فى بوتقتها تيارات سياسية شديدة التنافر والتناقض بل والعداء بعضها البعض ولم يتوحدوا إلا من اجل مجابهة التيار الاسلامى وهى بذلك وضعت فى ولادتها كبسولة الموت التى حتما ستفجرها من الداخل على اثر تلك التناقضات خاصة مع عدم وضوح الرؤى لها سواء المستقبلية أو الآنية فضلا مع عدم وجودا هدف واحد يجمع مكوناتها إلا إسقاط نظام حكم الرئيس محمد مرسي بما يعنى انه لو تحقق لهم ذلك فحتما ستتفكك تلك التيارات ليتبدل التحالف الى نزاع فيما بين مكوناتها , وإذا لم يحدث ذلك فهذا يعد دليلا قاطعا على عدم اتساق كل مكون فيها بصحيح مرجعيته الفكرية.

وأيضا لما كانت أمريكا كزعيمة كونية لا تألوا جهدا فى محاربة القوميات فى العالم وتصطف معها - أو بالأحرى خلفها - فى نفس الخندق كل بلدان العالم الغربي صاحبة النفوذ الحاسم فى تقرير سياسات حكومات وأنظمة وطننا العربي , فان قيام نظام حكم قومى أو حتى مبنى على ثقافة قومية قطعا فى تلك المرحلة محكوم عليه بالفشل , ولا ادلل على ذلك بان هذا التحالف الذي استطاع التخلص من عبد الناصر وإحداث انقلاب ناعم عليه وعلى نظامه فى ستينيات القرن الماضي استطاع منذ أمد ليس ببعيد – بعد تكوين قاعدة عريضة من الطابور الخامس من النخب والإعلاميين وغيرهم - التخلص من نظام البعث العربي فى العراق واغتيال قيادته القومية وتخريب العراق وترويع العراقيين , وتلاه اغتيال الزعيم الليبى معمر القذافي وتدمير ليبيا من الداخل ,وها هم في سبيلهم الى غزو سوريا وتدميرها وإلحاقها بقائمة بلداننا العربية المدمرة , فان النضال من اجل حكم قومي او ناصري فى مصر يصبح دربا من العبث وسيلاحقه الدمار قبل ان يولد, هذا على افتراض ان القوميين والناصريين فى مصر استطاعوا إزاحة منافسيهم وهم كثر.

وإزاء هذا المشهد بالغ التعقيد يقف النضال القومى أمام خيارات مرة ليقيس بينهم بمقياس من دم , لأن مردود نضاله هنا لا يعود اليه , ولكن من اجل الغير وربما الأعداء , فإما إن يناضل من اجل نقل الحكم الى قوى ليبرالية, تعتبره متطرفا وتعتبر القوميين طغاة ومتخلفين وجب إزاحتهم بحاملات الطائرات والصواريخ وتأديب الشعب الذى انتخبهم , ونزع هويته الثقافية والتراثية والمعرفية العربية , كما هو الحال فى البرادعى.

أو النضال من اجل توصيل عمرو موسي الى كرسي الحكم , وهو الذي لا يختلف كثيرا عن سابقه فى تلك الرؤية فضلا عن ان ذلك سيعطى فرصة عظيمة للأعداء التقليديين للثورة وهم قطاع كبير جدا من الشعب للعودة مجددا للساحة السياسية فيمارسوا بطشا ونهبا منظما وواسعا للبلاد , كما انه شغلهم الشاغل سينصرف الى تأمين أنفسهم وبناء نظام حصين وسد الثغرات التي تسببت فى اندلاع الثورة الاولى دون إحداث تنمية فى البلاد , وهنا يكون النضال معهم خيانة قومية.

ثالثة الخيارات وهم التيارات اليسارية , وهى تيارات تتفق في كثير مع المبادئ القومية خاصة فى الشق الاقتصادي إلا إنها تختلف معهم فى النواحي الثقافية فضلا عن انها تيارات ضعيفة للغاية وأطروحاتها الثقافية مرفوضة شعبيا.

وإزاء هذا المشهد العالمي والمحلى , يصبح من الحكمة على التيار القومي ان يتريث , وان يحدد خطواته بشئ من التأني والتأمل العميق , والا يفكر فى الخطوة القادمة مباشرة طالما لن تكن له,بل عليه ان يعد الخطة للخطوة التى تليها , حتى يصيبها بدقة , ويفعل كما يفعل القناص الماهر الذى يحدد نقطة اعلى من النقطة المراد اقتناصها حتى يتمكن من إصابة الهدف مباشرة , واقول فى ذلك ان التيار الاسلامى قد لا يتطابق كثيرا مع مبادئ وأطروحات التيار القومى فى مصر, ولا ينظر بنفس نظرة القرب التى ينظرها القوميون اليه , إلا إن أهم ما يميز هذا التيار قوميا كونه سيحافظ على ثقافة مصر عربيا وإسلاميا , وهو ما لا يتحقق مع اى تيار أخر, مما يمكننا ان نكون مستقبلا فى حالة منافسة معه , وعلينا تقبل ما لا نهواه من اجل الحفاظ على ما نهواه.

والحقيقة أن اصطفاف "نفر من الناصريين" مع محمد البرادعى وعمرو موسي وأنصارهما وتكوين قاعدة عريضة قوامها الفلول , هو لا يخدم العمل السياسي على النطاق القومى او المصري , نظرا لأن هؤلاء الناس ظهروا فى المشهد كمجموعة من "الوجهاء الأشرار" الرافضين للديمقراطية وتفعيل إرادة الشعب ,فكيف نصدقهم اذا بعد ما شاهدناه منهم من احتيال؟

قالوا انهم يحتجون على اعلان دستورى اصدره مرسي ودستور سيستفتى عليه الشعب دون توافق وطنى , واذا كان الامر كذلك فلماذا كنتم تخرجون بمظاهرات قبل ان يصدر مرسي هذا الاعلان ويطرح الدستور الجديد على الاستفتاء , ولماذا ايدتم من حرقوا المدارس فى محمد محمود ؟ ولماذا استمر قرابة 50% من اعضاء الجمعية التأسيسية من القوى المدنية فيها ووقعوا على 95 % من الدستور الجديد , وما الداعى لانسحاب بعضهم المفاجئ؟ هل هذا هو العمل السياسي أم الانتهازي؟

وبعيدا عن تكتيكات أو "انتهازية النخبة" تعالوا نتساءل: لو استطاع أنصار جبهة الإنقاذ إسقاط الرئيس المنتخب من يمكنه بعد ذلك امتلاك شرعية أخري؟ وما حدودها ؟ ومن سيؤمن عدم تكرار هذا التحالف معكوسا ضد الرئيس الجديد, وكم الفاتورة التى سيدفعها الوطن جراء سياسة الفعل ورد الفعل؟ ومن سيحترم من لم يحترم رأى الأغلبية؟ وكيف سيرضى الديمقراطيون بإهدار الديمقراطية؟

انا لا اتحامل على الاستاذ حمدين صباحى بمفرده ولكن على كل عناصر المشهد السياسي المهين الذى تعيشه مصر , وما كنت ارجوه من حمدين صباحى ان يكون على قدر تاريخه الوطنى المحترم فى التعامل مع تلك الازمة , كما ارجو من الاخوة الناصريين وكذلك الاخوان المسلمين ألا يقفزوا لاستحضار الماضى فى كل محاولة تقارب , لأنه لا يجب ان ان نترك ماضينا يقتل حاضرنا ومستقبلنا.

حقا لقد شاهت عوالم الأفكار فى بلداننا , فما عاد الليبرالي ليبرالي , ولا اليساري يساري , وحتى القومى لم يعد قوميا ..كل الافكار بقيت كخيال ظل لافكار اخرى اندثرت وماتت .. ولا يسعنا الا ان نقول : اللعنة ستطالك يا مبارك.