السبت، 26 سبتمبر 2015

سيد أمين يكتب: في مصر.. المعركة حول الكتلة

آخر تحديث : السبت 26 سبتمبر 2015 17:20 مكة المكرمة
يُخطئ من يتصور ان المعركة الدائرة في مصر الأن هى فقط بين العسكر ودوائر انتفاعهم من جانب, والاخوان المسلمين أو حتى تيار الإسلام السياسي ومؤيديهم من القوى المختلفة من جانب آخر, فالمعركة تشغل حيزا أكبر بكثير من هذا التصور المتواضع سواء في ميادينها أو أسبابها أو أدواتها, فهى ميدانيا لا تستهدف مصر فقط, ولكنها تستهدف العالم بأسره, ولا تقصد تدمير الاسلام فقط, ولكنها تستهدف "الكتلة" أية كتلة في أي زمان أو مكان، وأسبابها ليس رفض الحكم الديني ولا العلماني ولا حتى العسكري، ولكن رفض حكم الشعب حينما يصبح "كتلة" واحدة ذات تأثير تمنع الاخرين من توجيهه وقيادته.
أما الأدوات فهي كل ما هو مزيف, من: دستور مزيف, مؤسسات مزيفة, نخب مزيفة, أحزاب مزيفة, مقدسات مزيفة, ولاءات مزيفة, بطولات مزيفة, أو بصيغة أخري هي الاعتماد على كل شيء يبدو أنه يقوم بمهمته وفي الواقع يقوم بعكسها, كالشرطة التي تروع الناس برغم أن مهمتها حفظ الأم , ومجلس شعب لم ينتخبه الشعب, بل اختير لمصادرة رأى هذا الشعب, وقضاء يفترض انه مؤسسة عدل لكنه جاء ليقنن الظلم, وصحافة تقوم بتسطيح وخداع الناس بدلا من إعلامهم بالحقيقة, وجمعيات خيرية أصل مهمتها مساعدة الفقراء لكنها تسرق ما يقدم لهم من الأخيار, ورجال دين من المفترض ترفعهم عن الدنايا وانشغالهم بالروحانية وتلمسهم الرحمة وحديثهم الحكمة والموعظة, فنراهم مجرمين سفهاء جهلاء حمقي لا يبغون إلا متاع الدنيا, وهكذا.

وما هى الكتلة؟
المقصود بالكتلة هنا: كل كيان بشري صلب أيما كانت هويته أو اعتقاده، لا سيما لو كان إسلاميا أو قوميا أو اشتراكيا, بالترتيب, وهي القوى الثلاثة الممنوعة من الحكم والسيطرة في أي بلد من بلدان العالم،لاسيما الإسلامي بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية سيدة هذا الكون
فما سمحت أمريكا بنجاح تجربة الإسلاميين في الجزائر ومن قبلها باكستان بل والصومال, وما سمحت بنجاح تجربة صدام حسين القومية في العراق ولا عبد الناصر في مصر, وما سمحت بنجاح تجربة المنصف المرزوقي الاشتراكي في تونس ولا حتى في الاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية في العقود الماضية, وذلك لأن ما يربط بين الثلاثة نماذج أنهم يملكون "الكتلة" التي تؤيدهم, ويتحدثون عن أيديولوجية فكرية متكاملة لها وجاهتها المنطقية ونسقها الفكري الرصين.
فأمريكا وهى في سبيلها لإخضاع العالم, لا يمكنها أن تنفذ ذلك إلا إذا فتتت جميع الروابط التي تجمع بين الخصوم وحتى الاصدقاء سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم دول , وجردت كل كيان وحدوي او "كتلوي" من أسباب تماسكه مهما صغر, لأنه من طبيعة الاشياء ان كل صغير سيكبر, ما يسهل لها جر الجميع في قاطرة واحدة هى تقودها ويستقلون هم "السبنسة".

لماذا تحارب الكتلة؟ 
الحقيقة أن الأمريكان يريدوننا عالما يتعايش في حالة سيولة, الإنسان فيه لا يمثل إلا نفسه, ولا يدافع إلا عن وجوده الشخصي فحسب. يريدوننا عالما خاليا من مطبات كتل الاتفاق التي تعترض طريق هيمنتها, ولذلك فالتيارات الإسلامية وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين تمثل كتلة اعتراض كبرى, والحركات القومية هى كتل اعتراض ولكنها أقل حجما, والحركات الاشتراكية هى أيضا كتلة اعتراض وإن صغرت نسبيا لكن صدى صوتها يرتفع عنهما.
يريدون عالمنا, عالماَ يقف على النقيض من عالمهم. عالما يتكيف مع الاستبداد ويبرره, ويتعايش مع الجهل ويتقن صناعته , ويجيد اختلاق الاختلاف فيما ينفع وايجاد عناصر الاتفاق حول ما يضر . عالما يقلد ولا يبدع, يعلى من شأن الحقراء ويسفه العلماء , تهان فيه الحرائر وتكرم فيه الراقصات.
هم يريدوننا مجتمعا بلا كتل , حتى لو كانت كتلة فاعلة للمثليين أو مشجعي الشطرنج, ولو كان الامر غير ذلك لوجدنا شيئا مختلفا في نوعية الصراع في امريكا اللاتينية أو العالم الشيوعي السابق المعروف بالكتلة الشرقية أو حتى حقبة العصر النازي والفاشي القومية.

الحرب المزدوجة 
الحرب العالمية ضد الكتلة, إن جاز التعبير, هى في حد ذاتها حرب ضد التفكير, وذلك لأن الكتلة كثيرا ما ترافقها الفكرة, والفكرة تمثل تمردا على عقل آخر يريد أن يفكر لنا ويجعل من نفسه بديلا لنا عن عقلنا.
وفي مصر, تبدو صورة الحرب ضد التفكير أكثر وضوحا, فكل متفوق مهان فى عمله, لا سيما لو كان هذا المتفوق يشعر بأنه مواطن له حقوق كما عليه واجبات, أو يمتهن مهنة رأى كالصحفي الصادق الممنوع من الكتابة والمحامي الجريء المهدد بالحبس والفنان الذى يقدم فنا تنويريا ولكن لا يشاهده احد لأن أعماله لا تعرضها أية وسيلة نشر


لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا

السبت، 29 أغسطس 2015

سيد أمين يكتب: ملامح مهملة من الثورة المضادة

آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2015 10:51 مكة المكرمة
منذ ثورة يناير الموءودة تحدث الكثيرون وساقوا الدلائل البينة والقوية عن تجهيز الدولة العميقة في مصر للانقلاب على أى رئيس منتخب ستسفر عنه أى انتخابات نزيهة تفرزها تلك الثورة, وكتبوا في ذلك ما يطول الحديث فيه بدءا من التظاهرات الفئوية حتى سرقة السيارات وانتشار عصابات قطع الطرق , إلا أننى أجد نفسي أقف أمام تفاصيل صغيرة، ولكنها تبرز ملامح دقيقة تكشف من بين ما تكشف أن من سمات هذا الانقلاب الذى كان متوقعا، بل ومنتظرا أنه انقلاب شامل يرعى كافة مناحى الحياة حتى البيئية منها.
ففي صباح يوم من تلك الأيام التى كانت القاهرة فيها تبدو بدون سلطة حاكمة - واتضح كذب ذلك فيما بعد - استيقظ أهالي القاهرة ليكتشفوا أن جميع أرصفة الشوارع مقلوبة رأسا على عقب, محطمة ورثة ومتربة بشكل غير موضوعى, حتى في تلك الميادين التى لم نكن نتخيل أبدا أن نراها بها الشكل مثل شوارع ما يعرف بالقاهرة الخديوية, ولم يكن أي شئ يعمل إلا البلدية التى لا نعرف من كان يصدر لها أوامره، وهى كانت تبدو أنها تعمل في الإعمار والواقع انها كانت تساهم في التخريب.
ولم يتم حل هذا اللغز إلا بعد الانقلاب حينما جري تزيين تلك الشوارع، وإعادة رصفها بما يعطى إيحاءً بأن سنوات الخراب الثوري ولت وهى السنوات التى كان يظنها مدبروا الدولة العميقة بضعة أشهر إلا أنها طالت بعض الشئ بسبب الزخم الثوري.

شخبطات غير ناضجة

ومن تلك الملامح أيضا تلك الرسومات غير الناضجة وغير المعبرة والكتابات التى ترقي في أحيان كثيرة من شدة غموضها إلى درجة الألغاز, وأحيانا تهبط إلى مستوى الشخبطات, وهى التى انتشرت بكثافة علي الحوائط والأرصفة، والطرق المرصوفة؛ فشوهت المنظر الجمالي للحوائط، وأعطت إيحاءً مماثلا لسابقه بالفوضى.
ومن تلك الرسوم تلك التى كانت تخص روابط مشجعى الأندية، والتى انتشرت بصورة غريبة وصرف عليها أموالاً طائلة، ولا يعرف بعد ما العائد منها، وما الرسالة التى كانت تحملها؛, حيث تجد أحيانا رسومات لما يشبه الكأس، ورسومات لشباب وأعلام مفرودة على مساحات كبيرة من الحوائط ومرسومة بإتقان شديد، وعبارات مبتورة، وغامضة مثل "فاكر لما كنا سهرانين"، و"بلد الرجالة"، و"بلد البالة"، و"عبور"، و"صاحب صاحبي"، و"مش هنسيبها"، وما إلى ذلك من كلمات غير مفهومة، قد تكون تحوى رموزاً لرجال الدولة العميقة وقد تكون مجرد شخبطات حدث الانقلاب وكشف المخفيون عن أنفسهم فما صارت لها حاجة فمحوها بأستيكة.

كذبة تغليظ القصاص

ومن ضمن الأشياء الملفتة أنك حينما كنت تطالع صحف الحكومة ومن لف لفها آنذاك، تجدها تبالغ في إثبات هيئة القصاص من رموز نظام مبارك -الذى ثبت أنه متجذر، ولم يسقط ساعة واحدة- فهذا صودرت أمواله وأصابته الأمراض, وذلك تقهقرت به الأيام وباع كل ما تبقي له ليصرف على زوج ابنته, وذلك تم فصل أبنائه من مناصبهم الحساسة في الدولة وساءت حالتهم النفسية, وما إلى ذلك من أخبار تنقلك من حالة الشماتة فيهم إلى حالة التعاطف معهم. 
لكن ويا للعجب, إذا ما تمحصت بنفسك مدى صحة تلك الأخبار والمعلومات, فستجد أنها مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة.

ملمح صحفى

وتبدو ملامح "الثورة المضادة" في عالم الصحافة أكثر وضوحاً منذ الشهر الأول للثورة, تمثلت هذه الملامح فى أنه حينما فتح باب التعيينات في العديد من الصحف القومية كإجراء تسوية في مظالم ضحايا المهنة, وهم كثر يتوزعون ما بين مفصول أو مشرد بسبب توقف صحيفته لأسباب مادي،ة أو سياسية او إدارية, نجد أن جل هؤلاء الذين حلت مشكلاتهم، وتم إلحاقهم بصحف قومية, كانوا ينتمون لمن سموا آنذاك بـ"الفلول"، أو على الأقل من المحسوبين على الأجهزة الأمنية, يتخلل هؤلاء أشخاصا آخرين لم يكونوا ينتهجون هذا النهج إلا أنه تم قبولهم لأنهم قلة قليلة للغاية وجاءوا في قوائم تكتظ بهؤلاء المستهدف تعيينهم, والمدهش أن هؤلاء سلكوا بعد الانقلاب مسلكا استسلاميا، وخيل لمن لا يعرفهم أنهم دعاة انقلاب، وليس دعاة ثورة من فرط صمتهم عن قول كلمة الحق وجلوسهم مجالس الانقلابيين.
أما رافضو حكم العسكر والذين صار جلهم فيما بعد من رافضى الانقلاب, فقد استبعدوا تماما رغم أحقيتهم , بينما عين كل "فل"- بكسر الفاء- راح يزور صديقه "الفل" وجاء الأصدقاء بأصدقائهم, والأخ بأخوته, والزوج بزوجته, والأب بابنه, بل والأم بابنها, والنماذج لا تخطأها عين، ولا يستطيع أن يكذبها أحد لدرجة أننى شخصيا كنت شاهداً على أشخاص كانوا يبحثون عمن يعلمهم المهنة؛ بل وكيفية كتابة الجملة, وتمنوا أن يكتب اسمهم على خبر مساحته خمسة سنتيمترات في صحيفة من صحف "بئر" السلم, وما هى الا أشهر حتى وجدنا هؤلاء قد عينوا في الصحف القومية التى طالما اشتاق لها معلموهم الذين أكلت الصحافة على ظهرهم وشربت. 
ولنا في صحف "المسائية" بدار أخبار اليوم و"الأهرام المسائى" والشركة القومية للتوزيع" و"التعاون" و"أكتوبر" و"الأهرام" عبرة في الصاعدين والهابطين.

السبت، 18 يوليو 2015

سيد أمين يكتب: مبنى على المجهول

آخر تحديث : الأحد 19 يوليه 2015 14:34 مكة المكرمة
يوحي ترديد مسألة 'حسن الطالع' أول ما يوحي بأن من يؤمن بها هو شخص غيبي ينكر "قدرة" العقل ويعيش دائما في النشاط الوهمي الافتراضي.
ولأن التاريخ هو قراءة مكثفة من اجل المستقبل, سنحاول هنا رصد أشهر مواقف استخدام الساسة الأقدمين لهذا المنتج "الغيبي" وكيف تأثروا به, ولكن قبل هذا نذكر بنقطتين مهمتين أولهما أن الاعتماد الكلي على مثل هذا المنتج قد يؤدى إلى ردة ثقافية ومنطقية تمحو كل منجزات المنطق والعلم, وثانيهما أن ما دفعنا للحديث عنه هو العجز عن الحديث عن "المعقول" بسبب الظروف "اللامعقولة" التي يعانيها المنطق في مصر الأن.

المعقول واللامعقول

يعتبر المفكر والسياسي الإيطالي "نيقولا ميكافيللي" واحدا من أهم الفلاسفة الذين لفتوا الانتباه بشكل واضح إلى تأثير "حسن الطالع" في حياة الساسة والدول, بل إنه ربط بنسق منطقي متين بين "اللامعقول" و"المعقول" عبر الغوص في كمائن النفوس البشرية.
ويضرب نيقولا ميكيافيللي - في كتابه الأمير – مثقلا بصانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد ليؤسس أشهر أسرة ملكية في إيطاليا امتد حكمها عبر عدة قرون، وذلك حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً ونهبوا ثرواتها ثم عادوا أدراجهم، هنا التف البسطاء حول صانع الفخار فنصبوه أميراً عليهم , لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.
وعلي النقيض يضرب ميكيافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتي كل إمكانات الدوام والبقاء والقدرة لكنه افتقد حسن الطالع فهزم في معركة كان يمكن أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.
ويقول ميكايفيللي إن "قدرة" من دون "حسن طالع" تعني فشلاً وإن "حسن طالع" مع نصف "قدرة" يعني انتصاراً.

قصص القرآن الكريم

وفي قصص القرآن الكريم لنا آية في سيدنا يوسف – عليه السلام - الذي يلقى به في الجب, ويؤتى به كرقيق ثم تدور الأحداث التي نعرفها ليصير الشخص الثاني في حكم مصر , وكذا في سيدنا موسي -عليه السلام - الذي ينجو من مقاصل فرعون التي لا تترك صغيرا ولا كبيرا , وبدلا من حياة التخفي والهروب لما فيها من شظف العيش وخوف من المجهول, يربى في بيت فرعون ذاته آمنا بأمنه ومستلذا بملذاته وينفذ أمر الله الذي وعد به رغم كل الاحتياطات.

في التاريخ العربي

يلعب "حسن الطالع" الدور الأكبر علي مسرح الأحداث، فها هو "قطز" يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف في مصر فيهيئ له الله عبر"حسن الطالع" الأمور كاملة لقيادتها ويصير هذا الفتى المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد، يلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي على المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب.
وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر من دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً على البلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم إمبراطورية عرفتها مصر الحديثة ودام حكم أسرته نحو قرن ونصف القرن وصار مؤسس مصر الحديثة.
وها هو الكولونيل 'سيف' كجندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلى الحياة الحربية وتنامى إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه على حاكمها الذي أرسله إلى محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري.
ولكن هناك واقعة شهيرة تلقي الشك في كل ذلك, فالعرافون حذروا الخليفة المعتصم من فتح "عمورية" إلا أن القدرة الطاغية هنا استطاعت أن تطوع الحظ وتحسم المعركة حيث خرج المعتصم على رأس جيش جرار مهول وضرب حصاراً على مدينة عمورية المنيعة دام نصف العام تقريباً، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت، ودخلها المسلمون في 17 من رمضان الموافق 13 من أغسطس 838م
وهنا أنشد ابو تمام قصيدته التي تبدأ بقوله: 
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ

لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا

الجمعة، 3 يوليو 2015

سيد أمين يكتب: حديث في الميتافيزيقا

آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2015 10:42 مكة المكرمة
في بلد لا يعمل فيه بكفاءة سوى السجن والمقصلة, ويدخل غالبية شبابه صفحات مواقع التواصل الاجتماعى بأسماء مستعارة، ويعتبر نصف شعبه النصف الآخر شعباً إرهابياً لمجرد أنه طالب بحقه في المشاركة في تقرير مصير بلادهم.
ويصبح سحب الجنسية والحرمان من الانتماء إلى البلاد التى تفاخر بالانتساب إليها الآباء والأجداد أسهل من نفاذ رصيد شحن الهاتف المحمول، ولا يٌسمح أن تعلو فيها سوى الأصوات النشاز.
في بلد فيها كل هذا -وهو قليل للغاية من كثير للغاية- يصبح حديث أى صاحب قلم بموضوعية في أى شأن لاسيما السياسة هو مهمة انتحارية في المقام الأول.
وللحقيقة أن أجواء كتلك تجعل الكثيرين يفكرون ألف مرة قبل أن يكتبوا, لأن الكاتب هنا ليس مجرد فرد فتعود مخاطر كتاباته على نفسه فقط بالضرر، ولكنه شأنه شأن كل المجتمع، هو كائن حى له أسرته الصغيرة المسئول عنها، وهم لهم متطلباتهم وأحلامهم وأمانيهم التى قد تكون ليست هي ذاتها اهتمامات الكاتب نفسه في الدفاع عن أسرته الكبيرة التى هى الوطن، وهم ليسوا على استعداد للمساهمة في دفع الفاتورة التى يستعد هو لدفعها والتى ستعود عليهم أيضا بالضرر، الأمر الذى يجعله يتعامل فقط في الجزء اليسير المسموح به من الحقيقة.

ليس كل ما يعرف يقال
ويبدو أن سقراط الحكيم حينما قال قديما انه "ليس كل ما يعرف يقال"، كان هو أيضا يعيش ذات الأجواء التى يعيشها كتاب الداخل من المصريين الآن بدليل أن الأمر انتهى بحبسه ثم إعدامه.
كما أنه في أوقات انطلاق جمرة اللهب في ذيل الثور الهائج، لا يكون أبدا من الحكمة الوقوف في وجهه , بل أن الحكمة تصبح في أن يتحدث الكاتب الذى لا حول له ولا قوة في أى شئ كان يؤجل الحديث فيه لاوقات الراحة والدعة.
ومن الأمور التى لطالما شدت انتباهى، وانتباه كل الناس في هذا العالم الذى نعيش فيه, وهى التى يبدو أن الحديث فيها هو الأنسب في مثل هذه المرحلة, تلك المتعلقة بـ"الميتافيزيقا" أو العلم الذى يتناول مواد "ما وراء الطبيعة", أو بالمعنى الأكثر شيوعا, السحر والفلك والطالع, وغيرها من أمور تتحدث في الغيبيات، ويثار حولها جدل كبير بين التشكيك والتأكيد.
فمن بين من يشككون دوما فيه، رجال الدين -أي دين- ورجال المنهج العلمي، وذلك بدوافع دينية أو منطقية بحتة, وهو تشكيك ينفي وجود هذا العلم أساسا ويلقي نتائجه دائما إلى حالة الصدفة والهرتلة وما إلى ذلك, إلا أن رجال الحكم في معظم دول العالم يحرمون هذا العلم –إن جازت التسمية- ليس لكونه هرتلة، وصدفة كسابقهم بل لأنهم يعتبرون تداوله بين العامة يقوض سلطتهم، ويفشى أسرار دولتهم وهو منع يؤكد وجود هذا العلم لا ينفيه.
ويقول متابعون إن الكثير من أجهزة الاستخبارات في العالم عامة, وفي عالمنا العربي خاصة، تعتمد بشكل جزئى او كلى في معلوماتها على استخدام الميتافيزيقا كأساس معرفي, بل يتردد أن تقرير الميتافيزيقا هو واحد من أهم التقارير التى تعرض كل صباح على الرئيس الامريكى ذاته.


رؤساء مصر والمنجمون
ويدلل مؤيدو وجود مثل هذا العلم عليه بأن التجريم وأحكام الإعدام التى كانت تصدرها كل نظم الحكم الغربية في القرون الوسطى على من يثبت استخدامه لـ"السحر الاسود" هو في حد ذاته اعتراف بتأثير هذا النهج على الأمن العام، أو بالأحري أمن النظام الحاكم، لدرجة جعلتهم لا يفصلون بين نتائج هذا النهج غير العلمى وبين نتائج العلم ذاته، فراحوا يحكمون على "جاليليو" مخترع التليسكوب بالسحر والهرطقة فأعدموه.
وبعد ثورة يناير الموءودة في مصر راح كتاب كثر منهم "بلال فضل" يكتب مقالا موثقا أثار صدمة آنذاك حول قيام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاستعانة بعدد من السحرة لدعم نظام حكمه، وأن سفره للسنغال خصيصاً للقاء عدد من السحرة "الجبارين" هناك.
فيما أشار آخرون إلى أن مثل هذا السلوك يتبعه كل حكام مصر منذ بدء الخليقة، وأن الرئيس المصري الوحيد الذى رفض الاستماع إلى صوت "السحرة" و"قارئى الطالع" هو الرئيس الإسلامى محمد مرسي بناء على خلفيته الدينية, ما تسبب في سقوطه سريعاً، وأنه لو استشار أياً من "المنجمين" لكانوا أكدوا له ان المكائد من كل أجهزة الدولة لم تتوقف ضده منذ أن أعلن اسمه كفائز في رئاسة الجمهورية لحظة واحدة.
سحقاً أجدني قد تحدثت في السياسة مجدداً.
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا

الأحد، 12 أبريل 2015

سيد أمين يكتب: وجه أخر للصحفي المصري

 
"بعد الغزو الامريكى للعراق عام 2003 قام الحاكم العسكري بول بريمر بفرض أليات جديدة للعمل الاعلامى والصحفى تهدف الى القضاء على الاعلاميين المؤدلجين واحلالهم باتباع له, اوعلى الاقل عزل الوطنيين منهم , وذلك من خلا استراتيجية حولت الصحافة الى مهنة لمن لا مهنة له , وقيل انه قتل قرابة 260 من أصل 900 صحفي مسجلين نقابيا فى العهد الوطنى وفر من فر واعتزل المهنة من اعتزل , فارتفع عدد الصحف من 50 صحيفة الى نحو 700 صحيفة فى العام الاول من الغزو, قيد من خلالهم في نقابة الصحفيين قرابة ثمانية الاف صحفى في عامين فقط, وفي العام الثالث تناقصت اعداد الصحف العاملة الى 130صحيفة فقط فيما تقافز عدد اعضاء النقابة الى 17الف عضو حاليا, ونشرت الصحف أنذاك أن بول بريمر كان يكتب بأسماء بعضهم مقالات تدافع عن الاحتلال الامريكى للعراق وتختلق اكاذيب ضد صدام حسين مقابل دولارات معدودات".
بالقطع عدد كبير من الصحفيين العراقيين شرفاء ومهنيون ولكننى فقط قصدت من هذا التذكير توضيح كينونة هذا الملهم الذى استمد نظام مبارك منه فكرة تعويم نقابة الصحفيين المصريين وجعل معظم منتسبيها "اجراء" وذلك بهدف كسرها وتحويلها من معقل للحريات الى مخفر مدافع عن الاستبداد , بالطريقة التى تحدثت عنها في مقال سابق بعنوان "صحفي بدوافع أمنية".
المشهد الصحفي المذري دفع بعضا من شرفاء الصحفيين الى الانتحاء جانبا ايثارا للسلامة, خشية بلاغ كيدى طائش عادة ما ينسب الى محامين بعينهم, ولسخرية القدر قد يكونون هم أخر من يعلمون بتلك البلاغات, فيصبح الصحفي مدانا لا شك بالتحريض, وهو الاتهام المصلت على رقبة كل صاحب قلم يكتب ما لا ترغبه السلطة, ولا يحرض في الاتجاه الذى تريده ان يحرض عليه, فيزج به في غياهب السجون بموجب القانون كمجرم, بعدما استكثروا عليه شرف الاعتقال.
هناك صحفيين غابوا أوغيبوا عمدا داخل السجون والمعتقلات والمنافي واخرين فصلوا من اعمالهم او توقفت صحفهم قسرا أوطواعية, او لزموا بيوتهم بعدما صار الموت يلاحق الناس بأشكال متعددة والتهم توزع جزافا, وكثير من الصحفيين الان يفكرون جديا في البحث عن بدائل اخري عن العمل الصحفي تجنبا لاهتزازات اسرية قد يسببها لهم هذا العمل المعلق دائما برضا السلطان أو صاحب العمل بل ورضا من يموله , فيما صارالفصل التعسفي عملا شائعا مبررا في حد ذاته وغير مجرم قانونا نظرا لأن عقوبته القانونية لاتكاد تساوى عقوبة مخالفة مرورية , والتى هى في بلادنا هينة للغاية.
والملفت ان خلاصة جهود "التعويم" الهادفة الى احكام القبضة الامنية على المهنة, سواء أكانت تمارس على الصحيفة فتحدد قبول هذا ورفض ذاك للعمل بها , او على الصحفي فتجعله دائما في حالة قلق ولا يجد مجالا لراحة البال من المطاردات الامنية والبلاغات الكيدية وضغوط اصحاب العمل الا بالانحياز لخيارات السلطة, او حتى النقابة التى نجدها تمارس حمايتها النقابية على عضو دون الأخر, وتبكي شهيدا وتشمت في اخر , كل هذا جعل طفيليات المهنة هى من تطفو على السطح, والأنكى أن المهنة ما عادت تعرف إلا بهم نظرا للحفاوة التى يلاقونها في منابر اعلام الدولة.
واستطيع ان اجزم انه لو اختفت او اعطبت او امتنعت اقسام الديسك المركزى والمراجعة في الصحف المصرية عن العمل ليوم واحد فاننا سنجد صحفا لا يمكن قرائتها, لدرجة انه قد اكون مخطئا لو قلت انها ستحتوى على اخطاء املائية ولغوية كثيرة لأن الصحيح هو اننا سنجد كلمات صحيحة بين خضم من اخطاء الاملاء واللغة وايضا المعرفة, وان هذه الاخطاء لا تقتصر على صغار الصحفيين بل تمتد الى كبار الكتاب من اصحاب أعمدة الرأى, لدرجة انه يمكننا احيانا اعتبار ان اقسام المراجعة والديسك هى من تكتب الموضوعات ولكن بأسماء الاخرين.
ومن الاشياء الملفتة في كل الصحف المصرية بعد 30 يونيو هو تعاظم دور المحرر العسكري في الصحيفة لدرجة ان هذا المحرر الذى كان يجب ان يكون مندوب الجريدة في وزارة الدفاع, صار مندوب وزارة الدفاع في الجريدة , بل صار هو صاحب الكلمة الطولى في كل صغيرة وكبيرة , ويحرص رئيس التحرير على استشارته والعمل بتوجيهات سيادته.!!
ليس ذلك فحسب , بل صار هناك "كتالوج" يوصى باتباعه عند كتابة اى مادة صحفية , ومن شأن العمل به ان تقلب الحقائق ويتم تحويل الضحية الى جانى.
كل ذلك اعطى انطباعا– قد يكون مغاليا فيه بما يحوى من تعميم - لدى قطاع كبير من الناس بأن الصحفي المصري كائن انتهازى ينحاز دوما الى مصلحته الشخصية, , فضلا عن انه شخص غير مثقف, ولا تعنيه كثيرا لا قضية المعرفة ولا قضية الحقيقة, وانه وضابط الشرطة ولا اقول المخبر- للترفيع- وجهان لعملة واحدة يؤديان نفس المهمة ويتكاملان بعضهما البعض وانهما واصلان ومتصلان وموصولان.
ويمكننا القول أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعانون ازمات مالية خانقة لكون الكثيرين منهم بلا عمل اساسا , ولا تأمينات , ولا دخل ثابت الا بدل التكنولوجيا الذى تمنحه لهم النقابة وهو المرهون برضا تقارير أبانا الذى في "لاظوغلى", او على الاقل تسامحه او تغافله عن عدم الانصياع الكامل, ما يدفع بعضهم الى سلوك مسالك مشينة , ولا ينجو من هذه الازمة إلا صحفيو الصحف القومية وصحفيو صحف رجال اعمال الثورة المضادة الذين يدفعون بسخاء والمقابل قطعا معروف.
اما ام الكوارث فهى الصحف الاجنبية العاملة فى مصر والتى تجاوزت نحو5000 صحيفة فمعظم اصحابها لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد , ولكنهم يمارسون المهنة من باب الاسترزاق لا اكثر ولا اقل ويقومون بدور المشهلاتية عبر ادعاء صلاتهم القوية بالمسئولين الحكوميين وهو عادة ما يكون ادعاءا صحيحا, حيث يستخدمونهم كمنافذ شعبية للفساد وعقد الصفقات غير المشروعة, فيقومون بتعيين هذا في وظيفة ما او نقل ذاك من مكان لأخر او ترقية هذا وكل ذلك طبعا مقابل أجر كبير, بما يحملونه من كارنية نقابة العاملين بالصحافة والطباعة الذى وصل سعره الأن الى2000 جنيه وصار يحمله السباك والكهربائى.
ورغم ان هؤلاء النفر عادة لا يكونون اعضاء في نقابة الصحفيين ولا يحملون المؤهل الدراسي الجامعى الذى يؤهلهم شكليا للقيد بجداول النقابة , الا انهم سرعان ما يجدون المسالك والثغرات التى تجعلهم يحصلون على المؤهل العالى من اى جامعة خاصة ثم يصبحون اعضاء في تلك النقابة , وما هى الا ايام معدودات ويتصدرون المشهد فيها.
وحينما اقول ذلك لا يعنى هذا ان كل اصحاب تلك الصحف هم من طفيليات المهنة ,فمنهم كثيرون ايضا اعتبروها منفذا بديلا للعمل الصحفي فلجأوا للصحف الاجنبية بعدما تم وضع العراقيل أمامهم للحيلولة دون اصدار صحيفة مصرية.
Albaas10@gmail.com

الاثنين، 30 مارس 2015

سيد أمين يكتب: في بيتنا نقَّاش

جاء الرجل بالنقّاش إلى البيت.. والنقّاش هو اللفظ المصري الذى يُطلق على فنى الديكورات .. ليعاين الشقة .. وبعد أن عاينها سارع لممارسة العمل .. دون أى اتفاق لا على الأجر ولا الطلبات ..طالبه رب البيت بالتوقف عن العمل لحين الاتفاق على المراد إنجازه والأجر اللازم ..فما كان من النقَّاش إلا أن استل سكينا وعاجل بها صاحب البيت في قلبه.. ووسط ذهول أبناء الرجل راح النقَّاش يسكب مواد حارقة على الجثة ويشعل فيها النار.. ولما خمد الحريق قام بإلقاء الجثة من النافذة.. وحينما ثار الأولاد الصغار على ما حدث انتقاما لدم أبيهم .. راح النقَّاش يصيب منهم بآلته الحادة من يصيب ويحبس منهم من يحبس في إحدى الحجرات.
وبعد ذلك أغلق الباب بالضبة والمفتاح وراح يمارس عمله في انتشاء وسعادة وكأن شيئا لم يحدث.. لكن ثمة أصوات بكاء وتأوهات وهمهمات تخرج بين الحين والأخر هنا أو هناك من بين أولئك المصابين وهؤلاء المحبوسين فكانت تثبّط من حماسته وتقلل من شعوره بالسعادة.
قال موجها كلامه إليهم : ها أنا ذا أقوم بطلاء حوائط شقتنا.. وأزيل من على جدرانها ملامح الكآبة والألوان الباهتة الحزينة.
اخذ أحد الأولاد يتقلب على الأرض في محاولة لاستجماع قوته .. فعاجله النقَّاش بضربة قوية من عصا كانت بجواره علي رأسه فسقط مغشيا عليه وراح يوجه له كلامه : سأطليها بألوان زاهية تجعل من هذا المكان تحفة فنية رائعة.
راح يدخن سيجارته .. وفتش في "جيب بنطاله" على كبسولة "الترامادول" التى التقطها وابتلعها بسرعة بينما كان يتأمل الحائط بدقة .. هل أدهنها بالمعجون أولا وكم مرة تري يجب أن أفعل ذلك أم أقوم بطلائها ـ"بالبوية" بدون المعجون ثم أضيف عليها لمسات جمالية ورسوما معينة .. أم أقوم بلصق ورق حائط ملون عليها .. أم كل هذا.
واصل الصمت والتفكير ثم حزم أمره أخيرا .. سأفعل كل هذا .. حتى لا يقولوا إننى أبخل على نفسي.
تململ الولد مرة أخري.. وراح يسعى للنهوض في حذر بالغ .. فنظر إليه النقاش نظرة ضجر.. وقال له: دعنا نكمل عملنا .. لا يمكننى الانتظار كثيرا على هذا الشغب .. يمكنك أن تستمتع بمشاهدة الانجازات التى تحدث في الشقة.
همّ النقاش ليشير إلى علب ألوان خضراء وحمراء وصفراء وقال : هذه هى الألوان التى سيتم طلاء الشقة بها بدلا من الألوان الكئيبة التى كانت من قبل.
ثم أشار إلى أشكال جبسية مزركشة وقال: هذه سوف توضع في الأسقف وتتخلها مصابيح خافتة وأخري ناصعة.
ونظر إلى الأرض فقال: وهذه الأرضيات أيضا سيتم تغييرها بأنواع فخمة من الرخام.
علت دقات الاحتجاج من خلف حجرة الحجز.. اشتاط النقَّاش غضبا .. نظر حوله وكأنه يبحث عن وسيلة عقابية ناجعة .. فأخذ مواد حارقة معه وفتح باب الحجرة وقام بسكبه فيها .. وامسك بعود ثقاب مشتعل وهدد من فيها بأنه إن لم يصمتوا سيقوم بإلقائه على المادة الحارقة ليحترقوا.. فصمتوا ..فاطفأ عود الثقاب .. وسبهم باقذع الألفاظ وعاود إغلاق باب الحجرة جيدا.. وساد الصمت.
خاف الولد أن يتكلم والتزم هو الأخر بالصمت .. بينما حدق النقَّاش فيه قليلا وقال له: أعرف أنك ولد طيب.
ثم ذهب إلى الثلاجة وأحضر ثمرة تفاح وقدمها له وقال: يبدو أنك من الشخصيات المجتهدة التى لا تضيع الوقت في التربص والحقد والكراهية.. يجب أن ننطلق سويا لتعمير هذا المكان وجعله جنة من جنان الله سبحانه وتعالى في الأرض.
صمت وواصل الحديث بينما بدأ عمله: ربنا سبحانه وتعالى خلقنا لتعمير الارض وليس تخريبها.. ولكن هناك من يسعون للتخريب .. ورفض التعمير والمدنية.. هم مستعدون لقتل كل من يقف في طريقهم.. لأنهم أهل جريمة وارهاب.
استمر النقاش يحكى ويحكى بينما الولد ينصت إليه..هنا دق باب الشقة بقوة ..فرح الصبي كثيرا باعتباره الفرج.. بينما انزعج النقاش بشدة ..فمن هذا الى يقتحم عليه خلوته ولا يعتبر لحرمات البيوت.. تحسس سكينه ومادته الحارقة وفتح الباب .. كان الجيران غاضبون بشدة من العثور على جثة متفحمة اسفل النافذة .. واستنكروا أن تُلقَي الجثثُ المتفحمة بهذا الشكل في الشوارع..دون يتم القائها في صناديق القمامة اعتبارا لحرمة الموت.
وراحوا يطلبون من صاحب البيت العون في إزالة هذه القمامة ..ابدى النقاش تعاطفا كبيرا مع الواقعة وقال إنها لوالد هذا الصبي .. فقد قام أخوته بفعل هذا به .. وأنه أمسكهم وحبسهم في الحجرة تنفيذا للعدالة.
أخذ الجيران يتندرون من عقوق الأولاد وأشادوا بعدل النقاش وسعيه للقصاص.
 كان النقاش قد قام بكل مراحل الديكورات ولكن بطريقة حديثة .. فبدلا من أن يقوم بطلاء الحوائط بالمعجون ثم الطلاء أو المعجون ثم أوراق الزينة راح يضع الطلاء والمعجون وورق الزينة فى خلطة واحدة .. ما بدا معه منظر الحائط مثيرا للتقزز.. دخل الجيران الشقة وراحوا يتأملون النقاشة.. فانقسموا بين نفر يعتبرها مجرد "شخابيط" تعبر عن قصر أُفق وبين رهط اعتبرها "فنا راقيا يعبر عن الحداثة" بل إن بعضهم جزم بأنه فنان عالمى.
وأخذوا يحجزون مواعيدَ منه لتنفيذ هذه الأعمال في بيوتهم ..هنا أدرك الصبي أنه وحده من يستطيع تحرير أشقاءه والقصاص لوالده من "القاتل"
albaas10@gmail.com

الاثنين، 23 مارس 2015

سيد أمين يكتب: صحفي بدوافع أمنية

يتحرج الصحفي الوفى من انتقاد أبناء مهنته, خشية أولئك المتحفزين الواقفين على قارعة الطريق دائما دفاعا عن استمرار "الجيتوهات"- أى جيتوهات- , ومن ثمَّ يتهمونك بخيانة شرف مزعوم لم يحددوه للمهنة, ولكن في المقابل فإن الصحفي الأمين لا يمكنه ابدا تغليب مصلحته الفئوية على المصلحة القيمية العامة للمجتمع, لأنه لو سعى لتغليب قيمة الصداقة والزمالة فإنه قطعا يجورعلى القيمة الأقدس منها وهى "الحقيقة" المكلف بنقلها. 
والحقيقة أن الفساد في المشهد الصحفي المصري هو تابع لمشهد فاسد أكبر في المشهد الإعلامى العام , والذى هو بدوره جزء من حالة فساد أوسع تعيشها كل مؤسسات الدولة دون استثناء. 
ولقد دخلت حسابات السياسة نقابة الصحفيين منذ زمن بعيد, فأفسدت ثالوث النقابة والمهنة والصحفي بل والقارئ أو المتلقي أيضا, فما عادت نقابة الصحفيين المصريين ملاذا للحريات والحقوق ,وما عادت المهنة تبحث عن الحقيقة أو تدافع عنها , وما عاد الصحفي راغبا في الدفاع عن المظلومين ولا مؤمنا بالحرية والمسألة تحولت بالنسبة له إلى مجرد "سبوبة", فيما أدرك القارئ أو المتلقي هذا الحال البائس الذى تحولت إليه المهنة فراح يسيطر عليها عبر الدفع والتمويل سواء للصحيفة أو الصحفي , وسواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبرزت حسابات السياسة التى أفسدت المهنة في السنوات العشر الاخيرة من عصر مبارك , حينما ظهرت حركات الرفض لمبارك ونجله والتى كانت تتخذ من نقابة الصحفيين ظهيرا لها , فيما انتمى عدد كبير من الصحفيين إليها – أزعم اننى منهم - الأمر الذى دفع النظام الى تبنى سياسة "تعويم" و"اختراق" النقابة عبر قيد آلاف الاشخاص من غير ممتهنى المهنة في جداولها , وهو الأمر الذى تحقق بقرارات هلل لها البعض بوصفها تحمل إطلاق حق إصدار الصحف الحزبية والمستقلة بـ"شروط معينة", فانطلقت الشخصيات المحسوبة على الحزب الحاكم أو الأحزاب الكرتونية التى صنعتها أجهزة أمن الدولة أو المخابرات آنذاك بتمويل عناصرها لإنشاء تلك الصحف , وبالطبع يتم الترخيص لها دون عداها استغلالا لتلك "الشروط المعينة", ومن خلال هذه الصحف التى سريعا ما تتعثر وتغلق أبوابها بعد أن تكون قد أدت مهمتها وقد تم قيد آلاف الصحفيين بنقابة الصحفيين, وما بقي من هذه الصحف ثبت للعيان أنها مجرد نشرة للحزب الحاكم ورجال أعماله أو نظائره الديكورية.
وفي ظنى أن هدف النظام الحاكم من الزج بعدد ضخم من الصحفيين الموالين له أو على الأقل من قليلى الثقافة والوعى هو إحداث توازن أمام المجتمع ليبدو للعيان أنه إذا كان هناك صحفيون يهاجمون التوريث فهناك صحفيون أيضا يدعمونه , فيما قام جهاز المخابرات على الأرجح باختراق تيار رفض التوريث من الصحفيين بتقديم وجوه جديده تبدو غير محسوبة على نظام مبارك استعدادا للحظة الثورة عليه.
وبنظرة تقريبية سريعة على أعداد المقيدين في جدول القيد بنقابة الصحفيين نكتشف أن عدد أعضاء تلك النقابة طيلة 68 عاما كان منذ إنشائها في عام 1941 حتى 2008 قرابة 5000 عضو مشتغل وتحت التمرين , فقفز هذا العدد في عام 2011 ليصل إلى 8 آلاف عضو ويواصل الآن قفزاته ليصل إلى 12 ألف عضو بما يتخطى الضعف في سبعة سنوات فقط.
وقد تسببت تلك السياسة فى إفساد دور النقابة وتحويلها إلى ملجأ للهاربين من طابور البطالة الذى يغتال الشباب المصرى , ونحن هنا لسنا ضد توسيع باب العضوية ولكن المشكلة أن كثيرا من الصحفيين يفتقدون الصفات الواجب توافرها فى الصحفى من خبرة وثقافة ووعى وموقف. 
ولك أن تتصور أن العديدين من هؤلاء لا يجيدون القراءة والكتابة كما أن هناك صحفاً مستقلة تقوم بتعيين رجال الإعلانات والإداريين والعاطلين مقابل مبالغ مادية تحصل عليها إدارتها نظير إلحاقهم بنقابة الصحفيين وممارسة عمليات النصب والابتزاز مما يدر عليهم أرباحاً مهولة تجعلهم يعوضون ما دفعوه فى أشهر معدودات ويبقى لهم بعد ذلك بدل التكنولوجيا وخدمات النقابة التى باتت جراء هذه الممارسات هزيلة جدا.
فى حين تقوم صحف أخرى – وهى فى الواقع معظم الصحف المستقلة والقليل من صحف الأحزاب الوهمية – بإجبار منتسبيها على تحرير استقالات مبكرة قبل قيامها بتثبيتهم والتأمين عليهم وتسخيرهم للعمل لديها بدون أجر لمدد طويلة نظير إعطائهم فرصة الالتحاق بالنقابة وبعد ذلك تتركهم ليزيدوا من معاناة النقابة المريضة أصلاً .
ولن أكون مبالغا إذا قلت إن المعايير التى يتم تعيين الصحفيين على أساسها فى معظم الصحف لن تخرج عن ثلاثة, فإما أن يكون هذا الصحفى يحمل توصية من رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المعلنة فى هذه الصحيفة , أو أن يكون حاملا توصية من جهة أمنية ,أو أن يكون قريبا لرئيس التحرير ليحظى باستحسانه, وقد يحدث فى أحيان نادرة أن يتم تعيين الصحفى على أساس الكفاءة والمثابرة.
المشكلة أن الصحفيين الذين تم تعيينهم على أى من الأسس الثلاثة السابقة عادة ما تكون خبراتهم فى غاية الضحالة وهو السبب ذاته - يا للعجب- الذى قد يؤهلهم لاعتلاء أرفع المناصب فى هذه الصحف.
فيما تتعمد بعض الصحف الحزبية والخاصة إجبار الصحفي على توقيع استمارة استقالة كشرط لتعيينه وإلحاقه بنقابة الصحفيين وليس ذلك فحسب بل إن بعض هذه الصحف تقوم بجانب ذلك بإلزام الصحفى بالتوقيع على إقرار يفيد بأنه مسئول مسئولية كاملة عن كافة أثاثات المؤسسة مع تحريره إيصال أمانة على بياض وذلك فى محاولة لإجباره على التزام الصمت بعد تعيينه وعدم اللجوء للشكوى!!
ومهنيا , فكثير من الصحفيين لا سيما المتدربين يقومون بتسليم الموضوعات الصحفية إلى إداراتهم ويفاجئون بأن ما نشر كان مغايرا تماما لما كتبوه , كما أن آخرين يقصرون الطريق فيبذلون جهدهم في تكييف كتاباتهم لما يتوافق مع سياسة تحرير صحفهم خصما من حساب الحقيقة , ناهيك عن أخطاء في الديسك والإملاء واللغة وأخطاء تنم عن عدم الوعى والجهل , وبالطبع كل ذلك يذوب في مغسلة"الديسك".
أنا هنا استرسلت في ذكر مثالب الصحافة والصحفيين ولكن هناك أيضا شرفاء كثيرين , ولكنهم كعادة كل جميل في بلداننا , لا نراهم لأنهم غيبوا عمدا مع سبق الأصرار والترصد ضمن تدخلات السياسة.