الاثنين، 2 يناير 2017

سيد أمين يكتب :لهذه الأسباب.. المؤامرة أكبر من تيران وصنافير

نقلا عن هافنجتون بوست عربي و رصد

تلقي تيران وصنافير بظلالها القاتمة ليس على العلاقات بين الشعبين الشقيقين المصري والسعودي فحسب، ولكن تضع علامات استفهام كبيرة حول علاقة ذلك بإسرائيل، وتحذر من مخاطر كبيرة تحدق بقناة السويس.
وبتجرد وموضوعية يجب علينا أن نقيم الموقف طبقاً لحسابات المكسب والخسارة في تلك العملية، وهي التي تبدو من اللحظة الأولى أنها تصب لصالح إسرائيل، وأنها تأتي في إطار عملية تقسيم جديدة في الوطن العربي على غرار ما جرى له فيما يعرف باتفاقية سايكس - بيكو مطلع القرن الماضي.

المكاسب الإسرائيلية

وفيما يبدو أن إسرائيل وضعت "قناة السويس" المصرية نصب عينيها، وراحت تخطط بكل السبل لإجهاض هذا المنفذ العالمي ومنافسته عبر مشروعَين عملاقين للنقل البحري والبري، منتهزة في ذلك فرصة وجود حاكم عسكري يدين بالولاء لها، ومواقفه الدولية تشهد بذلك.
ولا يمكن أن يتحقق نجاح أي من هذين المشروعين دون التخلص من النفوذ المصري المتمثل في سيطرتها على جزيرتَي تيران وصنافير في مطلع خليج العقبة، وهو النفوذ الذي يجعل كل السفن المارة من دول الداخل، مثل إسرائيل والأردن والسعودية "وإن كانت الأخيرة ليست بحاجة ماسة لذلك؛ نظراً لاتساع سواحلها"، تحت رحمة القرار المصري في العبور إلى البحر الأحمر.
وبالتالي فإن تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة السعودية سيعطي الحق لسفن تل أبيب القادمة من ميناء إيلات في العبور بسلام في مضيق تيران وصنافير المعروف باسم ممر "إنتر برايز" بوصفها مياهاً "دولية" وخاضعة للاتفاقات الدولية، ولا تكون بحاجة آنذاك لموافقة السلطات السعودية ولا السلطات المصرية على العبور.

تدمير مشروع "مرسي"

ومنذ عدة سنوات تدرس الحكومة الإسرائيلية إقامة ما يعرف باسم "خط حديد إيلات - أشدود" وهو الخط البري الرابط بين الميناءين الإسرائيليين على البحر الأحمر والمتوسط.
ويعرف الخط أيضاً باسم "ريد - ميد" وهو مشروع خط سكة حديد بطول 300 كيلومتر يربط بين أشدود على البحر الأبيض وإيلات على البحر الأحمر بتكلفة ملياري دولار، ودعم صيني في رحلة لا تتجاوز الساعتين، وتجري إسرائيل عمليات إنشاء الخط فعلياً، وينتظر الانتهاء منه منتصف العام الجاري.
ويتم خلاله نقل البضائع برياً لتوصيلها على الجانب الآخر كما ستقوم إسرائيل بعمل خدمات "لوجستية" على البضائع الواردة لها من الاتجاهين أثناء تفريغها، مثل تحويل المواد النصف مصنعة إلى مصنعة كلياً، وتحويل المواد الخام إلى مواد مصنعة، أو نصف مصنعة، وهو المشروع اللوجيستي الذي كان يعتزم الرئيس الدكتور محمد مرسي إنشاءه في قناة السويس قبل الانقلاب عليه، ولكنه كان بذلك سيدمر خدمات مركز "جبل علي" للدعم اللوجيستي في الإمارات، ما دفعها لتمويل الانقلاب عليه.
ويمتاز خط سكك الحديد الذي تزمع تل أبيب إنشاءه بتمويل صيني بأنه يمكن من نقل بضائع ذات أوصاف لا يمكن لقناة السويس أن تحملها من ناحية الأطوال والأحجام والأوزان.
أما المشروع الثاني فهو ما يعرف باسم "قناة البحار" أو "تعالات هاياميم"، أي "التخطيط والاستراتيجية بالعبرية"، يشير إلى القناة التي تربط البحر الميت بالبحر الأحمر، بعد رفع منسوب المياه في البحر الميت؛ حيث تقوم إسرائيل بربط البحر الميت بالبحر المتوسط، وبالتالي تتحقق الخطة التي حلم بها، وسجلها تيودور هرتزل، الأب الروحي للصهيونية، في قناة تنافس قناة السويس.
وفي مايو/أيار الماضي، قال موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية إن وزارة التعاون الإقليمي به قامت في إطار مؤتمر دولي عقد في العقبة، بعرض الجدول الزمني لمشروع "قناة البحار" والمرحلة الثانية المخطط لها قبيل البدء بتنفيذها.
وشاركت في المؤتمر الدول الشريكة في المشروع، وكذلك مندوبون عن حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي الذي أقرض مؤخراً نظام السيسي 12 مليار دولار من أجل مساعدته لتلافي الآثار الاقتصادية السيئة التي يعيشها المصريون، وتجنب ردات الفعل الشعبية ولو مؤقتاً لحين تثبيت وضع تنازل مصر عن الجزيرتَين، وبالتالي نجاح هذا المشروع.
يذكر أن التوقيع على مذكرة التفاهمات كان قد تم في واشنطن خلال 2013، وستقوم الحكومة الأميركية بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتمويل المشروع، وذلك تعبيراً عن الأهمية الكبرى التي توليها له.
هذا وقد تم مؤخراً نشر مناقصة للتصنيف الأولي بشأن التنفيذ، وقد قامت 94 شركة من الشركات الرائدة في العالم باقتناء مستندات المناقصة.

المكاسب السعودية

في الواقع فإن المملكة السعودية التي تتمتع بسواحل عملاقة على البحر الأحمر والخليج العربي ليست في حاجة لملكية الجزيرتين من الأساس، لكن فيما يبدو أنها تتعرض لضغوط قوية للإصرار على ملكية الجزيرتين ولا هدف من ذلك سوى تخفيف الضغط الأميركي والغربي عليها، خاصة بعد فشلها في مستنقع اليمن وعدم تمكنها من تحقيق انتصار يحفظ ماء الوجه أو حتى يضمن بقاء الحلفاء الغربيين معها.
واشتدت الحاجة لتقديم السعودية هدية ثمينة لإسرائيل والغرب عامة إلحاحاً بعد صدور قانون "جاستا" في أميركا الذي يفرض عقوبات مالية باهظة على الدول التي اتُّهم مواطنون ينتمون إليها بالمشاركة في تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، خاصة أن الاستثمارات المالية في السعودية تصل إلى ما يزيد على 150 مليار دولار، وأنه قد تتم مصادرتها بتلك العقوبات.
كما يأتي ذلك كله وسط مخاوف سعودية من أن تنحاز الولايات المتحدة للطرف الإيراني في صراع النفوذ على دول الخليج العربي التي يحتفظ عدد كبير منها بنسب كبيرة من السكان الشيعة الذين يعتقد البعض أنهم يميلون بشكل أو بآخر للولي الفقيه في طهران.
ويزداد الخوف حينما وقَّعت إيران الاتفاق النووي مع أميركا غير عابئة بمخاوف دول الخليج، ومن قبل بالصمت الأميركي على مدد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا وأخيراً اليمن.
لكل ذلك انغمست السعودية في الإصرار على ملكيتها لتيران وصنافير؛ لأن ذلك وحده كفيل برفع كل تلك الضغوط من على كاهلها، وبخسائر مادية شبه ضحلة تتمثل في عشرات المليارات من الدولارات التي قدمتها بالفعل لنظام السيسي، وكادت تضيع سُدى.

المؤامرة أكبر من الجزيرتين

المواقع الإخبارية الإسرائيلية لا تخفي أبداً علاقة إسرائيل بأغلب دول الخليج، لا سيما السعودية سراً، وتؤكد أن هناك تبادلاً استخبارياً تاماً وغير مسبوق بين المخابرات السعودية والإسرائيلية هذه الأيام، ووجود عدة موضوعات مشتركة مثل التهديد من إيران، والحركات التابعة لها مثل حزب الله والحوثيين، وتعد الاتصالات الأولية المعلنة بين بندر بن سلطان ومئير داجان، ورئيس الموساد السابق تامير باردو، تأكيداً لمدى قوة العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وعلى الرغم من أن أبوظبي لطالما ارتبطت مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عبر القيادي المفصول من فتح محمد دحلان، الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي، فإن ولي العهد محمد بن زايد يسعى الآن لتصبح العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب أكثر رسمية.
ووفقاً للتقرير، فإن العلاقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية على ما يبدو تجري أيضاً فيما يخص الحرب الإلكترونية.
وتم توقيع العديد من الاتفاقيات بين إسرائيل الأردن والسلطة الفلسطينية، وكذلك السعودية التي أرسلت نحو خمسين ضابطاً للتدريب في إسرائيل على إدارة مضيق تيران منذ أكثر من ثلاثة أعوام وقبل التنازل المصري عنهما رسمياً، وذلك بحضور أميركي ودعم بريطاني، وهو ما ذكره موقع البنتاغون الأميركي على الإنترنت بالتفاصيل المملة وبأسماء الضباط السعوديين المشاركين في التدريبات، وهو ما اعتبره وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم هدية لروح هرتزل؛ حيث سيقضي هذا المشروع على قناة السويس تماماً، وهي الفكرة التي اقترحها أميرال البحار البريطاني "ويليام آلان" في منتصف القرن الـ19 لمنافسة فرنسا، وضرب تنفيذها لمشروع قناة السويس.
لكن موقع "Veterans Today" العسكري الأميركي راح ينشر تفاصيل الفضيحة التي لم تقتصر فقط على تيران وصنافير بل امتدت إلى إدارة جزر قبالة قناة السويس نفسها.
الموقع كشف النقاب عن معلومات تفيد بإبرام مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري المشترك بين الكيان الإسرائيلي والسعودية في البحر الأحمر منذ عام 2014.
وقد استند الموقع المذكور إلى وثيقة كشف عنها أحد المسؤولين في حزب "ميرتس" الإسرائيلي، المحسوب على ما يسمى باليسار الصهيوني الإسرائيلي؛ حيث خلص الاتفاق، بحسب تقرير الموقع الأميركي، إلى أن السعودية و"إسرائيل" ستديران مضيق باب المندب وخليج عدن وقناة السويس، بالإضافة إلى الدول المطلة أيضاً على البحر الأحمر.
وأشار الموقع الأميركي، المختص بالشؤون العسكرية، إلى أن المعلومات المنشورة من هذا المصدر ذكرت أن "إسرائيل" استضافت عدداً من الضباط السعوديين للمشاركة في دورات تدريبية عسكرية في قاعدة البولونيوم من ميناء حيفا في عام 2015. وعلى ما يبدو، وبهدف إرباك صناع القرار في الرياض، كشف الموقع عن أسماء الضباط السعوديين المشاركين في الدورات، ونشر الأسماء والرتب باللغة العربية.
ولفت الموقع، نقلاً عن المصادر ذاتها، أن الدورات شملت العديد من المجالات، ولكنها بالأساس ركزت على تدريب الضباط السعوديين على الحرب في البحر، إضافة إلى دورات في القتال ضمن الوحدات الخاصة.
وقد اعترف مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، في برنامج له على التلفزيون المصري، بمثل تلك المعلومات، وأكد وجود قوات إسرائيلية في الجزيرتين الآن.

المكاسب المصرية

في الواقع لا توجد مكاسب مصرية على الإطلاق فيما جرى، فمصر التي لم تجنِ سوى الخسائر هي من فقدت ورقة ضغط سياسية واستراتيجية ومالية قوية كانت بيدها على إسرائيل، متمثلة في التحكم في المضايق، وهي أيضاً من ساهمت في إنجاح مشروعات إسرائيلية تقضي على أهم مصادر دخل النقد الأجنبي لها المتمثل في قناة السويس.
وإن كان ثمة مكاسب فهي تخص فقط إعطاء زخم دولي ومشروعية لنظام عبد الفتاح السيسي، فضلاً عن ربط وجوده بمصلحة الكيان الصهيوني.
وقد بدا ذلك جلياً من التصويت المصري لإسرائيل تارة في مجلس الأمن، وسحب مشروع يدين الاستيطان تارة أخرى، ودعاوى السيسي التي لا يكل ولا يمل منها بدعم الكيان الصهيوني وحماية حدوده وإقامة سلام دافئ معه، فضلاً عن وصم كل من يعاديه بالإرهاب، لا سيما التيارات الإسلامية، كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في مصر، وحركتي حماس والجهاد في غزة، والتيارات الجهادية في سيناء.

سيد أمين يكتب: الصراع القطبي الجديد .. وانعكاساته على مصر وسوريا



نقلا عن حرية بوست
المشهد الروسي الأمريكى يزداد توترا ويحتوى على المزيد من الألغاز والتعقيدات وبالقطع سيلقي بظلاله على منطقة الشرق الأوسط ، ويأتى ذلك بعد العُثور على المليونير ووزير الإعلام الروسي الأسبق ميخائيل ليسين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، ميتاً في فندق بالعاصمة الأميركية واشنطن، وهو الشخص الذي كانت المعارضة الروسية تتهمه بقمع وسائل الإعلام في روسيا، وشارك في تأسيس مجموعة الإعلام "روسيا توداي" الناطقة بالإنجليزية والمدعومة من الحكومة الروسية، وتقول المجموعة إنها ترغب في تقديم رؤية بديلة للأحداث العالمية الكبرى مع "وجهة نظر روسية".
القتيل كان محل شكوك أمريكىة سابقة حينما طالب السيناتور الجمهوري الأمريكى روجي ويكر، في يوليو 2014 بتحقيق اتحادي حوله لمعرفة ما إذا كان يبيض أموالاً في الولايات المتحدة أو ما إذا كان على صلة بأشخاص موضع عقوبات أميركية.
أهمية الحادث أنه جاء قبيل طرد الولايات المتحدة عدد من الدبلوماسيين الروس مؤخرا، فيما رد الرئيس الروسي فلاديميربوتين بأن روسيا لن ترد على هذه الواقعة إلا بعد معرفة رأى الرئيس الامريكى المنتخب دونالد ترامب من تلك الواقعة عقب توليه الحكم في نهاية يناير المقبل ، وهو الرد الذى وضع علامات استفهام كبيرة حول صحة التحقيقات التى تؤكد تورط روسيا في عمليات تزوير تقنية متقدمة لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية التى جرت اوائل نوفمبر الماضى.
ورغم من المجمع الانتخابي أكد فوز ترامب في تلك الانتخابات إلا أن ما اعلنته المخابرات الامريكية السبت من اجتماعها مع الرئيس ترامب يضع علامات استفهام كبري جديدة أهمها أنه لا يحق لرئيس لم يتولى رئاسته رسميا الاجتماع بالمخابرات الامريكية خاصة أن قيادات تلك الاجهزة قد يتم تبديلها مع كل رئيس جديد للبيت الأبيض وهو ما يرجح معه أن يكون الاجتماع للتحقيق مع ترامب وليس لترتيب أوضاع الجهاز كما يتصور وكما أعلن.
ومن اللافت للنظر ذلك الرضوخ السريع للقوات الروسية في سوريا وقبولها الجلوس مع المعارضة المسلحة للتفاوض ما يعنى اعترافا ضمنيا بها ، وهو ما يشير ضمن ما يشير إلى رغبة الروس في تسوية سريعة والخروج بأى مكسب سريع من الوضع السوري للتتفرغ موسكو لصراعات جديدة ترتقبها.
وفيما شبه تفجرا جديدا للحرب الباردة ، قاست موسكو خلال الأيام القليلة الماضية خسائر فادحة قد لا تبدو مبررة ، أو حتى منطقية ، أهمها سقوط الطائرة العسكرية وعلى متنها عدد كبير من كبار العسكريين الروس كانت في طريقها لحلب السورية، ثم مقتل السفير الروسي في اسطنبول بينما تشر التحريات التركية بحسب افادات صحفية عن وجودعلاقة حميمة بين القاتل وبين سيدة روسية كانت على علاقة بالمخابرات الأمريكية وهو ما أكده رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي ،وكذلك مقتل وكيل وزارة الخارجية الروسي في شقته بموسكو.
كما يأتى اعلان صحيفة "ديلي ستار" البريطانية عن أن الرئيس الروسي قتل في 2014 وتم استبداله بشبيه أخر ليضيف المزيد من الاستفهامات ، فضلا عن الاعلان عن تعرض السفير الروسي في تل أبيب إلى وعكة صحية وما تلاها من تسرب معلومات عن أنه تعرض للتسمم ، وهو الأمر الذى إن ربطنا بينه وبين تصريحات وزير خارجية امريكا عن خطورة المستوطنات الاسرائيلية ومن قبلها امتناع الولايات المتحدة عن الاعتراض على قرار ادانة بناء المستوطنات والاكتفاء بالامتناع عن التصويت فقط ، وما يحمله ذلك من تطور غير مسبوق بين العلاقات المعروفة تقليديا بالحميمية بين اسرائيل والولايات المتحدة ، لو ربطنا بين ذلك لوجدنا مؤشرا كافية عن احتمال اكتشاف الولايات المتحدة تدخلا روسيا عبر النفوذ الاسرائيلي في الانتخابات الامريكية.
بالطبع صراعات العمالقة تلقي بظلاها على كل العالم ، والذى من أهم الأماكن تأثرا به سيكون الشرق الأوسط ، ففيما يبدو أن الولايات المتحدة تسارع الزمن قبيل حلول العشرين من يناير حيث يتولى ترامب رسميا الرئاسة – إن كان هذا سيحدث هذا أصلا – من أجل قصقصة ريش روسيا التى خرجت من الحظيرة الأمريكية بشكل مفاجئ ، بعدما أدخلت إليها قسرا عقب الانهيار السوفياتى عام 1990 ، وراحت تعبث في البيت الأبيض نفسه.
ومن المتوقع أن تمتد قصصة الريش تلك إلى مصر لتتم ازاحة الحلفاء المارقين ، الذين صعدوا بعونالبيت الابيض وهرولوا إلى الكرملين، كما امتدت إلى سوريا مؤخرا.

السبت، 3 ديسمبر 2016

سيد أمين يكتب: هنا مصنع إنتاج "البهلوان"


آخر تحديث : السبت 03 ديسمبر 2016 11:12 مكة المكرمة

لا تندهش إن وجدت أتفه من حولك وأقلهم وعيا وخبرة هو ذاته من اعتمد عليه النظام من أجل خوض غمار معركة الوعى والتنوير، أو تجد اللص هو من يتولى مقاليد خزائن المال ومناجم وآبار الثروة، والفاسد قاضيا، والعنصري وزيرا للعدل، والجاهل عالما ، ولا تتعجب أن أطلقوا على الغباء حكمة والسذاجة حنكة والتهور إخلاص، فهذا هو نتاج حكم وكلاء الاستعمار في وطننا العربي لا سيما مصر ولا تتبرم إن رأيت أجهزة الدولة تقوم بعكس وظيفتها تماما، فالشرطة مثلا بدلا من أن تحفظ أمن الناس هى من تروعهم، والجيوش بدلا من أن تحافظ على وحدة البلاد، هى من تفرط فيها ، والقضاء بدلا من أن يحمى العدل بين الناس ، هو من يكون مثالا للفساد والظلم ، وجهاز الصحة هو من ينشر المرض ويخفض خصوبة الشعب ، والإعلام بدلا من أن ينقل الحقيقة تكون مهمته هو كيفية إخفائها.
الأمر جلى جدا ولا يحتاج لأن نشرحه فكل واع عربي أو مصري خاصة يري في محيطه وبيئته الضيقة أمثلة حية تشخص بكل براعة وإتقان هذا الحالة ، بدءا من أصغر الوظائف حتى أعلاها شأنا.
والعتب كل العتب أن يذهب أحدنا للاعتقاد بأن هذا الوضع المقلوب جاء نتيجة سوء إدارة ممن يدير زمام هذه البلاد، فالأمر تجاوز سوء الإدارة إلى ارتكاب أعمال التخريب عن عمد، بهدف تدميرهذا الوطن والحيلولة دون نهضته خدمة لمصالح دول أخري، فضلا عن التمكن من استمرارهم في نهب ثرواته.
ولا غرابة إن نصح أحدنا طالبا للعلم أو العمل نابغا في مجاله بأن يخفي تفوقه من أجل أن يتمكن من إيجاد وظيفة مريحة تكفيه شر التسكع وندب سوء الحظ ووفرة العلم!
واستمرارا لهذا النهج التخريبي، أنتج النظام المخرب في مصر ضمن ما أنتج أيضا مثقفين بالأجرة كل مهمتهم هو إيجاد المخرج الفلسفي لكل حماقة يرتكبها من يديرون البلاد مهما كان تنافرها مع المنطق والوطنية ، بدءا من "الكفتة" حتى التفريط في السيادة الوطنية.

مثقفون بالأمر

في الحقيقة أنه منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف "المثقف" بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن أى شيء معرفة اليقين،وكنا نكشف بسهولة هؤلاء "المسطحين" الذين يدعون معرفة كل شئ رغم أنهم لا يعرفون أى شئ أصلا، وذلك لأن الأقل وعيا آنذاك كان يدرك أنه كذلك، ويتقبل ذلك بروح راضية، ومع ذلك كان يمتلك القدرة على أن يميز لحد ما بين الكلام العلمى و"اللغو" احتكاما لمعيار"المنطق".

لكن في مصر الآن يحدث خلط مقصود للحابل بالنابل ، خلط فكري تم خلاله استغلال جهل قليل الوعى عبر تلقينه مفاهيم ومصطلحات تبدو كبيرة كتلك التى يستخدمها "المثقفون" ولكن بطرق خاطئة ، فأشبعوا بذلك حاجته الماسة في أن ينضوى تحت زمرة "المثقفين" ، ثم استخدامه كقنبلة تنفجر في وجه خصوم الدولة العسكرية والذين هم عادة من قوى "الاستنارة".
وصار بذلك عدد من أنصار النظام الحاكم "مثقفين" بالأمر العسكري ، لينضموا إلى طابور طويل ممن يطلق عليهم النخبة الرسمية ، المزورة المصنوعة على يد الحاكم وعينه ، قوامها من مثقفي المفردات الرنانة أو"التيك أواي"الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
صحيح أن كل منابرالاعلام لا تفتح ابوابها إلا من أجل تلك النخب الرسمية ، لتقود فيها عادة عزفا منفردا دون رادع أو منافس ،وتسقط في حبائلها الكثي من الضحايا ، إلا أنها مع ذلك لا تستطيع الحفاظ على تفردها حينما تواجه أى قدر من حديث "المنطق " والعلم والمعلومة" فتلجأ إلى حديث الغيبوبة والتخوين والصراخ.
والحقيقة المُرة أنه كما تفسد السمكة من رأسها ، فإن المجتمع فسد أيضا حينما فسد مثقفوه، فما كان للانقلاب العسكري أن "يستمر" لو وجد مثقفين حقيقيين يقفون ضده دون هوى أو زيغ نفس، وما كان للسيسي أن يمرر مذابحه لولا أنه وجد تواطئا أو خوفا منهم، فراح يشتريهم بذهب المعز أو يخرسهم بسيفه. 
ونعرف جميعا، أن وحدة المستعمر القديم لهذا الوطن، ووحدته الحديثة أيضا ، لم تصنعا "توحيدا" فيه أبدا إلا في توريث الورثة العسكريين الاستبداد، وطرق إدارة فنون الخداع والتخبئة، وتركيع الشعوب طوعا وكرها.

صناعة البهلوان

كل الأمور النخبوية تجري في مصر الآن لإنتاج هذا الكائن ، كما لو كنا نتسابق لتهيئة التربة الخصبة المواتية لصناعة بهلوان، بهلوان يصفق متى صفق الجنرال ، ويضحك متى ضحك ، ويندب متي ندب، بهلوان يناضل نضالا في سبيل معرفة الكذبة الأفضل التى تحوز دون رفاقه على القدر الأكبر من إعجاب الجنرال.
بهلوان لا يغضبه ما يغضب الناس ولا يسعده ما يسعدهم ، لكن مهمته الشاقة هى أن يجد الذريعة التى يمكنها تبرير كل نزق يقوم به الجنرال.
سحقا للبهلوان وكل بهلوان


السبت، 19 نوفمبر 2016

سيد أمين يكتب : ماذا بعد ثورة الغلابة؟


* نقلا عن هافنجتون بوست
قد لا يحدث شيء في مصر جراء ما سمّوها "ثورة الغلابة"، ولكن في المقابل لا أحد يستطيع أن يجزم بما قد يحدث في مصر خلالالأيام القادمة وبعدَ فشل ثورة الغلابة التي لم يحضرها أحد، فالأوضاع تتقلب انهياراً بشكل سريع لا يخفى على أحد، ولا داعي لمزيد من القول فيه.

لكن ثمة حقائق صارت محسومة على الأقل شعبياً في هذه الأجواء المشحونة بالترقب والأمل والشك والخوف، مفادها أن بقاء الحال هو المحال، وأن النهاية الطبيعية لهذا الطقس إما التغيير طوعاً أو البتر من الجذور، خصوصاً أنه ما عادت أسحار الرجل الإعلامية تجدي نفعاً أو تقنع أحداً من أتباعه مجدداً بضرورة أن يعاني الفقير منهم من أجل أن يبقى الوطن.


ربما كانت تلك الأسحار مجدية حينما أقنعت بعض ضعاف النفوس منهم في لحظات مُرة من تاريخ هذا النظام بأنه يجب أن يموت غيرهم لكي يحيا الوطن، لكن حينما طالت نار الظلم ملابسهم هم كفروا بهذا المفهوم عن الوطن دون تردد.

عموماً قد لا يتحرك الناس في ثورة الغلابة، ولكن ذلك لا يعني أنهم راضون عن أداء تلك السلطة، ولا يعني أيضاً أنهم لن يتحركوا ضدها مستقبلاً، هي فقط مسألة وقت في رأيي.


ثورة الغلابة.. لماذا كنا نحتاجها؟


بالتعرض لنماذج من النقاشات الدائرة في كل ربوع مصر حول الحاجة لحراك جماعي يفرمل تغوُّلَ النظام الحاكم في دهسه للفقراء وكبحه للحريات، وبالإجابة عن التساؤلات حول مبررات اتخاذ السلطة للإجراءات الاقتصادية العنيفة قبل "ثورة الغلابة"، وليس بعدها، وهو الإجراء المنطقي للحيلولة دون خلق ذرائع الحشد الشعبي لها، يتضح أن تلك الدعوة اتفق أغلب المصريين على تأييدها، ولكنهم أيضاً شككوا في قدرتها على النجاح، خاصة مع آلة القمع المتوحشة التي قد تجابهها، بحيث جعلتهم يحددون إمكانية نزولهم لها بناء على إجابة السؤال الأهم فيها وهو: مَن دعا إليها؟ وهو السؤال الذي بناء على إجابته سيعرفون مدى القمع الذي قد يلاقونه.

وهناك أربعة تفسيرات لثورة الغلابة، تفسيران منها يؤكدان أنها حركة أطلقتها قوى الأمن، وتفسير ثالث يقول إنها حراك ثوري بحت، أما الرابع فهو تفسير السلطة لها بـ"المؤامرة".


تصحيح مسار


التفسير الأقوى يقول إنها حركة أسستها قوى من داخل السلطة مناهضة لوجود عبد الفتاح السيسي في الحكم لأسباب كثيرة، إما لفشله، وإما لتزايد الغضب الشعبي عليه، ما ينذر بثورة عارمة تقتلع كل النظام العسكري وربما للأبد، وإما لأنها جعلته يتخذ كل القرارات الاقتصادية الصعبة التي كانت تود اتخاذها وخلقت بها أمراً واقعاً، ثم جابهت حالة الرفض لها بتغييره هو وليس تغييره وإسقاط قراراته معه التي ستجد السلطة الجديدة وقتها مبررات لاستمرارها، مع تقديم حزمة من الإغراءات الشعبية في مجال الإفراج عن المعتقلين، وإسقاط حزم القوانين الجائرة التي تكبل الحريات، وتسلب حقوق المعارضين.

ويساعد هذا الفرض وقائع كثيرة تؤكد أن الجيش هو من خطط للإطاحة بمبارك في ثورة يناير/كانون الثاني، وخطط أيضاً للإطاحة بمرسي في انقلاب يوليو/تموز، وبنفس الطريقة لا مانع أيضاً من أن يخطط للإطاحة بالسيسي في نوفمبر/تشرين الثاني، فضلاً عن كلام يتحدث فيه مصريون كثر -لم أعرف مدى صحته- بشأن علاقة اغتيال العميد الشهيد عادل رجائي، قائد الوحدة المدرعة بدهشور التي سيطرت على القاهرة في ثورة يناير وانقلاب يوليو من قبل، بهذا المخطط، واستغلال الإجراءات الاقتصادية كعوامل تحفيز للثورة، ثم ظهور البرادعي مجدداً بتغريداته حول مجزرتَي رابعة والنهضة، ودعوة المصريين للتوحد، وهو الظهور الذي يسبق التغييرات الكبيرة في السلطة في مصر، وهي التغريدات التي تبعها أيضاً تقرير البرلمان البريطاني الذي برأ الإخوان من الإرهاب، ما يعني ضمنياً تكذيباً لنظام السيسي الذي وصفهم بالإرهاب، وراح يعمل فيهم السيف بناء على ذلك، وكل ذلك يتوافق مع نفور سعودي خليجي واضح من عمليات دعم السيسي التي ظهرت أنها بلا جدوى، ولن تتمكن من إنقاذه من وحلته، فضلاً عن تفاصيل أخرى يصعب أن نناقشها في هذا المجال.

استعراض للقوة

أما السيناريو العسكري الثاني فهو أن نظام السيسي نفسه هو من أطلق تلك الدعوات، وقد سبقها اتخاذه القرارات الاقتصادية وكان الهدف من ذلك إرسال رسالة للداخل والخارج وحلفائه الغربيين بأنه يقبض على زمام البلاد جيداً ولا خوف من الثورة عليه، وعليهم دعم نظامه بالمساعدات اللازمة لإنجاحه بدلاً من الندم على تفريطهم السريع فيه، وأن فكرة انهياره لأسباب تعود للداخل بعيدة المنال.

كما أن البعض الذي يروج لهذا الطرح يقول أيضاً إنه قد يتخذها ذريعة للتخلص من معارضيه جملة وتفصيلاً، ويعمل فيهم السيف والرصاص، مع تبرير نزول الجيش للميادين مجدداً حتى مرور ذكرى ثورة يناير العام المقبل، ويكبح من خلال ذلك أي رفض لارتفاع الأسعار، ويضمن أيضاً استقرار سعر صرف الدولار، وتقبل الناس لذلك.


حراك ثوري


أما ثالث التفسيرات فهو أنها حراك ثوري بحت جاء احتجاجاً على السحق غير المسبوق للفقراء، والتردي غير المسبوق أيضاً في الحريات، والاستهانة البالغة بالحياة الإنسانية للمصريين، ورغم أن تلك المبررات وجدت أصلاً منذ أن وجد الانقلاب، فإن الجديد هنا هو انضمام طوابير هائلة جديدة من المسحوقين البسطاء الذين كانوا يمثلون كنزاً استراتيجياً للثورة المضادة إلى صفوف الثورة، ويجب هنا استغلالهم للسير في المسار الصحيح، بدلاً من المسار الخطأ، بما يخدمهم ويخدم معهم الوطن.

مؤامرة


ويبقى أيضاً التفسير الرابع المعتاد الذي تطلقه كل السلطات الاستبدادية في العالم تجاه دعوات معارضيها بأنهم قلة مأجورة متآمرة تستغل عمليات التحول الديمقراطي والبناء الاقتصادي التي تمر بها البلاد لإثارة الفتن والقلاقل من أجل إعاقة نجاحاتها، وتدعمها في ذلك قوى خارجية.

وتفوق النظام الحاكم في مصر على أقرانه الدوليين بالتأكيد بأنها تأتي في إطار مؤامرة يقودها مجلس إدارة العالم "الخفي" ضد مصر وضد قيادتها الحكيمة.

عموماً مثل هذه الأكليشيهات خفت بريقها، وفقدت داعميها من هزلية تكرارها، وبسبب الانفتاح الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي.

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

سيد أمين يكتب : الافرازات الضارة للديمقراطية


آخر تحديث : الجمعة 18 نوفمبر 2016   21:08 مكة المكرمة
فجر الزلزال المدوى الذى أفرزته الانتخابات الأمريكية ، ووصول مرشح صاحب توجهات عنصرية لا تتفق مع معاييرالديمقراطية إلى كرسي حكم العاصمة التى تقود الكون تقريبا، عبر وسائل ديمقراطية خالصة، تساؤلات مدوية في شرق العالم وغربه حول الإفرازات الضارة المحتملة للديمقراطية ونظام حكم الأغلبية.
وهذا النتاج ليس الأول من نوعه حيث يشهد التاريخ أن الزعيم القومى أدولف هتلر وحزبه النازى– اختصارا لكلمة حزب العمال الاشتراكى الوطنى- الذى تسببت قيادته لألمانيا في اندلاع ثانى الحروب العالمية ومقتل نحو مئة وخمسين مليون شخص حول العالم ، صعد للحكم بانتخابات ديمقراطية خالصة، بل وحاز فيها على نسبة 84.6% من الناخبين، لكن ذلك قد ساعده فيه الغبن القومى الذى وقع على الألمان جراء الوصاية التى فرضتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى.
كما أن اليميني الإيطالي المتطرف أندريا موسولينى زعيم الحزب الفاشي– حزب العمال والجنود – قد وصل للحكم تحت رعاية ديمقراطية واسعة ليشارك في كبريات المآسي الانسانية في ليبيا والحبشة ويكون قطبا من أقطاب الحرب العالمية الثانية.
ولكن قبل الحديث عن أخطاء الديمقراطية ينبغي بداية رثاء حالنا ، فبينما نحن في القرن الحادى والعشرين، نناضل في وطننا العربي للوصول لحالة ترسيخ تعريفها والإقناع بها، نجد أن الديمقراطية التى أسس لها نظام الحكم الأمريكى وحلفاؤه الغربيون منذ مئتى عام تقريبا أو يزيد، قد تجاوزت حالة الرسوخ في وجدان الناس لدرجة أنها لما تمكنت من افراز أسوأ منتجاتها احترموها، وعملوا أيضا على تهذيبها وتجنيب مخاطرها حتى وإن كانت شطحاتها لا تمسهم هم بالأذى، وأسقطوها بالديمقراطية وليس الانقلاب.

عيوب الديمقراطية
للديمقراطية أخطاء وعيوب لا شك، والتى من أخطرها مثلا أنه من الممكن خداع الجماهير وتضليلها تحت دعاوى زائفة وتحفيزها لاتخاذ مسارات مغايرة لتلك التى تؤمن بها أو ترغبها أو تلبي احتياجاتها فعلا، واستغلال جهلها أو حاجتها المادية أو اكراهها بالقوة أو بالحيل وبالحرب والإكراه النفسي للتصويت في صناديق الاقتراع في اتجاه معين.
ولذلك فان الديمقراطية تحتاج من ضمن أهم ما تحتاج درجة كاملة من الوعى والمعرفة والحرية ، وبدونهم ستكون كل تصرفات العمل الديمقراطى نوعا من أنواع التزوير، الذي يحرم المواطن من معرفة الحقيقة كاملة ثم يقدم له الاختيارات مشوهة ليختار من بينها.
كما أن للديمقراطية أيضا عيب أخر أكثر خطورة وهو ما يمكن أن نسميه بـ"عيوب المساواة المطلقة في الأمور المتخصصة"، فمثلا لو أجرينا استفتاءا حول اللجوء لاستخدامات الطاقة الذرية في مصر هنا يصبح من المضحك أن نساوى بين رأى الفلاح أو العامل أو الصحفي أو المدرس مع رأى عالم الفيزياء أو الكيمياء أو المهندس ، وحتى في الشأن العام بكل تنوعاته ، قد يكون من المخزى المساواة بين رأى من يملك وعيا  وبين من لا يملكه ونسوى بينهما في صندوق الانتخاب على ندرة "الواعين".
وأيضا من أبرز عيوب الديمقراطية ونظام حكم الأغلبية ما يمكن تسميتها بـ"ديكتاتورية الأغلبية " والتى تجعل الأغلبية تفرض ارادتها على الأقلية ، حتى إن قاربتها في أعدادها، وإن صحت وجهة نظر الأقلية ، وتجارب التاريخ في ذلك تشهد.

خيار لابد منه
تأول النظم المستبدة - وهى كثيرة في وطننا العربي المنكوب – مثل تلك الانتقادات وتنزعها نزعها من سياقها لتتخذها ذريعة فلسفية للانقضاض على الديمقراطية ولتسويغ استبدادها.
ومن العجب أنه في اطار الرسائل المتتالية التى تبعث بها تلك النظم إلى الغرب للتأكيد بأن شعبنا العربي يرفض الديمقراطية التى لن تأتى إلا بأعدائه ، وأنه يدافع عن الزعامات العسكرية ومقتنع بها ، استغلت السلطة العسكرية الحاكمة في مصر في خمسينيات القرن الماضى جهل الجماهير وراحت تحشدهم للنزول بالملايين للتعبير عن رفضهم للديمقراطية والهتاف ضدها بوصفها بدعة استعمارية جديدة ، يا للخجل.
كل مثل تلك الهرطقات في الواقع هى في سبيل اللغو المردود عليه بأن خطأ أفرزته حركة ديمقراطية هو خير من صواب أفرزه حكم مستبد، لأن الديمقراطية تصوب توجهاتها وتحمى مبادئها، المهم أن تتمسك الشعوب بها.
 الفلسفة الغربية ناقشت مثل تلك الاشكاليات قبلنا بمئات السنين، وبعد دمار شديد عاشته الحضارة الغربية كذلك الذى تعيشه أمتنا العربية الآن جراء الصراع بين الجديد والقديم، استقر في وجدان الناس أنه لا خلاص للبشرية سوى الاحتكام لإرادة الشعوب واحترام أفكار الناس جميعا وعقائدهم وحقهم في الحكم ، وما أن ترسخ هذا الوعى حتى قفزت أوربا من الظلام إلى النور.
جاء ذلك رغم أن الاستبداد في عصور الظلمات الغربية لم يكن تحت رعاية عسكرية فحسب كما هو حالنا، ولكن كانت سلطة الكنيسة الدينية الروحية أشد جلدا لظهور الناس من سياط الحاكم المستبد ونبلائه ونخبته، وهو ما يعنى بشكل جازم أن العبء الملقي على ظهور دعاة الديمقراطية في مصر والوطن العربي أقل بكثير من العبء الذى ألقي على كاهل المواطن الغربي في عصوره الوسطى، ما يعنى أيضا أن امكانات النجاح هنا أعلى وأكبر لكوننا نواجه فاشية واحدة لا فاشيتين.
أعتقد أنه رغم قساوة المشهد الدموى والفوضوى الذى تعيشه أمتنا العربية الأن، ورغم التعثر والإحباط، فإن المستقبل محسوم للديمقراطية بلا شك.

لقراء المقال على الجزيرة مباشر اضفط هنا

 

الأحد، 6 نوفمبر 2016

تساؤلات حول "غضبة" سامح عاشور

*نقلا عن مصر العربية
موقف محترم ذلك الذي تتخذه نقابة المحامين المصريين ونقيبها الأستاذ سامح عاشور بحق ضريبة الدمغة المضافة وتصدرها رفض المجتمع لهذا النوع من الجباية المقننة.
وفي الحقيقة هذا الموقف ليس مستغربًا بتاتًا على نقابة محامي مصر، فهي التي ناضلت دفاعًا عن سيادة القانون نضالاً شرسًا في أحلك فترات الظلام، ومنها مقاومة الاحتلال الإنجليزي والاستبداد العسكري ما بعد خمسينيات القرن الماضى.
ولعبت أدواراً بارزة في الحياة السياسية ، فكان معظم قيادات مصر من خريجي كلية الحقوق ومنتسبي تلك النقابة التي كان الانتساب إليها، وربما ما زال مدعاة للفخر والشرف، وهو ما يفسر الارتباط التاريخى بين تلك النقابة والعمل السياسي والحزبي، ولعل ذلك ما تسبب في نشوء صدام دائم بينها وبين السلطة أدى إلى قيام الأخيرة بحلها بأمر مباشر ثلاثة مرات، الأولى سنة ١٩٥٤ بسبب صدام بين المجلس وبين قادة حركة يوليو، والثانية سنة ١٩٧١ بسبب رفضها الاعتراف بما أسميت بـ"ثورة التصحيح"، والثالثة سنة ١٩٨١ بسبب رفضها توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
كما فرضت الحراسة القضائية عدة مرات عليها كان أبرزها في عام 1995 بعد نشوب أزمة بينها وبين والحكومة، على خلفية مقتل محامٍ داخل قسم شرطة، انتهي بالقبض على 3 محامين في النقابة
اندهاش مستحق
كل ذلك ليس غريبًا على نقابة المحامين قلعة الحريات الأول في مصر، ولكن المستغرب هو أن يتحول موقف نقيبها الأستاذ سامح عاشور هذا التحول الكبير من نظام الحكم القائم، خاصة أنه كان واحدًا من أهم رجالات هذا النظام، والتزم الصمت تجاه كل الانتهاكات المروعة والقضايا المصيرية التي ارتكبها هذا النظام.
الاستغراب مستحق أيضًا لأن القضية التي ثار لها الرجل لم تكن بذات الشأن من الفداحة والأهمية التي نالتها قضايا أخرى في المجتمع تستدعى الثورة اللانسانية المهدرة أو حق الإنسان الأساسي في الحياة، والتي أهدرته سلسلة المذابح الأكبر في كل تاريخ مصر والتي جرت في الأعوام الثلاثة الماضية مثل رابعة والنهضة ورمسيس1و2 والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها.
ولم تكن أيضًا قضية تمسّ تقييد حقوق وحريات المجتمع تستدعى معارك قانونية هو ونقابته أهل لها ولكنهم صمتوا عنها، والتي مثلتها قوانين تحضّ على العنصرية والإقصاء مثل قوانين "الارهاب"، والكيانات الإرهابية، وقوانين التظاهر، وتقييد الجمعيات الأهلية ، ومنظمات المجتمع المدني، والحق في التجمع، وتبادل المعرفة، والحق في الاحتجاج والإضراب.
ولم تكن أيضًا قضية كرامة وطنية، فقد التزم الصمت في قضايا التنازل عن جزيرة "تشيوس" المصرية وحقول غاز أخرى في البحر الأبيض لليونان، وما يتردد عن سيطرتها أيضا على المناطق المقدسة في سانت كاترين بسيناء، ولم تثره أيضًا قضية تيران وصنافير، ولا بيع ملايين الكيلومترات لدول أجنبية وعربية ، ولا أفواج المفتشين الأجانب على المطارات والموانئ ، ولا التنازل عن مياه النيل التي تمثل الشريان الحيوي لمصر.
ولم تأتِ في إطار قضية الصراع العربي الاسرائيلي الذى صمت حيالها النقيب "الناصري" بينما السلام الدافئ مع إسرائيل يتسارع ويترسخ ويأخذ مشروعية، ووفود المطبعين تمتد، وحصار الشعب الفلسطيني يشتد.
ولم تكن حتى قضية نقابية، ما كان لأحد أن يلومه أبدًا لو صال وجال فيها، فهي نقابة الحقوق والحريات وهو نقيب دعاة الحقوق والحريات المخول به وبها قبل الدفاع عن حقوق المجتمع كله أن تدافع بشراسة عن حقوق أعضائها أولا، وهو ما لم يحدث للأسف، فبحسب إحصائيات منظمات حقوقية يوجد نحو 250 محاميًا معتقلاً بعضهم ينتظر الاعدام، وهناك مئات المحامين هاربون خارج البلاد وداخلها خوفا من محاكمات غير عادلة، وهناك قوانينا تسن للتضييق على العمل الحقوقي والقانوني.
وهناك محامون تعرضوا للقتل تعذيبًا في أقسام الشرطة، نرجو أن تكون تبرئة قاتل أحدهم تزامنًا مع غضبة النقابة على قانون الدمغة المضافة جاءت من قبيل الصدفة وليس السخرية والتحدي، أو حتى المساعدة في صناعة صورة ذهنية عن صدقية هذا الصراع بين النقابة والنظام.
تفسيرات منطقية
"لفت الانتباه" و"تجزئة الغضب" و"الاعتماد على الغير" هي من "تقنيات" العمل السياسي والدعائي الذى تستخدمه السلطة للسيطرة على الصراع، وحرفه عن مساراته الطبيعية، لعلّ فهمها وفهم تقنيات الدعاية الأخرى يمكن يفسر لنا ما يجري في نقابة المحامين الآن.
حيث يتيح أسلوب "لفت الانتباه" للسلطة أن تحول اهتمام الجماهير إلى مسارات بديلة تشغلهم عن القضايا الأهم، وهو أسلوب صار مبتذلاً ومفهومًا للكثيرين من العامة نظرًا لفرط استخدامه، فيما يقوم أسلوب "تجزئة الغضب" بتفريغ شحنة الغضب الجماهيري على مراحل ما يفقده قوته الكاسحة، ويأتي أسلوب "الاعتماد على الغير" من أخطر تلك الأساليب حيث يهدف إلى استثمار مناخ الخوف السائد في المجتمع والذى تمت صناعته بجدارة، إلى دفع الجماهير إلى التكاسل والاتكالية والاعتماد على حراك يقوم به غيرهم في إبراز غضبهم، دون أن يدركوا أن النوايا الحقيقية لبعض ممن يقومون بهذا الحراك "المستأنث" هي دفعهم للاعتراف بالهزيمة والتعايش مع الأمر الواقع.
في إطار نظرية المؤامرة، وهى في الحقيقة نظرية محترمة، قد يكون ذلك تفسيرًا لما يجري في نقابة المحامين، وقد يكون أيضًا تعبيرًا عن صراع بين الأجهزة، وقد يكون ذلك قفزًا من سفينة السيسي الغارقة.
كل ذلك محتملاً في تفسير تلك "الغضبة" إلا تفسيرًا واحدًا أنا شخصيا أستبعده، وهي أن تكون انتفاضة ضد ضريبة الدمغة المضافة.

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

سيد أمين يكتب:على هوامش المؤامرة

آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2016   14:28 مكة المكرمة
حتى لو سلمنا جدلا بأنه لا توجد مؤامرة ، وأننا مفرطون في تبرير الفشل بإلقائه على شماعات الأخرين ، وأننا فاشلون وكسالى، وأنه تنطبق علينا كل النظريات العنصرية الغربية حول الشعوب الغبية ، لكن من يفسر لنا السبب وراء فشل ثورتنا المصرية في موجتها الأولى وبالضرورة فشل كل ثوراتنا العربية؟
لماذا غلت أيادى العون أمامها، بينما فتحت للثورة المضادة مغارة كنوز "على بابا" لتنهل منها ؟ لماذا حاسب الغرب اختياراتها الحرة على كل شاردة وواردة ، بينما صمت بل بارك كل مجازر الثورات المضادة؟ التساؤلات حول كيف هم أصبحوا ، وكيف نحن أمسينا لا تنتهى، ولا إجابة وجيهة لها ، إلا أنها ..المؤامرة.

ملامح المؤامرة
تلك "المؤامرة" التى جعلتهم يجتاحون بلادنا حملات وراء حملات ، وأسرابا وراء أسراب ، دون كلل أو ملل ، منذ فجر التاريخ ، تارة بإسم الصليب وتارة بذريعة "الحماية " وأخري بـ"المستشرقين" ، واخيرا بالعولمة والتدفق الإعلامى والمعلوماتى ذي الاتجاه الواحد.
"المؤامرة" التى اعترف بها قديما المستشرق الفرنسي المتطرف "أرنست رونان" في خطابه الافتتاحي عام 1862 في "الكوليج دي فرانس" حول نصيب الشعوب السامية في تاريخ الحضارة حين اعترف بأن "الشرط الاساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الانتشار هو تدمير كل ما له علاقة بالسامية الحقة ، تدمير سلطة الإسلام الثيوقراطية لأن الإسلام لا يستطيع البقاء إلا كدين رسمي وعندما يختزل إلي وضع دين حر وفردي فإنه سينقرض ، وأن هذه الحرب الدائمة لن تتوقف إلا عندما يموت آخر أولاد إسماعيل جوعا أو ينبذه الإرهاب في الصحراء مكانا قصيا".
وهاهو السيسي يلبي النداء ويحاول تدمير تلك السلطة عبر ما أسماها "الثورة الدينية"، وهاهو من قبله نابليون بونابرت يوصي جنوده ويعلمهم أصول الجغرافيا السياسية أو"الجيوبولوتيكا" ويقول "من يريد أن يسيطر علي الشرق يبدأ بالقاهرة فهي بمثابة القلب في الجسد" وها هو أيضا أدولف هتلر يرسم خريطة العالم ويقول أن فيها مثلثا رأسه في برلين وضلع من قاعدته في القاهرة ومن يسيطر عليها سيطر على العالم ، فهل هناك من يعتقد أن الغرب صاحب سطوة القوة والعلم والنفوذ سيترك هذا الكنز سداحا مداحا؟
إنها هى ذات التصريحات التى يطلقها المرشح المتطرف الرئاسي الأمريكى "ترامب" ومن قبله بوش الأب والابن والتى تعبر عن سياساتهم الفعلية تجاهنا.
وهى ذات "المؤامرة" التى جعلتهم يختارون "فلسطين" و"قدس أقداسنا" مكانا ليزرعوا فيه الكيان البغيض من بين عدة أماكن رحيبفة ي العالم، وجعلتهم من قبل يشطرون أوطاننا ويدقون فيها الأسافين في"سايكس بيكو" فأنشطرت معها ولاءاتنا وتقزمت من حالة القومية العظيمة إلى حالة الشعوبية البغيضة.

الحكم العسكري
من ملامح "المؤامرة" أيضا أن التطور الحداثي والحقوقي والديمقراطى الكبير الذى شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن لنا فيه نصيب إلا في القشور.
فحداثيا، تطورت مدننا ولكننا أبدا لم نُصنِّع ولم ننتج ولم نبنى شيئا بأيدينا ، فقط العالم حولنا هو من أنتج وصنع وشيد لنا بأموالنا ، أما حقوقيا فنحن من أعلى بلدان العالم انتهاكا لحقوق الانسان ، الاحصاءات لا تكذب ولا داعى لذكرها لكونها صارت من نوافل المعلومات ، وأوضحها أن عشرات الألاف من خيرة أبناء مصر ، من حملة الطب والهندسة وغيرها من كليات القمة ، فضلا عن حملة الماجستير والدكتوراة، يزج بهم في مقابر السجون لينكل بهم الفاشلون من أصحاب المحسوبية لدى النظام العسكري، ومثلهم طلقاء يتظاهرون كل يوم من أجل البحث عن فرصة عمل.
وديمقراطيا ، نحن نضع نصوص الدساتير ونخوض المعارك الجدلية الفكرية بشأنها ، وتبدى نخبنا المدجنة فروسية منقطعة النظير في طعن بعضها البعض ، ثم بعد ذلك يلقي العسكر بكل هذا الهراء سلة المهملات ويقرون الدستور الذى يرونه ، وسط صمت بل ومباركة هؤلاء المتجادلين المتشاحنين ، والأغرب أننا نجد أن العسكر لا يحترمون حتى تلك الدساتير التى وضعوها متى تعارضت مع نزعتهم السطوية.
الحقيقة أن الأمور الأن تكشفت ، وصار الكثير منا يعلم أنه قد رحل المستعمر بالفعل ولكن لم يرحل معه استعماره ، وأنه كما تطورت كل مناحى الحياة في نصف القرن الأخير من الزمان ، تطورت أيضا أساليب الاستعمار، وما كان للاستعمار أن يترك أبقاره الحلوب إلا بعدما ولى عليها الراعى الأمين الذى يجلب إليه السمن والحليب في منزله.

نظرية المؤامرة
وكذلك لا يمكن أن نتحدث عن "المؤامرة" دون الإشارة إلى واقعة تاريخية شهيرة ، ونظرية فلسفية أيضا شهيرة ترسخ لتلك"المؤامرة".
أما الواقعة فهى بخصوص ذلك المسئول السوفيتى الرفيع الذى اعترف تحت ملابسات مجهولة بأنه عمل جاسوسا للأمريكان على بلاده وكانت مهمته الوحيدة هى اختيار الأسوأ لتولى أعلى المناصب التنفيذية والإدارية في الدولة ، فيختار هذا الأسوأ بالقطع الفاسدين ليترأسهم وهم يفعل مثله وهكذا دواليك فتنهار المؤسسات تحت ضغط الفساد.
أما النظرية الفلسفية فقد قال الإيطالي نيقولا مكيافيللي ناصحا أميره بأنه إن أراد السيطرة على الإمارة المجاورة فأمامه ثلاث طرق، الأولى أن يغزوها على رأس جيش جرار وهنا يجب عليه الحذر من أن ينقلب عليه نبلاء إمارته القديمة بعد رحيله ، والثانية أن يرسل قائد جيوشه بدلا منه وعليه هنا أن يحذر من أن يطمع فيها لنفسه ، والثالثة هى أن يترك جزءا من جيشه يحمى الإمارة القديمة ، ويستقل الجيش مع قائد الجند ليغزو تلك الإمارة الجديدة ، ولما يتمكن منها عليه أن يستذل كرامها من الأغلبية ،ويعين عليهم حاكما من أقليتها فيصبح هذا الحاكم طوع اشارته ويحتمى به من شعبه.
والسؤال :هل هذا ما جري؟

لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا