الجمعة، 29 ديسمبر 2017

مقالات سيد أمين في الجزيرة نت 2017


السيسي بين القدرة والطالع
سيد أمين
الأربعاء 25 يناير 2017 17:55
في القرن الـ 15 طرح الفيلسوف الإيطالي نيقولا مكيافيللي سؤالا ما زال بعيدا عن الإجابة الحاسمة حول: هل "القدرة "هى من تتحكم في تنصيب أى حاكم وتعطي حكمه قوة أم "الطالع"؟
وفي إطار إجابته على السؤال طرح مكيافيللي وقائع من التاريخ الغربي تدلل على صحة كلا الموقفين، القدرة قد تصنع حاكما، وكذلك حسن الطالع، فأحيانا يكسر عزم الشباب واستبسالهم قبح الطالع، وأحياناً أخري يكون حسن الطالع بمثابة حصان طروادة فيحقق لصاحبه انتصارات مجانية بدون أن يكون له فيها حول ولا قوة.
لكن مكيافيللي عاد ليضع معيارا مهما للتقليل من الحيرة مفاده بأن "الحاكم السعيد هو من كانت وسائله واجراءاته توافق طبيعة العصر".
ونحن هنا بدورنا نطرح ذات السؤال ولكن بصيغة أخري : إلى أي مدى ساهمت عوامل "الطالع" سوءا أو حسنا السيسي؟ وهل هى من تمكنت من أن تثبيت عرشه أم "القدرة"؟
قبل الحديث يجب الإشارة إلى أنه لا توجد فئة من الناس أكثر سعيا إلى الغيبيات من رجال الحكم والعمل العام لا سيما السياسة، سواء أكان ذلك في مصر أو في أى مكان في العالم وبمختلف الثقافات والأديان والأجناس، وذلك لأنه أينما وجد المجهول وجد معه أيضا الفضول لاكتشافه، وأينما وجد الخوف وجدت معه حيل البحث عن الطمأنينة.
والاهتمام بالغيبيات وجد حتى في دولة الخلافة الإسلامية الأولى حينما قصد المنجمون المعتصم ليحذرونه من فتح عمورية ، إلا أن عزم الشباب الذى تحدث عنه مكيافيللي هو من جعلهم يهزمون توقعات النجوم ويفتحون عمورية لينشد بعدها الشاعر "أبو تمام" قصيدته الرائعة التى حملت نفس الاسم.
ولمعرفة مدى إايمان السيسي بالطالع سنقف أمام بعض المؤشرات والتي من أهمها أنه في التسريب الصوتي الشهير الذى أذاعته شبكة "رصد" نسمع صوته يتحدث عن "رؤياه" وهى عمل "غيبي" حول لقائه بالسادات ، وكيف قال له إنه سيصبح حاكما ، فرد عليه بأنه يعرف ذلك جيدا ، ويعرف أنه يجمع بينهما نهاية متشابهة لخصتها الساعة "الأوميغا" التي منحها له السادات - والتي تعنى باللاتينية النهاية.
وعمليا فإن اهتمام السيسي البالغ بالصوفية - وهى حركة وجدانية غيبوية – واضحا بشدة حيث حرص على أن يستهل حكمه بلقائهم مرتين في العام الأول للانقلاب ، وقرب منه رجالهم في الأزهر وفي الحياة العامة ، وهم فقط من بين التيارات الدينية التى ما زالت تدعمه.
كما التقي السيسي أيضا عدة مرات بزعماء طائفة "البَهَرة" وطوائف دينية أخري لها ذات الطابع الغيبوى، كما فعل ذلك مرارا مع حاخامات يهود والذين هب كبيرهم ليحذره علنا من خيانة حراسه له ، داعيا له بالنصر والثبات ،فيما هب أخر ويدعى "عوفاديا" ليحذره من الخيانات في قصره ، ويقول أنه باركه كما بارك من قبله مبارك فبقي في الحكم ثلاثين عاما، وهنا لا ننسي ما تردد عن قرب موطن مسقط رأس السيسي في منطقة الجمالية وسط القاهرة قرب مقام الإمام "الحسين"، وأيضا "حارة اليهود".
ثمة أيضاً دليل لفظي يمكن التدليل به، وهو أن السيسي دأب على استخدام عبارة "أهل الشر" دون أن يسمهم ، وهى عادة من يخشي الحسد وهى بالقطع لفظة لها دلالات غيبية.

لذلك فان كل ما تقدم يؤكد أن الرجل مؤمن بكل منتجات "الميتافيزيقا" أو "علم ما وراء الطبيعة" ايماناً راسخاً.
من العجب أنه يمكننا الجزم بأن كل عوامل حسن الطالع عند السيسي هي ذاتها عوامل سوئه ، وكل دلالات القوة عنده هى ذاتها دلالات قوية للفشل أيضا ، فقد جاء حسن طالعه من أمر واحد هو انتمائه للمؤسسة العسكرية، وهى التي منحته القدرة أيضا ، فدانت كل أجهزة الدولة له بالخضوع التام بشكل ربما لم يحدث في أى وقت سابق من الحكم العسكري لمصر.
ومغزى ذلك الالتفاف قد يعود لاستشعار بعض قياداتها خطورة المطالبات المناهضة لحكم العسكر والتي آثرتها وميزتها ثورة يناير بشكل أيضا غير مسبوق ، وكان يلزم ذلك الالتفاف السلطوي وجود قاعدة شعبية تكون حجة على وجوده ويبرر بها كل مظالمه ، فلما أٌطلقَ نفير الحشد هرع إليه كل طامع مشتاق، وكل صاحب مصلحة، أو نفوذ ،أو انتهازى، أو مرتعش ، فكان ذلك أول برهان على سوء دعوته.
كما أن منبع قدرته تلك والتي حولته إلى صاحب "سطوة" هائلة مدمرة يخشاها الجميع، يرتكب عبر استخدام اسمها الكثير من الفظائع والمظالم ، ويلجم بها أعلى الألسنة صوتا وأكثرها عصيانا على الإخراس، ويرغم الناس على تقبل عشرات الأضعاف، بل مئات الأضعاف مما كانوا يتذمرون عليه سابقا ويعتبرونه عذرا كافيا للإطاحة برئيس منتخب وحبس أو تشريد أو قتل أى محتج ممن انتخبوه ، هى نفسها التي صارت وبالاً عليه.
فقد صار إرضاء قياداتها أمراً ثقيلا جداً عليه في بلد يوشك علي الإفلاس، والثورة تختمر بشكل حقيقي في وجدان أناس لم يعرفوا من قبل لها سبيلا ، إضافة إلى أنه بدلا من التفكير في إنقاذ البلاد من السقوط القادم لامحالة ، كرس كل جهده لإرضائهم ظنا منه أنه يشتري به ولائهم، دون أن يدري ما تضمره نفوسهم له، خاصة أنهم هم من جاءوا به ولم يأت هو بهم، وأن الغضب الشعبي عليه صار يمثل تهديدا مصيريا لهم.
ورغم القدرة التى لم تقتصر فقط على انتمائه للمؤسسة العسكرية، بل أيضا بسبب الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي الكوكبي العظيم له ، فشل فشلاً ذريعا ، ما يعنى أن ما يرافقه من سوء طالع ، أو باللهجة الدارجة المصرية "النحس" كان أيضا عظيما.
هذا "النحس" لم يقتصر عليه فقط ، بل طال كل النظام العسكري الحاكم المستقر منذ أكثر من نصف قرن، حيث تَكَشَفَ للجميع حتى أقرب مؤيديه سوءاته ، بل أن النحس طال ثوابت كانت مستقرة في أذهان الناس نتيجة جهد دعائي جبار سابق حول انقلاب 1952.
يمكننا في نقاط سريعة رصد أهم مظاهر حسن طالع السيسي: الانتماء للقوات المسلحة ، تولى حليفه ترمب المعروف بكراهيته للإسلام زمام حكم سيدة العالم ، ظهور موارد غاز ومعادن جديدة ، ظهور داعش وتنامى ظاهرة الإسلامفوبيا عالميا ، تنامى الصراع السنى الشيعي، والسعودي الإيراني، التحكم في الاعلام.
أما أبرز عوامل نحس السيسي فتتمثل في تطور وسائل الإعلام والاتصال ،من حيث كثرتها وفرديتها ما جعلها خارج نطاق سيطرة الأمن من ناحية ، وتعدد مصادرها أضفي علي معلوماتها تأكيدات قوية لم تكن متاحة من قبل ، وبناء عليه فشل السيسي في عزل ما يجري داخل مصر عن العالم ، وفشل أيضا في تزييف الحقيقة ، وكانت وسيلة لتوحد الثوار.
كما أن من مظاهر النحس أيضا ، أن السيسي جاء بعد فترة حريات كبيرة أعقبت ثورة يناير تغيرت فيها مفاهيم كان لا يمكن حتى التشكيك فيها من قبل، وأصبح ملايين من الناس أنضج سياسيا وبالتالي لم تنطل عليهم الأساليب والإجراءات القديمة


السيسي : رد المطلقة وجلب الحبيب!
سيد أمين

الاثنين 27 فبراير 2017 16:32
يُخطئ من يتعاطى مع إلحاح السيسي عن توثيق الطلاق بوصفه حديثا في إجراءات اجتماعية أو حتى دينية، ففي الواقع هو حديث غارق في السياسة.
ذلك ليس لأن السيسي الذي يقود بلدا كبيرا على الأقل سكانيا ويكاد يهوى به إلى قاع الضياع، هو في فسحة ودعة من أمره ليتحدث عن رد المطلقة وجلب الحبيب.

وليس لأن أعباء هذا الأمر أثقلت كاهل الدولة المثقلة أصلا بسبب سياساته وسياسات من سبقوه من العسكر، فتحتم عليه أن يبحث عن حل جذري يلقي به عنها حمولتها ، بينما ملايين الرضع تبحث أسرهم لهم عن مسحوق الحليب ولا تجده، وملايين المرضى عرضة للموت بسبب نقص الدواء، إما لشحه أو لانتهاء صلاحيته وفساده أو لارتفاع سعره، وفي الغالب لعدم امتلاكهم ثمنه.
ليس لكل ذلك أبدى السيسي اهتماما بالطلاق في رأيي ، ولكن لأن سهولة الطلاق في الإسلام يعدها أي مراقب من غير المسلمين هي من أبرز وأفضل مميزاته التي تحفز للدخول فيه أو تدعو على الأقل لاحترامه.

وماذا عن الزواج؟
وإذا كان السيسي حقا قاصدا الضبط والربط في الدولة المصرية ، وفرغ من مطاردة تزايد الفقر والإرهاب والذين تسبب فيهما هو ، ولم يتبقَ له إلا تلك النواحي الاجتماعية، كان يجب عليه أن يقوم بتجريم الزواج العرفي بغض النظر عن حكمه الشرعي حلا أو حرمة ، خاصة أن الزواج غير الموثق لا الطلاق سواء كان موثقا من عدمه هو الأكثر والأعمق تأثيرا في الحياة الاجتماعية وله مردودات قوية ملموسة على الدولة، من حيث تكوين الأسر والمواريث والحقوق والواجبات.
لكن ذلك لم يحدث قط، وما حدث هو العكس تقريبا حيث سيتم رفع رسوم توثيق الزواج بشكل مبالغ فيه بحسب تقارير صحفية ، ليصير العريس والعروس يعاقبان على قرار إشهارهما وتوثيقهما الزواج بدفع مبالغ مالية كبيرة نسبيا، في بلد يعانى من ارتفاع غير مسبوق في نسب العنوسة نتيجة لارتفاع تكاليف الحياة، ليبلغ عدد العوانس بحسب تقرير أصدرته منظمة هولندية متخصصة نحو 8 ملايين فتاة أي40% من مجموع الفتيات فى سن الزواج، وحتى هذا الرقم نجده يتضاءل مع إحصائيات أخري تقدرهم بنحو 13مليون عانس مصري، وهو رقم مرشح للارتفاع بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها مصر في ظل التوتر السياسي والاجتماعي الذي خلقه نظام السيسي.

أيهما أدعى للتوثيق؟
ولو قمنا ؛ بكل براءة ؛ بعقد مقارنة حول الأهم للدولة ؛ هل توثيق الطلاق أم توثيق الزواج هو الأكثر إلحاحا في هذا البلد العربي المسلم؟ سوف نندهش بداية بعدم عقلانية أن نوثق افتراق من لم نوثق اقترانه "!". ونشير هنا بشكل مباشر إلى كافة أشكال العلاقات غير الموثقة ، سواء أكانت متفقة مع الشريعة الإسلامية أو غير متفقة ، كما أن ذلك الاندهاش يندرج أيضا على الآثار المترتبة على مثل تلك العلاقات.
فالزواج ينجم عنه في الغالب أطفال وهم في حاجة إلى إثباتات في السجلات المدنية ليبذلوا واجباتهم تجاه الدولة وتبذل الدولة واجباتها نحوهم ، بدءا من حقوقهم في التطعيمات وحصص التموين انتهاء بواجباتهم في الضرائب والتجنيد الإجباري.
كما أن توثيق الزواج هو إيذان بتكوين أسرة، والأسرة كما نعرف هي الوحدة الاجتماعية الأولى المكونة للدولة، وصيانتها هو مطلب أمن قومي لدى كثير من نظم حكم الشعوب الحرة التي تحث مواطنيها على إقامة علاقات الزواج أولا ، وإشهارها ثانيا ،صيانة للأمن القومي وحماية للمجتمع - الذي قامت الدولة أصلا لخدمته– من أن يصير مجتمعا للقطاء، بل راحت تدعم ماليا المتزوجين الجدد لا أن تفرض عليهم الرسوم الباهظة.
أما أهمية توثيق الطلاق – إن كان له أهمية للدولة والمجتمع– غير حفظ الأنساب فهو يتيح لها، إن قصدت السوء، عمل حصر بالمطلقات وإصدار قوانين تنظم علاقتهن بها ، أو سن قوانين تعجيزية تحول دون حدوثه أصلا ،أو فرض رسوم باهظة تدر لخزينة الدولة الموشكة على الإفلاس مئات الملايين من الجنيهات خاصة مع ارتفاع نسب الطلاق بين المتزوجين الجدد بسبب الأزمة الاقتصادية التي صنعها ذات النظام، لدرجة قد تجعل منها حال تنفيذها موردا من موارد الدخل الكبرى.
أو قد تدفع الزوج أو الزوجة للهرب من تلك الرسوم عبر إلغاء فكرة إشهار الطلاق أساسا كما يحدث في الغرب واللجوء لنظام الرفيق والصديق والزواج المدني.
هذا الكلام ليس من وحى الخيال ، فمؤخرا أعدت مؤسسة خاصة بالمرأة، قانونا شعاره "أسرة أكثر عدالة" يتضمن بنودا لتنظيم تعدد الزيجات، ويمنع الطلاق الشفوي، وتضمن مادة خاصة بتطبيق الزواج المدني - المعادل الموضوعي للزواج العرفي- وقامت بتقديمه لمجلس النواب ليقره.
لا تصدقوا أن السيسي ترك كل مشاغله ولقاءاته السرية والعلنية ، وراح يتفرغ للحديث عن الطلاق من بنات مشاعره الاجتماعية وخوفه على قلوب المطلقات .
فجراب الحاوي لا زال مكتظا بالمفاجآت.


ولكم في الانقلاب مكاسب.. أيها الإخوان
سيد أمين
الجمعة 31 مارس 2017 13:47
رب ضارة نافعة، ما كان يتصور من دبروا للانقلاب أن ينقلب سحرهم عليهم ويكون عليهم حسرة، والشواهد كثيرة.
فقد قصدوا شيطنة التيار الاسلامي خاصة، وسحق كل كتلة ممانعة عامة أيما كانت توجهاتها الفكرية لاسيما كتلة الإخوان المسلمين فأمعنوا فيهم القتل والتنكيل، واستفزوهم أيما استفزاز، فجردوهم من انسانيتهم عسى أن يهبوا للدفاع عن حيواتهم، فيحملون ويحمل معهم العالم الغربي المتواطئ أصلا عليهم بتهمة الارهاب.
لكن نجح الإخوان كجزء كبير وحاسم من ثوار ثورة يناير ، في امتصاص الضربات المتتالية شديدة الإيلام الموجهة إليهم ، دون انفلات أعصاب منهم ، سواء أكانت نتائجه بالإنتقام أو حتى بالاستسلام ، فحازوا على تعاطف الكثيرين ممن لا زالوا يؤمنون بحرية الفكر والاعتقاد.

أصل الحكاية
والملاحظ أن كثيرا من المصريين لم يكونوا لينتبهوا أن جيرانهم الأخيار أو زملائهم المخلصين فى العمل أو المدرسة أو الحقل ينتمون لتنظيم فكري يضم جمعا عريضا من الناس يسمى الإخوان المسلمين.
ولما لمس الناس في هؤلاء التدين وحسن الصفات لم يصدقوا لوقت طويل ما رمتهم به السلطة من اتهامات ملفقة لهم بالإرهاب.
فراح الإعلام الموجه يدخل المعركة بعمليات غسيل كامل للأدمغة وتزييف حقير لكل ما هو حقيقي، ونسف لكل نسق ذهني مهما كان بديهياَ، مستغلا في ذلك حصاد جهد دؤوب استمر عقوداً أو ربما قروناً من التغييب والتسطيح والتجريف لوعي الانسان المصري.
فظلت الشاشات تمطر بغزارة في مساء كل يوم بالدعايات الوضيعة والمسيئة المحرضة بالقتل ضدهم ،والتي من فرط التسرع في إطلاقها، ورغبة في تكثيف الهجوم كان كثير منها يفتقد للحبكة الجيدة وفي الغالب كان يفتقد حتى للمنطق.
تلك الدعايات عبثت كثيرا بالمنطق ، فنسبت إلى الاخوان قتل الخازندار باشا في اربعينيات القرن الماضي غير آبهة بنفي الجماعة وشح الأدلة،وقفزت لاعتبار ذلك نزوعا للارهاب وخيانة لا تغتفر، لكن حينما قام أنور السادات بقتل أمين عثمان اعتبرتها تلك الدعايات بطولة وطنية لا تقدر بثمن، رغم أن القتيلين عرفا بالولاء للانجليز، وكان قتلهما دربا من دروب المقاومة الوطنية المصرية آنذاك.
هذا نموذج بسيط من نماذج مظلومية فئة من المصريين لا ترضاها العدالة الحقة ،والتي بدت تتكشف حقيقة آلاف الحكايات منها بفضل كفاح ثلة من الثوار ضد هذا الانقلاب البغيض ، وهو ما لا يمكن له أن يحدث من قبل بمثل هذا الشغف.

ثلة من النابهين
لكن كما نجح هذا الاعلام في تجييش بسطاء الناس ضد هذا التيار الاسلامي صاحب اليد الخضراء عليهم، كشف لكتل أخرى تترواح ما بين مثقفة وناضجة وعاقلة حجم الافتراء والتلفيق الذى يمارس ضد هؤلاء الناس.
والأهم أن ذلك جعل تلك الكتل ترتاب ليس في صدق الحاضر فحسب ، بل في كل الروايات- بالأحري التلفيقات– السابقة التى رمت السلطة العسكرية الإخوان بها تاريخيا ،فتحرروا من قيد الاستسلام للمعلومات التى تقدم لهم معلبة، وراحوا ينبشون في دفاتر التاريخ بأنفسهم ليكتشفوا أنه أيضا مزور حتى الثمالة.
صحيح أنهم لم يصلوا إلى كل خبايا المعرفة ، لكن من المؤكد أن من سار على الدرب وصل، وسلامة المقدمات قطعا ستقود حتما إلى سلامة النتائج ، مع ضرورة التأكيد على أن الحديث هنا ليس دفاعا عن الاخوان أو التيار الاسلامى أو حتى الثوار جميعا كفكر باختلاف توجهاتهم ، لأنه من البديهى لدى الشعوب المتحضرة أن حرية الفكر والتعبير والتنظيم والاحتجاج أمر مقدس لا يعقل الاقتراب منه ، ولكن الحديث عن جرم جنائي يرتكب ضد فئة بعينها من الناس دون أن يرتكبوا جرما سوى أنهم مارسوا حقوق المواطنة في وطنهم التاريخي.
لقد كسب الاسلاميون ضمن أغلى ما كسبوا ثلة من المثقفين والنابهين المنصفين، بل وممن وقعوا سابقا في حبائل شراك التاريخ المعلب، بعدما شاهدوا بأم أعينهم كيف يزيف التاريخ، وكيف يكتبه الأقوياء، وكيف تلفق التهم، وكيف تختلق الأدلة ، فانبروا للدفاع عن العدالة المهدرة ولإصلاح المنطق المعطوب، فنالهم جزء من النَصَب والعَنَت ،ولو كان أهون مما نالوه هم .
لذلك رأينا أغلب القطاع الاعلامي والصحفي والحقوقي المدافع عن حقوق الاخوان كمواطنين مصريين،هم من أبناء هذه الفئة الخيرة ، وهم الفئة التى وجودها في صف المسار الشرعي أوقع نظام الانقلاب في شر تلفيقاته.

مكاسب أخري
ولنقف على صلب المكاسب التي حققها الاخوان المسلمون من هذا الانقلاب على ما ذاقوا فيه من أهوال ، يمكننا أن نتخيل أنه لو كان الاسلاميون يمثلون ربع المجتمع قبل الانقلاب، وكان الربع الأخر يقف منهم موقفا عدائيا بينما كان النصف المتبقي خارج الصراع أساساً ، سنجد أن الأغلبية ونعنى بها النصف الأخر- ويضم الكثير من نشطاء يناير والعوام وغيرهم- انشطرت هى الأخري لقسمين، انحاز كل قسم منهما إلى طرف من طرفي الصراع بدرجة أو بأخرى وبطريقة أو بأخرى، ثم رويدا رويدا ما بدأ الخيط يترى مرجحا كفة المظلوم، وتلاه مؤشرات قرب الالتحام مجددا كما كان المصريون قبل الانقلاب.
نعم.. قد خرج الإخوان من محنتهم بمزيد من الأعداء ، ولكن أيضا خرجوا بالأكثر كثيرا من الأصدقاء ، مع وجود فارق خطير هو أن كثيرا من أعدائهم هم يتوزعون ما بين طبقات ثلاثة، إما من المختلفين فكريا وهؤلاء لهم حقهم في العداء السياسي طالما يحترمون حقوق الأخر، وإما ضحايا التزييف الإعلامي وهؤلاء يمكن لعدة برامج تلفزيونية توضيح الحقائق لهم ، وإما جهلاء وهؤلاء لا يفيدون لا الثورة ولا الثورة المضادة أصلا.
كما أن شدة الهجمة وطبيعة كل ما حدث، وسع من مدارك الإخوان وكل قوى الثورة ذهنيا عموما حول أساليب وطرق إدارة النظام العسكري للبلاد ، حتى لا يفكرون بحسن نية في الموجة الثورية التالية التى باتت ليست وشيكة فحسب ، بل ملحة لدى المصريين الآن.
ومن المكاسب أيضاً، أنه حينما قصد نظام السيسي مهاجمة الإسلام ، انصب هجومه على الاخوان المسلمين ما نصبهم في نظر المراقبين حماة لهذا الدين ، كما أن التكالب الغربي على الاسلاميين وتحالفهم مع النظام العسكري كشف بالدليل القاطع لمن كان في حيرة من أمره من هو عميل أمريكا واسرائيل.


صراع الشيخ الطيب
سيد أمين
الجمعة 14 أبريل 2017 15:29
مسكين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ، لابد أنه الآن يعانى صراعا داخليا مريرا ، فما كان يخشاه ويكذب حواسه إن اتجهت إلى تصديقه صار يتأكد حثيثا يوما بعد يوم، بأن الحرب التي يخوضها السيسي ليست ضد الإخوان المسلمين فحسب، ولا حتى ضد الإرهاب ، ولكنها ضد الإسلام ذاته.
لم يعد خفيا عليه أن عذابات السيسي تجاهه ليست عذابات محب مفرط في الحب العذري الطاهر، ولكنها عذابات حقيقية لغريم يكشف يوما بعد يوم عن وجهه الحقيقي وعن انحيازاته المضادة.
وعلي ما أعتقد أن الطيب الآن هو بحاجة ماسة لأن يتكاتف الحرصاء على هوية مصر الإسلامية للاصطفاف خلفه وحوله ، فقد نجده حينئذ أكثر وضوحا في رفضه لثورة السيسي الدينية ، وإذا تقاعس فسيتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود في شخصيته ونكون حينئذ من الموقنين.

أسباب الصراع
مصدر صراع الطيب الآن هو اكتشافه أنه كان مجرد أداة يتم العبث بها من أجل الوصول لهدف بغيض، وهو محو الهوية الإسلامية والعربية لبلد يتمتع بها منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ، ومن العار أن يتم هذا السقوط الخطير لهوية مصر في ظل رئاسته لأكبر مؤسسة إسلامية في البلاد، والأكثر عارا انه شارك بحسن نية في تمرير هذا السقوط، تارة تبريرا وتارة صمتا وتارة خوفا ، وكان في ذلك كرجال دين بني الأحمر وحكامهم في أخر ممالك المسلمين في الأندلس الذين برروا الاستغراق في حروب الخصومات الطائفية بين المسلمين وتركوا الإسلام نفسه يضيع في تلك البلاد الحالمة.
الطيب كان يعتقد أن المطلوب تغييرا في التعامل الديني لكنه اكتشف انه تغيير في الدين نفسه وهو ما يتكشف بشكل متسارع للجميع .
لا أتفق مع من يقول آن الطيب أيد الانقلاب بسوء نية وأنهم أتوا به منذ زمن بعيد لأغراض كتلك، ولو كان كذلك ما تعب السيسي منه وما أطلق عليه الأبواق الإعلامية تنهشه ، وما استبيحت هيبة الأزهر الدينية في النفوس على يد قوى تدعي أنها ضد السلطة الدينية وضد المتاجرين بالدين ، وهو اللفظ الذي لا يلقونه أبدا إلا على رجال هذا الدين الذي لا سلطة دينية فيه أصلا ، فيما لا يجرءون على انتقاد زعماء الديانات الأخرى الذين صبغوا عيانا بيانا الدين بالسياسة.

سجالات الشيخ
علامات ذلك الصراع الداخلي للطيب برزت بشكل واضح حينما صرح على غير عادته منذ الانقلاب أن هناك إرهابا مسيحيا ويهوديا وبوذيا لا يجرؤ العالم على إدانته ، وأن التركيز على الإرهاب الإسلامي فيه ظلم بين ، وكأنه بذلك يرسل رسالة للسيسي أن حقيقتكم انكشفت لي ، وأنا لا أقف معكم في ثورتكم الدينية الهادفة لقتل الإسلام في تلك البلاد .
وكانت من السجالات أيضا بين الشيخ ودولة السيسي وقوفه ضد الخطبة المكتوبة التي كان الهدف منها ليس تأميم المنابر فحسب، بل وضرب هيبتها وهيبة مشايخها في مقتل بحيث ينصرف الناس عن المساجد وخطبائها وخطبهم التي ستكون قد تحولت إلي نشرة للشئون المعنوية ، ليتحلل الإسلام من واحدة من أهم مميزاته وهى كون صلاة الجمعة عبارة عن اجتماع أسبوعي للمسلمين لمناقشة أمورهم بمنتهي الحرية وطبقا لمقتضى الحاجة ، فتتحول كل الصلوات بل والعقيدة كلها إلي مجرد سلوك فردي قبل أن تندثر.
وهذه واحدة من كبريات معارك الإمام ضد ثورة السيسي الدينية التي تلاها فتورا في حماسة الرجل لدعم قراراته من جانب، وما ترافق معها من انطلاق الحملات الإعلامية المنظمة المحرضة ضده وضد الأزهر كله من الجانب الأخر، والتي راحت توصمه بالتهمة المشاع لدعم الإرهاب، مع أن الإرهابيين في سيناء يستهدفون ضمن ما يستهدفون تفجير المعاهد الأزهرية دون أن يشير الإعلام المتواطئ لذلك.
صحيح أنه لم يخض سجالا ذا شأن ضدها ، لكنه أيضا لم يلتزم الصمت المطبق لا هو ولا مؤسسته كما فعلت كثير من المؤسسات الرسمية في الدولة ، فقد كان الأزهر أول جهة رسمية وربما الوحيدة حتى الآن التي أدانت مذبحة رابعة.
فعلا هي لم تسمها باسمها في بيان تجريم إراقة الدماء الذي أصدرته آنذاك ، وأنه كان بيانا ضعيفا لا يرقي لهول الحدث ، لكن توقيت صدوره كان ذا صدى طيب مؤثر أكبر بكثير من كلماته ، ليس ذلك فحسب بل وخرج مستشاره الدكتور حسن الشافعي وهيئة كبار العلماء ببيان عاصف ضد المجزرة.
أتصور أن الطيب الآن في انتظار إطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو في أحسن الظروف بيان إقالته حتى وإن كان مخالفا لشروط وقوانين تعيين وإقالة الإمام ، فالحصانة ما نفعت من قبله المستشار هشام جنينة.

التعليم الأزهري
وفي الواقع أن الحرب ضد شيخ الأزهر بدأت متأخرة، ولكن الحرب ضد الأزهر نفسه كانت سابقه ، فالتعليم الأزهري الآن علي مستوي الجمهورية يعاني تدميرا منظما كما هو معلوم للقاصي والداني ، لدرجة جعلت الكثيرين من خريجيه الجامعيين لا يجيدون القراءة والكتابة ، ومدارسه لا يوجد بها تعليم ، وبعضا من مدرسيه غير مؤهلين لذلك ، ومناهجه من الصعوبة ما تنفر من الالتحاق به .
وصورة الأزهري في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي صارت مدعاة للحزن، فقدمته بصورة الجاهل والمتعصب والانتهازي والفاسد والمتآمر والمغفل وألصقت به كل نقيصة.
فإذا كان الطيب الآن يعاني صراعا نفسيا ، فان الإسلام يعاني خطرا وجوديا بمحاولات افراغه من مضمونه


حول مأساة التعليم في مصر
سيد أمين
الاثنين 15 مايو 2017 11:33
خرجت مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم ولم تستطع الحفاظ على رباطة الجأش والتفوق الذي كانت تبديه علي دولة غينيا.
ويثير أمر الاعتراف العلني الذي أبدته السلطات المصرية علي لسان وزير تعليمها بهذه الفضيحة بعد النكران التام ، الريبة من أن يكون النظام الذي بدا تغريبيا وجانحا إلى التنكر للهوية العربية والإسلامية للدولة في جميع سلوكياته ، يسعي لاستغلال الأمر كذريعة لمزيد من تغيير المناهج وطمس الجزء اليسير جدا الذي ما زالت تحتفظ به من وطنية.
ولو تحدثنا عن التقدم فلا يمكننا إلا أن نتحدث عن التعليم ، ولا يمكننا أيضا- مرضاة للضمير وكتعبير عن الصدق - إلا أن نقول إنه لا يمكن أن تتقدم أمة من الأمم دون أن تمتلك منظومة تعليمية سليمة تراعي أول ما تراعي ربط حاضر الإنسان بماضيه وذلك علي اعتبار أن فهم واستنهاض الماضي هو دراسة مكثفة لاستدراك المستقبل.

الهوية القومية
في سعي النظام العسكري لتغريب المجتمع راح يعلم النشء اللغات الأجنبية قبل أن يعلمهم لغتهم القومية الأصلية "اللغة العربية" ، فتوسع في إنشاء المدارس التجريبية فضلا عن مدارس اللغات الخاصة والمدارس الدولية وجميعها لا تدرس باللغة العربية ، في نفس الوقت الذي أهمل فيه المدارس الحكومية العربية والتي تدرس اللغة الانجليزية أو الفرنسية أو كليهما جنبا إلى جنب مع اللغة العربية ، بل راح يخنق التعليم الأزهري خنقا ويخربه ، تارة بكثافة المناهج واعتماده علي الحفظ ، وتارة بسوء الإدارة وإهماله وتعيين مدرسين غير أكفاء له، وأخرى بنشر ثقافة الغش ثم بمحاصرة خريجيه وعدم إيجاد وظائف حكومية لهم وغيرها، وذلك نظرا لما به من مناهج تربط الطلاب بالهوية القومية للدولة.
ورغم أنه من أهم المقاصد التي تسعى إليها الدول من التعليم هو تعميق الهوية الوطنية والقومية للدولة لدي الشباب، يبدو ذلك التغريب لدي بعض المصريين ممن لا تعنيهم تلك الهوية وللأسف هم من يشكلون القطاع الأكبر في الحكم الآن ، أمرا عاديا بل ويستحق الثناء لا الذم ، ولكن ألا يعتبرون أن هذا الإثقال في المناهج يخرج جيلا من المتعلمين لا يجيدون لا اللغة العربية ولا حتى الإنجليزية ولم يتعلموا شيئا البتة وهو ما يشرح ظاهرة التسرب من التعليم التي بدأت تتفشي في الأرياف مؤخرا؟

فشل تام
لقد أنتجت الرؤية المشوشة والمنظومة المعدومة للقائمين علي التعليم بمصر جيلا أقل ما يوصف به أنه "مسخ" فلا هو أوربي ولا هو عربي , ولا هو متعلم ولا هو جاهل , ولا هو يعرف من أين هو آت ولا الى أين هو ذاهب، ولا حتى يعرف عدوا ولا حبيبا ، بل شخصا يحمل شهادة الاعدادية منذ نحو 30 عاما مضت يمتلك وعيا وثقافة وعلما أفضل من حامل لشهادة الدكتوراه هذه الأيام.
انهارت أطراف العملية التعليمية بشكل كلي في مصر، فالمناهج يعتريها كثير من العوار و"الأهواء" ،وسخرت طبقا لمقتضيات السياسة لا مقتضيات البحث العلمي الدقيق والصالح العام ،وذلك طبقا للقرب والبعد مع أهداف السلطة الحاكمة.
والمدرسة صارت أداة للربح بعد استغراق القطاع الخاص لهذا المجال وحرصه علي ما يحرص عليه التاجر غير الأمين في بيع البضاعة الفاسدة مع الحفاظ على طيب المنظر العام.
وصار الطالب هو أيضا غير راغب في التعليم بقدر رغبته في الحصول علي الشهادة التعليمية.
فساد العلاقة بين أطراف التعليم حولته من منتج له مردود أخلاقي واجتماعي بناء، إلى سلعة تباع وتشتري تصلح معها الفلسفة السوقية المصرية التي تلخصها لفظة "الفهلوة" ، ما فاقم من ظاهرة الغش وأوجد خريجي جامعات لم ينالوا حتى الحد الأدنى من مقومات التعليم لدرجة الجهل بالقراءة والكتابة لاسيما من خريجي الكليات الأدبية.
كما يمتاز التعليم في المدارس الحكومية وهى قليلة عددا مقارنة بالمدارس الخاصة بفوضوية خاصة وكل ما ليس له علاقة "بالتربية" والتعليم.

الاستقرار الوظيفي
وكما انتهى دور المدرسة الاجتماعي مع عصر الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي وما رافقته من ممارسات تتنكر للتراث ورجاله والمدافعين عنه، انتهى أيضا دورها التعليمي الذي أنشئت من أجله، وأمست محصلات العملية التعليمية في المدارس تساوى صفرا كبيرا بكل معني الكلمة ،وتحولت المدارس بكل أنواعها ومراحلها إلي مجرد دور للالتقاء الاجتماعي والتجاري وعقد الاتفاقات علي الدروس الخصوصية بين المدرسين والطلبة أو أولياء أمورهم.
كما أن الحملة الممنهجة التي تشنها وسائل الإعلام المصرية علي المدرس حين طرح أي مناقشة جادة لحل قضية التعليم في مصر تبدو صادقة مع مدرسي المدارس الحكومية فقط ، في حين أنها أمست شديدة الظلم مع مدرسي مدارس القطاع الخاص.
فكثير من المدارس الخاصة تمنح المدرس فيها راتباً غاية في التدني يقل كثيرا عن الألف جنيه مصري شهريا، وتمارس ضده شروطا تعسفيه تتيح لها فصله في أي لحظة ، مع جعل رضا الطالب عنه هو المعيار الأول لاستمراره في عمله، ما يجعله ينصرف عن تقويمهم إلى إرضائهم، فقضي هذا الوضع علي المدرس الجاد وأبقي علي الأقل كفاءة منهم.
وتسببت تلك الحالة في تنامي الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان الوظيفي لدي المدرس ، وانعكس ذلك بالقطع علي سلوكياته التعليمية فبدا مهتزا مثيرا للرثاء ،وبالتالي أثر ذلك علي الطلاب تعليميا لكون فاقد الشيء لا يعطيه.
ومع قبول المدرس بهذا الوضع نظرا لفقر سوق العمل، جعله مضطرا بل مجبرا علي اللجوء للدروس الخصوصية لتعويض حاجته المادية.
في الحقيقة الكلام يطول ولكن الخلاصة هي أنه لن يستقيم حال التعليم في مصر إلا إذا عدنا إلي المعادلة الأولي التي أنجب استخدامها كل نجباء مصر في العقود الماضية ، وهي اعتبار التعليم رسالة وطنية وإنسانية ودينية مقدسة ، واحترام المدرس واعتباره مربيا ، واعتبار التلميذ قائدا للمستقبل الذي نرجوه.


تساؤلات حول الرابط بين "درنة" والمنيا
سيد أمين
الجمعة 2 يونيو 2017 20:57
تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه
تساؤلات كثيرة تحتاج لإجابات عاجلة حول الضربات الجوية التي وجهها نظام السيسي لمدينة درنة، وبعض المدن الليبية وعلاقتها بمذبحة المنيا التي وقعت مؤخرا وراح ضحيتها عشرات الضحايا والمصابين من المسيحيين المصريين.
أول تلك التساؤلات يأتي حول منطقية هذا الربط الغريب الذي ربطت به السلطات المصرية بين تلك المدينة التي تستعصي علي الجنرال المتقاعد المدعوم غربيا خليفة حفتر، وبين مرتكبي المذبحة المروعة المدانة، خاصة أن المسافة بين المدينتين تزيد عن الألفي كيلو متر.
وعلي افتراض أن الطريق مرصوف وآمن، ومع التغاضي عن حالة التخفي الواجبة للخارجين عن القانون، والطرق الرملية الوعرة والمرتفعات والمنخفضات وبحر الرمال الناعمة، وهي كلها ملاحظات جد خطيرة، فان السفر بين المدينتين قد يستغرق20 ساعة متواصلة بسرعة 100 كيلو متر في الساعة، ما يعني أن الإرهابيين منفذي المذبحة لم يتمكنوا من العودة بعد تنفيذ جريمتهم، وبالتالي فلماذا تم قصف درنة بعد ساعات من المذبحة؟
وإذا كنت قد عرفت بعد ساعة فقط من وقوع المذبحة بمسئولية مجاهدي درنة عنها، فكيف لم تعلم باختراق مهاجميهم الجبال والقفار بصحبة أربعة سيارات رباعية الدفع- كما قال شهود العيان من الناجين- للأراضي المصرية التي تسيطر عليها القوات المسلحة، فتمنع المجزرة من الوقوع؟
كما أن السرعة في قصف درنة تعني أن الطائرات كانت علي أهبة الإقلاع حين وقوع المجزرة، ما يكشف عن النوايا المبيتة للضربة الجوية ، فهل كانت النوايا مبيتة للضربة أم للمجزرة أيضا؟
وإذا كانت تحريات رجال الأمن شديدة الألمعية والجاهزية لتحدد مرتكب المذبحة بعد ساعة واحدة من وقوعها، فإنه سيكون من المستغرب عليهم حينئذ عدم تقديم قتلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني رغم مرور عامين علي الواقعة، وتوفير الاتهامات الغربية التي تشير إلي ضلوع قيادات كبري بالجهاز الأمني في الجريمة؟
وهل هناك علاقة بين صفقة القرن وبين استنجاد السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب لدعمه في مكافحة الإرهاب، وبين محاولات إنهاء الصراع في ليبيا لصالح التيار الموالي لأمريكا؟
كما أن هناك تساؤلات عدة حول مجزرة المنيا أهمها كيفية رصد الجناة للضحايا وعلمهم بوجود هذه الحافلات في هذا التوقيت؟
وما الذي أضافه قانون الطوارئ الذي تم فرضه مؤخرا في طريق الحد من العمليات الإرهابية؟ وكيف تحول الإرهاب المحتمل إلي إرهاب حقيقي، تشهد مصر بسببه في ستة أشهر فقط خمسة عمليات إرهابية كبري تمس الأقباط ، فضلا عن تفشي الخطف والقتل وكافة ظواهر البلطجة والانفلات في الشوارع؟.
ومن نافلة القول التساؤل حول سر الصمت المزري علي العصف المستمر بالدستور الذي كتبه السيسي علي عينه، فالمادة152 منه تمنعه من إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء، وهو ما لم يحدث بالقطع .

ظلال من الشك
تلك التساؤلات تضيف ظلالا من الشكوك حول صحة كل ما يجري في حرب السيسي علي الإرهاب ، الذي كان الفيديو المصور الذي بثته قناة "مكملين" مؤخرا حول قيام أشخاص يرتدون زيا عسكريا بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق مدنيين، كاشفا وصادما.
وسواء أكان الفيديو كاذبا أم صادقا، إلا أن الكثيرين يؤكدون أنه لم يأت بجديد واعتبروه تحصيل حاصل وتأكيدا للمؤكد، فيما اعتبره آخرون عملا زائفا ومبالغة يستهدف منها الإساءة إلي الجيش المصري الذي يعتز به كل مصري.
ولأنه في الفم ماء، يمكننا القول بأنه إذا قام عاقل بتطبيق القاعدة البديهية التي يستخدمها رجال البحث الجنائي في الدول المتقدمة "ابحث عن المستفيد"، فإننا قطعا سنجد أن "الوجهاء الأشرار" الذين طالما رأيناهم يتباكون على الإنسانية المهدرة وينددون بملء فيهم بالإرهاب الغادر هم من أكبر صناعه، بل أنه هو بضاعتهم الوحيدة التي يسوقونها للنيل من كل من يعاديهم بعدما يغلفون نواياهم السياسية غير الأخلاقية بأقنعة تبدو نبيلة ومشروعة.
وسيكتشف أيضا وبكل جلاء أنه بضاعة لا يستفيد منها إلا من جري تسويقهم بوصفهم ضحاياها ،ولا يتاجر بها إلا من يقولون إنهم يحاربونها. 

الإعلام والإرهاب
كل المذابح التي تمس المدنيين والأقباط مدانة ولا يمكن بأية حال تبريرها، ولكن أيضا صار الإرهاب الإسلامي من أكبر المزاعم التي يجري ضخ الأموال لترسيخها في العقول، لتنفيذ الحرب الإمبريالية الجديدة الأكثر نجاعة ضد الإسلام، وهي الحرب التي صرح بها علانية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ذاته في لحظة مصارحة عقب سقوط الاتحاد السوفيتي.
وعادة ما تستهدف التهمة المقاومة العربية والإسلامية أو من يدافع عن عرضه وأرضه ودينه وهم من يجب تكريمهم بـاعتبارهم"فدائيين" يحمون أوطانهم، خاصة أن المعتدي هو من عبر المحيطات إلي بلادنا ولم نذهب نحن إليه.
ونستطيع الجزم بأنه جراء الدعاية الإعلامية والسياسية المتواصلة والضخمة ، تخلقت صورة ذهنية عالمية موحدة بأن الكائن الإرهابي هو ذاته الكائن المسلم المتدين لدرجة يصعب معها إطلاق ذات اللفظ على سواه حتى لو كان من أولئك الذين يحملون الإسلام وراثة ولم يمارسوا شعائره قط.
وإذا كان هناك اعتقاد حاسم عند الكثيرين بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، فالإرهابي أيضا يصفه بتلك الصفة الأقوياء الذين يملكون ثالوث القوي، قوة الردع وفرض الرأي إجبارا، وقوة المال وفرض الرأي رشي وهبة ، وقوة الإعلام وفرض الرأي استغلالا لمواطن الجهل في الأذهان.
ولأن النوع الثالث من نظم فرض الرأي هو الأكثر فعالية والأنجع علاجا والأرخص تكلفة ويغطى الفئة الأوسع انتشارا على الأرض، فإنه يجري استعماله على نطاق واسع فيغسل أدمغة الناس أو يخطف أذهانهم بما يشكل سلاحا فتاكا يفوق في حسمه القنبلة النووية ذاتها.
ومن مخاطر الصورة النمطية الشائعة عن الإرهابي والتي تخلقت غالبا في دهاليز أروقة المخابرات أنه شخص منغلق على أفكار رجعية جامدة ،وكأنه خلق نشازا في منظومة هذا الكون ، يحب الخراب والتدمير في الأرض لجينات ورثها من أبائه وأجداده المسلمين أو "الإرهابيين" الأوائل, وأنه يمارس الإرهاب من أجل الإرهاب وكرها في الأخر.
وهو بالطبع تصور قاصر ينفيه المنطق قبل التجربة، لأن الإنسان مجبول على حب الأمن والاستقرار، كما أن أغلب معاركه هي في الغالب للدفاع عن تلك الحاجات الملحة المسلوبة، ولذلك فمتى توقف عدوان الأقوياء – وهم عادة من يعتدون ويغتصبون أمنهم المفرط على حساب الخوف الشديد لدى الآخرين - توفر الأمن والاستقرار فتوقفت مظاهر "الإرهاب" التي يمارسها الضعفاء.
ومفاد ذلك أن الجميع فئ الواقع يكافح من أجل الأمن والاستقرار بما فيهم "الإرهابي" الذي يكافح جلاديه. 


ثورة يوليو الأمريكية

سيد أمين
الجمعة 28 يوليو 2017 15:59
لولا أن ما درجنا على تسميتها "حركة 15 مايو/أيار" التي لقبها السادات بالثورة في بداية حقبة السبعينيات حدثت في مايو ، لقلنا إن "يوليو/تموز" هو شهر الانقلابات العسكرية الوحيد في مصر، بدءا من 1952 نهاية بانقلاب 2013، وكأن ارتفاع درجة حرارة الشمس يخلق تأثيرا انفعاليا في أدمغة العسكر فيقتلون ويسحقون.
ورغم أننا احتفلنا كثيرا بـ "ثورة أولى" مزعومة لم يعشها معظمنا وصارت راسخة يقينا في وجدان الكثيرين منا ، فإن مسايرتنا للثورة "المزعومة" الثانية كشف لنا ليس خداعها هى فحسب، بل خداع الأولى معها، وعرفنا من خلالها أيضا "كلمة السر" وراء سيل "الثورات" التي اختص العسكر بها بلادنا.

أسئلة مشروعة
والحقيقة أننا نحتفل كل عام بحركة الجيش في 23 من يوليو/تموز 1952 ومع ذلك نتجاهل تساؤلات حول أسباب عدم تدخل الانجليز من أجل إفشالها وحماية عرش "الملك" وهم الذين يسيطرون على مصر عسكريا، أرضا وبحرا وجوا ، شعبا وجيشا ، وقادرون على قمع أي تمرد مهما كان حجمه ضدهم ، خاصة أن هذا التمرد يقوده بضع عشرات من الرتب العسكرية الصغيرة قد تسعهم "عربة ترحيلات واحدة"، والسيطرة عليهم بأسلحتهم البدائية عمل غاية في السهولة على جنود إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس؟.
وكيف دخل هؤلاء المتمردون الجيش المصري وترقوا فيه أساسا بينما الانجليز يبسطون سيطرتهم تماما عليه بوصفه المؤسسة الأهم التي يحرص عادة أي كيان استعماري على السيطرة عليه؟
وأيضا، هل من الصدفة نشوء هذا التناغم بين ضباط جيش تربوا على السمع والطاعة، وتوحدهم رغم تنوع بل وتنازع ألوان طيفهم الفكري: القومي ،والشيوعي، والاشتراكي، والليبرالي ، والإسلامي ـ المتمثل في الإخوان المسلمين ـ خاصة في مثل هذا العمل السري الخطير المحفوف بالمخاطر والذي عقوبة فشله هي نزع الحياة من أرواحهم؟
ألا يشعرك هذا التنوع بأنه كما لو كانت هناك انتخابات جرت لاختيار من سيرتكبون جريمة "الانقلاب" على نظام الحكم، وطرد الملك أو قتله وهو الذي كان يعاقب من يسبه بالمؤبد طبقا للقانون آنذاك، فمن أين جاءوا بكل تلك الثقة؟
ويجب الإشارة أيضا إلى أن قبول العسكر بهذا "التنوع" يحمل في حد ذاته غرابة كبيرة نظرا لعدم توافقه مع النزعة الاستحواذية للنظم السائدة آنذاك، فضلا عن الممارسة الديمقراطية لم يعرف بها إلا الغرب وخاصة بريطانيا آنذاك!

نتيجة واحدة
ولعل حاصل إجابات هذه التساؤلات تفضي إلى نتيجة واحدة هي أن هؤلاء الضباط بكل تنوعاتهم الفكرية كانوا مجرد بيادق اختيروا مبكرا وبعناية فائقة للقيام بلعبة مرسومة في إطار هوجة الانقلابات العسكرية العربية في خمسينيات القرن الفائت والتي تم تجميلها فلقبت بـ"الثورات".
وهى "الثورات" التي على ما يبدو قد صممتها فلسفة أمريكية تتناسب مع هذا الكيان العالمي الجديد الآخذ في التغول خاصة بعد ما قيل عن تنازل بريطانيا لأمريكا عن مستعمراتها القديمة باتفاق سري جري بينهما في يناير/كانون الثاني 1951، مستخدمة الطريقة الشهيرة التي أوصى بها المفكر الإيطالي "نيقولا مكيافيللي" أميره في السيطرة على المستعمرات الحديثة، ومنها أن ينصب عملاء له من بين شعبها حكاما عليها، خاصة من بين الأقليات أو الطوائف المكروهة، فيقتلون شعبهم ويسلبون ثرواته، ويقدمونها له على طبق من فضة لأنه هو من يحميهم من عدوهم الشعب.

الملك الحائر
اتهم الإنجليز الملك فاروق صراحة بالتعاون مع القوات الألمانية المرابطة في صحراء العلمين علي الحدود الليبية في الحرب العالمية الثانية فحاصروا قصره بالدبابات في حادث فبراير /شباط 1942 الشهير ليجبروه على حل الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وتعيين حكومة "الوفد" الموالية لهم وذلك من أجل تأمين جبهتهم الداخلية، ما يؤكد أن بريطانيا كانت كارهة للملك وبالطبع كان هو كارها لها لحيازتها على كافة أدوات السلطة في مصر وتحويله إلى حاكم بلا حكم.
ويمكننا في هذا الصدد مراجعة العديد من الكتب والوثائق ومنها مثلا كتاب " الملك فاروق وألمانيا النازية - وخمس سنوات من العلاقات السرية" لكاتبه وجيه عتيق.
بل إن مذكرات الملك فاروق نفسه أشارت إلى أن السفير الأمريكي كان يلحُّ عليه قبل الثورة بقليل أن يعترف بدولة إسرائيل كي يضمن مؤازرة الإدارة الأمريكية، ولكنه كان يجيب على الدوام: «إنني لا أريد أن يسجل التاريخ عليّ أنني أول ملك عربي يعترف بالدولة اليهودية».
وهذا ما أثبته فتحي رضوان في كتابه "72 شهراً مع عبد الناصر" وهو «أن الأمريكان هم الذين دبّروا خلع الملك فاروق لأسباب عديدة منها عجزه أو رفضه الاعتراف بإسرائيل» كما ورد في محاضر اجتماعاته مع السفير الأمريكي وأن وزير الخارجية الأمريكية دين أتشيسون رفض مساعدة فاروق أثناء الانقلاب الذي أسقطه، كما كانت وقفة السفير الأمريكي الآخر جون فوستر دالاس ضد الملكية، الضربة الحقيقية ضد فاروق لصالح عبد الناصر .
وهنالك عدة كتب أحدها أصدره أحد مراكز البحث في "أبوظبي" يضم وثائق تتعلق بثورة 1952 تؤكد أن السفارتين البريطانية والأمريكية - وهما ممثلتا دولتي الاتفاق الذي أشرنا إليه سلفا - كانتا غاضبتين جدا من الملك فاروق وتحدثتا بكل صراحة عن ضرورة تغييره.
كما حوى الكتاب الأشهر عالميا "لعبة الأمم" لمؤلفه ضابط المخابرات الأمريكية "مايلز كوبلاند" تفاصيل دقيقة عن عدة لقاءات جرت بينه وبين زميله كيرميت روزفلت وقيادات المخابرات الأمريكية من جانب مع جمال عبد الناصر وقيادات الضباط الأحرار من جانب آخر للإعداد للانقلاب.
فيما حفل كتاب "ثورة يوليو الأمريكية ..علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية" الصادر عام 1988 عن دار الزهراء للإعلام العربي لمؤلفه الدكتور محمد جلال كشك ، بمئات بل ألاف الشهادات والمصادر التي تسير في هذا الاتجاه، والتي تدحض أيضا الآراء المغايرة.
بل راح كتاب مصريون مقربون من السلطة مثل المرحوم "محسن محمد" رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق يعترف تلميحا بوجود تلك العلاقة في مقالات نشرتها له "أخبار اليوم".


الذين آمنوا بثورة السيسي الدينية

سيد أمين
الجمعة 25 أغسطس 2017 17:21
لعل من أهم ما كشفت عنه دعوة الرئيس التونسي فيما يختص بالمواريث وزواج المسلمة من غير مسلم، أن ثورة السيسي الدينية لا تخص مصر فقط بل تأتى في إطار خطة دولية منسقة لعلمنة الحياة وتجريدها من الاعتقاد الديني في الوطن العربي كافة.
ويدعم هذا الاحتمال تلك التصريحات التي أطلقها سفير دولة الإمارات العربية مؤخرا في واشنطن يوسف العتيبة في مقابلة على قناة "بي بي إس" (PBS) الأمريكية أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات "علمانية مستقرة ومزدهرة" وأن ذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر.
وتلا ذلك اعلان السعودية عن إنشاء إقليم البحر الأحمر على عدة جزر سعودية بدعوى تنشيط السياحة والاستثمار والتي تمتاز الحياة فيها بأنها تتحرر من القيم والقوانين المطبقة على باقي الأراضي السعودية التي تجرم الزنا ومعاقرة الخمور، ثم إعلان السعودية عن قرب اصدار4 قرارات تتعلق بالنساء في المملكة.
ووسط هذا الدفق، وكما أيدت الإفتاء التونسية التعديلات الدستورية، قام الدكتور حاتم الشريف عضو مجلس شورى السعودية بكتابة مقال يهاجم فيه التيار السلفي والوهابي ويقول انه غير معصوم من الخطأ، داعيا – وهذا بيت القصيد - إلى تحديد علوم الشريعة بما يواكب العصر ومؤكدا أن برامج التدريس والمناهج، إضافة إلى وصايا تعليمية، بُنيت في الماضي على إرهاب فكري.
كما لا يمكننا أن نعتبر أن جهر سعوديات مؤخرا بارتداء ملابس لم تكن معهودة من قبل في المملكة بطبيعتها المحافظة بعيد عن هذه الأحداث.



العلمنة والإرهاب
ورغم أن المفترض من مصطلح "العلمنة" هي الدعوة لسيادة "العلم" في المجتمع فإن تفسير قوى التبعية العربية له خاصة في مصر تؤكد أن حاملي تلك الدعاوى لا ينشرون علما ولا ينوون، بدليل دعمهم لـ"العلاج بالكفتة" ودخول عصر صناعة "الأستيكة" وإنشاء "أكشاك الفتوى" وأحاديث "أهل الشر"، فضلا عن قتلهم وسجنهم للعلماء والباحثين، ولكنهم فقط ينحرون قداسة أي مقدس في النفوس، ويزيدون من ارتفاع جدار الغفلة والاستكانة للاستبداد عبر شغل الناس بثقافة الرموش والأثداء والشذوذ، ودعم أي تمرد على الدين والأعراف والتقاليد والتراث، في نفس الوقت الذي يحاربون فيه أية مقاومة للاستبداد والظلم ولا يتورعون عن وصم فاعليه بالإرهابيين.
ولأن إقناع الناس بالتخلي عن مقدساتها أمرا شديد الخطورة والصعوبة، كان لابد من تشويه تلك المقدسات ووصم كل من يدافع عنها بكل مشين.
فقد ساء استخدام لفظة "الإرهاب" من فرط المتاجرة بها من قبل الامبريالية والنظم الاستبدادية ، وحدود ومواصفات العمل الإرهابي وملامح الإرهابيين - إن كانت لهم ملامح -ودوافعهم والمعيارية التي تمكننا من تصنيف هذا القتل بالعمل الإرهابي دون غيره من أعمال قتل تجري كل يوم بل وكل ساعة على ظهر كوكبنا، كما أن هناك اختلافات معيارية في مفهوم الأمن فمشكلة القوى عادة هي أنه يري أن الأمن لا يتوقف حينما يغطى حدوده وسلامته فحسب، بل يمتد إلى إخضاع إرادات الآخرين، أما الضعيف فهو لا يملك حتى حماية أمنه وسلامته، بل إنه يستجدى أمنه من سارقيه الأقوياء،وهو يدرك تماما إنه حينما يحاول انتزاع أمنه انتزاعا من دون أن تكون له قوة كافية تؤمن له تلك العملية فإنه سيتحول إلى إرهابي.
لذلك وجب علينا اعتبار الضعيف ضحية وليس جانيا، بل إن من يصمتون على سلب إرادته هم شركاء في الجريمة ضده.
ولو تتبعنا من وصمتهم الدعاية المتغلبة بالإرهاب في كل تلك الحوادث التاريخية الفارقة لاكتشفنا أنهم لم يكونوا قط القتلة، بل كانوا في الغالب المقتولين ولا أحد سواهم، كما أننا نجد أن القاتل هو من ذهب إلى الضحية في عقر داره ليقتله ثم بعد ذلك يشوه تاريخه ونضاله وينسب إليه الإرهاب.

نحر المقدسات
وبنصل حاد - وعلى خلاف الذبح البطيء في السعودية- يجرى نحر أي "مقدس" في مصر، فإذا كان هناك "بلطجي" خارج على القانون ومحطم لقيم المجتمع، هنا ستقدمه الدراما المصرية الرسمية بصفته المواطن المثالي، وإذا كانت سيدة خائنة لعفتها وزوجها وامتلكت القدرة لتجهر بعشق "الرفيق" هنا بالقطع سيحتفي الإعلام بذلك ويصدر الواقعة في مجملها كحرية شخصية، أما لو أقامت سيدة علاقة محرمة لدرجة أن وضعت منها سفاحا هنا ينبغي تقديمها كضحية للمجتمع.
كما يموت أو يعاني الآلاف من الفقراء في مصر سنويا جراء الإهمال الطبي في المستشفيات لا سيما الحكومية، لكن وفاة راقصة جراء هذا الإهمال كان هو وحده كفيلا بأن يهب البرلمان - المفترض انه منتخب من كل الشعب بما فيه الفقراء – ليخصص جلسة لوضع قوانين تعالج هذه الأزمة وتكافح الظاهرة.
لذلك فلم يعد مثيرا للاندهاش ولو حتى بمصمصة الشفاه في مصر، أن تكون الأم المثالية راقصة، ومقدمة البرامج الدينية راقصة، وتلك التي كلفها السيسي برفع الوعي الديني عند المصريين شبه راقصة.

للمسلمين فقط!!
كل يوم يقدم نظام السيسي دلائل جديدة على أن تجديد الخطاب الديني الذي يدعو إليه في إطار ثورته الدينية يتميز بخصيصتين اثنتين، أولاهما أنه يقتصر فقط على الدين الإسلامي دون سواه من الأديان، حيث لم نسمع منه مثلا مطالبته بتجديد الخطاب الكنسي أو دعوة الكنيسة لإيجاد تفسيرات جديدة للإنجيل أو إهمال زعامات دينية بعينها، ولم نسمع منه أيضا مطالبات بتجديد الخطاب اليهودي، أو تجديد خطابات أي عقائد أخرى في العالم - يعرفها الكثيرون - ترى أن قتل الناس عملا يستحق رضا الرباني.
وثانيتهما أن ما يجري في مصر الآن يصب في نتيجة واحدة وهي القضاء على مظاهر الإسلام في مصر، كما قضى عليه من قبل في نفوس شعوب كثيرة قبل أن تهزم عسكريا كما حدث مثلا في الأندلس والفلبين وغيرهما.
ورغم أن الإسلام لا يمنح وصاية لمسلم على مسلم أو بشر على بشر، نظرا لخلوه من التقديس والكهنوت، فإن المتدينين المسلمين دون سواهم هم المتهمون الجاهزون بمنح ومنع صكوك الغفران.
لقد بات معلوما أن الإسلام والمسلمين الآن في خطر حقيقي لم يألفوه من قبل


الطرق الغربية في إدارة المستعمرات العربية

سيد أمين
الجمعة 29 سبتمبر 2017 20:05
للسياسة الأمريكية والغربية عامة في وطننا العربي خطوط شبه موحدة لكنها دائمة وراسخة، تتمركز حول هدف استراتيجي واحد هو إقصاء إرادة الشعوب من المشاركة السياسية ووأد أي نشاط يقود إلى مشاركتهم في تقرير مصير أوطانها، وذلك عبر صناعة نخب وقوى ومراكز تحكم تابعة، ولا مانع أيضا من قليل من الوجود الاستعماري الفعلي المباشر، ولا من صناعة بدائل لها مزيفة.

العلمنة والصهينة مقابل الحكم
واتبعت تلك القوى أنماطا ذات خطوط عريضة في سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية تبرز أيا منها حساب طبيعة تطورات الحاجة في ميدان المعركة.
ولعل مسألة الدعوة إلى إقصاء الدين من حياة المسلمين العرب أو الثورة الدينية وتجديد الخطاب الديني التي كثر حديث السيسي حولها، تأتى كرد فعل غربي سريع على رغبة الشعوب العربية في الحكم وتقرير المصير عبر حراك الربيع العربي الذي تم وأده، ثم تلاه إرسال الغرب رسائله الضمنية للشعوب العربية التي تتضمن نقاط معيارية واضحة مفادها "العلمنة مقابل المشاركة في الحكم".
ثم أضيف إلى ذلك بند آخر يتضمن إنشاء قوة ردع لضمان تنفيذ البند الأول وعدم النكوص عنه وهو "ريادة إسرائيل على كل المنطقة العربية" وهو ما يفسر انطلاق دعاوى السلام الدافئ وصفقة القرن والهرولة الجماعية لنظم التبعية العربية تجاه تل أبيب.
لكن هذه الرؤية أيضا ما زالت ناقصة، لأنها تسبغ على بعض الحكام جانبا من الوطنية لا يستحقونه مهما كان ضئيلا وبعضا من الإرادة مهما كانت هشة، على خلاف الحقيقة، لأن الحقيقة أن المشاركة السياسية التي قد تسمح بها النظم الغربية للشعوب العربية تلافيا لطول مقاومة شعوبها، تقتصر فقط على منحهم سلطة الوزارات غير السيادية والتي لا تضيف السيطرة عليها أي رصيد للحراك الوطني المقاوم.
ويعني ذلك ضمن أكثر ما يعني أهمية، أن أمتنا العربية ما زالت رهن الاحتلال الأجنبي، وأن ما جري في منتصف القرن الفائت من انقلابات أو "ثورات" - سمها ما شئت – وحركات تحرر واستقلال وطني كانت هي الأخرى مجرد نتائج لتطوير في الحيل الاستعمارية تم من خلاله استبدال الاستعمار المباشر بالاستعمار بالوكالة.

حظر الكتلة
من أهم مسلمات السياسة الغربية والأمريكية في وطننا العربي هو أنها تحظر وبشكل صارم على التيار الإسلامي بكافة تنوعاته الوصول للسلطة بأي شكل، وفي مرتبة أقل قليلا من الصرامة يمتد الحظر ليشمل التيار القومي المنادي بالوحدة العربية، وذلك لكون الغرب يدرك أن العروبة هي التربة الخصبة التي تغذت عليها شجرة الإسلام، ثم في درجة أخيرة يصل الحظر ليطال التيار الاشتراكي الثوري لكونه يتضامن مع الفقراء ويقف مع حقوق الشعوب المظلومة كالشعب الفلسطيني في الاستقلال.
ويأتي الحظر المفروض على الكتل الثلاث في إطار سياسة أوسع من سياسة "حظر الكتلة“، فبقدر اتساع الكتلة السياسية لأية فئة وكثرة عدد أنصارها تزداد قبضة الحظر السياسي عليها صرامة.
ومعنى ذلك أن الغرب يعتبر أن العربي أو المسلم المثالي هو ذلك الذي لا يعبر إلا عن نفسه ولا تعنيه إلا ذاته المفردة، وهو أيضا ذلك الكائن الذي نزعت منه روح العقل الجمعي والإحساس بدور الجماعة، وذلك لأسباب كثيرة جدا أهمها الاعتقاد بأن سبب صمود مجتمعاتنا ضد الذوبان سابقا يعود لتلك الروح الجماعية، وأن الإسلام سيندثر في النفوس لو بقي دينا فرديا.

منظومة زائفة متكاملة
ومن تلك المسلمات أيضا أن أمريكا تقلد الحكومات العربية الحكم، وتنصب معها أيضا معارضتها، وإن لم يقتنع الناس بهذه الثنائية، وفي حالة تنامي حالة التذمر والسخط الشعبي وقبل أن تتمكن قوى المعارضة الحقيقية من الانتصار والوصول للحكم، تتدخل القوى الغربية لتنصب المعارضة العميلة بديلا عن المعارضة الوطنية صاحبة الحق كحكام جدد، مع أنها في الغالب تتدخل لنصرة النظام القديم إن كان هناك متسع لإخماد غضبة الشعب.
ولعل هذه الاستراتيجية رغم أنها تجعل أمريكا وأوربا المستفيد الوحيد من أية نتيجة للصراع في الحكم، فإنها أيضا تعود عليها بمزيد من المكاسب بسبب تنافس المتنافسين لنيل رضاها عما إذا ناصرت طرفا واحدا من أطراف الصراع.
فضلا عن أن ذلك يخلق عملية ديمقراطية قد تخدع الشعوبيين العرب البسطاء، رغم أنها عملية ديكورية وتحت السيطرة الأمريكية.
وتكشف التحذيرات التي يرددها من حين لآخر أقطاب في دوائر حكم عربية عن عمق خشيتهم من هذه الاستراتيجية والتي تلخصها مقولتهم "المتغطي بأمريكا عريان"، مع أن تلك النظم في الأساس هي صنائع أمريكية وليس لها بدائل سوي ما تمنحه لها أمريكا من غطاء قد تسحبه منها متى شاءت.
هذه مجرد خطوط عريضة لبعض السياسات الغربية في وطننا العربي التي تبدت للعيان مؤخرا، ضمن سلة واسعة من السياسات شديدة العمق والاحتراز، جعلت من هذا الوطن لقمة سائغة في فم أعدائه، وجعلته هو ذاته ميدانا لمعركة، المنتصر والمهزوم فيها عربي.
ولكن لا ننسى أن الربيع العربي وحده يعود له الفضل في كشف تلك السياسات.


وهل المصريون أفضل حالاً من السوريين؟

سيد أمين
الاثنين 30 أكتوبر 2017 14:00
في غمرة الدعايات التي يطلقها من يمكن أن نسميهم مجازا بـ "الدولجية" حول قداسة "الدولة" وقداسة القائمين عليها، والدعوة من رأس الحكم لخلق سلوك خوف مرضي "فوبيا" من انهيارها، تتشابك وتختلط، وفي الغالب تتوه، المفاهيم لتصبح عند البسطاء ضربا من ضروب "اللوغارتيمات" التي يحتكر حكمتها من وضعها، حينما تتم المقارنة بين الدولة والشعب.
وتتوه أيضا مع ذلك القدرة على التفكير السليم لتحديد كينونة هذا الكيان العظيم الذي يسمى "الوطن"، خاصة حينما نتساءل عن كيفية تمييز العلاقة بين هذا الوطن وذاك المواطن؟ وما العلاقة بينه - أي الوطن- وبين "رجال السلطة"؟ أم أنهما كيان واحد؟ وماذا إذا تسلط هؤلاء الرجال عليه وباعوه بالقطعة في سوق النخاسة الدولية؟ فمن يوقفهم؟ أو تسلطوا على "المواطن" فاعتبروا أن التنكيل به أو قتله عملا في خدمة "الوطن"؟ وهل يعتبر خائنا للوطن أن هب المواطن دفاعا عن وجوده ومصالحه التي أجازها له القانون الإنساني؟ أو حتى دفاعا عن وجود وطنه؟

صاحب الفضل
عجيب أمر هؤلاء الذين يحيلون عدم الوصول بالحالة السياسية المصرية بعد ثورة يناير عامة وانقلاب يونيو خاصة للمأساة التي وصلت إليها الثورة السورية، إلى الخصال الحميدة التي يتمتع بها السيسي ونظامه وإقدامه لحماية الوطن، وليس إلى الثوار الذين هم أحق بهذا الثناء منه وذلك لرفضهم الاستجابة للاستفزازات الهادفة لجرهم إلى العنف.
فنظرا لتحليهم بالحكمة ضمدوا جراحهم، واحتسبوا القصاص لمسابيهم وشهدائهم عند إله عادل لا يظلم عنده أحد أبدا، ولم يقعوا في خطأ دٌفع إليه ثوار في بلدان عربية أخري – بحسن نية أو سوئها - حينما ردوا على إجرام رصاص النظام بالرصاص تحت إغراء القصاص والانتقام وردع المعتدي، فأصابهم ما أصابهم من عنت ورهق.
إنها رسالة السلمية التي انتقدها كثير من شباب الثورة المنتمين للتيار الإسلامي واعتبروها تخاذلا واستسلاما، لكنها كانت خيارا مهما وشعارا مجلجلا لرأس فريق كبير منهم حينما أطلقها من قلب الحشود "سلميتنا أقوي من الرصاص".
قد تكون حالة المصريين الآن أفضل من حالة أشقائهم السوريين مثلا، ولكن الفضل في ذلك يعود لسلمية الضحايا وليس لسوط الجلاد، فالسوريون والليبيون حينما أوجعهم بطش النظام ردوا عليه الوجع أوجاعا وضاع بينهما الوطن، أما المصريون بسلمتيهم المعروفة حينما أوجعهم النظام وحرق جثث أبنائهم ولوا وجوههم لله احتسابا.
ولا شك في أن هناك قوي داخلية وخارجية كان يعنيها بشكل كبير تسليح الثورة المصرية، أهم هذه الجهات هو النظام الحاكم نفسه الذي كان سيستفيد من هذه الحالة لتبرير استغلال تفوقه، من أجل القضاء على كل معارضيه مرة واحدة، بل وتحويل هذا الأمر دعائيا بدلا من كونه عملا شائنا، إلى بطولة وطنية.
كما أن إسرائيل التي يعاديها الشعب العربي بشدة، وتدعمها حكوماته بشدة، يهمهما أيضا إخماد هذا الحراك الشعبي الذي يهدد بقاء حلفائها العسكريين فتضمن دخول مصر حالة انكفاء على النفس قد تدوم قرنا من الزمان.

غزو خارجي
ومن جانب آخر، فالإعلام المصري المخادع الذي يفاضل بين نعيم يصوره للناس في ظل حكم الجنرالات الوطنيين في مصر، وبين جحيم "حقيقي" في العراق وليبيا وسوريا جراء الفوضى التي خلفتها الثورات والمؤامرات الكونية التي دبرتها كما يدعي، يعتمد تناسي الحقائق الدامغة التي تكشف خداعه.
فالعراق مثلا لم يصل للخراب الذي يعيش فيه الآن جراء ثورة شعبية، ولكن جراء احتلال صهيوأمريكي كان النظام المصري أحد أبرز أعوانه العرب.
.كما أن ما جري في ليبيا لم يكن بسبب الثورة أيضا، ولكن بسبب غزو قوات "الناتو" والتي كان النظام المصري أهم الداعمين المستترين لها.
أما بخصوص سوريا، فأية وطنية تلك التي تجعل نظاما يتفنن في ممارسة الوحشية في قتل شعبه ويشرده في كل بقاع الأرض، ثم يسلم ما تبقي من بلاد وعباد للأجانب بعدما حرم منها من لم يقتله من أهلها؟ ولأن هذا النظام حليف لذاك، خوفي أن تكون هناك نوايا اقتداء بالحليف في دك الشعب ببراميل غاز الكلور.
كما أن المفاضلة بين مصر من جانب، وسوريا والعراق وليبيا من جانب آخر مفاضلة ظالمة، لأن ما تسبب في انهيار تلك الدول هو هذا التدخل الخارجي السافر الذي اتخذ أشكالا متعددة في شؤونها، وليست الثورات المطالبة بالحرية والاستقلال، وأيضا دفع هذا التدخل الخارجي إلى إثارة النعرات المذهبية والطائفية والقبلية فأعطى لهذه الحرب دفقا شعبيا على حساب الوطن.
ومن جانب آخر فالعراق، الذي يُرَوَّعُ بحاله المصريون، هو من لجأ إليه السيسي لانتشال نظامه من السقوط، فمنحه النفط بتسهيلات.
كما أن العراق وليبيا يفضلان مصر في كثير من المؤشرات الدولية مثل: حرية الصحافة، جودة التعليم، السعادة، عجز الموازنة، التنمية البشرية، كفاءة سوق العمل، استقرار بيئة الأعمال، سيادة القانون، التحرش الجنسي.. إلخ.
هل حقا مصر أفضل من سوريا والعراق وليبيا؟


ماذا سيكتب التاريخ عن حكم السيسي؟
سيد أمين
الخميس 30 نوفمبر 2017 19:14
ماذا سيكتب التاريخ عن حقبة حكم السيسي لمصر؟ ماذا سيكتب عن كل هذا الكم الهائل من الهزل والابتذال الممزوج بالجد، واللا منطق المتشح برداء الحكمة، وسيل الدماء المتدفق في مصر دون داع ودون حتى اكتراث؟
قد تبدو الأسئلة من أول وهلة بسيطة وسهلة، وصيغتها تتضمن الإجابة عليها في الغالب، سيقول إنها هي حقبة الحكم "الصهيونية" الصريحة لمصر، وهى حقبة الحكم الفاشي العسكري المدعوم خارجيا، وهى حقبة تكتل الأقليات ذات التوجهات الخارجية، سيقال الكثير والكثير وهى بالقطع حقائق.
ومع ذلك قد بدا واضحا أن كل هذه الإجابات مبنية على نتيجة واحدة، وهى أن هذا النظام وتبعاته مصيره السحق والزوال، ولكن بقى سؤال أهم يجب أن نسأله: ماذا سيكون الأمر إن استمر لا قدر الله؟
نطرح هذا الطرح ونحن على ثقة من أنه سيذهب غير مأسوف عليه ولكن أيضا لا يجب أن نخفي مخاوف دفينة من أن يستمر ويطول، خاصة أن أشباهه حكموا مصر لحقب طويلة من الزمان، فحكمتنا سيدة لعوب اعتبرناها رمزا لمصر، رغم أنها لم تكن حتى مصرية، وحكمنا حكام جعلونا نعبدهم، ونفنى من أن أجل تخليد أجسادهم.
حكمنا الشواذ وفاقدو الرجولة في جزء من العصر المملوكي، وحكمنا العبيد في الدولة الإخشيدية، وحكمنا الدراويش الفاطميون الذين ينامون النهار ويستيقظون بالليل، وحكمنا البكوات والباشاوات في الدولة العثمانية، وحكمنا حاكم أجنبي غر، وليناه نحن علينا بعد ثورة جياع، فذبح منا من ذبح، وكتب كل أراضي مصر باسمه واعتبرها ملكا خاصا به، فاعتبرناه نحن مؤسساَ لمصر الحديثة وبأنى نهضتها.
بصراحة، التاريخ يقول إنه قد حكمنا كل ساقط ولاقط، ولم يحدث أي نزاع، فبقي الظلم وبقي الحرافيش يتكيفون معه بطريقتهم، وطالما الأمر كذلك، فيا تري كيف سيقرأ أولادنا وأحفادنا في كتب التاريخ ما يجري في مصر الأن؟

مأساة بطعم الملهاة
الأمر بلا شك يحمل الكثير من الملهاة والأكثر من المأساة، لأنه في الحقيقة سيكون العثور عن المنطق فيما يجري الآن تماما كالعثور على إبرة في كومة قش.
فبداية سيتم وضع السيسي في إطار الفاتحين الكبار، ربما مع عمرو بن العاص نفسه، وتتجاور أسماء رموز تمرد مع أحمد عرابي في المتحف الوطني، مع احتمال أن يتم رفع أسمي الأخيرين أصلاً، باعتبار العاص غازيا، وعرابي متمردا مارقا قاوم الغزو البريطاني لمصر والذي يحتفل السيسي بدعمه في الحرب العالمية الأولى ضد دولة الخلافة الإسلامية، أو أن يهبطوا قليلا فيتوازوا مع محمد على وسعد زغلول.
وبالطبع سيتم وصف الإخوان المسلمين بذات الصفات التي يوصف بها أبطال أفلام الزومبي وأكلة لحوم البشر الأمريكييون.
سيكتب التاريخ أيضا أن كائنات فضائية هبطت على مصر لتحارب الإخوان بعدما قام نحو600 شخص من كائنات فضائية أخري قادمة من كوكب حماس ، حيث انزعج أجدادهم من قبل من أصوات طيور النورس، لتقتحم تلك الكائنات الفيافي والقفار والأنفاق والأكمنة والبحار والحصون ، وتنتشر في ربوع مصر انتشار النار في الهشيم فتخور كل قلاع السجون فتفتحها على مصاريعها ، في نفس وقت اعتلائهم أسطح المباني لتقتل المتظاهرين في كل ميادين مصر والتي بالمناسبة هى من حشدتهم فيها أيضا ، من الخونة والممولين أمريكيا بوجبات كنتاكي ، وأنجزت تلك الكائنات مهمتها بدقة أعجزت أمامها جيش خير أجناد الأرض ثم عادوا إلى بلادهم في أمن وأمان دون حتى أن يصاب أي منهم حتى بخدش في أصبع قدمه الخنصر.
وسيكتب التاريخ أن الإخوان استولوا على الحكم عبر غزوة الصناديق متنكرون في طوابير طويلة من الناخبين، فاجتمعت كل مصر في ميدان التحرير حيث دار الندوة تتحداهم وتتحدى مسيرات الملايين من مليشياتهم التى كانت تجوب كل شوارع مصر متنكرة أيضا في صورة شعب.
سيحكى التاريخ أيضا أنه بعدما هب السيسي لإنقاذ البشرية من عودة دولة الخلافة مجددا ، وأطاح بحكم محمد مرسي الذي باع سيناء والشركات وحقول النفط والغاز ومناجم الذهب والنيل والأهرامات لقطر وتركيا، وذلك عبر ثورة مجيدة لم يشهد لها التاريخ مثيلا ،راحوا يعتصمون في ميدان رابعة العدوية مسلحين بكل الأسلحة المتطورة ويأسرون أعدادا كبيرة من المصريين هناك كرهائن، وكانوا يقتلون بعضهم البعض كمكيدة لإلصاق التهمة بقوات الشرطة والجيش، وذلك في محاولة منهم لإعلان الاستقلال عن مصر من هناك ، بدعم من قيادات إخوان أمريكا بقيادة أوباما وهيلاري كلينتون ، ولما فشل المخطط الشيطاني لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية بدا من مهاجمة مصر بأسطولها البحري السادس ، هنا قام وحوش البحرية المصرية بأسر قائده وإرغام الأسطول على الفرار.

نهاية سعيدة
وكعادة كل قصة رومانتيكية وديعة، سينتهي سرد التاريخ بانتصار إرادة البطل المُخَلص، الذي شق القنوات وزرع ملايين الأراضي وأسس العواصم الجديدة وأدخلنا عصر الذرة.
ولأنه لابد من كلمة "ازدهار" كأحد لوازم النهاية السعيدة بظهور البطل ، سيحكى التاريخ أن مصر ازدهرت في العلوم والفنون والآداب ، وأضحت الاختراعات والابتكارات سمة مميزة لهذا العصر، وكان من باكورتها قيام أحد نوابغ الجيش باختراع علاج لداء عضال نشره الإخوان في مصر ، مع اختراق الفضاء عبر "الوحش المصري" ،وإنتاج الكهرباء من الهواء ، وتسخير الرياح كوسيلة عسكرية للتغلب على صواريخ العدو ، وقيام مؤرخين عسكريين بتصحيح ثغرات خاطئة في التاريخ القديم واكتشاف أن أحمس المصري وليس صلاح الدين الايوبي هو بطل موقعة حطين.
في الحقيقة أن كتب التاريخ ستمتلئ بالقاذورات حتى الثمالة، وسيكون مستقرها أدمغة أحفادنا.
لذلك يجب أن يسقط الانقلاب حفاظا على وعى الأجيال القادمة



حول حقيقة ما قدمته مصر للقدس

سيد أمين
الجمعة 29 ديسمبر 2017 18:00
اعتاد إعلام النظام المصري على مواجهة كل تعاطف مع استبسال المقاومة الفلسطينية وأي تساءل عن سر تخاذل مصر كأكبر دولة محورية في الوطن العربي من الانتهاكات الصهيونية بحق تلك المقاومة، بتحميل فلسطين كل الحروب التي خاضتها مصر طيلة القرن الفائت، وتحميلها كل الفشل الذي تعيشه أنظمتها في فترة ما بعد يوليو/ تموز 1952، متجاهلا في ذلك حقائق التاريخ والسياسة وحتى المبررات التي كان يدرسها النظام الرسمي في مدارسه لمبررات تلك الحروب.
نعم، الشعب المصري يحمل القضية الفلسطينية في فؤاده ومشاعره، لكن حكوماته لم تبذل الكثير من أجلها، وهي لم تتسبب في تحميله أي غرم.

العدوان الثلاثي
فمن الثابت أن أسباب العدوان الثلاثي عام 1956 لم يكن أبدا بسبب الدفاع عن فلسطين، بل ظهرت بوادره في الأساس عقب توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 بعد مفاوضات بين الجانبين المصري والبريطاني ورافقت تلك المفاوضات مقاومة شعبية شرسة للقوات الإنجليزية، وتعزز الاتجاه إلى العدوان بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس التي كانت تستحوذ عليها شركة فرنسية، ثم بدأت تتفجر الأجواء بعد إعلانه التحالف مع السوفييت ومساندته لثورة الجزائر ما دفع البنك الدولي لرفض تمويل مشروع السد العالي رغم سابق موافقته بذلك.
هذه هي أسباب العدوان الثلاثي الصحيحة والمنطقية، حتى التدخل الإسرائيلي في هذا العدوان لم يكن لأي سبب يخص الدعم المصري للقضية الفلسطينية، ولكن كان بمبادرة إسرائيلية للاطلاع بدورها الوظيفي الذي أنشأتها بريطانيا من أجله وهي كونها "يد استعمارية متقدمة في الوطن العربي".
وما لا يجب إغفاله هنا أن الجيش المصري لم يدخل تلك الحرب أصلا وترك الأمر لنضال المقاومة الشعبية التي كانت تدافع عن وجودها في سيناء ومدن القناة، ولولا رفض الأمم المتحدة للعدوان في 2 فبراير/شباط 1956 ثم التدخل السوفيتي الصارم وتلاه دعم الولايات المتحدة له ومطالبتهما بسرعة الجلاء ومحو أثار العدوان، لبقي الاحتلال إلى يومنا هذا.

نكسة يونيو/ حزيران 1967
لم تكن مصر في حالة حرب تقريبا مع إسرائيل حينما شنت عدوانها في يونيو/ حزيران 1967، فهي كانت منكفئة على ذاتها في إدارة مشروعات تنموية وصناعية ملحة، وبالتالي هي في غنى عن خوض أي حرب من أي نوع لاسيما بعد هزيمتها الساحقة في حرب اليمن 1965 التي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل.
لكن في المقابل كان الكيان الصهيوني الذي فرغ من تأمين كيانه باحتلال فلسطين في 1948 ثم ضم هضبة الجولان السورية كان من الطبيعي أن يشن هجوما على مصر؛ من أجل تنفيذ مشروعه الصهيوني الإقليمي الذي يستند إلى مبدأ إسرائيل من النيل إلى الفرات.
يقول الخبراء إن التصعيد الكلامي بين عبد الناصر وقادة الكيان الصهيوني وما تلاه من قرار إغلاق مضيق "تيران" في 11 مايو 1967 وسحب القوات الدولية من سيناء لم يكن بسبب القضية الفلسطينية أيضا، ولكن كان مجرد تلويح في الغالب دعائي من عينة "سنلقي بإسرائيل البحر"، بشن حرب عليها لتحرير مدينة "أم الرشراش" المصرية التي تحولت الى “إيلات”.

حرب أكتوبر/ تشرين 1973
كما نعلم كانت نكسة 1967 ساحقة ماحقة بكل معنى الكلمة لمصر وسوريا والأردن وأدت الى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان ومقتل 25 ألف على أقل تقدير مقابل 800 جندي فقط في إسرائيل، وتدمير80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2% في إسرائيل.
بالقطع لم تكن حرب أكتوبر/ تشرين 1973من أجل تحرير فلسطين ، بل كانت لتحرير ما تم احتلاله في 1967 بدليل قيام الرئيس أنور السادات بتقديم شروط لمبعوث هيئة الأمم المتحدة الذي قام بإدارة المفاوضات بين الطرفين المصري، والصهيوني، بإحداث تسوية سلمية بين طرفي النزاع، ويأتي على رأسها انسحاب قوات الكيان الصهيوني إلى حدود عام 1967فقط ، غير أنّ حكومة الكيان لم توافق على تلك الشروط مما أدى إلى توقف المفاوضات. واتفق السادات والرئيس السوري حافظ الأسد على خوض الحرب لاستعادة الأراضي المغتصبة ،وهو بالمناسبة الاتفاق الذي خالفه السادات وأعلن وقفا منفردا للقتال في سيناء ما أدى لضغط إسرائيلي في الجبهة السورية وحرمانها من استكمال التحرير بل تم استلاب ما تم تحريره.

كامب ديفيد
النكران الذي مارسه السادات مع الجانب السوري اتبعه باتفاق كامب ديفيد والذي كان بمثابة طلاق مصري نهائي عن تبني القضية الفلسطينية، وهى ما انتهت بإطلاق مصر وعدة دول عربية طلقة مميتة في رأس القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن التي لاحت تفاصيلها في الأفق.

حرب 1948
الحرب الوحيدة التي ساندت فيها مصر القضية الفلسطينية كانت حرب نكبة 1948 وهي الحرب التي حدثت في العهد الملكي والتي تثور حولها استفهامات كثيرة أهمها تدور حول سبب سماح الجيش البريطاني الذي يحتل سيناء للجيش المصري وألوية الإخوان المسلمين بالعبور للمشاركة في تلك الحرب التي قيلت فيها شهادات مخزية عن الخيانات الرسمية على كل الجبهات، والتي انتهت للغرابة بانتصار عصابة مسلحة صغيرة العدد على جيوش أربعة دول عربية.
ويأتي إعلان بلفور عام 1917 وما تلاه من قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 كنتاج طبيعي لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولي على الألمان والدولة العثمانية، وهو الانتصار الذي يحتفل نظام السيسي بمشاركة جنود مصريين في الحرب تحت راية الصليب البريطاني.
كما أن الملك الذي انقلب عليه العسكر عام 1952 كان متهما بمساندة الألمان سرا في العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية ضد عدة دول منها بريطانيا راعية قيام الكيان الصهيوني.
التاريخ في مصر جرى تزييفه، وهذا الزيف تحول من فرط تكراره إلى حقائق نرددها دون وعي.

http://mubasher.aljazeera.net/author/%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86

سيد أمين يكتب: حول حقيقة ما قدمته مصر للقدس

الجمعة 29 ديسمبر 2017 18:00
اعتاد إعلام النظام المصري على مواجهة كل تعاطف مع استبسال المقاومة الفلسطينية وأي تساءل عن سر تخاذل مصر كأكبر دولة محورية في الوطن العربي من الانتهاكات الصهيونية بحق تلك المقاومة، بتحميل فلسطين كل الحروب التي خاضتها مصر طيلة القرن الفائت، وتحميلها كل الفشل الذي تعيشه أنظمتها في فترة ما بعد يوليو/ تموز 1952، متجاهلا في ذلك حقائق التاريخ والسياسة وحتى المبررات التي كان يدرسها النظام الرسمي في مدارسه لمبررات تلك الحروب.
نعم، الشعب المصري يحمل القضية الفلسطينية في فؤاده ومشاعره، لكن حكوماته لم تبذل الكثير من أجلها، وهي لم تتسبب في تحميله أي غرم.

العدوان الثلاثي
فمن الثابت أن أسباب العدوان الثلاثي عام 1956 لم يكن أبدا بسبب الدفاع عن فلسطين، بل ظهرت بوادره في الأساس عقب توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 بعد مفاوضات بين الجانبين المصري والبريطاني ورافقت تلك المفاوضات مقاومة شعبية شرسة للقوات الإنجليزية، وتعزز الاتجاه إلى العدوان بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس التي كانت تستحوذ عليها شركة فرنسية، ثم بدأت تتفجر الأجواء بعد إعلانه التحالف مع السوفييت ومساندته لثورة الجزائر ما دفع البنك الدولي لرفض تمويل مشروع السد العالي رغم سابق موافقته بذلك.
هذه هي أسباب العدوان الثلاثي الصحيحة والمنطقية، حتى التدخل الإسرائيلي في هذا العدوان لم يكن لأي سبب يخص الدعم المصري للقضية الفلسطينية، ولكن كان بمبادرة إسرائيلية للاطلاع بدورها الوظيفي الذي أنشأتها بريطانيا من أجله وهي كونها "يد استعمارية متقدمة في الوطن العربي".
وما لا يجب إغفاله هنا أن الجيش المصري لم يدخل تلك الحرب أصلا وترك الأمر لنضال المقاومة الشعبية التي كانت تدافع عن وجودها في سيناء ومدن القناة، ولولا رفض الأمم المتحدة للعدوان في 2 فبراير/شباط 1956 ثم التدخل السوفيتي الصارم وتلاه دعم الولايات المتحدة له ومطالبتهما بسرعة الجلاء ومحو أثار العدوان، لبقي الاحتلال إلى يومنا هذا.

نكسة يونيو/ حزيران 1967
لم تكن مصر في حالة حرب تقريبا مع إسرائيل حينما شنت عدوانها في يونيو/ حزيران 1967، فهي كانت منكفئة على ذاتها في إدارة مشروعات تنموية وصناعية ملحة، وبالتالي هي في غنى عن خوض أي حرب من أي نوع لاسيما بعد هزيمتها الساحقة في حرب اليمن 1965 التي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل.
لكن في المقابل كان الكيان الصهيوني الذي فرغ من تأمين كيانه باحتلال فلسطين في 1948 ثم ضم هضبة الجولان السورية كان من الطبيعي أن يشن هجوما على مصر؛ من أجل تنفيذ مشروعه الصهيوني الإقليمي الذي يستند إلى مبدأ إسرائيل من النيل إلى الفرات.
يقول الخبراء إن التصعيد الكلامي بين عبد الناصر وقادة الكيان الصهيوني وما تلاه من قرار إغلاق مضيق "تيران" في 11 مايو 1967 وسحب القوات الدولية من سيناء لم يكن بسبب القضية الفلسطينية أيضا، ولكن كان مجرد تلويح في الغالب دعائي من عينة "سنلقي بإسرائيل البحر"، بشن حرب عليها لتحرير مدينة "أم الرشراش" المصرية التي تحولت الى “إيلات”.

حرب أكتوبر/ تشرين 1973
كما نعلم كانت نكسة 1967 ساحقة ماحقة بكل معنى الكلمة لمصر وسوريا والأردن وأدت الى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان ومقتل 25 ألف على أقل تقدير مقابل 800 جندي فقط في إسرائيل، وتدمير80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2% في إسرائيل.
بالقطع لم تكن حرب أكتوبر/ تشرين 1973من أجل تحرير فلسطين ، بل كانت لتحرير ما تم احتلاله في 1967 بدليل قيام الرئيس أنور السادات بتقديم شروط لمبعوث هيئة الأمم المتحدة الذي قام بإدارة المفاوضات بين الطرفين المصري، والصهيوني، بإحداث تسوية سلمية بين طرفي النزاع، ويأتي على رأسها انسحاب قوات الكيان الصهيوني إلى حدود عام 1967فقط ، غير أنّ حكومة الكيان لم توافق على تلك الشروط مما أدى إلى توقف المفاوضات. واتفق السادات والرئيس السوري حافظ الأسد على خوض الحرب لاستعادة الأراضي المغتصبة ،وهو بالمناسبة الاتفاق الذي خالفه السادات وأعلن وقفا منفردا للقتال في سيناء ما أدى لضغط إسرائيلي في الجبهة السورية وحرمانها من استكمال التحرير بل تم استلاب ما تم تحريره.

كامب ديفيد
النكران الذي مارسه السادات مع الجانب السوري اتبعه باتفاق كامب ديفيد والذي كان بمثابة طلاق مصري نهائي عن تبني القضية الفلسطينية، وهى ما انتهت بإطلاق مصر وعدة دول عربية طلقة مميتة في رأس القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن التي لاحت تفاصيلها في الأفق.

حرب 1948
الحرب الوحيدة التي ساندت فيها مصر القضية الفلسطينية كانت حرب نكبة 1948 وهي الحرب التي حدثت في العهد الملكي والتي تثور حولها استفهامات كثيرة أهمها تدور حول سبب سماح الجيش البريطاني الذي يحتل سيناء للجيش المصري وألوية الإخوان المسلمين بالعبور للمشاركة في تلك الحرب التي قيلت فيها شهادات مخزية عن الخيانات الرسمية على كل الجبهات، والتي انتهت للغرابة بانتصار عصابة مسلحة صغيرة العدد على جيوش أربعة دول عربية.
ويأتي إعلان بلفور عام 1917 وما تلاه من قيام دولة الكيان الصهيوني عام 1948 كنتاج طبيعي لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولي على الألمان والدولة العثمانية، وهو الانتصار الذي يحتفل نظام السيسي بمشاركة جنود مصريين في الحرب تحت راية الصليب البريطاني.
كما أن الملك الذي انقلب عليه العسكر عام 1952 كان متهما بمساندة الألمان سرا في العلمين أثناء الحرب العالمية الثانية ضد عدة دول منها بريطانيا راعية قيام الكيان الصهيوني.
التاريخ في مصر جرى تزييفه، وهذا الزيف تحول من فرط تكراره إلى حقائق نرددها دون وعي.

المصدر الجزيرة نت
http://mubasher.aljazeera.net/author/%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86

تابع المقال كاملا على الجزيرة مباشر هــــــنا



الأحد، 10 ديسمبر 2017

سيد أمين يكتب: مسجد الروضة.. من التصويف إلى المستفيد


نقلا عن مدونات هافنجتون بوست وعربي بوست
تم النشر: 12:01 10/12/2017 AST تم التحديث: 12:01 10/12/2017 AST

التركيز الذي مارسه الإعلام المصري، الرسمي وشبه الرسمي، من اللحظة الأولى، حول أن مسجد الروضة الذي شهد المجزرة الإجرامية الأثيمة في العريش كان مسجداً صوفياً، وأن الإرهابيين قدموا إنذارات لإدارته من قبلُ بإغلاقه، وهو ما نفاه إمام المسجد نفسه الذي أصيب بالحادث، في لقاء متلفز له سُجل قبل أن يُحظر التعامل مع الصحفيين في هذه المنطقة بعد الحادث، مؤكداً أن المسجد ليس صوفياً ولم يتلقوا تهديدات من قبلُ لإغلاقه- أثار الكثير من علامات التعجب والأكثر من علامات الاستفهام.
علامات التعجب تتعلق بأنه للمرة الأولى يتم تصنيف وفرز المساجد في مصر بحسب نوعيتها، ومن ثم نوعية مرتاديها، ولم يكن الأمر معمولاً به لدى عوام المصريين، بحيث إنهم اعتادوا الصلاة في أي مسجد.
أما علامات الاستفهام، فتُشعرك وكأن هناك توجيهاً أمنياً للإعلام المصري، طالبهم منذ اللحظة الأولى بالتركيز على تلك النقطة، وهذه مسألة لا مراء فيها، فالإعلاميون أنفسهم اعترفوا بأنهم يعملون حسب التوجيهات مراراً.

تساؤلات عن التضليل الإعلامي

ومن ثم، فالسؤال: ما مصلحة النظام في توجيه الأنظار إلى أن وراء الحادث تنظيماً يختلف مع الصوفيين فكرياً، إذا كان راغباً حقاً في معرفة الجناة الحقيقيين ومعاقبتهم؟ علماً أن دائرة المختلفين مع الصوفيين فكرياً قد تتسع لتشمل السلفيين والجماعة الإسلامية وحتى الإخوان المسلمين، وجميع هؤلاء أدانوا الجريمة، وضمنهم تنظيم الدولة الذي يناصبهم العداء أيضاً.
ولماذا تناسى الإعلام في الوقت ذاته، أن تلك التنظيمات -عدا داعش- هي تنظيمات سياسية تؤمن بالحياة المدنية الحديثة ولا تبيح إراقة دم حتى الكافر الذي يناصبهم العداء؟
فضلاً عن أن مصر تكتظ بالمساجد من النوعية نفسها، ولو كان هناك نية أو إباحة لإيذاء المساجد "الصوفية" لأحرقوا كبريات تلك المساجد كالإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بالقاهرة، والمئات في الأقاليم كالسيد البدوي بطنطا وعبد الرحيم القنائي بقنا، في فترات "الفراغ الأمني" الذي استمر شهوراً إبان ثورة يناير/كانون الثاني.
كما أن واقعة مقتل الشيخ أبو جرير العام الماضي على يد مسلحين، وادعاء أن المسلحين حذروا الناس من الصلاة في المسجد، يعني أن المسجد مستهدف وهناك تقصير أمني في حمايته، ويعني -وهو الأهم- أن المجرم أراد من تلك التصرفات التمهيد لدفع أنظار الناس بعيداً عنه حينما ينفذ باقي ما خُطط له من جرائم، وصولاً إلى نتيجة واحدة يريدها النظام الحاكم ذاته، وهي دفع الناس لمغادرة البلاد قسراً وإلصاق التهمة بـ"اللهو الخفي"، الذي من الممكن توظيفه ليقضي النظام -بحجة مكافحته- على كل خصومه.
هذا التدرج يتشابه تماماً مع ما دأب النظام على فعله منذ سنوات، حيث وقّع على اتفاقية سد النهضة ثم اكتشفنا أن ذلك تمهيد لتوصيل المياه لإسرائيل، وتحدث عن خطة لمكافحة الأنفاق الفلسطينية واكتشفنا أن الأمر له علاقة بالتنازل عن جزء من سيناء لتنفيذ صفقة القرن، وتحدث عن ثورة دينية واكتشفنا أن الأمر هو التخلص من العباءة الإسلامية للدولة، واعتبرنا أن الأمر سلوك فردي للنظام المصري فاكتشفنا أنه مخطط إقليمي.

تساؤلات عن التصفيات

في الحقيقة، إنه قبل مرور 24 ساعة من وقوع الجريمة التي راح ضحيتها نحو 340 شهيداً، فوجئ المصريون بإعلان النظام المصري تصفية 45 شخصاً، وصفهم بالإرهابيين المتورطين في المجزرة، ما يطرح تساؤلات مهمة أيضاً حول أنه إذا كان إيجادهم وتوافر المعلومات عنهم قد تم بتلك السهولة، فلماذا لم تجدهم قبل الجريمة؟ وخاصةً أنك تخوض حرباً منذ سنوات في هذه المنطقة، ما يعني توافر كل خبرات اللعبة بيدك؟
وثاني التساؤلات: ما الذي أدراك أنهم متورطون في الواقعة؟! فهل قبل أن تقصفهم بالطائرات أجريت تحقيقاً جنائياً معهم على الأرض مثلاً؟ والأهم أنه إذا كانت جميع روايات الناجين تؤكد أن عددهم كان ما بين 20 و40 شخصاً، فهل يعني أن يكون قتلك 45 شخصاً أن هناك 5 منهم أبرياء "فوق البيعة"؟

اللافت أن النظام الذي تعرّف على المجرمين في هذا الوقت الوجيز وصفّاهم، هو نفسه الذي تأخرت طائراته عدة ساعات عن الوصول لمسرح الجريمة رغم انتشار أكمنته في الطريق المؤدي إليه.
مستعدون أن نسلّم بصحة كل ما قاله النظام الحاكم ونسحب تساؤلاتنا، ولكن لو ضمنّا الإجابة بـ"نعم" عن سؤال: هل سينتهي الإرهاب في سيناء الآن بعد قتل كل هؤلاء الإرهابيين الخطرين؟
لكن، هناك أيضاً أمر لا يقل غرابة، هو أن الجريمة التي ندد بها العالم وقعت قبل 48 ساعة فقط من افتتاح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الرياض، أعمال الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، والذي ينعقد تحت شعار "متحالفون ضد الإرهاب"، بحضور ممثلي 41 دولة، وكأن المجرمين قد خططوا لإعطاء الاجتماع زخماً دولياً!

تساؤلات حول العملية

مسرح العمليات شهد المجزرة بعد بدء الخطبة بدقائق، ما يعني أن المسجد لم يكن مكتظاً؛ ومن ثم فإن الضحايا في الغالب سقطوا بالخارج، وهو ما أكدته الشهادات المكتوبة والمتلفزة بأن القتل طال المصلين في الداخل والخارج وحتى المارة في الشوارع والمناطق السكنية المحيطة، ولم يتم إيذاء المسجد أو تفجيره، ما يعني أن المجرم القاتل كانت معركته أساساً في وجود الناس هناك وليس في وجود المسجد.
كما أن المسجد يقع على أرض منبسطة ويبعد فقط 450 متراً من وحدة عسكرية وعلى طريق مكتظ بالوجود الشرطي والأمني، ما يعني سهولة حمايته وهو ما لم يحدث! وفى 30 إلى 120 دقيقة -بحسب الشهادات- تمت المجزرة وانسحب المهاجمون في أمان ولم تصل أي قوات تتصدى لهم!
والأهم أنه من المعروف أن قبيلة السواركة التي ينتمي إليها الضحايا واحدة من القبائل التي أذاقت العدو الصهيوني الويلات في فترة احتلاله سيناء، وهي القبيلة التي اتُّهمت بالتباطؤ في دعم الجيش بحربه المزعومة ضد الإرهاب، ما تسبب في مصادمات كلامية شهيرة بينها وبين قبيلة أخرى داعمة للجيش، وهي أيضاً القبيلة التي تمتد سيطرتها على طول المساحة الساحلية شمالاً ما بين جامعة سيناء غرباً حتى رفح التي كانت تسيطر عليها قبيلة الرميلات، قبل استهدافها هي الأخرى بالتفجيرات الأعوام الماضية وتهجير أهلها إلى مناطق أخرى، ما يؤكد أن صاحب المصلحة في التفزيع والتهجير هو النظام؛ تنفيذاً لما تحدث عنه السيسي نفسه.. صفقة القرن.
فهل يستلزم تنفيذ صفقة القرن -يا إسرائيل- أن يموت كل الشعب المصري؟!

الجمعة، 1 ديسمبر 2017

سيد أمين يكتب: ماذا سيكتب التاريخ عن حكم السيسي؟

الخميس 30 نوفمبر 2017 19:14
ماذا سيكتب التاريخ عن حقبة حكم السيسي لمصر؟ ماذا سيكتب عن كل هذا الكم الهائل من الهزل والابتذال الممزوج بالجد، واللا منطق المتشح برداء الحكمة، وسيل الدماء المتدفق في مصر دون داع ودون حتى اكتراث؟
قد تبدو الأسئلة من أول وهلة بسيطة وسهلة، وصيغتها تتضمن الإجابة عليها في الغالب، سيقول إنها هي حقبة الحكم "الصهيونية" الصريحة لمصر، وهى حقبة الحكم الفاشي العسكري المدعوم خارجيا، وهى حقبة تكتل الأقليات ذات التوجهات الخارجية، سيقال الكثير والكثير وهى بالقطع حقائق.
ومع ذلك قد بدا واضحا أن كل هذه الإجابات مبنية على نتيجة واحدة، وهى أن هذا النظام وتبعاته مصيره السحق والزوال، ولكن بقى سؤال أهم يجب أن نسأله: ماذا سيكون الأمر إن استمر لا قدر الله؟
نطرح هذا الطرح ونحن على ثقة من أنه سيذهب غير مأسوف عليه ولكن أيضا لا يجب أن نخفي مخاوف دفينة من أن يستمر ويطول، خاصة أن أشباهه حكموا مصر لحقب طويلة من الزمان، فحكمتنا سيدة لعوب اعتبرناها رمزا لمصر، رغم أنها لم تكن حتى مصرية، وحكمنا حكام جعلونا نعبدهم، ونفنى من أن أجل تخليد أجسادهم.
حكمنا الشواذ وفاقدو الرجولة في جزء من العصر المملوكي، وحكمنا العبيد في الدولة الإخشيدية، وحكمنا الدراويش الفاطميون الذين ينامون النهار ويستيقظون بالليل، وحكمنا البكوات والباشاوات في الدولة العثمانية، وحكمنا حاكم أجنبي غر، وليناه نحن علينا بعد ثورة جياع، فذبح منا من ذبح، وكتب كل أراضي مصر باسمه واعتبرها ملكا خاصا به، فاعتبرناه نحن مؤسساَ لمصر الحديثة وبأنى نهضتها.
بصراحة، التاريخ يقول إنه قد حكمنا كل ساقط ولاقط، ولم يحدث أي نزاع، فبقي الظلم وبقي الحرافيش يتكيفون معه بطريقتهم، وطالما الأمر كذلك، فيا تري كيف سيقرأ أولادنا وأحفادنا في كتب التاريخ ما يجري في مصر الأن؟

مأساة بطعم الملهاة
الأمر بلا شك يحمل الكثير من الملهاة والأكثر من المأساة، لأنه في الحقيقة سيكون العثور عن المنطق فيما يجري الآن تماما كالعثور على إبرة في كومة قش.
فبداية سيتم وضع السيسي في إطار الفاتحين الكبار، ربما مع عمرو بن العاص نفسه، وتتجاور أسماء رموز تمرد مع أحمد عرابي في المتحف الوطني، مع احتمال أن يتم رفع أسمي الأخيرين أصلاً، باعتبار العاص غازيا، وعرابي متمردا مارقا قاوم الغزو البريطاني لمصر والذي يحتفل السيسي بدعمه في الحرب العالمية الأولى ضد دولة الخلافة الإسلامية، أو أن يهبطوا قليلا فيتوازوا مع محمد على وسعد زغلول.
وبالطبع سيتم وصف الإخوان المسلمين بذات الصفات التي يوصف بها أبطال أفلام الزومبي وأكلة لحوم البشر الأمريكييون.
سيكتب التاريخ أيضا أن كائنات فضائية هبطت على مصر لتحارب الإخوان بعدما قام نحو600 شخص من كائنات فضائية أخري قادمة من كوكب حماس ، حيث انزعج أجدادهم من قبل من أصوات طيور النورس، لتقتحم تلك الكائنات الفيافي والقفار والأنفاق والأكمنة والبحار والحصون ، وتنتشر في ربوع مصر انتشار النار في الهشيم فتخور كل قلاع السجون فتفتحها على مصاريعها ، في نفس وقت اعتلائهم أسطح المباني لتقتل المتظاهرين في كل ميادين مصر والتي بالمناسبة هى من حشدتهم فيها أيضا ، من الخونة والممولين أمريكيا بوجبات كنتاكي ، وأنجزت تلك الكائنات مهمتها بدقة أعجزت أمامها جيش خير أجناد الأرض ثم عادوا إلى بلادهم في أمن وأمان دون حتى أن يصاب أي منهم حتى بخدش في أصبع قدمه الخنصر.
وسيكتب التاريخ أن الإخوان استولوا على الحكم عبر غزوة الصناديق متنكرون في طوابير طويلة من الناخبين، فاجتمعت كل مصر في ميدان التحرير حيث دار الندوة تتحداهم وتتحدى مسيرات الملايين من مليشياتهم التى كانت تجوب كل شوارع مصر متنكرة أيضا في صورة شعب.
سيحكى التاريخ أيضا أنه بعدما هب السيسي لإنقاذ البشرية من عودة دولة الخلافة مجددا ، وأطاح بحكم محمد مرسي الذي باع سيناء والشركات وحقول النفط والغاز ومناجم الذهب والنيل والأهرامات لقطر وتركيا، وذلك عبر ثورة مجيدة لم يشهد لها التاريخ مثيلا ،راحوا يعتصمون في ميدان رابعة العدوية مسلحين بكل الأسلحة المتطورة ويأسرون أعدادا كبيرة من المصريين هناك كرهائن، وكانوا يقتلون بعضهم البعض كمكيدة لإلصاق التهمة بقوات الشرطة والجيش، وذلك في محاولة منهم لإعلان الاستقلال عن مصر من هناك ، بدعم من قيادات إخوان أمريكا بقيادة أوباما وهيلاري كلينتون ، ولما فشل المخطط الشيطاني لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية بدا من مهاجمة مصر بأسطولها البحري السادس ، هنا قام وحوش البحرية المصرية بأسر قائده وإرغام الأسطول على الفرار.

نهاية سعيدة
وكعادة كل قصة رومانتيكية وديعة، سينتهي سرد التاريخ بانتصار إرادة البطل المُخَلص، الذي شق القنوات وزرع ملايين الأراضي وأسس العواصم الجديدة وأدخلنا عصر الذرة.
ولأنه لابد من كلمة "ازدهار" كأحد لوازم النهاية السعيدة بظهور البطل ، سيحكى التاريخ أن مصر ازدهرت في العلوم والفنون والآداب ، وأضحت الاختراعات والابتكارات سمة مميزة لهذا العصر، وكان من باكورتها قيام أحد نوابغ الجيش باختراع علاج لداء عضال نشره الإخوان في مصر ، مع اختراق الفضاء عبر "الوحش المصري" ،وإنتاج الكهرباء من الهواء ، وتسخير الرياح كوسيلة عسكرية للتغلب على صواريخ العدو ، وقيام مؤرخين عسكريين بتصحيح ثغرات خاطئة في التاريخ القديم واكتشاف أن أحمس المصري وليس صلاح الدين الايوبي هو بطل موقعة حطين.
في الحقيقة أن كتب التاريخ ستمتلئ بالقاذورات حتى الثمالة، وسيكون مستقرها أدمغة أحفادنا.
لذلك يجب أن يسقط الانقلاب حفاظا على وعى الأجيال القادمة

اقرأ المقال كاملا هـــــــــنا 

سيد أمين يكتب : انتبه يا سيد خالد علي

نقلا عن مدونتي في هافنجتون بوست عربي

يدرك عبد الفتاح السيسي وأجهزة حكمه قبل أي جهة أو كيان آخر أن شعبيته تدنت في مصر لدرجة قد لا تكفي لترشحه لتولي منصب رئيس مجلس مدينة منتخب.
ويدرك في ذات الوقت أن هناك تذمراً كبيراً في الشارع المصري ينذر بثورة شعبية عارمة وعنيفة، جراء تلك السياسات التي اتبعها والتي يعلم تماماً قبل غيره أنها شديدة القسوة والجور، فضلاً عن إغلاق الحياة السياسية والعامة بالضبة والمفتاح، وتصفية المعارضات بكل أنواعها، لا سيما الراديكالية بالقتل والسجن والتشريد والإقصاء.

حياة أو موت

ويدرك ثالثاً أنه لا يمكنه التنازل عن السلطة بأي مقابل أو حتى اتفاق؛ لأن هذا التنازل لا يمس فقط توقيف رغبته ورغبة نظامه في التسلط ونهب الثروات، ولكن لأن التنازل يشكل خطراً على حياته وحياة كثيرين من قيادات نظامه الذين ستطالهم يد العدالة جراء حمامات الدم التي تدفقت في نهر مصر في "الخمسية الأخيرة السوداء" من التاريخ.
كما لا يمكننا أن نتجاهل أن وجود السيسي في السلطة جاء نتيجة قرارات لتوافُقات قوى إقليمية من أجل تنفيذ مخططات إقليمية معينة بدت واضحة مؤخراً، أهمها صفقة القرن والسلام الدافئ ومشروع "نيوم" وتوصيل مياه النيل لإسرائيل وغير ذلك، وبالتالي فإن السيسي شخصياً قد لا يكون صاحب قرار استمرار وجوده في السلطة من عدمه، فذلك ليس متوقفاً على رغبته فقط، ولكن على رغبة القوى الإقليمية تلك التي أتت به، وستدعمه لأقصى حد ومهما كانت التضحيات في الداخل المصري.

معارضة.. ولكن

وإزاء هذه الأوضاع أصبح واجباً على نظام السيسي "تنفيس البالون" قبل أن ينفجر، وذلك من خلال إظهار مؤشرات لفتح المجال العام، مع القليل من حريات الكتابة والتعبير والانتقاد، وصناعة أو تنشيط أو حتى السماح للمعارضة بالعمل والنمو والازدهار، بشرط أن تكون فردية، أي لا تنتمي إلى "كتلة" تشكل خطراً على دوام بقائه.
علماً بأن هذا النوع من المعارضة الذي يعارض من داخل النظام يقدم لهذا النظام خدمات لا تقدر بثمن، أقلها أنها تحفظ ماء وجه شركائه الغربيين الذين يدعمونه سراً وعلانية أمام شعوبهم.
ويجب أن ننبه إلى أنه ليس شرطاً أن تكون هذه المعارضة هي من صناعة النظام، ولا نزعم ذلك، بل قد تكون معارضة صادقة وجادة ومفعمة بالإخلاص والوطنية، ولكنها أيضاً لا تدرك أن النظام يستخدمها لصناعة ديكور يزيّن به شرعيته الديكتاتورية، وذلك لأنه لا يوجد نظام حكم في العالم بلا معارضة داخلية إلا إذا كان نظاماً ديكتاتورياً فجّاً كالذي في كوريا الشمالية مثلاً - كما يصوره لنا الإعلام الغربي.

طعن المعارضة

وأزعم أن النظام المصري الحاكم سيتجه خلال الأشهر المقبلة، وقبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل، إلى إبراز هذه المعارضة "المضمونة" والإعلاء بطرق شتى من شأنها، والتأكيد على ضراوة الصراع الانتخابي، وذلك في محاولة منه لإقناع العالم بديمقراطية المنافسة الانتخابية التي ستنتهي بلا أدنى شك من فوز السيسي لفترة رئاسية ثانية.
وهو ما يعني توجيه المعارضة طعنة قاتلة إلى نفسها، ويحرمها من فرصة الطعن على نزاهة الانتخابات ومن تصديق العالم لها أيضاً، ويشكك في كل ما تردده عن القمع والاستبداد والإقصاء، بل ويفتح المجال أمام نظام السيسي لممارسة المزيد من القمع للإجهاز على أي مكمن خطر وذلك بعدما تحسنت صورته الخارجية.

خالد علي

لا شك أن السياسي والحقوقي خالد علي واحد من الشخصيات التي حظيت باحترام الشارع المصري مؤخراً، لا سيما بعد تصديه ومن معه من محامين وحقوقيين بواسل لعملية التنازل عن ملكية مصر لجزيرتي تيران وصنافير، ولا أشك أبداً في وطنيته ونزاهته.
ولكني أخشى أن يكون قيامه بإعلان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة فخاً قد أوقع نفسه فيه دون قصد منه، وذلك لكل الأسباب السابقة، خاصة أن السيسي بحاجة لشخص له تاريخ بوزنه ليخوض أمامه الانتخابات ويسوّق على حسابه شرعيته، وقتئذ سينجح السيسي وسينسى الناس لك كل معروف حقوقي قدمته لوطنك، وسيتذكرون لك أنك رضيت بدور لا يليق بك كما لا يليق بمن سبقك في الانتخابات الماضية.
وأذكّرك أن خيالات الناس واسعة فقد يتهمونك بأنك مصنوع من قِبَل النظام لأداء مثل هذا الدور، وأن السلطة تركتك تمضي في قضية الجزيرتين لتحصل على الحكم الشهير الذي يترك لها مجالاً للضغط وابتزاز النظام السعودي ويفتح لها باب الرجعة متى جَدّ في الأمر ما ليس على رغبتها.
وأن الدليل على ذلك هو قيامك بصرف المتظاهرين الذين توافدوا بكثافة عفوياً إلى نقابة الصحفيين، وذلك عبر تحديد يوم آخر للتظاهر، وفي اليوم المحدد كان الأمن يفترش القاهرة فلم يتظاهر أحد.
أو أن يقولوا إنه تم الزج بك في هذا الأمر من أجل العودة إلى حالة الانقسام التي عززها النظام، والتي أيضاً شارفت على الالتئام بعد توحد الجميع ضد السيسي.
ولتتذكّر يا سيد خالد علي أن ما جاء بالدبابة لن يرحل بالصندوق، وأن التحجج بخوض الانتخابات من أجل فتح المجال العام هو يعني أيضاً شرعنة النظام الجديد، وأن فتح المجال العام قادم على كل الأحوال.
لأنني أحبك أنبّهك.