نقلا عن مدونتي في هافنجتون بوست عربي
يدرك عبد الفتاح السيسي وأجهزة حكمه قبل أي جهة أو كيان آخر أن شعبيته تدنت في مصر لدرجة قد لا تكفي لترشحه لتولي منصب رئيس مجلس مدينة منتخب.
ويدرك في ذات الوقت أن هناك تذمراً كبيراً في الشارع المصري ينذر بثورة شعبية عارمة وعنيفة، جراء تلك السياسات التي اتبعها والتي يعلم تماماً قبل غيره أنها شديدة القسوة والجور، فضلاً عن إغلاق الحياة السياسية والعامة بالضبة والمفتاح، وتصفية المعارضات بكل أنواعها، لا سيما الراديكالية بالقتل والسجن والتشريد والإقصاء.
حياة أو موت
ويدرك ثالثاً أنه لا يمكنه التنازل عن السلطة بأي مقابل أو حتى اتفاق؛ لأن هذا التنازل لا يمس فقط توقيف رغبته ورغبة نظامه في التسلط ونهب الثروات، ولكن لأن التنازل يشكل خطراً على حياته وحياة كثيرين من قيادات نظامه الذين ستطالهم يد العدالة جراء حمامات الدم التي تدفقت في نهر مصر في "الخمسية الأخيرة السوداء" من التاريخ.
كما لا يمكننا أن نتجاهل أن وجود السيسي في السلطة جاء نتيجة قرارات لتوافُقات قوى إقليمية من أجل تنفيذ مخططات إقليمية معينة بدت واضحة مؤخراً، أهمها صفقة القرن والسلام الدافئ ومشروع "نيوم" وتوصيل مياه النيل لإسرائيل وغير ذلك، وبالتالي فإن السيسي شخصياً قد لا يكون صاحب قرار استمرار وجوده في السلطة من عدمه، فذلك ليس متوقفاً على رغبته فقط، ولكن على رغبة القوى الإقليمية تلك التي أتت به، وستدعمه لأقصى حد ومهما كانت التضحيات في الداخل المصري.
معارضة.. ولكن
وإزاء هذه الأوضاع أصبح واجباً على نظام السيسي "تنفيس البالون" قبل أن ينفجر، وذلك من خلال إظهار مؤشرات لفتح المجال العام، مع القليل من حريات الكتابة والتعبير والانتقاد، وصناعة أو تنشيط أو حتى السماح للمعارضة بالعمل والنمو والازدهار، بشرط أن تكون فردية، أي لا تنتمي إلى "كتلة" تشكل خطراً على دوام بقائه.
علماً بأن هذا النوع من المعارضة الذي يعارض من داخل النظام يقدم لهذا النظام خدمات لا تقدر بثمن، أقلها أنها تحفظ ماء وجه شركائه الغربيين الذين يدعمونه سراً وعلانية أمام شعوبهم.
ويجب أن ننبه إلى أنه ليس شرطاً أن تكون هذه المعارضة هي من صناعة النظام، ولا نزعم ذلك، بل قد تكون معارضة صادقة وجادة ومفعمة بالإخلاص والوطنية، ولكنها أيضاً لا تدرك أن النظام يستخدمها لصناعة ديكور يزيّن به شرعيته الديكتاتورية، وذلك لأنه لا يوجد نظام حكم في العالم بلا معارضة داخلية إلا إذا كان نظاماً ديكتاتورياً فجّاً كالذي في كوريا الشمالية مثلاً - كما يصوره لنا الإعلام الغربي.
طعن المعارضة
وأزعم أن النظام المصري الحاكم سيتجه خلال الأشهر المقبلة، وقبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل، إلى إبراز هذه المعارضة "المضمونة" والإعلاء بطرق شتى من شأنها، والتأكيد على ضراوة الصراع الانتخابي، وذلك في محاولة منه لإقناع العالم بديمقراطية المنافسة الانتخابية التي ستنتهي بلا أدنى شك من فوز السيسي لفترة رئاسية ثانية.
وهو ما يعني توجيه المعارضة طعنة قاتلة إلى نفسها، ويحرمها من فرصة الطعن على نزاهة الانتخابات ومن تصديق العالم لها أيضاً، ويشكك في كل ما تردده عن القمع والاستبداد والإقصاء، بل ويفتح المجال أمام نظام السيسي لممارسة المزيد من القمع للإجهاز على أي مكمن خطر وذلك بعدما تحسنت صورته الخارجية.
خالد علي
لا شك أن السياسي والحقوقي خالد علي واحد من الشخصيات التي حظيت باحترام الشارع المصري مؤخراً، لا سيما بعد تصديه ومن معه من محامين وحقوقيين بواسل لعملية التنازل عن ملكية مصر لجزيرتي تيران وصنافير، ولا أشك أبداً في وطنيته ونزاهته.
ولكني أخشى أن يكون قيامه بإعلان الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة فخاً قد أوقع نفسه فيه دون قصد منه، وذلك لكل الأسباب السابقة، خاصة أن السيسي بحاجة لشخص له تاريخ بوزنه ليخوض أمامه الانتخابات ويسوّق على حسابه شرعيته، وقتئذ سينجح السيسي وسينسى الناس لك كل معروف حقوقي قدمته لوطنك، وسيتذكرون لك أنك رضيت بدور لا يليق بك كما لا يليق بمن سبقك في الانتخابات الماضية.
وأذكّرك أن خيالات الناس واسعة فقد يتهمونك بأنك مصنوع من قِبَل النظام لأداء مثل هذا الدور، وأن السلطة تركتك تمضي في قضية الجزيرتين لتحصل على الحكم الشهير الذي يترك لها مجالاً للضغط وابتزاز النظام السعودي ويفتح لها باب الرجعة متى جَدّ في الأمر ما ليس على رغبتها.
وأن الدليل على ذلك هو قيامك بصرف المتظاهرين الذين توافدوا بكثافة عفوياً إلى نقابة الصحفيين، وذلك عبر تحديد يوم آخر للتظاهر، وفي اليوم المحدد كان الأمن يفترش القاهرة فلم يتظاهر أحد.
أو أن يقولوا إنه تم الزج بك في هذا الأمر من أجل العودة إلى حالة الانقسام التي عززها النظام، والتي أيضاً شارفت على الالتئام بعد توحد الجميع ضد السيسي.
ولتتذكّر يا سيد خالد علي أن ما جاء بالدبابة لن يرحل بالصندوق، وأن التحجج بخوض الانتخابات من أجل فتح المجال العام هو يعني أيضاً شرعنة النظام الجديد، وأن فتح المجال العام قادم على كل الأحوال.
لأنني أحبك أنبّهك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق