الخميس، 6 ديسمبر 2018

سيد أمين يكتب :الذباب الالكتروني.. النشأة والمكافحة

 الخميس 6 ديسمبر 2018 15:50
أصبحت ظاهرة "الذباب الإلكتروني" أو اللجان والكتائب الإلكترونية من أبلغ "سوءات" وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي خاصة بعد أن تفجرت ثورات الربيع العربي، والتي بغرض التصدي لها تفشت تلك الظاهرة على هذا النحو المزعج في محاولة بائسة من قبل نظم الحكم المستبدة للإيهام بوجود شعبية لها ولسياساتها والتي كان آخرها الإعلان عن قيام تويتر بإغلاق مئات الحسابات الوهمية التي كانت تغرد آليا لدعم سياسات النظام السعودي.
وقد كانت مصر من أوليات الدول التي تم الكشف فيها عن تلك المجموعات منذ الأشهر الأولى لثورة يناير، حيث انتشرت فيديوهات عن أعضاء في تلك الكتائب يؤكدون فيها وقوف الإمارات والحزب الوطني والشؤون المعنوية بالقوات المسلحة وراءهم، ثم بعد الانقلاب 2013 تكشفت معلومات أهم عن تلك الشبكات بوقوف صحفيين كبار وراء إدارتها، وذلك عبر تشكيلهم مجموعات من الأفراد لكل فرد عشرات الحسابات ينشرون نصوصا شبه موحدة تُملى عليهم.
وغني عن البيان أن لغة ومضامين خطاب تلك المجموعات "الأجيرة" والذي يمتاز بالركاكة والرعونة والتشكيك غير المبرر في الوطنية والولاء، يفتقر إلى أدب الحوار ويحتقر المنطق والقيم الإنسانية كالحرية والمساواة والعدالة، وهي ما نادت به ثورات هذا الربيع.
ذباب تويتر
وتبدو ظاهرة "الذباب الإلكتروني" واضحة تماما على موقع "تويتر" ربما بسبب استخدامه خاصية "الهاشتاجات" الأكثر تداولا، وهي الخاصية التي يمكنها أن تتيح لعمل تلك المجموعات الظهور وتحقيق أعلى المعدلات، من ثم قيام السلطة بالتدليل على تلك النتائج إعلاميا وسياسيا.
وربما تكون ملموسة جدا بسبب وجود الفرع الإقليمي لشركة "تويتر" في دولة الإمارات العربية وهي الدولة الراعية الأولى للثورة المضادة في الوطن العربي، وقد يكون أيضا بسبب قيام مستثمرين سعوديين مقربين من الحكم بشراء حصص كبيرة من تلك الشركة، حيث يمتلك الأمير السعودي الوليد بن طلال - بحسب تقديرات الخبراء - أكثر من 34 مليون سهم ما يمثل 17.5% من أسهم الشركة التي تقدر قيمتها بنحو مليار دولار أمريكي ليصبح الوليد بن طلال الذي بدأ الاستثمار في تويتر في 2011، صاحب ثاني أكبر حصة فيه اعتباراً من عام 2015.
وتستخدم السعودية – شأنها شأن جميع دول حصار قطر- شبكات التغريد الآلي "بوتات" و"ترولز" في تويتر والتي تعمل عن طريق أكواد برمجية تخبر الحساب، والحسابات الأخرى الشقيقة، بالتصرف على نحو معين للتأثير على آراء المواطنين وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وإيهامهم على خلاف الحقيقة بان مواقفها السياسية تحوز إجماعا شعبيا، خاصة بعد اندلاع أزمة حصار قطر في يونيو/حزيران 2017، وبحسب الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان فإن سعود القحطاني - أحد أبرز المتهمين بقتل خاشقجي- هو من يشرف على تلك اللجان والشبكات ، فيما أكدت صحيفة الواشنطن بوست على تلك المعلومة في إطار تغطيتها لحادثة الاغتيال المروعة.
وقبل أن يعترف تويتر بوجود الملايين من حسابات الذباب الإلكتروني لديه ، كانت هذه الاتهامات يرددها رواد الموقع بشكل دائم ويدللون عليها بأن الهاشتاجات المؤيدة للربيع العربي قد تنجح في الوصول للأكثر تداولا ولكن سرعان ما تختفي بدون أى تدرج في الهبوط ما يعني أنها حذفت من قبل "إدارة" الموقع حذفا، فضلا عن شكاوى متكررة من النشطاء المؤيدين للربيع العربي بأنه يحدث بين حين وأخر "حذف" آلاف الحسابات  التابعة لهم في ساعات محدودة ، وهو ما لا يتفق منطقيا على أن يكون أمرا طبيعيا، فضلا عن إغلاق حسابات كثير منهم بالضبة والمفتاح كما حدث مع المدون والناشط وائل عباس حينما أغلقوا حسابه بعد حذف عشرات الآلاف من  متابعيه وقبل اعتقاله.
ثم جاءت كلمة الفصل حينما نشرت صحف غربية أن عميلا للسعودية في المركز الإقليمي لشركة تويتر سلمها تفاصيل عن أصحاب حسابات معارضة منها حساب "كشكول"، ما سهل قيام المملكة باعتقال صحفي يدعى تركي الجاسر اتهمته بإدارة الحساب وقتلته في المعتقل.
ورغم كل ذلك فان شركة تويتر الرئيسية تنفي بشدة تأثير وجود المقر الإقليمي لها في الإمارات أو توجهات المساهمين على عمل الموقع.
فيما ذكرت صحيفة واشنطن بوست إن 17% من عينات عشوائية لتغريدات باللغة العربية ذُكر فيها اسم قطر العام الماضي قد نُشرت من قبل حسابات وهمية، أو شبكة ذباب إلكتروني.
مكافحة الذباب الالكتروني
أفتك وسائل الإبادة للذباب الإلكتروني هو "الحظر" و"الإبلاغ" وعدم الانجرار وراء محاولات الحوار معهم والإقناع، لأنهم باستغراق وقتك وإجهادك يكونون قد حققوا غايتهم في إصابتك بالزهق واليأس وإبعادك عن منبرك لتخسر بذلك معركة الوعي أحد مقاتليها، فضلا عن أنهم أبدا لن يقتنعوا بما تقوله لهم لسبب بسيط وهو انه ليس لديهم الوقت للحوار المتماسك معك، وأنهم لا يقرأون تعليقاتك من الأساس، فضلا عن أنهم هم في الأساس غير معنيين بقضية الصواب والخطأ، وردودهم دائما هي نصوص ثابتة محفوظة كثيرا ما تفتقر للمنطق.
وتتمثل أهمية الحظر في أنه لا يحميك وحدك فحسب، بل أيضا يحمى متابعيك من وصول أسراب الذباب إليهم وتكرار التجربة معهم، ويحول دون تعرض معلوماتك ومعلوماتهم للسرقة والتهديد والابتزاز.
أما أهمية الإبلاغ فهي في أنها تفقد الذباب  الإلكتروني أساسات عمله من "الحسابات الجاهزة" وتشغله في إنشاء حسابات جديدة، وهى عملية مرهقة مع الكم الهائل المطلوب إنشاؤه، خاصة أن كل حساب منهم يحتاج إلى إنشاء بريد اليكتروني أو وجود رقم هاتف جوال قبل تدشينه.
وفي النهاية.. متى يعلم المستبدون أن الذباب الاليكتروني لا يصنع شعبية ولا حقيقة.

اقرأ المقال على الجزيرة نت 


الجمعة، 9 نوفمبر 2018

سيد أمين يكتب: الذين ذابوا في حب الوطن


الجمعة 9 نوفمبر 2018 17:01
كان كل من هب ودب يقولها من باب "فض المجالس" لكنهم لم يجربوها قط، لكن هناك شخصا واحدا قالها صادقا وجربها بالفعل، فاستشهد ذائبا في حب الوطن بكل ما تعنيه الكلمة.
لعل من جملة أسباب كثيرة وراء التعاطف العالمي في جريمة مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، بشاعة الجريمة ، والتنكيل بجسد إنسان تقطيعا ليس من قبل عصابة إجرامية، ولكن من قبل هيئة دبلوماسية لدولة تضع في علمها عبارة التوحيد ، ويوصف حاكمها بأنه خادم الحرمين الشريفين؛ المقدسين في دين يدعو كتابه المقدس للعدل ويقدمه على ما عداه من قيم وخصال، فضلا عن أن الرحمة هي ما تزين فاتحة الكلام عند معتنقيه، وهو ما شكل إساءة بالغة للإسلام وتشويها خطيرا لصورته الذهنية لدي شعوب العالم أجمع ، خاصة أن ما جرى لم يحدث في سجن ولا معتقل أو مركز تحقيق غير قانوني مخفي عن الأنظار، ولكن في مقر بعثة دبلوماسية مفترض فيها الالتزام بالحكمة والقانون والأخلاق.
فيما ألقى تواتر الروايات الأمنية عن أن هناك شكوكا بأنه قد تم قتله وإذابة جسده باستخدام أحماض ومواد فتاكة، ضوءا قويا على أن التعذيب لم يتوقف في نظم الاستبداد العربي عند حد سلب الحياة، ولكن امتد حتى حرمان القتيل من أن يكون له جسد يدفن في الثرى كما يدفن كل الموتى في الكون منذ بدء الخليقة.

أحماض فتاكة

المواد الفتاكة القادرة على التهام كل شيء كثيرة ومتنوعة، منها ما هو متداول ومنها ما هو غير متداول، فمن المواد الكيماوية المعروفة، مثلا، حمض الكبريتيك والذي يعرف شعبيا تحت اسم "ماء النار" وهو مادة لديها القدرة على التهام جسم الإنسان، وأيضا "الفوسفور الأبيض" وهو يؤدى إلى حرق وتفحم جسم الإنسان في ساعات، وكذلك حمض فلوريد الهيدروجين الذي لديه قدرة هائلة على التهام الجلد، وأيضا حمض الهيدروكلوريك، وهيدروكسيد الصوديوم، وهيدروكسيد البوتاسيوم، وغيرها.
كما أن مادة سوداء اللون، لزجة الخواص، تتكون من أكسيد الحديد والحديد السائل والصمغ وبعض المواد الكيماوية الأخرى التي تعطيها قوة جذب مغناطيسية هائلة، والمعروفة علميا باسم "ماجنتيك بيوتي" تستطيع هى أيضا أن تلتهم عظام إنسان في دقائق.
وحسب مقال لريتشيل بركس الأستاذة المساعد في الكيمياء بجامعة سان إدوارد بأمريكا، فان باستخدام كثير من تلك المواد أو بعض منها يمكن تذويب جسم إنسان كامل في ظروف البيئة العادية، في يوم واحد.
ومن أقوى الأحماض تلك التي تسمى باسم "حمض فائق" وهو الحمض الذي يمتلك حامضية أعلى من حمض الكبريتيك النقي 100%، وتشمل ثلاثي الفلور ميثان حمض السلفونيك والمعروف بحمض الترفليك، وحمض الفلوروسلفونيك وكلاهما أقوى بألف مرة تقريباً من حمض الكبريتيك، فيما يعد الحمض الأقوى على الإطلاق هو حمض الفلوروأنتيمونيك.
ولا يفوتنا هنا التأكيد أن مكونات كثير من الأحماض ليست بالأمر السهل شيوعه وتداوله ولا حتى تداول معلوماته، نظرا لخطورتها الأمنية، لذلك تلجأ كثير من الدول للتعامل مع تلك الأحماض والمواد التي تتكون منها بنفس القدر الذي تتعامل به مع أسرار الأمن القومي.

الذين ذابوا في حب الوطن

والحقيقة أن القتل تذويبا في الأحماض ليس بجديد في عالمنا العربي، ولكن الجديد هو أن الناس صدمت من بجاحة القاتل، وبراءة المقتول، وغرابة المكان، وبشاعة طريقة الاغتيال، والإخفاء التام لكل معالم الجريمة.
ففي مصر اختفي نائب رئيس تحرير الأهرام رضا هلال في 11 من أغسطس/آب 2003 في صمت، فيما قدم شقيقه عام 2009 بلاغاً إلى النيابة كاشفاً عن تلقيه مكالمة هاتفية عام 2007 تفيد بأنه مسجون في أحد سجون الإسكندرية، ثم راح يعلن بعد ذلك عن تلقيه اتصالا من شخصية أمنية رفيعة يخبره بأن أحد وزراء الداخلية هو من خطفه وقتله، ومثل بجثته بسبب انتقاده له، وبعد ثورة يناير خرجت تفاصيل تؤكد أن الداخلية خطفته وذوبت أجزاء منه في حمض فتاك فيما دفنت أجزاء أخرى داخل مبناها أو في مبنى وزارة الاستثمار!
هذه الواقعة سبقتها واقعة تذويب أخرى لجسم معارض سياسي ولكن في لبنان، الضحية اسمه سليم اللوزي وهو رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية حيث كان معارضا للرئيس السوري السابق حافظ الأسد لذلك حينما استشعر الخطر فر إلى لندن واتخذ منها موطنا، لكنه بعد وفاة والدته اضطر للعودة إلى بيروت في يناير ١٩٨٠ لدفنها، لكنه خطف من جوار زوجته في كمين على طريق مطار بيروت وبعد أسبوع وجدوا بقايا جثته في أحراش قرب بيروت وقد تمت إذابة أجزاء من جسده، وكانت الأصابع واليد مذابة بالحمض.
وكانت قد سبقت تلك الواقعة قيام حكومة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959 باختطاف القيادي البارز في الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو من أحد شوارع دمشق أثناء زيارة سرية لها، وجاء الاختطاف إثر رفض الحزب حل نفسه بعد الوحدة بين سوريا ومصر، وقدم ما يسمى وثيقة المبادرات العشرة والتي تم رفضها، جرى تعذيب الحلو ليعترف بأسماء القيادات الرافضة للوحدة حتى مات ومن ثم ذوب جسده بالحمض كي لا يبقى له أثر.
كما شملت خريطة التذويب في حب الوطن المعارض اليساري المغربي المهدي بن بركة، الذي اختطف من أمام أحد مقاهي باريس عام 1965 ثم اختفى، وظهرت العديد من الروايات حول ما جرى له، هناك من يؤكد مقتله في باريس ثم دفن على جانب أحد الأنهار، وهناك من يقول أنه قتل في فرنسا ونقلت جثته بواسطة طائرة عسكرية مغربية ثم أذيبت في حوض من الحمض كي لا يبقي لها أثر.
فيما ترددت روايات "غريبة" بأن القاتل لم يكن الملك المغربي الحسن الثاني، كما يتوقع الجميع، ولكن كان جهاز الموساد الإسرائيلي الذي فعلها تقربا للملك من دون طلب منه. 
عموما، القتلة سعوا في الحوادث السابقة لإخفاء أثر الجريمة عبر إذابة جثث ضحاياهم، لكن ما حدث أن الضحايا عاشوا في قلوب الناس، بينما هم من ماتوا فيها.

اقرأ المقال كاملا هنا في موقع الجزيرة نت


الأحد، 14 أكتوبر 2018

سيد أمين يكتب: من مظاهر السخرة والتمييز

السبت 13 أكتوبر 2018 17:06
 بينما تجتهد دول العالم الحر في رصد ومكافحة كل العوامل المسيئة لآدمية الإنسان، وثبت مصر وثبات قوية للغاية نحو تعزيز حالة "العبودية" سواء تحت شعارات خدمة الوطن ، والتي كان آخر مظاهرها جلد مواطن بسبب إصراره على ضرورة التزام ضابط جيش بالدور في الحصول على "البنزين" في محطة وقود بسيناء ، أو تحت شعارات اقتصاديات السوق الحر، والعرض والطلب ، والتي كان آخرها احتفاء الإعلام المصري بخريج لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية يجيد خمس لغات وحصل على دراسات عليا في العلوم السياسية، ولكنه يعمل ماسح أحذية في الشارع ، وتجاهل هذا الإعلام أن المواطن أهدر كل ما تعلمه في عمل لا يحتاج أي علم ، وأن مسلكه لا يشجع الشباب على حب العمل ولكنه يحرض على عدم التعلم.
السخرة الرسمية
وتتمركز غالبية مظاهر العبودية في العمل بالسخرة والإكراه وهو ما تمددت رقعته مؤخرا، بعد أن كانت قاصرة فقط على العمل في "الجهات السيادية" بصفة عامة، وعلى بعض الظواهر الخاصة التي تتفشى في هذه الجهات والتي تتمثل في استغلال بعض القادة للمجندين بشكل شخصي بطريقة فجة، فيجعلونهم سعاة لقضاء حاجات أسرهم أو سائقين لسياراتهم، أو حراسا لممتلكاتهم، وهى الممارسات التي جرأت ثورة يناير الإعلام للتحدث عنها بشكل رسمي وتوجيه اتهامات لوزير داخلية مبارك ومساعديه بمثل تلك الممارسات.
بل إن الدولة راحت عبر كبار مسؤوليها تقر بأن أولاد الفقراء وأصحاب الوظائف المتدنية لن يتولوا الوظائف العليا مهما كان مستواهم التعليمي، وذلك كان خلاصة ما عبر عنه صراحة وزير "العدل" حينما قال إن أولاد جامعي القمامة لن يصبحوا أبدا قضاة، بينما جهر رئيس نادي القضاة عبر الإعلام بأنهم هم السادة -أي القضاة- وغيرهم هم العبيد!
جاء ذلك رغم ما هو معروف في مصر بالتوريث الفئوي لوظائف السلطة العليا مثل "القضاء والشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات" حيث صار العمل في تلك الجهات حكرا على بضع عائلات بعينها، وصارت ممارسات أفرادها فوق القانون والمحاسبة، كما احتكرت أيضا - ولكن بدائرة أكثر اتساعا - الوظائف الجالبة للثروة والمال والنفوذ.
وتمادت الدولة الجائرة في غيها فسنت قوانين تميز بين الناس تارة على أساس العمل كأن تعفي مشتغلي المهن السيادية من كثير من الصعاب التي يتعرض لها أبناء الشعب، بل ورحت تقنن حق الأب في تعيين الابن في عمله بما يتضمن ذلك من حرمان الأكفأ من العمل بتلك الوظيفة.
تمييز
وتمارس الدولة المصرية التمييز بين مواطنيها على أساس طائفي خدمة لأهداف سياسية، فإذا توفي مواطن من فئة ما نتيجة إهمال الدولة تكون ديته 5 آلاف جنيه " أقل من ثمن خروف"، أما لو مات مواطن أخر من فئة مقربة من السلطة فديته تبدأ من 100 ألف جنيه لتصل إلى المليون، وتلك المعادلة قد تنقلب عكسيا طبقا لخريطة المصالح.
كما أن هناك تمييزا على أساس جغرافي حيث إن محافظات بعينها يحتكر أبناؤها العمل بالجهاز الإداري للدولة ويتولون مناصب المحافظين ورؤساء المدن والأحياء والأندية وغيرها، وفي المقابل هناك محافظات مصرية يكون مجرد الانتماء إليها جالبا لشقاء صاحبه، وإذا خرج مواطنوها بعيدا عنها ينتظرهم الويل والتنكيل، فضلا عن منعهم من تولى أي مناصب بالدولة بل إنه لا يتم منحهم هويات مصرية دائمة كما هو الحال في سيناء.
وكذلك امتدت ظاهرة التمييز الجغرافي عبر انتشار حملات التبرع تارة بالبطاطين وتارة بمحطات مياه الشرب أو أضحيات العيد من أجل فقراء الصعيد، وهو ما أعطى انطباعا سلبيا لدى المراقبين الأجانب، والمصريين أيضا، بأن أهل محافظات الصعيد هم الأقل شأنا، مع أن الفقر لا يقتصر على محافظات الصعيد بل يتمدد على كل رقعة مصر.
طيلة العقود السابقة كانت هناك مظاهر تمييز ديني ضد المسيحيين في مصر - وهو أمر مرفوض بالقطع -  لكن هذا التمييز أبدا لم يكن كالتمييز الحادث لهم اليوم، والفرق بين "التمييزين" كان صارخا حيث كان التمييز الأول اضطهاديا يتمثل كله في عدم منح الأقباط تراخيص بناء الكنائس، بينما التمييز الثاني كان احتفاء بهم وإغداقا في العطايا لها بما يهدر مبدأ المساواة بين مواطنيها، وتمثل التمييز الأخير في منح الكنائس مساحات شاسعة وغير مبررة من الأراضي لها لدرجة وصلت إلى منحها مناطق مصنفة محميات طبيعية، كما هو الحال في اقتطاع الكنيسة مساحات شاسعة من وادي الريان بالفيوم.
 استعباد المعارضة
الآن تمايز السلطة بين مصري وأخر بقدر ما تتحصل عليه من معلومات حول مدى ولائه للنظام، فلو كان المواطن مؤيدا للسلطة فكل أخطائه يتم التجاوز عنها وتتعامل معه الدولة بكل اللين والهوادة، أما لو كان معارضا للسلطة فقد لا يرى الشمس مرة أخرى مع التنكيل بأسرته.
هذه مجرد خطوط عريضة لمظاهر التمييز والسخرة والعبودية في مصر وفي التفاصيل يكمن الشيطان.

يرجى قراءة المقال في الجزيرة نت 

الأحد، 7 أكتوبر 2018

سيد أمين يكتب: وجهة نظر حول سوريا وايران والربيع العربي

غياب الرؤى العميقة ، والأمية السياسية ، والتزمت والرعونة والانتهازية ، هي من الأسباب الأصيلة المسئولة عن تحول وطننا العربي إلى قطعة من الجحيم ، ووقوعه بين سندان الاستمرار في الاستبداد مضافا إليه غالبا التبعية للخارج ، وسحق النبوغ وعوامل الرقي أو الاستقلال الوطني الحقيقي ، وبين التحول إلى أمة من اللاجئين والمشردين.
ولا يعني ذلك أننا ندافع عن هؤلاء الحكام الخونة الذي نثق أنهم مجرد وكلاء عن الاستعمار لا أكثر ، ولكن نعتب على غفلة الثوار والحالمين بتغيير أحوال أوطانهم للأفضل ووقوع بعضهم في التحيزات الطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها ، وفقدانهم العمل بقاعدة أخف الضررين أو حتى فهم صراعات قوى الاستبداد الإقليمية بعضها البعض ، وحاجات الدول التي تدفعها إلى التدخل بين شعوبنا وحكامنا وتجعلها تخشى نهضة بلادنا.
ولو سألت أحداً اليوم عن مصلحة إيران من تدخلها العسكري في سوريا ، لكانت من ضمن الإجابات الكثيرة إجابة: الدفاع عن بشار أو الشيعة ، ولو قلنا أن الشيعة هناك قلة لم تكن أبداً في خطر، لا من قِبل الثورة ولا حتى من قِبل أعدائها ،سيقولون أيضا أن التدخل كان بسبب رغبتها في تشييع سوريا رغم أنه لو كان الأمر بهذا الوضوح والنهم ، لأجبرت إيران ثلث مواطنيها من السنة وديانات أخري علي التشيع وكان ذلك أجدى لها - وهذا لا يعني أنها لا تمسهم باضطهاد وتمييز - كما أن تلك المصالح أو المكاسب تكاد لا تذكر مقارنة بما خسرته من صناعة أعداء جدد لها هي في غنى عنهم.
هذه نماذج لإجابات رائجة لكن الإجابة الأكثر منطقية هو أن إيران قصدت من تدخلها تأمين خط الإمدادات بينها وبين حزب الله في لبنان كذراع عسكرية متقدمة لها، ذلك الخط الذي يمر عبر العراق وسوريا وقصدت بعض القوى الكارهة لنشأة هذا التحالف قطعه من خلال استغلال الثوار في سوريا أو استغلالا لضعف وعيهم السياسي أو استثماراً لحصاد الجهد الدعائي في تأليب مشاعر الكراهية المذهبية بين السنة والشيعة ، وذلك من أجل صناعة حمام دم كبير تعود كل نتائجه بين الغالب والمغلوب في صالح إسرائيل ، بل ولصالح بقاء حلفائها في نظم الاستبداد العربي التي قامت ثورات الربيع العربي من أجل إسقاطها.

أهذا دفاع عن إيران؟

 والسؤال الآن، هل يعد ذلك دفاعاً عن إيران وجرائمها في العراق وسوريا؟
بالطبع لا ، ولكنه تذكير بمدي خيانة أو استهتار أو قلة حيلة النظم العربية الحاكمة التي لم تسارع إلي منع إشعال الأتون السوري ليس بصب الزيت عليه كما فعلت وتفعل، ولكن بإيجاد الحلول الدبلوماسية الرشيدة التي تحترم إرادة الشعب في التغيير ، وتنظر في الوقت ذاته إلى متطلبات إيران وتؤمنها لها سواء انتصرت الثورة أو انتصر النظام الحاكم هناك.
ولو حدث ذلك على ما أعتقد ما تدخلت إيران في سوريا بكل تلك الفجاجة ، ولا كان أمر الثورة فيها يعنيها، وما سالت دماء مئات الألوف من السوريين ولا من حزب الله ولترك آمر الثورة هناك للسوريين ومنظمات العدالة الدولية.
لكن قطعاً لم يحدث هذا لأن هناك من لا يريد الخير لسوريا أو السوريين ويعنيه صناعة بؤرة صدام مذهبية لتخدم مشروعاته كزعيم للعرب السنة ، وهو مَن يعادي كل الثورات العربية قاطبة ومع ذلك نجده لا يقف معها إلا في المشهد السوري، وهو في الواقع الوقوف الذي حول الثورة إلي نزاع مسلح غرق فيه طرفي الصراع.

استبداد ، أم استبداد وعمالة؟

وفيما يبدو أن معظم حكومات الوطن العربي كانت قبل الربيع العربي مقسمة بين نوعين من نظم الحكم، الأولى نظم حكم استبدادية لا تحظي بشرعية شعبية ، والثانية نظم حكم استبدادية لا تحظي بشرعية شعبية وأيضا عميلة للخارج ، وعملت قوى الغرب على الاستيلاء على تلك الثورات وتحويلها لصالحها،عبر تقوية نظم التبعية لتعود أقوى مما كانت كما هو الحال في المشهدين المصري والتونسي، وهدم الدول التي ترفض أو تمشي بخطى متثاقلة في دخول الحظيرة الغربية ثم بنائها على الأساس الذي يرغب فيه بانيها، وها هنا نرى بشار الأسد ونظامه يعود تابعا ذليلا لروسيا كواحدة من قوى الاستعمار العالمي ، ونرى الناتو والاتحاد الأوربي والأمريكان هم أصحاب القرار الأول والأخير في ليبيا.
لقد كانت ليبيا من نماذج تلك الثورات على "الاستبداد"، الاستبداد فقط وليس العمالة ، فليبيا كانت في اعتقادي أكثر استقلالا بدليل أن الغرب حاصرها في قضية لوكيربي التي وقعت عام 1988أكثر من 20 عاما حتى عام2002 ، والأمر ذاته ينطبق على سوريا، حيث كانت إحدى ثاني الدول التي اعتبر أنها التالية المرشحة للغزو الأمريكي بعد العراق.
أما مصر وتونس فهما من نماذج تلك الثورات على "الاستبداد والتبعية" والحديث عن التبعية هنا قد لا يحتاج للتدليل ، ففي الحالة المصرية مثلا ، يكفي القول أنها هي من بادرت بجر قاطرة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ، والآن هي من تدعو لتصفية القضية الفلسطينية والسلام الدافئ وصفقة القرن وبالطبع ذلك كله خدمة لإسرائيل ، فيما لا ينكر احد مدى التدخل الفرنسي في القرار السياسي التونسي سابقا، ذلك كان قبل ثورة الشباب ، أما بعدها وبعد أن أخمدت المؤامرات الغربية وأذنابها في الدخل جذوة الثورة فكانت السخرية من تلك الثورة بأن جعلت ثورة الشباب تتمخض عن رجل تسعيني حاكما للبلاد.

الصراع المذهبي

القوى المضادة للربيع العربي التي كما نعلم رأسها في الخارج وذنبها في الغالب هو من يحكم في بلداننا العربية ، استفادت كثيرا من الثورة السورية بعد أن حولتها إلي حرب طائفية ، أفزعت الناس في أقاصي الوطن العربي ، وشوهت فكرة الربيع العربي كخلاص للشعوب الراغبة في الحرية والاستقلال ، وعززت فكرة الخير في البقاء ضمن الحظيرة.
الغرب والمتشددون في الداخل يزجون بالعرب في هذا الجحيم الذي لا ناجي منه ، بينما تجاوز الغربيون تلك الخلافات في بلدانهم واعتبروها مصدر إعزاز وطني يدل على التنوع والتعايش المشترك.
الحرب المذهبية هي أخطر القنابل التي يسعى جميع الكارهين للعرب في تفجيرها في الوطن العربي، فلنحذر. 

الخميس، 27 سبتمبر 2018

سيد أمين يكتب: مطلقو الشائعات


الأحد 23 سبتمبر 2018 15:01
لو كنت مصريا وأنت تتابع المشهد في مصر لعرفت من أول برهة أن هذا الضجيج الكبير في إعلام النظام المصري حول حرب الشائعات، هو مقدمة للجم الافواه والاجبار على تبني الخطاب الرسمي للدولة، وذلك في محاولة لحصار العقل والمنطق و"التوقع والتحليل والاستنتاج" عبر اتهام كل صاحب وجهة نظر بأنه من مروجي الشائعات.
ويؤكد هذه المخاوف أن رأس النظام شخصيا هو من أعلن عن رصد نظامه 21 ألف "اشاعة" في 3 أشهر معتبرا أن انهيار الدول يبدأ من الداخل عبر الشائعات، وهو التصريح الذي سبقته تمهيدات إعلامية كبيرة اتفقت على طريقة مواجهة مروجي الشائعات عبر القوة الغاشمة واختلفت في الأرقام التي تدرجت ما بين 60 ألف شائعة - ووصلت بعد ضبط جهاز رصد الشائعات - إلى 21 ألف شائعة فقط.
المهين حقا هنا أن الإعلام المصري راح يردد حينها نفس اللفظ الخاطئ الذي ردده السيسي فنطقوا الكلمة بلفظ "إشاعة" والصحيح "شائعة" لأن الإشاعة نجدها عند معامل "الإشاعات الطبية" فقط، بحسب اللفظ الدارج لـ "الأشعة"!
ويعتقد الكثيرون أن السلطة نفسها هي من تطلق عبر أدواتها غير الرسمية من إعلاميين ومسؤولين محليين الشائعات، ثم تقوم رسميا بتكذيبها وتدلل على ذلك بوجود مؤامرة ضدها يجب لجم منفذيها.

حول الشائعة

ولم يقل لنا هؤلاء ما هو الفرق بين الشائعة والاستنتاج؟ وهل هناك تعريف للشائعة وتعريف أخر للاستنتاج يجعلنا نفرق بين الشرير المغرض والباحث المتأمل المفكر؟ وهل يمكن أن يصدق الناس أي شائعة دون أن يتوافر شيء ما يدلل عليها؟ فرجلا الشرطة والنيابة الجادان مثلا يقومان بجمع المعلومات المتوافرة لديهما عن أمر ما ليستنتجا منها احتمالات معينة، هذه الاحتمالات تكون في تلك اللحظة غير مؤكدة وفي إطار "الإشاعة" حتى يثبت صدقها.
وبالتالي فإن تغييب المعلومات الصادقة والحقائق وعدم الإجابة عن التساؤلات بشكل منطقي - وهو ما تفعله السلطة في مصر- هو ما يصنع بيئة خصبة للشائعات، وليس من الإنصاف أن نعاقب الناس لأنها أكملت "حلقات" البحث باستخدام أدمغتها التي خلقها الخالق خصيصا لمثل هذه المهام، بعد أن ساقت السلطة نتائج لا تتسق مع المقدمات المتوافرة.
ولهذا لم يصدق الناس الأمر وراحوا يفكرون بأنفسهم مع أن الدول الحرة تشجع مواطنيها على التفكير بعد تقديم كافة الإجابات المقنعة لكل الأسئلة التي يطرحها الناس دون ضجر أو ملل أو تخوين أو إكراه لهم.
والحقيقة أن كل تجارب التاريخ الناجحة بنيت على اعتقاد ما، وكل اعتقاد قد يحتمل الخطأ والصواب، وكل خطأ هنا هو في الأصل كان شائعة تحتمل أيضا الصواب، وإيجازا فإن كل ما يشاع هو أمر قد يحتمل الصواب أو الخطأ كليا أو جزئيا.
وكل ما يخشاه المرء أن يكون النظام هو نفسه من يطلق الشائعات تارة ليكذبها بعد أن يرددها معارضوه فيصبح هو ضحية لمؤامرة كبيرة وتارة لكي يأخذها ذريعة لاجتثاث كل من يقول خلاف ما يقول هو، خاصة أن الشائعات تعد واحدة من أهم معالم الحرب النفسية التي يتم تدريسها في الكليات الحربية ليس في مصر بل العالم بأثره للتأثير في نفسية العدو.
وهناك اعترافات لقيادات سابقة بالمجلس العسكري منها ما قاله اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية السابق يؤكد فيها أنهم كانوا يطلقون الشائعات للتحكم في أحداث الثورة وذلك في مداخلة له أجراها على قناة دريم في أواسط عام 2011.
ومن المعروف أن النظام العسكري الحاكم في مصر اعتاد منذ عقود إطلاق الشائعات قبل اتخاذ أي قرار يخشى عواقبه، وكان يسمي ذلك بسياسة جس النبض.

شائعة أم تحليل؟

اختلطت الشائعة بالاستنتاج كاختلاط مكونات الماء، فالصحف الإسرائيلية تتحدث مرارا عن خطة لتبادل الأراضي بسيناء، وقال مبارك في تسريب صوتي له إن رئيس وزراء الكيان عرض عليه إقامة دولة للفلسطينيين في شمال سيناء مقابل ضم إسرائيل لغزة لكنه رفض.
ثم تتكرر فجأة بعد 2013 أحداث إرهابية في المنطقة المراد إقامة تلك الدولة عليها تحديدا دون غيرها ، تلاها تهجير لأهاليها بحجة مكافحة الإرهاب، ثم تتدفق الاستثمارات من دول داعمة لإسرائيل لإحداث تنمية في تلك المنطقة، ويتم افتتاح سحارات سرابيوم لتوصيل مياه النيل إليها ، ثم يتحدث السيسي في لقاء مع ترمب عما أسماها "صفقة القرن"، ثم حصار إسرائيلي مصري خانق لقطاع غزة المراد تهجيره، والسؤال: هل لو قلنا بعد كل هذه المعلومات أن ما يجري في سيناء هو تمهيد لإقامة تلك الدولة المزعومة - والمرفوضة فلسطينيا قبل أن تكون مرفوضة مصريا - نكون نحن بذلك من مروجي الشائعات أم من المحللين السياسيين؟ وهل حينما نشك في أن الإرهاب هناك حدث مبتدع لخلق هذه الحالة، نكون نحن من المغرضين؟
وخذ مثالا أخر ، شرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة الذي سيحجب نحو نصف حصة مصر السنوية من ماء النيل وكنا نتوقع إعلان مصر الحرب لذلك السبب، لكن وجدنا السيسي برفقة الرئيسين السوداني والإثيوبي يوقعون اتفاقا لم يطلع عليه أحد حينها، وخرجت في اليوم الثاني الصحف المصرية بعنوان موحد "السيسي حلها".
ثم تتجدد دعوات قديمة بعد ذلك بتوصيل مياه النيل لإسرائيل، ثم نجد أموالا من بنوك مصرية وإسرائيلية وخليجية قد تدفقت سرا على إثيوبيا لبناء هذا السد، تلاها فتح سحارات سرابيوم وترعة السلام لنقل المياه من النيل إلي شرق القناة ..فهل حينما نقول أن النظام المصري يسعى لتوصيل مياه النيل لإسرائيل نكون بذلك من مروجي الشائعات أم من المحللين السياسيين؟
وهل حينما ترفع الكاميرات من المتحف المصري بعد رئاسة السيسي لمجلس "أمنائه" ثم تطفئ أنوار مطار القاهرة ثم يعلن عن سرقة 23 ألف قطعة أثرية من المتحف وبعدها بأسابيع تفتح دولة الأمارات – حليفة السيسي- متحفا كبيرا عرضت فيه الكثير من تلك المسروقات، فهل حينما نقول إنه تم تهريب الآثار إلى الإمارات نكون بذلك نستنتج أم نطلق شائعات؟
ولو قلنا إن ترديد معلومات مجهولة يعد علامة من علامات الشائعات كما يزعم الإعلام المصري، فإننا أيضا حينما نقول بوجود رب للكون نكون بذلك من مرددي الشائعات، ولا يمكن أن نخرج من تلك الورطة إلا بالعودة للإيمان بالشواهد والمقدمات، وأن ندلل على وجود الله كما دلل عليه الإعرابي بأن: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟!
الخلاصة أنه حتى لو كان نظامكم عادلا - وهو أمر لا يصدق من فرط استحالته - فهو مدان لأنه أشاع الضبابية وخلق الشائعات وليس "الإشاعات"!


اقرأ المقالا كاملا على الجزيرة نت هنا

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

سيد أمين يكتب: التصفية الجسدية.. الطغيان الأكبر في مصر

الثلاثاء 28 أغسطس 2018 16:58
 لا يمر شهر واحد في مصر دون إعلان وزارة الداخلية تصفية عدد ممن تصفهم بـ "الإرهابيين" الذين تلحقهم تارة بولاية سيناء أو تنظيم الدولة أو حركة حسم وغيرها، ثم تلحق هذا الإعلان عادة بعبارة "إن الإرهابيين قتلوا أثناء اشتباك مع قوات الشرطة".
ولم يحدث مطلقا أن قامت القوات بالقبض على أي من هؤلاء الإرهابيين المزعومين أحياء أو حتى اكتفت بإصابتهم، وهو الدور المنوط بها كيلا تكون هي الخصم الذي يصدر لائحة الاتهام وهي أيضا من تصدر الحكم بالإعدام، وهى من تنفذه دون حتى تسجيل فيديو واحد متكامل لعمليات الدهم تلك.
ثم سرعان ما يعلن الطرف المقابل من ذوي هؤلاء القتلى عن شهادات مكتوبة أو مرئية وبلاغات قديمة للجهات الأمنية تؤكد أن ذويهم كانوا محتجزين من قبل جهات الأمن نفسها، أو أنهم قتلوا في عمليات إعدام ميداني دون أدني مقاومة منهم.
ومع ذلك لا أحد يتحرك أو حتى يجري تحقيقا شفافا في كل هذه الاتهامات، خاصة أن أجهزة الدولة الخاصة بتحقيق العدالة إما أن تصر على الرواية الأمنية، وإما أنها تلتزم الصمت على تلك الاتهامات المروعة في أكثر أوقات الحياد لها، أو تتجرأ فتبادر بفتح تحقيقات سرعان ما تموت في الأدراج كما حدث في القتلى الخمسة الذين اتهمتهم أجهزة الأمن بقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وهى نفسها من نفت ذلك وفتحت تحقيقا لم يعرف أحد نتيجته منذ أكثر من عامين.
كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى من الداخل والخارج ولا أحد يجرؤ في الداخل أن يطالب باستجلاء الحقائق بشكل عملي حماية للعدالة 
نحن هنا لا نكذب الروايات الرسمية، ولكن نطالب بتقديم الإجابات المنطقية أو الموثقة على الوقائع بدرجة تجعلنا نصدقها ولا نتساءل مجددا اقتناعا وليس خوفا من عاقبة السؤال. 
الغموض والقوة المفرطة
أخشى أن يكون هذا الأسلوب –  أسلوب الغموض والأبواب المواربة والقمع المفرط – مقصودا في حد ذاته من أجل تكوين شعور عام بأن السلطة ليست بحاجة لتقديم المبررات لما تفعل، وأنها تفعل ما تريد وقتما تريد دون أي بواعث على القلق أو حرص على الشفافية، ويجب على الجميع الاستسلام والتسليم بما يفعلون أو يقولون دون قيد أو شرط ، وذلك آملا في تحقيق حكمة المفكر السياسي الايطالي الأشهر في التاريخ نيقولا مكيافيللي بأن القوة المفرطة تصنع صديقا مخلصا، وأنه حينما تعاقب خصما لك فيجب أن تعاقبه بالطريقة التي تغنيك من خشية انتقامه.
إن كان كذلك فالثمار أتت أكلها، لا أحد في مصر الآن إلا ويشعر بالخوف وعدم الأمان والقلق مما يحمله المستقبل، وبواعث هذا الشعور لا تعود كما يمكن أن يصوره البعض إلى ضعف قوة السلطة، بل منها ومن جنونها وقوة بطشها، وانهيار منظومة العدالة فيها.
وكرست لتنامي هذا الشعور عوامل عديدة أهمها الغلاء والفساد وتفشى الواسطة والمحسوبية وتوحش الطبقية وعودة الإقطاع وإمساكه بمفاصل الدولة، فضلا عن تلك المظلوميات التي لا تنتهي التي يسمعها ويقرؤها ويعيشها المصري منذ أن يفتح عيناه صباحا حتى يخلد للنوم ليلا، مع تنامي الوعي لديه بأن شبكة المصالح التي تربط جلاديه ببعضهما البعض، أو تربطها بقوي إقليمية ودولية، عصية على الكسر، وكل ما تفعله سيغض العالم الطرف عنه.
الحرب النفسية
وإذا كان الخوف والأمان هما فقط مجرد شعور، فان بث الشعور بعدم الأمان قد يكون مقصودا من قبل النظام الحاكم من أجل تركيع المجتمع في إطار ما يسمي بـ "الحرب النفسية"، وقد يتعمد في سبيل ذلك تسريب جوانب من الفظائع التي تجري بحق المعتقلين أو مناوئيه لهذا الهدف.
وعمليا فان الحشود الهادرة المحتجة التي نزلت شوارع المدن المصرية الكبرى في أشهر الانقلاب الأولى، كانت من الكثرة والإصرار ما تعجز أي قوة عسكرية عن التغلب عليه، هنا تم التركيز على استخدام أساليب الحرب النفسية، التي كان من أهم أدواتها إهدار قيمة المنطق والقانون، والتهويل والتهوين في غير موضعيهما، وهي الحالة التي انتهت مؤخرا بسن قوانين غير منطقية تلغي دور الشهود في المحاكم، فضلا عن عدم تكلف السلطة بخلق تبريرات وذرائع قانونية لارتكاب أي جرائم.
كما جيشت السلطة قطاعات غير ناضجة فكريا من المجتمع لتكون حائط الصد الأساسي الذي يحول دون وصول غضب الحراك الشعبي إليها وهو ما أشاع حالة من الإحباط لدي كثيرين من أبناء هذا الحراك.
 العنصر الأكثر بطشا
وإذا كانت أدوات السلطة هي الجيش والشرطة والقضاء فالسؤال الآن؛ ما هو العنصر الأكبر تأثيرا في تشكيل خوف المصريين؟ هل هي القبضة الأمنية المفرطة؟ أم انهيار القضاء ومنظومة العدالة؟ أم قوة الدعم الإسرائيلي والغربي لهذا النظام؟ آم أن الثورة قد وصلت لحالة من الوهن والإنهاك قادت الناس إلى اليأس بعد سبع سنوات من المقاومة؟
ظاهريا تبدو كل تلك الأسباب مجتمعة وراء ذلك، لكن كان لانهيار منظومة العدالة خاصة في القضاء الطعنة الغائرة في جسد الثورة والتي سببت لها الوهن والوجع الشديد، وذلك لأن الدعم الغربي والإسرائيلي ما كان له تأثير في الداخل إلا عن طريق غض الطرف عما يرتكبه النظام من جرائم بحق معارضيه في الداخل، وما كان للحراك أن يتوقف آنذاك إلا عندما لمس الناس أن مؤسسة العدالة والمفترض فيها رفع الظلم أصبحت أحد أكبر الخصوم.
انهيار منظومة العدالة هي الطغيان الأكبر في مصر.

اقرأ المقال  بالنقر هنا علي موقع الجزيرة نت