الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

سيد أمين يكتب: الجزائر.. خطوة لخلع بقايا ثوب الاستعمار

حالة من الاحتفاء سادت بين النخب الثقافية العربية جراء قيام السلطات الجزائرية بإصدار قرار بتعميم صارم للتعامل باللغة العربية في جميع الدوائر الرسمية للبلاد.

ويتوافق هذا التعميم مع تصاعد أصوات النخب السياسية المعرّبة في الجزائر الداعية للتوجه نحو فضاء وتكتلات أخرى تمليها العروبة والإسلام.

أهمية القرار أنه يأتي بعد سجال كبير بين الرئيس تبون وخلفه الشعب الجزائري والعربي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول طبيعة وجود الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي، فضلا عن أنه جاء مغايرا لتوجه كثير من نظم الحكم العربية للاعتناء باللغة الإنجليزية على حساب العربية.

وأهمية القرار أنه يمثل ضربة جديدة للسياسة الفرنسية المعنية بالاستعمار الثقافي أتت من بلد يحتل فيه الناطقون بالفرنسية المرتبة الثانية بعد فرنسا.

موقف مبدئي


الموقف الجزائري الأخير هو امتداد لموقف مبدئي يسعي لاستكمال خلع الثوب الفرنسي الذي حاولت فرنسا إلباسه للجزائر جبراً عقب اجتياحه في القرن التاسع عشر، وهو الثوب الذي عبرت عشرات الثورات الشعبية العارمة -والتي قوبلت بالمذابح الوحشية- عن عمق الرفض الشعبي الجزائري لارتدائه.

وما يدلل على عمق الرفض أن تلك المذابح استمرت علي مدار 132 عاما، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد، وفي قول آخر 6 ملايين شهيد، ومع ذلك لم يتوقف الشعب الجزائري عن المقاومة حتى أجبر مستعمريه للاعتراف بحقه في تقرير المصير في النهاية.

كما أن القرار الجزائري الأخير ليس جديدا من نوعه، فهو يسير في إطار أحكام المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن اللغة العربية هى اللغة الوطنية والرسمية للبلاد، ويطابق أيضا القانون 05-91 الصادر في يناير1991 لنفس الغرض.

ويعززه رفض الجزائرعضوية المنظمة الفرانكوفونية (تجمع الدول الناطقة بالفرنسية) منذ المشاركة فيها في بيروت عام 2002، بينما قلصت مشاركاتها في كل القمم اللاحقة لدرجة “ضيف خاص”، ومن المتوقع أن تمتنع الجزائر عن المشاركة نهائيا في القمم القادمة في حال تصاعد السجال بين البلدين.

وهناك روافد شعبية تدعم عدم الانضواء تحت الرداء الفرنسي منها أن المثقفين الجزائريين يرون أن تلك المنظمة هى امتداد للمظلة الاستعمارية الفرنسية، والانضمام لها يعد تنكرا من الجزائريين اليوم لنضالات وتضحيات أسلافهم بالأمس.

ومن بين هؤلاء المثقفين وزير الثقافة الأسبق محي الدين عميمور الذي يرى أن ” منظمة الفرانكفونية تندرج في إطار الاستعمار الجديد، وفرنسا تستعمل الفرنسية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية بدون الاهتمام بمصالحنا”. وقال “لن نسمح للفرانكوفونية بأن تكون حصان طروادة داخل أسوار بنائنا السياسي والاقتصادي”.


ليست العربية فقط

لم تقف دوافع سياسية أو اقتصادية فقط وراء دعوات تمزيق الرداء الفرنسي للجزائر، بل هناك أيضا دوافع علمية منها ما كشفته وزارة التعليم العالي من أنها أجرت استبيانا اختار فيه 93% من المستجوبين تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية، فيما فجر عالم الرّياضيات الجزائري أبو بكر سعد الله في مقال له بعنوان “ماذا تبقى من الفرنسية في مجال البحث العلمي؟” نقاشا حادا حول إفلاس اللغة الفرنسية في المجال العلمي وصارت مهملة لدى الدّوائر الأكاديمية الغربية التي تعتمد اللغة الفرنسية في البحث العلمي..

وضرب سعد الله مثلا بجامعة “سودبيري” بكندا التي أجرت تخفيضاتٍ هائلة في النفقات بإزالة ما يقارب من نصف البرامج المقدَّمة باللغة الفرنسية، واستغنت عن الكثير من مدرّسي الفرنسية، مع انهيار أكبر جامعة كندية بسبب هشاشة اللغة الفرنسية التي تعتمدها.

لذلك قررت وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي اعتماد اللّغة الانجليزية في المدرسة العليا للذّكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات، في إطار إحلال الانجليزية محلّ الفرنسية في الأوساط العلمية، على اعتبار أن اللّغة الفرنسية لم يعُد لها مكانٌ في مجال البحث العلمي باعتراف الفرانكفونيين أنفسهم.

خاصة بعدما أصبحت معظم الدراسات العلمية والأعمال الثقافية والأدبية متوفرة في العالم بتلك اللغة، فيما تتمركز الجزائر في مؤخّرة الترتيب العالمي للدول الناطقة بها.

ويأتي القرار بعد اهتمام منظمة الكومنولث “الدول الناطقة بالانجليزية” بالجزائر كمجال خصب محتمل تزاحم فيه اللغة الانجليزية الفرنسية.

وفي كلا الحالتين سواء تم اعتماد العربية أو الإنجليزية، فإن الخاسر الوحيد بلا شك هو فرنسا ولغتها الفرنسية التي ستفقد نفوذها الثقافي العميق في هذا البلد.


السلاح الفعال

ومع تنامي نفوذ روسيا والصين وتركيا عالميا في العقود الثلاثة الأخيرة، صارت فرنسا أكثر حاجة لاستغلال أمثل لسلاحها الأكثر فعالية (اللغة الفرنسية) من أجل مواكبة هذا التطور ووقف تواضع نفوذها الخارجي.

بدأت هذا الاهتمام من داخل أراضيها، فأصدرت عام 1994 قوانين تجعل الفرنسية إلزامية في جميع أشكال البث التلفزيوني ما يعني دبلجة كل البرامج الناطقة بلغات أجنبية، وألزمت محطات الإذاعة تشغيل أغان فرنسية بما لا يقل عن 40% من محتوى البث، تلاها إصدار العديد من القوانين والقرارات واللوائح التي تجرم الحديث بغير الفرنسية.

وفي موقف له دلالاته، انسحب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لفترة قصيرة من جلسة في قمة للاتحاد الأوربي عام 2006 احتجاجا على مخاطبة رئاسة جماعة ضغط تابعة للاتحاد الأوربي زعماء التكتل باللغة الإنجليزية.

كما حث وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستير أبناء وطنه على الحد من استخدام مفردات اللغة الإنجليزية في كلامهم، رغم أن الرئيس الفرنسي نفسه كان يستخدم أحيانا بعض المصطلحات الإنجليزية في حديثه.

كل ذلك يكشف مدى عمق الضربة التي يمكن أن توجهها الجزائر لفرنسا في حال تنفيذ قرارها بشكل صارم، فيما يبقى الأمل الفرنسي الوحيد هو أن يتم تعليق التنفيذ كسابقة ليصبح كالعدم؟ وهل ستنجح جماعات الضغط الفرنسية؟

اقرأ المقال كاملا على روابط الجزيرة مباشر

لتخطي الحجب https://ajm.me/2nehjq
للمزيد

الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

سيد أمين يكتب: ظاهرة “الحَوَل” القومي.. وصلت تونس!

فقد التيار القومي في الوطن العربي بريقه الذي كان عليه طيلة العقود الماضية لأسباب مخزية منها مؤازرته للنظم الاستبدادية أينما حلت أو تفشت، فضلا عن عدائه غير المبرر للتيار الإسلامي، وتقوقعه حول الشخص وليس الفكرة..
وتجاهل أنصاره في ذلك حقائق أكدتها التجربة: أن الاستبداد غالبا هو نتاج للتبعية للخارج وهو الأولى بالمحاربة لو كانوا حقا يسعون لاستقلال ووحدة القوم..
وأن “الإسلامي” ليس عدواً بل هو ابن الفصيل الأقرب إليهم فكرياً عملا بمبدأ أن الإسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة، وأن الإسلام هو النهج الرباني الأقدس الذي قدمه النبي العربي -عليه الصلاة والسلام- للعالم.
وعلى إثر ذلك “الحَوَل”، انحرف المشروع القومي على يد بعض منتسبيه من كونه مشروعاً تقدمياً وحدوياً جامعاً لأبناء الأمة بجميع توجهاتهم الفكرية والمعتقدية وحتى الاثنية إلى مشروع إقصائي استبدادي، منشغل بالبحث عن أدوات الهدم لا البناء، والتفريق لا التوحيد.

البعثي والناصري

هذا “الحَوَل” ساهم بشكل كبير في اندثار القاعدة الشعبية للتيار الناصري التي شهدتها الساحة العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي، لينتهي به المطاف إلى هلام وحالة صوتية بائسة فاقدة للمنطق تتمركز حول تعظيم شخص عبد الناصر وليس حول سبل رعاية ونهضة المجتمع..
خاصة أنهم لم يقدموا طرحا للقومية العربية ذي قيمة منفردة سوى خليطاً من الشعارات الاشتراكية التي تجاوزها الزمن مع عبثيات باءت بالفشل..
فيما نسف “الحول” مبكرا الولع المتوقع بفكر “البعث” بين الشباب العربي الطامح لتحقيق الوحدة العربية، وجعله حزبا محلا للشبهات والصفات المشينة حتى لو لم تكن فيه.
ولقد انتبه البعث في نسخته العراقية متأخرا لخطورة تحويل علاقات التكامل مع التيار الاسلامي إلى عداء، فطرح صدام حسين قبيل احتلال بغداد ما أسماها النزعة الايمانية لربط العروبة بالاسلام.
وبعد ذلك استكمل نائبه عزة الدوري هذا التحول باطلاقه “الطريقة النقشبندية” لتنظيم عمل المقاومة المسلحة العربية والاسلامية ضد الاحتلال الامريكي، وهي الحركة التي كانت مثالاً عملياً قوياً على وحدة شباب التيار القومي والإسلامي في ساحات التحرير.
وعلى النقيض تماما ، فإن تجربة الحزب في سوريا جعلت من مجرد ذكر اسم “البعث” يوحي للأذهان بإيحاءات تعد مرادفا للدم والظلم والطائفية والاستقواء بالأجنبي وطوابير اللاجئين والهاربين.
ولعل المؤسف حقا هنا أن نجد أن من احتمى بالطائفة والأجنبي وكان مضربا للأمثال في الفظاعة “ما زال باقيا على كرسي الحكم” على أنقاض شعبه، أما من توجه للإيمان والصمود في وجه الأجنبي وحظي بحب قطاع كبير من الشارع العربي فقد “رحل”.


الأحزاب الناشئة

ولما كان ذلك يحدث في الأصول والنماذج الكبيرة من الأحزاب المنتمية للتيار القومي ، فإن الفروع لابد لها أن تسير على نفس الخطى من “الشف” والتقليد وتتقوقع في نفس الأهداف لتكرر في النهاية نفس الفشل.
وعلى سبيل المثال، سلك غالبية القوميين الحزبيين في تونس نفس الطريق الداعم للديكتاتوريات، فما أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد بالانقلاب على الديمقراطية حتى سمعنا على الفور ومن دون تريث صدى إشاداتهم بهذا الانقلاب يصم الآذان..
وراحوا يبررون إشادتهم بانقلاب سعيد على البرلمان بأنه لا يعبر عن رأي الشارع التونسي وأنه تم انتخابه بالرشى واستغلال حاجة الناخبين.
ورغم أنه تبربر كاذب وسخيف يهين الملايين من الناخبين التونسيين، إلا أنه أيضا مردود عليه بأنه إذا استجاب الشعب لهذه الرشى غير مغصوب ولا مجبر، ولا مخدوع أو مغيب وعيه، وراح يصوت لمن لا يريد، فالعيب هنا إذن في الشعب.
وتناسي هؤلاء كذلك أن شرعية الانتخاب التي يهاجمونها في أعضاء البرلمان هي نفسها من خولت السلطة للرئيس الذي يؤيدونه.
ومما لا شك فيه أن الذين فجروا ثورة الياسمين لا ينقصهم الوعي ولا الجرأة للتحدي والرفض، ولا يمكن أن يقبلوا بالعودة لزمن كانت تزور فيه إرادتهم، كما لا توجد آلية أخرى معروفة لقياس إرادة الشعب غير الانتخاب، ولا توجد غيرها لاختيار برلمان أو رئيس جديد.


حركة الشعب

كما أن اتهامات بطلان البرلمان لو صحت فستنسحب أيضا على البرلمانيين مؤيدي قرارات الرئيس، ليصبحوا هم من فاقدي الشرعية لأنهم سيكونون حينئذ قد فازوا بالرشاوى مثلهم مثل بقية زملائهم، ومن بين هؤلاء نواب كتلة حركة الشعب “القومية” الممثلة بنسبة 6,7% في البرلمان بـ 15 نائبا..
وهى الكتلة التي عرف عن أمينها العام “زهير المغزاوي” حبه الشديد للرئيس السوري بشار الأسد لدرجه أنه وصفه في مؤتمر بدمشق مؤخرا بأنه قائد عظيم، وأن الحرب التي يخوضها هي نفس الحرب التي تخوضها تونس الآن، وأن الشعب التونسي يؤيد بشار الأسد في حربه ضد الإرهاب!!
ويلاحظ هنا أن “المغزاوي” وثب بالصراع التونسي من طبيعته السياسية المعتادة بين الكتل المنتخبة ديمقراطيا إلي صراع عسكري، وكأنه يرحب بتكرار التجربة السورية المريرة في تونس.
كما أنه خول لنفسه التحدث باسم الشعب التونسي رغم أن كتلته البرلمانية لا تمثل في خيارات هذا الشعب التصويتية سوى 6% مقارنة بنحو 59% لحركتي النهضة والكرامة.
عموما فإن ما يبعث على الطمأنينة هو أن الجيش التونسي أكثر عقلانية واستقلالا من نظيره السوري، وأن هناك أصواتا قومية تونسية ما زالت تتمسك بالمسار الديمقراطي.
ويبقى السؤال: هل سيتخلص الفكر القومي من شوائبه أم سيواجه خطر الانقراض؟
لقراءة المقال انقر هنا:
https://ajm.me/29ab43
للمزيد
https://ajm.me/ymkc4m

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

سيد أمين يكتب: عبد القدير خان.. عالم غير مصير أمته

 

ودّعت دولة باكستان الأحد الماضي 10 من اكتوبر/ تشرين الأول الدكتور عبد القدير خان الشهير بأبي القنبلة النووية الباكستانية.
يعد خان واحداً من أكثر الشخصيات العلمية المسلمة اثارة للاحترام والتقدير في العالم الإسلامي، ليس لنجاحه الباهر في انتاج القنبلة النووية الباكستانية لتكون أول قنبلة نووية اسلامية فحسب، بل أيضا لامتلاكه الطريقة العلمية التي اختزل بها الوقت الذي تستغرقه صناعتها إلى الربع تقريباً.
هذا الاختزال مكن باكستان من مفاجأة العالم بنجاحها في تصنيع قنبلة نووية وسط دهشة القوى الغربية التي اعتقدت أن المساعي الباكستانية لامتلاك سلاح ردع نووي يجابه القنابل النووية الهندية ما زالت في طورها الأول، وأنها يمكنها عرقلتها بوسائل متعددة كالحصار والانقلابات العسكرية خاصة مع طول فترة التصنيع التي تصل إلى عقدين من الزمان.
فضلا عن أن هذه المساندة العلمية التي قدمها خان حققت لباكستان نصرا استراتيجيا كبيراً في صراعها المحتدم مع الهند، ونسبت لها ثقلا عسكريا ودوليا في مواجهة هذه الجارة العملاقة التي سبقتها بإجراء أول تفجير نووي لها عام 1974 وتتميز بثروتها السكانية الهائلة البالغة مليارا ونصف المليار نسمة تقريبا.
لذلك فبعد التفجير الهندي مباشرة، قامت باكستان باللجوء إلى فرنسا لتطوير مفاعلها النووي الصغير الذي اشترته من كندا عام 1972 وقام علماء باكستانيون بتطويره، إلا أن فرنسا انسحبت بعد الضغوط الامريكية ما دفع رئبس الوزراء ذو الفقار على بوتو إلى تكليف عبد القدير خان بإدارة المشروع فأنجزه في ست سنوات فقط.
مسيرة خان

كعادة كل النوابغ في بلاد العالم الثالث، كان كلما تقدم لوظيفة يقابل بالرفض حتى بعد حصوله على درجة الماجستير بزعم قلة خبرته.
لكن كان للقدر كلام آخر حيث دفع ذلك الرفض عبد القدير خان ليكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ويعود ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن من دون رد أيضا، إلى أن تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية العالمية ليشغل وظيفة كبير خبراء المعادن لديها فصار بنبوغه أحد أبرز علمائها.
وعقب الهزيمة الثقيلة لباكستان في حرب عام 1971 ثم قيام الهند بتفجيرها النووي 1974، رأي خان أنه حان الوقت الذي يقدم فيه خدماته لبلاده فأرسل إلى رئيس الوزراء الباكستاني رسالة يعرض فيها المساعدة فاستجاب لها الثاني بكل ترحاب.
يقول “أبو القنبلة النووية الباكستانية ” في مقال له إن: “أحد أهم عوامل نجاح برنامجنا النووي في زمن قياسي، كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك، كان الحفاظ على أمن الموقع سهلاً بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي.”
وقالت بي نظير بوتو – ابنة ذو الفقار علي بوتو- والتي أصبحت رئيسة للوزراء فيما بعد، إنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة المفاعل وإن والدها أخبرها أن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول العام 1977.
ويعود الفضل في ذلك الانجاز السريع لخبرة أبي القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.


تشويه عبدالقدير خان

ما إن أعلنت باكستان عن تفجيرها النووي الأول حتى ثارت حفيظة أمريكا وفرضت حصاراً اقتصاديا خانقاً عليها، خاصة أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون صدقوا على عدم تطوير باكستان لأسلحة نووية كشرط تشريعي يمنحهم حق تمويلهم المناهضين للسوفييت في أفغانستان عبر الاراضي الباكستانية.
فلما استتب الامر وتأكد أمر امتلاك باكستان للقنبلة النووية، وجهت سهام التشويه إلى خان نفسه فاتهمه بحث أجراه معهد كارينجي للسلام بسرقة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم من المنشأة الهولندية التي كان يعمل بها.
وهو قول مردود عليه بأن معجزة خان ليست في التكنولوجيا النووية نفسها، ولكن في الطريقة التي استخدمها لتسريع إنتاج القنبلة.
ثم اتهمته الولايات المتحدة بتبادل الأسرار النووية مع إيران وكوريا الشمالية وليبيا والعراق في التسعينيات وهي الاتهامات التي استخدمتها واشنطن لإقناع شركائها الغربيين بمؤازرتها في فرض العقوبات على باكستان.
وكانت أقسى المكائد التي تعرض لها خان تلك التي اتته من بني قومه حيث وضعه الديكتاتور الباكستاني الجنرال برويز مشرف عام 2001 رهن الإقامة الجبرية، على خلفية الاتهامات الأمريكية، فيما رد خان باتهام برويز مشرف بالعمل على تطبيق الأجندة الأمريكية في البلاد.
ومع تزايد الضغوط الخارجية على باكستان، أراد خان أن يجنبها الصدام مع أمريكا فظهر في الرابع من فبراير/شباط 2004 على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية إلى دول أخرى، نافيا أية مسؤولية لبلاده فيها، ومع التضامن الشعبي والاسلامي الكبير معه لم يكن أمام حاكم باكستان آنذاك إلا العفو عنه.
الغريب أن رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار القنبلة النووية تعرض لانقلاب عسكري من قبل الجنرال ضياء الحق حيث سجن ثم تم إعدامه ووضعت ابنته أيضا رهن الإقامة الجبرية.
رحم الله عبد القدير خان الذي تعلم علما نافعا نفع به وطنه وأمته ودينه.
تخطي الحجب: https://ajm.me/58a2t7
للمزيد: https://ajm.me/aq8ywz

الجمعة، 8 أكتوبر 2021

سيد أمين يكتب: صلاح سالم.. قصة أطول شارع وأشهر غرام

أغلب المصريين لا يعرفون شيئا عن صلاح سالم إلا أنه اسم لأطول شارع يشق وسط القاهرة شرقا وغربا، مثله مثل تلك الرتب العسكرية المتناثرة هنا وهناك والتي تسمى بأسمائها معظم الشوارع والميادين والمنشآت في كل بر مصر.
وقلة يعرفون أنه جنرال عسكري ومع ذلك لا يعرفون في أي زمان كان ولا بطولته التي استحق بسببها أن يسمى هذا الطريق الطويل الحيوي باسمه.
صلاح سالم هو شقيق جمال سالم عضو مجلس قيادة “ثورة يوليو الأمريكية” ونائب رئيس الدولة، والذي ما إن تخرج في الكلية الحربية عام 1938 حتى تم ايفاده إلى “بريطانيا ثم أمريكا” بحجة العلاج ولإعداده على ما يبدو للمشاركة في مجموعة “الضباط الأحرار” لاتمام الانقلاب المنظور، وكان واحدا من أبرز رجالاته.
وقد قام جمال سالم بتقديم شقيقه الأصغر صلاح الذي تربى في السودان وتخرج في الكلية الحربية عام 1942 إلى مجموعة الضباط المختارين للمشاركة في معركة الفالوجا “حرب فلسطين عام 1948” من أجل تبييض صورتهم استعدادا للمهمة المرتقبة، وكانت هذه الواقعة هى بوابة السعد التي فتحت على جميع من شاركوا فيها أبواب السلطة فيما بعد، رغم أنهم لم يحققوا أي انتصار بل إنهم هزموا أو “تهازموا” وحوصروا لعدة أشهر ولم يتم تحريرهم إلا على يد لواء الإخوان المسلمين.


إعدام الملك

عُرف عن صلاح تحمسه لإعدام الملك، ثم عداؤه الشديد لرئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب لدرجة أنه راح يتهمه بالشذوذ، ويسبه ويهينه في كل مناسبة بتحريض من عبد الناصر، وصار دوره محصوراً في تصفية شعبية نجيب بأي شكل كان في الشارع استعدادا للانقلاب عليه.
وفي العدوان الثلاثي عام 1956، لم يكن صلاح ملما بكل تفاصيل اللعبة، فسارع بمطالبة عبد الناصر بأن يسلم نفسه للقوات البريطانية لإنهاء الحرب، وبالطبع عبد الناصر رفض، فذهب إلى السويس لدعم المقاومة الشعبية!
وقد أثقلت المناصب الكثيرة أكتاف الرجل في عمره القصير حيث توفي عند سن 41 عاما متأثرا بالفشل الكلوي، فقد تولى وزارة الإرشاد القومي وتم تعيينه كمبعوث لحل النزاعات الدولية، ورئاسة هيئة الاستعلامات وصحيفتي الشعب والجمهورية ومؤسسة دار التحرير، وللعبث فبدلا من أن يترقى كضابط لرتبة نقيب بالجيش عينوه نقيبا للصحفيين.
عرف عن “سالم” البذاءة وسلاطة اللسان على حد وصف عبد الناصر ومحمد نجيب على السواء له، وأن طموحه الشديد لتولي منصب رئاسة الجمهورية أقلق منه عبد الناصر فازاحه من أغلب مهامه، بحجة فشله في مفاوضات انفصال السودان، فيما يرى صلاح نصر وزير المخابرات أن صلاح سالم كان على يقين بأن واشنطن لها دخل في إسقاطه لاتصاله بالسوفيت.


قصة الأميرة فايزة

وعلى غرار قصة شقيقه جمال سالم مع سلوى، كانت من أشهر قصص صلاح هى تحرشه بالأميرة فايزة شقيقة الملك وزوجة الأمير محمد على رؤوف الذي كان يكبرها بخمسة وعشرين عاما، ومع تواتر المضايقات الأمنية بحثا عن ثروات العائلة لتأميمها، آثر السلامة وفر هاربا للخارج، فيما منعتها السلطات من السفر.
الروايات كثيرة منها ما يتحدث عن أن صلاح سالم كان يقود بنفسه تلك المضايقات ويعبث بمتعلقات الأميرة الشخصية أمام زوجها لإذلالها، وأنه سكن في أحد القصور “المؤممة” بالقرب من قصرها بجاردن سيتي لمحاصرتها والتضييق عليها لتستجيب لرغباته.
وعرف الجميع في الداخل والخارج بالواقعة حتى قامت صحف بريطانية بالنشر عنه، ما أغضب عبد الناصر بشدة منه وأمر برفع حظر السفر عنها.
فيما تؤكد روايات أخرى أن الأميرة شكت لصلاح سالم من تلك التصرفات ومع تعدد اللقاءات بينهما، وهي فاتنة الجمال وقع في غرامها، فاستغلت هي هذا الأمر لاستخدامه لتهريب مجوهرات العائلة في فجوات الكتب والمراجع التي تم نقلها للخارج.
وتضيف أن صلاح سالم طلب من عبد الناصر السماح لها للسفر لطلب الطلاق من زوجها ثم تعود ليتزوجها، ولكنها لما سافرت بالقطع لم تعد.


الطهر الثوري

اعترف الكاتب موسى صبري وهو مقرب من صلاح سالم في مذكراته بالوقائع لكنه راح يعزيها إلى الحب المتبادل بين الاثنين الذي بدأ مع معاقبته لضابط قام بالعبث في ملابس الأميرة الداخلية أثناء تفتيشه لمنزلها، فذهبت إليه لتشكره فنشأت بينهما صداقة.
ويقول صبري: تحولت الصداقة إلى حب عنيف، وكان صلاح سالم يذهب للقائها فى شاليه بمنطقة الهرم وهو يقود سيارة جيب عسكرية، وكان كل أعضاء مجلس قيادة الثورة يستخدمون هذه السيارات فى تنقلاتهم تعبيرا عن الطهر الثوري، وقال صلاح سالم إن عبد الناصر استمع منه بإنصات كامل ولم يعترض، وقال لي لا داعي يا صلاح أن تذهب فى سيارة جيب، ربما يراك أحد معها فى هذه السيارة وستكون فضيحة، خد سيارتى الأوستن الخاصة عندما تكون على موعد بها، وبالفعل هذا ما حدث، وكان يروى له تفاصيل كل لقاء بالتفصيل!
وتابع “ذات يوم فوجئ صلاح سالم بقرار منشور فى الصحف بمصادرة أملاك أسرة محمد على ولم يكن صلاح سالم يعرف شيئا عن هذا القرار. ولما فاتح جمال عبد الناصر فى ذلك كيف لا أعرف، أجابه عبد الناصر كنت أخشى أن تبلغ الأميرة فايزة بهذا القرار قبل صدوره”.


شارع صلاح سالم

عبد الناصر أزاح صلاح سالم من جميع مهامه وكاد ينسى الناس اسمه حتى مات متأثرا بالفشل الكلوي والسرطان وكان حينئذ عبد اللطيف البغدادي وزيرا للشئون البلدية والقروية يفتتح مشروعا اقتطعه من طريق المقطم فلما سمع بخبر الوفاة أطلق عليه طريق صلاح سالم، ولم يعرفوا بعد أنه سيصير بهذه الشهرة، وإلا أطلقوا اسم الزعيم عليه كما أطلقوا اسمه على مدينة ناصر ومنشأة ناصر.
مات سالم ولم يبق منه إلا سيرة تحرشه بالأميرة فايزة وأهم شارع في القاهرة.

تخطي الحجب: https://ajm.me/t7u67j
للمزيد: https://ajm.me/63pfgc

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

سيد أمين يكتب: الاعتداء على الهوية الثقافية


بينما كنت أتسوق مع صديق لي في “مجمع تجاري” في منطقة راقية شرق القاهرة، ذهبت إليها صدفة ولست من سكانها، لفت انتباهي أن أغلب المحال تكتب أسماءها بلغات اجنبية غالبا ما تكون الإنجليزية وأحيانا اخرى باللغة الفرنسية خاصة في المحال العاملة في مجالات العطور وحاجيات الجمال والأناقة للنساء.
وغابت اللغة العربية من أغلب اليافطات لدرجة أنني تراهنت مع صديقي عن أن يوجد لي محلا يرفع يافطات مكتوبة باللغة العربية، وحينما وجدها كانت الكلمة عربية وحروفها لاتينية.
وهي في الحقيقة ظاهرة ليست قاصرة على المناطق الراقية كما أشرت سابقا ولكنها تتفشى في كثير من المحال والعلامات التجارية في مصر كلها بما فيها المناطق الشعبية، وفي محال يرتادها أحيانا من لا يجيدون القراءة والكتابة أساسا.
ولذلك فالأمر مثير للسخرية، فالمحال والبضائع وإرشادات البيع والشراء مكتوبة بلغات أجنبية، بينما البائع والمشترى يتحدثان العربية، ويتبادلان الحديث عن مميزات البضائع ونقائصها باللغة العربية، وأحيانا البضاعة نفسها مصرية، فلماذا ذلك الجنوح للاغتراب؟
بعض التجار يعتقدون أن الأسماء الأجنبية تضيف لمحالهم الفخامة والعراقة واالعالمية، وتكسبهم ثقة الزبائن وتوحي لهم بجودة البضائع ما ينعكس عليهم بمزيد من المكاسب، والبعض الآخر يفعلها دون أن يعي ذلك، ولكنه التقليد الأعمى.
وفي اعتقادي أن الأصل في اللجوء للكتابة باللغات الأخرى هو فقط لخدمة الجاليات غير العربية التي تعيش في مصر، وهم لا يمكن أن يكونوا أكثر من 2% من عدد السكان، كما أن بعضهم يتحدثون ويقرأون أيضا العربية.


تجارب الأمم

أتذكر ما قصه قريب لي يعيش في كوريا الجنوبية من أن أهلها بطبيعتهم يأبون النطق أو الكتابة بأي لغة غير لغتهم إلا في الضرورة القصوى للتعامل مع الأغراب، وأنهم يعتبرون الكوري الذي يتحدث معهم باستخدام مفردات من لغات أخرى بمثابة نقيصة فيه مثيرة للخزي وليس للفخر كما هو الحال عندنا.
وقرأت أن فرنسا قامت القرن الفائت بفرض غرامة ألفي فرنك على كل من يستخدم كلمة أجنبية واحدة يوجد لها مقابل في اللغة الفرنسية، كما أحيت الصين عقب الاستقلال مباشرة لغتها القديمة حتى تبدأ بها نهضتها الحديثة الحالية، وفعلت ذلك أيرلندا أيضا التي ثارت على اللغة الإنجليزية وأحيت لغتها الأيرلندية.
ولنا في الكيان الصهيوني عبرة فحينما راح ينشئ دولته المشئومة لم يكتف فقط بتكديس السلاح وصناعة الأحلاف الدولية التي تحميه ، بل راح قبلها ينتشل اللغة العبرية من الانقراض ويجعلها لغته القومية ويفرض على شعبه تعلمها والحفاظ عليها ، وراح يسرق الأحياء والقرى والمدن العربية ويسميها بأسماء عبرية ، فإذا كان هذا ما يفعله السارق فكيف يفرط المالك فيما امتلك؟
وحتى في عالمنا العربي هناك أيضا تجربة رائدة في احترام اللغة العربية وتعريب الشوارع كما حدث في عراق صدام حسين، وسوريا التي كسرت أكذوبة أن العلوم الحديثة لا يمكن تدريسها بغير لغاتها الغربية وراحت تعرب العلوم في كل مراحله ومسمياته وأنجبت علماء نوابغ في كافة المجالات العلمية.


اعتداء غاشم

المؤلم في الظاهرة – التي تفشت بشكل كبير مؤخرا- أنها تمثل اعتداء غاشما على الهوية الثقافية المستقرة للشعب المصري، وتنتزعه انتزاعا من عالمه المعلوم إلى عوالم أخرى يجهلها وليس بحاجة لها.
قد يعتقد القارئ أنني أهول من أخطار تلك الظاهرة حينما أطالب بتشريعات تحد منها، وتلزم الشركات والمحال باختيار أسماء عربية لها، وتلزمها بأن تقوم بعمل لوحات العلامات التجارية والدعاية الخاصة بها بأشكال جمالية محددة ذات معايير موحدة، تحافظ من ناحية على الهوية الثقافية الخاصة بأغلب السكان، ومن ناحية أخرى تحقق المشهد الجمالي وتنمي الذوق العام.
مجمع اللغة العربية أدرك خطر الظاهرة متأخرا عام 2017 وأعدّ مشروع قانون لحماية اللغة العربية، يلزم المعلنين بأن تكون الإعلانات باللغة العربية، إضافة إلى تسمية الشوارع بأسماء عربية، كما أكد القانون تعريب تدريس العلوم في المدارس والجامعات، وأن يتم منع الحديث باللغات الأجنبية في الأعمال الدرامية والسينمائية والفنية، وضرورة أن تكون النقود والعملات المصرية والأوسمة وغيرها من الأوراق الرسمية للدولة مكتوبة باللغة العربية.
ولم يحدد المشروع سبل ضبط المخالفين ولاجهات الضبط أو تلك المناط بها مراقبة الأمر، ولم يلزم الشركات الخاصة بضرورة أن تتعامل باللغة العربية في مكاتباتها الداخلية أو مع عملائها.
ورغم أن مشروع القانون يعد وثبة كبيرة في الدفاع عن الهوية الثقافية المصرية، إلا أنه على الأرجح لم ير النور حتى الآن لسبب غير معلوم، أو أنه اقر تشريعيا وحبست إرادة تنفيذه في الأدراج!!
الأغرب أن جهات غير معلومة حشدت عام 2018 لمظاهرات محدودة أمام ديوان وزارة التربية والتعليم، صبيحة تصريحات تلفزيونية للوزير بتعريب المناهج للمرحلة الابتدائية بالمدارس “التجريبية”، ولم يمض 48 ساعة حتى تراجع الوزير عن تصريحاته ليكون هو أسرع تراجع عن تصريحات لمسؤول مصري، ما ألقى شكوكا حول مدى جدية إطلاقها.
يأتي ذلك رغم أن التظاهر بدون إذن مجرم قانونا وهناك من تظاهروا في نفس التوقيت لأسباب أخرى ما زالوا حتى الآن رهن الحبس الاحتياطي.
ولعلك حينما تعرف أن الدولة لم تشيد أي مدارس تعليم أساسي عربية تذكر منذ عام 2010 ، وانصب كل جهدها في إنشاء مدارس اللغات “التجريبية والخاصة” طيلة تلك الفترة. سيزول الاندهاش.
نحن على مشارف بيع الهوية!
لتخطي الحجب: https://ajm.me/7aawzh
للمزيد: https://ajm.me/s9w3q7

السبت، 28 أغسطس 2021

سيد أمين يكتب: تناقضات قيس سعيد

حينما أعلن عن فوز قيس سعيّد بمنصب رئيس الجمهورية التونسية بنسبة 72% من أصوات الناخبين عمّت أجواء الفرحة العالم العربي ليس لفوزه فحسب -فهو ليس معروفا خارجيا بالقدر الكافي وربما داخليا حيث حصل فقط على 18.5% من إجمالى الأصوات في الجولة الأولى- ولكن لسقوط منافسه نبيل القروي ممثل الثورة المضادة.

وازدادت الفرحة حينما زفت الأخبار أنه أستاذ قانون دستوري ما يعني أنه سيكون رجلا عادلا وحاكما بالقانون والدستور لينهي للأبد عصر حكم الفرد الذي عانته تونس قبيل الثورة.

كما أشيع عنه توجهاته العروبية وسيسعى لإنهاء أيّ رواسب للحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، ثم جاءت طريقة خطابه باللغة العربية الفصحى لتدخله القلوب العربية من أوسع أبوابها، لأن ذلك يعد الدليل البيّن على فشل مشروع (فرنسة) تونس العربية.

لكن توالي الأحداث في تونس أثبت أن المظاهر خادعة، وأن الرئيس ينهض كل صباح على إصدار قرارات تصعيدية جديدة من شأنها تعميق الانقسام في البلاد والتي كان آخرها قراره بتمديد فترة تجميد عمل البرلمان لمدة شهر آخر، وسط مخاوف مشروعة من أن يقفز قفزة كبيرة ويحل حركة النهضة.


انقلاب على الدستور

لم يكن أحد يتخيل أن حراس الدستور في بلادنا هم أول من ينقلبون عليه، لكن هذا ما يحدث عادة في بلادنا، حيث تلقى الدستور التونسي أول طعنه له من فقيهه الرئيس قيس سعيّد الذي تجاهل نصوصه الواضحة الصريحة كما في المادة 80 الشهيرة، وراح يجمد عمل البرلمان المنتخب شعبيا دون وجه حق مع أن من حق البرلمان سحب الثقة منه وهذه أوضح اختصاصاته ولم يفعلها.

وقام الرئيس المدني المنتخب بالعودة للوراء حيث الدولة البوليسية التي أسسها زين العابدين، وأطلق يد القوى الأمنية في ترويع المعارضين والبرلمانيين المنتخبين وقوى المجتمع المدني والإعلاميين والصحفيين، ووصل الترويع لدرجة أن يتم الاعتداء على رئيس الوزراء نفسه حينها بالضرب لإجباره على الاستقالة.

مع ملاحظة أن القوى التي تمثلها حركة النهضة والقوى المتحالفة معها في البرلمان هى ذاتها القوى التي حشدت شعبيتها لإنجاح سعيّد في الانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه، فكيف يتم الرد عليها بخرق الدستور والتنكيل بالهيئة التشريعية؟


سيناريو جديد

كما أن المحاولات المتكررة التي يعلن فيها عن محاولة اغتيال سعيد صارت هى الأخرى مثارا للسخرية والتندر.

فبعد الفضيحة التي نجمت عن فشل تمثيلية الطرد المسموم الذي قالت مصادر رسمية بالقصر الرئاسي التونسي، في فبراير/ شباط الماضي، إنه وصل للرئيس وتسبب في أن أغمي عليه وفقد البصر، ونقل إعلام تونس الرسمي الخبر وتناقلته عنها على الفور فضائيات عديدة لتشنع على حركة النهضة، سرعان ما تم تكذيب الخبر رسميا أيضا بعدما اتضح أن الرئيس قيس سعيد  كان يستقبل في التوقيت نفسه ضيوفا من الخارج، وقالوا إن الرئيس بخير والطرد لم يتم فتحه أصلا وسيتم التحقيق في الواقعة!

ثم تجمد الخبر في الثلاجة لشهور عدة حتى خرج الرئيس قيس سعيد نفسه ليعلن عن تطوير جديد للتمثيلية الفاشلة ويعلن أن هناك جهات إسلامية تسعى لاغتياله دون أن يقدم دليلًا واحدًا على صحة كلامه وضلوع الإسلاميين فيها.

ثم سرعان ما ألقت السلطات القبض على رجل واحد تم اتهامه بهذه المحاولة وبحسب فضائيات “خليجية” قالت إنه “داعشي” قدم لتونس عن طريق ليبيا.

وخطورة الحدث تكمن في أنه ينقل المعركة السياسية إلى معركة عسكرية وبالطبع سيتفيد منه ذلك الطرف الأقوى.


قوى الثورة المضادة

لا أحد ينكر أن الإمارات التي التقى قيس سعيّد مؤخرا وزير خارجيتها هى الوكيل الرسمي لكل قوى الثورة المضادة في الوطن العربي ، وحينما نجد أن تلك الدولة تقدم، في يناير/كانون الثاني الماضى، منحة لتونس “نصف مليون جرعة لقاح كورونا ” ولم يعلن عنها شعبيا إلا بعد مرور أشهر عدة تثور تساؤلات كثيرة عن السر وراء هذا التكتم.

ثم جاءت الفضيحة عندما وجدنا أن الفنانين التونسيين الذين خرجوا ليشكروا الإمارات لهذه المنحة هم أنفسهم من غنوا لقرارات سعيّد الانقلابية، وبالربط بين الموقفين نعرف من الذي يدير الأحداث ويوجه نخب الثورة المضادة.

والأدهى أن من نشرت صحف أوربية عن قيامهم بارتكاب جريمة الاعتداء على رئيس وزراء تونس المُقال ليسوا عناصر أمن تونسيين، ولكن عناصر مخابرات ينتمون لدولة الإمارات العربية، ما يعنى أن تونس تسير بخطى سريعة على درب الثورة المضادة والتبعية الغربية وليس التحرر والاستقلال.

ولذلك فلا غرابة أن تجد الإعلام الإماراتي هو الداعم الأول لقرارات قيس سعيّد.


الموقف من فرنسا

وفي يونيو/حزيران 2020، اختار سعيّد فرنسا لتكون وجهته الأوربية الأولى عقب توليه مهام منصبه، ليرسخ بذلك استقرار العلاقات مع باريس، وهى الدولة التي زارها بعد ذلك مرات عدة.

ورغم أن قيس سعيّد كانت له قبل توليه منصبه شعارات قومية نحو معاداة الغرب إلا أن موقفه من قضية الاعتذار الفرنسي عن احتلال بلاده وما ارتكبته فيها من جرائم كان مثارا للغرابة، وحمل دفاعا عنه لا يجرؤ أن يتبناه أكثر الفرنسيين تطرفا ودفاعا عن ماضيها الاستعماري، حينما وصفه بأنه كان حماية فرنسية على تونس وليس احتلالا كما كان في الجزائر، بل وراح يستغرب المطالبات الشعبية والبرلمانية التونسية التي تدعوه لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن تلك الحقبة وتساءل عن جدوى مطالبتبها بالاعتذار بعد 60 عاما من الاستقلال.

والأغرب أن هذه التصريحات جاءت بعد مدة وجيزة من اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بارتكاب فرنسا لجرائم ضد الانسانية في الجزائر.

ولا أدري كيف تناسي سعيّد جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، وإن كان لا بد من تذكير فعليه أن يراجع قصائد أبي القاسم الشابي عن تلك الحقبة وهو شخص عاصرها ومطلع عليها لكونه كان ابن قاض تونسي كبير آنذاك، وهي أيضا القصائد التي اتخذت منها الثورة التونسية شعارات لها، تلك الثورة التي أتت به رئيسا لتونس.

وللأمانة حتى لا نحمل على الرجل فإن له موقفا مقبولا في هذا الشأن من مسألة الفرانكوفونية -منظمة الدول الناطقة بالفرنسية- حينما قرر أن يستضيف قمتها في جزيرة “جربة” ما تسبب في إثارة استياء فرنسا نظرا لكون المدينة صغيرة ولا تناسب الأبهة المفروض توافرها للملوك والرؤساء الذين سيحضرون القمة الخاصة بالإمبراطورية الفرنسية، مع أن الأكثر جرأة هو الانسحاب من عضوية تلك المنظمة لكون تونس دولة عربية.

في الحقيقة لو كان هناك لقب يجب أن يحمله سعيّد لكان.. رجل التناقضات!


تخطي الحجب: https://ajm.me/8drnn2

للمزيد: https://ajm.me/tcqypd

الجمعة، 30 يوليو 2021

سيد أمين يكتب: ملاحظات على انقلاب تونس


ما حدث في تونس كان انقلابا ولكن بطريقة مبتكرة، فهو عسكري ولكن لم يظهر فيه العسكر علنا إلا تحت غطاء تنفيذ أوامر الرئيس المدني المنتخب، متناسون في ذلك أن البرلمان أيضا منتخب وهو ممثل الشعب مصدر السلطات، ولا يحق للرئيس حله ولا تجميده وأن الفيصل بين الجميع هو الدستور وقرار الرئيس يخرقه بشكل واضح.
وأيضا هو انقلاب مدعوم إقليميا مع أنه لم يظهر فيه الإقليم بأمواله وتحالفاتهم الدولية علنا حتى الآن على الأقل، لكن ظهر بإعلامه المزيف للحقائق، بل والمختلق للأكاذيب والذي يقوم بإضفاء الشعبية والبطولة على أعمال البلطجة والحرق والنهب وخرق القانون التي قام بها خارجون عن القانون ضد مقار حركة النهضة وأحزاب متحالفة سياسا معها.
المدهش أن من قام بالانقلاب على الدستور ومعايير ثورة الياسمين هناك، هو أستاذ قانون دستوري، وهو ثمرة من ثمار ثورة الياسمين.


الحصاد المر

هو انقلاب قديم تمت تسويته على نار هادئة حتى يكتسب زخما شعبيا قبل أن يخرج للعلن، وذلك من خلال تحميل حركة النهضة -التي تمتلك الأغلبية غير المطلقة في البرلمان- بمفردها إعلاميا كل أوزار المعاناة التي يعيشها المواطن التونسي وتعيشها من قبله البلاد، مع أنها لا هى ولا غيرها من أحزاب تونسية لها علاقة بخراب اقتصادي وشيك لبلد عاش لعقود نهبا للفساد والاستبداد وحكم الفرد، فضلا عن قلة موارده الاقتصادية.
ومع ذلك فشلت حركة النهضة وفشلت وسائلها الإعلامية في شرح الحقائق للناس تارة تحت أنها أمور معروفة بالضرورة، وتارة أخرى لاعتبارات سياسية لا ينبغي أن تخرج للعامة، وفي أحيان كثيرة بسبب كثافة الهجوم الإعلامي الكبير الموجه نحوها رأت أنه بالتزامها الصمت تخمد اشتعال النار.
وجراء ذلك ظلت تتناقص شعبية الحركة في الشارع التي بعدما احتلت وحدها نحو 40% من برلمان الثورة “المجلس الوطني التأسيسي التونسي عام 2011” أصبحت تمثل الآن نحو 25%منه فقط ، وهو ما كان يستلزم أن تقوم الحركة بدراسة أسباب هذا التناقص الكبير ووضع حد سريع لوقف تآكل شعبيتها.


هشام المشيشي

ومن عجيب العجائب، أن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الذي حاز الغضب الأكبر من قبل المؤيدين لانقلاب قيس سعيد بسبب فشله في تحسين الاوضاع الاقتصادية للبلاد، كان في الأصل من اختيار الرئيس نفسه، وكان مستشارا قانونيا له، وعينه بنفسه وزيرا لوزارة سيادية مهمة كالداخلية، وفي المقابل كانت حركة النهضة من أبرز من اعترضوا على قيامه بتشكيل الحكومة قبل أن ترضخ لضغوط رئاسية لقبول حكومته في البرلمان.
ثم بعد ذلك تبدلت المواقف، ليصير الرئيس ضد المشيشي والنهضة معه مع حدوث متغير مهم للغاية وهو أن الشارع ضاق ذرعا بهذا الانسداد السياسي والفشل الطويل من الحكومات المتعاقبة.
وبالطبع وقوف النهضة مع المشيشي بعدما احترقت صورته شعبيا تسبب في مزيد من التشويه لها، ولم تجنِ جراء ذلك إلا الأشواك.
رغم أن المشيشي أيضا لم يكن أصلا صانعا للفشل في الازمة التونسية بل أنه جاء ورحل والازمة في أوج اشتعالها.


هيبة البرلمان

كما أن عجز البرلمان عن تشكيل حكومة مستقرة متوافق عليها طيلة السنوات الماضية لا تتحمل أوزاره الحركة ذات الأغلبية فقط، بل كتل اخرى كثيرة معها لم ترق إلى مستوى المسئولية وحولت البرلمان إلى ساحة لتحقيق أجندات خارجية ومناكفات خرجت في كثير من الأحيان على حدود اللياقة والأدب والعمل السياسي والتشريعي، وظهر من خلفها التمويل الخارجي.
ومن ضمن هؤلاء النموذج الذي تبنته النائبة بكتلة الدستورى الحر عبير موسي ابنة الدولة العميقة والتي تنتسب لأب كان يعمل في الأمن القومي التونسي، والتي حالت عدة مرات دون أن يلقي رئيس البرلمان كلمته كما حدث في 20 يوليو/تموز 2020 خلال افتتاح جلسة كانت مخصصة للإعلان عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد، وحملت موسي خلالها لافتات تطالب بطرده من المجلس بوصفه “إرهابي”، مرددة داخل المجلس شعارات عدائية بذيئة.
ولأن التسامح المفرط يشجع على التمادي، لم يمسها أحد بسوء على هذه الجرائم، ولذلك لم تتوقف هى عن ارتكاب ذات الجريمة، ما أخل بهيبة البرلمان كثيرا في الداخل والخارج، رغم أن كتلتها البرلمانية لا تشكل سوى 16 نائبا من إجمالي 217 نائبا يمثلون إجمالى عدد نوابه، تشارك النهضة فيهم بنحو 54 نائبا وبأكثر من ضعف هذا العدد كحلفاء من أحزاب أخرى.


استدعاء الجيش

ما يبدو من الصراع الذي يطفو على السطح الآن في تونس أنه لا يزال مدنيا مدنيا، وإن حسنت النوايا فإنه يمكن حله بالطرق الديمقراطية، والخوف كل الخوف أن يتمادى الرئيس في الزج بالجيش في هذا الصراع مستعملا صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، وقتها قد يقوم الجيش بالانقضاض على الجميع بما فيهم سعيد نفسه وثورة الياسمين التي أتت به وبالنهضة.
هذا الزج بدت ملامحه بقيام سعيد بإصدار أوامر للجيش بإغلاق البرلمان وبتهديده في الخطاب الأزمة بأن من يطلق رصاصة واحدة سوف يواجه بوابل من الرصاص، ما يعني أن هناك نية لاستدعاء القوة في الصراع السياسي، وأنه من الممكن أن يتحول لصراع دموي لتدخل تونس المدخل إلى دخلته دول عربية أخرى كثيرة.
ما يطمئن الكثيرين أن الجيش التونسي لم يتدخل كثيرا في السياسة وأنه لم يوجه سلاحه لشعبه.

ولكن إغراءات السلطة وذهب المتربصين قد يغري.