السبت، 28 أغسطس 2021

سيد أمين يكتب: تناقضات قيس سعيد

حينما أعلن عن فوز قيس سعيّد بمنصب رئيس الجمهورية التونسية بنسبة 72% من أصوات الناخبين عمّت أجواء الفرحة العالم العربي ليس لفوزه فحسب -فهو ليس معروفا خارجيا بالقدر الكافي وربما داخليا حيث حصل فقط على 18.5% من إجمالى الأصوات في الجولة الأولى- ولكن لسقوط منافسه نبيل القروي ممثل الثورة المضادة.

وازدادت الفرحة حينما زفت الأخبار أنه أستاذ قانون دستوري ما يعني أنه سيكون رجلا عادلا وحاكما بالقانون والدستور لينهي للأبد عصر حكم الفرد الذي عانته تونس قبيل الثورة.

كما أشيع عنه توجهاته العروبية وسيسعى لإنهاء أيّ رواسب للحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، ثم جاءت طريقة خطابه باللغة العربية الفصحى لتدخله القلوب العربية من أوسع أبوابها، لأن ذلك يعد الدليل البيّن على فشل مشروع (فرنسة) تونس العربية.

لكن توالي الأحداث في تونس أثبت أن المظاهر خادعة، وأن الرئيس ينهض كل صباح على إصدار قرارات تصعيدية جديدة من شأنها تعميق الانقسام في البلاد والتي كان آخرها قراره بتمديد فترة تجميد عمل البرلمان لمدة شهر آخر، وسط مخاوف مشروعة من أن يقفز قفزة كبيرة ويحل حركة النهضة.


انقلاب على الدستور

لم يكن أحد يتخيل أن حراس الدستور في بلادنا هم أول من ينقلبون عليه، لكن هذا ما يحدث عادة في بلادنا، حيث تلقى الدستور التونسي أول طعنه له من فقيهه الرئيس قيس سعيّد الذي تجاهل نصوصه الواضحة الصريحة كما في المادة 80 الشهيرة، وراح يجمد عمل البرلمان المنتخب شعبيا دون وجه حق مع أن من حق البرلمان سحب الثقة منه وهذه أوضح اختصاصاته ولم يفعلها.

وقام الرئيس المدني المنتخب بالعودة للوراء حيث الدولة البوليسية التي أسسها زين العابدين، وأطلق يد القوى الأمنية في ترويع المعارضين والبرلمانيين المنتخبين وقوى المجتمع المدني والإعلاميين والصحفيين، ووصل الترويع لدرجة أن يتم الاعتداء على رئيس الوزراء نفسه حينها بالضرب لإجباره على الاستقالة.

مع ملاحظة أن القوى التي تمثلها حركة النهضة والقوى المتحالفة معها في البرلمان هى ذاتها القوى التي حشدت شعبيتها لإنجاح سعيّد في الانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه، فكيف يتم الرد عليها بخرق الدستور والتنكيل بالهيئة التشريعية؟


سيناريو جديد

كما أن المحاولات المتكررة التي يعلن فيها عن محاولة اغتيال سعيد صارت هى الأخرى مثارا للسخرية والتندر.

فبعد الفضيحة التي نجمت عن فشل تمثيلية الطرد المسموم الذي قالت مصادر رسمية بالقصر الرئاسي التونسي، في فبراير/ شباط الماضي، إنه وصل للرئيس وتسبب في أن أغمي عليه وفقد البصر، ونقل إعلام تونس الرسمي الخبر وتناقلته عنها على الفور فضائيات عديدة لتشنع على حركة النهضة، سرعان ما تم تكذيب الخبر رسميا أيضا بعدما اتضح أن الرئيس قيس سعيد  كان يستقبل في التوقيت نفسه ضيوفا من الخارج، وقالوا إن الرئيس بخير والطرد لم يتم فتحه أصلا وسيتم التحقيق في الواقعة!

ثم تجمد الخبر في الثلاجة لشهور عدة حتى خرج الرئيس قيس سعيد نفسه ليعلن عن تطوير جديد للتمثيلية الفاشلة ويعلن أن هناك جهات إسلامية تسعى لاغتياله دون أن يقدم دليلًا واحدًا على صحة كلامه وضلوع الإسلاميين فيها.

ثم سرعان ما ألقت السلطات القبض على رجل واحد تم اتهامه بهذه المحاولة وبحسب فضائيات “خليجية” قالت إنه “داعشي” قدم لتونس عن طريق ليبيا.

وخطورة الحدث تكمن في أنه ينقل المعركة السياسية إلى معركة عسكرية وبالطبع سيتفيد منه ذلك الطرف الأقوى.


قوى الثورة المضادة

لا أحد ينكر أن الإمارات التي التقى قيس سعيّد مؤخرا وزير خارجيتها هى الوكيل الرسمي لكل قوى الثورة المضادة في الوطن العربي ، وحينما نجد أن تلك الدولة تقدم، في يناير/كانون الثاني الماضى، منحة لتونس “نصف مليون جرعة لقاح كورونا ” ولم يعلن عنها شعبيا إلا بعد مرور أشهر عدة تثور تساؤلات كثيرة عن السر وراء هذا التكتم.

ثم جاءت الفضيحة عندما وجدنا أن الفنانين التونسيين الذين خرجوا ليشكروا الإمارات لهذه المنحة هم أنفسهم من غنوا لقرارات سعيّد الانقلابية، وبالربط بين الموقفين نعرف من الذي يدير الأحداث ويوجه نخب الثورة المضادة.

والأدهى أن من نشرت صحف أوربية عن قيامهم بارتكاب جريمة الاعتداء على رئيس وزراء تونس المُقال ليسوا عناصر أمن تونسيين، ولكن عناصر مخابرات ينتمون لدولة الإمارات العربية، ما يعنى أن تونس تسير بخطى سريعة على درب الثورة المضادة والتبعية الغربية وليس التحرر والاستقلال.

ولذلك فلا غرابة أن تجد الإعلام الإماراتي هو الداعم الأول لقرارات قيس سعيّد.


الموقف من فرنسا

وفي يونيو/حزيران 2020، اختار سعيّد فرنسا لتكون وجهته الأوربية الأولى عقب توليه مهام منصبه، ليرسخ بذلك استقرار العلاقات مع باريس، وهى الدولة التي زارها بعد ذلك مرات عدة.

ورغم أن قيس سعيّد كانت له قبل توليه منصبه شعارات قومية نحو معاداة الغرب إلا أن موقفه من قضية الاعتذار الفرنسي عن احتلال بلاده وما ارتكبته فيها من جرائم كان مثارا للغرابة، وحمل دفاعا عنه لا يجرؤ أن يتبناه أكثر الفرنسيين تطرفا ودفاعا عن ماضيها الاستعماري، حينما وصفه بأنه كان حماية فرنسية على تونس وليس احتلالا كما كان في الجزائر، بل وراح يستغرب المطالبات الشعبية والبرلمانية التونسية التي تدعوه لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن تلك الحقبة وتساءل عن جدوى مطالبتبها بالاعتذار بعد 60 عاما من الاستقلال.

والأغرب أن هذه التصريحات جاءت بعد مدة وجيزة من اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بارتكاب فرنسا لجرائم ضد الانسانية في الجزائر.

ولا أدري كيف تناسي سعيّد جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، وإن كان لا بد من تذكير فعليه أن يراجع قصائد أبي القاسم الشابي عن تلك الحقبة وهو شخص عاصرها ومطلع عليها لكونه كان ابن قاض تونسي كبير آنذاك، وهي أيضا القصائد التي اتخذت منها الثورة التونسية شعارات لها، تلك الثورة التي أتت به رئيسا لتونس.

وللأمانة حتى لا نحمل على الرجل فإن له موقفا مقبولا في هذا الشأن من مسألة الفرانكوفونية -منظمة الدول الناطقة بالفرنسية- حينما قرر أن يستضيف قمتها في جزيرة “جربة” ما تسبب في إثارة استياء فرنسا نظرا لكون المدينة صغيرة ولا تناسب الأبهة المفروض توافرها للملوك والرؤساء الذين سيحضرون القمة الخاصة بالإمبراطورية الفرنسية، مع أن الأكثر جرأة هو الانسحاب من عضوية تلك المنظمة لكون تونس دولة عربية.

في الحقيقة لو كان هناك لقب يجب أن يحمله سعيّد لكان.. رجل التناقضات!


تخطي الحجب: https://ajm.me/8drnn2

للمزيد: https://ajm.me/tcqypd

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق