بعض الناس لديهم طاقة عجيبة لأن يتحولوا الى ببغاوات ..يرددون ما لا يفقهون ..ويدافعون باستماته عن وجهة نظر هم حتى لا يفهمونها..يدافعون عنها لدرجة تدهش من احتال فاطلقها .. وربما لو فهموها حقا لتحولوا الى أشد أعدائها .. الحقيقة أن الشعب المصري بحاجة الى تثقيف سياسي عاجل.
فقد أضفي بعض الساسة الانتهازيين القداسة الواجبة على القضاة واحكامهم فى غير محلها, وهم يقصدون باضفاء تلك القداسة ليس الانحياز نحو تقديس احكام القضاء بوصفها عنوان الحقيقة الكاملة كما يقولون ولكن لأنها انحازت اليهم فى معركتهم مع خصومهم , وما ان تتغير معادلات القوى , او طبيعة القضايا , فتقتص منهم ,حتى نجدهم يعودون لسيرتهم الاولى يقلبون ظهر المجن للقضاء.
وكان الاولى لهم حتى لا يقعون فى نقيصة مدح ما ذموه , وذم ما امتدحوه , أن ينحازوا للحقيقة بوصفها عنوان العدالة , وان يكونوا عند حسن ضمائرهم بهم قبل حسن ظن الناس.
والحقيقة أن االحكم الذى اصدرته المحكمة الدستورية مؤخرا بحل "الثلث" الفردي لمجلس الشوري وارجأت تنفيذه .. كشف غطاء الجريمة التى ارتكبتها في حكمها السابق بحل "كل" مجلس الشعب في ذات الدعوى الحاصة ببطلان الثلث الفردي فقط .. وهنا نجد انفسنا نطرح سؤلا :لماذا اختلف الحكمان مع ان السبب واحد ومصدرهما أيضا واحد ؟
قطعا .. حكم الدستورية يعد اعترافا واضحا منها بالخطأ الذى ارتكبته في حل مجلس الشعب مما يفتح المجال للحديث حول امكانية تطبيق الحكم بأثر رجعى على مجلس الشعب ليتم انتخاب الثلث الفردي فقط محل الحكم واعادة انعقاده, احتراما وتقديرا لأصوات ثلاثين مليون مصري ذهبوا للجان الاقتراع واختاروا نوابهم.
المدهش أن ممارسات المحكمة الدستورية وأحكامها صارت تذكرنا بألاعيب الحواة ,فما أن حسم الفريق عبد الفتاح السيسى الامر بأن الجيش منحاز الى الشرعية وليس طرفا فى صراع سياسي حتى استخدمت المحكمة الاعيبها لاجبار الجيش للدخول مرغما فى اللعبة السياسية.
ورغم أن البنود الخاصة بمن لهم حق التصويت لم تتغير فى كل الدساتير المصرية منذ ثورة يوليو 1952 حتى الأن , وجميعها تمنع ضباط وجنود الجيش والشرطة من حق التصويت فى الانتخابات العامة بوصفهم رجال نظام , إلا أن المحكمة الدستورية بقدرة قادر ارتأت أن تصدر حكما بحقهم في التصويت فى الانتخابات , والأنكى انها قامت بإلقاء المواد الخاصة بالجيش والشرطة فى الدستور خلف ظهرها وراحت تحكم على مادة عامة روتينية موجودة فى كل دساتير العالم الحديثة بأن جميع المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات , وبالقطع اعتبرت ان من ضمن تلك الحقوق التصويت فى الانتخابات.
ولو كان الأمر كذلك فى فهم مساواة الحقوق والواجبات , ما وضعت امتيازات خاصة بسبب العمل لقاضى ولا لدبلوماسي ولا لشرطى ولا لصحفي وغيرهم , ولصار تنفيذ احكام القضاء اختياريا عند المتهمين.
ثمة أمر خطير , بقصد به شق الجيش المصري فى هذا القرار المريب , فماذا لو صوت صف الجنود لمرسي ,بينما انحاز صف الضباط لشفيق مثلا , وحدث ما حدث امام الاتحادية فى ديسمبر 2012 للتدخل لفض الاشتباكات , فهل سيدخلون جنودا وضباطا كمصريين في فض الاشتباك ام سينحاز كل منهما لجماعته؟.
ومع تزايد حملات الخطف والارهاب والترويع والبلطجة فى المجتمع , وما يقابله من تقاعس او عجز واضح - بقصد او بدون - من الشرطة فى تقديم أدلة اتهام حقيقية وقوية ضد هؤلاء الأثمين , كان الأمل الأخير معقود على ان يتم اعتقال بعض العناصر شديدة الخطورة بموجب قرار رئاسي , هنا سارعت المحكمة الدستورية بغل يد الرئيس , واعطاء المجرمين متسعا من الوقت , ومتانة فى تحدى قوة الدولة , مع أن المادة الخاصة بهذا الأمر كانت موجودة فى دستور 71 واستغلها مبارك اسوأ استغلال , بحيث سجن كل معارضيه وهم بالألاف – وليس البلطجية – ومع ذلك لم تنتبه المحكمة الدستورية لتلك المادة طيلة 30 عاما واكثر , واستدركتها فى عصر الرئيس مرسي الذى لم يكمل عامه بعد وهو بأمس الحاجة لمثل هذه المادة لصنع وطن مستقر.
هل نقول أن المحكمة الدستورية تعانى من "زهايمر" أم ان العدالة نفسها التى تعانى منه.
Albaas10@gmail.com