الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024
أبعاد أخرى للتوترات في كوريا الجنوبية - سيد أمين
فيما يبدو أن حركة التمرد والمروق من الحظيرة الأمريكية اتسعت حتى طالت إحدى أعظم حلفائها، وأكثر الديمقراطيات منهجية في العالم، لتدخل كوريا الجنوبية حيز الاضطرابات التي يستقبل بها العالم العام الجديد والولاية الثانية للرئيس الأمريكي الأكثر تطرفا ومعاداة للديمقراطية.
وتابع المندهشون في العالم الثالث في هذه الاضطرابات فصول حدث لم يعهدوه في بلادهم إلا في الثورة أو الانقلاب العسكري أو الاحتلال الخارجي، أما أن تتعقب قوات الجيش والشرطة رئيس البلاد بهدف اعتقاله لاتخاذه إجراءات رأى أنها تحمي البلاد من عدو خارجي، وهذه الإجراءات لم يقتنع بها الشعب وتحرك رافضا لها، دون أن يكون هناك انقلاب أو احتلال خارجي، فهذا أمر عجيب!!
بل إن كيم يونج هيون قائد قوات هذا الجيش الذي حاصر فيما بعد قصر الرئيس قام بمحاولة انتحار فاشلة في مقر الاحتجاز الذي احتجزته فيه قوات إنفاذ القانون، وذلك للهروب من تهم إساءة استخدام السلطة والقيام بأعمال التمرد، وذلك حينما نفذ تعليمات الرئيس الخاصة بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، وقام بنشر الجيش في شوارع سول.
كما أن قائد الشرطة وكبار مسؤوليها واجهوا الاعتقال بنفس عناصر الجهاز الذي يقودونه، وذلك بناء على أوامر من البرلمان ممثل الشعب ومصدر السلطات الذي صوت بأغلبية 210 مقاعد مقابل اعتراض 63 صوتا على محاكمة رئيس البلاد ووزير الدفاع وقائد الشرطة وكل من شاركوا في تنفيذ قرار الأحكام العرفية ونشر الجيش؛ مما يؤكد أن الديمقراطية هي الملاذ الأصدق لحماية البلاد.
أصل الحكاية
بدأت الأحداث بتصريحات الرئيس يون سوك يول زعيم حزب “قوة الشعب” الذي يرمز له بـ “PPP”، حينما أعلن الأحكام العرفية وإغلاق البرلمان، وتوعد من أسماهم بعملاء كوريا الشمالية في المعارضة في إشارة إلى منافس حزبه الرئيسي الحزب الديمقراطي الكوري ذي الميول الاشتراكية ويرمز له بـ”DPK”متهما إياه ضمنيا بممارسة أنشطة معادية للدولة، رغم أنه الحزب الذي فاز في دورتين متتاليتين بأغلبية مقاعد البرلمان.
صحيح أن الشعب أجهض محاولة الانقلاب، ومكن البرلمان من ممارسة مهامه، التي بدأها بإلغاء الأحكام العرفية، إلا أن تصويت البرلمان بأغلبية 204 أصوات من إجمالي 300، لا يزال تنفيذه مرهونًا بحكم المحكمة الدستورية.
وكان التصويت على عزل الرئيس الأسبوع الماضي قد فشل للمرة العاشرة بسبب انسحاب أعضاء حزبه البالغ عددهم 108 من البرلمان في حين تسيطر المعارضة على 198 مقعدا فقط من بينهم 168 مقعدا للحزب الديمقراطي و14 لتابعه الائتلاف الديمقراطي، وهو دون الحد الأدنى لتمرير الإجراء الذي يوجب عليها الحصول على موافقة 200 مقعد من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددهم 300 مقعد، وفشلت معه المحاولة العاشرة لعزل الرئيس.
وقتها، وبعدما تيقن الرئيس من أن قراره مرفوض شعبيا خرج عبر الشاشات واعتذر عن إعلانه الأحكام العرفية، لكن حينما وجد قوات إنفاذ القانون تطارده وتسعى لاعتقاله بتهم التمرد على النظام الديمقراطي للبلاد، وربما يكون بعدما راجع حلفاء حزبه الداخليين والخارجيين عاد مجددا للتمسك بقراره بإعلان الأحكام العرفية رغم إلغائه من قبل، بل وخطى خطوات أوسع لاعتبار من يعارضون هذا القرار خونة مواليين لكوريا الشمالية.
ولعل هذا التصريح وما سيحدثه من صدام مباشر مع الإرادة الشعبية جعل عددا من أعضاء حزبه يستشعرون الحرج ويصوتون لصالح عزله فاكتمل بهم النصاب القانوني، وأنقذوا بذلك سمعة الحزب.
أزمة اقتصادية
الفارق الضئيل الذي فاز به يون سوك يول في الانتخابات الرئاسية عام 2022 المقدر بنسبة 1% على منافسه هونغ جون بيو قيد كثيرا من سلطاته وكشف عن عمق الانقسامات السياسية في البلاد، ثم جاءت الانتخابات العامة في إبريل/نيسان 2024 لتخضعه كليا لسيطرة البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المنافس.
ورغم أن شعب كوريا الجنوبية له ميراث كبير من الرفاهية الاقتصادية مقارنة بغيره من الشعوب، فإنه مع تولي يون سوك السلطة بدأت تطفو العديد من الأمراض الاقتصادية على المجتمع، منها ظهور جماعات شبابية تدعو إلى العزوف عن الزواج بسبب عدم القدرة على تحمل نفقاته، فضلا عن الشكاوى الشعبية من ارتفاع أسعار الطاقة في هذا البلد الصناعي الكبير.
ورغم أن هذه المشكلات لا تبدو الأكثر إلحاحا للعلاج لكنها في الوقت ذاته غير مسبوقة في كوريا بوجهها الديمقراطي.
أبعاد خارجية
رغم أن أصل المشكلة يعود في ظاهره إلى خلاف على ميزانية العام المقبل، فإن الزج باسم كوريا الشمالية في الأحداث نقل الأزمة من كونها داخلية إلى خارجية تمس العلاقات الملتهبة بين الكوريتين الجنوبية والشمالية، وقد تتسع لتعطي مدلولات بأنها تأتي في إطار ترتيبات عالمية لاستقبال ولاية ترامب الجديدة الذي عرف بمساعيه للتقرب من زعيم كوريا الشمالية، حيث كان الرئيس الأمريكي والغربي الوحيد الذي زار كوريا الشمالية وذلك عام 2019، والتقى الزعيم الكوري الشمالي مرتين في عام واحد.
يتوازى ذلك مع تحذير أطلقته كوريا الشمالية للولايات المتحدة من اندلاع حرب حقيقية، بسبب نشرها أصولا ومعدات عسكرية في شبه الجزيرة الكورية.
كما عرفت عن الرئيس توجهاته الغربية لدرجة أنه حينما تولى منصبه في مارس 2022 وصف علاقة بلاده مع أمريكا بأنها “تحالف شُكّل بالدم”، وأن البلدين قاتلا الشيوعية من أجل الحرية، كما تبنى سياسة أكثر اقترابا من اليابان فكان الرئيس الياباني هو الرئيس الثاني الذي التقاه.
واستكمالا لدائرة التحالفات العالمية التي انصاع لها الرئيس الكوري الجنوبي وحزبه اتسمت علاقاته بالانتقاد الدائم للمواقف الصينية والروسية، والتشدد في مواقفه من كوريا الشمالية، وهو ما تسبب في العديد من التوترات الحدودية الحادة التي وصلت إلى إطلاق نار عبر الحدود، وإرسال مسيرات تهدد الشماليين وتطالبهم بالثورة، رد عليها الشماليون بإطلاق مناطيد مملؤة بالقمامة تلقي حمولتها في سول، محطما بذلك كل جسور التهدئة الذي دشن لها سابقه مون جيه زعيم الحزب الديمقراطي.
.....
هدأت الأحداث نسبيا لكنها لم تخمد بعد.
https://bit.ly/3DjoRv2
............................................................
الأحد، 8 ديسمبر 2024
تساؤلات مخيفة عن معركة الشام - سيد أمين
يمكنك أن تفرح بما يحدث في سوريا بوصفه ثورة ضد الاستبداد، أو أنه نهاية لوجع طال ملايين السوريين اللاجئين في الخارج، ورغم أنه لا توجد مؤشرات في الأفق تشي بنهاية هذا الوجع، إلا أن ما يظهر ويجب عليك أن تتذكره أن ما حدث دمر أعظم إنجازات “طوفان الأقصى” المتمثلة في وحدة ساحات المقاومة العربية والإسلامية سنتها وشيعتها، ودمر أيضا وحدة حواضنها الشعبية، وجعل دماء زهاء خمسين ألف شهيد ارتقوا في غزة ولبنان ثمنا لإحياء هذه القيم النبيلة وكأنه ضاع سدى، بل وصرف الأنظار بعيدا عن عملية الإبادة التي يقوم بها عدو الأمة الأصلي إسرائيل لغزة في وقت هي كانت الأكثر حاجة فيه لتركيز انتباه العالم عليها.
مفاسد العملية
وإن كان ذلك وحده لا يكفي للتدليل على ضرر عملية “ردع العدوان”، فهناك مؤشرات تقودنا إليها، أولها الخاصة بالتوقيت حيث إنها جاءت بعد أيام قلائل من تهديدات نتنياهو لبشار الأسد بأنه يلعب بالنار بعدما قدم أسلحة متطورة لـ(حزب الله)، فضلا عن أن العملية تلت مباشرة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وكل ذلك قدم دلالات قوية بأن العملية جاءت لقطع خطوط الإمداد المارة بسوريا عن (حزب الله) الحليف الكبير لنظام الأسد وللمقاومة الفلسطينية معا، مع تأكيد تنحية النظام السوري عن المشهد تماما.
ثانيها أن العملية خطت رسالة نكران للجميل الذي قدمه الحزب بدمه، قال له مدبروها الأصليون فيها إنك قدمت دمك وأرضك وأمنك لمن لا يستحق، وخضت حربا من أجل تدشين وحدة مع من يضعونك مع الكيان في خندق واحد، ودفعت أثمانا باهظة حيث فقدت معظم قادتك ضمن قرابة 5 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، بالإضافة إلى تركة ثقيلة من مدن منسوفة وبنى تحتية مدمرة وأعباء اقتصادية وسياسية هائلة دون عائد يذكر.
ولعله بعد اندلاع العملية وما طال (حزب الله) في سوريا من سب وتقريع من المهاجمين كفيل وحده بإقناع كثير من حاضنته الشيعية بأنهم ما كان لهم أن يقدموا هذه التضحيات كلها من أجل غزة التي تخلى وتآمر عليها من هم من نفس مذهب شعبها.
وثالثها تخص فقه الأولويات فلو كانت الثورة ضد بشار الأسد هي واجب وطني، لكان الأكثر وطنية ووفاء تأجيلها خاصة أن سوريا الآن هي متنفس (حزب الله) الوحيد، ولو سقط نظام بشار لكان ذلك بمثابة خنق له، فضلا عن أن سوريا على ما فيها من استبداد حاكم، وهوان حكومة هي أيضا واحدة من جبهات المقاومة ضد إسرائيل، ولو سقطت لكان ذلك بمثابة انهيار جبهة المقاومة، لتترك بعدها المقاومة الفلسطينية وحيدة كما قال نتنياهو لتلتهمها إسرائيل ورعاتها.
جميعهم مستبدون
يمكنك أن تدافع عن الحركات المسلحة وتقول إن بشار مستبد، وستجد من يرد نعم هو مستبد، بشار مجرم، نعم هو مجرم، بشار يحكم غصبا عن إرادة شعبه، نعم هو يحكم غصبا عن إرادة شعبه، إنه فاسد، نعم هو فاسد، هو طائفي، نعم هو طائفي، نعم هو كل موبقة وفساد، لكن قل لي بربك كم من حكام العرب والعجم من هو غير ذلك؟
يمكنك أن تتحدث عن ضرورة إخراج إيران من سوريا والعراق ولبنان، وهو قول صواب يتوافق مع قيم الاستقلال، لكن ما هو موقفك إزاء كل هؤلاء الطامحين في التمدد على فراغها، وماذا لو كان البديل إسرائيل الذي وقت نضالك ضدها ستجد نفسك تقف وحيدا أمام الغرب كله بقضه وقضيضه، كما هو الحال في غزة؟
عزيزي الثائر، هذه ليست أبدا دعوة للاستكانة للاستبداد، ولكنها دعوة للحذر من أن يتم استخدامك كحصان طروادة من أجل تنفيذ مخططات صهيونية ستكون أنت القتيل التالي فيها بعد الجندي السوري.
وحذاري من أن يغريك حملك للسلاح ـوهو عمل مذموم وفي غير موضعه- أن ترد الإقصاء بالإقصاء، والثأر بالثأر، فإن سلاحك حتما سينفد، والأعداء الوهميون من بني جلدتك، والأصليون في تل أبيب مصانع أسلحتهم لا تتوقف.
إصلاح النيات
طالما الأمر قد حدث بالفعل وحسنت النيات، فلا بد هنا من استغلال فقه المرحلة، بعدما توافرت فرصة جيدة للعبور من المحنة السورية بسلام، والخروج من المطحنة المصطنعة لصدام تياري الأمة السنة والشيعة في هذا البلد، بما يحافظ على وحدة شطري المقاومة وتقويتها، ويحافظ على استقلال سوريا، بل ويعيدها لدورها الأصلي كقوة ممانعة.
يجب أن تعمل روسيا والوسطاء العرب من الخيرين على تقريب المصالح ووجهات النظر بين الداعم الرئيس للنظام السوري والداعم للفصيل الأكبر من المسلحين.
فدور إيران الأكبر والأهم في سوريا هو الحفاظ على ممر آمن لـ(حزب الله)، بينما الهدف الأساس لتركيا من دورها هناك هو تأمين حدودها وإعادة ملايين اللاجئين السوريين فيها إلى بلادهم بعدما صارت هناك قلاقل في المجتمع التركي بسبب كثرة أعداد اللاجئين.
فلمَ لا يتم العمل على إزاحة بشار الأسد ونظامه بصفته رأس الخلاف، وتحقيق مصالح هؤلاء الوسطاء الإقليميين السابقة، وبدء فترة انتقالية بمجلس منتخب ممثل فيه لكل فئات المجتمع، من أجل اختيار نظام حكم يمثل الجميع ويضمن مصالح الدول والقوى الإسلامية الحليفة.
هناك رائحة مؤامرة كبرى اشتعل فتيلها في الشام، وبحاجة إلى الحكمة لإطفائها.
https://bit.ly/4ioXZKg
............................................................
السبت، 30 نوفمبر 2024
باكستان مجددا على صفيح ساخن - سيد أمين
من حين لآخر يثبت رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان أنه وحزبه حركة الإنصاف ما زالا يؤثران بشدة على المشهد السياسي والأمني في البلاد، رغم كل إجراءات التغييب والقمع والتشويه التي طالتهما، متجاوزين محاولات الحكومة الائتلافية من أحزاب عدة قريبة من الجيش بزعامة شهباز شريف وصم الحركة بالإرهاب، والتدليل على سلوك أنصارها مسلكا إجراميا من أجل إقناع المجتمع الباكستاني بضرورة حظرها قانونيا بعد إقصائها سياسيا.
فدعوات التظاهر التي أطلقها من محبسه التي أراد منها إثبات وجود الحركة في الشارع، لاقت استجابة جيدة، وتدفق عشرات الآلاف من الباكستانيين لا سيما من إقليمي البنجاب وخيبر بختونخوا القريب من الحدود الأفغانية والمعقل الرئيس لأنصاره نحو العاصمة إسلام أباد، بقيادة زوجته بشرى بيبي وأمين غاندابور رئيس وزراء إقليم خيبر بختونخوا الذي ما زالت تحكمه الحركة، وتحملوا مشقة سفر دامت 48 ساعة كاملة، متحدين الحواجز وقنابل الغاز والقوانين الاستثنائية جميعها التي أصدرها برلمان تسيطر عليه أغلبية حكومية ضعيفة جرمت مظاهر الاحتجاج كافة كالاعتصام والتظاهر والتجمعات.
ورغم أن الاستجابة الشعبية لم تكن كما هو متوقع لها بسبب ضراوة القبضة الأمنية، وفشلت في تحريره وقادة الحركة من محبسهم، إلا أنها تسبب في خيبة أمل كبيرة للسلطة أيضًا بعد رهانها على جنوح شباب الحركة للاستكانة وإيثار السلامة جراء إجراءات القمع غير المسبوقة التي فرضتها عليهم منذ توليها الحكم، حيث اعتقلت الآلاف، وأغلقت مقارها ومنعت قادتها من التواصل مع الجماهير، بل ومنعت أنصارها من حمل شاراتها وراياتها أو الإشادة بها أو حتى شرح برامجها ورؤيتها السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن أنها أقصتها عن خوض الانتخابات البرلمانية فبراير/شباط الماضي.
فيما يرى البعض أن قيام الحكومة بوقف الدراسة في المدارس والجامعات صبيحة قدوم المحتجين إلى العاصمة وقطع الإنترنت فيها وفي مدن أخرى عدة في محيطها، واستدعاء الآلاف من قوات الأمن في المحافظات القريبة من إسلام أباد، وإغلاق الشوارع بالمصفحات وعربات نقل الجنود، هو دليل واضح على مدى الخوف الذي انتاب السلطة من تلك التظاهرات.
رسائل الجيش
واجه الجيش بشكل مباشر تظاهرات أعضاء حركة الإنصاف بضراوة بالغة، تسببت في مقتل العشرات وإصابة المئات منهم حينما كانوا ينوون تنظيم اعتصام في منطقة “دي تشوك” قبالة البرلمان حسب ما أعلنته الحركة بينما نفته الحكومة، واعتقل نحو ألف متظاهر وجهت لهم تهم القيام بأعمال إرهابية، وراح قائد الجيش الجنرال عاصم منير بالإشادة بالعملية التي قادها ووصفها بأنها حكيمة.!!
فيما بث التلفزيون الباكستاني مشاهد لقيام أنصار خان يحملون الهراوات بالاعتداء على رجال الجيش والشرطة، وقال إن عناصر الحركة قتلوا ضباطا ومسؤولين أمنيين، ولكن وسائط مصورة أظهرت أن هناك عسكريين قتلوا حينما اصطدمت بهم سيارة ولا يعرف عما كان ذلك مجرد حادث سير أم أنه عمل دبره المتظاهرون، كما تقول الحكومة.
الحركة نفت صلتها بأي أعمال قتل، وبررت مشاهد اعتداء المتظاهرين بالضرب على رجال الأمن بأنها جاءت كرد فعل غاضب على قيام قوات الجيش والأمن بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المعتصمين، مؤكدة وجود عشرات الجثامين لمحتجين محتجزة في المستشفيات ويرفضون تسليمها لذويهم.
وكعادة التهم الجزافية التي يطلقها العسكر في بلدان العالم الثالث ضد معارضيهم، اتهم قائد الجيش الحركة باحتواء مئات الأفغان ضمن من وصفهم بـ”الإرهابيين” و”مثيري الشغب” في صفوف متظاهريها، وذلك في رسالة سياسية موجهة للخارج وخاصة أمريكا مفادها أن حركة الإنصاف هي الصوت الباكستاني لحركة طالبان، مستثمرا في ذلك سياسة الحركة المعلنة الهادفة للتوجه شرقا والانفتاح على دول الجوار، بما فيهم طالبان.
اضطرابات متنوعة
تأتي هذه الأحداث لتفتح الطريق لتطور نوعي في الصراع السياسي قد تنجح في تحويله إلى صراع مسلح، وهو الأمر الذي إن حدث فسيزيد من سخونة الأوضاع في البلاد المشتعلة أصلا بسبب استمرار فشل السلطة في معالجة الأزمة الاقتصادية العتيقة، رغم حصول الحكومة على قرض يبلغ 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي بضمانات تمويلية من قبل السعودية والإمارات والصين لمساعدتها في تجاوز عثرة البلاد الاقتصادية التي أوقفتها على مشارف الإفلاس.
وكذلك بسبب فشلها في وأد الاضطرابات القبلية والطائفية في البلاد، وهي الاضطرابات التي أدت لمقتل نحو 120 شخصا في أسبوع واحد ومقتل المئات خلال هذا العام وهو عمر الحكومة جراء معارك مذهبية بين متطرفين من السنة والأقلية الشيعية في إقليم خيبر، فضلا عن اضطرابات مذهبية مشابهة وطائفية، واضطرابات عرقية متزايدة في إقليم بلوشستان الحدودي مع إيران، والساعي للانفصال عن البلاد.
…
المشكلة هي أن من بيدهم الأمر في باكستان ما زالوا على غير اقتناع أنه لا سبيل لنجاة بلادهم من مستنقع الفوضى الذي ينتظرها إلا بالديمقراطية، والسماح بحياة سياسية سليمة، وأنه حينما يتحقق استقرار سياسي واقتصادي سينجح الجميع وسينجح هذا البلد الكبير في العبور نحو المكانة التي يستحقها في العالم.
https://bit.ly/3ZsVSh2
............................................................
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
هل خذل الروس والصينيون العرب؟ سيد أمين
مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان شهرها الرابع عشر، يسود الأوساط السياسية العربية اعتقاد جازم بأن روسيا والصين خذلتا العرب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليهما حليفتين لهم.
ولعل الأنظمة الرسمية سبقت الهيئات الشعبية في الإيمان بهذا الاعتقاد، مما جعلها تبكر بالانصراف عن خطب ود موسكو أو
بيجين، وتسلك طريق التبعية طوعا وكرها لأمريكا، وتتكيف مع مواقفها المتعسفة والجائرة ضد من مرقوا عن حظيرتها، ولو كانت تلك الأنظمة رأت في القطبين الناشئين رغبة وجدية لحماية حلفائهما، ودفع ثمن تلك الريادة، لربما وجدنا من تلك الأنظمة -حتى تلك الأكثر جنوحا للاستظلال بالمظلة الأمريكية- سعيا بصورة أو بأخرى لمد يدها لمن ينتشلها من هذا المستنقع الاستعماري المنحاز كليا ضد الشعوب العربية وقضاياها.
والمشكلة أن أمريكا التي تحمي عادة من يستظل بمظلتها في العالم، وتسعى لرفع مستوى رفاهية شعبها الاستهلاكية كما حدث في كوريا الجنوبية، نجدها في منطقتنا العربية تحوّل حمايتها من حماية الشعب إلى حماية النظام الحاكم، مما شجعه على الاستبداد بشعبه وتركيعه وتجويعه لقبول إجراءاته ورغباته التي هي في الأصل إجراءاتها ورغباتها.
ورغم أن هذه الإجراءات حولت الأنظمة إلى أعداء حقيقيين لشعوبها، وأخضعت وجودها بدرجة كبيرة لقوة العصا التي تستخدمها وليس لحكم الصندوق، فإن تلك الأنظمة الهشة غير المستندة على قاعدة شعبية لم تجد مفرا من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، وجعلها السند، وذلك نظرا لعدم وجود بديل حقيقي أقل تعسفا يمكن الارتكان إليه وقت إظهار الأمريكيين عيونهم الحمراء.
وبدا لها أن الانتقال الصريح من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي والصيني هي مقامرة فاشلة عاقبتها الندم، لأن أقصى دعم يمكن أن يقدّماه لها حينئذ هي عبارات الشجب والتنديد، وفي أحيان أخرى سيجدونهما يقايضان بهم أمريكا من أجل مكاسب اقتصادية أو حماية مراكز نفوذ أخرى في رقعة شطرنج العالم.
تجارب مريرة
وهناك تجارب سابقة مريرة مر بها العرب حينما راحوا يركنون ظهورهم على حوائط موسكو وبيجين في مجابهة أمريكا وحلفائها فوجدوا أنفسهم فرائس سهلة، كما حدث مع صدام العراق وقذافي ليبيا، وبشير السودان الذي سافر إلى موسكو قبل أشهر من إطاحة الجيش به عسى أن يجد لديها الدعم اللازم لوقف التدخل الغربي في بلاده عبر الدعم الاستخباري أو العسكري، لكن فيما يبدو كانت هذه الزيارة وبالا عليه ودافعا لأمريكا إلى زيادة الضغط لسرعة الإطاحة به وسط تخاذل روسي واضح.
ومن المؤسف أن المرة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا لإنقاذ حليف لها في الوطن العربي كان لإنقاذ بشار الأسد من غضبة شعبية قد تكون شرارتها مصنعة غربيا، إلا أن تدخلها العنيف أسهم في تحويل المؤامرة الغربية إلى ثورة مدعومة شعبيا، ثم اقتتال طائفي، بدلا من أن تبحث عن حل وسط يوحد جميع القوى المتصارعة ويرضي مصالحها.
هذا التدخل الروسي العنيف لم يؤد إلى نتائج عكسية فحسب، بل إنه أيضا قضى على كون سوريا قوة إقليمية مقابل الإبقاء على حاكمها الذي لا يحكم إلا أجزاء منها، وترتع الميليشيات المتناحرة والقوات الغربية في الأجزاء الأخرى، وهو ما تشابه في نتيجته النهائية مع السياسة الأمريكية في المنطقة، الخاصة بدعم الحكومات وتحويل وظيفتها إلى مجرد سجان للشعوب.
ومن الحماقة حقا أن تستهدف روسيا فئات نافرة من الحظيرة الأمريكية مثل التيارات الإسلامية والقومية رغم أنهما من الفئات التي تقف مع حلفائها في الخندق نفسه كتيار ممانعة، وكان يجب عليها استقطابهم والتقريب بينهم وبين السلطة، وهو الخطأ الذي أضعف بالإجمال قوة التيار.
الحرب الكاشفة
وكما كشفت حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان الكثير من الدمن التي تعشش في النظام الدولي والعربي، كشفت أيضا أن التعويل على الروس والصينيين في الدعم الفعال لحلفائهما هو أيضا مجرد وهم.
فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول الغربية لم تألُ جهدا في دعم إسرائيل بأحدث تقنيات الموت والدمار المتوفرة في ترساناتها العسكرية، فضلا عن الدعم الدبلوماسي غير المحدود الذي فضّل أن يضحي بهيبة مؤسسات العدالة الدولية للحيلولة دون أن تمس إسرائيل بسوء، نجد في المقابل روسيا والصين تشاهدان إسرائيل تنكل بلبنان بعدما نكلت بغزة دون أن يجرؤ أي منهما على مجرد التلويح بأنه قد يدعم المقاومة ولو بطلقات خرطوش.
يقال في المثل الشعبي “الغاوي ينقّط بطاقيته”، وإذا كانت روسيا والصين ترغبان في دور بارز في قيادة هذا الكوكب ومنافسة أمريكا، فعليهما دفع الثمن “عربون الفتونة”.
وها هي الفرصة قد جاءت.
https://bit.ly/4fLZLU8
............................................................
الأربعاء، 6 نوفمبر 2024
الكوريون وصلوا.. أخطار الحرب النووية تتفاقم - سيد أمين
رغم خفوت ضجيج الإعلام وانصرافه عنها قليلًا بسبب تصدُّر حرب الإبادة في غزة ولبنان المشهد، فإنه في كل يوم يمر دون إتمام أي من طرفي الصراع في أوكرانيا الحسم للمعركة، تبقى احتمالات اشتعال حربية عالمية ثالثة قائمة، مع تزايد القناعة بأنه لا روسيا ولا أمريكا -بوصفهما الخصمين الحقيقيين الفاعلين هناك- سيقبل أي منهما بالانكسار مهما كان الثمن، مما تزداد معه أخطار توسُّع الحرب وصولًا إلى الأسلحة النووية.
والواقع أن المشهد الأوكراني يتضمن كل مهيئات هذه الحرب، إذ تتصارع الأحلاف الدولية الغربية والشرقية فيها، وتتداخل كل أجهزة الاستخبارات، كما تتدفق مئات الأطنان من الأسلحة إليها، والمسلحون يفدون إلى طرفيها من كل حدب وصوب، بينما يزداد رويدًا رويدًا خطر الانفجار في جميع مناطق التماس الأخرى بين المعسكرين الشرقي الموالي لروسيا والغربي الموالي لأمريكا، ولعل الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على العراق وسوريا ولبنان واليمن -وهي كتل تدور في الفلك الايراني الحليف لروسيا- قد تعمل محفزًا مساعدًا لاشتعال هذه الحرب بوصفها مناطق نفوذ، وإن كانت بمفردها لا تقوم بهذا الدور.
ويعزز المخاوف ورود تقارير عن وصول قوات كورية شمالية قوامها 3 آلاف مقاتل إلى روسيا للمشاركة في الحرب، مع توقعات بأن يصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ثم جاءت تصريحات وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هوي أثناء اجتماعها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، الجمعة الماضية في موسكو، لتفتح باب الحديث جديًّا عن أخطار متوقعة لضربة نووية، إذ أكدت تواصل مساعي بلادها لتعزيز قدراتها النووية تحسبًا لضربة نووية انتقامية، في إشارة إلى ما سمَّته مكائد أمريكا المتنامية، وقالت إن بلادها تطور أسلحتها النووية الهجومية و”الجوابية”.
ونقلت رسالة زعيم بلادها كيم جونغ أون التي أكد فيها نصًّا أن “التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتحول الآن إلى تحالف عسكري ذي مكوّن نووي”.
وعلى الأرض تنامت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات بين نظامَي شبه الجزيرة الكورية، التي شملت تفجير الطرق والسكك الحديدية الرابطة بين البلدين، مع تقوية التحصينات العسكرية الحدودية، وتزايدت حدة إطلاقات النار على جانبيها حيث أطلقت سيول مسيَّرات نحو بيونغ يانغ تحمل منشورات تتضمن التهديد والوعيد، قابلتها الأخيرة بإطلاق مناطيد تحمل القمامة.
هذا بخلاف تنامي التوتر بين واشنطن وبيجين فيما يخص تايوان التي تَعُدها الصين جزءًا من أراضيها، وكثيرًا ما قامت طائراتها باقتحام مجالها الجوي، في حين نشرت مؤخرًا 20 طائرة مقاتلة في دوريات حولها بعد حديث عن صفقة أسلحة أمريكية يُنتظر تصديق الكونغرس عليها بقيمة 1.16 مليار دولار تشمل أنظمة مضادة للطائرات وصواريخ، وصفقة أخرى بقيمة 828 مليونًا تضم أنظمة رادار متطورة.
ولعل مثل هذا الصدام سيعطي الصين دافعًا إلى سرعة الانخراط في التحالف مع روسيا، رغم سياستها الثابتة بعدم الانجرار في أحلاف راسخة، لما يمثله ذلك من صدام واسع مع أمريكا والغرب يهدد مصالحها الاقتصادية في العالم.
وإذا كان التكتل الغربي المساند لواشنطن واضح المعالم، فإن الراصد يستطيع أن يرى بوضوح أيضًا المساعي الروسية الحثيثة لبناء تكتل قوي، قد يضم أيضًا كوبا وفيتنام والعديد من الدول الإفريقية والإسلامية الخارجة توًّا من الهيمنة الغربية.
مواصفات الصراع النووي
وإذا اشتعلت تلك الحرب المباشرة بين أقطاب العالم النووية، فحينئذ سينحصر الأمل على اقتصارها على الأسلحة التقليدية، وهو أمل لا محل له من الإعراب، لأن الهدف الأساسي من امتلاك الدول للأسلحة النووية هو الفوز بأي حرب وليس فقط تجنب الهزيمة فيها.
وسيقتصر آنذاك التنافس على من سيكون صاحب الضربة الأولى، ومدى قدرته على امتصاص الضربة المضادة إن حدثت، لأن صاحب الضربة الأولى سيكون فعليًّا قد هزم الخصم، بشرط استهداف المنطقة الصحيحة التي تشل العدو تمامًا وتمنع قدرته على الرد.
فضلًا عن مدى امتلاك هذا المبادر الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية لمسافات بعيدة بسرعة متناهية قبل أن تسقطها مضادات الخصم في غير الموقع المقصود، وكذلك مدى امتلاكه التقنيات التي تكشف له مراكز قوة العدو بدقة لكي يتم استهدافها.
ولقد وفرت التقنيات العسكرية الحديثة حلولًا جذرية لمعضلات المسافة والزمن والدقة، عبر اختراع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الحرارية والذاتية التوجيه.
ولعلنا نتذكر أن معضلة بُعد المسافة دفعت الاتحاد السوفيتي قديمًا إلى شراء جزء من الزمن عبر استئجار قواعد عسكرية في دولة كوبا القريبة من الشواطئ الأمريكية وإمدادها بصواريخ ذات رؤوس نووية، والأمر نفسه فعلته واشنطن في دول أوروبية عدة قريبة من الحدود الروسية، وهو ما أطلق ما يُعرف بالحرب الباردة.
الحرب النووية
جُل المخاوف تنحصر في أن روسيا وأمريكا وحلفاءهما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لتوجيه ضربات نووية ناجحة، فضلًا عن امتلاكهما معًا مساحات أراضٍ واسعة تطل على بحار ومحيطات كبيرة، وهو الأمر الذي سيتيح لأي منهما أيضًا امتصاص الضربة النووية الأولى، ويمكّنهما من توجيه المزيد من الضربات، بما يطيل أمد الحرب.
ورغم أن الساسة في الدولتين العظميين يؤكدون أنه لا مجال لحرب نووية، فإن هناك من يرى أن مثل تلك التصريحات تكتيكات عسكرية فقط، هدفها تخدير الخصم وتحقيق عنصر المباغتة، إذا جد الجد.
أما دول التماس بين روسيا وأوروبا خاصة بولندا وفنلندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، فقد تكون أول ضحايا خروج الصراع العسكري من حدود الحرب التقليدية.
هذه خريطة للصراع الدولي في أوكرانيا إذا خرج عن حدوده التقليدية الحالية نحو حرب عالمية ثالثة، واحتمالات قفزة واسعة ليتحول إلى حرب نووية، وإن كان الأمل معقودًا على أن يكون كل ما يحدث مجرد حرب نفسية أو كما يصفها اللفظ العامي “تهويش”.
https://bit.ly/3ABC9C0
............................................................
الأربعاء، 30 أكتوبر 2024
وجه آخر لإرهاب الرجل الأنيق - سيد أمين
لم يعد هناك حاجة للاسترسال في سرد تفاصيل كثيرة عن النفاق الغربي الرسمي الذي يمثل الإرهاب في صورته الأكثر تدميرا وتخريبا، والذي كانت خطورته حتى وقت قريب تكمن في تخفيه وامتطائه جواد الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أن إنسانه ليس أبدا كإنساننا، وحقوقه عندهم ليست كحقوقه عندنا.
ولقد كان لتأييد الغرب المطلق الرسمي والمستتر للإبادة في غزة الفضل في نزع ورقة التوت المهترئة التي كان يتعلل بها المتعللون، فظهر جليا أنه بدعمهم السياسي تتعطل إدانة إسرائيل دوليا ولذلك استمرت في غيها، وبأسلحتهم واستخباراتهم أبادت الأبرياء، وبأموالهم استأجرت المرتزقة وبنت المستعمرات، وظهرت الخلاصة في أنها ما هي إلا مجرد منفذ لسياستهم الإرهابية القذرة، قذارة تلك التي نفذوها من قبل في الحقبة الاستعمارية وفي الحربين العالميتين الكبيرتين.
لكن مع ذلك فهذا ليس وجه الإرهاب الوحيد للغرب، فهناك حقائق كثيرة أخرى مختلفة تجب الإشارة إليها حول التوحش الغربي عامة والأمريكي والإسرائيلي خاصة، منها أن من أحرق اليهود هم الغرب ومع ذلك أجبروا العرب على دفع الفاتورة، وأن الغرب وليس الشرق هو من غزا ونهب ثروات شعوب العالم حتى إنه حول البشر فيه إلى بضاعة تباع وتشترى، وهو من خاض الحروب الأكثر بشاعة في التاريخ بعد هجمات المغول والصليبيين، ويكفي القول إنه قتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحدهما قرابة 5% من عدد سكان العالم جلهم من شعوب ليست أصلا طرفا في هذه الحرب، ولكن وضعها المتعاركون عنوة في أتون الحرب ليجنبوها شعوبهم.
أما أمريكا فضحاياها عادة ما يكونون بالملايين، بدءا من ضحايا قنابلها الذرية في اليابان، إلى مليون ونصف مليون قتيل في فيتنام، ومليوني شهيد في العراق حسب إحصائيات منظمات حقوقية فرنسية، ومليون و700 ألف حسب “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”، التي دونت فقط من وصلت جثثهم إلى المشارح المعتمدة، وقرابة 176 ألف شخص في أفغانستان بحسب دراسة أجرتها جامعة براون الألمانية،و هذه مجرد عينة صغيرة لأربعة نماذج فقط من سجل متخم لضحايا كثر لانتهاك أمريكا لحقوق الإنسان.
إرهاب غير مباشر
ما سبق كان مجرد وجه للإرهاب المباشر، وبقي الحديث عن الإرهاب غير المباشر الذي يتلخص في أن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت في علاقاتها مع دول العالم العربي سياسات انتهازية، استطاعت من خلالها تحقيق النجاح الكافي لجعلها صاحب القرار الأهم في هذا الركن من العالم طوال العقود التسعة الماضية، ضاربة بإرادة شعوبه عرض الحائط، وذلك باعتراف قادة عرب بارزين منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي لم يخجل من أن يعلن صراحة أن 99% من أوراق اللعبة في المنطقة العربية بيد أمريكا.
وتتلخص تلك السياسات في تمكنها عبر وسائل عدة معلنة وغير معلنة من التغلغل عميقا في شؤون الدول الداخلية، وإيصال أنصارها فيها إلى أعلى السلطة، مع تدفق دعمها لهم بكافة الطرق العينية والسياسية واللوجستية.
ومع ذلك فإن باب دعمها ذلك ليس مفتوحا على مصراعيه كما هو الحال مع “إسرائيل”، ولكنه يكفي في حده الأدنى منع هذه النظم من السقوط من جانب، ومنعها من أن تتشبع لدرجة تمكنها من الاستغناء عن هذا الدعم مستقبلا من جانب آخر.
ورغم نجاعة تلك السياسة فإنها تقوم بعمل جنوني آخر متمثل في صناعة أو دعم بدائل لهؤلاء الحلفاء وتقديمهم كمعارضة ديمقراطية لهم، قاصدة استيفاء الديكور الخاص بوجود معارضة لكل نظام كما هو الحال في كل النظم التي تدعي الديمقراطية، وكذلك ترويع الحلفاء بقوة ضغط إضافية سعيا وراء مكاسب أكبر، ولتقول إن يدها في البلاد ذات حول وطول، وفي أحيان أخرى تتصرف كذلك فقط لخدمة الحلفاء الأصليين وإظهارهم أمام شعوبهم كحكومات مستقلة تتعرض لمؤامرات خارجية من قبل معارضة غير وطنية.
ولعل الاستعمال الأهم من ذلك كله الاستعاضة بهم عن المعارضة الحقيقية “غير المرغوب فيها” التي سيتم إقصاؤها باتهامات فضفاضة كالإرهاب والتطرف والعمالة للخارج، وكذلك استخدامهم للحيلولة دون وصول مثل هؤلاء المغضوب عليهم لأي سبب غير متوقع كثورة شعبية أو انقلاب عسكري.
تدمير نموذجي
تلك السياسات هي درجة من درجات الإرهاب بما تتضمنه من تخريب الحياة السياسية للأمم، وهو تخريب يتقدمه ويعقبه تخريب أوسع نطاقا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحتى الروحية، وذلك لأنه ببساطة إذا فسد الراعي ووصل السلطة بالاحتيال والدعم الخارجي فسدت معه الرعية وتحولت علاقاتها البينية إلى غابة.
وفيما يبدو أن ما فعله النفوذ الأمريكي والغربي في البناء السياسي للدول العربية، قلدته النظم ذاتها في معارضتها، فأقصت الإسلامي المتمسك بأيديولوجيته ودعمت أحزابا إسلامية هلامية بلا فكر ولا شعبية، وأقصت القومي الذي يرى أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ودعمت أحزابا قومية برنامجها قائم فقط على عداء التيار الإسلامي، وفعلت ذلك مع الاشتراكي المدافع عن حق الفقير والمناضل لتغول الرأسمالية، ودعمت ذلك الذي برنامجه قائم على سحق التيار الإسلامي والقومي.
والأخطر أنها سحقت واقعيا جميع أنواع المعارضة بكل أطيافها، فصارت جميعها مصنعة في معامل السلطة وأجهزتها الأمنية، ويدار هذا وذاك من السفارات الغربية.
هذا وجه آخر أكثر خطورة للإرهاب، لأنه يدمر ولاء ونماء الأمم برمتها، ويقلب حالها فيجعل من شعوبها الأعداء ومن أعدائها الأصدقاء.
هذا هو إرهاب الرجل الأنيق.
https://bit.ly/3YKkjVN
............................................................
الخميس، 24 أكتوبر 2024
ملامح الورطة التاريخية الجديدة لليهود - سيد أمين
قد تتضمن سياسات الأرض المحروقة والإبادة الجماعية والاغتيالات التي ينفذها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان انتصارا مرحليا يغذي شبق الدم المريض به، ولكنها أيضا حملت في طياتها خطرا استراتيجيا غير مسبوق على كل يهود العالم الذين ظلوا لقرون طويلة يعيشون تحت حماية العالم الاسلامي ورعايته، ثم ورطت الصهيونية اليهود عامة في مقابلة هذا الاحسان بالبربرية.
ومع هدوء رحى الحرب تبدأ الانتكاسة الحقيقية، في الوقت الذي يظن فيه الصهاينة تمكنهم من تحقيق النصر المطلق، ستمثل هذه الإبادة المعين الذي لا ينضب لقرون قادمة لإثارة كل حنق ضد اليهود “عامة”، سواء من قبل المسلمين أو من غيرهم، ويدفع له اليهود المعتدلين مع الصهاينة المجرمين أثمانا فادحة في أوقات السلم، أكثر مما دفعوه في أوقات الحرب، قد تفضي إلى زوال دولتهم بوصفها موطن الداء.
وكما يتذكر اليهود في العالم الانتكاسات الكبرى التي تعرضوا لها على يد نبوخذ نصر والسبي البابلي، والخروج من مصر على علي يد فرعونها، والهولوكوست النازي، واستدروا عطف العالم بها لسنوات، ستتذكر الأجيال القادمة من المسلمين -وهم ليسوا بحاجة لحماية أو دعم من غيرهم- ما فعله الصهاينة بأهل غزة ولبنان، تماما كتذكرهم مذابح الحروب الصليبية والمغولية والحملات الاستعمارية الغربية، والتي جميعها مع ضخامة قوتها ووحشيتها قضت واندثرت في حين بقي في الأرض أصحابها الحقيقيون.
ولعل جوهر الهزيمة الاستراتيجية المستقبلية التي ورطت الصهيونية اليهود فيها يأتي بأن الضحايا وأحفادهم قد لا يفرقون بين اليهودية والصهيونية، لا سيما أن الدولة التي ارتكبت تلك الفظائع هي ذاتها من أعلنت نفسها رسميا بوصفها دولة لليهود في العالم، وبالتالي فإن هذه الفظائع ستؤول مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية إليهم حتى لو كان كثير منهم يدينونها ويرفضونها.
فضلا عن أن هذه الفظائع قدمت برهانا عمليا موثقا للعالم على أنها تمثل نتاجا حضاريا لـ “الثقافة” المتوحشة التي يؤمنون بها والتي طبقوها وقدموها للعالم وتراثه الحضاري متى امتلكوا أدوات القوة والتمكين، وبالتالي فلا معنى للتشدق بالمظلومية مجددا، ولا أن اسرائيل واحة الديمقراطية في خضم من الديكتاتوريات العفنة.
بل أن الورطة تجاوزت الكيان نفسه ولحقت بكل داعميها أمريكا وبريطانيا وألمانيا الذين اضطروا للسقوط معها في ذات المستنقع ظنا منهم أنهم يمكنهم انتشالها.
العود الأبدي
ومن الوهم أن يعتقد الصهاينة أنهم سيظلون هكذا على الدوام في حالة تفوق عسكري، وأنهم يمثلون محور الكون والابن المدلل لقطبه الأوحد، فالإرهاصات التي تلوح في الأفق تؤكد أن العالم يقترب من تغييرات عميقة، تغير أقطابه، فيتغير معه الأبناء المدللون.
وهناك نظريات تنظر لحتمية ودورية التغيير سواء في مجال الجغرافيا السياسية أو تطور المجتمعات أو في حركة التاريخ مثل نظرية “العود الأبدي”، وهي النظريات القائلة بأن الدول مثلها مثل أي كائن حي تقوى وتضعف، وتشب وتشيب، وأنها تولد وتموت.
وكما تمر الدول بدورات متعاقبة من القوة والضعف، وتغير المسميات والحكومات، تبقى الشعوب التي نبتت من جوف الأرض ثابتة بجذورها العميقة، ولا ينطبق الأمر أبدا على شعب إسرائيل لكونه نبتا استثنائيا حملته السفن والطائرات من أصقاع الأرض، فتمدد سريعا فوق أرض لا جذور له فيها، وبالتالي لن يقدر على مقاومة الرياح حتى العابر منها دون دعم خارجي مجهد ومكلف ومستمر، ولسنا بحاجة للتأكيد بأن دوام الحال من المحال.
وبالتالي فإن بقاء هذا الكيان مرتبط أساسا بعبء ثقيل عليه وعلى منشئيه، يتمثل في وجوب العمل ليل نهار، سرا وجهرا من أجل إخماد صحوة ملياري مسلم يشكلون ربع سكان هذا العالم.
والمنطق يقول إنهم قد ينجحون في خداع العالم بعض الوقت، لكن من المحال نجاحهم في ذلك كل الوقت.
الزوال الحتمي
قد تنجح إسرائيل وجماعات الضغط المرتبطة بها وداعموها الغربيون في تأخير نهضة العالم الإسلامي والعربي لفترات من الزمان، ولهم في ذلك أساليب كثيرة، ولكن طبقا لنظريات “العود الأبدي” لابد أن يكرر التاريخ نفسه، وقتها ستتبدل المواقع بين السجين والسجان، والقوي والضعيف، وحينها سيكون قد تحرر المسلمون والعرب من قيود الهيمنة الغربية التي ستكون قد انكسرت لأسباب قد لا تتعلق بهم وحدهم- وذلك لأن المسلمين ليسوا وحدهم من يعيشون في هذا الكوكب- ولكن تتعلق بظهور قوى عالمية جديدة قد يكون المسلمون من ضمنها، بالتالي تصبح إسرائيل حينئذ عارية تماما من كافة أدوات الحماية، ما يسمح للضحية أن ينتقم من الجلاد.
مسألة زوال دولة إسرائيل هي مسألة محسومة عقديا، ليس لدى المسلمين وحدهم بل حتى لدى اليهود أنفسهم، وهو ما جعل حركات دينية يهودية أهمها حركة “الناطوري كارتا” تعتبر ظهورها علامة شؤم على اليهود في العالم وخطر وجودي يتهددهم.
https://bit.ly/4dXJJob
............................................................
الخميس، 19 سبتمبر 2024
معركة البيجر.. منظومة حزب الله في وضع الانكشاف! - سيد أمين
فوجئ اللبنانيون بالجريمة النكراء التي حدثت بانفجارات في الآلاف من أجهزة الاستدعاء اللاسلكية الشهيرة بـ”البيجر” بشكل متزامن في وجه مستخدميها مما تسبب في استشهاد عدد من الأشخاص وإصابة الآلاف حالة بعضهم خطرة، وإثر ذلك توجهت الأنظار في لبنان وخارجها نحو بيت الدسائس والمؤامرات “تل أبيب” بالضلوع في الجريمة.
والحقيقة أن لإسرائيل تاريخًا طويلًا في تنفيذ الاغتيالات من خلال تلغيم وتفجير الهواتف، وكان أشهر من اغتالتهم بهذه الطريقة الشهيد القسامي المهندس يحيى عياش، إلا أن الفارق هذه المرة أن المؤامرة نُفذت ضد كثيرين منهم لا علاقة لهم بكتائب المقاومة.
تساؤلات مهمة
الواقعة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية تمكن إسرائيل من تلغيم تلك الأجهزة وبهذه الأعداد الكبيرة؟ وكيف كان يستخدمها أصحابها قبل ذلك دون اكتشاف أمرها؟
أما التساؤل الأخطر فهو أنه إذا كانت إسرائيل قد استطاعت تلغيم تلك الأجهزة وتفجيرها، فإن هذا يعني بالضرورة تمكنها من فك شفراتها ورسائلها، مما يضع منظومة حزب الله العسكرية التي يقال إنها الأكثر استخدامًا لهذه الأجهزة في اتصالاتها الداخلية في وضع الانكشاف أمام إسرائيل جزئيًّا أو كليًّا، ما يوجب على الحزب إعادة هيكلة منظومته الأمنية، وأخذ الحيطة والحذر الواجبَين.
والحيطة هنا لا ينبغي أن تشمل المواقع والمنظومات العسكرية والأمنية فقط، ولكن أيضًا الأشخاص المصابين لأن انكشافهم سيحفز المنظومة التجسسية الصهيونية على تعقبهم كقادة ميدانيين محتملين في حزب الله والمقاومة، حتى لو لم يكونوا كذلك، وبالتالي تستهدفهم وتستهدف ذويهم بالاغتيالات.
كما أن هناك استنتاجًا آخر يبدو بديهيًّا، وهو أنه لا يمكن أن تكون تلك الأجهزة “غير المتطورة” قد وصلت إلى أيدي المقاومة بهذه الأعداد دون وجود مندسين على درجة كبيرة من الثقة لديها روجوا لها، برفقة سلسلة من الفسدة والخونة أو حتى قل المهملين والمتساهلين الذين اعتمدوا صلاحيتها.
ولا ينبغي الاكتفاء بالتفسير الذي قدمته صحيفة نيويورك بوست بأن إسرائيل استطاعت التلاعب في شحنة هذه الأجهزة المقدرة بثلاثة آلاف جهاز أثناء استيراد حزب الله لها من تايوان قبل خمسة أشهر، ونجحت في زراعة متفجرات صغيرة زنة 50 غرامًا قرب بطارية كل جهاز فيها.
مع أخذنا في الاعتبار أن الكثير من الهواتف النقالة تنفجر بطارياتها لأسباب تقنية، وتسبب أضرارًا مشابهة لما سببته انفجارات “البيجر” دون أن يكون بداخلها متفجرات صغيرة، مع وجوب الحذر من أن يكون الحديث عن تلغيمها هو محاولة لصرف الأنظار عن وجود تقنية معيَّنة يتم من خلالها تفجير بطاريات الهواتف، وهي الوسيلة التي لو ثبت وجودها لتمكن حزب الله من الوصول إليها والرد على إسرائيل باستخدامها.
البيجر.. ميزات وعيوب
والبيجر لمن لا يعلم هو هذا الجهاز الذي مثّل نقلة نوعية في الاتصالات قبل ظهور الهواتف النقالة، وكان لا يستخدمه سوى كبار رجال الأعمال والسياسيين ورجال الأمن، حيث كان يتيح إعلام الشخص الذي جرى الاتصال به بالأرقام التي حاولت الاتصال به أثناء تنقله مما يمكنه من العودة إلى الاتصال بها من هاتفه الثابت.
ولقد انتهى استخدام هذه التقنية التي تعمل بإشارات “راديو” عام 1994 حينما اكتسحتها تقنية الهواتف النقالة التي مثلت قفزة بعيدة المدى في هذا المجال.
هذه الأجهزة مزوَّدة بمرسلات مدمجة تتيح للمستخدم تأكيد تسلُّم الرسائل والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة.
وخطورة البيجر الذي جرى تطويره وإعادة طرحه كوسيلة تراسل برسائل نصية، حيث يتم تسلُّم الرسالة وتأكيد تسلُّمها والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة، أنه مثله مثل الهاتف النقال يمكن من خلاله التعرف على موقع حامله، أو موقع الهاتف الذي حاول الاتصال به، وأن الاتصال به من هاتف ثابت كما كان يحدث قديمًا سيكشف موقعه، مما يعرّض أصحابه للخطر في حالات التعقب والحرب.
في حين أن ميزة التراسل النصي التي جرى تطويرها بالجهاز، واعتماده نظام إشارات الراديو المجانية جعلته مناسبًا للتواصل في المناطق النائية والصعبة التي لا تتوافر فيها خدمة الإنترنت، وهي أيضًا الميزة التي جعلته مقبولًا لدى الجماهير في لبنان الذين يعانون انقطاع الإنترنت والكهرباء لفترات طويلة.
قفزة جديدة
بهذه العملية غيرت إسرائيل قواعد الاشتباك المعمول بها مع حزب الله منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكشفت عن سلاح قتل جديد من أسلحتها المبتكرة التي تتفنن فيها بقتل الأطفال والنساء، وهو السلاح الذي ما كان لها أن تمتلكه لولا استعانتها بالتقنيات الأمريكية المتطورة في مجال الاتصالات، ولذلك يجب على المقاومة أن تفكر بالطريقة ذاتها وتلجأ إلى كل الوسائل الحربية غير المنظورة.
…..
هناك قناعة بأنه كما استفادت إسرائيل من الواقعة وأرضت غرورها، استفاد حزب الله أيضًا منها، فظهر له أحد مواطن ضعفه وهو الآن بلا شك يقوّمه.
https://bit.ly/4e4f2yD
............................................................
السبت، 31 أغسطس 2024
حروب الذباب الإلكتروني ضد جبهة الإسناد .. بقلم سيد أمين
مع كل ارتفاع في إخفاق أو نجاح أو نبرة تحدٍّ يبديها ما يعرف بدول الممانعة ضد الصلف الصهيوني، يتزايد بشكل تلقائي حضور الحسابات المنتقدة والمهاجمة لهذه الدول على مواقع التواصل، يهاجمون نجاحها إذا نجحت ويحملونها المسؤولية عن كل إخفاق، حدث ذلك في الرد الإيراني في مايو/أيار الماضي، وفي اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أراضيها، وحتى في عملية الأربعين التي أطلقها حزب الله مؤخرا ردا على اغتيال إسرائيل القيادي الكبير في الحزب الشهيد فؤاد شكر، التي يصفونها بأنها هزلية، رغم أنه لا أحد غير هذا الحزب يقاوم من الخارج منذ عشرة أشهر متواصلة.
فحينما حدثت واقعة اغتيال هنية، لجأت تلك الحسابات المشبوهة التي اعتادت أن تظل خاملة لفترات وتنشط بشكل متزامن إلى تقاسم الأدوار، فمنها من هاجم إيران بوصفها “خانت” المقاومة الفلسطينية ودبرت أو ساعدت أو أغفلت تأمين الشهيد الكبير، ومنها من راح يهاجم الشهيد مطلقا عليه وسومات شهيد الفنادق ووصمه بالاتجار بادعاء المقاومة، ومنها من هاجم حماس متهما إياها بالتسبب في كل المشهد الذي يحدث في غزة.
مع أنك لو بحثت في المنشورات القديمة لتلك الحسابات؛ لوجدت الواحد منها أدى جميع تلك الأدوار مجتمعة، فهاجم إيران لأنها لا تدعم المقاومة الفلسطينية، وهاجم المقاومة الفلسطينية لأنها قبلت دعم ايران، وهاجمها من قبل بأنها لا تقاوم، كما يهاجمها الآن لكونها تقاوم، ويعمل جاهدا طوال الوقت لاستثارة روح المذهبية والفرقة، في حين لا يتوقف نزيف جنائز المسلمين سنتهم وشيعتهم من دون تفريق على خطوط التماس مع العدو.
ولعلنا لا نحتاج إلى بذل أي جهد للتيقن بأن من يشملهم الهجوم هم أنفسهم بل ووحدهم من يحملون لواء المقاومة ضد إسرائيل، وأن المهاجمين يسعون خلف غرض خبيث يهدف لفتق الالتئام العزيز الذي خاطه طوفان الأقصى، وانتقلت بعده المقاومة العربية من وحدة الساحات إلى وحدة الحواضن الشعبية، وكان ذلك من أعظم انتصاراتها على الإطلاق.
منطق بلا منطق
ولأن منطق هذا الحسابات الخبيثة هو منطق فاقد للمنطق أصلًا، فهو لا ينطلي إلا على سفهاء القوم والمنزوعي العقول، فلا مصلحة إطلاقا لإيران في أن يصيب ضيوفها السوء ولا سيما إذا كانوا شركاء الخندق والعدو والهدف والمصير الواحد، وكانت إهانتها هي الهدف الرئيسي للعدو من المساس بالرجل في أراضيها، أكثر من مكاسبه من التخلص من قيادي سياسي في حركة يعاديها، يعلم يقينا أن الحركة ستنصب بديلا عنه في ساعات.
أما من هاجموا الرجل بوصفه شهيد الفنادق فهو في الواقع قول لا يؤيده أي دليل، سوى كون الشهيد سياسيا ولسان حال حركة مقاومة محاصرة تناصبها العديد من أجهزة مخابرات الغرب والشرق العداء، ويلتقي بالعديد من المسؤولين في العالم للتعبير عن مواقف الحركة والشعب الفلسطيني، وهو بحاجة إلى تأمين أكبر، فضلا عن أنه قد استشهد 60 فردا من عائلته بينهم أولاده وأحفاده وأشقاؤه وأصدقاؤه وجيرانه، وليس بعد ذلك بينة تكذب هذا الادعاء.
وبخصوص هؤلاء الذين يهاجمون الحركة لكونها قاومت وتسببت فيما يحدث في غزة الآن، فيكفي أن نعرف أنهم هم أنفسهم من كانوا يهاجمونها في أوقات السكينة والاستعداد بزعم أنها لا تقاوم وترفض التضحية بالكراسي والمناصب.
وحدة الذباب الإلكتروني
وكما يحاربون المقاومة العربية كافة، تستطيع أن تلمس فيهم وحدتهم على ذات الأهداف رغم تنوع أقطارهم وهو ما تتبينه من تنوع أساليبهم ومنطلقاتهم الدعائية، كما أنهم يلدّون في العداء لكل من تعاديهم إسرائيل، ولا ينتقدونها إلا بخجل إن أُجبروا على ذلك.
واللافت فيهم تناغمهم التام مع نظم حكم مرتمية كليا في جوف الدفء الكاذب لأحضان الكيان الصهيوني، ومع ذلك لا يجرؤون على انتقادها ولو بحرف واحد مما يطلقونه ضد الأيادي المثابرة الكريمة التي امتدت لمسح العار الكبير الذي سيسجله التاريخ لمتخاذلي تلك الحقبة.
وفاتهم وهم الذين لا يعنيهم في الأساس لا الإسلام ولا مذاهبه، أن ما يجمع بين سنتنا وشيعتنا أكبر بعشرات المرات مما يفرق بينهم، وأن الاختلافات يأتي أغلبها في القشور التي لا تمس صلب العقيدة، بخلاف وحدة المظلومية، ووحدة الهدف والثقافة والنسب، وبالمطلق فإن الإسلام أباح التحالف مع الكافر في وقت الحرب ضد العدو الكافر المشترك.
وحدة المقاومة
وفي المقابل تجذرت في يقين قادة المقاومة العربية البطلة خطورة الانجرار وراء أزمات الذباب الإلكتروني المصطنعة، والإيمان بأنه لا مجال لانتصار أمة الإسلام من دون توحيد جبهاتها، وهو ما دفع الجماعة الإسلامية التي كانت ضمن تحالف “14 آذار” المعارض لحزب الله في لبنان إلى أن تخطو خطوات واسعة للاقتراب منه، مشكلة معه “جبهة مساندة غزة”، وقد تعددت لقاءات أمينها العام الدكتور محمد طقوش بأمين حزب الله السيد حسن نصر الله.
وكانت صلاة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على جنازة الشهيد إسماعيل هنية وخلفه الآلاف من المشيعين “الشيعة”، وإطلاق اسم الفقيد على أهم شوارع طهران، إعلانًا صريحًا لفشل كافة محاولات فتق الالتئام بين جبهات المقاومة الإسلامية وحواضنها الشعبية، وأن العودة إلى التعصبات الطائفية سياسة عفى عليها الزمن.
لقد كان الواقفون على الثغور أكثر نضجا وحكمة ومسؤولية من الجالسين الذين يواصلون التنظير أمام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي حينما بادروا إلى توحيد الساحات، ولسان حالهم يقول إن الغرب المسيحي بمذاهبه الشاسعة الاختلاف، نحَّوْا اختلافاتهم جانبا واتفقوا جميعا على هزيمة المقاومة، لا لشيء إلا لطبيعتها الإسلامية، ولم يفرقوا حينئذ بين سنة وشيعة، ألا يحق لنا أن نتّحد نحن أيضا؟
المصدر : الجزبرة مباشر
https://bit.ly/4g7OC0o
............................................................
الاثنين، 26 أغسطس 2024
ثغرة “كورسك”.. احتمالات النجاح والفشل في الحرب الروسية الأوكرانية!
بقلم: سيد أمين
أرسى علم الواقعية السياسية التي أسس لها “ميكافيلي” في كتابه الأشهر “الأمير” قاعدة عسكرية هامة مفادها أن الكسب السريع لكثير من الأرض في الحروب يعني أيضا الفقد السريع لهذه الأرض بذات السرعة، وذلك لأن المقاتلين هنا لا يتشبثون بالأرض، بل يسيطرون عليها فقط.
ومن خلال تطبيق هذه القاعدة الخالدة التي ثبت صحتها في معظم حروب العالم، نستطيع أن نتوقع أن ما حدث في الأيام القلية الماضية من الاجتياح الأوكراني السريع بعمق 22 ميلًا في مقاطعة كورسك الروسية في السادس من أغسطس/آب الجاري والاستيلاء على نحو ألف كيلومتر مربع موزعة على عشرات القرى الصغيرة، ما هو إلا مجرد زوبعة في فنجان.
وتوافرت أسباب الردع طبقا للنظرية الميكافيلية حيث إن الجيش الأوكراني هرول في مناطق متفرقة في المقاطعة وتمدد فيها بشكل هشّ، من دون القدرة على تأمين مناطق وجوده، فضلا عن عجزه عن تأمين موطئ قدم خطوته القادمة أو السابقة، وفقدانه أيضا القدرة على الثبات تحت وقع الضربات الجوية الروسية.
كما تتزايد التكهنات بقيام الروس بإعداد خطة سريعة لردم تلك الثغرة التي تشبه إلى حدّ بعيد “ثغرة الدفرسوار” في حرب 1973 المصرية، تقضي بتطويق القوات المهاجمة من الخلف ومحاصرتها وقطع طرق الإمداد عنها، تمهيدا لتوجيه ضربات موجعة لها والقضاء عليها.
وجاء قرار الروس بإجلاء مئات الآلاف من سكان تلك المقاطعة ليؤكد سعيهم لصدّ الاختراق الأوكراني، والتضحية بامتيازات يمكن استغلالها مثل أن سكان هذه المقاطعة هم في غالبيتهم المطلقة من العرقيات الروسية السائدة الذين يكنون خصومة تاريخية للأوكران، ولا يتوانون عن مشاركة جيش بلادهم معركته، فضلا عن أن الأرض عادة تحارب مع أصحابها.
هذا إضافة إلى إعلان معهد دراسات الحرب الأمريكي قيام الجيش الروسي بحفر خنادق في منطقة “لوغوف” غرب “كورسك”؛ مما يعني استعداده لعملية حصار طويلة.
وكانت هناك مؤشرات تؤكد توقع روسيا تصعيدا عسكريا غربيا وشيكا ضدها قبل هذا الاجتياح، فعملت على تدريب قواتها البحرية على ضرب أهداف في عمق أوروبا باستخدام صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك ردًّا على حزم المساعدات الغربية التي قدمت إلى أوكرانيا وتشمل طائرات أف 16، ومركبات قتال أميركية من طراز سترايكر، وأخرى ألمانية من طراز موردر.
لماذا كورسك؟
والهدف الأول من عملية اجتياح كورسك هو تشتيت الجهد العسكري الروسي وإجباره على سحب وحداته المدربة من قواته العاملة في الأقاليم التي استولى عليها في أوكرانيا؛ مما يسهل على الجيش الأوكراني استردادها، أو إجراء عملية مقايضة أرض بأرض.
ويعود اختيار الأوكران وحلفاؤهم الغربيون هذه المقاطعة لتنفيذ هذا الاختراق لكونها محورا رئيسيا لخطوط النقل البرية سواء داخل روسيا أو مع أوكرانيا نفسها، ولذلك عجلوا بقصف العديد من الجسور الحيوية فيها على نهر سيم في محاولة لعزلها، ولتحجيم أهميتها الاستراتيجية لروسيا في حال الجلاء عنها لأي سبب كان.
ومن الأسباب أيضا كونها من أكبر معاقل قلاع الصناعة الروسية وتوجد فيها محطات رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا ولو كانت متوقفة حاليا، وبالتالي فإن السيطرة عليها ستضرب الاقتصاد الروسي المنهك ضربة قوية.
هذا فضلًا عن رمزيتها الكبيرة للروس باعتبار أنها شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ الحديث سنة 1943، حينما انتصر الروس فيها على الجيش النازي، وبالتالي فإن الاستيلاء عليها بما لها من رمزية يعد إهانة بالغة للروس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل عمد الأوكرانيون إلى إرسال رسائل من شأنها إشعار الروس بالإهانة، منها قيامهم بتصوير عدد من الأسرى الروس لديهم وهم في أوضاع بائسة يرتدي بعضهم أطواق المراحيض، كما نشر لواء عسكري مقطعا مصورا لجنوده في مكتب مجموعة الطاقة الحكومية الروسية غازبروم، وهو فيديو أراد أن يقول من خلاله إننا نحتل أراضيكم ونستولي على منشأتكم الحيوية كما فعلتم أنتم في أوكرانيا.
وقد ساعد في هذا الاجتياح السريع كون معظم قوات الجيش الروسية العاملة في هذا الإقليم غير مدربة بشكل جيد لأنها من أفواج الاحتياط، ترافقها أقليات من كتائب الحدود ووحدات الحرس الجمهوري، وفوج واحد من قوات أحمد الشيشانية التي طلب بوتين منها الدعم الأشهر الماضية.
هل ستنجح الثغرة؟
من الصعب أن تنجح الثغرة في أداء وظيفتها التي أُنشئت من أجلها لأسباب عدة، أهمها أن هذه القوات لن تستطيع الصمود طويلا داخل الأراضي الروسية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الروس بدوا مترددين في سحب أي وحدات لهم من أوكرانيا حسبما كان يأمل الأوكرانيون، ويخططون للاستعانة بقوات مدربة من دول حليفة مثل الجارة بيلاروسيا والشيشان للمساعدة على صد هذا الهجوم ودحره.
وبالفعل قامت بيلاروسيا بحشد قواتها على الحدود الروسية في انتظار أوامر بالتدخل، وسط تكهنات بإرسال كوريا الشمالية دعما عسكريا لروسيا خاصة بعد تصريحات زعيمها التي أدانت الثغرة ووصفتها بأنها عمل إرهابي لا يغتفر، والتي تضمنت عبارات مثل قوله “سنقف دائمًا جنبًا إلى جنب” مع روسيا و”ندعم بقوة الحرب المقدسة التي يخوضها الجيش والشعب الروسي”، ولا شك أن القوات الشيشانية ووحدات فاغنر لن تقف مكتوفة الأيدي.
وقد أدرك قائد أوكراني الفخ الذي أوقعوا أنفسهم فيه فقال لمجلة الإيكونوميست، إن هذا الهجوم كان “مقامرة، فقد أرسلنا وحداتنا الأكثر جاهزية للقتال إلى أضعف نقطة على حدودهم”. وأضاف أن “هذه المقامرة لم تؤت ثمارها بالسرعة التي كانت تأملها كييف”.
والأهم أن روسيا بوصفها دولة نووية لن تقبل بأي حال إخضاعها للتفاوض مع كييف تحت وطأة هذا الضغط حتى لو تفجرت حرب مع حلف شمال الأطلسي حسب تلميحات رئيس الوزراء الروسي الأسبق سيرجي ستيباشين.
https://bit.ly/4cCVT5b
............................................................
الأربعاء، 24 يوليو 2024
ثورة يوليو.. ألم ينكشف أمرها بعد؟ سيد أمين
72 عاما مرت على ثورة يوليو/تموز 1952 (إن جاز توصيفها بالثورة وهو قطعا لا يجوز) تلك التي أوصلتنا نحن -المصريين- إلى الواقع الذي نعيشه الٱن، ولا تخفى تفاصيله على أحد.
منذ ذلك اليوم أخذ هذا البلد يتقزم مساحة ونفوذا، إذ تسلَّمه الضباط “الأحرار” -إن صدَق الوصف وهو لا يَصدُق- وحدوده الجغرافية تقترب جنوبا من بحيرة “فيكتوريا” منبع النيل الأبيض، وتخضع بحيرة “تانا” منبع النيل الأزرق الشريان الرئيسي لنهر النيل تحت سطوته السياسية والثقافية، لكن “أحراره” أفقدوه في أيام معدودات أكثر من نصف مساحته بتفكيك السودان الذي انشطر هو الآخر إلى نصفين.
ولم يتوقف تشظيه عند هذا الحد، فما لبثوا حتى أفقدوه في ليلة وضحاها سيناء الحاضرة الغائبة، عادت غريبة مقيَّدة لا روح فيها.
وتسلَّموه وهو دائن لبريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، فأمعنوا فيه البطش والتنكيل حتى حولوه إلى ثقب استدانة أسود مدين لطوب الأرض، لدرجة تغيرت معها مفاهيم النجاح، وصارت القدرة على مزيد من الاستدانة عملا بنّاء يستحق الإشادة والاحتفال!
ولم يفق الغافلون من وهم الثورة حتى حينما أوقع هؤلاء “الأحرار” هذا البلد في سلسلة هزائم إحداها كانت مثالا للهزيمة الساحقة الماحقة في تاريخ الحروب في العالم، رغم أن صناعها أنفسهم لم يقولوا إنها ثورة ، فضلا عن أن الثورة حينما يقوم بها الجيش والسلطة لا تُسمى إلا انقلابا.
تأملات وبديهيات
لست أدري ما السبب الذي يدفع البعض باستمرار إلى ترديد المغالطات والدفاع عن باطل تكشّف زيفه، فلا هي ثورة ولا حتى حركة مباركة ولكنها انقلاب عسكري واضح قاده بضعة من صغار الرتب العسكرية، ما كان بمقدورهم أن يقتربوا من قصر الملك دون أن يقوم الاحتلال الذي يسيطر على البلاد بتأمين حياتهم ويمنع الجيش من اعتقالهم وقتلهم على الفور، خاصة أن غرفة صغيرة من غرف حراسات القصر كانت تكفي لحبسهم جميعا، ودبابة واحدة أو رصاصات تنطلق من سلاح جندي واحد من حراسه كانت قادرة على قتلهم لولا علم الجميع بوقوف الإنجليز خلفهم.
ولعلنا بحاجة هنا إلى التأكيد أن الثقة بين الإنجليز والملك كانت معدومة بعد تكشّف مساعدته للألمان في العلمين عام 1942، وهو ما دفعهم إلى محاصرة قصره في 4 من فبراير/شباط، وإجباره على حل حكومة الأغلبية وتشكيل حكومة أقلية من حزب “الوفد” ليؤمّن لهم ظهورهم.
وإذا كان الإنجليز قد تصرّفوا بهذا الشكل لأنهم لم يرضوا عن الحكومة التي خشوها لأنها من اختيار الشعب؛ فكيف نفسر عدم تحركهم لإنقاذ الملك نفسه، لو لم يكن من قاموا بالانقلاب هم رجالهم؟ وهم الذين عبثوا بأمواله وأموال وأعراض نخبة البلاد، ومع ذلك لم يقتربوا من الاحتلال حتى رحل طوعا عام 1954 مع أنه كان الأولى بالمقاومة، بل إنهم تركوا الشعب ليحارب بديلا عنهم العدوان الثلاثي 1956.
ونحن بحاجة أيضا إلى التذكير بأن بريطانيا وفرنسا قامتا في خمسينيات القرن الماضي بتنفيذ خطة تقضي بجلائهما عن مستعمراتهما مقابل تعيين حكومات عسكرية مختارة تديرانها من الخارج، وذلك للحيلولة دون نجاح الاتحاد السوفيتي في تحريض شعوبها على الثورة الحقيقية.
التفاصيل كثيرة لو تأملها أحدنا بشكل موضوعي لا تحيّز فيه؛ لقرأ المشهد بشكل أكثر دقة وصدقا ووضوحا، ولعرف وقتها أن كل من ذهبوا في حرب فلسطين 1948 وجلبوا معهم النكبة رغم كثرتهم وعتادهم وحاولوا تلفيق مصيبتها للملك عبر”أكذوبة الأسلحة الفاسدة” التي افتضح أمر كذبها فاضطروا إلى إنكارها رسميا، هم أنفسهم من كانوا في سدة الحكم وجلبوا معهم “النكسة” التاريخية في يونيو/حزيران 1967 التي تضاعف حجم “إسرائيل” بسببها ضعفين، وخاضوا حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 فصارت تل أبيب بعدها تتحكم في كل عواصم العرب.
أخطاء يوليو
يمكنك أن تنظر في المقراب من الجهة الصحيحة لترى أن غالبية ما نُسب إليها من إنجازات لم يكن دقيقا.
فمجانية التعليم مثلا كانت مكفولة قبلها، ثم أكدها الدكتور طه حسين حينما تولى أمر وزارة التعليم في بداية الأربعينيات.
وعملية تأميم ممتلكات نخبة النظام الملكي هى في الواقع عملية قرصنة غير ديمقراطية، ومع ذلك لم يذهب ريعها إلى الشعب، ولكن استخدمها الملاك الجدد لتكون متاعا لهم، حيث سكنوا هم القصور وحولوا بعضها إلى سجون لمن غضبوا عليهم من الشعب وحتى منهم أنفسهم.
أما توزيعهم الرقعة الزراعية على الفلاحين فإنما ساعدت في تفتيتها وشجعت على الاستهانة بها وتحويلها إلى أرض سكنية وسط تغاضٍ غريب منهم عن تفشى العشوائيات عليها، فانقلبت الأمور حيث وُجدت المساكن على النيل بينما الزراعات في الجبال.
والمنشآت الصناعية بقدر كونها مهمة للداخل اقتصاديا فهى مهمة أيضا للخارج الذي يحتاج إلى نقل المواد الخام إليه في حالتها الوسيطة والنهائية خاصة تلك الملوثة للبيئة كمصانع الأسمنت والكيماويات وما شابه، وقس على ذلك الكثير .
أما العمل الديمقراطي فـ”أحرارها” لم يحاولوا -مجرد المحاولة- التظاهر بأنهم يؤمنون به، فحلوا الأحزاب والنقابات والجمعيات وكل ما هو تمثيلي، وأمنوا بهذه الدونية إلى درجة جعلتهم لم يستحوا من حشد رعاع القوم للهتاف ضد تداول السلطة والديمقراطية بوصفها كفرا.
نحن هنا لا نضمر سوءا لهذا الحدث، ولكننا لا نجد فيه ما يقنعنا به.
https://bit.ly/3WBILYn
............................................................
السبت، 20 يوليو 2024
خطوات بوتين الواسعة لاستعادة الأمجاد الإمبراطورية - سيد أمين
مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ظهرت بوضوح خطوات روسيا الواسعة لاستعادة مجد الإمبراطورية السوفيتية، ولتحتل مكانتها القديمة المنافسة لسيطرة أمريكا على العالم.
منذ مطلع العام الجاري 2024 قام بوتين بإجراءات جريئة عدة في إطار محاولاته للفكاك من الحصار الغربي الواسع على بلاده بعد اجتياحها أوكرانيا، واتخذها فرصة من أجل تعزيز نفوذ بلاده عالميًا لتصير منافسًا حقيقيًا للنفوذ الأمريكي في العالم، مستفيدًا من حالة السخط الشعبي العالمي على سياساتها الانتقائية الداعمة للاستبداد والهيمنة الغربية.
وعلى ما يبدو أن تلك الإجراءات آتت أكلها، وأسهمت لحد بعيد في خفض حدة الحصار الغربي بدليل أن النفط والحبوب اللذين يمثلان عماد الاقتصاد الروسي يتدفقان بشكل كبير لأسواق العالم بل ولأسواق أوروبا ذاتها، بعد نجاحها في تحويل ثروتها من الحبوب إلى صمام لأمن العالم الغذائي، وافتتاحها أسواقًا جديدة للنفط أسهمت في وصوله للسوق الأوروبية عبر دول أخرى بتكلفة أعلى تحملها المستهلك الأوروبي، فيما صمد “الروبل” الروسي وحافظ على مستواه في المنطقة الآمنة رغم أنه كان من المتوقع له الانهيار السريع بعد مرور سنوات من دوران رحى الحرب.
وشجعت سياسة التعامل بالعملات الوطنية كبديل عن التعامل بالدولار العديد من دول العالم للتعامل الاقتصادي مع روسيا للدرجة التي جعلت الاحتياطي النقدي الدولاري في البنك المركزي الروسي يهبط من قرب 90% إلى نحو 57% دون حدوث رجة عميقة في موقف البلاد الاقتصادي، وهو ما يعني أن سياستها تلك مع حلفائها قد نجحت، وهو الأمر الذي جعل محافظ البنك المركزي الروسي السابق يتمادى ويتوقع أن يتعرض الدولار الأمريكي لموقف وجودي في العالم بحلول العام المقبل.
وتؤكد إحصاءات منظمة “شنغهاي” للتعاون التي تضم ست دول هي الصين وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان بأن 90% من تعاملات أعضائها البينية صارت تتم بالعملات المحلية، وهو ما عزز الوضع الاقتصادي الروسي بوصفه ثاني أكبر اقتصاديات هذه المنظمة.
سياسات جريئة
وكانت زيارة الرئيس بوتين لكوريا الشمالية في منتصف يونيو/حزيران الماضي وتوقيعه مع زعيمها كيم جونغ أون في بيونج يانج اتفاقية شراكة استراتيجية ودفاع مشترك من أكثر تلك الإجراءات أهمية ولفتًا للانتباه عالميًا في هذا العام، بما تحمله من تدليل على أن روسيا مصممة للمضي قدمًا في بناء تكتل عسكري واقتصادي وسياسي قوي يضم العديد من مظاليم الهيمنة الأمريكية على العالم، وأنه لا رجعة مكوث لروسيا في مقعد الظل مجددًا.
وتأتي أيضًا اتفاقية بوتين مع حركة طالبان الأفغانية بوصفها شريكًا استراتيجيًا لمكافحة الإرهاب كضربة ذات مغزى للدعاية الأمريكية التي حاولت عبر عقود من غزوها أفغانستان تسويق الحركة كحركة إرهابية، ثم اضطرت تحت ضغط مقاومتها لمد يد الاتفاق معها لتتمكن من سحب قواتها بسلام.
ولعل روسيا كانت تدرك أن الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001، وبعد 11 عامًا من انهيار الاتحاد السوفيتي كان من أهم أهدافه تطويق نفوذها ذاته.
وكذلك هناك إجراؤها مناورات حربية في منطقة البحر الكاريبي على سواحل كوبا، وإرسالها أسطولًا من السفن الحربية ضمنها غواصة تعمل بالطاقة النووية، وسعيها لنقل صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية لتعيدنا إلى الصراعات ذاتها وقواعد اللعبة التي كانت سائدة في زمن الاتحاد السوفيتي، مع اختلاف مهم وهو أنه إذا كانت الحرب حينها ظلت باردة، فيبدو أن الحرب الآن تتجه رويدًا رويدًا لتكون بركان حمم.
ثم حسمت الزيارة التي قام بها بوتين إلى فيتنام وهي واحدة من أكبر 20 دولة سكانًا في العالم ولاءات هذه الدولة الاشتراكية المتأرجحة بينها وبين أمريكا لشغل المركز الثاني كحليف اقتصادي لها بعد الصين، حيث تم توقيع تأكيد اتفاقات الشراكة الاستراتيجية الموقعة بينهما منذ 15 عامًا مع نمو ميزان التبادل التجاري بين البلدين هذا العام بنسبة 8%، ورغم أنه ما زالت الولايات المتحدة تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في رصيد التبادل الاقتصادي مع هانوي بما يصل في عام 2022 إلى 139 مليار دولار، إلا أنه من المتوقع أن فيتنام ستسعى لتوطيد علاقاتها مع روسيا خصمًا من مكانة أمريكا، حيث يربطها بها الحنين للحقبة السوفيتية مقارنة بأمريكا وماضيها المرير.
ذلك بخلاف إنشاء روسيا العديد من القواعد والمراكز في العديد من البلدان العربية والإفريقية، وسط انحسار واضح للنفوذ الأمريكي والغربي عامة في القارة السمراء.
التقنية النووية
وما يلفت الانتباه نجاح روسيا في استخدام التكنولوجيا النووية كوسيلة لتقارب استراتيجي مع الأمم الأخرى، من حيث توريد إنشاء المحطات وتزويدها بالوقود النووي اللازم، والتخلّص من النفايات فضلًا عن إدارة تلك المحطات، خاصة أن مثل تلك المشروعات تمثل بطبيعتها أهمية قصوى لدى الدول التي أنشئت فيها اقتصاديًا، وصيانة وسلامة، فضلًا عن تميزها بطول مدة التعاقد التي قد تمتد لعقود عدة، وهو ما من شأنه ربط هذه الدول بشكل عميق واستراتيجي مع موسكو.
وتشير إحصاءات إلى أنها وقّعت بمفردها ونفّذت أكثر من نصف محطات الطاقة النووية في العالم في العقود الأخيرة، وهو ما فعلته على سبيل المثال لا الحصر مع فيتنام وبنجلاديش وتركيا والإمارات وإيران والسعودية ومصر وعشرات الدول الأخرى حول العالم.
ولما كانت روسيا تنتج بمفردها نحو 79% من الوقود النووي المنتج سنويًا في العالم لتغذية المحطات التي تشرف على إنشائها وإدارتها حول العالم، شكّلت أمريكا تحالف “سابورو 5” الذي يضم بجانبها “كندا وبريطانيا وفرنسا واليابان”، لمناهضتها في العالم وراحت تفرض عقوبات على الوقود النووي الروسي.
…
الظلم الذي صنعته أمريكا ودعمته في العالم جعل الشعوب تبحث عن بصيص أمل للخلاص لعلهم يجدونه في موسكو، إن وجدوه حقًا.
https://bit.ly/4d5xiqv
............................................................
الجمعة، 5 يوليو 2024
باز... هكذا خذل العرب أشهر منصّة تواصل عربيّة - سيد أمين
المقال نقلا عن العربي الجديد
أُصيب مستخدمو منصّة "باز" بالصدمة جرّاء إعلانها إغلاق نفسها بحلولِ نهايةِ يوم الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، وأرجعت السبب في ذلك إلى عدم تمكنها من الاستمرار بعددٍ محدودٍ من المستخدمين مع تلك الخدمات والنفقات المالية الكبيرة التي تعجز عن الوفاء بها، فضلًا عن المجهودات الكبيرة التي قامت بها دون أيّ عائد معنوي أو مادي.
وفي عتبٍ، أضاف بيانُ المنصّة المُقتضب، أنّ أكثرية الجمهور العربي فضّلت الاستمرار في المنصّات الأخرى رغم هجائهم الدائم لمواقفها الأخلاقية والسياسية، لا سيما ما يخصّ منها القضيّة الفلسطينية والحق العربي. وفي شعورٍ بالخذلان، قالت المنصّة، يكفيها شرف المحاولة، وإنّ التاريخ سيسجّل أنّ عربًا حاولوا بناء
منصّة تواصلٍ عربيّةٍ، تمتلك كلّ مقومات النجاح، لكنّهم خُذِلوا.
جاء هذا البيان رغم الدفعة القويّة التي شهدتها المنصّة عقب طوفان الأقصى، وما تّرتب عليه من انصرافِ العديد من مستخدمي مواقع التواصل الغربية عنها، لا سيما منصّات مثل "فيسبوك" و"لينكد إن" و"يوتيوب"، بسبب انحيازها السافر لإسرائيل، وعدم احترامها للحقِّ في التعبير، وبحثوا عن منصّات أكثر إنصافًا. وهذا ما جعل العديد من المستخدمين يجدون في منصّة "باز"، المنصة المثلى للتعبير بأريحيةٍ عن وجهاتِ نظرهم في كافة القضايا السياسية الدولية، لكنهم سرعان ما ابتعدوا عنها لأسبابٍ عدّة.
وفي تحليل الأسباب الإخفاق، هناك عدّة أسباب، أوّلها برنامج المكافآت على التفاعل داخل المنصّة، فعلى الرغم من أنّه استطاع جذب أعداد كبيرة من صغار السن والشباب غير الواعي للتفاعل مع المنصّة طمعًا في الحصول على هذه المكافآت، إلا أنّه في نفس الوقت أبعد الشباب الواعي الذي سعت المنصة أصلًا لانضمامه إليها.
السقف السياسي لمنصّة باز كان مرتفعاً أكثر من منصّات التواصل الغربية بكثير، حيث لا تقديس مفتعلاً لأحد، ولا امتهان غير مستحق لغيره
كما ساهم في ابتعادِ الشباب المؤدلج عن المنصّة وشعوره بالاغتراب عنها، غزارة التعليقاتِ التي كان يتركها الشباب الساعي وراء كسب المزيد من النقاطِ من خلال كتابةِ تعليقاتٍ لا تمت بصلةٍ إلى المنشور، وهي غالبًا ما كانت عبارة عن نصوصٍ أو رموزٍ لا قيمة لها، حيث التعليق يتم بكتابة نقطة، أو فاصلة، أو شرطة، أو حرف من حروف الهجاء وهو ما أثّر في قناعة الناشر العربي الجاد بعدم وجود جمهور حقيقي أو جاد يتفاعل معه، فانصرف لمنصّاتٍ أخرى، رغم أنّ هذه المنصّة تحديدًا كانت الأكثر تعبيرًا عن توجّهاته الفكرية.
وحتى أولئك الذين كانوا يسعون وراء برنامج المكافآت انصرفوا عن المنصّة في نهاية المطاف أيضًا، بعدما استطاعوا بسهولةٍ تحقيق أعلى مستوى في بضعةِ أيام، ولم يعد للمنصّة ما تقدّمه لهم لحثّهم على البقاء داخلها.
والمنصة معذورة في ذلك لأنّها لن تستطيع بأيّ حال أن تمنح مكافأت لكلّ من تجاوزوا المستوى المطلوب، وهم أغلب روّادها، لا سيما مع شبه انعدام موارد تمويل المنّصة من الإعلانات. وهناك تجربة سابقة مشابهة تمامًا، كان ينبغي على منشئي "باز" الاطلاع عليها قبل أن يقلدوها، وينتهوا إلى نهايتها نفسها، ونقصد منصّة "تسو" الأميركية.
ورغم أنّ منصّة باز تميّزت بفكرة الغرف الصوتية، إلّا أنّها أخطأت في تقسيم الروّاد إلى جماهير متنوّعة حسب اهتماماتهم، فجعلت الاهتمامات جزءًا أساسيًا من مكوّنات جمهورها، وعزلت كلّ أصحاب اهتمام أو مجتمع في ظهورٍ مشترك، وهو الأمر الذي جعل جمهور المنصّة يعيش في جزرٍ منعزلة، وكان يجب عليها إلغاء تلك المجتمعات إيمانًا بأنّ الإنسان الواحد، عادةً، ما يكون متنوّع الاهتمامات، ما بين السياسي والديني والثقافي والعلمي وغيرها، وإن كان يطغى عليه توجّه ما، ولهذا فإنّ مسألة حشره في زاويةٍ معيّنة ثابتة، ستصيبه بالنفور حتما.
وهناك سبب آخر أيضًا، قاد إلى الإخفاق، وهو أنّ المنصّة مصمّمةٌ للعمل على تطبيقات الهواتف النقالة فقط، ولا تعمل بشكلٍ طبيعي على أجهزة الكمبيوتر وما شابهها، ما شكّل إلزامًا لمن ينشئ حسابًا عليها، بأن يقوم أولًا بتحميل التطبيق على هاتفه، ما جعل البعض يُصاب بالكسل أو التململ إلى الحدِّ الذي يجعله يلغي الفكرة أساسًا، خاصة لو كان يريد فقط تجربة المنصّة والاطلاع على محتواها.
كان يجب على الشبكات الإخبارية العربية الرائدة، وخاصة تلك المدافعة عن الحقّ العربي والإسلامي، إنشاء صفحات لها على منصّة باز
كان ينبغي على منشئي المنصّة أن يقوموا بتصميمِ منصّتهم للعمل على كافة المتصّفحاتِ بما يشبه المنصّات المنافسة، خاصة أنّ ذلك سيمنح روّادها فرصة أقوى للظهور على مواقع البحث، بما يمثله ذلك من نجاحٍ لهم وظهور أقوى، ما يشجّع بالضبط على انضمامِ الكثير من المؤثّرين لها بوصفها سوقًا واعدة وجديدة لإظهار مهاراتهم في كافة المجالات بكلّ حريّةٍ.
ولا عيب في أن تقوم المنصة بدعوةِ أعداد من المؤثرين في الوطن العربي للتدوين على منصّتها مقابل أجر رمزي، بدلًا ممّا أنفقته في برنامج المكافآت الفاشل، والذي أضرّها ولم ينفعها.
لا شك في أنّ تجربة منصّة باز كانت تجربة عربية رائعة نجحت في تجاوز خنادق الطائفية والمذهبية والشعوبية والمناطقية التي حشرتنا نحن العرب فيها، قوى الاستعمار وورثتها المحليين منذ عقود، وانطلقت إلى آفاق أكثر سموًا ووعيًا، متجاوزةً التعصّب الأعمى للحكومات والزعيم الملهم.
كما كان من أهم مميّزات المنصّة أنّ سقفها السياسي كان مرتفعًا أكثر من منصّات التواصل الغربية بكثير، حيث لا تقديس مفتعلا لأحد ولا امتهان غير مستحق لغيره، وتجلّت في منشورات مستخدميها وحدة الشعب العربي بوضوح.
كان يجب على الشبكات الإخبارية العربية الرائدة، وخاصة تلك المدافعة عن الحقّ العربي والإسلامي، إنشاء صفحات لها على المنصّة، ووضع أيقوناتها على صفحاتها لتسهيل إجراء المشاركات، وأيضًا لدعم هذه المنصّة العربية التي حقّقت نجاحًا ملحوظًا واستطاعت أن تضع قدمها على أوّل درجات العالمية.
أظنّ أنّ الفرصة ما زالت سانحة للإنقاذ.
https://bit.ly/3zwgI4D
............................................................
الخميس، 4 يوليو 2024
سيد أمين يكتب: متى يتمرد العرب على الإرهاب النووي الصهيوني؟
حينما نقول إن إسرائيل هي كيان مارق يحظى برعاية غربية استثنائية، فنحن هنا نقر مسلمات سلّم بها العالم غربه وشرقه، فلا قرارات لجنائية دولية ولا عدل دولية ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن -رغم ضعفها وهزالها بل وهزلها لكونها تساوي بين الجاني والضحية- تسري عليها، وفيما يلي ركلة أخرى تصر المنظومات الدولية على تلقيها بصمت مخز ودون أي اعتراض أو ألم، وهي حول ما يتعلق بالإرهاب النووي.
فالرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم يقل يومًا إنه سيضرب تل أبيب أو واشنطن أو لندن بالقنابل النووية، ومع ذلك راحت العواصم الثلاث تجزم بحيازة بغداد أسلحة نووية وفرضت عليها حصارًا خانقًا شارك فيه أتباعهم في الغرب والشرق، وتواطأت وكالة الطاقة الذرية حتى انتهى الأمر بتدمير العراق واحتلاله واستشهاد مليوني مواطن منه، وبعد خراب مالطة -كما يقولون- كانت النهاية مجرد سطور عن وجود أخطاء استخباراتية.
ولم يقل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إنه سيدمر تلك العواصم بالقنابل النووية، ومع ذلك اتهموه بـ”محاولة” اقتناء معدات تستخدم لصناعات نووية، وقاموا بتعقب الرجل حتى قتلوه ودمروا معه ليبيا.
وها هي لجان التفتيش النووية تكرر المشهد العراقي ولكن مع إيران، لجنة ترحل وأخرى تأتي، وعقوبات تلي عقوبات، وتربص هنا وشراك هناك، ومع كل ذلك الحماس والنشاط نراهم ومنظومات العدالة العرجاء التي أنشأوها للسيطرة على العالم تصم آذانها دون سماع أصوات جهورية تأتي بشكل متكرر من مسؤولين كبار في الكيان الصهيوني وأمريكا عن إمكانية ضرب غزة بالقنابل النووية.
اعترافات رسمية
الدعوات الهمجية لم يقتصر إطلاقها على ألسنة وزراء في حكومة نتنياهو الإرهابية التي هي تمارس بالفعل إبادة جماعية تذاع على الهواء مباشرة في غزة، بل امتدت إلى العاصمة التي تنصّب نفسها كينبوع صاف للديمقراطية العالمية، حيث خرج من مجلس نوابها الذي هو زبدة كريمتها الديمقراطية من يدعو لارتكاب هذه الجريمة.
تلك التصريحات التي أطلقها ليندسي جرهام أحد كبار النواب النافذين في “الكونغرس” الأمريكي التي راح يذكرنا فيها متفاخرًا بجريمة أمريكا التاريخية في نجازاكي وهيروشيما، كان قد سبقه فيها وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو، واعتبر أن ذلك هو الحل الممكن اتباعه في حال استمرت المقاومة.
وواقعيًا مثل هذه التصريحات لا يقصد بها إرهاب “المقاومة الفلسطينية” البطلة فقط، ولكن على الأرجح المقصود بها إرهاب المحيط العربي والإسلامي الكبير الداعم لتلك المقاومة، وللنظم العربية والإسلامية المحيطة كافة.
وأول ما تشي به هذه التصريحات صراحة أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية بالفعل، لأن مطلقي التهديدات هنا أحدهم وزير في حكومة إسرائيلية يمسك بزمام أهم ملف تحاول إسرائيل تبني من خلاله شرعيتها في هذه الأرض، وبالتالي فهو لا بد أن يكون متمكنًا في منصبه ومطلعًا، والآخر هو أحد كبار الساسة الأمريكيين الداعمين لإسرائيل، وهو الآخر متمكن ومطلع، ولا يمكن لأحدهما أن يدلي بمثل تلك التصريحات دون الضوء الأخضر من الإدارتين الأمريكية والصهيونية.
وعلى كل فنحن لسنا بحاجة لتأكيد امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فاعترافات مردخاي فعنونو أو “جون كروسمان” الخبير النووي الإسرائيلي الذي تحول إلى ناشط داع للسلام والتآخي بين الشعبين الفلسطيني والصهيوني اعترف صراحة بتفاصيل دقيقة حول ترسانة إسرائيل النووية للصحافة البريطانية عام 1986 قبل أن يخطفه الموساد الإسرائيلي، ويجري له محاكمات سرية تقضي بحبسه 18 عامًا قضى معظمها حبسًا انفراديًا قبل أن يفرج عنه وتحدد إقامته في 2004، ثم أعيد اعتقاله مرات أخرى بسبب تواصله مع وسائل إعلام أجنبية قبل اعتناقه المسيحية.
تلا ذلك اعتراف خطير من روبرت غيتس رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق في خطاب له في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2006 حينما أكد بأن إيران محاطة بجيران نوويين بما فيهم دولة إسرائيل، وعقبه تأكيد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 2008 وعام 2014 في مقابلات تلفزيونية بأن إسرائيل تمتلك قرابة 300 رأس نووي.
واجبات دولية
مثل هذه التصريحات والاعترافات يتوجب معها قيام وكالة الطاقة الذرية بفتح تحقيق حولها، ولو من قبيل ذر الرماد في العيون، وتطالب بإجراء تفتيشات في إسرائيل ولو وهمية تبرر ما فعلته هذه الوكالة في الآخرين، ولو رفضت إسرائيل هذه الإجراءات بذريعة عدم توقيعها على معاهدة الحد من الانتشار النووي، حينئذ كان يمكن للوكالة الذرية وللساسة الغربيين -إن صدقت النوايا- أن يتعاملوا مع إسرائيل بالمنطق نفسه الذي يتعاملون به مع كوريا الشمالية بوصفها دولة مارقة.
وينبغي أيضًا على المحكمة الجنائية فتح تحقيق في تلك التصريحات على اعتبار أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية، فيما كان يجب على محكمة العدل الدولية اعتبارها شهادات قاطعة على توافر النية والقصد لارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.
وإزاء ذلك كله توجب على مجلس الأمن أن يتحرك وراء هذه المعلومات، ويقرر ما قرره مع العرب وإيران من قبل.
ماذا نفعل؟
بالقطع نحن حالمون أو غافلون أو بالأصح مستسلمون، فلم ولن يحدث أي شيء من هذا القبيل، لأن مؤسسات العدالة الدولية كلها هي في الواقع أدوات استعمارية أنشئت خصيصًا لخدمة رعاتها الذين هم الأكثر إجرامًا ودهسًا للقوانين الإنسانية في هذا العالم.
ولذلك وجب علينا نحن العرب أخذ زمام الأمور والانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من الانتشار النووي، بل والشروع في امتلاك الأسلحة النووية كقوة ردع ضد ترسانة إسرائيل النووية المقدرة بما بين 100 إلى 400 رأس نووي قادرة على تدمير وطننا العربي برمته.
أخشى أن يعتبر البعض ذلك كله دعوة للاستسلام وليس المقاومة، وإن فعلوا فلينظروا كيف ركّعت المقاومة البطلة هذا الوحش الهلامي؟ ويأخذوا منها العظة.
https://bit.ly/3RUK6rH
............................................................
الخميس، 27 يونيو 2024
سيد أمين يكتب: هل كشف هدهد حزب الله عمى إسرائيل الاستخباري؟
تأتي التسجيلات المصورة الشديدة الأهمية والخطورة التي التقطتها مسيّرة حزب الله “الهدهد”، وتضمنت تصويرا مفصلا ودقيقا وبجودة عالية لمناطق عسكرية إسرائيلية شديدة الأهمية في الكيان الصهيوني، تتويجا لعمل استمر نحو تسعة أشهر، اشتدت جذوته بعد احتدام أعمال الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، تم فيه تدمير الحواجز التكنولوجية والعسكرية التي أقامتها إسرائيل.
وأهمية هذه التسجيلات أنها قدّمت رسالة تهديد قوية وواضحة للكيان وداعميه بأن الأمر لم يعد كما كان من قبل، حيث تمرح طائراته ومسيّراته ووسائل تجسسه في لبنان مثل أجواء العديد من دول الجوار العربية، دون أن
يتسنى لأي منها التفكير بالرد أو حتى الاقتراب من سمائه بوصفها مجاهل مهلكة يحترق من يفكر في فك طلاسمها.
فضلا عن أن عملية الهدهد تشير بوضوح إلى أن القبة الحديدية الإسرائيلية صارت تحت رحمة صواريخ ومسيّرات حزب الله، بعدما شكك البعض في فشلها عقب الضربة الإيرانية الأخيرة للكيان.
والموجع أن الهدهد استطاع العودة إلى قواعده سالما ليس دون أن تحطمه قبة الردع الحديدية الإسرائيلية فقط، بل ودون حتى الكشف عنه، وهو ما يعني أن إسرائيل أصيبت بالعمى الاستخباري العسكري الذي كانت تتمتع به منذ عقود، وشكّل سبب تفوقها في الجبهتين اللبنانية والسورية.
وما يؤكد ظاهرة العمى الاستخباري الاسرائيلي تلك النجاحات الكبيرة التي حققتها صواريخ حزب الله في مدن جنوبي الكيان، وتكبيده خسائر كبيرة في الأرواح والبنى التحتية، فضلا عن الحرائق التي أشعلتها أخيرا في عدد من مدنه، وما رافقها من حالة ارتباك كبيرة عاشها قادته العسكريون، وهو الارتباك الناجم عن فقدان تفوقهم الاستخباري العسكري الكبير الذي حققته أجهزة الرصد والتعقب في الشمال، التي مكنتهم مرارا وتكرارا سابقا من صد صواريخ الحزب فور إطلاقها، بل ومكنتهم أيضا من كشف مصادر إطلاقها، وكشفت لهم أماكن وجود رجال المقاومة لتستهدفهم بالقصف.
خط بارليف الجديد
كان التسجيل المصور وما سبقه من نجاحات عسكرية لحزب الله في الأشهر الأخيرة شرحا عمليا لأهمية ما كان يقوم به من قبل في إطار الدعم والإسناد لغزة، وردّا عمليا على تلك الدعايات الساخرة التي أطلقتها حسابات الذباب الإلكتروني المعادية لمحور المقاومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الدعايات التي حاولت الحط من عمليات حزب الله التي استهدف بها محطات المراقبة والتجسس الإسرائيلية عبر إطلاق مسميات مثل “غزوة ذات العواميد” ومعركة “الأبراج” وغيرها.
تجاهلت الدعايات حقيقة أن لحزب الله نصيب الأسد في الدعم الفعلي للمقاومة في غزة وتخفيف الضغط العسكري الصهيوني عليها، رغم ما يتكبده من خسائر طالت الكثير من أرواح أتباعه وقادته، ومكبدا العدو في الوقت ذاته خسائر مؤلمة يمكننا توقعها من خلال معرفة كثافة ومديات صواريخه، التي وصلت إلى حانيتا والمطلة والمنارة ورويسات العلم والجولان والجليل الأعلى وصفد وميرون وبيرانيت، وأجبرت إسرائيل على إخلائها من السكان طيلة فترة العدوان على غزة، ويمكننا أيضا رصد قوة الهجمات وخطورتها من ردود فعل الاحتلال المتشنجة، رغم أنه لا يستطيع الاعتراف بها لأسباب عديدة أبرزها الخشية من تفكك نسيجه الإجتماعي غير المتجانس والهجرة العكسية إلى الخارج.
وقد تمكن حزب الله بتلك الضربات من إتلاف ما يمكن أن نسميه “خط بارليف الجديد” الذي عمدت إسرائيل إلى إنشائه على طول حدودها البالغة 200 كيلومتر مع لبنان وسوريا معا، مدمرا ما حصنته بأحدث أجهزة الرصد والتعقب والدفاع الأمريكية التي يصعب الإفلات منها أو اجتيازها على امتداد 120 كيلومترا هي طول حدود لبنان معها، وليكرر الفشل الذي ألحقه بها في عام 2006 حينما كان أقل تسليحا وخبرة، ومنذرا في الوقت ذاته بإمكانية حدوث اجتياح بري عكسي من المقاومة في جنوبي لبنان لقلب الكيان مستقبلا، على غرار ما حدث في السابع من أكتوبر.
امتهان كرامة
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن النجاحات العسكرية التي حققها الحزب خلال الشهر الأخير في مواجهته مع إسرائيل هي امتهان جديد لاستعلائها المزمن، لا يقل قيمة عن الامتهان التاريخي الذي حققته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى ويُعَد مكملا.
وما يدلل على امتهانه في جبهة الشمال كما هو امتهانه في جبهة الجنوب، قيام الجيش الإسرائيلي بإعلان “الموافقة على خطط عملياتية لهجوم في لبنان”، إلا أن العمى الاستخباري الذي أصيب به جعله يحاول في الوقت ذاته الحديث عن الحل الدبلوماسي على غير عادته.
وإذا كانت إسرائيل وهي تمتلك كل وسائل الرصد والتعقب والاستخبارات في غزة قد لجأت إلى تنفيذ أعمال “القتل والإبادة” للمدنيين في غزة لاسترداد هيبتها التي ذهبت في الطوفان للتغطية على عجزها عن خوض “قتال” حقيقي مع المقاومة، فإنها في حال الهجوم على لبنان ومع هذا العمى الاستخباري ستلجأ حتما إلى تنفيذ أعمال “قتل” أكثر حدة واتساعا ضد المدنيين، دون أن تخوض “قتالا” حقيقيا.
ولعل الهجوم الشامل على لبنان الذي يهدد به عسكريو الكيان يُعَد أمرا مستبعدا نسبيا الآن، نظرا لغرق معظم جيشهم في رمال غزة، فضلا عن حاجتهم الماسّة إلى رتق حالة الانقسام والفزع والشعور بعدم الأمان التي يعيشها مجتمعهم المتفسخ الذي لم يعتد على مثل هذه الظروف وهذه الخسائر، بالإضافة إلى أن اجتياح لبنان هذه المرة سيكون مكلفا للغاية في الجند والعتاد والمال، وقد يتسبب بمفرده في انهيار عسكري تاريخي للكيان، ولا سيما مع التطور اللافت للتسليح الذي يمتلكه حزب الله وباقي فصائل المقاومة في لبنان.
الشواهد كلها تؤكد أن فجر النصر يلوح في الأفق رغم الآلام، وشمس إسرائيل توشك على الغروب.
https://bit.ly/4cGaQEd
............................................................
السبت، 1 يونيو 2024
سيد أمين يكتب: وماذا عن الرهائن الفلسطينيين لدى الكيان؟
يخرج الرئيس الأمريكي بايدن بين الحين والآخر ليكرر تعاطفه الشديد مع الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يتبعه مسؤولون من الاتحاد الأوروبي يعلنون تضامنهم الكامل مع مأساة الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يخرج مسؤولون أمميون يطالبون بوقف الحرب والإفراج عن الرهائن الذين بحوزة (حماس)، سيمفونية متناغمة من البكاء والعويل والتنديد بوحشية (حماس)، وببراءة الحملان التي تحتجزهم.
قامت الدنيا ولم تقعد من أجل ما يزيد قليلًا عن 130 أسيرًا تحتجزهم المقاومة، يستشهد مثلهم أو ضعفهم كل يوم على مدار 8 أشهر جراء قصف الطائرات الصهيونية على غزة.
كل هذا ولم يطالب لا الصديق ولا العدو ولا المجتمع الدولي ولا منظمات حقوق إنسان بالإفراج عن الرهائن الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكأنهم سراب بينما هم يقتربون من 15 ألف أسير.
كثير من هؤلاء يمضي زهرة شبابه في غياهب السجون لأنه كتب منشورًا من سطرين على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد فيه وحشية الاحتلال، أو يتضامن مع أبناء شعبه وأقاربه الذين تقتلهم حكومة تل أبيب كل صباح، أو أنه لم يهاجم الاحتلال ولكن انتقد الصمت الدولي الذي تعامل مع مسألة سحل الفلسطيني وطرده من منزله وأن قتله هي مسألة روتينية لا تحتاج أكثر من عبارة تضامنية في نهاية أي بيان عريض مكتظ بالإدانات للمقاومة، يطالب فيها إسرائيل بضبط النفس أو التحقيق في اعتقال هذه العائلة الفلسطينية أو تلك أو حتى إفنائها.
وقد يكون هذا الأسير مجرد رهينة لإجبار أبيه أو شقيقه على تسليم نفسه لسلطات الاحتلال، أو لأنه رفض أن يهجر من بيته ويسلمه لسكانه الجدد من المستوطنين، وقد يكون قاوم الاحتلال ومارس حقه المشروع طبقًا للقانون الدولي.
روتين إسرائيلي
ولك أن تتخيل أن شعبًا قوامه ما بين الخمسة أو ستة ملايين نسمة في الضفة الغربية وغزة اعتقلت إسرائيل منه أكثر من مليون شخص منذ عام 1967، بما يشير إلى أن خُمس الشعب الفلسطيني تعرض للاعتقال، بحسب بيانات رسمية للأمم المتحدة.
كما اعتقلت منذ “طوفان الأقصى” نحو 9 آلاف فلسطيني ربعهم أطفال ونساء، بحسب تقديرات نادي الأسير الفلسطيني، وذلك بخلاف آلاف آخرين غير مقدر عددهم أخفتهم قسريًا بعد اعتقالهم في غزة، وكثير منهم عثر عليهم مقتولين ومنكلًا بهم.
وفي حين أننا نجد بايدن يحلو له تكرار توجيه الاتهامات للمقاومة باغتصاب الأسيرات الصهاينة لديها وكأنها حقائق دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك، نجد في المقابل حقيقتين الأولى هي حسن المعاملة التي أبدتها المقاومة مع الأسرى الصهاينة، التي كشفت عنها تصريحات أغلب المفرج عنهم واعترافاتهم، وكشفت عنها أيضًا المشاهد التي بثتها المقاومة للتعامل معهم ومدى السعادة التي كانت تكسو وجوههم.
والحقيقة الأخرى هي ما يحدث في سجون الاحتلال وأماكن الاحتجاز الأخرى للأسرى الفلسطينيين من تعذيب وتنكيل، ومصدر القوة في هذه المعلومات أنها خرجت من مصادر إسرائيلية ذاتها، سواء عبر جنود التقطوا صورًا من قبيل التباهي بتعذيبهم ضحاياهم، أو أنها صور سربتها المخابرات الإسرائيلية لبث الرعب في شباب الشعب الفلسطيني.
بل وقامت وسائل إعلام إسرائيلية مثل صحيفة “هآرتس” بنشر جزء من تفاصيل هذه المسالخ التي تنصبها حكومتها للمعتقلين الفلسطينيين، التي تشمل الإجبار على الوقوف أو السجود أو الركوع لما يقرب من اليوم الكامل، والحرمان من النوم والطعام والماء، والتعريض للموسيقى الصاخبة، والصعق الكهربي، والحرمان من العلاج، وغيرها من الطرائق الوحشية للتعذيب، التي كثيرًا ما أفضت للموت.
رهائن لا سجناء
تحاول إسرائيل أن تضفي صفة الشرعية لسجنها الناشطين الفلسطينيين، بالادعاء بأنهم مخربين أو إرهابيين، وأنها تعرضهم على محاكم مختصة لتفصل في قضاياهم، في حين أنها واقعيًا تستخدم قانونًا عائدًا للحقبة الاستعمارية يعطي السلطة أو المتنفذين فيها الحق في اعتقال من شاءوا من الشعب الفلسطيني، دون تقديم أي مسوغات سوى التعلل بوجود تقارير استخباراتية سرية، وكثيرًا حتى دون إبداء أسباب أو لائحة اتهامات نهائيًا، وهو ما يعرف بالاعتقال الإداري.
والمشكلة ليست في أن إسرائيل تتعامل مع هذه الاعتقالات بوصفها إجراءات قانونية، ولكنها في الجهات الدولية المختصة بالعدالة التي لا تندد إلا على استحياء وكثيرًا ما تتماهى مع الأمر وكأنه أمر طبيعي، مع أن هذا النوع من الاعتقالات هو الأولى بإطلاق مصطلح الرهائن عليه وليس على هؤلاء الذين هم بيد المقاومة.
دعك الآن من أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليون في كل فلسطين التاريخية، وتوقف أمام أن غالبية المعتقلين الفلسطينيين هم من أبناء الضفة الغربية وغزة، وهي في الواقع مناطق يعترف العالم بأسره بأنها مناطق محتلة، وبالتالي فإن قيام الاحتلال باعتقال بعضًا من سكانها سيجعل منه قرصانًا وخاطفًا لهم، وسيجعل منهم الحق باعتبارهم رهائن.
هم رهائن لأنه لا يوجد شرعية للاحتلال على هذه الأراضي، وبالتالي تنتفي معه شرعية سجونه ومحاكمه وقوانينه، خاصة مع وجود حكومتين فلسطينيتين في رام الله وغزة هما الأولى بتمثيل الشعب الفلسطيني.
متى يتحرر العالم الغربي من ازدواجية مكاييله؟
https://bit.ly/4bEPuqC
............................................................
الثلاثاء، 21 مايو 2024
سيد أمين يكتب: رحم الله رئيسي ولتخمد أبواق الطائفية
رحم الله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وجميع من قضوا في حادث سقوط الطائرة في ولاية أذربيجان شمال غرب البلاد، حيث خسرت المقاومة الفلسطينية واحدا من داعميها الكبار في وقت حساس للغاية تحتاج فيه لمزيد من الداعمين الفاعلين.
لن نتحدث دعما أو دحضا للآراء التي تدعي أن الحادث كان مدبرا وتدلل على ذلك بأن هناك ثلاث مروحيات كانت في موكب الرئيس ولم تسقط منها سوى مروحيته فقط، ما يستبعد معه أن تكون سوء الأحوال الجوية هي السبب في الحادث، وإلا لسقطت المروحيات الثلاث، فضلا عن تردد معلومات صادرة عن مواقع رصد الطيران مثل “flightradar24” تتحدث عن تزامن تحليق طائرة من طراز C-17 تابعة للقوات الجوية الأمريكية في أذربيجان وغادرت نحو أجواء إسرائيل. ومع ذلك فإن هذه المعلومات تفتقد للدقة لكون من اعتنوا بها قصدوا بها جمهورية أذربيجان المجاورة في حين أن الحادث وقع في ولاية أذربيجان الإيرانية، وفي الجانب الأبعد من الحدود بين البلدين، فيما لم تصدر تأكيدات رسمية بوجود ثلاث مروحيات كانت في موكب الرئيس، ولا حتى بيان عن مصيرها.
وخيرا فعلت الحكومة الإيرانية التي أصدرت بيانا أكدت فيه أنه “لن يكون هناك أدنى خلل أو مشكلة في الإدارة الجهادية للبلاد”، وستستمر في السير على نفس طريق العزة دون كلل.
رئيس المصالحات
يذكر للرئيس رئيسي أنه عمل على إخماد نيران الاختلافات مع دول الجوار حيث دشن لمصالحات على كافة المستويات مع الدول العربية، فعقد مصالحة تاريخية مع السعودية أنهت سنوات طويلة من الخصومة والشحن الإعلامي بين البلدين، وعبر وساطة عُمانية اهتم أيضا بتطبيع العلاقات مع مصر وإصلاح واستئناف العلاقات الدبلوماسية التي عانت من الجمود والتوتر طيلة العقود الأربعة الماضية، وذهب إلى تعميق التعاون مع الجزائر كبوابة واسعة على إفريقيا، بعد سنوات أيضا من القطيعة والتوترات التي أعقبت العشرية السوداء نهاية القرن الماضي، وقد تطابقت مواقف البلدين في كافة القضايا الدولية تماما خاصة ما يتعلق منها بفلسطين وتصنيف المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وقد كان الدافع وراء ذلك مقاومة هذا الحلف الذي نجحت إسرائيل في تدشينه بإقامتها علاقات مع الرباط في عام 2020، ضمن اتفاقيات أبرمتها مع الإمارات والبحرين ولاحقاً السودان بعد إسقاط حكومة البشير الإسلامية.
ولم يتوقف مسار إصلاح ذات البين على الدول العربية فقط فقد امتد ليشمل أيضا باكستان وأفغانستان وتركيا.
فقد عملت الخارجية الإيرانية ونظيرتها الباكستانية على سرعة تلافي الأزمة التي أحدثتها ضرباتها على متمردين بلوشستانيين -مناوئين للبلدين- في الحدود المشتركة مطلع العام الجاري، وهو ما أدى إلى سحب السفراء وتهديدات باكستانية بالرد والتصعيد، لكن وزير خارجية إيران الراحل سافر إلى باكستان وأخمد نار الفتنة.
وعلى الجانب الأفغاني وبسبب الانفلات الأمني الذي عانته الإمارة الاسلامية عقب جلاء الاحتلال الأمريكي منها، بسبب تجار المخدرات والمتطرفين الطائفيين الذين يتسللون وينفذون تفجيرات في المراقد الشيعية بإيران، شكلت الحدود المشتركة مصدر خطر كبير على طهران، من هنا عمل رئيسي على مساندة الحكومة الأفغانية في تأمين الحدود المشتركة والتأكيد على أن خطة إغلاق الحدود المشتركة ليس لها علاقة بالموقف من حكومة كابل ولكن فقط من أجل تأمين البلدين.
وفيما يخص العلاقات الإيرانية التركية في عهد رئيسي وأردوغان فقد شهدت تعاونا مضطردا في كافة المجالات الاقتصادية رغم العقوبات الأمريكية على إيران، وعمل البلدان على تعزيز القواسم السياسية المشتركة التي كانت أبرز مناطق اللقاء بينهما تتعلق بمسألة الموقف من المقاومة الفلسطينية والعدوان على غزة، التي سارع رئيسا البلدين بلقاء اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وأظهرا دعمها القوي للمقاومة الفلسطينية ما يمثل تحديا للإدارة الأمريكية التي تسعى لتجريم حماس.
وسعت الدولتان لتقليل لهيب الاختلاف الناجم عن المسألة السورية التي تمثل حجر العثرة الرئيسي بينهما، أو حتى بين كافة من يدعمون إيران ومن يهاجمونها في العالم العربي.
أبواق طائفية
منذ سنوات حينما تفجرت مظاهرات أيما كانت طبيعتها وأسبابها في إيران راحت أبواق تبشر بربيع إيران وكأنهم لم يروا ما حل بربيع العرب حينما تحول لخريف عاصف، ولم تكسب منه إلا الصهيونية التي استطاعت بعده هتك ستر من كان يتعزز أو حتى فقط يستحي من خلعه من قبل، وبالطبع ما سرى على العرب وقتها كان سيسري على إيران.
يمكنك أن تكره أو تحب إيران كما تشاء، شكك في حقيقة أهدافها من دعم المقاومة الفلسطينية، لكن قل لي بربك: هل هناك في العالم أعلى صوتا منها لدعم المقاومة في وقت محنتها؟ وهل تتصور ماذا يحدث إن وقعت أحداث طوفان الأقصى ووجدت إيران تقف في الجانب الداعم للكيان سرا كما هو الحال عند كثير من العرب الآن؟ هل هذا ما تريدونه؟ رحم الله من سار على طريق الحق.
https://bit.ly/3V6w2Nu
............................................................
الثلاثاء، 7 مايو 2024
سيد أمين يكتب: مغزى إغلاق مكتب الجزيرة في الكيان
جاء تصويت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالإجماع على إغلاق مكتب شبكة الجزيرة في الكيان بمثابة شهادة كفاءة مهنية جديدة قدمتها إليها ضمن شهادات البراءة الكثيرة التي واظبت إسرائيل على تقديمها للشبكة منذ عقود؛ والتي كان أبرز محطاتها اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، مرورا بحزمة الاستهدافات بالقتل لمراسليها وأسرهم بعد طوفان الأقصى، وأبرزها استهداف مصورها سامر أبو دقة في غزة أثناء تأديته عمله، واستهداف كافة أفراد أسرة مدير مكتبها هناك وائل الدحدوح، مع إصابات عديدة لكثير من طواقمها الفنية.
قيمة -شهادة التقدير- التي تلقتها الجزيرة أنها جاءت من دولة صارت بجرائمها المروعة مجرد سبة في جبين البشرية جمعاء، وأجمع القاصي والداني والأعجمي قبل العربي على أنها تنفذ إبادة جماعية في غزة والضفة الغربية، وأنها لا تضع للقوانين الدولية ولا حتى قوانين الفطرة الإنسانية أي اعتبار، وقد تسببت بأفعالها في دق أول مسمار في نعش المنظومة الدولية القائمة.
وعزز هذا الاعتقاد أن الشهادة الإسرائيلية الجديدة جاءت بعد أيام قليلة من منح اليونسكو جائزتها الصحفية السنوية لصحفيي غزة الذين يبرز بينهم بلا شك مراسلو الشبكة بشكل واضح.
وكان لهم مع قلة غيرهم من أبطال مهنة البحث عن الحقيقة الفضل في كشف حقيقة الوحشية الصهيونية للعالم رغم الظروف المميتة التي يفرضها الاحتلال ليس عليهم فقط بل على أسرهم أيضا، وصارت شبكتهم كما كانت في كل الأحداث الكبرى في عالمنا العربي هي محط أنظار العالم ومصدر معلوماته الموثقة.
فلم يروّع مراسلي الجزيرة الذين تريد إسرائيل إخراس أصواتهم قتلها نحو 141 صحفيا في غزة وحدها -في أعلى نسبة اغتيال لصحفيين في مكان واحد من العالم- بينهم طواقم فنية واعلامية للشبكة، بل أصروا على استكمال رسالتهم في تحدّ له ثمن باهظ سيخلده التاريخ لفرسان هذه المهنة كلها.
ضربة انتقامية
القرار البائس جاء أيضا بعد عدة ضربات إعلامية تلقتها تل أبيب من الشبكة عبر كشفها العديد من مشاهد الإبادة الحصرية في غزة والضفة الغربية، وهي المشاهد التي وضعت الاحتلال وداعميه الغربيين في حرج شديد ومثلت أدلة كافية لاتهامه بارتكاب هذه الجرائم في غزة سواء من قبل محكمة العدل الدولية أو من المحكمة الجنائية الدولية التي تتسرب معلومات شبه مؤكدة عن عزمها إصدار أوامر اعتقال لقادة إسرائيليين كبار منهم رئيس الوزراء ووزير دفاعه ورئيس أركانه، وعدد آخر من الوزراء وقادة الجيش، هذا إن لم تكن قد صدرت هذه القرارات بالفعل.
وخطورة هذه الإدانات أنها تجرد إسرائيل من استمرارها في بث الوهم الذي سقته لشعوب أوروبا بأنها الحمل الوديع الذي يتعرض للبربرية من قبل جيرانه العرب، وأنها تتعرض للإبادة والاضطهاد في الشرق العربي تماما كما تعرض له اليهود على يد النازية، وهو الوهم الذي يمثل شريان وجودها الحيوي.
ولعل إسرائيل تصرفت هذا التصرف اليائس في محاولة ممجوجة للضغط على قطر الوسيط في المفاوضات لكي تضغط على المقاومة من أجل قبول اشتراطاتها في إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق نار يعطيها ما عجزت عن نيله بالحرب.
ومما لا شك فيه أن تل أبيب ترددت كثيرا في اتخاذ هذا الإجراء ضد شبكة عالمية بحجم شبكة الجزيرة كانت تتقبلها على مضض حتى لا يقال إنها تقيد حرية الإعلام، ثم اضطرت إلى أن تضحي بتلك الاعتبارات نظرا لأنها لا تملك أوراقا للضغط على الوسيط القطري سوى ذلك، ولن يضيرها صداه عالميا لكون سمعتها صارت في الحضيض بالفعل، ولن تسقط أكثر من هذا السقوط المدوي الذي تسبب فيه في المقام الثاني بعد استبسال المقاومة استبسال وسائل الإعلام العاملة في ميدان الأحداث وفي القلب منها قناة الجزيرة.
مردودات القرار
في اعتقادي الشخصي أن مردودات القرار على قناة الجزيرة هامشية للغاية، فعملها لن يتأثر كثيرا نظرا لأن تغطيتها للعدوان على غزة -وهي بيت القصيد- لم تكن أصلا بإذن من إسرائيل، ولن تستطيع بكل وحشيتها أن توقفها.
أما تغطيتها للعدوان على الضفة الغربية الخاضعة لسلطة الاحتلال فيمكن تدبيرها بالعديد من الطرق، وإن كنت أعتقد أنها لم تكن خاضعة أيضا لسلطة الاحتلال نظرا لوجود السلطة الفلسطينية، ويبقى التأثير قائما فيما يخص تغطيتها داخل الكيان ذاته، وإذا كانت هذه التغطية مهمة فإنه مع ذلك يمكن الاستغناء عنها والاكتفاء بتقارير الوكالات الدولية.
وأتوقع أن تسقط حكومة نتنياهو قريبا بعدما استنفد كافة محاولاته لمد أجل الحرب من أجل بقائه السياسي في السلطة وبالتالي تأجيل إعلانه الهزيمة، وبلا شك وقتها لن يكون مجديا لأي حكومة إسرائيلية جديدة تتحلى بقدر من الحكمة الإبقاء على قرارات فاشلة لحكومة فاشلة مرغت بعنجهيتها سمعة دولتهم في الأرض.
الجزيرة باقية وسيرحل نتنياهو ونظامه المتطرف.
bit.ly/3JNcAPu
............................................................
الجمعة، 12 أبريل 2024
سيد أمين يكتب: ربح البيع.. إسماعيل هنية!
يا له من نجاح في الابتلاء، ذلك الإيمان العميق النادر الذي يتحلى به قادة المقاومة الإسلامية العربية عموما والفلسطينية خصوصا، بدءًا من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وانتهاء بأنصار الله في مواجهة عدو متغطرس وأخ متخاذل.
ففي أول أيام عيد الفطر المبارك، كانت هناك منحة تنتظر رمزا من رموز المقاومة لكنها أتت له في شكل محنة، حينما استهدف طيران الكيان الصهيوني سيارة تقل أولاد وأحفاد المجاهد
إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فاستشهد ثلاثة من أولاده وحفيدان له وأحد أقاربه، وهم جميعا مدنيون ولم يكونوا يقومون بأعمال المقاومة، وذلك بعد أشهر من استشهاد 14 شخصا من عائلته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بينهم شقيقه، وبعد أيام من اعتقال شقيقته في بلدة تل السبع في النقب.
بالطبع لن يتذمر حكام الغرب من استهداف أبناء وأحفاد عضو بارز في حركة حماس حتى لو كانوا أطفالا أو مدنيين؛ لأنهم ببساطة هم من ساعدوا القاتل بالمال والسلاح والدعم السياسي من قبل على قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ولم يقرروا تشغيل زر إنسانيتهم قبل إعطاء القاتل الفرصة الكاملة في تنفيذ عملية الإبادة.
أما المجاهد هنية -مثله مثل الكثير من نماذج أهل غزة الذين ضربوا لنا أمثالا نادرة في الجلد والصبر على البلاء وأعادونا إلى عصر صدر الإسلام- فقد نعى أولاده وقال إنهم قد كُرّموا بهذا الاستشهاد مثلهم مثل 33 ألف شهيد ارتقوا في غزة، يعتبرهم جميعا أبناءً له وإخوة.
منحة من قلب المحنة
المنحة في الأمر -فضلًا عن أن الارتقاء جرى في يوم من أهم أيام المسلمين لم يراع العدو حرمته- أن الواقعة أخرست بشكل عملي أهم نقاط الارتكاز الدعائية التي كان يعمل عليها الذباب الإلكتروني الصهيوني الناطق بالعربية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أن قادة المقاومة يرسلون أبناءهم إلى الخارج ومعهم ثرواتهم، في حين يعرضون حياة أبناء القطاع لخطر الموت جراء الحرب التي أشعلوها.
وإسماعيل هنية من أهم الشخصيات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تناولتها الشائعات التي يطلقها الذباب بشكل واسع، وبينهم إعلاميون عرب كثر في العديد من العواصم العربية ذات العلاقات الدافئة مع إسرائيل، ليس الآن فحسب ولكن حتى أثناء حروب أقل ضراوة من تلك الحرب.
وكأن هنية ضحى بأولاده وأحفاده ليخرس ألسنة الطابور الخامس، في حين أن من حق قادة أي حركة مجاهدة ضد عدو همجي يملك تقنيات متطورة وفي منطقة جغرافية محدودة كغزة أن يرسلوا أبناءهم إلى الخارج لكي يتفرغوا هم لأعمال المقاومة، ويعرضوا أنفسهم هم للخطر نيابة عن الأمة، وإذا قتل العدو مدنيين أو نساء وأطفالا فالجرم هنا يقع أصلا على العدو الذي يستهدف أهدافا لا يحق أبدا لجيش مسلح بأسلحة وأجهزة رصد متطورة أن يستهدفها.
لذلك فمن يستحق اللوم على الصمت على هذه الجرائم هو المجتمع الدولي ومؤسساته، والعار كل العار على شعوب هذا الوطن العربي الذي كنا نظنه كبيرا وحرا ونابضا بالعزة والكرامة، ثم وجدناه يشارك المغتصبين الصهاينة اغتصاب أرضه وعرضه وبني جنسه ودينه.
مشاريع شهادة
كل قادة حماس والمقاومة الفلسطينية عموما يعرفون أنهم مشاريع شهادة، وليس خافيا على أحد أن جميع مناصب القيادة في مثل هذه الحركة المجاهدة تتعقبها بلا شك العديد من أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى بهدف تصفيتها، وبالتالي فإن شغلها مناصبها قطعا سيكون غرما على شاغليها طبقا لحسابات الانتفاع الدنيوي، ولكنه لدى الشاغلين تقرُّبٌ إلى الله في الجهاد، خاصة أن جميع عناصر الحركة تربوا تربية إسلامية صحيحة تعتبر أن الموت ليس نهاية المطاف، ولكنه مجرد مرحلة من المراحل التي سيمر بها الإنسان، ثم ينتقل بعدها من دار الفناء إلى دار الخلود، في الجنة أو النار.
ويؤمنون أيضا بأن مسألة الموت مبكرا أو متأخرا هي مسألة تتعلق بتقديرات الله وقضائه، فإذا تأخر العمر فهو لحكمة ربانية وقد يكون عقوبة لصاحبه في صورة مرض أو افتتان، وإذا قصر فهو أيضا لحكمة قد يكون نعمة لصاحبة وخلاصا من الشرور، وبأن الشهادة هي جائزة للمتقين ممن اصطفاهم الله من بين خلقه، وأنها تكريم رباني يجب على المؤمنين المسارعة للظفر به.
وهذه التربية هي التي أكسبت الأبطال البسالة ومكنتهم من رسم تلك البطولة التي توثق الكاميرات كل يوم فصولها في غزة، وكيف أن مجموعات من الشباب مسلحة بأسلحة شبه بدائية استطاعت توقيف عدة جيوش واستخبارات مدججة بأحدث آلات الفتك والقتل وتسجيل انتصارات هائلة عليها، وما ذلك إلا لأن قوما يحبون الشهادة يقاتلون أقواما تحب الحياة.
عموما ما لم تدركه إسرائيل هو أن اغتيال من غايته الشهادة، هي منحة لا محنة.
ربح البيع.
https://bit.ly/3vOvsKB
............................................................
سيد أمين يكتب: مأزق النظام الدولي بعد حرب الإبادة في غزة
الجميع وقع في مأزق، الكيان الصهيوني، النظام الدولي، النظم العربية، حتى المقاومة، جراء هذا العدوان الوحشي على غزة والضفة الغربية.
لم يكن العالم في أي وقت بلا قانون يحكمه كما هو الآن، حتى لو كان هذا القانون غير عادل، فإسرائيل ومن خلفها أمريكا والنظم الغربية حطمت منظومته القانونية المهترئة وأودعتها مثواها الأخير، جراء رفضها الدائم والمتكرر لتنفيذ قرارات مؤسسات العدالة والإجماع الدولي، فهي لا تعير بالًا لا للأمم متحدة ولا لمؤسساتها المتنوعة، ولا لمحكمة العدل الدولية، ولا للجنائية الدولية، ولا لمجلس الأمن الذي يعد أهم مؤسسة دولية لكون الدول المتحكمة في قراراته هي الدول النووية القادرة ليس على إجبار أي دولة على الانصياع فحسب، بل على تدمير الكرة الأرضية برمتها.
معلوم للقاصي والداني أن إسرائيل منذ نشأتها وهي تعبث بتلك المؤسسات، متكئة في ذلك على الراعي الأمريكي، فكانت هي من تحتال على قراراتها، وكانت الدول الغربية تتواطأ وتغض الطرف عن احتيالها، في حين تنصرف دول المشرق النافذة لاستثمار هذا المشهد لتترجمه إلى مكاسب سياسية أو اقتصادية، ويمر الأمر بسلام، لكن هذه المرة اتسع الخرق على الراتق، ولم يعد بالإمكان إخفاء عورة هذا النظام، بعدما صار يتلقى الانتقادات حتى من أشد المدافعين عنه.
ترويع المنظمات الأممية
ولعل من الإنشاء القول بأن نحو 135 قرارا في مجالات متعددة أغلبها بالإجماع أصدرتها الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل طوال 75 عاما هي عمرها لم يُنفَّذ منها قرار واحد، لكن في المقابل كان هناك قرار واحد فُهم منه التفويض الأممي بمعاقبة العراق وهو القرار 1441 الذي راحت تستغله أمريكا ومن خلفها المجتمع الغربي لغزو العراق وتدميره وقتل مليوني عراقي بزعم تنفيذ مقررات الشرعية الدولية.
وليس ذلك فحسب بل إن لإسرائيل سجلا حافلا في مهاجمة موظفي المنظمة الأممية وتهديدهم حتى إنها استطاعت علنا إرهاب أمينها العام أنطونيو غوتيريش وجعلته يتراجع عن تحميلها مسؤولية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول باحتلالها أراضي الفلسطينيين وفرضها الحصار عليهم، مع أن قوانين الأمم المتحدة الثابتة تعطي الحق للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال في المقاومة المسلحة، وهو تماما ما فعلته حماس وباقي فصائل المقاومة في هذا اليوم.
وإذا كان الإرهاب الإسرائيلي أجبر شخصا بمثل تلك القامة على التراجع عن تصريحات واجبة ومحقة، بل وجعله لا يطالب بوقف إطلاق النار في غزة إلا مقترنا بعبارة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة فورا، خائفا من أن يذكر ولو بحرف واحد أكثر من مئة ضعف لهم، هم أيضا رهائن ولكنهم فلسطينيون في سجون إسرائيل، لذلك فليس من المستغرب أن يخاف مسؤولون صغار في تلك المنظومات الدولية من أن يقولوا ما يخالف رغبة إسرائيل.
ورأينا جميعا أن الجميع منظمات وأفرادا وقعت تحت تأثير الإرهاب الإسرائيلي، فأغلبهم يصمت وقليل جدا منهم من يتحدى، تماما كما فعلت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز التي أصدرت تقريرا تؤكد فيه أن ما فعلته إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وأنها تعرضت للتهديد منذ ولايتها لمنعها من قول ذلك.
وشاهدنا أيضا أن إسرائيل قتلت العشرات من موظفي الأمم المتحدة في غزة، وقصف جنودها مقراتها وهم يغنون كما ظهر في وسائط مصورة، بل وراحت تروع موظفيها في الأونروا وتلفق لهم الاتهامات، ورأينا كيف تعاملت أمريكا والغرب بصمت واستهانة مع هذه الجرائم، بل راحوا يعاقبون هذه المنظمة بقطع التمويل عنها بناء على الدعايات الإسرائيلية.
تباين المشاهد
ولسوء الحظ شاء الله أن يتزامن ما يحدث في غزة مع ما يحدث في أوكرانيا، وبدا التباين جليا، فرأينا ازدواجية مقيتة لمحكمة العدل الدولية التي سارعت بإصدار قرار بوقف فوري للحرب في 27 فبراير/شباط 2022 بعد خمسة أيام فقط من بدء الاجتياح الروسي، ملمحة إلى احتمال ارتكاب روسيا أعمال إبادة جماعية، رغم أن عدد القتلى الأوكرانيين لم يكن قد تخطى آنذاك بضع مئات جلهم عسكريون، كما حاولت أن تنبش في الصور وتتبنى الشهادات الشفوية لاستنباط معلومات بأن هناك مدنيين أوكرانيين قتلوا في هذه الحرب لتوجه بناء عليها الاتهام بالإبادة الجماعية.
لكن على الجانب الغزي، نجد صور الشهداء والجرحى المروعة من المدنيين في هذا البلد المحتل والمحاصر تكتظ بها جميع وسائل التواصل والإعلام، موثقة صوتا وصورة ومع ذلك لم تطلب المحكمة وقفا لإطلاق النار بعد ثلاثة أشهر من بدء هذه الحرب الوحشية غير المتكافئة ولا بعد قرابة نصف عام من اشتعالها، وكأنها تعطي لإسرائيل المجال كاملا لإنجاز مهمتها.
مع فوارق مهمة للغاية في المشهدين، إذ إن غزة منطقة صغيرة جدا مكتظة بالسكان على خلاف أوكرانيا، وهي محاصرة منذ قرابة 17 عاما مما يعني أنه ينقص شعبها أصلا الكثير من المواد؛ ومن ثم فهي أولى بالإغاثة وتسريع وقف إطلاق النار. ومع ذلك كانت النتيجة أنه لا روسيا ولا إسرائيل أوقفت الحرب.
مصدر المشروعية
هذا انهيار كبير لمؤسسة الشرعية والإجماع الدولي، التي كان يجب أن تقول بشكل صريح دون مواربة إن ما حدث في الطوفان هو مقاومة مشروعة لطرد معتدٍ يغتصب الأرض ويفرض على أصحابها الأصليين الحصار، وليس عدوانًا.
الجديد هنا أن أعمال الإبادة تجري عبر الكاميرات ولا يمكن تجاهلها، وبالتأكيد سيكون من شأنها رغم السكون البادي على السطح، أن تُجرِّئ دولًا تمتلك زمام المبادرة غير تلك الدول القابعة تحت شباك الوهن والضعف والإمبريالية على أن تسعى لتكرار مشهد التجبّر الإسرائيلي في غزة في نقاط مصالح أخرى في العالم، وحتمًا ستصطدم حينئذ بمصالح الإمبريالية الغربية، ووقتها لن يصلح التعلل بالقانون الدولي ولا بمثل هذه الترهات، لأن القانون الحقيقي الذي يحكم العالم فعليًّا منذ أن خلق الله الأرض هو البقاء للأقوى، والشرعية معه في كل ما يفعل.
لذلك فإن لم تعاقب إسرائيل على جرائمها التي كشفت بنفسها سترها، فسيدرك القاصي والداني أن الضعيف هو فقط من يحتمي برداء الشرعية الذي لن يحميه أبدا، في حين أن القوي حال سبيله يقول كما قال ميكافيلي: “طالما كانت الحرب ضرورية فهي أيضا مشروعة ومقدسة”.
وستدب حينئذ الفوضى الخلاقة الحقيقية في العالم.
bit.ly/3vAm9Oa
............................................................
سيد أمين يكتب✍️: “سونكو” ناضل و”ديوماي” فاز.. وانتصرت الديمقراطية في السنغال
قفز السنغاليون قفزة ديمقراطية جديدة في إفريقيا، كما وجهوا ضربة موجعة أخرى لفرنسا التي ما كادت في السنوات الأخيرة تتعافي من أوجاع كل ضربة تلقتها في أحد مراكز تمركزها التاريخية في القارة السمراء حتى تتلقى ضربة أخرى في مكان جديد.
فقد فاز “باسيرو ديوماي فاي” مرشح حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف بـ(باستيف) وهو الحزب الذي أُسّس عام 2014 على يد الدكتور “عثمان سونكو” وهو شاب عُرف بتدينه وجرأته وخطاباته المناهضة للفساد في مؤسسات الدولة المالية، فضلا عن رفضه الهيمنة الفرنسية على البلاد.
وفي الواقع لا بد أن يقود الحديث عن فوز “بشير” أو” بصيرو ديوماي” بالرئاسة إلى حديث واسع عن نضالات معلمه الدكتور “سونكو” الذي ألهب مشاعر الشباب بخطاباته الحماسية والعاطفية الداعية إلى مكافحة الفساد في نظام الضرائب وإدارة موارد الدولة بعدما تسنى له الاطلاع عليه من خلال عمله موظفا ساميا في إدارة الضرائب بالدولة برفقته، وجراء معلومات الفساد التي كشفها للجماهير، أحرج قطاعات كبيرة من المقربين لرئيس الدولة “ماكي سال” مما دفعه إلى فصله من وظيفته بتهمة “انتهاك حق التحفظ”.
ولمّا خاض “سونكو” الانتخابات البرلمانية عام 2017 على رأس قائمة حزبه حقق نجاحا جعله يحرم الحزب الحاكم من الانفراد المطلق بالحكم، تلاه ترشحه عام 2019 في الانتخابات الرئاسية أمام رئيس البلاد، لكنه حل في المرتبة الثالثة مع وجود معلومات عن تزوير في النتائج مكنت الرئيس “سال” من الاستمرار في الحكم، وبدأ “سونكو” منذ ذلك الوقت الإعداد لانتخابات الرئاسة عام 2024 عبر إنشاء تحالف قوي من عشرات الأحزاب والحركات في الدولة لرفض ترشح الرئيس لولاية ثالثة واحترام الدستور الذي ينص على فترتين رئاسيتين فقط.
في حين عمل “سال” من جانبه هو الآخر على تشويه سمعة “سونكو” من أجل إبعاده عن المنافسة في الانتخابات، وفي عام 2021، قامت فتاة تعمل في صالة تدليك باتهامه باغتصابها في دعوى قضائية، ووقت محاكمته خرج آلاف الشباب في أرجاء البلاد بمظاهرات تتهم الحكومة بمحاولة إبعاده وتلفيق التهم له، واعتُقل “سونكو” في حين استمرت الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها ضد اعتقاله، لكن القضاء أصدر عليه حكما في يوليو/تموز 2023 بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ، ثم مُنع من الترشح مستقبلا، وانتهى المطاف بقيام حزب “باستيف” بترشيح الرجل الثاني فيه “ديوماي” ليفوز بالحكم.
الرئيس المنتخب
في الواقع أن “بشير ديوماي” نال هو الآخر نصيبه من الاستهداف من الرئيس “سال”، إذ صدر في إبريل/نيسان 2023 حكم بسجنه بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء، ليدخل السجن مع نخبة من قياديي الحزب قبل الإفراج عنه بعفو رئاسي قبل أيام من الانتخابات.
في حين تجمع بين الرفيقين “سونكو” و”ديوماي” صفات عديدة مشتركة، أولاها زمالة العمل موظفين ساميين في الضرائب، فضلا عن التنشئة الإسلامية الخاصة بهما، إضافة إلى مناهضتهما للفساد والتدخلات الخارجية ولا سيما الفرنسية والأمريكية، ورغبتهما في مراجعة العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجارة موريتانيا التي بقيت محط تساؤلات وحديث شعبي مستمر عن فساد كبير.
وقد وعد “ديوماي” في برنامجه الانتخابي الذي أعده مع “سونكو” بمراجعة اتفاقيات الغاز والنفط والصيد والتعاون الدفاعي مع فرنسا، لضمان تحقيق الفائدة القصوى للشعب السنغالي، إضافة إلى التخلي عن عملة الفرنك “سيفا” المرتبط بالفرنك الفرنسي نهائيا، مع مراجعة شاملة لعلاقات بلاده بفرنسا.
ومن المعروف عن “ديوماي” أنه فصيح اللسان قوي الحجة هادئ الطباع من أسرة بسيطة، وهي الصفات التي مكنته من البروز السريع بين أعضاء الحزب، وجعلته ينال استحسانا شعبيا وقبولا خارجيا خاصة مع جولاته الأوروبية التي التقى فيها مسؤولين غربيين، وهي ما تترك علامات استفهام قد نجد لها إجابات مستقبلا.
وقد يثير وجود زوجتين له تساؤلات عن أيهن التي ستحصل منهن على لقب سيدة القصر، وهو المنصب الذي اعتادت الثقافات القبلية الإفريقية على تبجيله ومعاملته معاملة خاصة، كما اهتمت بها الثقافات الغربية بوصفها قرينة الرئيس.
الديمقراطية السنغالية
تعرّض “سونكو” و”ديوماي” لكثير من الملاحقات السياسية والقضائية من الرئيس “ماكي سال” وحزبه الحاكم “التحالف من أجل الجمهورية” الذي حاول تعطيل الانتخابات وإقصاءه مع العديد من المعارضين البارزين بشتى الوسائل، لكن محاولاته باءت بالفشل وتسببت في تأجيج مشاعر التعاطف مع خصومه مما أدى في النهاية إلى هذا الفوز، ودفع “سال” إلى المبادرة بتهنئته بالفوز قائلا إن ذلك يُعَد انتصارا للديمقراطية السنغالية.
وقد أسهمت أسباب عدة في وصول حزب حديث النشأة إلى سدة الحكم في هذا البلد الذي يشكل المسلمون فيه غالبية عدد سكانه، أهمها أن السنغال تُعَد واحدة من الدول شبه الديمقراطية في إفريقيا في حقبة ما بعد الاستقلال، ولها نظام حكم علماني يحترم إرادة الأغلبية وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، مما جعل حركة مثل الإخوان المسلمين تحتل مكانة مرموقة ويكون لها تأثير كبير في الحياة الدينية. أما أهم الأسباب فيعود إلى استقلال القضاء بدرجة كبيرة مع حرص الجيش على عدم التدخل في السياسة على خلاف السائد إفريقيا، فضلا عن وجود مؤسسات لمراقبة الديمقراطية منها مثلا المكتب الوطني لمكافحة الفساد وآخر للانتخابات، إضافة إلى التكوينات العشائرية للدولة.
ها هي السنغال تحرز هدفا جديدا في شباك الديمقراطية بينما تفتقد أغلب دول القارة السمراء امتلاك تلك الكرة.
............................................................
سيد أمين يكتب: حكومة اجترار فشل جديدة في باكستان
بعد إعادة انتخاب البرلمان الباكستاني رئيس الحكومة المؤقتة السابق شهباز شريف رئيسًا لوزراء البلاد، بدا شكليًا أن الأزمة التي خلفتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد فبراير/شباط الماضي قد انتهت، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك ويشي بأنها ستتطور وتتفاقم، وما حدث أنها فقط اتخذت شكلًا جديدًا يتمثل في فشل ذريع وانقسامات حادة ستلاحق جميع قرارات البرلمان وحكومته الجديدة، وستزيد من حنق المجتمع على النخب الحاكمة.
فالذين تحالفوا وتكتلوا من أجل الحيلولة دون تشكيل عمر أيوب مرشح حزب الاتحاد الذي انتسب إليه مرشحو حركة الإنصاف المستقلين للحكومة، تجمع بينهم الكثير من التناقضات التي تجعل استمرار تحالفهم مهددًا بالانهيار في أي لحظة، ومع أي احتكاك بأقرب نقاط التماس.
تناقضات بالجملة
من أولى التناقضات هي التناقض الكبير بين قطبي هذا التحالف، فحزب الشعب الباكستاني الذي حل ثالثًا في الانتخابات العامة وثانيًا في تحالف الحكم بقيادة بلاول بوتو زرداري هو في الحقيقة حزب علماني يساري، والمدهش أنه بينما يتحدث برنامجه عن تحويل باكستان إلى دولة ديمقراطية اجتماعية، وتعزيز القيم العلمانية والمساواة، وإقامة العدالة الاجتماعية وحماية الأمن القومي، نجده في الوقت ذاته يصمت بل ويشارك في الغبن الذي تعرضت له حركة الإنصاف التي ينظر لها المجتمع الباكستاني بأنها منبر التغيير الثوري الحقيقي لباكستان من أجل تحويلها إلى دولة ديمقراطية.
والغريب أن قادة حزب الشعب فضلوا التحالف مع حزب الرابطة الإسلامية رغم أن سياسة حزبهم القديمة كانت ساعية للجنوح خارجيًا نحو الصين وروسيا، كبديل عن الانضواء التقليدي للحظيرة الأمريكية والغربية الذي تمثله حليفته الأخرى والسلطة العسكرية المتنفذ الحقيقي في البلاد.
كما أن تلك التوجهات هي نفسها توجهات حركة الإنصاف وكان الأولى التحالف معها، ولكن ربما كانت سياسة الإنصاف الخاصة بالانفتاح على طالبان الأفغانية بتوجهاتها الجهادية حالت دون ذلك.
كما طال الانقسام أيضًا الحركة القومية وهي الحليف الأصغر في التحاف الذي فاز بـ17 مقعدًا في البرلمان، فهي أيضًا حركة علمانية تشمل اللاجئين من الهند في باكستان، ولكنها مع ذلك انقسمت إلى كتلتين.
أحزاب أسرية
ولعل من المدهش أن تجد في العالم دولة كباكستان تعد من ثاني أكبر بلدان العالم الإسلامي، لكن تؤسس فيها أحزاب بناء على حب شخص ما أو كراهيته، بل وتجد أيضًا تناقضات حادة بين توجهات الكتل في الحزب الواحد كما في حزب أو أحزاب الرابطة الإسلامية.
فبخصوص حزب الرابطة الإسلامية الذي يفترض فيه أنه حزب إسلامي ينتمي إلى يمين الوسط، فهو في الواقع ليس متناقضًا فقط مع شركائه في التحالف، ولكن تناقضاته تمتد حتى مع ذاته، فقد شهد الحزب العديد من الانشقاقات، فإذا كان الحزب الأصلي بقيادة نواز شريف، فهناك حزب آخر بقيادة شقيقه شهباز يشار إليه بحرف “ن”، وحزب ثالث مناهض للديكتاتور السابق برويز مشرف أطلق عليه “ض”، في مواجهة حزبين مواليين له هما حزبا “ق” و”ف”.
فضلًا عن أن تشكيلة الأطياف غير المتجانسة التي عاد بها شهباز شريف لشغل منصبه القديم هي في الواقع تجميعة مثيرة للسخط لدى طبقات الشباب، لكونها تحالف بين الأسر التقليدية التي تناوبت حكم البلاد طيلة العقود الماضية، وبالتالي فالمتوقع أيضًا اجترار الفشل القديم ذاته.
حيث تمثل أسرة شريف التي ينتمي لها شهباز “73 عامًا” وشقيقه نواز “76 عامًا” واحدة من الأسر التي حكمت البلاد لفترات طويلة وأسهمت بفشل واضح أدى إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وما ينطبق على تلك الأسرة ينطبق أيضًا على الشريك الثاني في هذا التحالف وهو عائلة بوتو التي أيضًا حكمت لفترات طويلة وفشلت في تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، رغم تاريخها المهم في تمكين البلاد من الحصول على القنبلة النووية، وما دفعته من بعد ذلك من ثمن باهظ في اغتيال قادتها أو سجنهم.
ردود الأفعال
تلقى المجتمع الباكستاني، الأحد الماضي، صدمة قوية من تفويض البرلمان لشهباز شريف بتشكيل الحكومة، وخرجت التظاهرات على الفور لتعم الكثير من مدن البلاد احتجاجًا على الاحتيال الكبير الذي حدث لسرقة نتائج الانتخابات والالتفاف على إرادة الشعب، وحرمان الحزب الفائز بالرقم الأعلى من المقاعد بتشكيل الحكومة منفردًا.
ومن المتوقع أن تستمر الاضطرابات في البلاد لأشهر مقبلة قد تشمل الإجراءات ترويع نواب حركة الإنصاف في التحالف السني، وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية على البلاد، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف ليس لاستمرار الحكومة ولا تعزيز الاقتصاد، ولكن إلى إسقاط الحكومة بعد الفشل الاقتصادي والأمني المتوقع.
التجارب في العالم أثبتت أن الديمقراطية هي الحل، فلمصلحة من الاحتيال عليها؟
https://bit.ly/3P4WwMb
............................................................
الثلاثاء، 13 فبراير 2024
سيد أمين يكتب: انتخابات باكستان.. إما اضطرابات أو استقرار
أرسل الشعب الباكستاني من خلال تصويته لمرشحي حركة الإنصاف في الانتخاب الاتحادية العامة برسالة قوية إلى السلطات العسكرية المتحكمة خلف “الكواليس” بأنه لا سلطة فوق سلطة الشعب الذي حطم العراقيل، واختار من يمثله نيابيًا دون وصاية من يمكن أن نسميهم “المستبدين الشرعيين”.
صحيح أن هؤلاء النواب الذين أعلن عن نجاحهم وعددهم 98 مرشحًا أجبرتهم حالة القمع الاستثنائية التي شهدتها هذه الانتخابات ضد الحركة التي ينتمون إليها بعد سجن مؤسسها وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان إلى الترشح بصفتهم مستقلين، إلا أن ذلك لم يمنع من نجاح حيلتهم واستطاعوا أن يحطموا من خلالها القيود، وأعادها إلى صدارة المشهد رسميًا رغم تغييبها عنوة عن المشاركة في الانتخابات.
وحصل نواب الإنصاف على أغلبية بسيطة في البرلمان المكون من 336 مقعدًا بينهم 70 مقعدًا مخصصًا للنساء والأقليات، ويتم اختيارهم بنظام التمثيل النسبي غير المباشر على خلاف الـ266 مقعدًا المتبقية التي تعتمد نظام التصويت المباشر، ورغم ذلك يعتقد قطاع كبير من الشارع الباكستاني أن مرشحي الإنصاف حصلوا على عدد أكبر من المقاعد المعلنة في الأقاليم الأربعة، لكن التزوير حال دون نجاح كثير منهم، وهو ما أكده رئيس الحركة جوهر خان بقوله إن حركته فازت بـ170 من إجمالي مقاعد الجمعية الوطنية، ولكن جرى التلاعب بالنتائج النهائية.
تشكيل الحكومة
الصادم لكارهي حركة الإنصاف أن القانون يمنح زعيم الحزب الفائز بالعدد الأكبر من المقاعد حق تشكيل الحكومة الفيدرالية، وهو ما يجعل زعيمها مؤهلًا لتشكيل الحكومة، ومع ذلك يشترط عليه أيضًا الحصول على دعم 169 عضوًا من أعضاء البرلمان سواء من حزبه أو عبر التحالف مع أحزاب أخرى.
ولهذا فإن حصول حزب “الرابطة الإسلامية” المنافس الرئيس المقرب للجيش بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف على 71 مقعدًا فقط سيمنعه أيضًا من تشكيل الحكومة منفردًا أو حتى بالتحالف مع “حزب الشعب” المنافس الثالث المقرب لعائلة “بوتو” الذي حصل على نحو 53 مقعدًا، أو الحركة القومية المتحدة التي حصلت على 17 مقعدًا.
ومع هذه النتائج تلوح في الأفق أزمة صدام حزبي وسياسي واسع النطاق قد تطول معه فترة الفراغ الحكومي أو تتمدد معه مهمة الحكومة المؤقتة، وهي الأزمة التي لا يمكن تجاوزها إلا عبر المرور من بوابة نيل رضا مرشحي حركة الإنصاف التي يرفضها الجيش، ويرزح عدد كبير من قادتها بما فيهم المؤسس عمران خان داخل السجون بتهم يجمع المراقبون المحليون والدوليون على أنها ملفقة.
وضع العراقيل
وطالما حضرت النوايا السيئة قبل مشهد الانتخابات من خلال حظر الإنصاف وتلفيق مئات التهم لزعيمها واعتقال ناشطيها، فبالتأكيد لن تتوقف المطاردات والتدابير الخبيثة لعبور العثرات التي برزت في الطريق دون أخذ التدابير اللازمة لاجتيازها.
ولهذا فمن المرجح أيضًا أن تعدّ المفوضية العليا للانتخابات ومن خلفها المؤسسة العسكرية أن مرشحي حركة الإنصاف لا يمكنهم تشكيل الحكومة، لكونهم ترشحوا مستقلين وليس تحت راية الحركة، فضلًا عن أن الحركة أصلًا حظرت إداريًا، وبالتالي لا يجوز تمثيلها في البرلمان.
وجراء ذلك من المتوقع أن تعلن المفوضية فوز حزب الرابطة الإسلامية وتمنح زعيمها نواز شريف الحق في تشكيل الحكومة، ويؤيد هذا التوجه أن شريف سارع بإعلان فوزه عشية الانتهاء من فرز الأصوات، وليعلن في الوقت ذاته حاجته للتحالف مع أحزاب أخرى، وهو الأمر الذي يؤكد علمه بعدد الأصوات التي حصل عليها حزبه وحزب الشعب، وما حصل عليه مستقلو حركة الإنصاف رغم كثرتهم.
صحيح أن هذا الحيلة قد لا تمنع أعضاء حركة الإنصاف من إحداث التأثير الكبير في البرلمان الاتحادي “الجمعية الوطنية”، ولكنها مع ذلك ضمنت ألا يمنح عضو منها مهمة تشكيل تلك الحكومة.
وفي الوقت ذاته هناك مخاوف من أن يقوم الجيش بممارسة الضغوط على عدد من نواب الإنصاف الفائزين من أجل التصويت لخصمهم نواز شريف في حال قيام هيئة الانتخابات بتكليفه بتشكيل الحكومة، خاصة مع الضعف النسبي لـ”كاريزما” رئيس حركة الإنصاف الحالي مقارنة بالمكانة العالمية التي كان يمثلها عمران خان القابع في السجن، فيضطر بعضهم للاستجابة لتلك الضغوط طالما أن رئيس حركتهم منع من تشكيل الحكومة.
ولعل الجيش بذلك يكرر ما حدث عندما صوّت البرلمان الذي استحوذت حركة الإنصاف فيه على الأغلبية، وتم سحب الثقة من حكومة عمران خان عام 2022، حيث شكا كثير من نوابها من تلقيهم تهديدات بالقتل في حال ذهابهم للبرلمان يوم التصويت.
درس بليغ
أيما كانت طبيعة الأحداث التي ستمر بها باكستان في الأيام القليلة المقبلة، فإن ميقاتها لدى المتنفذين في الجيش، فإما أن يجعلوا باكستان على خط الديمقراطية، وإما أن يضعوها على خط الفوضى والقلاقل والانقسامات، وليعلموا أنه إذا سقط الوطن لن تصبح هناك مكاسب شخصية ولا امتيازات.
يجب عليهم سحب أياديهم من العملية السياسية بعدما ضاق الباكستانيون ذرعًا بتدخلاتهم الواسعة والمستمرة منذ تأسيس الدولة منتصف القرن الماضي، تداعى خلالها الاقتصاد بشكل كبير وصارت البلاد في حالة اضطراب مستمر من الجهات كافة، وفشل الجيش في مهمته الأصلية بينما تعربد قوات الاحتلال الهندي في جامو وكشمير. ليتهم يستوعبون الدرس قبل فوات الأوان.
https://bit.ly/3UD1WS2
............................................................
الثلاثاء، 6 فبراير 2024
سيد أمين يكتب : في باكستان.. انتخابات تفتقد الزخم الشعبي
4/2/2024
ستجري في الثامن من فبراير/شباط الجاري الانتخابات العامة في باكستان وسط حالة غير مسبوقة من الشعور بالغبن والظلم تعم الشارع، بعد تغييب مشاركة رئيس الوزراء السابق عمران خان عن الترشح بها، بزعم صدور أحكام قضائية ضده يدرك أغلب الباكستانيين أنها مسيسة.
ومن ضمن 200 دعوى قضائية ضد عمران خان، صدرت ثلاثة أحكام ابتدائية ضده، أحدها في أغسطس/آب الماضي بسجنه ثلاث سنوات بتهمة بيع هدايا عبارة عن ساعات ثمينة بقيمة 650 ألف دولار قُدمت له أثناء توليه منصبه من 2018 إلى 2022، وحكم نهاية الشهر الماضي بسجنه 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، و14 عاما على زوجته بشرى خان بتهمة بيع هدايا الدولة بشكل غير قانوني، وحُكم في مطلع هذا الأسبوع بسجنه وزوجته سبع سنوات بتهمة الزواج غير القانوني!!
عمران خان الذي أطيح به في ما يشبه المسرحية عبر تصويت برلماني مفاجئ بسحب الثقة من حكومته في مايو/أيار 2022، استغلالا لغياب عدد كبير من مجموعته البرلمانية عن الحضور، وبعد أسبوع واحد من تصويت البرلمان نفسه لتمديد الثقة بها، يُنظر إليه ولحركة الإنصاف التي أسسها من قبل قطاع واسع من المجتمع ولا سيما الشباب بأنه رئيس وزراء خارق للعادة يرغب في نقل باكستان نقلة ثورية من التبعية لأمريكا ومعسكرها الغربي، لتقترب أكثر إلى روسيا والصين وتركيا وإيران والجنوب العربي، ورغبته في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد، والحد من سيطرة الجيش على أدوات الحكم، والانفتاح بشكل أكبر على طالبان الأفغانية.
ولذلك فهناك إدراك عام داخل باكستان وخارجها أن كل ما يجري لعمران خان وحركته مجرد مؤامرة رسمتها أمريكا، ونفذها الجيش من أجل الحفاظ على الوضع التقليدي لهذه الدولة النووية التي يراد لها أن تمكث في الحظيرة الأمريكية، وأن تظل في حالة اقتصادية سيئة تجعلها في حاجة ملحة دائمة للدعم الغربي، وفي فساد داخلي يبقيها تدار من أحزاب الأقلية، ويمنع الكتلة الشعبية الكبيرة مثل “حركة الإنصاف” من الوصول إلى الحكم مجددا.
ولقد اعترف خان نفسه أثناء فترة حكمه بتلقيه تهديدات أمريكية بالإطاحة به من الحكم جرّاء تلك السياسات.
قمع حركة الإنصاف
والدليل على أن الاستهداف يطول حركة الإنصاف بما تملكه من شعبية جارفة، أن الحكم الذي منع زعيمها من المشاركة في الانتخابات، وتأكد هذا المنع بعد قيامه بتقديم أوراق ترشحه في دائرتين في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وتم رفضها بزعم عدم وجود اسمه على قوائم الناخبين المسجلين وصدور أحكام بإدانته، رغم كل ذلك فإن حالة القمع طالت معه حركته أيضا، فتحدث العديد من مرشحيها عن تلقيهم تهديدات بالقتل منعت العديد منهم عن الترشح، في حين رفضت لجنة الانتخابات تسلُّم أوراق العشرات منهم بحجج متنوعة.
وبعد عدم تمكن السلطة من حظر الحركة قانونا بسبب مشروعية فعاليتها المليونية العام الماضي التي نظروا إليها بوصفها استعراضا للعضلات، طال القمع فرض السلطات حظرا غير معلن على كل تجمعاتها وندواتها، مع رقابة مشددة على قيادتها وزعاماتها المحلية، واعتقالات كثيفة لعشرات الآلاف من ناشطيها وشبابها بحجج متنوعة، مع منع ملصقاتها وشعاراتها.
يأتي هذا الحصار الواسع النطاق ضد “الإنصاف” بعد إجراءات سابقة سعت لتفجيرها من الداخل عبر الإيعاز لأعضاء كبار فيها منتصف العام الماضي ليؤسسوا حزب “الديمقراطيون” كي يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم السياسية، وتردد حينئذ أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز علنا إلى رئيس البرلمان السابق القيادي في الحركة الذي اعتُقل مع عشرات القياديين الآخرين بالاستقالة منها مقابل الإفراج عنه حينما قال له علنا “اعقد مؤتمرا صحفيا، وأنهِ الأمر”.
ولقد شملت الحملة ضد الحركة رمزها الانتخابي الذي احتفظت به منذ تأسيسها وهو “مضرب الكريكت” الذي يشير إلى اللعبة التي هي مصدر نجومية مؤسسها عمران خان بصفته واحدا من أبرز لاعبيها في العالم، حيث نُزع الرمز منها ومُنحت “الزجاجة” بدلا منه، وخطورة الأمر أن هناك قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تعاني الأمية بسبب الحكم العسكري، وقد لا يدركون هذا التغيير فلا يصوتون للزجاجة بما فيها من إيحاء بالخمر، خاصة مع حرمان الحركة من كل وسائل الإعلام والدعاية.
سيف القضاء
هذه ليست المرة الأولى التي يُسلَّط فيها القضاء على رقاب السياسيين في باكستان ولا سيما رؤساء الوزراء الخارجين عن السيطرة، إذ لم يسلم منه شخص بقدر وقيمة عبد القدير خان -أبو القنبلة النووية الباكستانية- الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية لمدة 5 سنوات، وكذلك رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار صناعة القنبلة النووية الذي تعرّض لانقلاب عسكري وسُجن بل وأُعدم، وابنته بينظير بوتو أيضا، وكذلك نواز شريف الذي حُبس 10 أشهر قبل الإفراج عنه لأسباب طبية، وذهب إلى لندن لتلقي العلاج ثم عاد ليس لينافس عمران خان على المنصب مجددا، بل ليجده خارج المشهد تماما.
الكثيرون يرددون في باكستان أن شريف حصل على الإجازة الغربية لتوليه المنصب مجددا أثناء فترة مكوثه في لندن، وبالتالي تمكن من عقد صفقة مع قيادات الجيش على العودة إلى الحكم مقابل الرضوخ التام لما يُملى عليه، وقاموا بتهيئة المسرح له تماما عبر تغييب أبرز وأخطر منافسيه عمران خان.
ودللوا على أن علامات الرضا عن شريف تظهر جليا في السماح له ولحزبه بممارسة الدعايات بكل أريحية، بل وتركه للترشح أساسا رغم صدور حكم محكمة سابق ضده، في حين مُنع عمران خان من الترشح قضائيا، وخُنقت حركة الإنصاف بجميع السبل.
باكستان في انتظار المزيد من الاضطرابات، والانتخابات بدلا من أن تطفئ النار ستصب الزيت عليها.
https://bit.ly/3uraHDW
............................................................
الخميس، 1 فبراير 2024
سيد أمين يكتب: الضربات الإيرانية الباكستانية.. مصلحة مشتركة
حالة من الغموض والدهشة أصابت المراقبين جراء الهجمات التي استهدف بها الحرس الثوري الإيراني ما قال إنها مقرات لمنظمات إرهابية في أربيل العراقية ولنقاط خارج سيطرة الحكومة في سوريا وإقليم بلوشستان الباكستاني.
الدهشة تتركز تحديدًا في تلك الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت مقرات لمنظمات انفصالية في باكستان، وهي الدولة النووية التي لا تقع داخل دائرة تأثيرها الثقافي والسياسي والعسكري كما هو الحال في سوريا والعراق، وتمتد الدهشة أيضًا إلى التوقيت الذي اختارته لتنفيذها خاصة مع تعمق العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، وما ترتب عليه من تصاعد الصدام بين حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثية والمقاومة الإسلامية في العراق وبين هذا الكيان، وهو ما يحتم على إيران معه عدم فتح جبهات نزاع فرعية جديدة تشغلها عن تلك المعركة المصيرية، بما يحمله ذلك من تحجيم للتعاطف الكبير التي نالته مواقفها، ويشتت وحدة الإجماع الإسلامي حول محور المقاومة.
لكن مع تقريب العدسات سنرى أن الهجمات لا تشذ بعيدًا عن هوى الحكومة الباكستانية أيضًا، خاصة أن “جيش العدل” الذي استهدفته إيران هو في الأساس ضمن ميليشيات عدة طائفية وانفصالية تدعو إلى انفصال قبائل البلوش التي تمتد عبر شطري إقليم بلوشستان في الدولتين، وكثيرًا ما حاربها الجيشان الباكستاني والإيراني كل في أراضيه، وأحيانًا بتنسيق مشترك بينهما، ولطالما نفّذت هذه الميليشيات التي تضم أيضًا “جيش تحرير بلوشستان” وحركة “أنصار الفرقان” “وجند الله” عمليات في البلدين على حد سواء، وضد التجمعات الشيعية والصوفية.
ولعل الإدانة الباهتة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الباكستانية كانت في الأصل تتضمن القبول بها حينما ركزت على إبراز ضعف تأثيرها، وقالت إنها تسببت في مقتل طفلين وإصابة ثلاث فتيات، وذرت الرماد في العيون الأمريكية الراصدة حينما قالت “إنها تدين بشدة هذا الهجوم وإن انتهاك سيادة باكستان أمر غير مقبول على الإطلاق، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة”، ولعل الرد الباكستاني الذي استهدف مجموعات انفصالية في محافظتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين هو الآخر لا يوجع إيران كذلك، بل إنه يصب في المصلحة المشتركة ذاتها.
مصلحة أمريكية
وتتسبب الجماعات الانفصالية والطائفية الناشطة في محافظتي بلوشستان وسيستان الإيرانيتين في نزيف متكرر للدماء بين الحين والآخر في مناسبات دينية وسياسية متنوعة من خلال اتباعها أسلوب الاغتيالات والتفجيرات المباغتة.
وتتهم طهران كلًا من أمريكا وإسرائيل بدعم هذه الجماعات بغية زعزعة تماسكها الداخلي وكسر نفوذها الخارجي، ولذلك ربطت بين التفجيرين المتعاقبين اللذين استهدفا زوارًا لمرقد قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني الأسبوع قبل الماضي وبين تلك الجماعات، وبالتالي نسبت الأمر برمته لإسرائيل خاصة مع التصعيد بين البلدين بسبب العدوان على غزة ومضاعفاته.
ويعزز ذلك الاحتمال أن الهجمات الإيرانية على بلوشستان الباكستانية ترافقت مع هجمات أخرى على ما قالت إنه معقل للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل الكردية في العراق.
وهناك سجل طويل لعمليات تلك الجماعات الانفصالية في البلدين يلاحظ فيه بجلاء نشاطها في الأوقات التي تشهد توترات إقليمية، أو وجود حاجة غربية لممارسة الضغط السياسي على طهران، أو حتى إسلام أباد.
طريق الحرير
أما إذا تعلق الحديث بالاقتصاد فإن ما يجمع باكستان وإيران أكبر بكثير مما يفرق بينهما، ولعل المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق” الذي يمر عبر إقليم بلوشستان الذي يمتد بين الدولتين لهو أكبر دليل على صحة هذه الرؤية، فقد ألقى بطوق النجاة لإيران للخروج من الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها أمريكا والدول الغربية، وحسّن من علاقتها مع الصين لدرجة جعلت منها المستورد الكبير لنفطها بما قيمته 400 ألف برميل يوميًا.
ومنذ أن أقرت الصين خطة هذا المشروع الذي يهدف إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات، ومد آلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة وأنابيب الغاز والطاقة رحبت به إيران بشدة، وحلمت باستعادة مجد طريق الحرير الذي تمر أجزاء منه عبر أراضيها خاصة في بلوشستان -محط العمليات الإرهابية- ليصل بحر الصين بأوروبا وإفريقيا، ومع ذلك ما زالت كثير من البلدان تراودها المخاوف من الانضمام الإيراني لهذا المشروع، وما قد يستتبعه من تعقب أمريكي.
فيما تتجاوز المكاسب الباكستانية المباشرة من المشروع الصيني 64 مليار دولار، فضلًا عن أنه يمكنها من الاستفادة القصوى من الثروات المعدنية التي يتمتع بها إقليم بلوشستان، ونظرًا لأهمية المشروع لاستقلالها نجد هناك تصريحًا لمساعد رئيس الوزراء الأسبق عمران خان يؤكد فيه أن الولايات المتحدة وبدعم هندي تسعى لإفشاله.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمشروع أعدته الصين، فماذا لو اجتمعت معها باكستان النووية، واجتمعت معهما ثالثة الأثافي إيران المارقة عن الحظيرة الأمريكية، وكان مركز كل هذا التجمع “بلوشستان”؟
التعاون الاقتصادي
بقدر حاجة إيران إلى فتح أسواق تتحدى الحظر الغربي المفروض على منتجاتها عامة والنفطية خاصة التي تمتلك وحدها نحو 10% من احتياطاتها المؤكدة في العالم، فإن باكستان هي الأخرى بحاجة ماسة للنفط الإيراني، وقد حدث عام 2010 أن وقّع البلدان “مشروع السلام” لتوصيل الغاز الإيراني إلى باكستان، لكن إسلام أباد تراجعت بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، فضلًا عن اضطرابات إقليم بلوشستان في البلدين.
وسعت باكستان أثناء فترة حكم رئيس الوزراء عمران خان إلى العودة لتنفيذ هذا الاتفاق، ووقّعت صفقات عدة لتزويدها بالطاقة بنظام الصفقات الآجلة، وهي الطريقة التي تناسب حالة البلاد الاقتصادية المتردية، وظل الأمر قائمًا إلى الآن وسط مخاوف من أن تنجح الضغوط الأمريكية المتوقعة للعصف بهذا التكامل البناء.
وبعد ذلك التكامل كله بات واضحًا أن أي تصعيد بين البلدين مستقبلًا سيكون قطعًا استجابة لضغوط أمريكية وإسرائيلية.
https://bit.ly/3HCKVQi
............................................................
سيد أمين يكتب: الحرب على الدحدوح
7/1/2024
كأن إسرائيل أرادت أن تجعل من مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح نموذجًا مصغرًا لإجرامها وعدم اكتراثها لا بقوانين المجتمع الدولي ولا حتى بقوانين البشر، وكأنها حينما أعلنت حربها الوحشية على غزة كانت تقصده هو وأسرته، وكل مكان دبت فيه قدمه وله فيه ذكريات، وكذلك القناة الفضائية التي يعمل فيها.
فبعدما استهدفت صواريخها زوجته وابنه وابنته وحفيده وعددًا من أقاربه وجيرانه وأصدقائه منذ أشهر قليلة، عادت لتقتل من تبقى من أسرته حيًا فاستهدفت ابنه الصحفي حمزة ليرتقي شهيدًا هو الآخر.
أما وائل الدحدوح فغالب جراح روحه التي عاناها في “الفَقد” الأول على حملها الثقيل وظل رافعًا رأسه، وكأنه يغالب “فقدًا” آخر أكبر فداحة عانته أمته العربية والإسلامية من نقص في العزة والكرامة والنخوة، ليحسده بذلك الحاسدون على تلك البسالة التي لا يمكن أن تتوافر في بشر إلا في الأساطير.
جريمة قتل الصحفيين حمزة الدحدوح ورفيقه مصطفى ثريا ليست من جرائم القتل العشوائية التي دأبت إسرائيل على ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني طوال تاريخها فحسب، ولكنها على الأرجح هي حادثة متعمدة في محاولة لعقاب الأصوات الصادحة بالحقيقة التي تأتي في القلب منها قناة الجزيرة، ليرتفع عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل نحو 109 صحفيين في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
والمتابع لـ”قناة الجزيرة” في هذا العدوان وما سبقه من حروب سيكتشف منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحًا لجرائم الكيان الصهيوني، وأنها استطاعت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” كشف الحقيقة لمئات الملايين حول العالم، وبالتالي فإنها لهذا السبب صارت هي القناة التي يحرص الاحتلال دومًا على تحييدها، ومثلت حجر عثرة يمنع تحقيق طموحاته الدموية في الظلام.
تجربة شيرين أبو عاقلة
ولا شك أن الجريمة البشعة هي استمرار لسياسة تكميم الأفواه التي اتبعتها إسرائيل منذ عام 2000 وما قبلها، وكانت أبرز ملامحها اغتيالها عن عمد الراحلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة منتصف العام قبل الماضي، وهي الجريمة التي قلنا وقتها إنها متعمدة وتعطي إشارة لسوء نية بيتتها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في هذه المنطقة، وكانت بحاجة لإخراس الأصوات وتغمية العيون الناقلة لحقيقة ما سترتكبه فيها من مجازر مستقبلًا.
وأثبتت الأحداث أنه عقب الجريمة مباشرة تصاعدت حدة الاقتحامات وأعمال الهدم والقتل طيلة العام عن سابقه بشكل ملحوظ، حيث كان عدد شهداء الضفة قرابة 100 شهيد عام 2021، ثم قفز هذا الرقم عام 2022 ليصل إلى 171 شهيدًا، وانتهى عام 2023 وما زال عدد الصحفيين الشهداء غير معروف، ولكن جهات رصد متنوعة تتوقع أن يقترب من رقم 200 في غزة والضفة.
فيما ابتدعت إسرائيل أسلوبًا آخر لتكميم الأفواه وترهيب ناقلي الحقيقة، وهو استهدافها أسر الصحفيين بالقتل والاعتقال، قاصدة بذلك تجنب الانتقادات الدولية التي تطلقها الجهات المختصة بالصحفيين على ما فيها من هشاشة وضعف.
فوق القانون
ومن المؤلم حقًا أن جرائم إسرائيل لا تحاسب عليها أبدًا، وكما مرت جريمة شيرين أبو عاقلة دون عقاب ستمر جريمة اغتيال أسرة الدحدوح ومعهم آلاف الشهداء من الأبرياء في غزة أيضًا، بعدما صار إفلات إسرائيل من العقاب أمرًا بديهيًا يعرفه الجميع، عرب وعجم.
ومع هذا الجنون الغربي الذي يصعد بالإسرائيلي لمرتبة ما فوق البشر، ويصدر له قوانين تجرم إنكار “الهولوكوست” الذي يقول إن اليهود تعرضوا له على يد هتلر، ويجرم معاداة “السامية” ويخص بها الصهاينة فقط مع أن العرب أيضًا من هذا الجنس نفسه بوصفهم أحفاد لسام بن نوح، إزاء كل ذلك فلن يكون غريبًا إذا قامت الدول الغربية بإصدار القوانين التي تسمو بالمواطن الإسرائيلي عن نظيره العربي في القيمة.
تضامن صحفي
يستطيع الصحفيون العرب إبداء فزعهم لما جرى لأسرة زميلهم وائل الدحدوح عبر تنظيم عديد المظاهرات والندوات بخصوص الجريمة، ومخاطبة الجهات الدولية والعاملة في الحقل الصحفي للعمل على معاقبة إسرائيل على جرائمها.
كما يستطيعون التناول المباشر في أعمالهم للصعوبات التي يواجهها الإعلاميون في غزة والضفة، والاستهدافات التي تلحق بهم وبأسرهم جراء مزاولة عملهم، وتشجيع العاملين في المواقع والصحف الغربية على الاحتجاج والإضراب عن العمل بها ما لم تتعامل إداراتها التحريرية مع تقاريرهم التي يقدمونها بشيء من الاحترام والموضوعية، وأن تتوخى مواقعهم نشر الحقيقة وليس ما تريد الإدارة أن تنشره في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي.
………..
أعانك الله أخي وائل الدحدوح، فحملك وحمل أمتنا ثقيل.
bit.ly/3tP0916
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق