آخر تحديث : الأحد 19 يوليه 2015 14:34 مكة المكرمة
يوحي ترديد مسألة 'حسن الطالع' أول ما يوحي بأن من يؤمن بها هو شخص غيبي ينكر "قدرة" العقل ويعيش دائما في النشاط الوهمي الافتراضي.
ولأن التاريخ هو قراءة مكثفة من اجل المستقبل, سنحاول هنا رصد أشهر مواقف استخدام الساسة الأقدمين لهذا المنتج "الغيبي" وكيف تأثروا به, ولكن قبل هذا نذكر بنقطتين مهمتين أولهما أن الاعتماد الكلي على مثل هذا المنتج قد يؤدى إلى ردة ثقافية ومنطقية تمحو كل منجزات المنطق والعلم, وثانيهما أن ما دفعنا للحديث عنه هو العجز عن الحديث عن "المعقول" بسبب الظروف "اللامعقولة" التي يعانيها المنطق في مصر الأن.
المعقول واللامعقول
يعتبر المفكر والسياسي الإيطالي "نيقولا ميكافيللي" واحدا من أهم الفلاسفة الذين لفتوا الانتباه بشكل واضح إلى تأثير "حسن الطالع" في حياة الساسة والدول, بل إنه ربط بنسق منطقي متين بين "اللامعقول" و"المعقول" عبر الغوص في كمائن النفوس البشرية.
ويضرب نيقولا ميكيافيللي - في كتابه الأمير – مثقلا بصانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد ليؤسس أشهر أسرة ملكية في إيطاليا امتد حكمها عبر عدة قرون، وذلك حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً ونهبوا ثرواتها ثم عادوا أدراجهم، هنا التف البسطاء حول صانع الفخار فنصبوه أميراً عليهم , لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.
وعلي النقيض يضرب ميكيافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتي كل إمكانات الدوام والبقاء والقدرة لكنه افتقد حسن الطالع فهزم في معركة كان يمكن أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.
ويقول ميكايفيللي إن "قدرة" من دون "حسن طالع" تعني فشلاً وإن "حسن طالع" مع نصف "قدرة" يعني انتصاراً.
قصص القرآن الكريم
وفي قصص القرآن الكريم لنا آية في سيدنا يوسف – عليه السلام - الذي يلقى به في الجب, ويؤتى به كرقيق ثم تدور الأحداث التي نعرفها ليصير الشخص الثاني في حكم مصر , وكذا في سيدنا موسي -عليه السلام - الذي ينجو من مقاصل فرعون التي لا تترك صغيرا ولا كبيرا , وبدلا من حياة التخفي والهروب لما فيها من شظف العيش وخوف من المجهول, يربى في بيت فرعون ذاته آمنا بأمنه ومستلذا بملذاته وينفذ أمر الله الذي وعد به رغم كل الاحتياطات.
في التاريخ العربي
يلعب "حسن الطالع" الدور الأكبر علي مسرح الأحداث، فها هو "قطز" يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف في مصر فيهيئ له الله عبر"حسن الطالع" الأمور كاملة لقيادتها ويصير هذا الفتى المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد، يلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي على المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب.
وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر من دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً على البلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم إمبراطورية عرفتها مصر الحديثة ودام حكم أسرته نحو قرن ونصف القرن وصار مؤسس مصر الحديثة.
وها هو الكولونيل 'سيف' كجندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلى الحياة الحربية وتنامى إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه على حاكمها الذي أرسله إلى محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري.
ولكن هناك واقعة شهيرة تلقي الشك في كل ذلك, فالعرافون حذروا الخليفة المعتصم من فتح "عمورية" إلا أن القدرة الطاغية هنا استطاعت أن تطوع الحظ وتحسم المعركة حيث خرج المعتصم على رأس جيش جرار مهول وضرب حصاراً على مدينة عمورية المنيعة دام نصف العام تقريباً، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت، ودخلها المسلمون في 17 من رمضان الموافق 13 من أغسطس 838م
وهنا أنشد ابو تمام قصيدته التي تبدأ بقوله:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا