آخر تحديث : السبت 26 سبتمبر 2015 17:20 مكة المكرمة
يُخطئ من يتصور ان المعركة الدائرة في مصر الأن هى فقط بين العسكر ودوائر انتفاعهم من جانب, والاخوان المسلمين أو حتى تيار الإسلام السياسي ومؤيديهم من القوى المختلفة من جانب آخر, فالمعركة تشغل حيزا أكبر بكثير من هذا التصور المتواضع سواء في ميادينها أو أسبابها أو أدواتها, فهى ميدانيا لا تستهدف مصر فقط, ولكنها تستهدف العالم بأسره, ولا تقصد تدمير الاسلام فقط, ولكنها تستهدف "الكتلة" أية كتلة في أي زمان أو مكان، وأسبابها ليس رفض الحكم الديني ولا العلماني ولا حتى العسكري، ولكن رفض حكم الشعب حينما يصبح "كتلة" واحدة ذات تأثير تمنع الاخرين من توجيهه وقيادته.
أما الأدوات فهي كل ما هو مزيف, من: دستور مزيف, مؤسسات مزيفة, نخب مزيفة, أحزاب مزيفة, مقدسات مزيفة, ولاءات مزيفة, بطولات مزيفة, أو بصيغة أخري هي الاعتماد على كل شيء يبدو أنه يقوم بمهمته وفي الواقع يقوم بعكسها, كالشرطة التي تروع الناس برغم أن مهمتها حفظ الأم , ومجلس شعب لم ينتخبه الشعب, بل اختير لمصادرة رأى هذا الشعب, وقضاء يفترض انه مؤسسة عدل لكنه جاء ليقنن الظلم, وصحافة تقوم بتسطيح وخداع الناس بدلا من إعلامهم بالحقيقة, وجمعيات خيرية أصل مهمتها مساعدة الفقراء لكنها تسرق ما يقدم لهم من الأخيار, ورجال دين من المفترض ترفعهم عن الدنايا وانشغالهم بالروحانية وتلمسهم الرحمة وحديثهم الحكمة والموعظة, فنراهم مجرمين سفهاء جهلاء حمقي لا يبغون إلا متاع الدنيا, وهكذا.
وما هى الكتلة؟
المقصود بالكتلة هنا: كل كيان بشري صلب أيما كانت هويته أو اعتقاده، لا سيما لو كان إسلاميا أو قوميا أو اشتراكيا, بالترتيب, وهي القوى الثلاثة الممنوعة من الحكم والسيطرة في أي بلد من بلدان العالم،لاسيما الإسلامي بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية سيدة هذا الكون
فما سمحت أمريكا بنجاح تجربة الإسلاميين في الجزائر ومن قبلها باكستان بل والصومال, وما سمحت بنجاح تجربة صدام حسين القومية في العراق ولا عبد الناصر في مصر, وما سمحت بنجاح تجربة المنصف المرزوقي الاشتراكي في تونس ولا حتى في الاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية في العقود الماضية, وذلك لأن ما يربط بين الثلاثة نماذج أنهم يملكون "الكتلة" التي تؤيدهم, ويتحدثون عن أيديولوجية فكرية متكاملة لها وجاهتها المنطقية ونسقها الفكري الرصين.
فأمريكا وهى في سبيلها لإخضاع العالم, لا يمكنها أن تنفذ ذلك إلا إذا فتتت جميع الروابط التي تجمع بين الخصوم وحتى الاصدقاء سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم دول , وجردت كل كيان وحدوي او "كتلوي" من أسباب تماسكه مهما صغر, لأنه من طبيعة الاشياء ان كل صغير سيكبر, ما يسهل لها جر الجميع في قاطرة واحدة هى تقودها ويستقلون هم "السبنسة".
لماذا تحارب الكتلة؟
الحقيقة أن الأمريكان يريدوننا عالما يتعايش في حالة سيولة, الإنسان فيه لا يمثل إلا نفسه, ولا يدافع إلا عن وجوده الشخصي فحسب. يريدوننا عالما خاليا من مطبات كتل الاتفاق التي تعترض طريق هيمنتها, ولذلك فالتيارات الإسلامية وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين تمثل كتلة اعتراض كبرى, والحركات القومية هى كتل اعتراض ولكنها أقل حجما, والحركات الاشتراكية هى أيضا كتلة اعتراض وإن صغرت نسبيا لكن صدى صوتها يرتفع عنهما.
يريدون عالمنا, عالماَ يقف على النقيض من عالمهم. عالما يتكيف مع الاستبداد ويبرره, ويتعايش مع الجهل ويتقن صناعته , ويجيد اختلاق الاختلاف فيما ينفع وايجاد عناصر الاتفاق حول ما يضر . عالما يقلد ولا يبدع, يعلى من شأن الحقراء ويسفه العلماء , تهان فيه الحرائر وتكرم فيه الراقصات.
هم يريدوننا مجتمعا بلا كتل , حتى لو كانت كتلة فاعلة للمثليين أو مشجعي الشطرنج, ولو كان الامر غير ذلك لوجدنا شيئا مختلفا في نوعية الصراع في امريكا اللاتينية أو العالم الشيوعي السابق المعروف بالكتلة الشرقية أو حتى حقبة العصر النازي والفاشي القومية.
الحرب المزدوجة
الحرب العالمية ضد الكتلة, إن جاز التعبير, هى في حد ذاتها حرب ضد التفكير, وذلك لأن الكتلة كثيرا ما ترافقها الفكرة, والفكرة تمثل تمردا على عقل آخر يريد أن يفكر لنا ويجعل من نفسه بديلا لنا عن عقلنا.
وفي مصر, تبدو صورة الحرب ضد التفكير أكثر وضوحا, فكل متفوق مهان فى عمله, لا سيما لو كان هذا المتفوق يشعر بأنه مواطن له حقوق كما عليه واجبات, أو يمتهن مهنة رأى كالصحفي الصادق الممنوع من الكتابة والمحامي الجريء المهدد بالحبس والفنان الذى يقدم فنا تنويريا ولكن لا يشاهده احد لأن أعماله لا تعرضها أية وسيلة نشر
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا
يُخطئ من يتصور ان المعركة الدائرة في مصر الأن هى فقط بين العسكر ودوائر انتفاعهم من جانب, والاخوان المسلمين أو حتى تيار الإسلام السياسي ومؤيديهم من القوى المختلفة من جانب آخر, فالمعركة تشغل حيزا أكبر بكثير من هذا التصور المتواضع سواء في ميادينها أو أسبابها أو أدواتها, فهى ميدانيا لا تستهدف مصر فقط, ولكنها تستهدف العالم بأسره, ولا تقصد تدمير الاسلام فقط, ولكنها تستهدف "الكتلة" أية كتلة في أي زمان أو مكان، وأسبابها ليس رفض الحكم الديني ولا العلماني ولا حتى العسكري، ولكن رفض حكم الشعب حينما يصبح "كتلة" واحدة ذات تأثير تمنع الاخرين من توجيهه وقيادته.
أما الأدوات فهي كل ما هو مزيف, من: دستور مزيف, مؤسسات مزيفة, نخب مزيفة, أحزاب مزيفة, مقدسات مزيفة, ولاءات مزيفة, بطولات مزيفة, أو بصيغة أخري هي الاعتماد على كل شيء يبدو أنه يقوم بمهمته وفي الواقع يقوم بعكسها, كالشرطة التي تروع الناس برغم أن مهمتها حفظ الأم , ومجلس شعب لم ينتخبه الشعب, بل اختير لمصادرة رأى هذا الشعب, وقضاء يفترض انه مؤسسة عدل لكنه جاء ليقنن الظلم, وصحافة تقوم بتسطيح وخداع الناس بدلا من إعلامهم بالحقيقة, وجمعيات خيرية أصل مهمتها مساعدة الفقراء لكنها تسرق ما يقدم لهم من الأخيار, ورجال دين من المفترض ترفعهم عن الدنايا وانشغالهم بالروحانية وتلمسهم الرحمة وحديثهم الحكمة والموعظة, فنراهم مجرمين سفهاء جهلاء حمقي لا يبغون إلا متاع الدنيا, وهكذا.
وما هى الكتلة؟
المقصود بالكتلة هنا: كل كيان بشري صلب أيما كانت هويته أو اعتقاده، لا سيما لو كان إسلاميا أو قوميا أو اشتراكيا, بالترتيب, وهي القوى الثلاثة الممنوعة من الحكم والسيطرة في أي بلد من بلدان العالم،لاسيما الإسلامي بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية سيدة هذا الكون
فما سمحت أمريكا بنجاح تجربة الإسلاميين في الجزائر ومن قبلها باكستان بل والصومال, وما سمحت بنجاح تجربة صدام حسين القومية في العراق ولا عبد الناصر في مصر, وما سمحت بنجاح تجربة المنصف المرزوقي الاشتراكي في تونس ولا حتى في الاتحاد السوفيتي وأمريكا اللاتينية في العقود الماضية, وذلك لأن ما يربط بين الثلاثة نماذج أنهم يملكون "الكتلة" التي تؤيدهم, ويتحدثون عن أيديولوجية فكرية متكاملة لها وجاهتها المنطقية ونسقها الفكري الرصين.
فأمريكا وهى في سبيلها لإخضاع العالم, لا يمكنها أن تنفذ ذلك إلا إذا فتتت جميع الروابط التي تجمع بين الخصوم وحتى الاصدقاء سواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم دول , وجردت كل كيان وحدوي او "كتلوي" من أسباب تماسكه مهما صغر, لأنه من طبيعة الاشياء ان كل صغير سيكبر, ما يسهل لها جر الجميع في قاطرة واحدة هى تقودها ويستقلون هم "السبنسة".
لماذا تحارب الكتلة؟
الحقيقة أن الأمريكان يريدوننا عالما يتعايش في حالة سيولة, الإنسان فيه لا يمثل إلا نفسه, ولا يدافع إلا عن وجوده الشخصي فحسب. يريدوننا عالما خاليا من مطبات كتل الاتفاق التي تعترض طريق هيمنتها, ولذلك فالتيارات الإسلامية وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين تمثل كتلة اعتراض كبرى, والحركات القومية هى كتل اعتراض ولكنها أقل حجما, والحركات الاشتراكية هى أيضا كتلة اعتراض وإن صغرت نسبيا لكن صدى صوتها يرتفع عنهما.
يريدون عالمنا, عالماَ يقف على النقيض من عالمهم. عالما يتكيف مع الاستبداد ويبرره, ويتعايش مع الجهل ويتقن صناعته , ويجيد اختلاق الاختلاف فيما ينفع وايجاد عناصر الاتفاق حول ما يضر . عالما يقلد ولا يبدع, يعلى من شأن الحقراء ويسفه العلماء , تهان فيه الحرائر وتكرم فيه الراقصات.
هم يريدوننا مجتمعا بلا كتل , حتى لو كانت كتلة فاعلة للمثليين أو مشجعي الشطرنج, ولو كان الامر غير ذلك لوجدنا شيئا مختلفا في نوعية الصراع في امريكا اللاتينية أو العالم الشيوعي السابق المعروف بالكتلة الشرقية أو حتى حقبة العصر النازي والفاشي القومية.
الحرب المزدوجة
الحرب العالمية ضد الكتلة, إن جاز التعبير, هى في حد ذاتها حرب ضد التفكير, وذلك لأن الكتلة كثيرا ما ترافقها الفكرة, والفكرة تمثل تمردا على عقل آخر يريد أن يفكر لنا ويجعل من نفسه بديلا لنا عن عقلنا.
وفي مصر, تبدو صورة الحرب ضد التفكير أكثر وضوحا, فكل متفوق مهان فى عمله, لا سيما لو كان هذا المتفوق يشعر بأنه مواطن له حقوق كما عليه واجبات, أو يمتهن مهنة رأى كالصحفي الصادق الممنوع من الكتابة والمحامي الجريء المهدد بالحبس والفنان الذى يقدم فنا تنويريا ولكن لا يشاهده احد لأن أعماله لا تعرضها أية وسيلة نشر
لقراءة المقال على الجزيرة مباشر انقر هنا