الخميس 25 أبريل 2019 15:22
استمر حراك السودانيون أكثر من ثلاثة أشهر لم يستطع أن يؤثر في السلطة بأي شكل كان ، ولما أوشك هذا الحراك أن يخمد ، جاءت دعوة زعيم حزب الأمة السوداني صادق المهدي وهو حزب إسلامي صوفي للجماهير بالنزول في 6 ابريل الماضي فانتقل الحراك من الموات إلي الحياة النابضة بالحركة والثورة ، وما هي إلا أيام حتى تم اقتلاع البشير في انقلاب عسكري ، ليذوق الرجل من نفس الكأس الذي أذاق منه المهدي والترابي.
نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما يحدث في السودان، ولكننا نتحدث عن النشاط السياسي للحركة الصوفية والتي من المفترض فيها الزهد وترك ما لقيصر لقيصر لتتفرغ هي للاتصال والوصل بالله تعالى، مع أن من حقها الإنساني أيضا ممارسة العمل السياسي لا شك.
الصوفية والثورة المضادة
الحركة الصوفية كانت واحدة من أهم العناصر التي حرص مدبرو الثورة المضادة في مصر على جرها بقوة في المعترك السياسي بعد ثورة يناير والعمل على كسب ودها لغرض في نفس يعقوب، تارة عبر اختلاق دعايات إعلامية بأن هناك سلفيين متشددين يعتزمون هدم الأضرحة، هنا تسرع قوات من الجيش والشرطة بحماية الأضرحة فيطمئن قلب الصوفيين، مع أنه بقليل من التمحيص ستكتشف أن من أطلق تلك الدعايات هي أبواق الثورة المضادة ومن استخدموهم للترهيب كـ "حزب النور" هم حاليا من أنصار الثورة المضادة.
وتارة عبر جر التيارات الإسلامية الأخرى إعلاميا للطعن في صحة وجود كرامات لأولياء الله وزيارة القبور والصلاة في المساجد ذات الأضرحة وغيرها من الأمور العقائدية التي لا يصح مناقشتها في غير الإعلام المتخصص، فضلا عن إثارة فتنة انتشار التشيع في مصر والتي نجم عن اغتيال أسرة شيعية في بني سويف، والمطالبة بإغلاق مسجد الحسين بسبب "تسلل" الشيعة إليه واكسائه بكسوة شيعية.!!
وبالطبع ازدادت تلك القلاقل المفتعلة مع تولي الدكتور محمد مرسي الحكم، حتى بدا دعم الصوفيين للانقلاب واضحا وصاروا يخرجون في تظاهرات مناوئة له كأي حركة سياسية، المهم أنه بعد الانقلاب حرص السيسي بشدة على زيارة مشايخ الطرق الصوفية كل عام والتقرب منهم، حتى وجدنا منهم من يعتبر أن قتل معارضي السيسي أو معارضي الانقلاب عملا محببا لله، ووجدنا من يصف السيسي ووزير داخليته محمد إبراهيم بأنهما رسولان من رسل الله.
حيرة واندهاش
في الحقيقة أنا محتار بشدة من توجهات الحركة الصوفية المصرية التي أنتمي إليها قلبا وروحا والتي تقدر بنحو 77 طريقة صوفية، تتفرع إلى ٦ طرق رئيسة هي: "الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية ، البدوية، العزمية ، القادرية "وأحتاج أن أعرف معايير العدالة والظلم فيها ، ومواصفات من يحبونه ومن يكرهونه ، فلو كان معيارهم مدى الالتزام بحب الله ورسوله، فهم ساندوا الاحتلال الإنجليزي في مصر وهو شجعهم على فتح الزوايا والتكايا وحماية مهرجاناتهم بل وعمدوا إلى نشر التصوف في كل بقاع القارة السمراء، ولو كانوا يؤيدون السلطة على طول الخط فلماذا وقفوا ضد مرسي وكان رئيسا للبلاد ومن قبله اللواء محمد نجيب وكان رئيسا للبلاد وصاحب سلطة وهو أعلى الرتب العسكرية بين إقرانه من "الضباط الأحرار" .
ولو كان الأمر بالزهد والعزوف عن الدنيا فلماذا انخرطوا في دعم كل حركات الجيش وانقلاباته؟ بدءا من انقلاب 1952 الذي سموه ثورة مباركة واعتبروا أن عبد الناصر مثلهم الأعلى، وأيدوا السادات الذي كان يحرص على حضور كل احتفالاتهم بنفسه وأصدر لهم مجلة "التصوف" عام 1979 كما ناصروا اتفاقية كامب ديفيد المشبوهة رغم الإجماع الوطني المصري والعربي والإسلامي على رفضها، وكما فعل السادات فعل مبارك وتقرب منهم بشدة.
وما أن أعلن عبد الفتاح السيسي ترشحه لرئاسة الجمهورية حتى اتجه الصوفيون نحو تأييده بشكل مفرط بزعم أنه "صوفي" وذلك وفقًا لتصريح "زين العابدين فهمي سلامة" خليفة خلفاء الطرق الرفاعية الذي قال نصًا "السيسى محب للطرق الصوفية لأنه صوفي الأصل".
يأتي ذلك رغم الفارق الكبير الواضح للعيان بين ممارسات الصوفية الداعية للزهد والورع والرحمة، وبين تصرفات السلطة السياسية التي يقودها السيسي وما تذيقه للشعب من مذلة وهوان.
قوة الصوفية
إن أشد ما يدهشني فعلا هو أن المتأمل للمشهد السياسي العالمي على مر التاريخ يؤكد أن إي نظام سياسي يتقرب للصوفية ينجح في نيل مراده بدءا من الدولة العثمانية التي دامت نحو ستة قرون، نهاية بالحركات السياسية العلمانية والشيوعية والقومية المناوئة لمبارك ومهدت لثورة يناير، والتي كانت تقوم بالتوجه بمسيرات إلى مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة ومسجد الإمام الحسين لممارسة عملية "تقليب الحصر" كدلالة لجلب النقمة على مبارك ورفضهم له.
ويجدر الإشارة إلى أن معظم كبار رؤساء قطاعات الحكم في الدولة المصرية هم من المنتسبين للحركة الصوفية، قضاة، مستشارين، جنرالات، إعلاميين، جهات تنفيذية وغيرها.
الكثيرون من المتصوفة يعزون سبب قوة الصوفية إلى "الميتافيزيقا" وأنها تدير حكومة "روحية" قوية لا نراها فيما يسمونه بـ "الحكومة الخفية لآل البيت" في البلدان المسلمة، وأن تلك الحكومة تدين لها بالخضوع الحكومات التي نعرفها.
يبدو الأمر غير منطقي ولكن هل من تفسير أخر؟