الزميل وائل الدحدوح وكريمته اليوم في مشهد مؤثر (الفرنسية)
كأن إسرائيل أرادت أن تجعل من مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح نموذجًا مصغرًا لإجرامها وعدم اكتراثها لا بقوانين المجتمع الدولي ولا حتى بقوانين البشر، وكأنها حينما أعلنت حربها الوحشية على غزة كانت تقصده هو وأسرته، وكل مكان دبت فيه قدمه وله فيه ذكريات، وكذلك القناة الفضائية التي يعمل فيها.
فبعدما استهدفت صواريخها زوجته وابنه وابنته وحفيده وعددًا من أقاربه وجيرانه وأصدقائه منذ أشهر قليلة، عادت لتقتل من تبقى من أسرته حيًا فاستهدفت ابنه الصحفي حمزة ليرتقي شهيدًا هو الآخر.
أما وائل الدحدوح فغالب جراح روحه التي عاناها في “الفَقد” الأول على حملها الثقيل وظل رافعًا رأسه، وكأنه يغالب “فقدًا” آخر أكبر فداحة عانته أمته العربية والإسلامية من نقص في العزة والكرامة والنخوة، ليحسده بذلك الحاسدون على تلك البسالة التي لا يمكن أن تتوافر في بشر إلا في الأساطير.
جريمة قتل الصحفيين حمزة الدحدوح ورفيقه مصطفى ثريا ليست من جرائم القتل العشوائية التي دأبت إسرائيل على ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني طوال تاريخها فحسب، ولكنها على الأرجح هي حادثة متعمدة في محاولة لعقاب الأصوات الصادحة بالحقيقة التي تأتي في القلب منها قناة الجزيرة، ليرتفع عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل نحو 109 صحفيين في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
والمتابع لـ”قناة الجزيرة” في هذا العدوان وما سبقه من حروب سيكتشف منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحًا لجرائم الكيان الصهيوني، وأنها استطاعت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” كشف الحقيقة لمئات الملايين حول العالم، وبالتالي فإنها لهذا السبب صارت هي القناة التي يحرص الاحتلال دومًا على تحييدها، ومثلت حجر عثرة يمنع تحقيق طموحاته الدموية في الظلام.
تجربة شيرين أبو عاقلة
ولا شك أن الجريمة البشعة هي استمرار لسياسة تكميم الأفواه التي اتبعتها إسرائيل منذ عام 2000 وما قبلها، وكانت أبرز ملامحها اغتيالها عن عمد الراحلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة منتصف العام قبل الماضي، وهي الجريمة التي قلنا وقتها إنها متعمدة وتعطي إشارة لسوء نية بيتتها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في هذه المنطقة، وكانت بحاجة لإخراس الأصوات وتغمية العيون الناقلة لحقيقة ما سترتكبه فيها من مجازر مستقبلًا.
وأثبتت الأحداث أنه عقب الجريمة مباشرة تصاعدت حدة الاقتحامات وأعمال الهدم والقتل طيلة العام عن سابقه بشكل ملحوظ، حيث كان عدد شهداء الضفة قرابة 100 شهيد عام 2021، ثم قفز هذا الرقم عام 2022 ليصل إلى 171 شهيدًا، وانتهى عام 2023 وما زال عدد الصحفيين الشهداء غير معروف، ولكن جهات رصد متنوعة تتوقع أن يقترب من رقم 200 في غزة والضفة.
فيما ابتدعت إسرائيل أسلوبًا آخر لتكميم الأفواه وترهيب ناقلي الحقيقة، وهو استهدافها أسر الصحفيين بالقتل والاعتقال، قاصدة بذلك تجنب الانتقادات الدولية التي تطلقها الجهات المختصة بالصحفيين على ما فيها من هشاشة وضعف.
فوق القانون
ومن المؤلم حقًا أن جرائم إسرائيل لا تحاسب عليها أبدًا، وكما مرت جريمة شيرين أبو عاقلة دون عقاب ستمر جريمة اغتيال أسرة الدحدوح ومعهم آلاف الشهداء من الأبرياء في غزة أيضًا، بعدما صار إفلات إسرائيل من العقاب أمرًا بديهيًا يعرفه الجميع، عرب وعجم.
ومع هذا الجنون الغربي الذي يصعد بالإسرائيلي لمرتبة ما فوق البشر، ويصدر له قوانين تجرم إنكار “الهولوكوست” الذي يقول إن اليهود تعرضوا له على يد هتلر، ويجرم معاداة “السامية” ويخص بها الصهاينة فقط مع أن العرب أيضًا من هذا الجنس نفسه بوصفهم أحفاد لسام بن نوح، إزاء كل ذلك فلن يكون غريبًا إذا قامت الدول الغربية بإصدار القوانين التي تسمو بالمواطن الإسرائيلي عن نظيره العربي في القيمة.
تضامن صحفي
يستطيع الصحفيون العرب إبداء فزعهم لما جرى لأسرة زميلهم وائل الدحدوح عبر تنظيم عديد المظاهرات والندوات بخصوص الجريمة، ومخاطبة الجهات الدولية والعاملة في الحقل الصحفي للعمل على معاقبة إسرائيل على جرائمها.
كما يستطيعون التناول المباشر في أعمالهم للصعوبات التي يواجهها الإعلاميون في غزة والضفة، والاستهدافات التي تلحق بهم وبأسرهم جراء مزاولة عملهم، وتشجيع العاملين في المواقع والصحف الغربية على الاحتجاج والإضراب عن العمل بها ما لم تتعامل إداراتها التحريرية مع تقاريرهم التي يقدمونها بشيء من الاحترام والموضوعية، وأن تتوخى مواقعهم نشر الحقيقة وليس ما تريد الإدارة أن تنشره في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي.
………..
أعانك الله أخي وائل الدحدوح، فحملك وحمل أمتنا ثقيل.
اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر