أرسل الشعب الباكستاني من خلال تصويته لمرشحي حركة الإنصاف في الانتخاب الاتحادية العامة برسالة قوية إلى السلطات العسكرية المتحكمة خلف “الكواليس” بأنه لا سلطة فوق سلطة الشعب الذي حطم العراقيل، واختار من يمثله نيابيًا دون وصاية من يمكن أن نسميهم “المستبدين الشرعيين”.
الثلاثاء، 13 فبراير 2024
سيد أمين يكتب: انتخابات باكستان.. إما اضطرابات أو استقرار
الثلاثاء، 6 فبراير 2024
سيد أمين يكتب : في باكستان.. انتخابات تفتقد الزخم الشعبي
4/2/2024
ستجري في الثامن من فبراير/شباط الجاري الانتخابات العامة في باكستان وسط حالة غير مسبوقة من الشعور بالغبن والظلم تعم الشارع، بعد تغييب مشاركة رئيس الوزراء السابق عمران خان عن الترشح بها، بزعم صدور أحكام قضائية ضده يدرك أغلب الباكستانيين أنها مسيسة.
ومن ضمن 200 دعوى قضائية ضد عمران خان، صدرت ثلاثة أحكام ابتدائية ضده، أحدها في أغسطس/آب الماضي بسجنه ثلاث سنوات بتهمة بيع هدايا عبارة عن ساعات ثمينة بقيمة 650 ألف دولار قُدمت له أثناء توليه منصبه من 2018 إلى 2022، وحكم نهاية الشهر الماضي بسجنه 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، و14 عاما على زوجته بشرى خان بتهمة بيع هدايا الدولة بشكل غير قانوني، وحُكم في مطلع هذا الأسبوع بسجنه وزوجته سبع سنوات بتهمة الزواج غير القانوني!!
عمران خان الذي أطيح به في ما يشبه المسرحية عبر تصويت برلماني مفاجئ بسحب الثقة من حكومته في مايو/أيار 2022، استغلالا لغياب عدد كبير من مجموعته البرلمانية عن الحضور، وبعد أسبوع واحد من تصويت البرلمان نفسه لتمديد الثقة بها، يُنظر إليه ولحركة الإنصاف التي أسسها من قبل قطاع واسع من المجتمع ولا سيما الشباب بأنه رئيس وزراء خارق للعادة يرغب في نقل باكستان نقلة ثورية من التبعية لأمريكا ومعسكرها الغربي، لتقترب أكثر إلى روسيا والصين وتركيا وإيران والجنوب العربي، ورغبته في تطهير مؤسسات الدولة من الفساد، والحد من سيطرة الجيش على أدوات الحكم، والانفتاح بشكل أكبر على طالبان الأفغانية.
ولذلك فهناك إدراك عام داخل باكستان وخارجها أن كل ما يجري لعمران خان وحركته مجرد مؤامرة رسمتها أمريكا، ونفذها الجيش من أجل الحفاظ على الوضع التقليدي لهذه الدولة النووية التي يراد لها أن تمكث في الحظيرة الأمريكية، وأن تظل في حالة اقتصادية سيئة تجعلها في حاجة ملحة دائمة للدعم الغربي، وفي فساد داخلي يبقيها تدار من أحزاب الأقلية، ويمنع الكتلة الشعبية الكبيرة مثل “حركة الإنصاف” من الوصول إلى الحكم مجددا.
ولقد اعترف خان نفسه أثناء فترة حكمه بتلقيه تهديدات أمريكية بالإطاحة به من الحكم جرّاء تلك السياسات.
قمع حركة الإنصاف
والدليل على أن الاستهداف يطول حركة الإنصاف بما تملكه من شعبية جارفة، أن الحكم الذي منع زعيمها من المشاركة في الانتخابات، وتأكد هذا المنع بعد قيامه بتقديم أوراق ترشحه في دائرتين في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وتم رفضها بزعم عدم وجود اسمه على قوائم الناخبين المسجلين وصدور أحكام بإدانته، رغم كل ذلك فإن حالة القمع طالت معه حركته أيضا، فتحدث العديد من مرشحيها عن تلقيهم تهديدات بالقتل منعت العديد منهم عن الترشح، في حين رفضت لجنة الانتخابات تسلُّم أوراق العشرات منهم بحجج متنوعة.
وبعد عدم تمكن السلطة من حظر الحركة قانونا بسبب مشروعية فعاليتها المليونية العام الماضي التي نظروا إليها بوصفها استعراضا للعضلات، طال القمع فرض السلطات حظرا غير معلن على كل تجمعاتها وندواتها، مع رقابة مشددة على قيادتها وزعاماتها المحلية، واعتقالات كثيفة لعشرات الآلاف من ناشطيها وشبابها بحجج متنوعة، مع منع ملصقاتها وشعاراتها.
يأتي هذا الحصار الواسع النطاق ضد “الإنصاف” بعد إجراءات سابقة سعت لتفجيرها من الداخل عبر الإيعاز لأعضاء كبار فيها منتصف العام الماضي ليؤسسوا حزب “الديمقراطيون” كي يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم السياسية، وتردد حينئذ أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز علنا إلى رئيس البرلمان السابق القيادي في الحركة الذي اعتُقل مع عشرات القياديين الآخرين بالاستقالة منها مقابل الإفراج عنه حينما قال له علنا “اعقد مؤتمرا صحفيا، وأنهِ الأمر”.
ولقد شملت الحملة ضد الحركة رمزها الانتخابي الذي احتفظت به منذ تأسيسها وهو “مضرب الكريكت” الذي يشير إلى اللعبة التي هي مصدر نجومية مؤسسها عمران خان بصفته واحدا من أبرز لاعبيها في العالم، حيث نُزع الرمز منها ومُنحت “الزجاجة” بدلا منه، وخطورة الأمر أن هناك قطاعات واسعة من الشعب الباكستاني تعاني الأمية بسبب الحكم العسكري، وقد لا يدركون هذا التغيير فلا يصوتون للزجاجة بما فيها من إيحاء بالخمر، خاصة مع حرمان الحركة من كل وسائل الإعلام والدعاية.
سيف القضاء
هذه ليست المرة الأولى التي يُسلَّط فيها القضاء على رقاب السياسيين في باكستان ولا سيما رؤساء الوزراء الخارجين عن السيطرة، إذ لم يسلم منه شخص بقدر وقيمة عبد القدير خان -أبو القنبلة النووية الباكستانية- الذي وُضع رهن الإقامة الجبرية لمدة 5 سنوات، وكذلك رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار صناعة القنبلة النووية الذي تعرّض لانقلاب عسكري وسُجن بل وأُعدم، وابنته بينظير بوتو أيضا، وكذلك نواز شريف الذي حُبس 10 أشهر قبل الإفراج عنه لأسباب طبية، وذهب إلى لندن لتلقي العلاج ثم عاد ليس لينافس عمران خان على المنصب مجددا، بل ليجده خارج المشهد تماما.
الكثيرون يرددون في باكستان أن شريف حصل على الإجازة الغربية لتوليه المنصب مجددا أثناء فترة مكوثه في لندن، وبالتالي تمكن من عقد صفقة مع قيادات الجيش على العودة إلى الحكم مقابل الرضوخ التام لما يُملى عليه، وقاموا بتهيئة المسرح له تماما عبر تغييب أبرز وأخطر منافسيه عمران خان.
ودللوا على أن علامات الرضا عن شريف تظهر جليا في السماح له ولحزبه بممارسة الدعايات بكل أريحية، بل وتركه للترشح أساسا رغم صدور حكم محكمة سابق ضده، في حين مُنع عمران خان من الترشح قضائيا، وخُنقت حركة الإنصاف بجميع السبل.
باكستان في انتظار المزيد من الاضطرابات، والانتخابات بدلا من أن تطفئ النار ستصب الزيت عليها.
https://bit.ly/3uraHDW
الخميس، 1 فبراير 2024
سيد أمين يكتب: الضربات الإيرانية الباكستانية.. مصلحة مشتركة
الدهشة تتركز تحديدًا في تلك الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت مقرات لمنظمات انفصالية في باكستان، وهي الدولة النووية التي لا تقع داخل دائرة تأثيرها الثقافي والسياسي والعسكري كما هو الحال في سوريا والعراق، وتمتد الدهشة أيضًا إلى التوقيت الذي اختارته لتنفيذها خاصة مع تعمق العدوان الصهيوني الوحشي على غزة، وما ترتب عليه من تصاعد الصدام بين حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثية والمقاومة الإسلامية في العراق وبين هذا الكيان، وهو ما يحتم على إيران معه عدم فتح جبهات نزاع فرعية جديدة تشغلها عن تلك المعركة المصيرية، بما يحمله ذلك من تحجيم للتعاطف الكبير التي نالته مواقفها، ويشتت وحدة الإجماع الإسلامي حول محور المقاومة.
لكن مع تقريب العدسات سنرى أن الهجمات لا تشذ بعيدًا عن هوى الحكومة الباكستانية أيضًا، خاصة أن “جيش العدل” الذي استهدفته إيران هو في الأساس ضمن ميليشيات عدة طائفية وانفصالية تدعو إلى انفصال قبائل البلوش التي تمتد عبر شطري إقليم بلوشستان في الدولتين، وكثيرًا ما حاربها الجيشان الباكستاني والإيراني كل في أراضيه، وأحيانًا بتنسيق مشترك بينهما، ولطالما نفّذت هذه الميليشيات التي تضم أيضًا “جيش تحرير بلوشستان” وحركة “أنصار الفرقان” “وجند الله” عمليات في البلدين على حد سواء، وضد التجمعات الشيعية والصوفية.
ولعل الإدانة الباهتة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الباكستانية كانت في الأصل تتضمن القبول بها حينما ركزت على إبراز ضعف تأثيرها، وقالت إنها تسببت في مقتل طفلين وإصابة ثلاث فتيات، وذرت الرماد في العيون الأمريكية الراصدة حينما قالت “إنها تدين بشدة هذا الهجوم وإن انتهاك سيادة باكستان أمر غير مقبول على الإطلاق، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة”، ولعل الرد الباكستاني الذي استهدف مجموعات انفصالية في محافظتي سيستان وبلوشستان الإيرانيتين هو الآخر لا يوجع إيران كذلك، بل إنه يصب في المصلحة المشتركة ذاتها.
مصلحة أمريكية
وتتسبب الجماعات الانفصالية والطائفية الناشطة في محافظتي بلوشستان وسيستان الإيرانيتين في نزيف متكرر للدماء بين الحين والآخر في مناسبات دينية وسياسية متنوعة من خلال اتباعها أسلوب الاغتيالات والتفجيرات المباغتة.
وتتهم طهران كلًا من أمريكا وإسرائيل بدعم هذه الجماعات بغية زعزعة تماسكها الداخلي وكسر نفوذها الخارجي، ولذلك ربطت بين التفجيرين المتعاقبين اللذين استهدفا زوارًا لمرقد قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني الأسبوع قبل الماضي وبين تلك الجماعات، وبالتالي نسبت الأمر برمته لإسرائيل خاصة مع التصعيد بين البلدين بسبب العدوان على غزة ومضاعفاته.
ويعزز ذلك الاحتمال أن الهجمات الإيرانية على بلوشستان الباكستانية ترافقت مع هجمات أخرى على ما قالت إنه معقل للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل الكردية في العراق.
وهناك سجل طويل لعمليات تلك الجماعات الانفصالية في البلدين يلاحظ فيه بجلاء نشاطها في الأوقات التي تشهد توترات إقليمية، أو وجود حاجة غربية لممارسة الضغط السياسي على طهران، أو حتى إسلام أباد.
طريق الحرير
أما إذا تعلق الحديث بالاقتصاد فإن ما يجمع باكستان وإيران أكبر بكثير مما يفرق بينهما، ولعل المشروع الصيني العملاق “الحزام والطريق” الذي يمر عبر إقليم بلوشستان الذي يمتد بين الدولتين لهو أكبر دليل على صحة هذه الرؤية، فقد ألقى بطوق النجاة لإيران للخروج من الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها أمريكا والدول الغربية، وحسّن من علاقتها مع الصين لدرجة جعلت منها المستورد الكبير لنفطها بما قيمته 400 ألف برميل يوميًا.
ومنذ أن أقرت الصين خطة هذا المشروع الذي يهدف إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات، ومد آلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة وأنابيب الغاز والطاقة رحبت به إيران بشدة، وحلمت باستعادة مجد طريق الحرير الذي تمر أجزاء منه عبر أراضيها خاصة في بلوشستان -محط العمليات الإرهابية- ليصل بحر الصين بأوروبا وإفريقيا، ومع ذلك ما زالت كثير من البلدان تراودها المخاوف من الانضمام الإيراني لهذا المشروع، وما قد يستتبعه من تعقب أمريكي.
فيما تتجاوز المكاسب الباكستانية المباشرة من المشروع الصيني 64 مليار دولار، فضلًا عن أنه يمكنها من الاستفادة القصوى من الثروات المعدنية التي يتمتع بها إقليم بلوشستان، ونظرًا لأهمية المشروع لاستقلالها نجد هناك تصريحًا لمساعد رئيس الوزراء الأسبق عمران خان يؤكد فيه أن الولايات المتحدة وبدعم هندي تسعى لإفشاله.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمشروع أعدته الصين، فماذا لو اجتمعت معها باكستان النووية، واجتمعت معهما ثالثة الأثافي إيران المارقة عن الحظيرة الأمريكية، وكان مركز كل هذا التجمع “بلوشستان”؟
التعاون الاقتصادي
بقدر حاجة إيران إلى فتح أسواق تتحدى الحظر الغربي المفروض على منتجاتها عامة والنفطية خاصة التي تمتلك وحدها نحو 10% من احتياطاتها المؤكدة في العالم، فإن باكستان هي الأخرى بحاجة ماسة للنفط الإيراني، وقد حدث عام 2010 أن وقّع البلدان “مشروع السلام” لتوصيل الغاز الإيراني إلى باكستان، لكن إسلام أباد تراجعت بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، فضلًا عن اضطرابات إقليم بلوشستان في البلدين.
وسعت باكستان أثناء فترة حكم رئيس الوزراء عمران خان إلى العودة لتنفيذ هذا الاتفاق، ووقّعت صفقات عدة لتزويدها بالطاقة بنظام الصفقات الآجلة، وهي الطريقة التي تناسب حالة البلاد الاقتصادية المتردية، وظل الأمر قائمًا إلى الآن وسط مخاوف من أن تنجح الضغوط الأمريكية المتوقعة للعصف بهذا التكامل البناء.
وبعد ذلك التكامل كله بات واضحًا أن أي تصعيد بين البلدين مستقبلًا سيكون قطعًا استجابة لضغوط أمريكية وإسرائيلية.
https://bit.ly/3HCKVQi