السبت، 31 أغسطس 2024

حروب الذباب الإلكتروني ضد جبهة الإسناد .. بقلم سيد أمين

 

مع كل ارتفاع في إخفاق أو نجاح أو نبرة تحدٍّ يبديها ما يعرف بدول الممانعة ضد الصلف الصهيوني، يتزايد بشكل تلقائي حضور الحسابات المنتقدة والمهاجمة لهذه الدول على مواقع التواصل، يهاجمون نجاحها إذا نجحت ويحملونها المسؤولية عن كل إخفاق، حدث ذلك في الرد الإيراني في مايو/أيار الماضي، وفي اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أراضيها، وحتى في عملية الأربعين التي أطلقها حزب الله مؤخرا ردا على اغتيال  إسرائيل القيادي الكبير في الحزب الشهيد فؤاد شكر، التي يصفونها بأنها هزلية، رغم أنه لا أحد غير هذا الحزب يقاوم من الخارج منذ عشرة أشهر متواصلة.

فحينما حدثت واقعة اغتيال هنية، لجأت تلك الحسابات المشبوهة التي اعتادت أن تظل خاملة لفترات وتنشط بشكل متزامن إلى تقاسم الأدوار، فمنها من هاجم إيران بوصفها “خانت” المقاومة الفلسطينية ودبرت أو ساعدت أو أغفلت تأمين الشهيد الكبير، ومنها من راح يهاجم الشهيد مطلقا عليه وسومات شهيد الفنادق ووصمه بالاتجار بادعاء المقاومة، ومنها من هاجم حماس متهما إياها بالتسبب في كل المشهد الذي يحدث في غزة.

مع أنك لو بحثت في المنشورات القديمة لتلك الحسابات؛ لوجدت الواحد منها أدى جميع تلك الأدوار مجتمعة، فهاجم إيران لأنها لا تدعم المقاومة الفلسطينية، وهاجم المقاومة الفلسطينية لأنها قبلت دعم ايران، وهاجمها من قبل بأنها لا تقاوم، كما يهاجمها الآن لكونها تقاوم، ويعمل جاهدا طوال الوقت لاستثارة روح المذهبية والفرقة، في حين لا يتوقف نزيف جنائز المسلمين سنتهم وشيعتهم من دون تفريق على خطوط التماس مع العدو.

ولعلنا لا نحتاج إلى بذل أي جهد للتيقن بأن من يشملهم الهجوم هم أنفسهم بل ووحدهم من يحملون لواء المقاومة ضد إسرائيل، وأن المهاجمين يسعون خلف غرض خبيث يهدف لفتق الالتئام العزيز الذي خاطه طوفان الأقصى، وانتقلت بعده المقاومة العربية من وحدة الساحات إلى وحدة الحواضن الشعبية، وكان ذلك من أعظم انتصاراتها على الإطلاق.

منطق بلا منطق

ولأن منطق هذا الحسابات الخبيثة هو منطق فاقد للمنطق أصلًا، فهو لا ينطلي إلا على سفهاء القوم والمنزوعي العقول، فلا مصلحة إطلاقا لإيران في أن يصيب ضيوفها السوء ولا سيما إذا كانوا شركاء الخندق والعدو والهدف والمصير الواحد، وكانت إهانتها هي الهدف الرئيسي للعدو من المساس بالرجل في أراضيها، أكثر من مكاسبه من التخلص من قيادي سياسي في حركة يعاديها، يعلم يقينا أن الحركة ستنصب بديلا عنه في ساعات.

أما من هاجموا الرجل بوصفه شهيد الفنادق فهو في الواقع قول لا يؤيده أي دليل، سوى كون الشهيد سياسيا ولسان حال حركة مقاومة محاصرة تناصبها العديد من أجهزة مخابرات الغرب والشرق العداء، ويلتقي بالعديد من المسؤولين في العالم للتعبير عن مواقف الحركة والشعب الفلسطيني، وهو بحاجة إلى تأمين أكبر، فضلا عن أنه قد استشهد 60 فردا من عائلته بينهم أولاده وأحفاده وأشقاؤه وأصدقاؤه وجيرانه، وليس بعد ذلك بينة تكذب هذا الادعاء.

وبخصوص هؤلاء الذين يهاجمون الحركة لكونها قاومت وتسببت فيما يحدث في غزة الآن، فيكفي أن نعرف أنهم هم أنفسهم من كانوا يهاجمونها في أوقات السكينة والاستعداد بزعم أنها لا تقاوم وترفض التضحية بالكراسي والمناصب.

وحدة الذباب الإلكتروني

وكما يحاربون المقاومة العربية كافة، تستطيع أن تلمس فيهم وحدتهم على ذات الأهداف رغم تنوع أقطارهم وهو ما تتبينه من تنوع أساليبهم ومنطلقاتهم الدعائية، كما أنهم يلدّون في العداء لكل من تعاديهم إسرائيل، ولا ينتقدونها إلا بخجل إن أُجبروا على ذلك.

واللافت فيهم تناغمهم التام مع نظم حكم مرتمية كليا في جوف الدفء الكاذب لأحضان الكيان الصهيوني، ومع ذلك لا يجرؤون على انتقادها ولو بحرف واحد مما يطلقونه ضد الأيادي المثابرة الكريمة التي امتدت لمسح العار الكبير الذي سيسجله التاريخ لمتخاذلي تلك الحقبة.

وفاتهم وهم الذين لا يعنيهم في الأساس لا الإسلام ولا مذاهبه، أن ما يجمع بين سنتنا وشيعتنا أكبر بعشرات المرات مما يفرق بينهم، وأن الاختلافات يأتي أغلبها في القشور التي لا تمس صلب العقيدة، بخلاف وحدة المظلومية، ووحدة الهدف والثقافة والنسب، وبالمطلق فإن الإسلام أباح التحالف مع الكافر في وقت الحرب ضد العدو الكافر المشترك.

وحدة المقاومة

وفي المقابل تجذرت في يقين قادة المقاومة العربية البطلة خطورة الانجرار وراء أزمات الذباب الإلكتروني المصطنعة، والإيمان بأنه لا مجال لانتصار أمة الإسلام من دون توحيد جبهاتها، وهو ما دفع الجماعة الإسلامية التي كانت ضمن تحالف “14 آذار” المعارض لحزب الله في لبنان إلى أن تخطو خطوات واسعة للاقتراب منه، مشكلة معه “جبهة مساندة غزة”، وقد تعددت لقاءات أمينها العام الدكتور محمد طقوش بأمين حزب الله السيد حسن نصر الله.

وكانت صلاة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على جنازة الشهيد إسماعيل هنية وخلفه الآلاف من المشيعين “الشيعة”، وإطلاق اسم الفقيد على أهم شوارع طهران، إعلانًا صريحًا لفشل كافة محاولات فتق الالتئام بين جبهات المقاومة الإسلامية وحواضنها الشعبية، وأن العودة إلى التعصبات الطائفية سياسة عفى عليها الزمن.

لقد كان الواقفون على الثغور أكثر نضجا وحكمة ومسؤولية من الجالسين الذين يواصلون التنظير أمام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي حينما بادروا إلى توحيد الساحات، ولسان حالهم يقول إن الغرب المسيحي بمذاهبه الشاسعة الاختلاف، نحَّوْا اختلافاتهم جانبا واتفقوا جميعا على هزيمة المقاومة، لا لشيء إلا لطبيعتها الإسلامية، ولم يفرقوا حينئذ بين سنة وشيعة، ألا يحق لنا أن نتّحد نحن أيضا؟

المصدر : الجزبرة مباشر

اقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4g7OC0o

الاثنين، 26 أغسطس 2024

ثغرة “كورسك”.. احتمالات النجاح والفشل في الحرب الروسية الأوكرانية! بقلم: سيد أمين

 

أرسى علم الواقعية السياسية التي أسس لها “ميكافيلي” في كتابه الأشهر “الأمير” قاعدة عسكرية هامة مفادها أن الكسب السريع لكثير من الأرض في الحروب يعني أيضا الفقد السريع لهذه الأرض بذات السرعة، وذلك لأن المقاتلين هنا لا يتشبثون بالأرض، بل يسيطرون عليها فقط.

ومن خلال تطبيق هذه القاعدة الخالدة التي ثبت صحتها في معظم حروب العالم، نستطيع أن نتوقع أن ما حدث في الأيام القلية الماضية من الاجتياح الأوكراني السريع بعمق 22 ميلًا في مقاطعة كورسك الروسية في السادس من أغسطس/آب الجاري والاستيلاء على نحو ألف كيلومتر مربع موزعة على عشرات القرى الصغيرة، ما هو إلا مجرد زوبعة في فنجان.

وتوافرت أسباب الردع طبقا للنظرية الميكافيلية حيث إن الجيش الأوكراني هرول في مناطق متفرقة في المقاطعة وتمدد فيها بشكل هشّ، من دون القدرة على تأمين مناطق وجوده، فضلا عن عجزه عن تأمين موطئ قدم خطوته القادمة أو السابقة، وفقدانه أيضا القدرة على الثبات تحت وقع الضربات الجوية الروسية.

كما تتزايد التكهنات بقيام الروس بإعداد خطة سريعة لردم تلك الثغرة التي تشبه إلى حدّ بعيد “ثغرة الدفرسوار” في حرب 1973 المصرية، تقضي بتطويق القوات المهاجمة من الخلف ومحاصرتها وقطع طرق الإمداد عنها، تمهيدا لتوجيه ضربات موجعة لها والقضاء عليها.

وجاء قرار الروس بإجلاء مئات الآلاف من سكان تلك المقاطعة ليؤكد سعيهم لصدّ الاختراق الأوكراني، والتضحية بامتيازات يمكن استغلالها مثل أن سكان هذه المقاطعة هم في غالبيتهم المطلقة من العرقيات الروسية السائدة الذين يكنون خصومة تاريخية للأوكران، ولا يتوانون عن مشاركة جيش بلادهم معركته، فضلا عن أن الأرض عادة تحارب مع أصحابها.

هذا إضافة إلى إعلان معهد دراسات الحرب الأمريكي قيام الجيش الروسي بحفر خنادق في منطقة “لوغوف” غرب “كورسك”؛ مما يعني استعداده لعملية حصار طويلة.

وكانت هناك مؤشرات تؤكد توقع روسيا تصعيدا عسكريا غربيا وشيكا ضدها قبل هذا الاجتياح، فعملت على تدريب قواتها البحرية على ضرب أهداف في عمق أوروبا باستخدام صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك ردًّا على حزم المساعدات الغربية التي قدمت إلى أوكرانيا وتشمل طائرات أف 16، ومركبات قتال أميركية من طراز سترايكر، وأخرى ألمانية من طراز موردر.

لماذا كورسك؟

والهدف الأول من عملية اجتياح كورسك هو تشتيت الجهد العسكري الروسي وإجباره على سحب وحداته المدربة من قواته العاملة في الأقاليم التي استولى عليها في أوكرانيا؛ مما يسهل على الجيش الأوكراني استردادها، أو إجراء عملية مقايضة أرض بأرض.

ويعود اختيار الأوكران وحلفاؤهم الغربيون هذه المقاطعة لتنفيذ هذا الاختراق لكونها محورا رئيسيا لخطوط النقل البرية سواء داخل روسيا أو مع أوكرانيا نفسها، ولذلك عجلوا بقصف العديد من الجسور الحيوية فيها على نهر سيم في محاولة لعزلها، ولتحجيم أهميتها الاستراتيجية لروسيا في حال الجلاء عنها لأي سبب كان.

ومن الأسباب أيضا كونها من أكبر معاقل قلاع الصناعة الروسية وتوجد فيها محطات رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا ولو كانت متوقفة حاليا، وبالتالي فإن السيطرة عليها ستضرب الاقتصاد الروسي المنهك ضربة قوية.

هذا فضلًا عن رمزيتها الكبيرة للروس باعتبار أنها شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ الحديث سنة 1943، حينما انتصر الروس فيها على الجيش النازي، وبالتالي فإن الاستيلاء عليها بما لها من رمزية يعد إهانة بالغة للروس.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ بل عمد الأوكرانيون إلى إرسال رسائل من شأنها إشعار الروس بالإهانة، منها قيامهم بتصوير عدد من الأسرى الروس لديهم وهم في أوضاع بائسة يرتدي بعضهم أطواق المراحيض، كما نشر لواء عسكري مقطعا مصورا لجنوده في مكتب مجموعة الطاقة الحكومية الروسية غازبروم، وهو فيديو أراد أن يقول من خلاله إننا نحتل أراضيكم ونستولي على منشأتكم الحيوية كما فعلتم أنتم في أوكرانيا.

وقد ساعد في هذا الاجتياح السريع كون معظم قوات الجيش الروسية العاملة في هذا الإقليم غير مدربة بشكل جيد لأنها من أفواج الاحتياط، ترافقها أقليات من كتائب الحدود ووحدات الحرس الجمهوري، وفوج واحد من قوات أحمد الشيشانية التي طلب بوتين منها الدعم الأشهر الماضية.

هل ستنجح الثغرة؟

من الصعب أن تنجح الثغرة في أداء وظيفتها التي أُنشئت من أجلها لأسباب عدة، أهمها أن هذه القوات لن تستطيع الصمود طويلا داخل الأراضي الروسية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الروس بدوا مترددين في سحب أي وحدات لهم من أوكرانيا حسبما كان يأمل الأوكرانيون، ويخططون للاستعانة بقوات مدربة من دول حليفة مثل الجارة بيلاروسيا والشيشان للمساعدة على صد هذا الهجوم ودحره.

وبالفعل قامت بيلاروسيا بحشد قواتها على الحدود الروسية في انتظار أوامر بالتدخل، وسط تكهنات بإرسال كوريا الشمالية دعما عسكريا لروسيا خاصة بعد تصريحات زعيمها التي أدانت الثغرة ووصفتها بأنها عمل إرهابي لا يغتفر، والتي تضمنت عبارات مثل قوله “سنقف دائمًا جنبًا إلى جنب” مع روسيا و”ندعم بقوة الحرب المقدسة التي يخوضها الجيش والشعب الروسي”، ولا شك أن القوات الشيشانية ووحدات فاغنر لن تقف مكتوفة الأيدي.

وقد أدرك قائد أوكراني الفخ الذي أوقعوا أنفسهم فيه فقال لمجلة الإيكونوميست، إن هذا الهجوم كان “مقامرة، فقد أرسلنا وحداتنا الأكثر جاهزية للقتال إلى أضعف نقطة على حدودهم”. وأضاف أن “هذه المقامرة لم تؤت ثمارها بالسرعة التي كانت تأملها كييف”.

والأهم أن روسيا بوصفها دولة نووية لن تقبل بأي حال إخضاعها للتفاوض مع كييف تحت وطأة هذا الضغط حتى لو تفجرت حرب مع حلف شمال الأطلسي حسب تلميحات رئيس الوزراء الروسي الأسبق سيرجي ستيباشين.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4cCVT5b