الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل خذل الروس والصينيون العرب؟ سيد أمين

 


مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان شهرها الرابع عشر، يسود الأوساط السياسية العربية اعتقاد جازم بأن روسيا والصين خذلتا العرب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليهما حليفتين لهم.

ولعل الأنظمة الرسمية سبقت الهيئات الشعبية في الإيمان بهذا الاعتقاد، مما جعلها تبكر بالانصراف عن خطب ود موسكو أو
بيجين، وتسلك طريق التبعية ​طوعا وكرها لأمريكا، وتتكيف مع مواقفها المتعسفة والجائرة ضد من مرقوا عن حظيرتها، ولو كانت تلك الأنظمة رأت في القطبين الناشئين رغبة وجدية لحماية حلفائهما، ودفع ثمن تلك الريادة، لربما وجدنا من تلك الأنظمة -حتى تلك الأكثر جنوحا للاستظلال بالمظلة الأمريكية- سعيا بصورة أو بأخرى لمد يدها لمن ينتشلها من هذا المستنقع الاستعماري المنحاز كليا ضد الشعوب العربية وقضاياها.

والمشكلة أن أمريكا التي تحمي عادة من يستظل بمظلتها في العالم، وتسعى لرفع مستوى رفاهية شعبها الاستهلاكية كما حدث في كوريا الجنوبية، نجدها في منطقتنا العربية تحوّل حمايتها من حماية الشعب إلى حماية النظام الحاكم، مما شجعه على الاستبداد بشعبه وتركيعه وتجويعه لقبول إجراءاته ورغباته التي هي في الأصل إجراءاتها ورغباتها.

ورغم أن هذه الإجراءات حولت الأنظمة إلى أعداء حقيقيين لشعوبها، وأخضعت وجودها بدرجة كبيرة لقوة العصا التي تستخدمها وليس لحكم الصندوق، فإن تلك الأنظمة الهشة غير المستندة على قاعدة شعبية لم تجد مفرا من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، وجعلها السند، وذلك نظرا لعدم وجود بديل حقيقي أقل تعسفا يمكن الارتكان إليه وقت إظهار الأمريكيين عيونهم الحمراء.

وبدا لها أن الانتقال الصريح من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي والصيني هي مقامرة فاشلة عاقبتها الندم، لأن أقصى دعم يمكن أن يقدّماه لها حينئذ هي عبارات الشجب والتنديد، وفي أحيان أخرى سيجدونهما يقايضان بهم أمريكا من أجل مكاسب اقتصادية أو حماية مراكز نفوذ أخرى في رقعة شطرنج العالم.

تجارب مريرة

وهناك تجارب سابقة مريرة مر بها العرب حينما راحوا يركنون ظهورهم على حوائط موسكو وبيجين في مجابهة أمريكا وحلفائها فوجدوا أنفسهم فرائس سهلة، كما حدث مع صدام العراق وقذافي ليبيا، وبشير السودان الذي سافر إلى موسكو قبل أشهر من إطاحة الجيش به عسى أن يجد لديها الدعم اللازم لوقف التدخل الغربي في بلاده عبر الدعم الاستخباري أو العسكري، لكن فيما يبدو كانت هذه الزيارة وبالا عليه ودافعا لأمريكا إلى زيادة الضغط لسرعة الإطاحة به وسط تخاذل روسي واضح.

ومن المؤسف أن المرة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا لإنقاذ حليف لها في الوطن العربي كان لإنقاذ بشار الأسد من غضبة شعبية قد تكون شرارتها مصنعة غربيا، إلا أن تدخلها العنيف أسهم في تحويل المؤامرة الغربية إلى ثورة مدعومة شعبيا، ثم اقتتال طائفي، بدلا من أن تبحث عن حل وسط يوحد جميع القوى المتصارعة ويرضي مصالحها.

هذا التدخل الروسي العنيف لم يؤد إلى نتائج عكسية فحسب، بل إنه أيضا قضى على كون سوريا قوة إقليمية مقابل الإبقاء على حاكمها الذي لا يحكم إلا أجزاء منها، وترتع الميليشيات المتناحرة والقوات الغربية في الأجزاء الأخرى، وهو ما تشابه في نتيجته النهائية مع السياسة الأمريكية في المنطقة، الخاصة بدعم الحكومات وتحويل وظيفتها إلى مجرد سجان للشعوب.

ومن الحماقة حقا أن تستهدف روسيا فئات نافرة من الحظيرة الأمريكية مثل التيارات الإسلامية والقومية رغم أنهما من الفئات التي تقف مع حلفائها في الخندق نفسه كتيار ممانعة، وكان يجب عليها استقطابهم والتقريب بينهم وبين السلطة، وهو الخطأ الذي أضعف بالإجمال قوة التيار.

الحرب الكاشفة

وكما كشفت حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان الكثير من الدمن التي تعشش في النظام الدولي والعربي، كشفت أيضا أن التعويل على الروس والصينيين في الدعم الفعال لحلفائهما هو أيضا مجرد وهم.

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول الغربية لم تألُ جهدا في دعم إسرائيل بأحدث تقنيات الموت والدمار المتوفرة في ترساناتها العسكرية، فضلا عن الدعم الدبلوماسي غير المحدود الذي فضّل أن يضحي بهيبة مؤسسات العدالة الدولية للحيلولة دون أن تمس إسرائيل بسوء، نجد في المقابل روسيا والصين تشاهد​ان إسرائيل تنكل بلبنان بعدما نكلت بغزة دون أن يجرؤ أي منهما على مجرد التلويح بأنه قد يدعم المقاومة ولو بطلقات خرطوش.

يقال في المثل الشعبي “الغاوي ينقّط بطاقيته”، وإذا كانت روسيا والصين ترغبان في دور بارز في قيادة هذا الكوكب ومنافسة أمريكا، فعليهما دفع الثمن “عربون الفتونة”.

وها هي الفرصة قد جاءت.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4fLZLU8

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

الكوريون وصلوا.. أخطار الحرب النووية تتفاقم - سيد أمين

رغم خفوت ضجيج الإعلام وانصرافه عنها قليلًا بسبب تصدُّر حرب الإبادة في غزة ولبنان المشهد، فإنه في كل يوم يمر دون إتمام أي من طرفي الصراع في أوكرانيا الحسم للمعركة، تبقى احتمالات اشتعال حربية عالمية ثالثة قائمة، مع تزايد القناعة بأنه لا روسيا ولا أمريكا -بوصفهما الخصمين الحقيقيين الفاعلين هناك- سيقبل أي منهما بالانكسار مهما كان الثمن، مما تزداد معه أخطار توسُّع الحرب وصولًا إلى الأسلحة النووية.

والواقع أن المشهد الأوكراني يتضمن كل مهيئات هذه الحرب، إذ تتصارع الأحلاف الدولية الغربية والشرقية فيها، وتتداخل كل أجهزة الاستخبارات، كما تتدفق مئات الأطنان من الأسلحة إليها، والمسلحون يفدون إلى طرفيها من كل حدب وصوب، بينما يزداد رويدًا رويدًا خطر الانفجار في جميع مناطق التماس الأخرى بين المعسكرين الشرقي الموالي لروسيا والغربي الموالي لأمريكا، ولعل الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على العراق وسوريا ولبنان واليمن -وهي كتل تدور في الفلك الايراني الحليف لروسيا- قد تعمل محفزًا مساعدًا لاشتعال هذه الحرب بوصفها مناطق نفوذ، وإن كانت بمفردها لا تقوم بهذا الدور.

ويعزز المخاوف ورود تقارير عن وصول قوات كورية شمالية قوامها 3 آلاف مقاتل إلى روسيا للمشاركة في الحرب، مع توقعات بأن يصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ثم جاءت تصريحات وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هوي أثناء اجتماعها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، الجمعة الماضية في موسكو، لتفتح باب الحديث جديًّا عن أخطار متوقعة لضربة نووية، إذ أكدت تواصل مساعي بلادها لتعزيز قدراتها النووية تحسبًا لضربة نووية انتقامية، في إشارة إلى ما سمَّته مكائد أمريكا المتنامية، وقالت إن بلادها تطور أسلحتها النووية الهجومية و”الجوابية”.

ونقلت رسالة زعيم بلادها كيم جونغ أون التي أكد فيها نصًّا أن “التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتحول الآن إلى تحالف عسكري ذي مكوّن نووي”.

وعلى الأرض تنامت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات بين نظامَي شبه الجزيرة الكورية، التي شملت تفجير الطرق والسكك الحديدية الرابطة بين البلدين، مع تقوية التحصينات العسكرية الحدودية، وتزايدت حدة إطلاقات النار على جانبيها حيث أطلقت سيول مسيَّرات نحو بيونغ يانغ تحمل منشورات تتضمن التهديد والوعيد، قابلتها الأخيرة بإطلاق مناطيد تحمل القمامة.

هذا بخلاف تنامي التوتر بين واشنطن وبيجين فيما يخص تايوان التي تَعُدها الصين جزءًا من أراضيها، وكثيرًا ما قامت طائراتها باقتحام مجالها الجوي، في حين نشرت مؤخرًا 20 طائرة مقاتلة في دوريات حولها بعد حديث عن صفقة أسلحة أمريكية يُنتظر تصديق الكونغرس عليها بقيمة 1.16 مليار دولار تشمل أنظمة مضادة للطائرات وصواريخ، وصفقة أخرى بقيمة 828 مليونًا تضم أنظمة رادار متطورة.

ولعل مثل هذا الصدام سيعطي الصين دافعًا إلى سرعة الانخراط في التحالف مع روسيا، رغم سياستها الثابتة بعدم الانجرار في أحلاف راسخة، لما يمثله ذلك من صدام واسع مع أمريكا والغرب يهدد مصالحها الاقتصادية في العالم.

وإذا كان التكتل الغربي المساند لواشنطن واضح المعالم، فإن الراصد يستطيع أن يرى بوضوح أيضًا المساعي الروسية الحثيثة لبناء تكتل قوي، قد يضم أيضًا كوبا وفيتنام والعديد من الدول الإفريقية والإسلامية الخارجة توًّا من الهيمنة الغربية.

مواصفات الصراع النووي

وإذا اشتعلت تلك الحرب المباشرة بين أقطاب العالم النووية، فحينئذ سينحصر الأمل على اقتصارها على الأسلحة التقليدية، وهو أمل لا محل له من الإعراب، لأن الهدف الأساسي من امتلاك الدول للأسلحة النووية هو الفوز بأي حرب وليس فقط تجنب الهزيمة فيها.

وسيقتصر آنذاك التنافس على من سيكون صاحب الضربة الأولى، ومدى قدرته على امتصاص الضربة المضادة إن حدثت، لأن صاحب الضربة الأولى سيكون فعليًّا قد هزم الخصم، بشرط استهداف المنطقة الصحيحة التي تشل العدو تمامًا وتمنع قدرته على الرد.

فضلًا عن مدى امتلاك هذا المبادر الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية لمسافات بعيدة بسرعة متناهية قبل أن تسقطها مضادات الخصم في غير الموقع المقصود، وكذلك مدى امتلاكه التقنيات التي تكشف له مراكز قوة العدو بدقة لكي يتم استهدافها.

ولقد وفرت التقنيات العسكرية الحديثة حلولًا جذرية لمعضلات المسافة والزمن والدقة، عبر اختراع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الحرارية والذاتية التوجيه.

ولعلنا نتذكر أن معضلة بُعد المسافة دفعت الاتحاد السوفيتي قديمًا إلى شراء جزء من الزمن عبر استئجار قواعد عسكرية في دولة كوبا القريبة من الشواطئ الأمريكية وإمدادها بصواريخ ذات رؤوس نووية، والأمر نفسه فعلته واشنطن في دول أوروبية عدة قريبة من الحدود الروسية، وهو ما أطلق ما يُعرف بالحرب الباردة.

الحرب النووية

جُل المخاوف تنحصر في أن روسيا وأمريكا وحلفاءهما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لتوجيه ضربات نووية ناجحة، فضلًا عن امتلاكهما معًا مساحات أراضٍ واسعة تطل على بحار ومحيطات كبيرة، وهو الأمر الذي سيتيح لأي منهما أيضًا امتصاص الضربة النووية الأولى، ويمكّنهما من توجيه المزيد من الضربات، بما يطيل أمد الحرب.

ورغم أن الساسة في الدولتين العظميين يؤكدون أنه لا مجال لحرب نووية، فإن هناك من يرى أن مثل تلك التصريحات تكتيكات عسكرية فقط، هدفها تخدير الخصم وتحقيق عنصر المباغتة، إذا جد الجد.

أما دول التماس بين روسيا وأوروبا خاصة بولندا وفنلندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، فقد تكون أول ضحايا خروج الصراع العسكري من حدود الحرب التقليدية.

هذه خريطة للصراع الدولي في أوكرانيا إذا خرج عن حدوده التقليدية الحالية نحو حرب عالمية ثالثة، واحتمالات قفزة واسعة ليتحول إلى حرب نووية، وإن كان الأمل معقودًا على أن يكون كل ما يحدث مجرد حرب نفسية أو كما يصفها اللفظ العامي “تهويش”.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3ABC9C0