السبت، 30 نوفمبر 2024

باكستان مجددا على صفيح ساخن - سيد أمين

 

من حين لآخر يثبت رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان أنه وحزبه حركة الإنصاف ما زالا يؤثران بشدة على المشهد السياسي والأمني في البلاد، رغم كل إجراءات التغييب والقمع والتشويه التي طالتهما، متجاوزين محاولات الحكومة الائتلافية من أحزاب عدة قريبة من الجيش بزعامة شهباز شريف وصم الحركة بالإرهاب، والتدليل على سلوك أنصارها مسلكا إجراميا من أجل إقناع المجتمع الباكستاني بضرورة حظرها قانونيا بعد إقصائها سياسيا.

فدعوات التظاهر التي أطلقها من محبسه التي أراد منها إثبات وجود الحركة في الشارع، لاقت استجابة جيدة، وتدفق عشرات الآلاف من الباكستانيين لا سيما من إقليمي البنجاب وخيبر بختونخوا القريب من الحدود الأفغانية والمعقل الرئيس لأنصاره نحو العاصمة إسلام أباد، بقيادة زوجته بشرى بيبي وأمين غاندابور رئيس وزراء إقليم خيبر بختونخوا الذي ما زالت تحكمه الحركة، وتحملوا مشقة سفر دامت 48 ساعة كاملة، متحدين الحواجز وقنابل الغاز والقوانين الاستثنائية جميعها التي أصدرها برلمان تسيطر عليه أغلبية حكومية ضعيفة جرمت مظاهر الاحتجاج كافة كالاعتصام والتظاهر والتجمعات.

ورغم أن الاستجابة الشعبية لم تكن كما هو متوقع لها بسبب ضراوة القبضة الأمنية، وفشلت في تحريره وقادة الحركة من محبسهم، إلا أنها تسبب في خيبة أمل كبيرة للسلطة أيضًا بعد رهانها على جنوح شباب الحركة للاستكانة وإيثار السلامة جراء إجراءات القمع غير المسبوقة التي فرضتها عليهم منذ توليها الحكم، حيث اعتقلت الآلاف، وأغلقت مقارها ومنعت قادتها من التواصل مع الجماهير، بل ومنعت أنصارها من حمل شاراتها وراياتها أو الإشادة بها أو حتى شرح برامجها ورؤيتها السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن أنها أقصتها عن خوض الانتخابات البرلمانية فبراير/شباط الماضي.

فيما يرى البعض أن قيام الحكومة بوقف الدراسة في المدارس والجامعات صبيحة قدوم المحتجين إلى العاصمة وقطع الإنترنت فيها وفي مدن أخرى عدة في محيطها، واستدعاء الآلاف من قوات الأمن في المحافظات القريبة من إسلام أباد، وإغلاق الشوارع بالمصفحات وعربات نقل الجنود، هو دليل واضح على مدى الخوف الذي انتاب السلطة من تلك التظاهرات.

رسائل الجيش

واجه الجيش بشكل مباشر تظاهرات أعضاء حركة الإنصاف بضراوة بالغة، تسببت في مقتل العشرات وإصابة المئات منهم حينما كانوا ينوون تنظيم اعتصام في منطقة “دي تشوك” قبالة البرلمان حسب ما أعلنته الحركة بينما نفته الحكومة، واعتقل نحو ألف متظاهر وجهت لهم تهم القيام بأعمال إرهابية، وراح قائد الجيش الجنرال عاصم منير بالإشادة بالعملية التي قادها ووصفها بأنها حكيمة.!!

فيما بث التلفزيون الباكستاني مشاهد لقيام أنصار خان يحملون الهراوات بالاعتداء على رجال الجيش والشرطة، وقال إن عناصر الحركة قتلوا ضباطا ومسؤولين أمنيين، ولكن وسائط مصورة أظهرت أن هناك عسكريين قتلوا حينما اصطدمت بهم سيارة ولا يعرف عما كان ذلك مجرد حادث سير أم أنه عمل دبره المتظاهرون، كما تقول الحكومة.

الحركة نفت صلتها بأي أعمال قتل، وبررت مشاهد اعتداء المتظاهرين بالضرب على رجال الأمن بأنها جاءت كرد فعل غاضب على قيام قوات الجيش والأمن بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على المعتصمين، مؤكدة وجود عشرات الجثامين لمحتجين محتجزة في المستشفيات ويرفضون تسليمها لذويهم.

وكعادة التهم الجزافية التي يطلقها العسكر في بلدان العالم الثالث ضد معارضيهم، اتهم قائد الجيش الحركة باحتواء مئات الأفغان ضمن من وصفهم بـ”الإرهابيين” و”مثيري الشغب” في صفوف متظاهريها، وذلك في رسالة سياسية موجهة للخارج وخاصة أمريكا مفادها أن حركة الإنصاف هي الصوت الباكستاني لحركة طالبان، مستثمرا في ذلك سياسة الحركة المعلنة الهادفة للتوجه شرقا والانفتاح على دول الجوار، بما فيهم طالبان.

اضطرابات متنوعة

تأتي هذه الأحداث لتفتح الطريق لتطور نوعي في الصراع السياسي قد تنجح في تحويله إلى صراع مسلح، وهو الأمر الذي إن حدث فسيزيد من سخونة الأوضاع في البلاد المشتعلة أصلا بسبب استمرار فشل السلطة في معالجة الأزمة الاقتصادية العتيقة، رغم حصول الحكومة على قرض يبلغ 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي بضمانات تمويلية من قبل السعودية والإمارات والصين لمساعدتها في تجاوز عثرة البلاد الاقتصادية التي أوقفتها على مشارف الإفلاس.

وكذلك بسبب فشلها في وأد الاضطرابات القبلية والطائفية في البلاد، وهي الاضطرابات التي أدت لمقتل نحو 120 شخصا في أسبوع واحد ومقتل المئات خلال هذا العام وهو عمر الحكومة جراء معارك مذهبية بين متطرفين من السنة والأقلية الشيعية في إقليم خيبر، فضلا عن اضطرابات مذهبية مشابهة وطائفية، واضطرابات عرقية متزايدة في إقليم بلوشستان الحدودي مع إيران، والساعي للانفصال عن البلاد.

المشكلة هي أن من بيدهم الأمر في باكستان ما زالوا على غير اقتناع أنه لا سبيل لنجاة بلادهم من مستنقع الفوضى الذي ينتظرها إلا بالديمقراطية، والسماح بحياة سياسية سليمة، وأنه حينما يتحقق استقرار سياسي واقتصادي سينجح الجميع وسينجح هذا البلد الكبير في العبور نحو المكانة التي يستحقها في العالم.

المصدر : الجزبرة مباشر

https://bit.ly/3ZsVSh2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق