الفصل الثالث
مخاطر حول الأدمغة العربية
الوفد 26 مايو 2002
أين ذهبت شخصيتنا؟
لماذا تراجعت مقومات الشخصية القومية العربية؟
السؤال يطرق بقوة علي أبواب أدمغتنا كلما واجهتنا معضلة اكتشفنا فيها ضياع صفة من صفاتنا، ربما نتشتت في إيجاد الإجابة المقنعة بين من يعزو السبب إلي عوامل القهر الداخلي للشعوب الراغبة في حياة لا نقول مرفهة بل يسيرة تمتلك جزءاً من مقومات الدفع الذاتي.
بالإضافة لما تسبب فيه هذا القهر عبر وسائله المتعددة سواء المعنوي والنفسي والمادي والجسدي من تراجع الطموحات وضآلة الأمنيات لدي عامة المجتمع مما عطل الإمكانات الفكرية عن الخلق والإبداع والابتكار لتنصرف في اتجاه مغاير وهو البحث عما يسد الحاجات البيولوجية من أمن وعاطفة وغذاء وشرب…إلخ.
وقد عزا البعض تقلص تلك المقومات القومية للشخصية العربية مثل الصدق والتلقائية والشجاعة والوفاء لصالح صفات مناقضة إلي الاستعمار الذي نهش جسد الأمة طيلة القرنين السابقين والذي خلق صفة مرعبة في مكامن الشخصية العربية تتناقض مع الحقيقة التاريخية وهي شعورنا بالدونية أمام الحطام الذي ظل طيلة تلك الفترة يضرب كرامة شخصيتنا بالسوط وهو ممتط لجواده الأبيض ليس لسبب إلا كي يشبع غريزة التعالى عنده، بالدرجة التي جعلت من الثابت في اللاشعورنا القومي الآني، أن غطرسته تلك هي حق أصيل من حقوقه وعلينا التعامل معها بمنطقها.
حتي إننا قد آمنا معهم وربما قبلهم بالنظريات التنموية التي تعزو التخلف إلي السامية في الأجناس أو الإسلام والوثنية في الأديان أو الجنوب جغرافيًا أو البشرة.
وهناك من يعزو أسباب تخلفنا وتقلص المقومات الإيجابية في شخصيتنا إلي الاستعمار ويدللون علي ذلك بنظرة سيكولوجية ميكافيللية مفادها ((أن الولاء يكون أكيدًا لمن نخاف منهم بطشهم وليس لمن نحب وأننا من الممكن أن نخون من نحب ولا نخون من نخاف أبدًا)).
كما أن القهر لم ينته بفترة الاستعمار بل امتد إلي فترة ما بعد الاستقلال أيضًا حيث مارست الحكومات ممارسات وحشية ضد مواطنيها مستخدمة معهم سياسة الفلكة، مما كرس – في الشعور خيبة الأمل – لانهيار قيم أصيلة فينا.
والعولمة .. بالتأكيد متهمة أيضًا، فقد حرصت علي تذويب الخصائص القومية للشعوب لصالح سادة الكون وعلي رأسهم الولايات المتحدة التي تمتلك بمفردها 91% من أمواج الطيف الإذاعي العالمي ولديها أكثر من 600000 مطبوعة عابرة للقارات، ناهيك عن المحطات التليفزيونية والأقمار الصناعية وغيرها.
في الحقيقة الأمر لا يتوقف عند الأمور السابقة .. بل يتعداه إلي عوامل وظروف وجود لقمة العيش التي باتت قاسية لقطاع كاسح من الشعب العربي الذي تأكد له خداع حكوماته التي تحاول جاهدة إيهامه – كذبًا وجهلاً – بأنها تصنع معجزة يوميًا من أجل أن يظل هذا المواطن علي قيد الحياة بينما هي في حقيقة الأمر لا يشغلها أمر المواطن بقدر ما يشغلها اتمام عملية تسطيحه حتي ينتقل – كمداً وقهراً ذاتياً – بسهولة ويسر إلي مثواه الأخير.
إن حقيقة خواء الأدمغة وسطحية أو عشوائية الشخصية العربية – العادية طبعًا – هي جريمة تضامنية بين قوي الداخل والخارج.
وكان من اللائق للحكومات أن تعمل علي تنمية الخصائص المميزة لشعوبها وأن تستثمرها لصالح قضايا الإنتاج والخلق والابتكار، وأن تقف – أي الحكومات – حائلاً بين أي اختراق خارجي يحدث ضدها، كما أن المطلوب منها أيضًا تضخيم هذا الشأن والاعتناء به وجعله هدفًا لا يقل شأنًا عن تملك الأسلحة والأمن القومي لأن أمة أفرادها بلا خصائص مميزة هي أمة اللاأمة وحضارة اللاحضارة.
****
الوفد 18 مايو 2003
حول مفاهيم الديمقراطية!!
“الديمقراطية” .. ماذا تعني هذه الكلمة السحرية؟
هل يقصد بها حكم الشعب للشعب ولصالح الشعب؟
هل هي قرينة لفكر بعينه أو معتقد بخاصته؟
أم أنها خصيصة لأي فكر يحقق برامجه بنجاح؟
من الثابت أن جميع الأفكار في هذا الكون بدءًا من أقصي يسارها تدعي أنها أفكار “ديمقراطية” الطابع وأنها تطبيق ناجح لإرادة الشعوب حتي وإن كانت ذات شكل مغاير للمألوف.
فالنظم الرأسمالية هي حقًا نظم ديمقراطية .. متي توافر لها شرطا الأمانة والعدل، ولكن إن لم يتوافر فيها هذان الشرطان .. ستتحول إلي نظام احتكاري إقطاعي فاشي .. كما هو الحال في النظام الفاشي الإيطالي والنظام الامبراطوري الأحمر في اليابان قبيل الحرب العالمية الثانية.
والنظم الاشتراكية هي – أيضًا – نظم ديمقراطية .. شريطة توافر الصرامة في التنفيذ والابتعاد عن سوسة البيروقراطية مع العدالة المطلقة .. وإن لم تتوافر فيها تلك الشروط ستتحول إلي نظم بليدة .. نمطية .. يذبح فيها الشعب الذي جاءت لرفاهيته .. دون دم.
حتي النظم اليمينية المتطرفة .. تدعي أنها نظم ديمقراطية .. وأن تنفيذها لإرادة الله هو في حد ذاته تنفيذ لإراة الشعب .. ولكن شريطة الاعتراف بالآخر واتباع أساليب العدالة .. وإن لم يتحقق ذلك سيكون بحق هوان الإنسان وتسخيره لخدمة الطاغوت.
وما سبق يندرج أيضًا علي النظم القومية والشيوعية .. إذن .. ماذا تعني كلمة يمقراطية؟
وفي هذا الصدد يشهد التاريخ أن الرأي الجمعي لم ينشيء حضارة قط، بل إن عظماء الكون غالبًا ما كانوا مضطهدين من الأغلبية الكاسحة في بادئ عهدهم .. مرورًا بالأنبياء الكرام وعلي رأسهم سينا محمد صلي الله عليه وسلم الذي اتهموه بالجنون والمروق .. إلي نيوتن وتولستوي وجوته ومارتن لوثر ودانتي وغيرهم من المبدعين والمفكرين .. أي أن صواب رأي الأغلبية ليس مؤكدًا.
كما أن الديمقراطية تتطلب الوعي – كما يقول برتراندراسل – وذلك لأنه ليس من المنطقي أن يتساوي صوت مفكر سياسي من أمثال محمود أمين العالم أو سليم العوا – مثلاً – أو العقاد وطه حسين في وسط الأدباء .. بصوت فلاح لم ينل أي قسط من الثقافة – مع احترامنا البالغ له كمواطن جد فاعل في منظومة الانتاج – بل إن المشكلة أن نجد أن هناك الكثيرين من الذين نالوا قسطًا وافرًا من التعليم لم ينالوا أي قسط من الثقافة وهؤلاء هم الواقعون تحت مصطلح “أمية المتعلمين”.
ونتذكر في التاريخ أن أدولف هتلر تنبه إلي عملية الوعي في نظام حكمه فكتب في كتابه “كفاحي” ما معناه : إن المواطن الألماني هو المواطن الذي نال قسطًا من الوعي وتربي تربية سياسية .. وما عداه فليس ألمانيًا أصيلاً.
وإذا كان كارل ماركس عرف السياسة بأنها “حديث مكثف في الاقتصاد” فإنه من الأجدي تعريف الديمقراطية بأنها “العدالة في تطبيق السياسة”.
وهو الأمر الذي يندرج علي أي فكر في حال استقامته وعدالته.
****
الوفد 24 يونيو 2003
بحثًا عن السعادة
الإنسان السعيد من كانت وسائله وإجراءاته تناسب طبيعة العصر .. ولما كان العصر الذي نعيش فيه هو ((زمن السقوط)) بكل ما تعنيه الكلمة من سوء .. فإنه ليس مستغربًا أن تكون وسائل سعادة الناس هي القباحة بعينها.
السبب أننا نعيش في زمن انهارت فيه عوالم الأفكار والقيم لتفسح المجال لعالمي الأشياء أولاً والأشخاص ثانيًا .. حتي إن نتاج الأدمغة لم يعد له قيمة أمام نواتج الأرصدة البنكية والمرافيء والملابس والتسليات وأحدث موديلات السيارات … ماذا حدث بالضبط؟!
ما حدث هو ثورة اجتماعية مقلوبة .. جعلت المقدسات .. بما واكبها من محرمات في الحضيض .. وفي المقابل أعلت من قيم الفهلوة والخطف والانتهازية .. وربما كانت هذه القيم هي الوسائل الإجرائية الناجعة لسعداء هذا العصر.
وسعداء هذا العصر إما أنهم في منتهي الذكاء أو في منتهي الغباء .. فشديدو الذكاء هم الذين استطاعوا التعامل مع كل معطيات المرحلة بما حملته من جفاء وقسوة .. وغير منطقية .. وكأن من قدرتهم علي التعاملات هذه أنهم صاروا سعداء.
أما شديدو الغباء فهم الذين تجاهلوا كل هذه المعطيات جملة وتفصيلاً – بعدما عجزوا عن فهمها – وتقوقعوا علي أنفسهم كي يستمدوا منها سعادتهم.
والحقيقة أنه لا توجد سعادة حقيقية يعيشها الناس .. وذلك لأن مسالب المجتمع قديمًا كان يمكن الفرار منها بتجنبها .. لكن الجديد في هذه الآونة أن تلك المسالب أخذت تفرض نفسها علي الناس بلا استثناء .. فمن يستطيع تجنب أزمة الإسكان .. أو الصحة .. أو التموين .. أو الأمن .. أو الاقتصاد .. أو الأخلاق…إلخ؟ .. لا أحد!!
كل هذه الأزمات لا أحد يستطيع تجنبها أو أن يعيش بمعزل عنها، لأنه بشكل أو بآخر هو لا يعيش في كوكب آخر.
إن ((فقه الأزمة)) – إن جاز التعبير – هو البرنامج اليومي الدائم للمواطن المصري .. يتجرع الأزمة كما يتجرع الماء .. ويمارس معها وبشكل دائم لعبة القفز فوق الحبل .. أقول ذلك وأنا استشعر مرارة الحياة، التي صارت تحمل همين متلازمين .. هم عام، وهو المتمثل في الظروف الاقتصادية والسياسية – الدولية والمحلية – والاجتماعية وهو رغم كونه همًا شديد الثقل إلا أن الناس استطاعت القفز فوقه أيضًا بين الحين والآخر عبر استخدام مضاد حيوي شديد الأضرار الجانبية وهو ((البلادة)) الصناعية وحتي الطبيعية.
أما الهم الآخر وهو خاص ويتعلق بكل التحديات الموضوعة في طرق المواطن المصري .. وهي تحديات صعبة للغاية .. ربما لم يتعرض لها شعب آخر في العالم المتمدين أو حتي مدعي المدنية .. حيث الأزمات المتجهمة والمباشرة وشديدة الشراسة والإلحاح.
ولكن كيف يدافع الإنسان المصري عن سعادته؟ أهم وسائل الدفاع عن السعادة .. هو التخلص من إلحاحات العصر لا أقول معطياتها وبالتخلص من هذه الإلحاحات يمكننا التخفيف من وطأة الحاجة .. وإذا كانوا يقولون إن الحاجة أم الاختراع ويقولون أيضًا إن غياب البدائل يحرر العقول من أسرها، فإن إلحاح قد يخترع وسائله الشيطانية وهو ما يؤثر سلبًا علي مخزوننا من الوعي.
وأقصد القول إن إيجاد حلول أزماننا عبر العودة للماضي هو أكثر أمنًا من الحلول العابرة إلي المستقبل .. وذلك لأن الحلول القديمة تمت أرشفة أسبابها ونتائجها – لأنها حدثت بالفعل – ويمكننا إعادة قراءتها في أي وقت نشاء للاستفادة بها .. بخلاف هذه الحلول الاستشرافية للمستقبل التي تعتمد علي النظرية،رغم الفجوة الكبري بين النظرية والتطبيق.
إننا بحق في حاجة ماسة للعودة إلى الماضي لقراءة كيف كانوا قديمًا يصنعون السعادة دون دفع فواتير باهظة، من أرصدة أمن وأمان الأجيال القادمة .. ولكي لا نرحل إليهم كوارث عالمنا البغيض .. فليعِينُوننا.
****
الوفد 19 سبتمبر 2003
تساؤلات عن الهوي والهوية
ماذا يتبادر إلي ذهن الإنسان غير العربي حينما يذكر أمامه لفظ ((الإسلام؟)) ألا يتجه تفكيره تلقائيًا إلي أنه الدين الذي يدين به سكان المنطقة العربية وانتشر عن طريقهم إلي كافة ربوع العالم؟
ألا نراه يمزج بطريقة تلقائية أيضًا بين أخلاق العروبة كقومية لها ثقافة محددة تميزها شأن كل القوميات في العالم وبين قيم الإسلام السامية التي تميزه بين الديانات؟ ولم لا يحدث هذا المزج .. أليس الإسلام هو تأصيلاً ربانيًا للثقافة العربية؟ ألم يأخذ الإسلام معظم العادات العربية المنتشرة في عصر الجاهلية وهذبها فألغي التقاليد الضارة منها – وهي قليلة – وحرمها؟
إذن .. لماذا نعتبر أن الدعوة لإلغاء الهوية العربية من وجداننا شئ لا يمت بصلة للإسلام؟
ألم يأمر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف ((أحبوا العرب لثلاث: لأنني عربي، والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي))؟
ألم يأمرنا أيضًا بالحديث باللغة العربية حينما قال: ((تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق))؟!
فلماذا تتعالي الأصوات المناهضة للثقافة العربية بيننا؟ .. فماذا تكون هويتنا الثقافية إذن إن لم تكن الثقافة العربية؟ وهل لنا ثقافة أخري غيرها؟
فالثقافة العربية هي التي حفظت لنا تراثنا وذلك ليس بفضل قوة كامنة فيها فحسب ولكن لأنها مؤيدة ربانيًا، لأن القرآن العظيم نزل بلغتها، والله وعدنا بحفظه من الزوال، والمنطق يقول إن حفظ الله للقرآن من الاندثار هو أيضًا حفظ للغة العربية التي هي بالتالي لسان الثقافة العربية، والثقافة العربية أيضًا ما هي إلا مقومات سلوكية للهوية العربية.
إن الداعين لانسلاخنا عن قوميتنا العربية هم بحق الداعون إلي تراجعناإلى الخلف .. هم الداعون إلي العولمة والانجراف داخل القطار الأرعن الذي يخلع ركابه جميعًا أرديتهم اقتداء بسائقه العاري.
إن القومية – أية قومية – هي قوة دفع كبري لإرادات أفرادها نحو التميز والإبداع، فماذا لو كانت القومية العربية التي حباها الله بثقافة الإسلام؟!
كيف يمكننا إهدار عوامل تميزنا لكي نلحق بركب لا نحتل فيه إلا موقع السبنسة والمؤخرة ونترك قائد ركب العولمة الأمريكي غالبًا يوجهنا كيفما يشتهي وكما تقتضي مصالحه هو لا مصالحنا نحن؟
وفي الواقع فإن قوي استنزاف الشعوب والاستعمار الغربية قد تكشف لها أن أهم عوامل قوة الإسلام هم العرب، وتكشف لها من زاوية أخري أن أهم عوامل قوة العرب هو الإسلام، ولذلك سعت بشكل دءوب نحو خلق عوامل الانشقاق بين القدرين المتلازمين، فأخذت تدعو بخبث إلي التحلل من الثقافة العربية بوصفها من مخلفات الماضي المغلق قاصدة بذلك ليس النيل من الثقافة العربية فحسب بل من الثقافة الإسلامية أيضاً.
وما كان لها أن تجد بيننا – ربما حياء أو رهبة – انصارًا لو أنها دعت علانية إلي التحلل من قيم الإسلام وهو الذي يشكل لها سدًا معتقديًا منيعًا في كل نزواتها الاستعمارية الفكرية .. وليس صحيحًا أن الابتزاز الاقتصادي بمفرده وراء جموح الرغبة الاستعمارية الأمريكية لعالمنا العربي، ولكن هناك صراعًا حقيقيًا في الثقافات أيضًا.
لقد قالها بوش الأب عقب انهيار الاتحاد السوفيتي (انتهينا من الشيوعية وبقيت الحرب ضد الإسلام) .. نم الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حربها ضد الإسلام، وبالتالي ضد كل ما هو عربي، أعلنت حربها ضد أية قومية وأي فكر تميز به أصحابه.
انها لا تحب فكرًا إلا الأمريكي ولا تحب قومية إلا قوميتها الرقيعة الشتات حتي لو كانت القومية الصربية، وعلة الدعوة الأمريكية لتذويب القوميات هي رغبتها في تجريد شعوب العالم من دعامتها الثقافية وحينما تسقط تلك الدعامات يصبح البيت هشًا كل سكانه غرباء عنه وقابلاً للتدمير بكل سهولة ويسر، ومن الثابت أن هناك شعورًا ساديًا يجتاح صناع القرار في البيت الأبيض الأمريكي يعتبر العالم كله منحة سماوية لأمريكاويجب أن يدين هذا العالم بدينها ويسبح بحمدها ليل نهار، ولا يعصي لها رغبة ولا يتجنس بجنسية أو قومية يعتز بها غير القومية التي ارتضتها له وهي قومية للعبيد التُبع الفارغين.
لقد قالت وزيرة خارجيتها الأسبق الشمطاء مادلين أولبرايت واصفة وضع العالم بالنسبة لأمريكا ((علي الجميع أن يدرك أننا الأمة الوحيدة القادرة علي فعل أي شيء، في أي وقت، وكيفما تريد، وأن العالم لنا، العالم لأمريكا)) .. ولكننا نصف حركة التاريخ كما وصفها هيجل بأن ((التاريخ ماكر)) ولا يمكن أن يضمن لكيان ما دوام الريادة والسيطرة.
لذلك يجب ألا ننخدع بلفظ العولمة الذي تدعو إليه القوي الاستعمارية كما انخدعت تركيا فتنازلت طواعية عن مقومات زعامتها الاسلامية لتصبح ذيلاً كسيرًا أضناه اللهث خلف قطار السوق الأوروبية دونما اللحاق به، فما طالت كما يقول مثلنا الشعبى ((بلح الشام ولا عنب اليمن))، إننا حينما تناسينا قوميتنا صوريًا لأنها تجري مجري الدم في العروق وجدنا أننا كلما نخطط للرفاهية نزداد فقرًا وكلما نخطط للاستقلال نستعمر ونستعبد وكلما نفكر في التقدم نهرول إلي الخلف إن قوميتنا هي هبة من هبات الله لنا .. ومن يفرط في هبات الله لا يستحقها.
****
الوفد 26 سبتمبر 2003
أسمي آيات العشق
(أسمي آيات العشق ما كان من طرف واحد) ورغم رومانتيكية تلك العبارة الأفلاطونية وعمدها إلي إيجاد تبرير لعملية صلب الذات بوصفها عملية مثالية وتحمل قدرًا من التضحية .. إلا أن الشعب المصري تنطبق عليه هذه العبارة.
ومن الثابت أنني أحب لأن الآخر يبادلني قدرًا من حبي .. ولا يمكن أن ينجح هذا الحب دون مبادلة الآخر .. فالأمريكي يحب بلده لأن هذا البلد احترم إرادته في الداخل وأسبغ عليه حمايته في الخارج .. وكذلك الإنسان الأوروبي .. الجميع يحبون بلدانهم لأنها أعطتهم الكثير وما أخذته منهم أخذته علي حياء.
أما الإنسان المصري فهو عاشق لتراب وطنه منذ قديم الأزل بدون مقابل ولكن الجديد الذي حدث هذه الأيام أن الإنسان المصري مازال يحب وطنه رغم أن هذا الوطن يتفنن في ابتداع أساليب للقسوة عليه .. وهذا النوع من الحب هو ما قصده أفلاطون بأسمي أنواع الحب والإيمان بالآخر.
وللمصادفة في مصر حظ عظيم وأتمني أن تكون مجرد مصادفة وليست قصدًا فالمصريون دائمًا يكافحون ويزرعون ولكن غيرهم أو بعضًا منهم يأخذون كل الحصاد.
المصريون ثاروا قديمًا علي الطغاة العثمانيين ولما استتب لهم الأمر عين عليهم الجندي الألباني محمد علي واليًا والبسطاء أنشزوا جيشًا منظمًا ولكن الكولونيل الفرنسي سيف الذي كان في طريقه للتطوع في الجيش الإيراني قادمًا من فرنسا عين أيضًا عليهم كوزير للحربية وهكذا يمكنك أن تجد عشرات النماذج.
والحقيقة ان الإنسان المصري في حاجة ماسة إلى إيجاد علاقة عادلة تربط بينه وبين وطنه .. علاقة تقوم علي الحب المتبادل وعلي الولاء المطلق للطرفين.
وأقول العدالة لأن العدالة هي أعم من الحرية .. فالنظام في مصر لا يكف عن وصف جمال الحرية التي يعيشها المصريون ويقوم بتسويقها علي أنها أهم ما يدلل علي مشروعية وعدالة نظامه .. ويدلل علي ذلك بالحرية المنقوصة والمشروطة التي نطالعها في الصحف المصرية رغم أنها تشبه بشكل كبير حق الصراخ .. لأن المجروح ليس أمامه إلا أن يصرخ دون أن يكتم صوته أحد .. ذلك لأن الإيذاء الذي يخشاه حدث بالفعل ولا يمكن أن يتم التهديد به ثانية.
والفرق بين العدالة والحرية هو أن العدالة غاية والحرية هي وسيلة فحسب .. وأن وجود حرية دون وجود عدالة هو نوع من أنواع ((السداح مداح)) لأنك حينما تعطيني الحق في انتقاد مثالبك .. يجب أن تتحرك أنت لضبط تصرفاتك .. وإلا تكون كمن ترك المريض يصرخ طالبًا الدواء واعتبر أن شفاءه في مزيد من الصراخ!!
والمواطن المصري عاشق للعدالة وقانع بكفافها .. لكن حزمة الفساد التي انهالت عليه من كل حدب وصوب جعلته يفقد الإيمان بكل صواب.
ولنا أن نتخيل أن هناك قرية صغيرة في محافظة قنا ولتكن الكرنك بأبو تشت يقطنها عشرات الآلاف من البشر وشهدت حركة نمو صورية كبيرة علي مدار عشرين عامًا مضت إلا أن نسبة البطالة فيها تخطت الغالبية الكاسحة لسكانها .. وقس علي ذلك كل قري مصر ونجوعها.
الشباب في مصر الآن لا يشعر بالعدالة التي هي المراد الحقيقي ولا يقتنع بأنه يعيش أزهي عصور الحرية .. فهو لا يريد أن تكون الحرية سلبًا من العدالة .. هو يريد أن يجد وظيفة محترمة ولائقة وبالتالي دخلاً شريفًا ويريد أن يتزوج لاستكمال حيوية الحياة ويريد أن يربي أطفاله لاستكمال عملية توارث الأجيال .. يري أن يغذي روحه بالقراءة .. ولا يريد أن يمضي حياته في البحث عن لقمة خبز دون التمتع بمباهج الحياة وليتها تجيء .. إنه يريد من يطعمه وليس من يسمح له بالصراخ.
****
19 يونيو 2005
مرحلة الفرز وظواهر غير مبررة
في أوقات المحن والانكسار .. تظهر معادن الشعوب .. لأنه فى تلك الأوقات يحدث ذلك الفرز الآلي لهؤلاء الذين يستطيعون أن يؤثروا تأثيرًا جيدًا في الناس سلبًاأو إيجابًا بوصفهم منقذين.
كما أن الناس يصيرون أكثر توقًا إلي الوصول إلي شط الأمان وأكثر تمييزًا له وقد أضناهم أمر المحنة التي ألمت بهم مستغلين في ذلك صفة أصيلة من الصفات وهي تلك التي أشار إليها نيقولا ميكيافيللي صاحب الكتاب الأشهر “الأمير” وهي ان الإنسان يود دائمًا أن يسير في الطرق المجربة والمطرقة حتي لو كانت طويلة وينبذ الطرق المجهولة حتي لو كانت قصيرة .. كما أنه يحب حياة التجمع والتكتل عن حياة الوحدة والتفرد .. ولهذا وذلك تظهرمعادن الناس حينما يظهر الخطر الذي يهدد جماعتهم.
والحادث في منطقتنا العربية أن هناك عملية فرز بادئة في التفاعل .. وقد جاءت العملية عقب الانتكاسات الكبري التي تعرض لها الوطن العربي في الثلاثين سنة الماضية والتي وصلت إلي ذروتها عام 2003 باحتلال بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
وقد ترتب علي ذك الفرز طفو عدة ظواهر غير مبررة علي السطح منها ذلك الرفض المطلق لكل ما هو قائم حتي لو كان مفيدًا للقضية الوطنية وربما يكون ذلك بسبب طول فترات القهر التي تعرض لها الناس علي أيدى تلك القوي.
وهناك ظاهرة أخري في منتهي الخطورة وهي أنه علي الرغم من أن موجة الرفض للنظام القائم نمت بسبب شعور الناس بعمالة النظام لأمريكا إلا أن الناس بدأت تتقبل التدخل الأمريكي لما رأته من كبحه لجماح مفرمة النظام ضدهم وفي هذه النقطة بالذات لا يمكننا أن نلقي العيب علي مناهضي النظام بقدر ما نلقيه علي النظام نفسه.
وفي هذه النقطة بالذات لا يسعنا إلا التحذير من رغبة الذئب الأمريكي الذي قتل أهلنا في العراق وفلسطين وأفغانستان في ارتداء لباس الحمل ومنح الشعب المصري “رشوة” تتمثل في تحريره من جلاديه مقابل اقتناع المصريين بأهمية الدور الأمريكي في “تحرير” الشعوب العربية .. أي يريد أن يستعمرنا ثقافيًا أولاً ويقنعنا بأنه المحرر وليس المحتل.
وعودة لتلك الظواهر التي تجتاح الشارع العربي عامة والمصري خاصة منها فوضي الانتماء والتوجهات والتطرف.
وأعود لأقول إن هناك مرحلة فرز يمر بها المجتمع المصري يجب أن توجه في طريقها القومى الوطني.
****
الوفد 6 ديسمبر 2005
فلنعبر هذه المرحلة
“كيركجارد” الفيلسوف الوجودي المؤمن الدانماركي الجنسية قسم في إجمالي فلسفته الناس وأنواعهم إلي ثلاثة أقسام: الأولي وهي المرحلة الحسية وفيها الإنسان يكون أشبه ما يكون بالكائن الأولي “البيولوجي”، حيث يتحرك طبقًا لأوامر جسمه .. ويستمد منها مشروعية أفعاله .. فإذا اشتهي طعامًا فليحصل عليه وبأية طريقة .. ولو اشتهي جنسًا فلا مانع من الزنا أو حتي الاغتصاب.
والمرحلة الثانية وهي تضم هؤلاء القلة الذين استعملوا ضمائرهم ورأوا أن الغريزية تساوي بينهم وبين الحيوانات فتاقت أنفسهم للعالم المثالي المسالم المتخلق بأخلاق ونواهي الضمير .
ويري أن الانتقال من المرحلة الأولي إلي الثانية يحتاج إلي وثبة صادقة .. ولكن الانتقال إلي المرحلة الثانية والخيرة يحتاج وثبة صادقة وقوية .. ينتقل فيها “النادرون” من مرحلة سلطة الضمير إلي سلطة رب الضمير عز وجل .. حيث يقف الإنسان فيها أمام ذات الله في وجل وخشوع .. وكما لا مقارنة بين متعة الجسد ومتعة الضمير .. إلا أن المتعة المنبعثة من الروح في المرحلة الأخيرة لا مثيل لها.
وآثرنا تلك الإشارة الطويلة لفلسفة “كيركجارد” للتدليل علي أن كثيرًا منا تحت وطأة الجهل يعيشون في مرحلة الحس مازالوا، حتي ولو كان الاستبداد يحول بينهم وبين الاستمتاع به كاملاً، وهو الأمر الذي يفسر سر انتشار الجرائم في قطاعات المجتمع.
وحقيقة أنا أري أن الإعلام ساهم بشكل فعال في سيادة دور الغريزة والحس بشكل خطير وذلك بأشكال عدة منها ذلك الإغراء المكثف علي شراء السلع الاستهلاكية علي شاكلة أن “من تشرب هذه المياه الغازية تصير أميرة، ومن يحمل هذا الهاتف المحمول يصير وسيم عصره، ومن يتصل بهذا الرقم يتحقق حلم حياته” .. وغيرها من تفاهات.
بالإضافة إلي دراما التليفزيون والسينما التي تظهر عبر أبطالها وشخوصها أن قيمة الجمال تفوق قيمة الفكرة وقيمة الملبس تفوق قيمة الاحتشام وقيمة الحياة تفوق قيمة التفاني والنضال.
حتي الحب وهو قيمة نبيلة تحمل كل خصال الفضيلة يقدرونها علي أنها أقل من قيمة الجنس.
والحقيقة أن شبابنا وهم في سن المراهقة بحاجة إلي تعلم سمو الروح .. إلي قيم البناء لا الهدم .. إلي المثابرة والعرق وظهر وأنهما طريقًا النجاح وليست الصدفة وضربة الحظ والفهلوة .. في حاجة إلي تعلم المشاركة وليس العزوف عن الحياة السياسية والهموم المجتمعية .. فليحارب الإعلام اللامبالاة .. وليهبط له هؤلاء المحللون والمنظرون – بتشديد الظاء – من قوقعتهم العاجية ليلتقوا بالجماهير التي صارت منفصلة عنهم انفصالاً بينًا .. وذلك لأنه يجب أن نكون أمة متخلفة .. ولأننا خير أمة أخرجت للناس.
****
الوفد 28 مارس 2006
الفساد مفرخة الشائعات
هل حقيقي كما يقول الناس إننا بلد شائعات؟ .. أولاً للإجابة عن هذا السؤال نحتاج أول ما نحتاج إلى تعريف الشائعات .. معجم “لسان العرب” عرفها بأنها ما انتشر وافترق وذاع وظهر .. أما “جولدن سبورت” فيري أن الشائعة “هي اصطلاح يطلق علي رأي موضوعي معين مطروح كي يؤمن به من يسمعه وهي تنتقل عادة من شخص إلي آخر ويتم عادة بواسطة الكلام دون الاستناد إلي دليل أو شاهد”.
والغريب أن من الشائعات الاعتقاد أن الشائعة هي معلومة غير حقيقية .. فقد تكون هناك شائعة ما .. ويكون هناك صحة لهذه الشائعة .. ولكن من تلقوها غير مستندين لتصديقها بأي دليل ملموس وان أوحي لهم إحساسهم بصحتها بمعني ان الشائعة في حد ذاتها معلومة تحتمل الصدق والكذب .. ولكن هل بلدنا تحديدًا بلد تنتشر فيه الشائعات؟
لا نستطيع الجزم سلبًا أو إيجابًا .. ولكنْ للشائعات دائمًا مناخ تغيب فيه الحريات وتنعدم العدالة .. وتكثر في المجتمع الذي تولد فيه الكثير من الأسرار والمجهولات واللامنطقيات .. كأن تجد موظفًا صغيرًا عرف عنه عدم كفاءته صار وزيرًا .. أو عاملاً صار مليونيرًا .. وهكذا.
أما عن مصدر الشائعات فهو بالتأكيد مجهول .. ولكن .. من المؤكد أن الأفراد سواء أو الجماعات والهيئات .. أو الحكومات يظلون متهمين .. فكما أن الأفراد يطلقون شائعات .. أيضًا تطلقها الحكومات وأجهزتها الاستخبارية بغرض تحقيق أهداف معينة!! .. كأن تصير هناك شائعة بأن الدولة تنتوي بيع شركة ما أو ترفع سعر سلعة ما رفعًا مبالغًا فيه بهدف تهيئة ذهن المواطن الذي ما كان ليقبل بأية زيادة في سعر هذه السلعة لكي يقبل نصف السعر الذي طرحته الشائعة .. فمثلاً المواطن يرفض تمامًا رفع سعر كيلو السكر عن حد 175 قرشًا فتصير شائعة بأن كيلو السكر سيصير سعره 350 قرشًا .. وهنا تتدخل الدولة لتسعير السكر بمبلغ 250 قرشًا .. وهكذا.
وهناك شائعات لها أغراض سياسية دولية كأن يختلق البريطانيون شائعة الهولوكست مع الإسرائيليين بهدف ضمان دعم مادي وأدبي طويل الأمد من الدول الأوربية الأخري لإسرائيل والتي هي نشأت في الأصل لحماية المصالح البريطانية في المنطقة وهناك شائعة أخري تتحدث عن المقابر الجماعية في عهد صدام .. وهي في الواقع دعاية أمريكية للاستهلاك المحلي وكسب التأييد للحرب.
وقد أهتم العلماء بالشائعة كوسيلة رخيصة من وسائل الإعلام لدرجة أن أحدهم كان يقول لو إن شركة ما رأسمالها مليون دولار من الأجدي لها أن تنفق 900 ألف دولار لخلق الشائعات التي تروج للشركة.
ولا ننسي مقولة جوبلز وزير الدعاية في عه هتلر “لكي يصدق الناس الكذبة لابد أن تكون ضخمة” .. وهي المقولة التي طبقتها الولايات المتحدة باتقان في حربها علي ما أسمته “الإرهاب” .. وأخيرًا ينبغي التأكيد أن الفساد هو المفرخة الأولي للشائعات.
****
الوفد 23 مايو 2006
عن المثقف والمثقفين
منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف المثقف بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن كل شيء .. أما الآن فتعريف المثقف بدا شاحبًا تعتريه أمراض مزمنة.. فتارة نجدنا نعتبر أنه المواطن الخارج عن السرب .. وتارة نعتبره ذلك السليط الذي ينزع كل حياء ويستبيح كل مقدس .. وأخري نعتبره انه ذلك الداعي إلي التسليم والانتهازية والتنازل عن كل غال ونفيس بحجة الاحتكام إلي العقل والانطلاق إلي المستقبل .. أو ذلك المتبلد الذي يري أن معاناة الناس ضرورية لاستنباط معني الراحة والدعة.
ومثقف هذه الأيام هو ذلك الذي ينجح بكل بساطة في استفزاز مشاعر الناس والحصول علي أكبر قدر من كراهيتهم وإن شئت احتقارهم.
ناهيك عن مثقفي التيك أواي الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
ولعلي لست أكون مغاليًا لو قلت إن هناك فجوة عميقة بين اهتمامات المثقف واهتمامات الناس .. والمدهش أن تلك الفجوة ليست ناشئة من زيادة في الوعي لدي المثقف أو نقصه لدي العامة .. ولكن لأن كلا منه لا يفكر في الآخر وكلاهما يعمل في جزر منعزلة.
ويصبح فرضًا علي المثقف ألا يطلب من البسطاء الالتفاف حوله .. ولكن عليه هو أن يبحث عن قضاياهم ومشكلاتهم ويسعي لعرضها بصدق وأمانة علي الرأي العام .. وحينما ينجح في ذلك عليه أن يكون واثقًا بأن فطرة هؤلاء البسطاء ستجعلهم يلتفون حوله.
والحقيقة المُرة أن المجتمع فسد حينما فسد مثقفوه .. حينما شغلهم أمر العولمة عن هم البطون الجائعة والأجساد العارية والنفوس المحطمة .. حينما تحدثوا عن لغة “النت” في دولة أقل من نصف سكانها لا يجيد القراءة والكتابة ويعيش الملايين من سكانها في جحور العشوائيات ويتخرج الآلاف سنويًا من مدارسها وجامعاتها لتستقبلهم المقاهي والغرز علي الرحب والسعة.
فسد المثقفون حينما أهملوا الاهتمام بأسمي المهن وأقدمها الفلاحة والزراعة واستنباط الحياة والطعام من بطن الأرض.
فسد المثقفون حينما صمتوا علي مذبحة العمال وتخريب الصناعة وتعجيز الانتاج .. وحينما اعتبروا العامل والزارع والصانع مهنًا لا تستحق ان تأخذ منهم بريق الكاميرا فصنفوها كمهن دنيا.
فسد المثقفون حينما تصارعوا علي فتات يلقيه لهم ذوو النفوذ في الداخل أو الخارج .. نظير شراء ضمائرهم .. فصاروا سوطًا ثالثًا يضاف لسوطي الداخل والخارج يلهبون به ظهور هذا الشعب المسكين.
فسد المثقفون حينما سكنوا في ابراجهم العاجية وظلوا ينظرون إلي الناس باعتبارهم ابتلاء .. وحينما استوعبتهم مارينا ومراقيا وكل امتداد الساحل الشمالي بينما حرقت الشمس والفقر والفساد رؤوس الناس.
فسد المثقفون حينما افتعلوا معارك وهمية وخارج ميدان المعركة الحقيقية لتصفية حسابات هنا أو هناك.
ورغم قتامة الصورة إلا أن هناك لا شك العديد من المثقفين المحدثين الذين امتازوا برؤاهم المتميزة الصادقة .. مضافًا إليهم نخبة رائعة من القدامي الذين شكلوا أساس البناء والمرجعية.
****
محيط 15 نوفمبر 2009
لغتنا القومية .. التشخيص والعلاج
لاشك أنه ما من أمه أهملت لغتها القومية إلا انقرضت, هذا هو ما يؤكده التاريخ الذي تعد دراسته بمثابة قراءة مكثفة للمستقبل , ولنا في أمم خلت من قبلنا العظة والعبرة , ويكفي أن نشير إلي أن العبرانيين حينما أقاموا دولتهم علي جزء غال من الأرض العربية بعدما أبادوا سكانه وشردوا الباقيون منهم, إذ شرعوا في تجريم الحديث بغير اللغة العبرية التي كانت قد انقرضت فعلا في محافلهم الرسمية رغم أن جميع سكان هذا الكيان اللقيط هم شتات من كل بقاع الأرض يتحدثون بلغات الدول التي وفدوا منها وصلتهم بالعبرية انقطعت تماما.
أقول ذلك وقد لاحظت وأنتم معي لا شك حجم الاهتراء الذي أصاب لغة الضاد في بلدانها الأصلية , وفي محاولة مني لمشاركتكم في تشخيص الداء بما يمكننا من كتابة تذكرة للعلاج الناجع لهذه الأزمة شديدة الحساسية والأهمية سنحدد مكونات المرض الذي يتمثل في وجهة نظري في ثالوث ‘اللهجة العامية والتعليم الأجنبى والانحطاط السياسي والثقافي’.
العامية .. مسموعة ومكتوبة!!
والحقيقة أنه لا خطر كبير من اللهجة العامية طالما ظلت ثقافة سمعية وكلامية فقط , لكن الخطر المستجد فيها هو تحولها إلى ثقافة مكتوبة تتدوالها الأوساط الشعبية والرسمية أحيانا, حيث صارت تروج لها وسائل إعلام الدولة نفسها مما أضفى عليها هيبة ومشروعية وهو الأمر الذي عَمّق من حجم المأساة وذلك بعدما عمدت العديد من الاوساط الثقافية الي استخدامها بحجة واهية تستند الي كونها تتيح التواصل بشكل جيد مع البسطاء وبالطبع ذلك مجافي للحقيقة لأن مفردات العامية هي نتاج فردي وليس نتاجاً عقلياً جمعياً منظماً كما هو الحال في الفصحي ولأن دور الثقافة والتعليم والإعلام أساسا هو النهوض بوعي الناس وليس الهبوط إليهم.
ومع انتشار ظاهرة ‘الشات’ في الفضائيات المختلفة والقنوات التلفزيونية التي تملكها الدول والتي يقوم من خلالها شباب لا يجيدون الكتابة والقراءة بشكل معقول بإرسال رسائل متنوعة غير مضبوطة إملائيا وتنشرها تلك القنوات وهو الأمر الذي يحمل في طياته خطراً كبيراً علي ثقافة المتلقي الذي يعتبر أن التلفزيون وسيلة للتثقيف والتعليم وليس العكس .
والملفت للنظر ان التلفزيون المصري شرع في عملية تطوير صاحبتها حملة دعائية كبيرة وإذ بنا نكتشف انه بدل كلمة النيل في قنوات النيل المتخصصة إلى ‘ نايل’ وغير اسم قناة النيل للرياضة إلى ‘نايل سبورت’ والنيل للمنوعات إلى ‘نايل لايف’ واستحدث قناة ‘نايل كوميدي’ بل أن اذاعة’ صوت مصر’ التي تعبر عن لسان مصر وثقافتها تحولت الي ‘راديو مصر’ ناهيك عن عشرات البرامج التافهة والعقيمة والمسفة التي تحمل أسماء أجنبية او غارقة في العامية!!
وقد حكت لي احدي الناشطات والباحثة في العلوم الاجتماعية والثقافية انه منذ ان استبدل أهل القاهرة نطق حرف ‘ القاف’ إلى ‘ألف’ انحدرت ثقافة المصريين وقالت ساخرة لقد تحولت كلمة ‘حق’ ‘حأ’ وهي لا معني لها وكلمة ‘صدق’ إلى ‘صدء’ من صدأ وكلمة’قوة’ إلى ‘أوة’ وهكذا.. وبالتالي فقد فسدت معاني الكلمات وفسدت مدلولاتها علي ارض الواقع وافتقد الناس الصدق والحق والقانون والقوة .
ولعل ما حدث من تعليقات لبعض الدوائر الصهيونية علي كلمات المؤدي الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم التي عبر فيها عن كراهيته لإسرائيل بلغة شعبية مبتذلة كان الهدف منها أساسا هو الدعاية لهذا النوع من الأداء الأمر الذي يكون له مردود سيىء علي الثقافة في مصر.
التعليم الأجنبي.. وقتل الانتماء
وثاني أسباب المرض هو ذلك الزحف المريب للمدارس الأجنبية في العالم العربي لاسيما في مصر والتي لا تدرس اللغة العربية مطلقا داخل أروقتها بل تقوم بتجريم وتحريم الحديث بها, وفي إطار مواز دخلت الدولة عبر مؤسساتها التعليمية العامة كداعم لهذه المؤامرة – بقصد وبدون – حينما شرعت في تعليم اللغات الأجنبية لاسيما الانجليزية والفرنسية بجوار اللغة العربية إجباريا للأطفال في مراحل التعليم الأساسي المبكرة التي تبدأ من رياض الأطفال وما بعدها وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل تعلم الكلام والمحاكاة والتي كان يجب ان يتم تركيز المجهود فيها لتعليمه لغة بلاده القومية لكن عدم مراعاة ذلك من جانب القائمين علي أمر التعليم في مصر جعله لا يجيد أياً من اللغتين لا لغة بلاده القومية ولا اللغة المفروض عليه تعلمها
وقد أنتجت السياسات التعليمية الخاطئة أجيالا من أنصاف وأرباع وأسداس المتعلمين في كل المجالات في مصر كمن رقص علي السلم فلا احتفظ الإنسان العربي المصري بأصالته ولا صار غربيا.
بالإضافة الي ان التمادي في فتح الباب علي مصراعيه للتعليم الأجنبى الخاص والرسمي في مصر خلق هو الأخر أجيالا من الشباب الذي يفتقد للولاء والانتماء بعدما تشبع بثقافة الغرب, وهنا يعنينا أن نذكر بأنه لا يفيد مصر أن تنجب علماْْء ذوي صيت عالمي ولكن ما يفيدها أن يكون هؤلاء العلماء يدينون بالولاء لها وليس لأعدائها.
الانحطاط السياسي والثقافي
هل يصدق أيا منا أن للأمية فائدة ؟
فحينما كانت البلدان العربية مستعمرة غربيا سعي الاستعمار إلى تدمير الثقافة أو اللغة العربية وإحلالها بثقافته’ راجع مشروع دانلوب التعليمي البريطاني في مصر عام 1910′ ولكن حال دون مرامه ذلك ما صدمه من أمية الناس والفقر المدقع الذي يشغلهم ولذلك حول مخططه إلى دعم الثقافات المحلية في تلك البلدان علي حساب الفصحي ,ولكن بعد انحساره شهد عالمنا العربي فترة مد قومي أصلح ما رسب في أذهان الناس من أخطاء وخطايا.
والخطر المتمثل الآن ينحصر في أن نسبة الأمية في عالمنا العربي انحسرت بشكل كبير وأن الحكومات العربية هي التي تتبني العملية التعليمية وتصرف عليها المليارات من الدولارات سنويا لكن هذه العملية تسير في إطار عكسي لا تدعم الثقافة القومية ولكن تهدمها.
وقد ترسخ في أذهان أهل الثراء والأعمال والإعلام والثقافة والسياسة والحكم بالإضافة إلى أذهان العامة بأنه كلما زاد المرء من استخدام مفردات أجنبية في حديثه مع الناس كلما أعطي لهم إيحاء بأنه من أهل الرفاهية والثقافة والطبقات الاجتماعية العليا!!
تذكرة علاج
هذه هي أهم أسباب الداء أما عن أطروحاتى للعلاج .. والتي ادعوكم لمناقشتها وإجبار الحكومات علي وضع تشريعات صارمة لتنفيذها من أجل حماية اللغة العربية من جانب ولكي تبرئ تلك الحكومات ذمتها من مأساتها , فهي:
- الحد من انتشار مدارس التعليم الاجنبي وجعل تعليم اللغة العربية مادة أساسية فيها ولا يجتاز الطالب الامتحان سوى بالنجاح فيها بدرجة مرتفعة.
- منع تدريس اللغات الأجنبية في مراحل التعليم الأساسى في كل أنواع المدارس الخاصة والعامة والأجنبية مع التركيز على تدريس اللغة العربية.
- تدريس مادتي التربية القومية والدينية’حسب الديانات المعترف بها’ بالإضافة إلي مادة اللغة العربية في كافة أنواع المدارس .
- منع إنشاء قنوات أو إعداد برامج تلفزيونية أو إذاعية تحمل أسماء أجنبية أو عامية فضلا عن أسماء الإذاعات والقنوات .
- منع الكتابة باللهجة العامية أو كتابة الكلمة العربية بحروف أجنبية في كل وسائل الإعلام ووضع حل لمسائلة رسائل’ الشات ‘ في الفضائيات والقنوات المختلفة عبر إعادة صياغة الرسائل بالفصحي قبل بثها وهو الأمر الذي يكون له مردود تعليمي علي المتلقي وعلي صاحب الرسالة نفسها.
- تفعيل القوانين الخاصة بمنع تعليق يافطات أو الكتابة علي واجهات المحال التجارية والعيادات والمستشفيات وكذلك المنتجات المختلفة وغيرها بأسماء أجنبية فقط دون أن يقابلها الاسم باللغة العربية بشكل أكبر وأبرز وهو المشروع الذي تبناه الدكتور احمد الجويلي وزير التموين الأسبق في مصر ولكن فجأة رأيناه يقدم استقالته.
هذه هي ملاحظاتي وحلولي المتواضعة أطرحها عليكم وأدعو الجميع للتفاعل من اجل دواء شاف لهذا المرض الذي حولته سلبيتنا إلى مرض مزمن.
****
24 ديسمبر 2009
العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة
رغم الضربات السافرة التي تعرضت لها الأمة العربية ومازالت تتعرض لها علي يد قوي الامبريالية في الخارج وأزلامها في الداخل منذ عدة قرون مضت مرورا باتفاقات سايكس بيكو والحربين العالميتين وخلالهما وعد بلفور المشئوم الذي تسبب في ظهور الكيان الصهيوني الاستيطاني الإجرامي عام 1948 علي أنقاض أجزاء من الدولة السورية الكبري انتهاء بغزو العراق ومحاولة إبادة شعبه من خلال حربين أمميتين ظالمتين شنت ضده عبر 13 عاما من الحصار والتجويع انتهت بسقوطه عام 2003 ومصرع أكثر من المليوني شهيد ” راجع :
http://www.countercurrents.org/polya210309.htm’ من خيرة أبناء الأمة العربية ممن تربوا تربية قومية صحيحة وواعدة وكذلك محاولة تفتيت السودان والعبث باستقراره ووحدته وهو ما يحدث الآن في اليمن والصومال ولبنان ومحاصرة ليبيا إلا انه رغم كل ذلك تزايدت الحاجة الشعبية لهذه الوحدة القومية ومقاومة كل الأفكار التي تروج لتحويلها إلي فكرة شعوبية ضيقة مدفوعة بقيم انتهازية نخبوية علي حساب رغبة الجماهير العربية وحاجتها الماسة للوحدة والقوة.
ولعل السبب وراء صمود القومية العربية إزاء الصعوبات التي واجهتها أن تلك القومية تتوافر فيها مقومات ما كانت لأية قومية غيرها تملك هذا التعداد السكاني فضلا علي انتشارها علي رقعة جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي حتي الخليج العربي والتي تمثلت في وحدة اللغة والدم والجنس والثقافة والجغرافية والمصير الواحد والإرث السياسي والتاريخي بل والديني مما جعلها مثار حسد من قبل أمم لم تتوافر فيها مثل تلك الخصائص بذات الصورة من النضارة والخصوبة
ولقد لمس الشعب العربي ما حباه به الخالق من روابط في أزمنة تقوم فيها قوميات أخري تفتقد لمعظم تلك الخصائص الواجب توافرها في القومية الناضجة باصطناع وتأصيل روابط بين أفرادها في محاولة لخلق مبررات الوحدة بين دولهم ولذلك ثَمَّن الشعب العربي هبة الله له وراح يناضل من أجلها لا سيما بعدما شاهد القارة الأوربية التي تعرقل بشكل مستمر مشروعه القومي تسعي لاستنساخ قومية لها عبر إنشاء الاتحاد الأوربي وغيرها رغم تنوعها جنسيا ولغويا ودينيا وتاريخيا
إن الامبريالية العالمية في ثوبها الجديد وعبر مسلكها الثقافي الذي يحمل رداءات العولمة والتحرر والديمقراطية وهو بعيد كل البعد عن أية مثالية أو حسن نية يسعي وبشكل دءوب لفصل القومية العربية عن محيطها ومرجعها الثقافي المتمثل في الإسلام فى محاولة للوقيعة بين المتلازمتين وإظهارهما بمظهر المتناقضتين المتصادمتين رغم أن الإسلام يعد المرجعية الأولي للثقافة العربية بل إنه يشكل فيها ذروة السنام فضلا عن أن هذا الدين الذي استطاع أن يسود العالم في فترة وجيزة يعد استفتاء بشكل قاطع علي عالمية الثقافة العربية وعلي أن العروبة والإسلام وجهان لعمله واحدة
فقد أبقي الإسلام علي معظم العادات والأعراف العربية القديمة كالكرم والشهامة والجود والإخلاص والوفاء والصدق والعدل والصبر والوفاء وإغاثة الملهوف ونجدة المستغيث ورفض الظلم والاعتزاز بالأهل وردهم في حال التجاوز واحترام الكبير وتوقيره والرحمة بالصغير واحترام الجار وصيانة حقوقه بينما قام بتهذيب ومحو العادات السيئة منها مما يعني اعترافا ربانيا بأفضلية الثقافة العربية علي ما عداها من ثقافات أخري ولذلك اختارها لتحمل هذه الرسالة العظيمة.
ولبيان فضل العرب نشير الي ما تواترت الأحاديث النبوية الشريفة به فقد أمر صلى الله عليه وسلم : ‘أحبوا العرب لثلاث لأنني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي ‘ وكذلك’ تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق’ وامتداح النبي لأصله الشريف حين قال’ أنا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب’ وكذلك حينما عاد ليضرب لنا المثل عن قيمة التسامح العربي حينما قال ‘لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى’.
إن الإسلام بوصفه دينا عالميا لا يتصادم مطلقا مع وحدة القومية العربية وذلك لأن القومية العربية تعد هي اللبنة الأولي لهذا الدين العظيم وفي سيادته وانتشاره وفاء بها وامتداحاً لها وكذلك فإن القومية العربية لا يمكنها أن تعوق المشروع الإسلامي العالمي ما لم تكن تدعمه متي تيسرت له ظروف الوحدة الإسلامية الجامعة وأظنها لا يمكن أن تتحقق دون تحقق الوحدة العربية أولاً لينطلق منها الإسلام كما انطلق في المرة الأولي.
****
الاسبوع 28 فبراير 2010
ثقوب فى ثوب العدالة
لا أدري لماذا كلما ذكرت القوي الغربية مصطلح “الديمقراطية” أجد مشاهد الدماء والجوعي والنساء المغتصبات والأطفال الأيتام والملاجيء والعجائز والثكالي تجتاح مخيلتي , رغم أن هذا المصطلح العجيب عادة ما يثير لدي مخيلات غيري من الناس صور الرخاء والرفاهية والحب والعدالة؟
بل إنني عادة ما أتوقع من الخٌير الداعى للديمقراطية أن يكشر عن أنيابة في نهاية المسرحية العبثية ليكتشف الجمهور أنه ليس إلا ذئباً استطاع أن يخدع الجميع فترة طويلة من الوقت.
وفي الحقيقة أنا لا أجد معني واضحاً لهذا المصطلح سوي أن الجميع يفسره بما يرضي مشيئته ويحقق له أهدافه, فإذا أرادت القوي اليمين الليبرالية أو بالأحري “الإمبريالية” المزيد من السيطرة علي ثروات منطقة ما في العالم رفعت شعار الديمقراطية وراحت ترتكب بحق سكان هذه المنطقة أبشع الجرائم قتلا وتنكيلا , وإذا أرادت قوي اليسار الاشتراكي توصيف نفسها فإنها تصفها بذات المصطلح الذي تريد القوي السابقة احتكاره لنفسها , ونلاحظ هنا أن الجميع يضفي علي نفسه لقب الديمقراطية ويفسرها طبقا لمفهومه, لذلك نجد أنفسنا أمام تساؤل مهم حول مفاهيم مصطلحات “الديمقراطية” و”الأغلبية” و”العدالة”.
فهل من الممكن أن يكون معني مصطلح “الديمقراطية” ذلك التفسير الذي يصفها بأنها “حكم الشعب للشعب لصالح الشعب”كما كانوا يدرسونها لنا في المراحل التعليمية الإعدادية أم أن ذلك يعد تعريفا ساذجا فوضويا فضفاضا يكفي ليضم تحت عباءته كل “الموبقات”؟.
وهل يمكننا أن نسلم بأن نظام حكم “الأغلبية”هو نهاية المطاف للوصول إلى “العدالة” وغايتها المنشودة في تحقيق “السعادة” البشرية أم أن التاريخ يسجل أن تطور البشرية هو نتاج لجهود فردية كما أن أي نظام حكم مبني علي قاعدة “الأغلبية” يهدر طاقات “الأقلية” الخلاقة فضلا عن انه قد يقود إلى الكارثة وذلك حالما كانت اختياراتها غير مبنية علي اعتبارات علمية.
لاسيما أن كل ديكتاتوريات التاريخ صنعتها قوي الأغلبية التي عادة ما تنطلي عليها حيل “الخداع ” التي تمارسها إعلاميات قوي القلة المسيطرة فضلا عن تربيطات المصالح الشخصية لقادة الرأي وجماعات الاستغلال المحلية علي حساب المصالح الجمعية للأمة , أليس وسط كل هذا المناخ يعتبر اختيار”الأغلبية” اختيارا وهميا ونوعا من أنواع “الديكتاتورية”؟
وهناك تساؤل حول ما إذا كان تحقق مفهوم الديمقراطية أو الأغلبية يعني تحقق العدالة من عدمه؟
في الواقع ..لابد أن نجزم أولا بأن كمال الأشياء مرهون بمدي نفعها للناس واستفادتها القصوى من طاقات الشعوب بما يخدم تلك الشعوب.
وإنني استدعي هنا مصطلح “الوعي” وأعتبره متلازما لنظام “الأغلبية” وأن علاقتهما الواجبة ببعضهما البعض هي علاقة الشارط والمشروط ومتي تأكدت صحة تلك العلاقة وصحة تجاوبهما تسني لنا تلافي عوار الثوب المتهتك.
والسبب وراء اشتراط صواب اختيار”الأغلبية” ب “الوعي” أن رأي أقلية “تعلم” خير من رأي أغلبية “تجهل”وأنه ليس من العدل في شيء أن نساوي بين رأي “واع” وآخر”غير واع” فضلا عن أن رأي مجموع أصوات الأقلية في صندوق الاقتراع هي أراء أكيدة صاحبها إصرار وتيقن ومعاناة علي خلاف مجموع أصوات الأغلبية التي تصاحبها عادة المساومات والتهديدات والإغراءات وبالطبع “التزوير”.
ولا يخفي علينا أن الرسول الأكرم محمد ‘صلي الله عليه وسلم’ كان فردا يقاوم خصما من الجهل والوثنية التي لا تجتاح المنطقة العربية وحدها بل العالم بأسره شأنه في ذلك شأن جميع الأنبياء والرسل الكرام وأنهم لو اعملوا نظام “الاغلبية” الذي ننشده حينها لبقيت البشرية تغرق في الجاهلية حتي الآن ولو قاسوا أيضا الأمور بمنطقيات “الديمقراطية” الحالية لاتهموا الخليفة الراشد “عمر بن الخطاب”بالديكتاتورية والطغيان ولطالبوا بدق عنقه مع انه هو الذي شهد له أعداؤه قبل أصدقائه بكونه راعي العدالة الأول في التاريخ.
وحتي لا يفهمني البعض بطريقة خاطئة .. فأنا لا أقول إنني أقف ضد الديمقراطية ورأي الأغلبية أو أنني أدعو إلى الاستبداد بما يفهم منه مهاجمة الاختيار الجمعي ولكن علي النقيض تماما .. ولكننا نتحدث بصوت عال حول إشكاليات ومشكلات هذين المصطلحين ونحن نقف في صفهما بشدة ولكن نريد أن نضبطهما بما يخدم الهدف النهائي منهما وحتي لا تستطيع وسائل إعلام مأجورة ومغرضة قيادة أراء أغلبية تفتقد للوعي فتقودها إلى نتيجة مؤسفة لم تكن قط تقصدها اختيارات الأغلبية.
ودعونا نتساءل .. ألم يصعد أدولف هتلر إلى سدة الحكم في ألمانيا بأغلبية ساحقة”94%” ثم قادها إلى الجحيم ونجح المجرم جورج دبليو بوش لدورتين متتاليتين في أمريكا فقتل علي يديه الملايين في العراق وأفغانستان .
ونتساءل أيضاً .. ألم تكن العراق دولة مشهود لها بالازدهار في ظل حكم الرئيس الشهيد صدام حسين الذي اتهموه بالديكتاتورية ثم جاءوا بأساطيلهم تحت شعار الديمقراطية ونصبوا حكومتهم العميلة وإذ بنا نفاجأ بالدماء تفيض علي الرافدين بطريقة كتلك التي درسناها في كتاب التاريخ عن زحف المغول وأن ما قالوه عن بداية عصر الديمقراطية هو بعينه بداية عصر الاستبداد والإرهاب والقهر.
ألم تقم معظم الدول العربية بإجراء انتخابات يقولون عنها عادة نزيهة وشفافة وتحترم إرادة “التغيير” وإذ بنا نجد أن الحاكم والحاشية مازالوا موجودين في السلطة بل أنهم فازوا بأغلبية ساحقة رغم أن من قال “نعم” ممن اُجبر ترهيبا وترغيبا ومن قال “لا” كليهما متفقان علي رفضه فضلا عن أغلبية كاسحة سئمت حيل الخداع والذهاب إلى صناديق اقتراع غير معروف عنها تغيير حاكم عربي من قبل وفضلت إعطاء ظهرها للمسرح العبثي الذي تحدثنا عنه.
خلاصة القول أنه لا يمكن أن نصنع ديمقراطية ولا نحتكم لنظام الأغلبية ولا نستطيع الوصول للعدالة دون تحقيق “الوعي “وخلق مقومات تعزيز “الإرادة” وإذا تجاهلنا هذين الشرطين فإننا بذلك سنكون شركاء في تعزيز “الاستبداد” وخنق مكاسب “الشعوب”.
****
العروبة نيوز 21 مارس 2010
ماذا لو عاد الفاروق حاكما والمسيح مبشرا؟
ليس ترفاً فكرياً أن نعيد الآن طرح السؤال الذي طرحه الكثيرون من الساعين لترتيب أولويات الفكر علي مر العصور: أيهما يقود إلي الآخر.. العدل أم الحرية؟ وأيهما أكثر أهمية من الآخر؟
في الواقع إن التجارب الإنسانية أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن قيمة الحرية تعد وسيلة لتحقيق العدالة التي متي تحققت توافرت وانبثقت منها الحرية بمعني أن كليهما متلازمان ولكن لو خيرنا بالتضحية بواحدة منهما مقابل انتعاش القيمة الأخري لاختار الناس – لاسيما العقلاء منهم – التضحية بالحرية حتي تبقي العدالة.
وفي الفكر الإسلامي تقدمت فكرة العدالة علي ما سواها من عوالم الأفكار ونجده -سبحانه وتعالي – في مواضع متعددة يشير إلي العدالة كواحدة من أهم القيم التي ينبغي علي المجتمع المسلم المحافظة عليها بل إنه قدمها علي قيمة الإحسان التي تعد نهاية المطاف ودرة الخصال الواجب توافرها في المجتمع.
ومع ذلك لم نجد التشديد والجزم الذي وجدناه في قيمة العدالة عند الحديث عن الحرية سوي في مواضع الرق والعبودية وهي المواضع التي تسلب فيها الحرية كاملة.
ورغم أن الكثيرين من المفكرين الغربيين – علي اختلاف مشاربهم الفلسفية – أمثال هيجل وكيركجارد وكانط وجاسبرز ولينين وماركس- يعلون من شأن قيمة العدالة منطلقين في ذلك من مواقفهم الاجتماعية , نجد آخرين أمثال برتراندراسل وسارتر يعتبران أن الحرية هي القيمة الأعلي وأن العدالة جزء منها وقد وجهت لهما انتقادات لاذعة باعتبار أن كراهيتهما للشمولية الاجتماعية قادتهما للخروج بنتيجة لا يمكن أن تقود إلي الحقيقة.
اللافت أن قيمة الحرية بمفهومها الحالي بدأت في الظهور والتنامي متزامنة مع فترة الاستعمار العسكري وإن كان المقصود بها آنذاك مصطلح ‘الاستقلال’ ثم سرعان ما تحولت إلي الحرية الفردية مع انتشار موجة العولمة العلمانية والمقصود من ورائهما القضاء علي كل مظاهر الدولة القومية والخصوصيات الثقافية للأمم تحت وهم الأولوية للعلم وهو الأمر الذي يمكن الغرب من بسط السيطرة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية حتي السياسية والعسكرية علي المستعمرات القديمة في ثوب جديد.
ولم تكن البشرية أكثر سعادة حينما تعالت الأصوات المنادية بالحرية خصوصا في ظل معايير مبتدعة مثل الديمقراطية ونظام الأغلبية اللذين كشفت سوءاتهما أكثر مما تخبئان لاسيما في أمم اعتادت علي تزييف إرادتها التي لم تكن هي الأخري بالناضجة أصلاً.
إن ترتيباً جيدا للأفكار سيجعلنا نؤكد أن الحرية الفردية ليست إلا وسيلة لتحقيق العدالة لاسيما في تلك الأمم التي يفتقد مواطنوها الوعي جملة وتفصيلا بل إنه يمكننا القول إن توافر عنصر الحرية الفردية في مثل تلك المجتمعات قد يكون عاملاً للهدم وليس البناء، خاصة إذا كان المراد من توفير ضمانات الحرية الفردية التدليل علي وجود العدالة.
إن نظرية العادل المستبد التي شخصها عبد الرحمن الكواكبي في ‘طبائع الاستبداد’ هي فعلا النظرية المثالية للنهوض بالكثير من أمم العالم لاسيما الأمة العربية، ولذلك فإن الشعب العربي يسوقه حنين دائم إلي جمال عبد الناصر وصدام حسين وهواري بومدين وليس إلي الزعامات الحالية التي استخدمت صناديق الاقتراع ونادت بالحرية الفردية لكنها قتلت العدالة.
وأنا أتصور ولعلي لا أكون مبالغا بأن الفاروق عمر بن الخطاب مع ما عرف عنه من عدل لو عاد ليحكم بلداً عربياً الآن لوصموه بالطاغية وأن المسيح – عليه السلام – لو عاد مجدداً لصلب بحق في هذه المرة.
وبالطبع ليس العيب لا في المسيح ولا في الفاروق ولكن العيب كل العيب في زمن يساوي فيه بين العالم والجاهل ويهتم بالتفاصيل وليس الغايات ويعلي من قيمة الإجراء وليس قيمة النهاية الأمر الذي أفسح المجال بشدة للطفيليات لتنمو وتترعرع وسط رضاء خادع مع أن البشرية حتي في حالة اكتمال الصورة المثالية لا زالت تعاني من ديكتاتورية الأغلبية.
****
الاسبوع 6 ابريل 2010
عن المعقول واللا معقول
هناك ظواهر عديدة نعيشها صباح مساء ولكن لا نستطيع أن نجد لها تفسيراً علمياً، الأمر الذي يضطرنا إلي إنكارها جملة وتفصيلاً رغم أننا بذلك لم نتخلص منها أو بالأحري من وجودها.
من أهم تلك الظواهر المثيرة للجدل قوانين الصدفة والسحر والحسد وتوارد الخواطر والفراسة والمكاشفة الصوفيتين وهي كلها ظواهر لا يمكن إثباتها علمياً رغم أنها موجودة بالفعل في الحياة ولو لم تكن موجودة ما صدرت قوانين أوربية قديمة بإعدام من يمارس السحر الأسود.. وما تردد الآلاف بل الملايين يومياً علي وجه البسيطة للعرافين وقارئي الفنجان ومن يحلو لنا تسميتهم بـ’الدجالين’ لرصد الطالع وفك العمل والمس الشيطاني ولو لم يكن الناس يرون أنها تقدم حلولاً ما لجأوا إليها عبر آلاف السنين.
البعض من المثقفين يتحرجون من الخوض بشكل منهجي -ولا أقول علمياً كما سيتضح لاحقاً- في تلك الأمور خشية اتهامهم بالجهل والشعوذة رغم أن الجميع يوقن في قرارة نفسه بوجود تلك المسائل ولا أدري لماذا كل هذا الحذر في تناول ظواهر مجتمعية متوطنة في كل أرجاء العالم ومتجذرة عبر التاريخ رغم أن الأديان جميعها السماوي منها والإنساني يؤمن بها بل إن إحصاءات أوربية رصدت أن معظم ساسة العالم يستعينون بالسحرة والعرافين لتأمين حكوماتهم.
ومشكلة البشرية في رأيي -لو أخذنا الأمر بشكل أعمق وأكثر شمولية- في أنها اتجهت منذ اشتعال الثورة الصناعية الأوربية لإنكار كل ما هو غير علمي وما لا يمتلك نسقاً منطقياً وبالتالي قدست العلم وتفردت بالإيمان بالمنطق رغم أن أشياء كثيرة ومنها الظواهر السابقة لا نسق لها ولا منطق.
وفي الحقيقة أنه لو شبهنا الحياة كقطار يمشي علي قضيبين حديديين لكان أحدهما المنطق والآخر اللامنطق، لو نزعنا أحدهما لسقط القطار وتهشم.
الغريب أن الأديان السماوية التي يؤمن بها نصف سكان الأرض لو قيست بمعياري المنطق واللامنطق لاكتشفنا بسهولة عدم منطقتيها.
فالكائن المنطقي البحت ‘العلماني’ لا يمكنه أن يصدق أن لهذا الكون العظيم إلهاً يدير شئونه ويعلم ما في النفوس ويرسل الرسل وينزل الوحي ويبعث الموتي ويرزق من لا حيلة له حتي يتعجب صاحب الحيلة وبأن أولي التدبير هلكي وتقية من لا يُري تنجي من هول ما يري.
إنها ظواهر مجتمعية لم نستطع قط إخضاعها للمنطق أو للعلم والعلمانية ولكن لن نكون صادقين البتة لو أنكرناها واعترفنا بقصور علمنا الذي قادنا للوصول إلي المريخ في الوصول إلي جوهرها.
وهناك أيضاً ظواهر مجتمعية أخري قد لا تحتاج إلي بحث علمي لتفسيرها لأننا سنلجأ لإنكارها -حينئذٍ- رغم أنها أيضاً موجودة ومنها ظاهرة ‘التوفيق’ والتي يعبر عنها العامة بـ’إيده خضرا’ للشخص الموفق في كل عمل يقوم به وظاهرة ‘النحس’ وهي للشخص الذي يقف في الجانب الآخر رغم أننا لو أجرينا فحصاً ودراسة لاكتشفنا أن الشخص الموفق قد يكون جاهلاً وعشوائياً والشخص ‘المنحوس’ معروف عنه الاهتمام بالبحث والتفكير العلمي.
ويحكي ميكيافيللي في كتابه ‘الأمير’ عن حاكم لم يحالفه الحظ رغم ما عرف عنه من حكمة وحزم واستعداد عسكري واسع فخسر الحرب والملك أمام عدو لم يكن من المتوقع أن يصمد في معركة أكثر من ساعة. ويروي أيضاً عن ‘صانع الفخار’ الذي حالفه الحظ حينما هاجم الأعداء الإمارة التي ينتمي إليها وقتلوا الحاكم وكل جيوشه وانسحبوا ولم يجد الشعب أبرز وأقوي من هذا الشخص ليلتفوا حوله وينصّبوه حاكما عليهم طمعاً في أن يأخذ لهم بالثأر وهو ما حدث فعلاً، بل إن ‘صانع الفخار’ صار بعد ذلك أهم وأعظم حكام إيطاليا.
ولماذا نذهب بعيداً.. ألم يقم المصريون بثورة – هي الأولي في تاريخهم الحديث – ضد الحاكم المستبد فأطاحوا بالوالي العثماني ‘خورشيد باشا’ الذي فر مع جنوده وهنا لم يجدوا إلا جندياً من أصل ألباني ونصّبوه حاكماً ليظل ملكه منذ 1805 حتي 1952 وليعتبر مؤسس مصر الحديثة.
ثمة أشياء أخري يلاحظها الناس في جميع أنحاء العالم لكنهم لا يستطيعون الإمساك بتلابيب فهمها، فلماذا الجنوب والشرق عادة أكثر تخلفاً علمياً من الشمال والغرب ومع ذلك هو أكثر إيماناً وثباتاً؟! وليست تلك الظاهرة علي مستوي العالم فحسب بل إنها في الدولة الواحدة أيضاً بل في القرية ذاتها.
ولماذا حينما يسعد الإنسان بشكل كبير يصاب بالهم والخوف بعدها مباشرة لفترة ؟ ، لماذا نتشاءم من نعيق الغراب والبوم ونفرح بزقزقة العصافير؟.. لماذا.. لماذا؟
هي أشياء لا منطق لها.
المطلوب من رجال الدين – أي دين – وخبراء علم النفس والميتافيزيقا السعي لإيجاد إجابات شافية لتلك الملاحظات بما يخلص البشرية من هم و خوف ظل يعتريها عبر التاريخ اخذين في الاعتبار أن البشرية تسعي للخلاص من أمراض لم تدركها علوم العصر بعد.
****
باريس القدس 29مايو 2010
عن الدراما السورية وبراعم القطرية
لا أخفيكم سراً إننى منذ فترة بعيدة انصرفت عن مشاهدة السينما والدراما المصرية واعتقدت أن الفن بهذه الصورة لا يمكن أن يساهم فى تطوير المجتمعات بل قد يكون له تأثير سلبى ربما لا يصلح فيه ترميم ولا إصلاح.
وتأتى خطورة الإعلام عموما والأعمال الدرامية خصوصا مع ما يتعرض له المشاهد إثناء استرخائه وهى الفترة المثلى للتقبل اليسير والسهل للأفكار المطروحة عبر استخدام تكنيكات تهدف إلى الإقناع مثل التكرار والتجاهل والتضخيم والتهوين.
وأدركت أن إساءة استعمال الفن – وهو ما يحدث بالفعل الآن – قد خلق مشكلة قومية كبرى يعد الصمت عليها جريمة نكراء لكونه يعبث فى المكون الفكرى والتوعوى للإنسان المصرى ولا يتركه إلا حطاما يملك بقايا إنسان بحيث يصرفه بل يغيبه عن طرح ومناقشة اهم قضاياه التى تمثل له قضايا حياة أو موت ويلقى به فى جب عميق من الترهات والتفاهات والإسفاف والتبلد والاستكانة.
بصراحة اعتقدت أن كل الأعمال الفنية فى منطقتنا العربية تجرى بنفس المنطق التغييبى والهزلى وذات المنوال الذى يدار به الأمر فى مصر فأقررت حكما متسرعا يصور الفن والفنانين كأبواق تخدم المخططات الاستعمارية المرادة لبلداننا – بقصد او بدون - ولكن كان لزوجتى الفضل فى أن تصوب لى الأمر وأخبرتنى أن هناك من يقدمون فنا فعالا يخدم المجتمع وينقل الواقع وينشد الفضيلة وان متعة المشاهدة قد تجعلك لا تفارق الشاشة الا مضطرا بسبب انتهاء العرض.
فى الحقيقة كانت هذه هى المرة الأولى التى أشاهد فيها عملا دراميا سوريا ووجدتنى أمام “باب الحارة” أجد فنا يقاس فيه العرض بالثانية والكلام بالكلمة دون مط أو تطويل أو حشو فارغ ويرسم صورة إبداعية فى غاية السمو والرقى ولم أتوقف عن متابعة هذا المسلسل إلا بعد مشاهدة أجزائه الثلاث ورحت أتابع بعد ذلك الدراما السورية بشكل عام فوجدت فيها ضالتى.
أنا فى الواقع لم أشأ أن اعقد مقارنة بين الفن المصرى والسوري وذلك لأننى لا أؤمن أساساً بوجود الحدود الشعبوية القطرية الاستعمارية.
ولكن المقياس عندى يدور فى الإجابة حول سؤال : هل هذا الفن أو ذاك فنا ايجابيا يخدم الشعب والثقافة العربية أم لا ؟ وهل هو يناصر قضايا الواقع والتحرر والتنوير أم انه فن اظلامى سلبى لا ينقل الواقع ولكنه يحلق منفردا لخلق واقع وهمى يدور فى خيال هذا المخرج الشاذ او ذلك الفنان عديم الثقافة أو ذاك المأجور وهم الذين استحلوا قسرا تنصيب أنفسهم كمعبرين عن الثقافة المصرية رغم أنهم هم الأكثر مناقضة وإساءة لها .
لقد لفتت زوجتى نظرى إلى أمر غاية فى الخطورة حينما قالت لى ان الدراما المصرية لا تظهر فيها امرأة محجبة مطلقا مع ان معظم نساء المجتمع المصرى محجبات بل ان الأعمال التاريخية والدينية فى الدراما والسينما المصرية تظهر نساءا ربما كن صحابيات وهن غير محجبات بل قدموهن كمطربات كما حدث فى فيلم الشيماء.
ليس ذلك فحسب بل انه حينما قدموا مسلسلا عن صلاح الدين الأيوبى عرضوه بصورة قد يفهم منها انه “زير” نساء وليس بطلا إسلامياً تاريخيا أضفى عليه الناس نوعا من القداسة من فرط استبساله.
درسنا فى كلية الإعلام أن الوظيفة الرئيسة من الفن هى التنوير والإرشاد ثم الإعلام ثم الترفيه لكن على ما يبدو أن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب فى مصر فصارت الوظيفة الأولى للفن هى الترفية المبتذل ثم نقل مخيلة المنتج أو المؤلف والمخرج “بوصفها الحقيقة التى لا تقبل جدلاً” دون المرور بالتنوير والإرشاد.
لقد غاص الفن المصرى فى متناقضين أساسيين إما الإفراط فى “التعرى” و”الجنس” و”الخيانة” تحت دعوى”الحب ” و” الشباب”و”الحرية” أو الإفراط فى”القتل” تحت “دعوى” الواقع” و”المخدرات” و”العشوائيات” والمؤسف ان لا هذا ولا ذاك يعبر عن المجتمع المصرى.
ربما قد تكون السينما التجارية استطاعت أن تقنع قطاعا من الشباب “فاقد الهوية” لتقليدها ولكن سرعان ما يدرك هؤلاء الشباب انهم وقعوا ضحية لفن ساقط جعلوا منه مرجعيتهم ولم يفيقوا إلا مع الاصطدام بقسوة الواقع ومغايرته لخيال الافلام وهنا يجب التنويه إلى أن هذا القطاع يمثل نسبة ضئيلة للغاية من الشباب المصرى الذى تكويه نار الفقر والبطالة.
قناة “براعم” القطرية
كما استطاعت قناة “الجزيرة” القطرية أن تصبح منبرا عربيا مميزا يقف فى صف المقاومة العربية فى العراق وفلسطين ولبنان وحتى الصومال وهى المقاومة التى خذلتها معظم النظم الرسمية , استطاعت قناة”براعم” القطرية أيضاً أن تجمع أطفال العرب حولها لتقول أن هناك من مايزال يقاوم تغريب النشء والعبث بثقافتهم العربية .
لقد تمكنت تلك القناة بحق أن تؤكد للجميع أن اللغة العربية الفصحى هى أم اللغات وأكثرها جمالا وإبداعا.
وأفضلها تعبيرا وأسلسها نطقا وكتابة عبر برامج مدروسة بعناية شديدة تربط ماضى الطفل بحاضره ومستقبله وتجعل من مهمة تثقيفه أمراً يسيراً بحيث تخلق منه شاباً عربياً صالحاً.
****
الأسبوع 7 يونيو 2010
القدرة وحسن الطالع
أجدني رغم ما يحيط بنا من أحزان قومية اعتدناها جراء مذابح ‘الحريات’ التي ترتكب ضدنا صباح مساء والتي لن يكون آخرها مذبحة قافلة الحرية علي يد الصهيونية الفاشية، أجدني أميل إلي عدم خوضها لأن الجميع قد تحدث فيها وانتحي بقلمي جانباً للحديث في أشياء بعيدة قد لا يبدو للوهلة الأولي الحديث فيها مستساغاً في تلك الأوقات..
وعلة هذا الميل يرجع إلي أن أقلام الوطن كثيرة وأقلام الإنسانية أكثر ورب كثرة أفقدت الكلمات وحيها فباعدت بين لفظة ‘الجرح’ وآلام ‘المجروح’ وبين مفردة ‘الموت’ وبين ‘رهبته’ وآلام اليتامي، هنا وجدت نفسي أنأي عن تكرار ما ردده غيري وهو واجب عليَّ وعليهم وأدلف للحديث عن ‘الطالع والقدرة’ ولعل..
مسألة ‘الطالع’ توحي أول ما توحي بأن من يؤمن بها أو حتي يرددها هو شخص غيبي ينكر قدرة العقل ويفضل إلقاء اللوم علي المجهول في كل فشل.
وفي الحقيقة، وبقراءة ولو سريعة في التاريخ قد يتأكد لنا أن لـ’الطالع’ دوراً كبيراً في رسم خريطة العالم.
ويرصد نيقولا ميكافيللي – في كتابه الأمير – قصصاً كثيرة لفشل أو نجاح كان لسوء أو حسن الطالع، الدور الأساسي فيها إلا أن ميكافيللي الذي عاني هو نفسه من حسن وسوء الطالع يؤكد أنه لا جدوي للطالع دون القدرة، كما أنه لا جدوي للقدرة والذكاء دون توافر حسن الطالع.
ويضرب ميكافيللي لنا الأمثال عن صانع الفخار الذي تحول بفعل حسن الطالع في ليلة وضحاها إلي أمير للبلاد، حينما هاجم الأعداء إمارته وقتلوا الأمير ورجاله جميعاً وبعد نهب ثرواتها عادوا أدراجهم، هنا وجد البسطاء أن صانع الفخار هو أكثر السكان شهرة فنصبوه أميراً خاصة لما يمتاز به من قوة وبسطة في الجسم وحكمة في التصرفات.
هنا اختلط حسن الطالع بالنسبة لصانع الفخار وليس شعبه، مع القدرة وهي التي جعلت هذا الرجل من أشهر أمراء إيطاليا القديمة ودام حكمه وحكم أسرته بضعة قرون.
وعلي النقيض يضرب ميكافيللي مثلاً بالأمير الحازم الذي أوتيت له كل إمكانات الدوام والبقاء إلا حسن الطالع فهزم في معركة كان يجب أن ينتصر فيها ولو بربع جيشه، رغم ما عرف عنه من دهاء.
ويقول ميكافيللي إن قدرة بدون حسن طالع تعني فشلاً وإن حسن طالع مع نصف قدرة يعني انتصاراً.
وتأكيداً لهذه الرؤية يؤكد أحمد ميشيل عفلق أنه لا يستطيع أن يصدق أن هذه الأجيال العربية المتعاقبة لم تنتج لنا سوي ابن سينا وابن النفيس والخوارزمي وغيرهم ويشير إلي أن الحياة فرن جبارة احترقت بداخلها ملايين العبقريات والإبداعات وحرمت عالمنا العربي من ثمارهم، وأنه متي هيأنا للمواطن العربي عيشة رغدة جنبنا انصراف جهده إلي تلبية حاجات بيولوجية تحول دونه والإبداع.
ويقصد عفلق أنه ليس بالتأكيد أفضل كتابنا وعلمائنا من هم يطفون علي السطح الآن وأنه لولا سوء الطالع لكان بيننا بدلاً من أحمد زويل ويحيي المشد أو فاروق الباز الآلاف أمثالهم فقط لو تهيأ لهم حسن الطالع من خلال إمكانية في التعليم وتوفير لقمة عيش سهلة وموضوعية في التعيين والتدرج الوظيفي ومناخ عام يساعد علي الإبداع.
وفي التاريخ العربي يلعب حسن الطالع دور الأسد علي مسرح الأحداث، فها هو قطز يفر من آسيا ويباع في سوق العبيد ويرسو به المطاف إلي مصر فيهئ له حسن الطالع كاملاً للقيادة ويصير هذا الفتي المطارد من قبل المغول أميراً للبلاد فيلتحم حسن الطالع مع القدرة ويحقق النصر التاريخي علي المغول في بلد كان يصحو فيه الشعب كل يوم تقريباً علي صليل سيوف الانقلاب والانقلابيين.
وها هو محمد علي الجندي الألباني حاكماً لمصر بعد ثورة شعبية عزيزة في التاريخ المصري، حيث هيأت الظروف السيئة الثورة للمصريين ضد الوالي العثماني خورشيد باشا الذي فر دون قتال ولم يعد رغم أنه كان قادراً علي طلب النجدة فقام المصريون العازفون عن لعبة كراسي الحكم بتقديم محمد علي والياً للبلاد وهم يقصدون جعله قرباناً لغضب الخليفة العثماني إلا أن محمد علي صنع أعظم امبراطورية عرفتها مصر ودام حكم أسرته نحو القرن ونصف القرن وسار مؤسس مصر الحديثة.
وحتي في تأسيس الجيش المصري الحديث قصة عجيبة فالكولونيل ‘سيف’ وهو جندي من جنود نابليون المنهزم عز عليه أن يصير فلاحاً وقاده الشوق إلي حياة الحربية وتنامي إلي مسامعه أن بلاد فارس تؤسس جيشاً حديثاً من المرتزقة فقصد الالتحاق بهذا الجيش ولكن توقفت السفينة التي تقله قبالة سواحل الاسكندرية لعدة أيام، فراح يعرض نفسه علي حاكم الاسكندرية الذي أرسله إلي محمد علي بالقاهرة والذي قام بدعوته لتأسيس الجيش المصري ويكون وزيراً له.
وفي ثورة يوليو المجيدة 1952 يؤكد الضباط الأحرار أنه لو كانوا قد تأخروا يوماً واحداً عن يوم 23 يوليو لكانوا قد أعدموا في المقاصل الملكية بعد افتضاح أمرهم.
وحتي بعد الثورة ما كان للرئيس السادات أن يتصور وهو يعمل ‘حامل أمتعة’ في محطة قطار نجع حمادي في حيلة للتخفي من البوليس السياسي الملكي أن يصير بعد نحو 20 عاماً حاكماً للبلاد.
وحتي الرئيس مبارك ما كان يتصور حينما كان ضابطاً في الكلية الحربية أن يحكم هذه البلاد لولا دوره في حرب أكتوبر.
نعم هناك حسن للطالع ولكن لابد أن يقترن بالقدرة.. فقدرة كبيرة وحسن للطالع تعني خلق زعيم كبير وهو ما حدث مع سايس الخيول خروشوف الذي تحول إلي زعيم للاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم وقواه الضاربة.
نحن لا ننفي القدرة ولكن قدرة بمفردها لا يمكن أن تنجح لولا حسن الطالع الذي هو بالتأكيد التوفيق الرباني، والخلاصة أن حسن الطالع والقدرة التي هيأت للكيان الصهيوني البغيض الولادة في عام 1948 آخذة في الاندثار وأن أياماً مقبلة سيئة الطالع تواجهه ولن تغني عنه قدرته .
****
محيط 25 يونيو 2011
عن منطق الاستبداد فى عالمنا العربى
فى كتابه الأشهر “الأمير” عرض نيقولا ميكافيللى على أميره أمير “فلورنسا” الذى كان يتأهب لغزو إحدى الإمارات المجاورة له- فى سعيه لتوحيد واستعادة أمجاد الإمبراطورية الرومانية الممزقة- ثلاثة أساليب لغزو تلك الإمارة أولها أن يذهب الأمير بنفسه على رأس جيشه لغزوها ولكن نصحه هنا بتجنب هذا الخيار لأنه قد يفقد إمارته الأصلية بعد تغيبه فيستقل “النبلاء” بها.
وثانيها أن يجرد جيشا لغزو تلك الإمارة وهنا حذره من أن يستقل قائد الجيش بالإمارة الجديدة ويكون كمن استبدل خصما بخصم.
وثالثها أن يجرد الأمير جزءا من جيشه ويبقى على الجزء الآخر فى إمارته الأصلية ثم يتوجه لغزو تلك الإمارة الجديدة ويقوم هناك بالتنكيل بوجهاء القوم “على طريقة اضرب المربوط ” ويختار شخصا ينتمى لأحط العائلات من تلك الإمارة وأكثرها سفها وإجراما وأقلها عدداً وينصبه أميرا على تلك الإمارة ثم ينسحب بقواته بعد ذلك , وقال له “ميكافيللى ” إن الأمير الذى ستنصبه سيكون أكثر ولاء لك من أى من جنودك الأوفياء وأنه سيقمع شعب إمارته أكثر من القمع الذى كان من الممكن ان تلحقه جيوشك بهم كما أنه دائما سيعتبر شعبه عدواً له بينما سيعتبرك الصديق الصدوق وسيرسل لك كل خيرات إمارته دون حرب أو عناء.
ويقول عبد الرحمن الكواكبى فى “طبائع الاستبداد” إن الحاكم المستبد يسعى دائما لتجهيل شعبه وتغييب وعيه وذلك لأن وجود الشعب الواعى يعنى فى المقابل مزيدا من القلاقل أو الثورات على الاستبداد, كما أن الحاكم المستبد يسعى لربط الشعب به وبنظامه , بحيث تتدخل الدولة فى كل صغيرة وكبيرة لحياة الفرد , الأمر الذى سيصيب الإرادة الفردية أو حتى الجمعية للشعب بالترهل والعطب , ومن ثم يقاس مدى شقاء الإنسان أو سعادته وتلبيته لحاجته الطبيعية بمدى قربه أو بعده من الحاكم.
واتفق “الكواكبي” مع “ميكافيللى” فى أن الحاكم المستبد يجيد اختلاق الأزمات التى تشعر الناس بالخوف والقلق من المستقبل والواقع معا , ومن ثم يهرولون إليه طلباً للحماية وهنا يقوم باحتضانهم مقنعا إياهم بأنه يصنع معجزة يومية من أجل حمايتهم والإبقاء على حياتهم.
كما أن الحاكم المستبد لا يجب أن يكون سخيا على شعبه بشدة ولا مقتراً بشدة ولكنه فقط يعطيهم “كسرة” من خبز رغم أنه يستطيع منحهم رغيف الخبز كله , وذلك لأن الشعب الجائع بشدة سيكون أمامه طريقان إما الثورة أو أن يسلك مسلك التجريب “الحاجة أم الاختراع ” فينجح , وبالتالى يخرج من حظيرة هذا الحاكم المستبد , وكلاهما خطر , كما أن السخاء الذى يشبع الشعب سيقوده إلى أمرين إما أن ينصرف الى العمل السياسى بعدما تمت تلبية حاجاته البيولوجية أو ينصرف عن الحاكم ولا ينفذ أوامره , كما أن السخاء الشديد قد يفقد الحاكم ثروته عملا بمبدأ “خذ من التل يختل” ويصبح بعد فترة ليس لديه ما يقدمه للشعب فيثور عليه.
والحاكم المستبد يعادى العلم ويخرب المنطق ويقتل الطموح لدى شعبه , فيقوم بمعاقبة المثقف ويكافىء الجاهل و السطحى و التافه, يعلى من قيمة لاعب كرة القدم و”المشخصاتى” وكل عمل لا ينتج جديدا – بحسب زماننا – ويحط من شأن العالم والمخترع والصانع والزارع والمدرس والدارس والطبيب والمهندس , بل إنه يعلى من قيمة العمل التافه فى كل تخصص ويقتل الإبداع والمبدعين لأنه يريدها أرضاً جرداء حيث يمكن أن تنمو الطفيليات .
وذكر لى صديق بالغ الاطلاع والثقافة أن إحصاءً أممياً أصدرته منظمة العلوم والثقافة العالمية – لم يتسن لى التأكد منه- أكد أن نسبة الأمية السياسية فى مصر تصل إلى 94.7% .
والحاكم المستبد يمتاز أيضا بالقسوة المفرطة فى حين , واللين المفرط فى حين آخر , وينصح “ميكافيللى” أميره بأن يستخدم القوة المفرطة ضد أعدائه بحيث إنه ينتقم منهم انتقاما يغنيه عن خشية انتقامهم فى أى وقت لاحق , بل ويجعل منهم عبرة لمن يعتبر , كما أنه يجب أن يبدو لينا ودوداً ويتقلد وشاح الإنسانية طالما كان الأمر فيه أمراً إنسانياً لأشخاص لا يكنون عداء له .
فى الحقيقة إن “ميكافيللى” رسم منذ عدة قرون خارطة طريق للاستبداد اقتدى بها كل التبع الطالح من بعده , رغم أنه لم يكن شريرا قط بل كان وطنيا قوميا عاشقا لبلاده كما لم يكن عاشق من قبل , بدليل أنه وجد ميتا وحيدا عن عمر 33 عاما بسبب الجوع والبرد , بعدما كان سفيرا نابغا لبلاده فى سن التاسعة عشرة , ولم يكن يدرى أن نصائحه تلك ستصير مرجعا أساسيا لكل نظم الحكم فى العالم من بعده, وأن أول من المستفيدين منها هم أعداء بلاده, وأنها أتعست فيمن أتعست بلداننا العربية وشعوبنا فوجدنا حكاما على شاكلة “مبارك مصر” و”زين عابدين تونس” وغيرهم كثيرين فى الممالك والإمارات والجمهوريات العربية يطبقونها باستخدام القلم والمسطرة , فصرنا أمة مستعمرة بدون جيوش للأعداء , فقيرة رغم أن جبالها تنضح بالنفط والمعادن , جاهلة ونحن امة أوصى دينها أول ما أوصى بالقراءة , أمة خائفة مرتعدة جبانة ونحن فينا حمزة والمعتصم وعنترة وشمشون وغيرهم وأدبيات ثقافتنا تحض على الشهامة والشجاعة والإباء , أمة تجمع بين كل مقومات الوحدة ولكن ممزقة إلى حد التهتك.