السبت، 25 مارس 2023

سيد أمين يكتب: الإبراهيمية.. حوار أم دين جديد؟ "رؤية مغايرة"

 

منذ أكثر من عقد من الزمان حذرت الدكتورة زينب عبد العزيز، أستاذة اللغة الفرنسية التي ذاع صيتها، ليس بسبب ما ترأسته من مناصب علمية عديدة في مجال تخصصها، ولكن بسبب نشاطها الدعوي؛ من مخطط ماسوني خطير لتخريب الأديان، ودمجها في دين واحد يسمى الدين الإبراهيمي.

لم يأخذ كثيرون هذا التحذير على محمل الجد لكونه خارج نطاق المعقول، واتهم آخرون الدكتورة زينب بـ"التهويل"، لكن الأيام أثبتت أن تحذيراتها كانت جادة جدا، خاصة حينما اجتمعت وفود من عدة دول لافتتاح بيت العائلة الإبراهيمية، التي تضم مسجدا وكنيسة مسيحية وكنيسا يهوديا في دولة الإمارات العربية المتحدة.
البيت تمت الدعوة لتدشينه خلال زيارة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر برفقة بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني للإمارات عام 2019 وتوقيعهما على وثيقة "الأخوة الإنسانية"، إلا أن ما تبع هذا الإجراء من دعوات لتوحيد الديانات السماوية الثلاث في دين واحد، جعل الرجلين لم يشاركا في حفل الافتتاح الذي تم في شباط/ فبراير الماضي.

شيخ الأزهر

على ما يبدو أن الشيخ الطيب استوعب الشَرَك الذي أرادوا إيقاعه فيه هناك، فراح يوضح موقفه بانتقاد هذه الدعوة الخبيثة في أثناء حضوره حفل افتتاح بيت العائلة المصرية، قائلا؛ إن هناك محاولة للخلط بين تآخي الإسلام والمسيحية في الدفاع عن حق المواطن المصري، وبين امتزاج هذين الدِّينين، مؤكدا أنَّ اجتماع الخلق على دِين واحد أو رسالة سماوية واحدة مستحيل، ووصفها بأنها تبدو في ظاهرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، لكنها في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار". 
حتى قامت الأمانة العامة للبحوث الاسلامية بالأزهر في منتصف الشهر الجاري بإصدار بيان قوي، مؤكدة أن الديانة الإبراهيمية كفر صريح بالإسلام، ولا تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية ولا مع فروعه، وتُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

بهذا، قلب الطيب الطاولة على من ظنوا أنهم نجحوا في خداعه، بما يمثله منصبه كشيخ للأزهر من قامة كبيرة جدا في العالم الإسلامي، فتغيرت نبرة التفاؤل عندهم إلى تشاؤم، وتوخى الجميع الحذر.

محاولات خداع

هناك من يحاول أن يوعز للناس بأن الفكرة جاءت فقط عقب توقيع الإمارات والبحرين اتفاقات للتطبيع رسميا مع إسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأن نص الاتفاق المنشور على صفحة وزارة الخارجية الأمريكية لا يتحدث عن دين جديد، ولكن عن تآخٍ وحوار سلام بين الديانات السماوية الثلاث.
لكن التحذيرات التي أطلقها مراقبون كُثر، منهم أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان بجامعة الأزهر د. إسماعيل علي، والدكتورة زينب عبد العزيز التي أسلفنا الحديث عنها، عن هذا المخطط، حدثت قبل عقدين من الزمان، وقبل وصول ترامب للسلطة في أمريكا، وبالتأكيد قبل التطبيع "الرسمي" الإماراتي مع إسرائيل، يلقي ظلالا من الشك عليها، يؤيدها ما سرده الإعلام الغربي من دلائل على أن دينا جديدا يتشكل في الأفق.
والتاريخ يثبت ذلك، ففي 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1986 دعا بابا الفاتيكان السابق إلى إقامة صلاة مشترَكة من ممثلي الأديان السماوية الثلاثة، وذلك بقرية أسِيس في إيطاليا، ثم كرر هذه الدعوة مرات أخرى باسم "صلاة روح القدس"، ونفس الأمر فعله بابا الفاتيكان الحالي عام 2021 في أثناء زيارته إلى مدينة أور العراقية.
ويقول الدكتور إسماعيل علي: "نقرأ منذ 1811 عن "الميثاق الإبراهيمي الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين، رسّخه لويس ماسينيون في مقالة نشرها عام 1949، ثمّ تحوّلت الديانات الإبراهيمية إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها".

الكاسب والخاسر

كثير من المراقبين يرون أن الدعوة الإبراهيمية -في بُعدها الذي يصفها بأنها مجرد دعوة للاحترام المتبادل وتعظيم نقاط الالتقاء بين الديانات الثلاث-، لا يصب إلا في مصلحة اليهودية، حيث إنها هي الدين الذي يؤمن به الآخران، وأن الخاسر هو الإسلام لكونه الدين الذي لا يؤمن به كليهما، بينما هو يؤمن بهما.
ولعل تلك الرؤية وما قد يكون خطط له خفية من التحول التدريجي من "الحوار بين الكيانات المنفصلة" إلى "المزج في كيان واحد"؛ هو ما جعل الشيخ الطيب يتراجع، فيما يرى آخرون أن الخاسر الأكبر حينئذ ستكون المسيحية، حيث إن اليهود والمسلمين متفقون دونها تقريبا في معظم المسائل اللاهوتية، وهناك تشابه كبير في الفقه والحدود بينهما، ومن ثم فإن فرص التفاهم معها ستكون الأقل.
وبين هذا وذاك، يأتي فريق ثالث يرى أن الغانم الأكبر هو الإسلام، حيث ستمنحه فرصه ذهبية لشرح مبادئه السامية للعالم بعيدا عن حملات التشويه، ما يمكنه من محو الصورة النمطية التي صنعتها الدعاية المتطرفة عنه في العالم، وبأنها دعوة للمباهلة بهدف إظهار الحق وإزهاق الباطل، تمكينا لقوله تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:64).
وكذلك هي فرصة لتقديم رؤية إسلامية للوصايا التي قدمها اليسوع عليه السلام لأحد كتبته في الإنجيل بقوله: "إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (مر 12: 29).
ورأى هؤلاء أن الفهم العميق للبيت الإبراهيمي في منظوره كمنبر للتفاهم والحوار بين الأديان، سيقود الجميع في النهاية إلى الإسلام، وأن ذلك ما قد يكون دفع بابا الفاتيكان إلى عدم حضور حفل الافتتاح.
على كل حال، يجب أن نأخذ في الحسبان أن فكرة التآخي على ما فيها من مثالية، هي ذاتها الشعار الذي تستخدمه الماسونية لتحقيق مآربها الشريرة، لا سيما لو تحولت لدين جديد، كما قد يتم الترويج لها مستقبلا.

https://arabi21-com.translate.goog/story/1501741/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D9%85-%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF?_x_tr_sl=ar&_x_tr_tl=en&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=wapp

الاثنين، 20 مارس 2023

سيد أمين يكتب: لهذا يصرون على حبس عمران خان

قد لا يصدق أحد في الشرق الأوسط أن هذه الحملة الأمنية الصارمة التي تشهدها باكستان هذه الأيام من أجل تنفيذ حكم قضائي بالقبض على رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، إنما هي لمحاكمته في قضية اتهامه ببيع 4 ساعات ذهبية تلقاها هدايا في فترة توليه السلطة تقدر قيمتها بنحو 100 ألف دولار فقط.

ولا يصدق أيضا أن عمران خان نفسه هو من بادر بتقديم وثائق لهيئات ضريبية تثبت أنه قام بشرائها من أمواله الخاصة بصفته من أشهر لاعبي الكريكيت في العالم سابقا، ومن حقه بيعها في أي وقت، خاصة أنه في عام 2019 أصدرت مفوضية الانتخابات الباكستانية تقريرا بامتلاكه ثروة قيمتها نحو 700 ألف دولار وقصرا قيمته 4.7 ملايين دولار أمريكي هي حصيلة بيع شقته في لندن.

ومصدر عدم التصديق هنا هو تلك المبالغة التي يحلو للإعلام الغربي والحكومي الباكستاني على حد سواء وصفها بجمل كبيرة من عينة “محاكمته بتهم فساد” أو “قضية الهدايا الثمينة”، وذلك بغرض أن يأخذها من لا يدري على عواهنها فتتخلق لديه صورة ذهنية سيئة عن الرجل، في حين أن المبلغ محل الحديث -إذا صدقت تلك الاتهامات- لا يتعدى مصروفات تكفي ليوم واحد من فسدة بلادنا.

تاريخ من اللامنطق

ولعل هناك من يستغرب عدم قيام عمران خان بتسليم نفسه لحضور جلسة محاكمته خشية اغتياله، لكن من يعرف التاريخ هناك يدرك ببساطة أنه لا مكان أبدا للمنطق فقد اغتيلت رئيسة الوزراء بينظير بوتو وسط حشد من جماهيرها، وأعدم أبوها ذو الفقار علي بوتو بينما كان رئيسا للوزراء وهو الذي خطط لتملك بلاده القنبلة النووية، أما عبد القدير خان الذي أهدى البلاد هذه القوة الاستراتيجية فتم سجنه وتخوينه ومنعه من السفر حتى مات في ظروف غامضة.

 خاصة أن الرجل تعرض فعلا لمحاولة اغتيال في نوفمبر 2022 أودت بحياة أحد أنصاره وأصيب هو في قدمه مع أحد آخر.

وليس من العجيب أن عمران خان حينما علم بما يدبر له بسحب الثقة من حكومته في البرلمان، استخدم في 3 أبريل/ نيسان 2022 حقه القانوني في إعلام رئيس باكستان بطلبه حل البرلمان لكن بدلا من أن يستجيب الرئيس للطلب كما هو متعارف عليه، وجدنا البرلمان يعقد في 10 أبريل من نفس الشهر جلسة غامضة وعلى عجلة لم تتح لأعضاء حزب الإنصاف الذي يترأسه خان حضور الجلسة، ويقوم بسحب الثقة من الحكومة.

ولعل هناك دلالات كبيرة في أن حدة الهجمة على عمران خان التي حدثت أثناء فترة حكمه تصاعدت بعد تقربه من روسيا والصين وسعيه للتكامل مع حركة طالبان أفغانستان، وهو ما أعلنه عمران نفسه قبل أن يطاح به من أنه تلقى تهديدات أمريكية.

نية مبيتة

المهم أن خان سارع بتقديم تعهد خطي للقوات التي تحاصر قصره في وسط إسلام آباد وتقود اشتباكات عنيفة مع أنصاره بأنه سيمثل أمام المحكمة، لكن فيما يبدو هناك نية لتصويره على أنه يستهزئ بأحكام القضاء وأنه يعتبر نفسه فوق القانون.

ولو كان في الأمر قدر من الحكمة لقبلت قوات الأمن التعهد وانتظرت الساعات الثماني والأربعين الباقية على موعد المحاكمة، فإذا أخل الرجل بتعهده كرت مجددا على قصره وأبطلت مزاعمه، لكنها رفضت قبول التعهد، مما يؤكد أن النية مبيتة للتصعيد وإخفاء الرجل في السجون بأي ثمن كان قبل المحاكمة المزعومة للحيلولة دون تواصله مع أنصاره، وهي إرهاصات تشير إلى نية لإدانته قبيل الانتخابات المقبلة في إقليم البنجاب.

وإذا نجا خان هذه المرة من الإدانة فقد أُعدّ له شرك محكم بسيل من البلاغات ضده بلغ 83 بلاغا، مع قضيتين أخريين تفصل فيهما المحاكم في البلاد، إحداهما حول ازدراء القضاء، والأخرى متهم فيها بالإرهاب!!!

وقد ظهرت النيات السيئة مبكرا حينما عينت لجنة الانتخابات الباكستانية في يناير/ كانون الثاني الماضي مرشح الحكومة المركزية سيد محسن رضا نقوي رئيسا مؤقتا للوزراء في إقليم البنجاب بعد حل عمران برلمان الإقليم الذي يسيطر عليه حزبه، وجاء قرار اللجنة بحجة فشل الحكومة والمعارضة على مدى أسبوع في اختيار شخص يشغل منصب رئيس الحكومة.

 شعبية جارفة

لكن الأمر الذي يحسب له الجميع حسابا هو أن عمران يتمتع بشعبية جارفة في عموم باكستان ولا سيما في أقاليم البنجاب وبين قبائل البشتون التي ينتمي إليها والتي تعتبر واحدة من أكبر قبائل باكستان وأفغانستان.

ومع تدني مستوى عمل حكومة شهباز شريف، وتردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد، نظر كثير من الشباب الباكستاني إلى عمران خان على أنه الرجل المخلص للبلاد من الفساد وأنه الأجدر بتولي زمام الأمور.

ولعل هذه الحالة ومخاطر تحديها هي الشيء الوحيد الذي حال دون إخفاء عمران خان في ظروف سريعة وغامضة، وهي في نفس الوقت التي تبقي موقد النار متقدا.

المصدر : الجزيرة مباشر

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/3/16/%D9%84%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%B5%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%A8%D8%B3-%D8%B9%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D9%86

الأربعاء، 1 مارس 2023

سيد أمين يكتب: الزواج الحرام.. العلمانية والقومية العربية

 

لا أعرف كيف تم دس العلمانية في الفكر القومي العربي، خاصة أن هذا النوع من العلمانية يتقوت على أيديولوجية وضع الدين في حالة الاصطدام مع القوم، في حين أن القوم أنفسهم -وهم الواجب على القوميين أن يبرزوا ويُعلوا من شأن خصائصهم الفريدة- لا يقدسون إلا هذا الدين بل ويعدّونه المميز الوحيد لقوميتهم، والأسمى مرتبة منها.

ولِمَ لا؟ وهو الدين الذي ميزهم بأنه اتخذ منهم رسولا يُذكر اسمه في كل صلاة يوميا في أرجاء العالم كافة، واتخذ من لغتهم التي تُنسب إليها قوميتهم لغة وحيدة لأسمى مراجعه المقدسة.

أكاد أجزم بأن ثمة مؤامرة فكرية عشناها على مر العقود الماضية، وضعت العربة أمام الحصان، تعالت فيها فكرة القومية العربية على هذا النحو المريب والمعوج فاتخذت من الإسلام خصما لها، بدلا من أن تجعله عمودها الفقري، مما نجم عنه أن تهالكت العربة وكاد الحصان يفلت من بين يديها ليذهب إلى أقوام آخرين تقدّر قوته.

تجربة الدولة العثمانية

لعل تلك الفكرة تنامت في وطننا العربي بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1923، وهي الدولة التي كانت تقدّر خصائص العربية وتعلي من شأنها ولم تجرؤ أبدا على الاستهانة بها، فكان هذا سببا من أسباب التمدد الهائل لها في رقعة خريطة العالم، مساحة وزمنا، وكان سببا أيضا في أن تقدّر الأمصار كلها تلك الخلافة العظيمة.

خاصة حينما جعلت اللغة العربية جزءا أصيلا من الهوية القومية التركية، وجعلتها لغة العلوم والثقافة والتعليم، رغم أن التركية كانت هي اللغة الرسمية في الداخل التركي في حين كانت العربية والتركية والفارسية هي اللغات الرسمية للخلافة العثمانية، وبذلك حظيت العربية بنصيب هائل من العناية فصارت لغة تفكير حضارية في كل الأصقاع الإسلامية التي تستظل بمظلة الباب العالي.

ولهذا، فحينما يئس الاستعمار الغربي المتربص بالإمبراطورية الجامعة للعالم الإسلامي من إمكانية كسرها عسكريا وسياسيا وثقافيا، لجأ إلى تفتيتها من الداخل عبر الزج بالكثير من المخدوعين والمتأمرين وضحال الآفاق في جميع أمصارها، ليدعوا إلى فصل قومياتهم عن الإسلام، فخُدع الترك بالتتريك، وخُدع العرب بالدولة العربية الكبرى، وخُدع الفرس بإعادة أمجاد الأكاسرة والساسانية، وهكذا في القوميات كلها.

وكانت النتيجة أن سقطت الدولة العثمانية لكن لم تنهض تركيا ثانية لعقود طويلة بخلاف ما أرادها المنكمشون في داخلهم، وسقط العرب والفرس في الاستعمار الحقيقي والمتخفي بدلا من أن يتحرروا، وتفتت رقعة بلادهم أيما تفتيت.

علمانية هنا ودينية هناك

في حين أن دول أوربا ربطت لفترات طويلة في تاريخها بشكل مباشر بين الهوية القومية والدينية، لدرجة يمكن فيها اعتبار أن نزاعاتها التي أدت إلى كل الحروب الداخلية والخارجية المعروفة بينها، كانت في الأصل نتائج للتعصب المذهبي والقومي بينها.

فضلا عن أن العلمانية نفسها هناك أُقرّت للحيلولة دون الفشل الدائم في منع الصدام القومي والمذهبي، وقد ساعد على نمو التجربة ونجاحها هناك افتقار المسيحية إلى “الفقه “و”طقوس الحياة اليومية” التي تتوافر في كثير من الأديان في العالم ومنها الإسلام.

لذلك نجد الفلسفة العلمانية الغربية الظاهرة تقول “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، لكننا نحن -المسلمين- مأمورون في ديننا بأن نُحكّم الدين عندنا في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، لأن ديننا هو دين ودنيا، وبالتالي فحينما نتحدث عن القومية العربية فلا بد من ربطها بالإسلام.

كما يوجد الكثير من الأحزاب القومية، والدول القومية، والأقاليم القومية، يكون فيها الدين أو المعتقد أو الثقافة هي المحاور الأساسية لتشكل الانتماء القومي، لا سيما في الهند وبورما والكثير من بلدان شرقي آسيا، وجنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.

بل إن هناك أناسا من أوطان وأجناس ولغات وألوان متنوعة، تمترسوا حول دين جامع بينهم ليجعلوه هو القومية التي تجمعهم، تماما كما فعلت “إسرائيل”، التي لم تكتف بأنها سرقت الأرض التي تجمعت عليها كل هذه الأجناس غصبا، بل أقرت قوانين تسلب من غير اليهودي مواطنته، وبالطبع تقصد بها صاحب الأرض الأصلي.

ولعل من العجيب حقا أن تجد أحزابا قومية في العالم غير الإسلامي تحتفي عمليا بدين القوم الذين تمثلهم، في حين أن قوميينا العلمانيين يجعلونه مجرد شعارات لزوم “اللقطة” يرفعونها بخجل وعلى استحياء كلما اقتضت المنفعة، وفي كثير من الأحيان يقودون حملات الصدام معه.

والخلاصة أن كثيرا من القوميين العرب ولأسباب مريبة بدّلوا انتماءهم إلى قوميتهم بالانتماء إلى فكرة العلمانية الفضفاضة، وليتهم فهموا جوهرها، فهم استخدموها -فقط- لكسر الإسلام، وما هو بمنكسر حتى تقوم الساعة.

…..

بعد كل ذلك يأتي السؤال: لماذا نحن -العرب- صرنا نغمط الحق ونغبط الباطل، ونجيد تحطيم مصادر قوتنا بأيدينا في المجالات كافة؟

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر


https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/2/27/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9

أو

https://mubasher.aljazeera.net/opinions/2023/2/27/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9

الجمعة، 24 فبراير 2023

سيد أمين يكتب: قيس سعيد والمسارات الغامضة

  

يتلقى الرئيس التونسي قيس سعيد الصفعة تلو الأخرى من الشعب التونسي من دون أن يتعظ، أو يطور مساراته -التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة- لتكون مقبولة شعبيا، فيقع دوما في نفس الشرك الذي نصبه للآخرين، بعدما أصمّ أذنيه عن جميع الناصحين الذين لم يألوا جهدا في نصحه بكافة الطرق بضرورة التراجع عن مسار 25 يوليو/ تموز الغامض الذي فرضه على الشعب التونسي، من دون هدف منطقي يستحق اللهاث خلفه.

لكنه أصرّ على الهرولة إلى الأمام، واضعا نصب عينيه تجارب آخرين نجحت مثل تلك الهرولة في إبقائهم في السلطة، متناسيا اختلاف تونس عن غيرها في أن لديها قضاء لا يزال خارج التدجين ولو نسبيا، وجيشا لم ينغمس بعد في الحياة السياسية حتى الثمالة، وأن الشركاء أو الرعاة الغربيين مشغولون الآن بإشعال أو إطفاء عشرات من النيران المشتعلة الأولى كثيرا بالاهتمام.

ولا يدري أحد ما العائد على تونس، أو شعبها الذي يعاني الأمرين اقتصاديا، أو على التجربة الديمقراطية، ولا على قيس سعيد نفسه، من تلك المسارات والحروب “الدون كيوشتية” التي يخوضها، في حين كان الأولى به الاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بدلا من تنظيم انتخابات وراء انتخابات وراء انتخابات تقاطعها الأغلبية الكاسحة التي لا تجد جدوى لها، والسعي لعسكرة البلاد واعتقال الحقوقيين والنشطاء والصحفيين والبرلمانيين وقادة الأحزاب المعارضة انتهاء بطرد الأمين العام لاتحاد النقابات الأوربية.

ردود سعيد

لم يتعظ بأن نسبة المشاركين في الاستفتاء الدستوري لم تتجاوز11% من الناخبين وهي أقلّ نسبة مشاركة في كل تاريخ تونس، ولم يتعظ بنزول عشرات الآلاف في عدة تظاهرات متتالية يطالبونه بالتوقف الفوري عن كل الإجراءات التي اتخذها منذ أن جاء للسلطة، ولم يتعظ بفشل ما أسماه الاستشارة الإليكترونية وما نالته من سخرية وانتقاد واسع في البلاد، ولم يتعظ بمهزلة الحوار الوطني التي أقصى منها الجميع وراح يتحاور مع أنصاره، فراح يمضي قدما إلى إجراء انتخابات برلمانية كانت نتائجها هي الأخرى مقروءة منذ البداية، وحصلت المشاركة فيها على نفس النسبة التي حصل عليها دستوره.

ولعل المدهش حقا هو تعليق الرئيس على نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في جولتيها، حيث لم يجد ردا على نتائج الجولة الأولى التي جرت في 17 ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي شارك فيها التونسيون بنسبة 11%، سوى قوله “إن نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدورة الأولى بل بالدورتين” وإن “المشككين يشبهون من يعلنون نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول”.

وحينما أعلنت نتائج دورة الإعادة في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي وكانت بنفس نسبة المشاركة في الدور الأول راح يردد مبررا عجيبا لا نعرف كيف اقتطعه ويحاول جعله منطقيا وهو أن نحو 90% لم يشاركوا في التصويت لأن البرلمان لم يعد يعني شيئًا بالنسبة لهم، وعلى طريقة مات المولود وماتت الأم ولكن نجحت العملية علق قائلا “إن الأهم أننا حافظنا على مواعيد الانتخابات”.

وبالقطع إزاء مثل هذه التبريرات قد يتساءل أحد: بما أن البرلمان القديم فاشل، والبرلمان الجديد فاشل، والدستور القديم فاشل، والدستور الجديد فاشل، والحكومة القديمة فاشلة، والحكومة الجديدة فاشلة، لماذا لا نجرب تغيير قائد السيارة نفسها لعل تونس تصل إلى وجهتها بسلام؟

وحصر سعيد الوطن في ذاته وصار كل من يخالف توجهاته عدوا لهذا الوطن.

النواب الجدد

مشهد الانتخابات التشريعية الأخيرة يشي بالكثير، فبغض النظر عما يردده كثير من المراقبين التونسيين عن أن المرشحين في الانتخابات البرلمانية هم في الغالب شخصيات غير معروفة، وليس لهم سوابق في العمل النيابي حتى لو في المجالس القروية سوى عدد قليل منهم ينتمي لأسر الحظوة لنظام بن على، فإنهم أيضا يتحدثون بنغمة واحدة تشبه خطاب الرئيس عن المؤامرة وقوى الشر والمخربين والإرهابيين ونحو ذلك، وبرامجهم لا تعدو برامج رئيس حي أو شيخ حارة، وليست برامج نواب برلمانيين لهم خطط قومية.

ومن الملفت للنظر أن هناك نوابا في البرلمان فازوا بعدد أصوات يزيد قليلا عن ألف صوت، وهو رقم ضئيل للغاية لا يعبر حتى عن أصوات حارة من الحارات، في حين أن أعلى الأصوات كانت متدنية أيضا وزادات قليلا عن ثمانية آلاف صوت.

كما أصابت الرئيس قيس سعيد أيضا لامة إضافية من تلك النتائج عبر رسوب معظم المرتبطين به من التيارات الناصرية، ولا سيما أحمد شفتر أحد أبرز الداعمين له والمبررين لكل خطواته أمام منافسه مسعود قريرة، رغم كل ما كان يحظى به من دعم إعلامي داخلي وخارجي، إذ حصل على ما يزيد قليلا على ألفي صوت فقط.

ولكي تكتمل دائرة الملهاة في هذه الانتخابات التي قاطعتها جميع الأحزاب الشعبية في تونس بجميع توجهاتها، تبيّن أحد المنافسين في جدول الإعادة لم يحصل على أي صوت، أي أنه لم يحصل حتى على صوته، وفاز مرشحون بالتزكية في بعض الدوائر لعدم وجود منافس.

ورغم تلك النسب المتدنية في المشاركة فإن مراقبين محليين شككوا في حدوث تزوير على نطاق واسع في النتائج، وإن كنت أنا شخصيا أعتقد أن من يستطيعون تزوير الانتخابات هناك كان بإمكانهم أيضا تزوير نسب المشاركة، كما يحدث في كل الانتخابات في البلدان العربية، وتجنيب جبين الرئيس هذه الوصمة، إلا إذا كان في جراب الحاوي ما لم نره بعد.

لو كنت مكان الرئيس قيس سعيد لتركت التونسيين يكتوون بنار قلة وعيهم لتحرقهم الأخطار التي لا أراها إلا أنا، وحرمتهم من جنتي، ورحلت!!


اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/2/21/%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6%D8%A9?fbclid=IwAR12NjB6aOctid6qyQw6s5UndrzCAYhP3_5Itfm7VAsGuUBOgaNnIYNmcZE

او 

https://mubasher.aljazeera.net/opinions/2023/2/21/%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6%D8%A9

الثلاثاء، 31 يناير 2023

سيد أمين يكتب : وجهة نظر أخرى عن الربيع العربي

مضت أكثر من عشر سنوات على تفجر موجة الربيع العربي، فبات أمره الآن أكثر وضوحا لمن التبس عليه الأمر، وازدادت القناعات بأن الثورات لا تستدعى، وكرة النار حينما تتدحرج لا بد لها أن تطال الجميع، لكن حينما تحرق أحدا وتكون بردا وسلاما على آخر، فالأمر يحمل الكثير من التساؤلات، لا سيما أن الظروف القُطرية متشابهة لحد التوحد، فالفساد واحد، والاستبداد واحد، والتبعية أيضا موجودة، وإن كانت تختلف فداحتها من قُطر لآخر.


أنا واحد من الناس الذين أمنوا منذ البداية بأن ربيعنا العربي "مصنوع"، وأنه من إخراج أجهزة أمنية في كل قُطر عربي، في إطار الصراعات السياسية الداخلية بينها على السلطة، وأن الهدف من تلك الثورات لم يكن أبدا الانتصار للديمقراطية، ولكن استخدام الشعوب لتغليب طرف في السلطة على طرف آخر.

ثم تدخل الراعي الأمريكي والغربي -ولعله هو المخطط الرئيسي- ليعممها على عدد من الدول العربية، من أجل تنفيذ ما يمكن تسميته بخطة "الترميم" الخاصة بترميم بعض نظم الموالاة من أجل تشديد قبضته على مفاتيح الحكم فيها، بعدما اهترأت قليلا جراء ظروف متنوعة، فيصعّد الأطراف الأكثر ولاء وفعالية لخدمة خططه المستقبلية وأهمها ما يعرف بـ"الشرق الأوسط الكبير".

وكان الأهم من ذلك تفعيل خطة "الهدم"، وهي التي يُستغل فيها ما ترسخ في الأذهان عن تداعي ثورات الربيع العربي ضد النظم المستبدة في الأقطار العربية، وبالتالي يستطيع (الراعي) توجيه كرة النار مستغلا حالة السخط الشعبي ضد الاستبداد في بعض من تلك النظم، خاصة تجاه تلك التي صنفها من قبل بـ"المارقة".

ولقد نجحت الخطة بشقيها؛ "الترميم" والهدم" بشكل منقطع النظير، بينما خاب أمل الشعوب العربية التي صارت تفضل ولو وقتيا استمرار الاستبداد والتبعية عن تجرع ويلات فشل الثورة مجددا.

تجربة سابقة

كانت هناك في منتصف القرن الماضي تجربة مثيرة كشفت الكثير مما يليها، فمع تنامي نفوذ الاتحاد السوفييتي والصين وحصولهما على الأسلحة النووية، سعتا لنقل التجربة لدول العالم الثالث التي كانت خاضعة في مجملها للاستعمار الغربي. هنا وجدت النظم الإمبريالية الغربية التقليدية كبريطانيا وفرنسا نفسهما بحاجة إلى التخلص من مستعمراتها؛ خشية الثورة المرتقبة بطريقة تمكنها من إدارتها من بعد، وتحول دون الانضمام للحلف الاشتراكي.

وجدت هذه الطريقة في واحدة من الأساليب التي نصح بها نيكولا ميكافيللي أميره للسيطرة على الدول والإمارات الأخرى، وهي أن يغزو الإمارة ويهين أغلبيتها ويعين من أقليتها حكاما عليها، وينسحب، فيصبح هذا الحاكم هو سوطه وهو مصدر حمايته الوحيد.

هكذا نقلت الدول الاستعمارية السلطة إلى قوى عسكرية مختارة في كل دولة عبر انقلابات عسكرية يمكن تسميتها ثورات، ومن خلال التحكم في تلك النخب العسكرية يمكن التحكم في الدولة كلها، وبذلك تداعت الانقلابات العسكرية في جميع الأقطار المحتلة، ونالت عقبها هذه الدول استقلالها المشكوك فيه.

وقتها لم يكن أحد يعلم حقيقة الأمر، لكن مع مرور الزمن وانكشاف النتائج وما قابل تلك الانقلابات من تزامن وتداعي، ظهرت الأسباب الحقيقية وكشفت عن المهندس الخفي.

وتتناثر هنا وهناك أحاديث عن اتفاق وقع عام 1951 بين بريطانيا وأمريكا؛ تتنازل فيه الأولى عن مستعمراتها للثانية.

أدوات الفشل

عملت الثورات المضادة -والتي هي في رأيي المدبر الرئيس للثورات العربية- على تسفيه الثورة الحقيقية وتخوينها، وتحميلها كل نقيصة -مع أنها لم تحكم مطلقا- وإقصاء القيادات النابهة المؤمنة بها، واستبداله بعناصرها المندسة، أو بسفهاء القوم.

كما عملت على خلط الأوراق، وتفجير الألغام في طريق الإصلاح، فضلا عن الخداع الإعلامي المستمر والمتدفق، وعمليات التطهير السياسي الكاذب، فيما سعت إلى إعطاء الشعوب درسا قاسيا وبليغا بخطورة السعي إلى التغيير، والمخايرة بينه وبين الفوضى والخراب، بل وحينما اكتمل نجاح مهمة الثورة المضادة تم تحميل الثورة كل الجرائم التي ارتكبتها الثورة المضادة، وكل الفساد الذي أغرقت فيه البلاد.

الربيع الحتمي

هل الربيع العربي مات؟ الربيع العربي لم يمت إطلاقا، فهو قادم لا محالة، وما هي إلا مسألة وقت، من الممكن طبعا أن يتم إفشاله عبر قيام الداعمين الدوليين للثورة المضادة بالتضحية ببعض عناصرها في الداخل، وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية العامة التي تحول دون الانفجار المفاجئ للأوضاع، وسيكون ذلك الإجراء مجرد مسكن مرهون استمرار مفعوله بثبات الوضع الدولي الحالي، وبالطبع كل الإرهاصات تقول إن هذا الوضع هو الآخر ذاهب إلى التغيير.

وإما أن يستمر الوضع لفترة من الزمن تتعفن فيه تجربة الثورة المضادة بشكل لا يمكن علاجه، فتصل حالة التذمر لحد لا يمكن السيطرة عليه داخليا أو خارجيا، هنا الانفجار حتما سيطيح بالجميع، وسيحطم كل حلفاء الثورة المضادة.

تتزايد كل يوم احتمالات تفجر الربيع العربي الحقيقي، خاصة حينما صارت فاتورة الثورة أقل كلفة بكثير من فاتورة الاستكانة.

لقراءة المقال كاملا طالع عربي 21
https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

او هنا

https://arabi21.com/story/1490746/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A




الاثنين، 30 يناير 2023

سيد أمين يكتب: حينما يعادي المتطرفون أردوغان والإسلام؟

 

 لعل الأمر مدعاة إلى التأمل فعلا، فكلما زاد حقد متطرف غربي أو شرقي على الإسلام، سبّ رموز الدين الإسلامي ومقدساته وهاجم تركيا وأردوغان، وكلما أراد الغربي أن يعبر عن قوة الحضارة الغربية في مقابل الحضارة الإسلامية هاجم الإسلام ورموزه ثم الدولة العثمانية والدولة التركية وأردوغان.

هناك حالة ربط دائم بين تركيا والاسلام في العقلية الغربية، وهناك إجماع غير محسوس في العقل الباطن الغربي على أن أردوغان هو من يمثل العالم الإسلامي رغم أنه لا يحكم إلا دولة واحدة فقط من نحو 56 دولة مسلمة في هذا العالم، ولا تمتاز هذه الدولة بينهم مثلا بأنها الأكثر سكانًا، ولا أنها تستحوذ على مقدسات الإسلام، ولا حتى أنها تتكلم بلغة القرآن، بل إنها من دونهم جميعا لها دستور يقول إنها دولة علمانية.

وقد وصل الأمر إلى أنه في عام 2018 أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدى فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

كما أن الإرهابي الذي أطلق النار ببندقيته الرشاشة فقتل أكثر من 50 مصليًا في مجزرتين بمسجدين في نيوزيلندا عام 2019 كتب رسائل على الأسلحة تحمل تواريخ تشير إلى أن المذبحة تأتي ردًّا على انتصارات الدولة العثمانية والسلجوقية على الحملات الصليبية.

وفي إطار الحرب المتصاعدة بين تركيا وفرنسا لجأ الرئيس الفرنسي إلى تشجيع إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، باعتبارها حرية تعبير وهي الرسوم التي احتجت عليها أنقرة ضمن عدد كبير من دول العالم الإسلامي عقب نشرها في السويد والدنمارك، وهنا رد عليه أردوغان بدعوة الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلا إن ماكرون بحاجة إلى الرعاية العقلية.

الإساءة سياسية

كثير من المؤشرات تشير إلى أن الواقعة التي جرت في السويد الأسبوع الماضي هي في الأصل سياسية، وأن سلطات السويد أرادت الرد على الوقوف التركي دون انضمامها إلى الحلف الأطلسي بالموافقة على تظاهرة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا حركة إرهابية فيها إساءة لصورة أردوغان، وبقيام المتطرف الدنماركي بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.

وأكدت هذه الرؤية ما جاء في نص طلب التظاهرة، فبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة ستكهولهم فإن مواطنا دنماركيا سويديا يمينيا متطرفا قدم طلبا لتنظيم تظاهرة أمام السفارة التركية، كتب فيه تنظيم “مظاهرة ضد الإسلام في السويد عبر حرق القرآن ومظاهرة ضد رجب أردوغان الذي يضع عقبات أمام حرية التعبير في السويد”.

لعل تلك الواقعة باختيار وقوعها أمام سفارة تركيا تعزز من صحة الرؤية الخاصة بأنهم يهاجمون الإسلام من أجل الإساءة إلى تركيا وقيادتها، وهي الرؤية التي عارضها مراقبون منهم الإعلامي المصري عمرو أديب فحاولوا التقليل من شأن الواقعة والإساءة إلى أردوغان، وتناسوا أن ذلك يرفع من مكانته ولا يحط منها.

وربما أدركت القيادة التركية الأمر، فراحت تصعد من لهجتها اتجاه الواقعة بإلغاء زيارات كانت مقررة لوزير الدفاع ورئيس البرلمان السويديين لأنقرة، بل قامت تركيا بتكليف محامين سويديين بمقاضاة مرتكب الواقعة.

المعارك الداخلية

العجيب أن معارك أردوغان مع المعارضة التركية في الداخل يدور كثير منها أيضا حول الإسلام، وموقف الدولة منه ومن مظاهره، وخاصة مسألة منع أو إتاحة ارتداء الحجاب التي يشتعل الآن أوارها بسبب اتجاه حزب العدالة والتنمية لتحصين حرية ارتدائه في البلاد دستوريًّا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار القادم.

وقد أكدت استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة جهات استقصاء مستقلة بعضها علماني التوجه، أن ما بين 55% و70% من الأتراك يفضلون التدين وعودة المظاهر الإسلامية إلى تركيا.

لذلك تقوم الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بمحاولة الظهور بمظهر من يكنون للإسلام التقدير في دعاياتهم الانتخابية، رغم التاريخ الممتد لهذا الحزب في العداء للمظاهر الإسلامية، مما يدل على أنهم أدركوا أن المصدر الرئيسي لشعبية أردوغان وحزبه هو الدفاع عن تلك المظاهر.

ولقد وصل التماهي إلى درجة قول كمال كليشدار أوغلو زعيم هذا الحزب العلماني إن “الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رُفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام”.

وذلك للتخفيف من وطأة تصريح أطلقه نائبه يلماز أوزتورك الذي دعا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إعادة الأذان باللغة التركية، كما كان يفرضه هذا الحزب قسرًا على الدولة التركية في عقود مضت، ودفع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس رأسه ثمنًا لإعادته باللغة العربية.

كل الدلائل تشير إلى أن أعداء أردوغان في الخارج والداخل نصبوه حاميًا للإسلام، سواء كان الأمر حقيقيًّا أم لا.

اقرأ المقال على موقع الجزيرة مباشر

https://ajm.me/0cmxe9?fbclid=IwAR0yMSyw9o7Vpdb-o4tmksyWiR3Du9ypFvbxLWCzdIxNg9tCfp07yAfW4RY

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/1/26/%D8%AD%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86


السبت، 21 يناير 2023

الوطنية من حب الوطن إلى تقديس الفرد.. عبد الناصر نموذجا

  

بقلم سيد أمين

لست أدري ما الذي يبرر تلك الموجة السياسية العارمة السائدة في وطننا العربي في تقديس الشخص لا الوطن، والبحث عن الانتصار للولاء بدلا من الانتصار للحقيقة، والاعتناء بالإجراءات والصورة وليس بالجوهر والنتيجة، مع أن حكمة الزمان تقول إن العِبرة بالنهاية.

ورغم النهايات الواضحة وضوح الشمس، فإن البعض يصر على المراوغة والخداع، والاستمرار في تقديس “تابوهات” أضرت أكثر مما أفادت، وقد يكون هؤلاء النسّاك في محرابها هم أنفسهم من متضرريها، لكنهم فقط لا يحسبون الأمور بمنطق العقل والحقيقة، ولكن بمنطق “المكابرة”، والإصرار على الانتصار للولاءات الزائفة، وكأننا في مباراة شطرنج، وليست أمورا تحدد مصائر أوطان وأرواح بشر.

مشهد واحد

خذ لقطة من هذه في مصر، فمثلا، ليس سرّا أن اتفاقية “السلام” مع إسرائيل وشروطها المجحفة المعلنة -وغير المعلنة التي باتت معروفة للجميع- طوّقت مصر بشدة لعقود، وحرمتها تماما من تنمية سيناء والاستفادة القصوى والمثلى من مواردها.

وليس سرّا أيضا أن مصر أُجبرت على توقيع تلك الاتفاقية لأنه لم يكن باليد حيلة لاسترداد أراضيها، كما سوّق الإعلام المصري لفترة من الزمن.


مع أن ذلك أعدم مصر وحوّل مسارها السياسي من قيادة تيار الممانعة العربية إلى قيادة تيار التطبيع، وكانت نتيجة ذلك إهدار ثروات البلد في الرشاوى والفساد الذي صاحب عملية “الانفتاح الاقتصادي” التي كانت في الواقع تنفيذا لأمر بيع القطاع العام، وحرمان الجيش المصري من أهم روافد تمويله ليتم تعويضه بالمعونة الأمريكية.

وقبل ذلك، خاضت مصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي استُشهد فيها آلاف الجنود وثكلت بسببها آلاف الأمهات، وأُنهك فيها الاقتصاد المصري بشدة.


وإذا كان الحال كذلك في الانتصار، فما بالك بنكسة يونيو/حزيران 1967 التي هي في الواقعة هزيمة نكراء لم تحدث في تاريخ حروب العالم، حيث أبيد عشرات الآلاف من الجنود المصريين دون حتى أن يتمكنوا من إطلاق الرصاص في الهواء، ولأن تفاصيل ما جرى كثيرة وجميعنا يعرفها فلا داعي لتكرارها، ولكن يكفي أن نقول إنه لولاها ما حدث ما بعدها، وما وقعنا في فخاخ اسرائيل الآن.

فضلا عن أننا في غنى عن الحديث عن تأثيرها السياسي والاقتصادي والنفسي على الوطن وشبابه، وتأثيرها العسكري الذي انعكس بصورة كارثية على ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء، والذي لا يزال سمه ساريا إلى اليوم.

فإذا كانت كل هذه المصائب هي مجرد آثار معلنة لهزيمة عسكرية واحدة حدثت منذ أكثر من نصف قرن، من هزائمه المتعددة في اليمن والكونغو و1956 وغيرها، أليس من الطبيعي أن نعتبر أن جمال عبد الناصر الذي يناسب هذا الشهر ذكرى ميلاده “أبو الهزائم”، بدلا من تقديسه واعتباره النموذج الكامل للوطنية دون دليل واحد؟

ظاهرة صوتية

ولا أرى بطولة إطلاقا في أن يخطب الرجل بأنه سيلقي إسرائيل ومن يقف وراءها في البحر، فهذا قد يكون مشهدا تمثيليا لا يتناسب مع المواقف الجادة، ولكن البطولة أن تفعل ذلك حقا بها، وتحرر الأراضي المحتلة لا أن تضاعفها للقادمين بعدك.

ولعله ليس من الصدفة أبدا أن كل معركة تخوضها تخسرها خسارة فادحة، دون مسوغات موضوعية لذلك، لا سيما أن إسرائيل آنذاك لم تكن إلا في حجم محافظة مصرية دون امتلاكها سلاحا استراتيجيا كما هو الآن، وكان حجم التعاضد العربي والإسلامي والعالمي جبارا، لدرجة أنه بإمكانه مع قليل من الجهد العسكري لدول المواجهة خنق إسرائيل وتحرير فلسطين كاملة في أيام معدودات، لكن الإرادة في ما يبدو كانت مخصصة فقط للقطة.

هذا نموذج لإخفاق واحد من إخفاقات قائد قدسوه لدرجة أن أحدهم وصفه بأنه “آخر الأنبياء”، ولا يزال آخرون يمارسون تلك النسك رغم الانكشاف الكامل للمشهد، وما زالت أنقاض الدمار تملأ المكان.

حب من طرف واحد

ولطالما تساءلت عن السبب الذي يدفع قامات كبيرة إلى السقوط في هذا الفخ المهين، لكني سرعان ما أتدارك أن كبرها هذا ربما جاء فقط بسبب تسليط الإعلام الأضواء عليها.

وفي حالة هؤلاء المتيمين القدامى والمحدثين، نكتشف أنهم يعيشون حبا من طرف واحد، يهرول خلاله المحبون خلف المحبوب ويتفنون في استخراج المآثر له، في حين أن المحبوب لا يبالي، وربما كان يسخر في قرارة نفسه بسفه المحبين وضيق أفقهم.

فما المتعة التي يجدونها في ممارسة هذا النشاط المريب الذي دفعت شعوبنا وبلادنا بسببه ثمنا باهظا، فقرا وظلما واستبدادا وتخلفا، ونزف فيه شبابها الدماء على عتبات اللا شيء، حتى أنهم لم يفعلوا كما فعل أصحاب الجاهلية الأولى الذين لم يتشبثوا بأوثانهم التي عبدوها أبا عن جد، حينما أتتهم دعوة الخلاص؟

قد أكون مخطئا في كل تقديري، ولكن فليأتني أحدهم بما يقنعني عسى أن أعود من الناسكين!!

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2023/1/18/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86-%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF?fbclid=IwAR2nevkQWyKlU5Mswnb8PBiVvf6zqM0LfBTK4PBpWiPrVURChDkgFKeh_kw