الأربعاء، 10 يوليو 2019

سيد أمين يكتب: تاريخ الظلم أوطاني

نقلا عن موقع رسالة بوست 
كلما تلفت مصري حوله خصوصا في تلك الأيام الكئيبة التي تعيشها مصر، حيث جري تأبيد السلطة للحكم الشمولي، ومقاصل تعمل بلا كلل أو ملل لتقص رقاب خيرة شباب مصر في محاكمات صورية يعلم حقيقتها القاصي والداني، لدرجة تجعل أحدهم يحكم على 400 شخص بالإعدام في جلسة واحدة لم تستغرق ساعة واحدة، والظلم الصارخ تجده أينما وليت وجهك في أرجائها، تحضره دائما المقولة المأثورة للشيخ عبد الحميد كشك بأن تسعة أعشار الظلم في العالم توجد في مصر، أما العشر الأخير فيجوب العالم ثم يأتي ليبيت ليله فيها أيضا.
حقا لم يعد أي مصري يندهش من أن تكون بلاد الظلم أوطانه، فهذا حقائق ساقها لنا الدين وتناغم معها التاريخ، ففي بلادي أهرامات فريدة يعدها البعض رمزا للهمة والنشاط والإبداع، لكنهم تجاهلوا حقيقة أنها كانت تخليدا لقبور الطغاة ومثالا صارخا على السخرة والمذلة والهوان تسبب في موت عشرات الآلاف من العمال الأبرياء من بسطاء القوم لتخليد ذكر جثة هذا الطاغية أو ذاك، وعنها جاء القرءان ليذكرنا بفرعون الطاغية ذي الأوتاد الذي أجبر شعبه على عبادته، والذي استخف بعقولهم فأطاعوه، وفيها جاء ذكر جنده أو جندها المغرقون، وقومه الظالمون، وفيها جاء ذكر السجن لأول مرة في التاريخ، حتى حينما ذكرت بخير في القرءان قالها تعالي ليس لبنيها ولكن لبني إسرائيل” أدخلوها بسلام أمنين”، وحينما شكا بنوا إسرائيل من الطعام الواحد فأمرهم الله بأن ينزلوا مصر وقال لهم ” أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ”.
ناهيك عن وقوع مصر بين سلسة متواصلة تقريبا من الاحتلالات الخارجية منذ فجر التاريخ وصولا إلى تاريخها المعاصر، فيها كلها لم يتغير وقوع مصر تحت الاحتلال، بل تغيرت على أرضها طرق هذا الاحتلال، فتبدل من احتلال مباشر إلى احتلال بالوكالة، وهو ما يجعلك عاجزا عن إيجاد فترات للاستقلال الحقيقي فيها.

من تاريخ الخوف

تناوب على أرض مصر المستعمرون من كل حدب وصوب دون أدنى مقاومة تذكر من المصريين، حتى أنهم كانوا في كثير من الأحيان يهرعون لمساعدة الغازي الجديد على أمل أن يكون أقل ظلما من ظلم الغازي القديم، أو يهرعون لمساعدة الغازي القديم على أمل أن يتلطف بهم ويكافئهم بالرحمة.
وكانت تلك المساعدة مشروطة بأن يتيقنوا بأن كفة النصر مالت لصالح أحد المتصارعين، فيقومون بمساعدته لوضع لمسات الخلاص النهائية.
وتاريخيا أيضا؛ كان تنكيل الغازي المنتصر بالأخر المهزوم ومن دار في فلكه من المصريين الذين كانوا يلقبون بـ “الحرافيش” – أي الأقل شأنا – تنكيلا وحشيا، يتفنن فيه القاتل في تعذيب المقتول قبل أن يقتله بدءا من تقطيع الأطراف لسلخ الجلد للخازوق لفقأ العيون، ناهيك عن اغتصاب النساء والأطفال إلى إهانة رجولة الرجال، كما كان هو الحال متفشيا في نهاية الدولة المملوكية.
أمام كل تلك الفظائع آثر المصريون السلامة وعزفوا بعيدا عن السياسة حتى أنه حينما تسنى لهم الحكم عام 1805اختاروا مستبدا أجنبيا ليمارس عليهم ذات الاستبداد مجددا، ولما غزا الإنجليز البلاد1882 اعتبروا أن ابن البلد الذي تصدى لهم خائنا مارقا وتجندوا في صفوف جيش الاحتلال، وحاربوا تحت راية الصليب البريطاني دولة الخلافة الإسلامية عام 1914، والحكايات من هذا القبيل كثيرة جدا في كل تاريخ المصريين.
عموما، التاريخ مكتظ بمحطات الخوف عند المصريين لدرجة فقدانهم الأمل في الخلاص من الظلم، لكن سرعان ما ترفع عناية الله هذا الظلم عنهم بلا حول منهم ولا قوة.
والصحيح أننا نعمل على الخلاص وننتظر عناية الله، ولنتذكر أن بالحسابات العقلية البحتة كانت نجاة يونس من بطن الحوت مستحيلة لكنه نجا، وكانت نجاة موسى من بطش فرعون مستحيلة إلا أنه أيضا نجا، حتى انتصارات المسلمين الأوائل الكبرى كلها كانت مستحيلة، لأنهم في أغلب الحروب هم الأقل عددا وعدة، لكنهم مع ذلك فتحوا الأرض قاطبة.

تأييد الإعدامات

يا الله، كيف يهنأ المرء منا وهو يدعو لتعاسة الناس؟ كيف يطلب الشفاء لنفسه ومحبيه من الأمراض حتى لو “نزلة برد”، ويطلب في الوقت نفسه موت أبناء الناس؟ كيف يرجو العفو والرحمة لنفسه، وهو يبرر قطع رءوس أبناء الناس؟ كيف حولنا هذا الانقلاب البغيض إلى وحوش؟
كيف انقلبنا على الإنسان فينا، وأعلينا من شأن هذه المسوخ، كيف يفعل المرء ذلك وكأن حياة الآخرين انتقاصا من حياته؟ ورزقهم انتقاصا من رزقه؟ ويجهل أن الله وحده واهب الحياة ونازعها.
من أين خرج هؤلاء الناعقون؟ الذين يبذلون جهدهم لمنع صراخ المكلوم، وإغراق أعواد القش التي يتعلق بها الغريق، ويتطوعون بسياطهم لمساندة الجلاد المتغطرس الذي بظلمه وقهره هو أصلا لا يحتاج إليهم؟
أنصح مثل هؤلاء بأن يعودوا لإنسانيتهم، فهم في الحقيقة الأحوج للإنقاذ من هؤلاء الذين يجري تنفيذ الإعدامات الظالمة فيهم، وليعلموا المعلوم بان الحياة تفنى على الظالم أيضا كما المظلوم.

الجمعة، 28 يونيو 2019

سيد أمين يكتب: أبدًا لم يرحل أيقونة ثورة مصر

نقلا عن موقع رسالة بوست 
رغم طعم المرارة في الحلق إلا أنه لم يفاجئني قط خبر استشهاد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر في محبسه، فذلك كان متوقعًا منذ اليوم الأول لاعتقاله عام ٢٠١٣، سواء أكان ذلك بالإهمال الطبي أو حتى بدس سم ممتد التأثير ومتراكم المفعول في طعامه وشرابه على غرار ما حدث مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وذلك لأن صمود الدكتور محمد مرسي في محبسه وامتلاكه صك الشرعية التي تسلمها من أشهر انتخابات نزيهة في تاريخ مصر ظلت طيلة ستة سنوات من الانقلاب هي

الأحد، 5 مايو 2019

سيد أمين يكتب: هؤلاء قادوا المعارضة من الخارج!


الأحد 5 مايو 2019 15:59
لعل ما جرى ويجري من قبل الأبواق الإعلامية والنخبوية الموالية للنظام في مصر ضد كل المعارضة المصرية في الخارج، وآخرهم الدكتور أيمن نور بسبب دعوته لمائة شخصية مصرية للحوار من أجل خروج مصر من مأزقها الراهن، وما تعرض له قبله الفنانان عمرو واكد وخالد أبو النجا على خلفية شهادتهما في الكونغرس الأمريكي عن أوضاع الحريات في مصر، من التشهير والسب والتحريض ، والاتهام بالخيانة العظمى واتهامات أخرى غير أخلاقية ، فضلا عن فضيحة شطب عضويتهما في نقابة الممثلين ودعاوى سحب الجنسية منهما، يطرح تساؤلات كثيرة حول مقياس الوطنية في مصر خاصة أن نفس تلك الإجراءات اعتبرت سلوكا وطنيا من قبل تلك الأبواق حينما ذهب عدد من الفنانين والإعلاميين لنفس تلك الجهات لإقناعها بضرورة الانقلاب على حكم الدكتور مرسي.
لذلك نحن نذكرهم بأن السيسي نفسه ذكر في أحد حواراته المتلفزة أنه بينما كان وزيرا للدفاع تواصل مع مسؤولين أمريكيين مؤكدا لهم نية الجيش الانقلاب علي الدكتور مرسي الذي هو بحكم القانون القائد الأعلى للقوات المسلحة، بينما أكد الكاتب المقرب من السلطة مكرم محمد أحمد أن السيسي أجرى عشرات الاتصالات مع الأمريكان في ذلك الوقت.

المعارضة في الخارج
بعض الناس يحلو لهم - من قبيل الجهل أو المزايدة - ترديد دعايات تلك الأبواق وتوجيه اتهامات العمالة والخيانة للإعلاميين والصحفيين والنشطاء والسياسيين والحقوقيين ممن فروا للخارج للنجاة بأعمارهم وأعمار أسرهم، أو حريتهم وحرية أسرهم العامة والشخصية، وذلك بدلا من أن يدينوا الأسباب القاهرة التي دفعت هؤلاء - وهم بمئات الآلاف ومن الفئات الأكثر تعليما وثقافة ووعيا - ليتركوا ديارهم وأوطانهم وأصحابهم وذكرياتهم ويحاولوا الانطلاق من نقطة الصفر في حياتهم البديلة على أمل العودة وقد زال عن مصر مرضها.
يتجاهل الببغاوات الذين يرددون تلك الدعاوى أن كل من حاول المعارضة في الداخل بأي شكل إما اعتقل أو قتل أو جرى تكميم فمه، حتى من كانوا في صف تلك السلطة، بدءا من رئيس أركان الجيش السابق حتى مدير حملة السيسي الرئاسية نفسه ونائبه، ولك أن تتصور بعد ذلك ما جرى للمعارضة الراديكالية.
الغريب أن تلك الأبواق التي تطالب المعارضين في الخارج بالعودة لممارسة المعارضة في الداخل، هي ذاتها من تطالب من يعارض في الداخل آن يلملم أشياءه ويرحل "والباب يفوت جمل".
والأغرب أن يقتنع بالدعايتين المتناقضتين نفس هؤلاء الكائنات السيساوية من بسطاء الناس، رغم أنهم يرون بأم أعينهم وقائع التنكيل التي تمارس لكل من يتجرأ على الاعتراض في الداخل، والأحكام المغلظة بتهم وجرائم لم يراع من لفقها أي عناية في حبكتها لتبدو منطقية، في بلد لم ينجح حكامه في شيء إلا في بناء السجون، ولا يعمل شيء فيه بانتظام إلا المحاكم والمقاصل.

هجرة العسكر
الرد التاريخي يقول إن الجنرال شارلي ديغول كان رجلا عسكريا إلا أنه فر إلى الجزائر عقب الاجتياح النازي لبلاده في الحرب العالمية الثانية ومنها خاض حرب التحرير بمساعدة القوات الغربية الحليفة.
 الزعيم الشيوعي الكوبي تشي جيفارا خاض معارك تحرير بلاده من الحكم العسكري الموالي لأمريكا من خارج البلاد بدءا من المكسيك والكونغو وبوليفيا رغم أنه كان مدعوما من الاتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم عسكريا.
وعربيا، رغم أن صدام حسين كان رجلا شبه عسكري – كان عضو منظمة شبيبة شبه عسكرية-  إلا أنه فر إلى مصر معارضا لحكم عبد الرحمن عارف وعاد ليكون أحد رجال ثورة 1968 البيضاء، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية التي تبنت عمليات النضال المسلح في الداخل الفلسطيني كانت كافة قيادتها خارج فلسطين المحتلة لفترة طويلة.
وهناك عشرات النماذج للكفاح المسلح من خارج البلاد لسنا بصدد الحديث عنها في هذا الحديث ولا حتى نحبذها أو ندعو لها.

هجرة الأنبياء
الرد الديني يأتي من الأنبياء وهم المدعومون إلهيا، فقد هاجروا من مواطنهم هم أيضا، تارة حماية لدينهم ولتجنب طغيان حكام بلدانهم والمتنفذين فيها وشدة بطشهم وما فيه من إيذاء وعذاب وطرد ونفي وسبي، وتارة لأخذ الاستعدادات وإعداد العدة لنشر الدين بين الناس سلما أو حربا وعتقا للضعفاء من براثن الظلم والعبودية، بينما كانت غاية الهجرة عند الأنبياء هي حماية أنفسهم وأتباعهم من أجل أن يبقوا أحياء حتى يمكنهم الله من إتمام دعوتهم.
وما زالت تلك هي أساليب القهر الرئيسية عند الطغاة لإيذاء الدعاة والمصلحين والخيرين ودعاة العدل والحرية والديمقراطية، بل وأضافوا عليها المحاكمات الجائرة التي تقضي بحرمان المعارضين من الحق في الحياة، تماما كما فعل فرعون في سجن سيدنا يوسف وإن كان طغاة اليوم هم أشد منه قسوة وظلما وفجورا!
وكان ممن هاجر من الأنبياء نوح وإبراهيم ولوط وصالح وموسى ومحمد عليهم جميعا السلام، بينما تم تهديد سيدنا شعيب بالنفي، في حين تم سجن النبي يوسف عليه السلام، فيما استخدم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الهجرة مرتين، الأولى حينما أمر أنصاره بالهجرة للحبشة، والثانية حينما هاجر هو مع أنصاره من مكة للمدينة.
وهذا إبراهيم - عليه السلام - هدده أبوه بالرجم أو بالطرد، وهذا لوط - عليه السلام – طالبوا بأن ينتهي عن دعوة الناس للحق أو يخرج، لكنه لم ينتهِ ، بل أعلن أنه يبغض عملهم ، هنا جاءه الوحي يأمره بالهجرة، وترك هذه القرية العاصية.

هجرة السياسيين
ولما لا يهاجر السياسيون ليناضلوا من الخارج في حين فر قبلهم رجال الدين أصحاب الصيت والأتباع، بل وفر العسكريون القادرون على المقاومة عسكريا، بينما هاجر الأنبياء والرسل المدعومون من رب العالمين والذين إذا دعوا الله بالسلامة والتمكن لاستجاب لهم؟
فلكل دولة عسكرية في العالم بأسره – وهذا النوع هو جل نظم حكم عالمنا العربي تقريبا – توجد أحزاب سياسية تناضل من الخارج لاستعادة الديمقراطية فيها، أو حتى لتدشينها وإسماع صوتها ومطالبها للنظام الحاكم أو للشعب ، مهما اختلفنا أو اتفقنا حول تلك المطالب ..
وكان من أبرز هؤلاء السياسيين مثلا رجل الدين الشيعي الإمام الخوميني الذي قاد معارضته السلمية لنظام الشاه الإيراني من فرنسا ، ولما اختمرت الثورة في وجدان الناس هناك عاد إليها محررا، والشيوعي فلاديمير لينين الذي قاد الثورة البلشفية من سويسرا وغيرهم الكثيرون.
علما بأن الاغتراب عن البلاد لم يكن أبدا ميزة بل كان عقابا بدليل أن الاستعمار كان يعاقب السياسيين المناوئين لسلطته بالنفي.

 اقرأ المقال كاملا على الجزيرة نت


الخميس، 25 أبريل 2019

سيد أمين يكتب: تساؤلات عن الحضور الصوفي في السياسة!

الخميس 25 أبريل 2019 15:22
استمر حراك السودانيون أكثر من ثلاثة أشهر لم  يستطع  أن يؤثر في السلطة بأي شكل كان ، ولما أوشك هذا الحراك أن يخمد ، جاءت دعوة زعيم حزب الأمة السوداني صادق المهدي وهو حزب إسلامي صوفي للجماهير بالنزول في 6 ابريل الماضي فانتقل الحراك من الموات إلي الحياة النابضة بالحركة والثورة ، وما هي إلا أيام حتى تم اقتلاع البشير في انقلاب عسكري ، ليذوق الرجل من نفس الكأس الذي أذاق منه المهدي والترابي.
نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما يحدث في السودان، ولكننا نتحدث عن النشاط السياسي للحركة الصوفية والتي من المفترض فيها الزهد وترك ما لقيصر لقيصر لتتفرغ هي للاتصال والوصل بالله تعالى، مع أن من حقها الإنساني أيضا ممارسة العمل السياسي لا شك.

الصوفية والثورة المضادة

الحركة الصوفية كانت واحدة من أهم العناصر التي حرص مدبرو الثورة المضادة في مصر على جرها بقوة في المعترك السياسي بعد ثورة يناير والعمل على كسب ودها لغرض في نفس يعقوب، تارة عبر اختلاق دعايات إعلامية بأن هناك سلفيين متشددين يعتزمون هدم الأضرحة، هنا تسرع قوات من الجيش والشرطة بحماية الأضرحة فيطمئن قلب الصوفيين، مع أنه بقليل من التمحيص ستكتشف أن من أطلق تلك الدعايات هي أبواق الثورة المضادة ومن استخدموهم للترهيب كـ "حزب النور" هم حاليا من أنصار الثورة المضادة.
وتارة عبر جر التيارات الإسلامية الأخرى إعلاميا للطعن في صحة وجود كرامات لأولياء الله وزيارة القبور والصلاة في المساجد ذات الأضرحة وغيرها من الأمور العقائدية التي لا يصح مناقشتها في غير الإعلام المتخصص، فضلا عن إثارة فتنة انتشار التشيع في مصر والتي نجم عن اغتيال أسرة شيعية في بني سويف، والمطالبة بإغلاق مسجد الحسين بسبب "تسلل" الشيعة إليه واكسائه بكسوة شيعية.!!
وبالطبع ازدادت تلك القلاقل المفتعلة مع تولي الدكتور محمد مرسي الحكم، حتى بدا دعم الصوفيين للانقلاب واضحا وصاروا يخرجون في تظاهرات مناوئة له كأي حركة سياسية، المهم أنه بعد الانقلاب حرص السيسي بشدة على زيارة مشايخ الطرق الصوفية كل عام والتقرب منهم، حتى وجدنا منهم من يعتبر أن قتل معارضي السيسي أو معارضي الانقلاب عملا محببا لله، ووجدنا من يصف السيسي ووزير داخليته محمد إبراهيم بأنهما رسولان من رسل الله.

حيرة واندهاش

في الحقيقة أنا محتار بشدة من توجهات الحركة الصوفية المصرية التي أنتمي إليها قلبا وروحا والتي تقدر بنحو 77 طريقة صوفية، تتفرع إلى ٦ طرق رئيسة هي: "الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية ، البدوية، العزمية ، القادرية "وأحتاج أن أعرف معايير العدالة والظلم فيها ، ومواصفات من يحبونه ومن يكرهونه ، فلو كان معيارهم مدى الالتزام بحب الله ورسوله، فهم ساندوا الاحتلال الإنجليزي في مصر وهو شجعهم على فتح الزوايا والتكايا وحماية مهرجاناتهم بل وعمدوا إلى نشر التصوف في كل بقاع القارة السمراء، ولو كانوا يؤيدون السلطة على طول الخط فلماذا وقفوا ضد مرسي وكان رئيسا للبلاد ومن قبله اللواء محمد نجيب وكان رئيسا للبلاد وصاحب سلطة وهو أعلى الرتب العسكرية بين إقرانه من "الضباط الأحرار" .
ولو كان الأمر بالزهد والعزوف عن الدنيا فلماذا انخرطوا في دعم كل حركات الجيش وانقلاباته؟ بدءا من انقلاب 1952 الذي سموه ثورة مباركة واعتبروا أن عبد الناصر مثلهم الأعلى، وأيدوا السادات الذي كان يحرص على حضور كل احتفالاتهم بنفسه وأصدر لهم مجلة "التصوف" عام 1979 كما ناصروا اتفاقية كامب ديفيد المشبوهة رغم الإجماع الوطني المصري والعربي والإسلامي على رفضها، وكما فعل السادات فعل مبارك وتقرب منهم بشدة.
وما أن أعلن عبد الفتاح السيسي ترشحه لرئاسة الجمهورية حتى اتجه الصوفيون نحو تأييده بشكل مفرط بزعم أنه "صوفي" وذلك وفقًا لتصريح "زين العابدين فهمي سلامة" خليفة خلفاء الطرق الرفاعية الذي قال نصًا "السيسى محب للطرق الصوفية لأنه صوفي الأصل".
يأتي ذلك رغم الفارق الكبير الواضح للعيان بين ممارسات الصوفية الداعية للزهد والورع والرحمة، وبين تصرفات السلطة السياسية التي يقودها السيسي وما تذيقه للشعب من مذلة وهوان.

قوة الصوفية

إن أشد ما يدهشني فعلا هو أن المتأمل للمشهد السياسي العالمي على مر التاريخ يؤكد أن إي نظام سياسي يتقرب للصوفية ينجح في نيل مراده بدءا من الدولة العثمانية التي دامت نحو ستة قرون، نهاية بالحركات السياسية العلمانية والشيوعية والقومية المناوئة لمبارك ومهدت لثورة يناير، والتي كانت تقوم بالتوجه بمسيرات إلى مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة ومسجد الإمام الحسين لممارسة عملية "تقليب الحصر" كدلالة لجلب النقمة على مبارك ورفضهم له.
ويجدر الإشارة إلى أن معظم كبار رؤساء قطاعات الحكم في الدولة المصرية هم من المنتسبين للحركة الصوفية، قضاة، مستشارين، جنرالات، إعلاميين، جهات تنفيذية وغيرها.
الكثيرون من المتصوفة يعزون سبب قوة الصوفية إلى "الميتافيزيقا" وأنها تدير حكومة "روحية" قوية لا نراها فيما يسمونه بـ "الحكومة الخفية لآل البيت" في البلدان المسلمة، وأن تلك الحكومة تدين لها بالخضوع الحكومات التي نعرفها.
يبدو الأمر غير منطقي ولكن هل من تفسير أخر؟



اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة نت




الأحد، 17 مارس 2019

سيد أمين يكتب: مجزرة "نيوزيلندا" حرب على الدولة العثمانية


السبت 16 مارس 2019 17:01
للمجزرة الإرهابية الأليمة التي وقعت أمس وأودت بحياة أكثر من 50 مصليا مع عشرات الإصابات الخطرة في مسجدين في نيوزيلندا الكثير من التفاصيل التي رصدتها وسائل التواصل وشهادات الشهود والمصابين فضلا عن معلومات نشرتها الصحف الغربية والإسلامية.
وبحسب ما انفرد به موقع قناة "العالم" الإيرانية فإنه قبل تنفيذ الهجوم تم زرع ١٢ قنبلة في المنطقة نفسها التي تحيط بالمسجد ومتصلة بالتفجير عبر الهاتف المحمول عن بعد، حيث قامت السلطات بتفكيكها بعد أن أخلت كل المنازل من السكان، وأن السلاح المستخدم صناعة إسرائيلية وهو سلاح آلي أتوماتيكي يقوم بإطلاق محتوي الخزنة كاملا في دفعة واحدة من دون الضغط على الزناد لكل طلقة، وفوارغ الطلقات أكدت أنها كلها صنعت في إسرائيل.

الحرب على الدولة العثمانية
وبالطبع كلنا عرفنا مدلولات التواريخ التي خطها الإرهابيون على الأسلحة المستخدمة في الجريمة وكلها كانت تخص انتصارات الجيوش الصليبية على الدولة العثمانية أو الدولة الأموية.
يأتي ذلك بعد في إطار سلسة من انتشار الكراهية انتشرت في أوربا ضد الإسلام ممثلا في الدولة العثمانية ، فالعام الماضي قامت النمسا بإغلاق سبعة مساجد وطرد عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدي فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.
يتلاقى ذلك مع حملة مسعورة في كل الإعلام الغربي تقريبا تصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه ديكتاتور ومراوغ وغير ذلك من اتهامات لا يوجد دليل واحد يؤيدها، رغم أنه رئيس منتخب بشكل حقيقي ويحكم بقوانين أقرها برلمان منتخب بشكل حقيقي أيضا وأحدث نهضة شاملة غير مسبوقة في تاريخ تركيا.
وها هو الصحفي في صحيفة "كورنث" اليونانية "تيرونى سيرا" يقول "كنا سعداء بتشتت المسلمين، ولا نريد أن يأتي رجل يلم شملهم ويجمعهم من جديد. لا نريد أردوغان".
والحقيقة أنك لا تستطيع أن تميز بين الدولة العثمانية وسياساتها وبين غيرها من إمبراطوريات كانت سائدة كالإمبراطوريات: البريطانية والفرنسية والروسية والنمساوية وغيرها في العالم آنذاك سوى أنها الإمبراطورية المسلمة، فإن كانوا هم نظما مستبدة كانت هي كذلك، والعكس صحيح، فهى احتلت أو فتحت أو استعمرت تماما كما احتلوا أو فتحوا أو استعمروا، وكانت غير ديمقراطية تماما كما كانوا، وعاشت في القرون الوسطى بما فيها من تخلف تماما كما هم عاشوا.
 الخلاصة أن الدولة العثمانية كانت مثل كل الدول المسيطرة آنذاك ولكن الانفراد بكراهيتها دون غيرها يعود لكونها مظلة للعالم الإسلامي الذي كان وما زال تستهدفه الإمبراطوريات الأخرى بالافتراس.

الإعلام المصري
من الغريب أن تجد بعض رجال الإعلام المصري يحاولون استغلال قتل المسلمين في نيوزيلندا بأنه ردا على "الإرهاب العثماني"، ولم يتصرفوا بنفس القدر من الإدانة والتنديد الذي تصرفوا به بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة "شارلي أبدو" الفرنسية على سبيل المثال وهى جريمة إرهابية مدانة.
وكما يتهمون الإسلام بأنه دين انتشر بحد السيف وهو قول مغلوط، يتهمون الدولة العثمانية بذلك، وكأن الحملات الصليبية ومحاكم التفتيش وفرسان الهيكل كانت تمارس أعمالا ديمقراطية وكأن أوربا وعصورها المظلمة وإمبراطوراتها التي انتعلت العالم وأذلته قديما وحديثا كانت أكاذيب..
فضلا عن أن الدولة العثمانية عندما بسطت سيطرتها في الغالب علي العالم الإسلامي، ولم تمارس طغيانا على شعوبه بل حمتهم وحررتهم من طغاتهم المتناحرين على إذلالهم، وضمنت لتلك الشعوب حرية الثقافة واللغة والاعتزاز القومي، كما ضمنت حقوق الأقليات غير المسلمة ولم تكرهها على الإسلام كما أكرهت أوربا الأقليات المسلمة على التنصر أو الموت.
خطة تشويه الدولة العثمانية قديمة بدأت حينما تم تعليم الطلاب والتلاميذ "مساوئ" الحكم العثماني لمصر، رغم أن تلك المناهج ذاتها تدرس لطلابها وتلاميذها "فوائد" الغزو الفرنسي لمصر والتي لقبوها بـ "الحملة" إنكارا لحقيقتها الاستعمارية وراحوا يحتفلون في وزارة الثقافة بتلك الحملة كما فعلت وزارة الثقافة المصرية فيما بعد.
ما كشفت عنه جريمة نيوزيلندا أن أجواء الحروب الصليبية لم تمح من الذهن الغربي، وإن هذا الذهن يريد منا أن ننسى حروب الدولة العثمانية دفاع عن العالم الإسلامي، الحنين للتاريخ العظيم شرف.

الاثنين، 4 فبراير 2019

سيد أمين يكتب: مؤشرات سياسية مهمة للفوز القطري


الاثنين 4 فبراير 2019 17:02
بعد الفوز التاريخي لدولة قطر بكأس أسيا وما تبعه من فرحة لا تخطئها عين، ولا تغفلها فراسة طغت على قلوب الناس وطفقت على شفاههم في كل البلدان العربية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان يجب أن يكون ذلك درسا وافيا لمن يناصبون قطر العداء، بأن حب الناس لا يمكن صناعته عبر الكتائب الاليكترونية وهيئات الترفيه وتأجير الإعلاميين واختلاق الشائعات والأكاذيب وإنفاق المليارات من الدولارات، ولكن عبر الديمقراطية والسير في خدمة آمال الشعوب وتطلعاتها.
 لو كنت مكان قادة دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومن يليهما، لتوقفت فورا عن أسلوب المكايدة الرخيصة مع دولة قطر، وأدركت أن تلك المكايدات لم تأت لنا إلا بكل شر وأن التضامن الشعبي الخليجي والعربي والإسلامي معها يحول مكايداتنا معها إلى انتصارات، فتباعدت المسافة بشكل مرعب بين تطلعاتنا وسياساتنا وبين شعوبنا وباقي الشعب العربي بما ينذر بكارثة محققة لنا.
كان يجب أن ندرك مبكرا أننا نمضي في الطريق الخاطئ، وأننا يجب أن نلتحم بشعوبنا بدلا من الالتحام بأعدائها، ونبقي موقنين بأن التراجع عن الخطأ خير ألف مرة من الإصرار عليه، وأن نستلهم سيّر الأولين في أدب العودة عن الباطل، حينما توحد العرب المستضعفون في الأرض على اختلاف قبائلهم رغم ما بينهم من أحقاد وثارات خلف الدعوة الصادقة، فصاروا أمة عظيمة.
بقليل من الحكمة والعقل والاتزان ، كان من الممكن أن يكون هذا الفوز هو أيضا فوزا للسعودية والإمارات والبحرين ، فقط كان يجب أن يترك للشعوب في تلك الدول حق الاحتفال وإبداء السعادة والسرور مع أشقائهم في قطر والوطن العربي بدلا من أن يكتمونه في صدورهم ويفرغونه بينهم بعضهم بعضا سرا ، وقتها كانوا سيدركون ، ويدرك القاصي والداني أن هناك قيادات على مستوى المسؤولية تنأى بنفسها عن "توافه" التصرفات وسفيهها، وتدرك أن فوز دولة خليجية بكأس أسيا لكرة القدم هو أيضا فوزا لكل شعوب الخليج العربي والوطن العربي بأسره ، لكن للأسف هذا لم يحدث.

حبا في قطر أم كرها في أعدائها؟
أجزم بأن الشعب العربي في غالبيته كان سعيدا لفوز دولة قطر بالكأس حتى تخطى هذا الفوز كونه فوزا رياضيا ليكون انتصارا سياسيا كبيرا، ولكني للأمانة لا أجزم بأن ذلك كان في غالبيته حبا في قطر بقدر ما كان كرها في قيادات أعدائها وتصرفاتهم الخرقاء، واستباحتهم للدم العربي، وتحويلهم الوطن العربي لقطعة من الجحيم، عبر دعمهم للتغريب والخروج عن عوامل الانتماء للوطن والدين والقومية والثوابت الإنسانية، ودعم المؤامرات والانقلابات والتبعية للأجنبي.
فالجميع يدرك أن قطر لم تعتد على أية دولة من دول محاصريها، ولكنهم هم من حاصروها، هي لم تطرد مواطنيهم ولا حتى أساءت إليهم ولكنهم هم من فعلوا، الجميع يدرك أن قطر تعاقب لأنها رفضت الانضمام لحلف المؤامرات على الشعوب العربية، لذلك أحبها الكثيرون من أبناء الشعب العربي، ما عزز أيضا مكانتها حتى لدى داعمي الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم بأسره.
كان لفوز المنتخب القطري بكأس آسيا على أرض دولة الإمارات المحاصرة لها، دلالة ربانية كبيرة لا يجب على عاقل إن يتجاهلها، وكانت لهزيمة المنتخب الإماراتي أمامه بأربعة أهداف دلالات ربانية أكثر ثراء لا يجب أيضا أبدا أن نغفلها، فقد فازت قطر بـ "أربعة" أهداف تمثل عدد دول الحصار الأربعة من جهة وتشير أيضا إلى شارة رابعة رمز المظلومية من جهة أخرى.

أحد مؤشرين
وفي موضوع ذي صلة، فالجميع يعلم مدى حب الشعب المصري والشعوب العربية لمنتخب مصر لكرة القدم، إلا أنه بسبب الاستغلال السياسي المغرض الذي نحته السلطات في مصر أو السعودية بعد وصول منتخبا بلديهما لنهائيات كأس العالم في روسيا العام الماضي، جعل الكثيرين لا يحزنون على خسارة الفريقين هناك، فيما أبدي بعضهم الشماتة ليس في المنتخب ولكن في النظام السياسي في هاتين الدولتين.
فيما وجه المراقبون أصابع الاتهام في انحدار مستوى الفريق المصري إلى الفساد الذي جعل الانتساب إلى الفرق والأندية الكبرى شأنه كشأن أي مهنة ذات سيادة أو "لمعان" تخضع لأحكام الاحتكار والتوريث وليس القدرة والابداع، وهو الأمر الذي جعل نجم ليفربول الانجليزي محمد صلاح يكاد يكون وحيدا في الملعب ويثير تساؤلات جد مهمة هل لا يوجد لاعبين كرة قدم بين نحو المائة مليون مصري سواه، بالقطع يوجد مثله، وربما من هم أفضل منه ولكن الفساد قتل تطلعاتهم.
لقد كانت تداعيات الفوز القطري هي أحد ثلاثة مؤشرات بأن قطر تكسب الدعم الشعبي العربي، ومحاصريها يخسرون، فيما كان المؤشر الثاني هو السخط العربي والعالمي ضد الحرب في اليمن وتداعياتها، أما المؤشر الثالث فكان الفزع من قتل وتقطيع وتذويب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، حيث ارتدت دول الحصار جميعها في هاتين الجريمتين ثوب الفضيحة والفظاعة، فيما ارتدت الدولة المحَاصَرة بفوزها بكأس آسيا ثوب الانتصار.
قطر لم تسيس الرياضة ولكن محاصروها الأربعة هم من سيسوها، وارتدت عليهم تلك السياسة "حسرة"

اقرأ المقال  هنا على الجزيرة نت


الأحد، 20 يناير 2019

سيد أمين يكتب: عن متعة الجهل.. ومصيبة ثورة يناير!


الأحد 20 يناير 2019 15:13
 في مثل تلك الأوقات العصيبة والكئيبة التي نعيشها، لابد أن يكون المرء منا قد نظر إلى أبنائه الصغار نظرة حزن مغلفة بالشفقة، خيفة أن يستمر في الاستبداد بهم ما استبد بنا نحن أبناء الجيل الحالي في وطننا العربي المنكوب، بعدما للأسف أورثناهم نظما ومجتمعات أكثر وضاعة وتوحشا ودموية مما نحن ورثناها عن إبائنا وأجدادنا.
لأننا بصراحة بسذاجتنا وأنانيتنا وخوفنا وانقسامنا حول توافه الأمور ومن حيث أردنا أن نبني لهم مستقبلا أفضل ونصلح لهم الطريق وننير ظلمته، استبدلنا لهم استبدادا بعبودية، ووطنا مريضا بوطن ميت، ومستقبلا مجهولا بمستقبل مفقود.
لابد للمرء حينئذ أن يغالبه الحنين إلى تلك الخوالي التي كان الأهل والجيران والناس جميعا - من يعرفونك ومن لا يعرفونك- أكثر تسامحا وتعاونا وحبا حقيقيا ، كيف كانوا يخضعون جميعا لقوانين المجتمع كالعيب والعار والعزل والتي هي أحد وأمضي عليهم من قوانين المحاكم، وكيف كانوا يتقاسمون القليل فيكفي بينهم ويفيض ، ويأكلون أردأ الطعام فيبدو أنه الأكثر لذة ، ويتحلقون حول مواقد النار في الشتاء فتذيب الفوارق بينهم ، ويتشاطرون التجارب والأحلام والعناءات والنجاحات، وكيف كان يوقر الناس بعضهم بعضا ، الصغير يوقر الكبير ، والتلميذ يوقر المعلم ، والجميع يوقرون رجل الدين ، وإذا تحدث العارف ينصت الجاهل ويقتنص فرصة المعرفة ولا يجادل بالباطل ليخلع ثوب الجهل حتى ولو كان على حساب الحقيقة كما يحدث الآن.

متعة الجهل
كان كل شيء يبدو محترما ، وكان المجتمع حينئذ مجتمعا بناء خصبا للإبداع والابتكار والإعجاز والانجاز حتى وإن كانوا أقل وعيا سياسيا، وفي تقديري – أنه بخلاف الإفساد المتعمد للمجتمع في السنوات الأخيرة عبر الإعلام الهدام والفن الهابط والنخب المزيفة - إلا أن قلة الوعي آنذاك جعلت الناس أكثر ثقة وأمانا وراحة بال ، للدرجة التي تجعلنا اليوم نكاد نحسد الجاهل الجهول على راحة باله ، ونحسد الشاعر المتنبي لأنه أدرك قبل مئات السنين ما أدركناه بأن للجهل وقلة الوعي فوائد جمة حينما قال "ذو العلم يشقى في النعيم بعلمه واخو الجهالة في الشقاوة ينعم"؟.
هذه المشاعر تنتاب الكثير ممن وصولوا إلى سن الكهولة حينما يعودون بذاكرتهم إلى أيام الصبا وريعان الشباب، وكيف أنهم كانوا في ذلك الوقت مفعمين بالجرأة والحيوية، وكانوا يظنون أنهم هم محور الكون، وهم القادرون على التأثير ليس في نظام الحكم المحلي والعربي ولكن في العالم بأسره وأن بيدهم تغييره بالطريقة التي تجعل بلدهم هي القائدة بلا منافس، تماما كما فعل أجدادنا منذ ما يقرب من سبعة ألاف سنة حضارة!
كان أمرا مخجلا حقا مع أنه كان ممتعا أيضا ، كانوا يعتقدون أنهم بصفتهم مصريين فهم أصحاب قرار التغيير فيها بلا منازع وأن هذا أمر مفروغ منه ، وكان الواحد منهم يعتقد أنه بالجد والاجتهاد يصل لأعلى المناصب، كانوا يكتبون في كراساتهم وكتبهم عبارة "من أراد المعالي سهر الليالي" ليحفزوا أنفسهم على بذل الجهد في استذكار الدروس، كانوا يعتقدون أنه لابد من وجود حكمة لا يجوز الفصح عنها في كل اختيارات السلطة ، فغباء المسؤول حكمة ، وصمته حكمة ، وفشله حكمة ، وصلاحه هو من فعل من عينوه أما فساده - إن حدث - فهو من فعل نفسه.

نار المعرفة
لكن الغشاوة عن الأعين بدأت تزول تدريجيا حتى وصلت ذروتها مع ثورة الحقيقة في 25 يناير 2011 وراحت تتكشف تماما بعد الانقلاب ، فسرعان ما تبين لنا أن ما كنا نعتبره وطنية ووعيا لم يكن إلا "غفلة" والجرأة كانت حماقة، وأن سهر الليالي في بيوت الليل ومجالس اللاهين هو الطريق الأسرع - وأحيانا الوحيد - للوصول للمعالي ، والسبعة آلاف سنة حضارة كانت "حجارة" صماء لم تترك علينا أي تأثير ايجابي، ولا قيمة لها إلا في البيع في محافل طمس التاريخ العالمية بينما ريعها يذهب إلى جيوب أساطين الفسدة ليمارسوا علينا مزيدا من البطش والتنكيل والتجهيل، واكتشف غالبية هؤلاء الكهول أنهم عاشوا بأنفسهم أجواء شخصية "سبع الليل" في فيلم "البريء".

سقوط النخب

يعتقد كل من يمتلكون البصيرة أن نظام الحكم الحالي في مصر جار على معارضيه ونكل بهم وجعل الحياة سوداء من أمامهم ومن خلفهم، لكن لو امتلكنا بصيرة أكبر لأدركنا أن من جار عليهم هذا النظام وهتك سترهم هؤلاء الذين كنا قد خدعنا بهم عقودا من الزمن ونصبوا علينا قادة مجتمع وإعلاميين وسياسيين، هؤلاء الذين بعد طول عز وتوقير الناس لهم سقطوا من أبراجهم العالية إلى قاع الجحيم، وما صراخهم الآن لدعم النظام إلا صراخ لمقاومة هذا السقوط المذري.

مصيبة يناير

فكما خدمتنا ثورة يناير أيضا فإنها ارتكبت فينا جريمة نكراء، فقد نقلتنا من طور الغيبوبة والتخدير إلى طور الوعي، في اللحظة التي كنا نحن فيها في عزم العملية الجراحية لاستئصال "العقل" من أدمغتنا للأبد حتى لا نتألم ولو قليلا مجددا حزنا على المصائب التي تصيبنا، فأعادت لنا الأحاسيس بينما كنا نرفل في اللاوعي ونستمتع بالجهل ونهلل للمهلكة.
ثورة يناير هى من جعلتنا نري ما يلطخ ثيابنا عارا وليس فخارا كما كنا نتصور، هي من أخبرتنا أننا في ذيل الأمم وكنا نعتقد في أنفسنا الريادة، أعادت إلينا حاسة التمييز بين الغث والسمين والتي فقدناها بعد أن تم تزييف جميع حواسنا.
سامحك الله يا ثورة يناير.. لماذا اخرجتنا من طور الغيبوبة لتلقي بنا في هذا الجحيم؟

انقر هنا لقراءة المقال على الجزيرة نت