الخميس، 13 فبراير 2020

سيد أمين يكتب: قصة خليفة حفتر!


مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل ، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح"
لا ننكر أن هناك قسطا كبيرا من الناس لا يعير لمسألة العدالة أو الديمقراطية أو الخير والشر بالا، ويسخر من مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها، ويتركز كل اهتمامه على مسألة الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا مات فيه الجميع.
فانحيازات هذا الصنف دائما مبنية على موقف الدولة، وهي المحصورة لديه فقط في مظاهر سلطتها وسطوتها وحتى استبدادها، وأهم أدواتها بالطبع قواتها المسلحة.
لهذا لا عجب في أن تجد بعض الناس يدافعون عن ديكتاتور عسكري لم يصل حتى لامتلاك سلطة حقيقية مثل الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة سلطة مدنية منتخبة ممثلة شرعية للدولة ومعترف بها دوليا، وهي المميزات التي في الغالب يعتبرونها عيوبا مقابل ما يمتلكه حفتر من عيوب يعتبرونها مزايا، كعدم احترامه لحرية الناس وحقهم في الاختيار.
فحفتر والنظام الذي اقامه في مدينة "بنغازي" برعاية رعاة الثورات المضادة في الوطن العربي، لعب كثيرا على طريقة تفكير هؤلاء "الدولجية"، حينما سمى الجيش الذي أسسه باسم "الجيش الوطني الليبي" فدغدغ خيالات هؤلاء بأنه مناضل وطني قاد الجيش الليبي "الوطني" ليقهر عناصر"المليشيات الإرهابية" الذين انقضوا على الدولة، وتناغما مع ذلك كثيرا ما أطلق اعلامه عليهم لفظ "الجرذان" الذي كان يطلقه معمر القذافي عليهم في 2011، محاولا بذلك توثيق نفسه أمامهم بأنه الوريث الشرعي لدولة القذافي.
ولعل قيام مكونات دينية متطرفة كالجامية المدخلية في ليبيا، والمعروفة بتبني النهج "الدولجي"، بالانحياز لحفتر ومليشياته يعني أن تلك السياسة لاقت ارتياحا لدى البعض، للدرجة التي جعلت أنصار القذافي نفسه في "سرت" يتجاوبون معها ويرحبون باستيلاء قواته على مدينتهم عوضا عن قوات حكومة الوفاق الشرعية.
لكن سرعان ما خرجت قيادات القبيلة التي ينتمي اليها القذافي واعلنت عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع وأنها غير طامحة في الحكم ولا تسعى له، وقد نالت كفايتها منه.

كشف الأباطيل


بالطبع تلك الدعايات السمجة لا يمكن أن تنطلي ألا على قليل الخبرة السياسية وعديم المعرفة بتاريخ الدولة الليبية ومسيرة القذافي وأحداث الواقع.
فلو تعاملنا بمنطق وراثة حكم القذافي، وهو منطق باطل ومذموم، فالجنرال المتقاعد خليفة حفتر لا يصلح وريثا للقذافي بينما ابنه سيف الاسلام القذافي نفسه حي يرزق، وابن عمومته قذاف الدم على قيد الحياة.
كما أن مسألة وجود جيش ليبي – بالصورة المعروفة للجيوش – قبل عام 2011، هى في حد ذاتها مسألة محل غموض وجدل، خاصة مع تطبيق القذافي النظرية التي ابتدعها "الشعب المسلح" وهى التي تعني ببساطة أن جميع فئات الشعب هى ذاتها قوات الجيش، وقد تعني بشكل أخر عدم وجود جيش نظامي للبلاد أصلا، وتقوم النظرية على أنّ جميع فئات الشعب ينبغي لها التدرب على السلاح سنويا، في حين أن الجيش الذي يقوده حفتر أسس بعد سقوط القذافي عام 2011.
وها هى الشهادات تتوالى لتثبت أن جيش خليفة حفتر "الوطني" ما هو إلا مجموعات من المرتزقة تم استئجارهم من قبائل الجنجاويد بالسودان وتشاد ومصر والأردن وسوريا وشركات أمنية أوكرانية وروسية، لدرجة جعلت المسماري المتحدث باسم جيش حفتر يقر بوجود العسكريين الروس كما أقر بوجودهم الرئيس الروسي نفسه، ونجد أن الممول الرئيسي المشتبه به في تمويل تأجير هؤلاء المرتزقة السعودية والإمارات، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان اختصهما القذافي بالعداء سواء قبل الثورة أو أثنائها ، وألقى عدة خطابات موجهة لقادتهما تطالبهم بعدم تأجير "الجرذان" وعدم التأمر على ليبيا.
كما أن فرنسا الداعمة الكبيرة لحفتر هي ذاتها أبرز الجهات التي دعمت الإطاحة بالقذافي.

حياة متمردة


حياة خليفة حفتر الذي يقترب من الثمانين "مواليد 1943" مليئة بقصص التمرد ، فبعدما ساهم في انقلاب 1969 في ليبيا والذي يعرف باسم ثورة الفاتح من سبتمبر التي أوصلت القذافي للحكم ، أرسله القذافي عام 1987 للمشاركة في الحرب ضد دولة تشاد المدعومة "فرنسيا" لكنه وقع في الأسر ومعه700 من قواته واتهمته تشاد باستخدام غاز الخردل المحرم دوليا ، فاستدار على من أرسله، وقام هناك بدعم خارجي بتشكيل تنظيم عسكري بهدف الإطاحة بالقذافي لكن الأمر افتضح لدى القذافي فاصدر عليه أحكاما بالإعدام، ما جعله يعقد صفقة "تجنيده" مع الأمريكان لكي تُطلق تشاد سراحه ، ويؤسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي انبثق عنها "الجيش الوطني الليبي" بدعم أمريكي كامل في كينيا، وفي عام 1990 يسافر إلي فرجينيا ليقضي فيها أكثر من عقدين من الزمان ويحصل على الجنسية الامريكية، ولما حدثت الثورة الليبية هنا ارسلت أمريكا "مجندها الثمين" ليساهم في إسقاط القذافي على أمل أن تنصبه حاكما على هذه الدولة الثرية، إلا أن يقظة الثوار حالت دون حدوث ذلك حتى تلك اللحظة.
الغريب أنه حينما تم أسر حفتر في تشاد كانت رتبته عقيد، ولا يعرف للآن من منحه رتبة المشير تلك التي يحملها.

قصة تمرد


للجنرال العجوز قصص أخرى أكثر غرابة وتشويقا، منها اتهامه من قبل المتحدث السابق باسم "جيشه" محمد الحجازي بالاستعانة بـ "السحر" واستجلاب سحرة من النيجر وتشاد بهدف إخضاع المحيطين به.
وروى المتحدث العسكري السابق قصة على هذا المنوال، مشيرا إلى أن المحيطين بحفتر أتوا له بساحر دفعوا له نصف مليون جنيه ليبي ، ليصنع له خاتما يضعه في يده، به فص يقولون إن جنيا خادما يقبع داخله، وهو ما يجعل الناس حين يحضر حفتر تهتف وتصفق.
على ما يبدو أن الدولجية يحبون من يخدعهم!



الخميس، 23 يناير 2020

سيد أمين يكتب: يناير هذه المرة مختلفا

عوامل عديدة تجعل من ذكرى ثورة يناير هذا العام ليست كسابقاتها ، وهي العوامل التي أدركتها السلطة أيضا فانعكست بحالة التشديد الأمني التي بلغت ذروتها ، متمثلة في تفشى الكمائن في كل الشوارع ، وتفتيش هواتف المارة لا سيما الشباب منهم ، والتكثيف الاعلامي المنصب ليل نهار على قنوات المعارضة في الخارج لا سيما الشرق ومكملين ووطن ، وانهمار الشائعات المختلقة وما فيها من تشنيع على بعض الشخصيات المؤثرة في الحالة الثورية ، لا سيما الفنان والمقاول محمد علي الذي دعا لتظاهرات ذكرى الثورة هذا العام ، وكثير من الاعلاميين خاصة معتز مطر ومحمد ناصر.
وتبقى من أهم العوامل التي تجعل تلك المرة مختلفة، أنها جاءت بعد أشهر قليلة من تظاهرات 20 سبتمبر 2019، وهى التظاهرات التي دلت بشكل واضح على أن هناك قطاعات من الجيش والشرطة متضامنة مع أي حراك في الشارع.
وبما أن من دعا لتلك التظاهرات هو ذاته من دعا لتظاهرات ذكرى الثورة فإن احتمالات تحقق نفس النتيجة وارد جدا ما قد يشجع الناس للنزول.

وفاة الشرعية


ومن أهم العوامل التي من المتوقع أن تساهم في دعم الحراك هي حالة الوحدة التي تحققت لدي جميع معارضي النظام، كاسرة حاجز الانقسام الذي قام بتصنيعه وتغذيته طوال السنوات الماضية عملا بسياسة "فرق تسد"، وضمن له الاستمرار في الحكم.
وكان استشهاد الرئيس الدكتور محمد مرسي في محبسه، أحد أهم عوامل توحيد الصف الثوري، على عكس ما كان يعتقد النظام، بل إن موقف الغرب الذي ظل داعما للسيسي طيلة تلك الفترة سرا وعلنا خيفة أن يعود مرسي والإخوان لحكم مصر من الممكن أن يكون قد تغير هذه المرة لا سيما بعد إعلان الأخوان بأن شرعية الرئيس سقطت باستشهاده، والثورة الآن في يد الشعب.
وهي الواقعة ربما ذاتها السبب الذي يجعل مواقف قيادات في الجيش والشرطة والجهات الأمنية الفاعلة قد تغير.

موجة الربيع العربي


ولعل المآسي التي عاشها العرب في ظل جرائم الثورة المضادة في حق الربيع العربي في موجته الأولى سواء في مصر أو اليمن أو سوريا أو حتى ليبيا والسودان، ونجاح اعلام الثورة في نقله للإعلام الخارجي ساهم في تغير مواقف الحكومات الغربية بعدما تم فضحها أمام شعوبها بأنها تدعم النظم الديكتاتورية سرا وتدينها او تتجنبها علنا، وهو التغير الذي لم يكن واضحا من قبل كما هو الأن، ومانشتات الصحف والفضائيات الغربية تشهد بذلك.
ثم جاءت الموجة الثانية من الربيع العربي في العراق ولبنان، وتسارع النظم الغربية لدعمها بشكل قد يجعل البعض يشكك في ضلوعهم في تفجيرها، جعل البعض يتساءل: ألم يكن في مصر ثورة كما هي الآن في العراق، فلم سارعت هنا في دعم الثورة، وسارعت هناك في دعم الثورة المضادة؟
كما أن هناك حالة انكشاف واضحة التصقت بالنظام لا سيما في تعاملاته الخارجية، حيث إن ما يعتبره رأس النظام "جونا"، كشف في حقيقته أن هناك تنازلا لا يقل عن "تيران وصنافير" قد حدث في البحر المتوسط، وبدلا من أننا كنا نصدر الغاز لإسرائيل بربع سعره الحقيقي – وهو عمل مكروه ومقيت وطنيا – صرنا نحن من نستورد الغاز منها بأضعاف سعره، حيث جرى تبديل مثير في المواضع، وصارت اسرائيل موجودة في كل مطبخ مصري.

الظروف الداخلية


وتبقى من عوامل تنامي الآمال بنجاح الحراك هذه المرة انهيار الحالة الاقتصادية لعشرات الملايين من المصريين بصورة غير مسبوقة من قبل، وتزايد وسائل الجباية ونهب الأموال، وتفشي الأوبئة والأمراض، والانفلات الامني، واستمرار سياسة الاستدانة، والتفريط في تراب الوطن … ألخ، وهي العوامل – لا سيما الاقتصادي منها – التي يثق غالبية الناس في أنها ستؤدي حتما في نهاية المطاف لواحد من اثنين، إما ثورة عارمة قد تأتي بعد فوات الأوان وانعدام إمكانية الإصلاح، أو خراب غير مسبوق سيقضي على حاضر مصر ومستقبلها.
كما أن وجود عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون قد أفاد النظام في السنوات الماضية بوصفهم رهائن يتم استخدامهم للضغط على ذويهم ليقبلوا بالاستكانة، إلا أنه يمكن هذا العام أن يؤدي نتيجة عكسية حيث طالت فترة الاعتقال دون بوادر أمل مع تنامي حالات الوفاة في المعتقلات بالإهمال الطبي واقتناع العديدين بأنهم لن يخرجوا إلا موتى.
لكل هذه الأسباب انتعشت آمال المصريين بنجاح حراك هذه المرة.

اقرأ المقال هنا بعد تخطي الحجب على الجزيرة مباشر
او رابط مباشر هنا

الخميس، 16 يناير 2020

سيد أمين يكتب: سليماني.. مغزى الاغتيال والانتقام

نشر المقال للمرة الاولى في عربي 21


يأتي اغتيال الجنرال في الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، عقب وصوله إلى العراق، برفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس وعدد من الجنرالات الآخرين كتغير دراماتيكي مفاجئ في السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه منافسي وجودها في الشرق أو الشرق الأوسط، من قبيل القوى الصاعدة كتركيا وإيران أو حتى باكستان.
فقواعد الصراع التي اعتمدتها أمريكا منذ عقود كانت ترتكز على إثارة الضغائن بين تلك القوى الجديدة وإذكاء الصراع بينها، وتقريب إحداها على حساب الأخرى، لتحصل أمريكا مقابل ذلك على امتيازات أو مكاسب مادية أو صفقات بترولية وغيرها، مع احتفاظها بقنوات تواصل سرية مفتوحة مع الجميع. هذا إلى جانب اتباع سياسة "حافة الهاوية" ضد التطلعات العسكرية لتلك الدول. ولعل مواقف واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني أو صفقة الصواريخ الروسية لتركيا والضجة التي أثيرت حول القس الأمريكي أندرو برونسون الذي اعتقلته أنقرة بتهمة التجسس وأفرجت عنه بعد حبس عامين، كانت خير مثال لتك السياسة.
وكان الخطر الأكبر الذي تخشاه واشنطن دوما هو توحد تلك القوى أو توحد السنة والشيعة في المنطقة.
وعبر المليشيات التي مولها المال السعودي والإماراتي، نجحت أمريكا في تحويل سوريا إلى منطقة صدام مذهبية ثابتة بين المذهبين تحول دون وحدتهما، ما أبقى النزاع دائم الاشتعال والتأجج وأضعف قدرتهما على مقاومة العدو المشترك، إسرائيل.
وللأسف سقطت إيران بعمق في هذا الفخ خوفا من افتقاد مجالها التأثيري الطبيعي في سوريا والعراق، وفقدان خط التواصل الجغرافي الرابط بينها وبين حزب الله في لبنان، خاصة بعدما رضيت بمهادنة الاحتلال الأمريكي في العراق وتقاسمت سلطته معه، ظنا منها أنها ستزيح (عبر شعبيتها ونفوذها المذهبي الإقليمي) النفوذ الأمريكي في نهاية المطاف.

اكتشاف الفخ


استمرت الاستراتيجية الأمريكية تؤتي أكلها حتى تنبهت الدول المشاركة في قمة كوالالمبور بماليزيا للأمر، ورأت أن الانقسام بين محوري المقاومة الإسلامية هو ما شجع أعداء المسلمين في العالم أجمع على التجرؤ عليهم، فعقدوا قمتهم في نهاية العام 2019المنصرم. وأكد القادة المشاركون على سياسة التوحد ونبذ الشقاق بين المسلمين، والقفز على هذا الانشقاق والعمل على إعادة اللحمة بين المسلمين، والعمل كفريق واحد كان من أبرز مظاهره حضور دولة إيران للقمة. هنا جوبهت القمة بحملة إعلامية إسرائيلية وأمريكية وخليجية محرضة، ما مثّل انكشافا للشرك وبدء سياسة اللعب على المكشوف بين تلك القوى ودول المحور الصهيوني، أو ذلك المحور الذي يتبنى الشرق أوسطية وصفقة القرن و"تزعيم" إسرائيل على الوطن العربي.
ومن مؤشرات التقارب السني الشيعي البارزة تعاطي إيران مع مقترحات إعادة اللحمة؛ التي كان أبرزها صمتها عن عملية نبع السلام التركية في سوريا، وما رددته صحف روسية بأن هناك توافقا إيرانيا روسيا بأن سوريا الجديدة لن يكون فيها بشار الأسد حاكما.

تغير الصراع


إزاء هذه التطورات غيّرت أمريكا وحلفاؤها في إسرائيل والخليج أوراق اللعبة، وراحت تفتعل معركة مباشرة باستهداف أبرز الشخصيات العسكرية لأحد جناحي هذا التحالف الجديد، لتجني من وراء الحدث عدة مكاسب، أهمها ضرب الأمثال على القدرة العسكرية والاستخبارية لهذا الجناح، أيضا للجناح الآخر، وخطب ود بعض دول الخليج التي كادت أن تفقد الأمل في قدرة أمريكا على مجابهة إيران رغم الأموال الضخمة التي تجبيها منها، فضلا عن اختبار إصرار القوى الأخرى على السير في طريق الوحدة الإسلامية أو كسر هذا التحالف، والعودة لمربع إذكاء الصراع السني الشيعي، وإذا لم تقم بهذا الدور فإنها ستكون حينئذ محط العمليات الانتقامية القادمة، خاصة بعدما رأت هذه الدول بنفسها أنه لا عزيز عند أمريكا وقت الشدة.
وفي المقابل، وإزاء هذا الانكشاف المبكر للمؤامرة الأمريكية التي أرادت بها أمريكا تغيير آليات الصدام البارد إلى الصدام الساخن والحاسم لصالح أمريكا كقوة عالمية، كان الرد الإيراني العنيف سيعطي أمريكا ضالتها، لذا ارتأت إيران ضرورة أن يكون الرد كبيرا في مدلولاته، صغيرا في أضراره لا سيما البشرية، ولذا جاء قصف القواعد الأمريكية في العراق باهتا، ما حرم أمريكا من مبررات الرد الحاسم وأجبرها على العودة للحرب الباردة.
لعل القيادة الإيرانية ارتأت أن الانتصار الحقيقي لدم سليماني يتركز في عملية استنزاف عسكري بطيء وطويل الأمد، تجبر |أمريكا في نهاية المطاف على سحب قواعدها العسكرية من العراق وسوريا.

ارتباك


احتفال ثوار سوريا بمقتل قاسم سليماني وهم من تيار المقاومة "السنية"، وتنديد فصائل المقاومة الفلسطينية "السنية" أيضا بمقتله، يعكس بشكل جلي الارتباك الكبير الذي تشعر به فصائل المقاومة السنية العربية، ليس تجاه "سليماني" فقط، بل تجاه إيران نفسها، وهو الارتباك الذي تسبب فيه المشهد السوري، والذي انتقل فيه الدور الإيراني من دور الضحية المقاوم لدى عموم العرب والمسلمين إلى دور الجلاد الطائفي الظالم، وذلك تحديدا هو صلب الفخ الذي جنت إيران ثماره الآن، وليس من المستبعد أن يتكرر السيناريو في المحاور الاستراتيجية لكافة القوى الإسلامية الأخرى، وهو ما يوجب على الجميع التخلي عن بعض المكاسب الخاصة من أجل نجاح الوحدة الإسلامية الناشئة وتخفيف.
ليتنا ندرك قبل فوات الأوان.

الاثنين، 6 يناير 2020

سيد أمين يكتب: ما بين تفجيرات مقديشو.. وحصار طرابلس

نشر المرة الاولى في  عربي 21 


الإثنين، 06 يناير 2020 12:00 ص بتوقيت غرينتش
حينما نبحث عن العقول المدبرة للتفجير الإرهابي الذي حدث عند نقطة تفتيش مزدحمة في العاصمة الصومالية مقديشو السبت قبل الماضي، والذي أودى بحياة 150 قتيلا ونحو 90 من الجرحى، لا بد أن نفتش في المعطيات السليمة بغية الوصول إلى النتائج السليمة، ونأخذ في الاعتبار كثرة الطامعين في الحصول على موطئ قدم على السواحل الغربية للقرن الأفريقي وباب المندب، التي تقع عليها دولة الصومال، وتمثل موقعا استراتيجيا متميزا، فيما تطمح السعودية والإمارات لتنصيب حكومة موالية لها على سواحله الشرقية في اليمن.

الصراع التركي الإماراتي


ولكي نضع النقاط فوق الحروف، لا بد أن نعرج على العلاقات الصومالية الإماراتية، حيث سعت دولة الإمارات العربية لإقامة علاقات متميزة مع دولة الصومال، حيث وقعتا مذكرة تعاون ثنائي بين البلدين أواخر عام 2013، تلا ذلك توقيع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري عام 2014، إلا أن العلاقات ساءت عام 2018 إثر قيام حكومة الصومال بإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في أراضيها، وإلغاء اتفاقية شراكة بين شركة موانئ دبي والحكومة الإثيوبية لتشغيل ميناء بربرة، مع مصادرة عشرة ملايين دولار في حقيبتين وصلتا على متن طائرة إماراتية خاصة إلى مطار مقديشو، وتعتقد الحكومة الصومالية أنهما كانتا في طريقهما لدعم حركة التمرد (وهي التي تقودها حركة الشباب المجاهدين التي أطاحت بحكم الديكتاتور سياد بري عام 1990 واستولت على الحكم، إلا أنها تناثرت وتقلص نفوذها عام2007 ). هنا ردت الإمارات بإغلاق "مستشفى الشيخ زايد" في العاصمة الصومالية، وعزت ذلك إلى "نقص التمويل"، فيما شن إعلامها حربا دعائية ضد حكومة الصومال.
ويمكننا ببساطة أن نعزو هذا التوتر في العلاقات الصومالية الإماراتية إلى الغضب من تنامي العلاقات الصومالية التركية في المجالات كافة بشكل كبير، عقب إعادة أنقرة عام 2011 فتح سفارتها التي أغلقتها في مقديشو عام 1991، وهي العلاقات التي توجت أواخر عام 2017 بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج؛ تركز على بناء قوات عسكرية صومالية محترفة، وتضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى.

الصراع حول ليبيا


ولذلك، فحينما نحاول فهم المتورطين في الحادث الإرهابي، لا بد أن نضع تلك المعطيات في الاعتبار خاصة في ذلك التوقيت، حيث تلتهب في أقصى الشمال على ساحل البحر المتوسط جبهة الصراع بين تركيا والحكومة الشرعية الليبية من جانب، والجنرال الأمريكي المتمرد خليفة حفتر وقواته المدعومة من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل واليونان من جانب آخر، وتتزايد دقات طبول الحرب بين الجانبين يوما بعد يوم.
وبالطبع، سيسعى كل جانب لاستخدام أقصى إمكانياته من أجل إضعاف قدرات الطرف الآخر في لعبة "عض الأصابع" من أجل إشغاله في توترات مناطق نفوذه حول العالم، لدرجة جعلت بعض المحللين السياسيين يعتقدون أن تزايد الهجمات الروسية على مدينة إدلب السورية هذه الأيام، هو أيضا محاولة لتصدير أزمة لاجئين جدد لتركيا، لشغلها عن المسار الليبي الذي تشارك روسيا بقوات غير رسمية لدعم التمرد هناك.
يدعم ذلك التصور أن جماعة الشباب التي أزيحت بالقوة سابقا، والتي كانت دوما تسارع بشيء من الزهو لإعلان مسؤوليتها عن أي عملية تنفذها لتبثت قدرتها على التأثير وامتلاكها زمام المبادرة العسكرية، تأخرت هذه المرة لإعلان مسؤوليتها عن الانفجار قرابة أربعة أيام كاملة، بخلاف مواقفها في التفجيرات الإرهابية السابقة.

المهندسون الأتراك


وهناك نقطة أخرى يجب عدم إغفالها أبدا، وهي أن السيارة المفخخة التي استهدفت نقطة التفتيش، كانت على ما يبدو تستهدف مجموعة مهندسين أتراك يعملون في تشييد طريق من نقطة التفتيش إلى المدينة، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وهو ما جعل الخبراء الأمنيين الصوماليين والأتراك، يؤكدون أن المستهدف من التفجير، هم أصلا المهندسون الأتراك، وذلك لتوصيل رسالة لأنقرة بأن مصالحها في الخارج تحت مرمى النيران، وهي الرسالة التي تؤكد أيضا أن المتضرر من التقارب التركي الصومالي هو صاحب المصلحة الأولى من التفجير، فضلا عن أن استهداف المهندسين الأتراك هو في الواقع استهداف لأحد أقوى الأدوات التي تسخرها تركيا من أجل التقارب مع شعوب العالم، حيث ينفذ هؤلاء المهندسون (مثلهم مثل جميع الكوادر التي تقدمها تركيا لحلفائها) أعمالا تحظى باهتمام شعبي وتلامس حاجات الناس.
المخابرات الصومالية وضعت يدها على المنفذين للهجوم دون أن تفصح عنهم، ولعل المعطيات السابقة التي سردنا قد أوصلتنا إلى المجرم الحقيقي الذي ربما تقصده المخابرات الصومالية.
ويشير الهجوم إلى أن أعداء تركيا في الخارج لا يتورعون عن قتل الأبرياء من أجل توصيل رسالة بائسة وغبية ومخضبة بالدم.

الاثنين، 30 ديسمبر 2019

سيد أمين يكتب: قمة الاستقلال وتكسير المحاور

الإثنين، 30 ديسمبر 2019 01:13 م بتوقيت غرينتش0
سيد أمين
تعتبر القمة الإسلامية المصغرة التي دعا إليها رئيس الورزاء الماليزي مهاتير محمد وانعقدت في العاصمة الماليزية كوالالمبور في الأيام الماضية، بحضور زعماء أربعة دول وممثلين عن 18 دولة إسلامية، لطمة قوية في وجه سياسة المحاور السائدة في العالم الإسلامي، وهي السياسة التي تذكيها سياسات القوى الإمبريالية الغربية في عالمنا الإسلامي الذي يمثل 24.8 في المئة من سكان العالم، من أجل أن تبقيه رهنا للصراعات الداخلية والمذهبية والفومية والعرقية.
ورغم أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان كان من أكثر المتحمسين لعقد هذه القمة، بجوار تركيا وقطر وماليزيا وإيران وإندونيسيا، إلا أنه اعتذر عن الحضور بعدما هددته الرياض بطرد أربعة ملايين عامل باكستاني لديها وبسحب ودائع من البنك المركزي الباكستاني، كما أكد الرئيس التركي.
إلا أن هناك تفسيرا آخر يبرر هذا الغياب، وهو رغبتها في تهدئة التوتر مع جارتها النووية الهند التي ستعتقد على الفور أن هذا الإجراء معاد لها.
بعد ذلك تراجعت إندونيسيا عن إرسال نائب الرئيس لسبب غير مفهوم؛ يرجح أنه نتيجة للضغوط الخليجية، وهو ما قد يكون عبر عنه وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله بأن بعض الدول الإسلامية تخوض حروبا سرية نيابة عن القوى العظمى.

سحق المحاور



ولعل سياسة المحاور التي خطتها الأنامل الغربية بهدف التقوّت عليها عبر إذكاء الصراع بينها كانت أكثر وضوحا في منطقتنا العربية، حينما وجدت بعض الدول العربية التي تدافع عن موروثها الثقافي والحضاري نفسها طرفا في هذه المحاور، تماما كالمحور السني الذي تشكل بشكل غير مقصود تحت وقع المصالح القُطرية والثقافية لأعضائه، وهو الذي تنجرد فيه تركيا وقطر وحكومة الوفاق الليبية وحركة حماس، وهو أيضا المحور المدافع عن الهوية الإسلامية السنية للبلاد، وكذلك المحور الشيعي الذي تندرج فيه إيران والعراق وسوريا وحزب الله والحوثيون، وهو المحور المدافع عن الهوية الثقافية الإسلامية الشيعية، ثم المحور الشرق أوسطي وهو المحور الداعم لصفقة القرن والشرق الأوسط الجديد بزعامة إسرائيل، وفي هذا المحور تتربع السعودية والإمارات والبحرين وحفتر ومصر.
وكان يأمل المشاركون في المحور الشرق أوسطي في أحداث صدام سني شيعي يحقق له تفوقه، وقد تم إيجاد بؤر صدام جاهزة لتحقيق ذلك أبرزها "سوريا" و"لبنان"، فيما كان من المتوقع ردا على ذلك وإجهاضا للخطة؛ أن يتم التوافق بين المحورين السني والشيعي من أجل إفشال مؤامرات المحور الشرق أوسطي، إلا أن قمة كوالامبور قامت بسحق كل تلك المحاور الثلاثة واعتمدت محورا واحدا، هو الولاء لاستقلال وتكامل الأمة الإسلامية بشقيها السني والشيعي في كافة المجالات، ما يحقق استقلالها السياسي، والتأكيد على أن قضية فلسطين هى القضية المحورية للعالم الإسلامي، وقربا وبعدا من ذلك يمكنك تصنيف الدول.

قمة الاستقلال

يمكننا ببساطة تعريف قمة كوالالمبور بأنها قمة "الاستقلال" للشعوب الإسلامية من قيود التبعية للخارج، وهو ما يتضح من محور أجندة القمة الرئيسية "دور الرؤى التنموية في الوصول إلى السيادة الوطنية".
وهي المعاني التي عبر عنها جميع القادة المشاركون في القمة، بدءا من كلمة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ التي دعا فيها إلى اعتماد أساليب التفاوض والحوار في حل القضايا العالقة بين الدول ورفض استخدام أساليب القوة والحصار والتجويع وإملاء الرأي، وهو ما يتطلب حدا أدنى من الإجماع على منح صلاحيات أوسع للمؤسسات الدولية التي لا يسود فيها حق الفيتو لهذه الدولة أو تلك.. والرئيس التركي أردوغان الذي انتقد المذابح التي يتعرض لها المسلمون في العالم، وقال إن أكثر من ثلاثة أرباع ضحايا الحروب في العالم مسلمون، وجهر بتكرار الدعوة بأن العالم أكبر من الممثلين الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، والذين لا توجد بينهم دولة مسلمة واحدة.. وكلمة رئيس الوزراء الماليزي الذي قال صراحة إن العالم الإسلامي لا زال تحت الاحتلال الغربي، وكذلك الرئيس الإيراني الذي أكد أن التدخلات الخارجية في عالمنا الإسلامي، بالإضافة إلى التطرف، هي أحد أبرز أسباب معاناة أمتنا.
ومن اللافت أن جميع المداخلات والكلمات أجمعت على ضرورة اعتماد الحوار كوسيلة لحل المشكلات بين الدول الإسلامية، أو بين الدول الإسلامية وباقي دول العالم، وأن القمة ليست موجهة ضد أحد وليست بديلة عن أي منظمات أخرى، في إشارة إلى منظمة التعاون الإسلامي (كما تعتقد السلطات السعودية التي رفضت الحضور وسط مخاوف من سحب القمة لتأثيرها السياسي بوصفها بلاد الأراضي المقدسة) بقدر أنها تهدف لتجاوز معاناة شعوب العالم الإسلامي.
وأعطى حضور 450 من والمفكرين والمثقفين للقمة مؤشرات واضحة بأن الهدف منها هو النهوض العلمي بأمة المسلمين، ومحاولة انتشالها من براثن الجهل الذي يخلق الاحتياج للغرب وما ينتجه ذلك من تبعية.
يجدر بالذكر أن الإسلام يعد ثاني أكبر دين في العالم ويدين به 1.9 مليار، يمثل السنة فيهم 80-90 في المئة (تقريبا 1.5 مليار نسمة) والشيعة 10-20 في المئة تقريبا (170-340 مليون نسمة)، بحسب دراسات دولية حديثة.
ولم يكن مفاجئا أن تعادي بعض الأنظمة المرتمية في أحضان الهيمنة الغربية قمة تسعي لاستقلال العالم الإسلامي، فذلك نشاط متفق تماما مع أدوارها الوظيفية الدولية.
وعلى أي حال، ومهما كانت نتائج القمة وأعداد المشاركين فيها، إلا أنها كانت جرس إنذار قوي موجه للعالم بأن العالم الإسلامي بشخصيته القديمة المستباحة لم يعد مقبولا.
نشر

سيد أمين يكتب: لمحة عن معاناة تلك الفئة



بالطبع يتقاسم مواطن تلك الفئة كل ما يعانيه باقي المصريين، حيث يعيش رحلة مهانة صار الكثيرون يتكيفون ويتعاملون معها، مهانة يتلقاها المهندس والطبيب والكبير والصغير والموظف و"العامل الأجري" وصحيح الجسد ومعتله من قبل رجال الأمن تارة والخارجين عن القانون تارة أخرى، وذلك عند دخوله أي مصلحة حكومية أو رسمية، وقرب الكمائن وأقسام الشرطة حيث يجب عليه أن يتقبل كل ما قد يحدث معه دون حتى أن ينبس ببنت شفة، وإلا لن يرى الشمس ثانية، وكذلك حينما يسير في الشارع أو في منزله أو عمله.

السبت، 28 ديسمبر 2019

مقالات عام 2019



قمة الاستقلال وتكسير المحاور

 الإثنين، 30 ديسمبر 2019 01:13 م بتوقيت غرينتش0
سيد أمين
تعتبر القمة الإسلامية المصغرة التي دعا إليها رئيس الورزاء الماليزي مهاتير محمد وانعقدت في العاصمة الماليزية كوالالمبور في الأيام الماضية، بحضور زعماء أربعة دول وممثلين عن 18 دولة إسلامية، لطمة قوية في وجه سياسة المحاور السائدة في العالم الإسلامي، وهي السياسة التي تذكيها سياسات القوى الإمبريالية الغربية في عالمنا الإسلامي الذي يمثل 24.8 في المئة من سكان العالم، من أجل أن تبقيه رهنا للصراعات الداخلية والمذهبية والفومية والعرقية.
ورغم أن رئيس الوزراء الباكستاني