السبت، 8 يناير 2022

مقالات عام 2021

 

سيد أمين يكتب: دردشة عن البركة وعلم العدد

يناير 05, 2021

 يحلو للناس الحديث عن الغيبيات أو اللامنطقيات و"الميتافيزيقا" أو علم "ما وراء الطبيعة" ، فهي راسخة ومتجذرة في عقول وأفئدة الناس ، من خلال التجربة أحيانا والنقل عبر الرسل والأنبياء والصالحين في أغلب الأحيان.

ويجتهد كثير من الناس لإظهار تشبثهم بحبائل المنطق في تبرير تصرفاتهم ، ويكرسون جل جهدهم للظهور بكونهم أناسا منطقيين، مع أنهم في كثير من الأحيان لا ينتصرون للمنطق ولا يعملونه أو حتى يعلمونه، لكنهم يمضون خلف تلك البواعث الداخلية العميقة المدهشة التي توجههم إلي فعل هذا ورفض ذاك وحب هذا وكراهية ذاك.

نحن لسنا هنا بصدد الحديث عن الأديان فهي "تابوهات" مقدسة تؤخذ بماهيتها كما هي وكما اخبرنا عنها الرسل والأنبياء والصالحين بما لها من نسق ، وهذا مصدر الإعجاز والحيرة فيها ، ولسنا أيضا بصدد الحديث عن السحر والمس والحسد رغم أن ذلك يأتي ضمن هذا النوع من التفكير وان كان قد صبغ بصبغة الابتذال والسوقية من فرط الحديث عنه.

 

ظواهر أخري

ولكن نحن بصدد ظواهر أخري لما يرد عنها نقلا ولم يستطع أن يفسرها لنا العلم لكنها حقائق يقينية يعيشها الناس منذ نشأة الخليقة ،وإلا فما تفسير أن يشعر أحدنا أحيانا انه عاش تلك اللحظة أو الموقف من قبل، أو أن يتوقع أحدنا حدوث شيء ما فيحدث تماما كما توقع دون وجود أي مسببات منطقية له ، أو أن يشعر بمشاعر الحب والاحترام والسكينة والأمن تجاه شخص لم تلتقيه في حياتك من قبل أبدا، وتشعر بمشاعر مناقضة تماما تجاه أخر مجرد أن تراه ، أو أن يتواصل اثنان كلا منهما في نصفي الكرة الأرضية ذهنيا دون سابق معرفة، أو أن يتعثر أحدنا مرارا في زيجته أو عمله أو تجارته دون وجود أي معيار منطقي بأي شكل ، لا في الشكل ولا اللون ولا القبح ولا الجمال ولا اللون ولا الجنس ولا الدين ولا العلم وغيرها.

وما معني الإيمان السائد عند الناس جميعا بالبركة والنحس حيث كانوا يقومون قديما بنثر حبوب القمح ليبنوا عليها جدران المنازل طمعا في النماء والرخاء ، ويقوم أصحاب المحال بسكب الماء أمام محالهم قبل بدء العمل طمعا في زيادة البيع وكثرة الزبائن؟ وما هو سر القدرات الخاصة؟

الإجابة علي تلك التساؤلات غاية في الصعوبة ولكنها قد تنقلنا جبريا إلي الحديث عن الإله الواحد الذي لم ندركه ولم نراه ولكن بصمات وجوده وخلقه لنا واضحة، تنقلنا تارة إلي النسق المنطقي وتارة إلي النسق غير المنطقي وهو ما يحيلنا إلي الاعتقاد الديني أيضا ، والغريب أن كل الأديان تقريبا تحيلنا إلي معني واحد تقريبا، الخلق الأول والبعث والخلود.

لذلك أعتقد أن الحياة لا تسير علي نسق منطقي واحد، ولا حتى علي النسق المنطقي فقط ، بل تسير علي رجلين اثنتين إحداهما نسق منطقي والأخر غير منطقي.

 

مَنطَقة اللامنطقي

في إطار "مَنطَقة" اللامنطقي يؤكد المتصوفة أن كثيرا من الناس ارتقوا لدرجات قصوى من الإيمان بالخالق العظيم وذابوا في الوجد للقائه، فتحقق لديهم الصفاء الوجداني والذهني في صورة حدس صوفي شديد الصدق، يحميهم من الذلل، ويقرءون به المستقبل، ويستدلون بفعاليته بمدي قربهم من الخالق.

وللحقيقة أن هذا الحدس الصوفي موجود بذات المعنى في كثير من العقائد والأديان وله نفس الآثار ما يدل في قراءة أخري علي وحدة المعبود وإن كانت تختلف صور عبادته.

 

لذلك كانت القدرات الخاصة التي منحت أيضا لبعض الأفراد حتى من غير المسلمين، بل ومن غير المؤمنين أو المتصلين صوفيا ، مثار حيرة بالغة لما لها نفع شديد ليس للأفراد فحسب بل حتى للدول.

ويحكى أن أكثر ما كان يؤرق المخابرات الغربية والأمريكية أثناء فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق ، هو نفوذ هؤلاء الأفراد الخطرين الذين يعتبرون أجهزة تنصت واستقبال واتصال بالغة التطور تقوم بمهام يستحيل كشفها أو حتى رصدها.

الغريب ان المخترع والفيزيائي والمهندس الكهربائي والميكانيكي الصربي الأمريكي "نيكولا تسلا" الذي يعد أحد أكثر البشر عبقرية ونبوغا علميا قال : "من يعرف عظمة الأرقام ٣ و ٦ و ٩ ،فقد وجد المفتاح للكون" ،وكان مهووس بالرقم ٣ لدرجة أنه كان يدونه حوله ويرسم به المثلثات.

 

حكايات متناثرة

ولقد ارتبطت الأماكن والمنازل في وجدان كثير من الناس بعوامل الرزق أو الشح فكانوا ينثرون الحبوب كالقمح والأرز والشعير في أساسات البنايات الجديدة جلبا للنماء والبركة.

وكثير من الناس كانوا يتشائمون ويتفائلون من أرقام بعينها ، فأرقام3و5 و7 و9 مثلا مثيرة للتفاؤل لديهم ، والغريب أنها ذاتها أرقاما محبذة أيضا في طقوس كثير من العبادات، فالصلاة عند الإسلام خمس والرقيات الشرعية ثلاثة أو خمسة أو سبعة، والسموات سبع، والأرض سبع طبقات ،وهكذا.

ويرتبط الرقم ٣ في معظم الثقافات بالتقديس ،والحياة والتغير والتطهير والولادة وحتى الحياة الاخرى ، وكثير من الثقافات القديمة، لديها ٣ رموز وآلهة مزعومة من المصرية القديمة مرورا بالهندوسية وانتهاء بمبدأ التثليت في بعض الديانات وفي بعض مذاهب المسيحية يعتبرون أن الله تعالي ثالث ثلاثة.

كما ان القرآن حافل بذكر رقم ثلاثة "أزواجا ثلاثة ، وعززنا بثالث ، ظلمات ثلث ،ذي ثلاث شعب ، وغيرها" وكذلك عدة الأرملة في الاسلام "٤ أشهر أي ثلث السنة، و١٠ ايام أي ثلث الشهرأيضا" فضلا عن أن الطلاق ثلاثة ، وتسبيحات الثلاة ثلاثة ، والاذكار والرقى اغلبها ثلاثة، وهناك معجزات كبيرة في علم العدد.

وفي الهندوسية الرقم ٣ مقدس ،فالآلهة ٣، وشيفا ثالث الآله له ٣ أوجه و أحوال و سلاحه ثلاثي والحياة ثلاث مراحل و ثلاث رحلات والوعي ٣ مراحل.

والشمعدان الذي يمثل أعظم رمز ديني لليهود هو سبع شمعات، وحتى الماسونية أو البنائيين الأحرار وهي منظمة أخوية عالمية يتشارك أفرادها عقائد وأفكار واحدة فيما يخص الميتافيزيقيا وتفسير الكون والحياة والإيمان بالخالق ، لها ثلاثة درجات " العمي الصغار، الماسونية الملوكية ، الماسونية الكونية".

بينما أرقام 13 و19مثلا مجلبة للشؤم وينبذها كثير من الناس لاسيما في الغرب، لدرجة أن الكثير من الفنادق العالمية ألغت رقم 13 في غرفها واحتالت عليه برقم 12 مكرر.

السبب غير مفهوم ولكن يتردد انه الساحرات كن في روما عددهن 12 ساحرة ويجتمعن مع الشيطان صاحب الرقم 13 وأن حوّاء أعطت آدم التفاحة ليأكلها في يوم 13 من الشهر وأن قابيل قتل هابيل في مثل هذا اليوم.

وترتبط البركة أيضا بالزوجة وقد يكون طلب إبراهيم من ابنه إسماعيل عليهما السلام تغيير عتبة بيته لسبب من هذا القبيل.

ويتردد أن مسألة النحس والبركة تبرز قوة أثارها طبقا لمدي إيمان صاحبها باللامنطقيات ومن يخشي العفريت "يطلع له" كما يقول المثل المصري.

اقرأ المقال كاملا على موقع رقيم

.................................................

سيد امين يكتب: الهرمجدون .. هل جمعت بين ترامب واليهود وفرقت بينهما؟

مارس 01, 2021

رغم أن الرئيس الامريكي المثير للجدل دونالد ترامب قدم لاسرائيل ما لم يقدمه أحد لها من قبل ، بدءا من زوج ابنته لليهودي جاريد كوشنر وعينه وزيرا لخارجيته، ثم قراره بنقل سفارة بلاده الى القدس واعترافها بأن كامل المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل، ومعها الجولان السورية المحتلة ، ثم تدبيره لصفقة القرن التي تنهي القضية الفلسطينية صالح اسرائيل ، نهاية بموجة التطبيع الاجباري التي فرضها علي “أثماله” العربية مع هذا الكيان، رغم كل ذلك لم يحظى ترامب برعاية اللوبي اليهودي في امريكا على ما يبدو ما تسبب في سقوطه الذريع .

 

تأثيرات انتخابية

 

تشير المعلومات الى أن هناك اكثر من 6ملايين يهودي يقطنون في عدد من الولايات والمدن الامريكية المهمة مثل نيويورك ولوس انجلوس وميامي وسان فرانسيسكو وشياغو ، واغلب تلك المناطق صوتت لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة وأن هذه الجالية اليهودية كان بامكانها بمفردها أن تحقق الفوز لترامب لو صوتت له في تلك الولايات وحققت التعادل بينه وبين بايدن بحيث يتم خصم هذا العدد من الـ 86 مليون الذين صوتوا لبايدن ويضافوا للأصوات التي حصل عليها ترامب ليصل عدد المصوتين له الى 80 مليون شخص ، فضلا عن قوتها الاجتماعية والاقتصادية التي كان يمكن استخدامها لاقناع أو اجبار شرائح أخرى من غير اليهود للتصويت له.

وبالطبع كل ذلك كان سينعكس ايجابا على اصوات ترامب في المجمع الانتخابي.

بالقطع ستثير تلك التكهنات دهشة الكثيرين واستنكارهم لها ، فلماذا يقابل اليهود اليد التي امتدت لهم بالعرفان بهذه الضربات الموجعة؟ وهل فعلوا ذلك كرها لترامب ام حبا في بايدن؟

 

تأثيرات عقائدية

 

يرد الداعمون لهذا التوجه بمعلومات اكثر غرابة تتعلق كلها بالتوجهات الدينية لكل من الصديقين “اللدودين” والذين جمعت بينهم الايديولوجية الدينية وهى التي فرقت بينهم أيضا في أخر المطاف.

فمن المعروف ان ترامب واحدا من الرءوساء الامريكيين الذين عرفوا بتأثرهم بشدة بمرجعيتهم الدينية البرستانتيه المشيخية ، وانه توجه الى الكنيسة القريبة من البيت الابيض حاملا الانجيل حينما داهم المحتجون الرافضون لسياساته المكان ليعلن للعالم تمسكه بوجهته العقائدية في بلد يتحلى ولو شكليا برداء العلمانية.

وحتى حينما هاجم انصاره مقر الكونجرس بعد اعلان فوز بايدن كان كثيرون منهم يحملون صلبانا ،وبينهم عدد من العرافين وقراء الحظ والطالع، وقيل انه كان بينهم قارئ الطالع الخاص بترامب نفسه.

ويقولون ان تدين ترامب بهذا المذهب – كما يقولون – جعله يؤمن بشكل جازم بضرورة وقوع معركة “الهرمجدون” او معركة “نهاية العالم” التي ستحدث بين السيد المسيح “عليه السلام ” بعد عودته الثانية كممثل لقوى الخير، ويين من لا يؤمنون به وسيفنيهم جميعا في “مدينة القدس” كممثلين لقوى الشر.

“مع ملاحظة أن وقوع تلك المعركة الفاصلة بين قوى الخير والشر في نهاية الزمان يؤمن بها انصار الديانات السماوية الثلاث ولكن يروونها بطرق مختلفة وكل فصيل بنسب الانتصار فيها لنفسه”.

الجديد هنا أن ترامب – بحسب المؤمنين بهذه النظرية – يعتقد أن اليهود من ضمن قوى الشر التي سيتم افنائهم، وأنه مع تخريب مدينة القدس لابد من تدمير هيكل داوود” أو”سليمان”.

ونظرا لأن هذا الهيكل غير موجود كي يتم هدمه ، فإنه من الضروري مساعدة اسرائيل لبسط سيطرتها الكاملة على كامل مدينة القدس، وتمكينها من اعادة بناء الهيكل أو العثور عليه أسفل “المسجد الاقصى” من ثم تهيئة الأجواء لعودة المسيح وهدمه، وتخريب القدس ،والقضاء على كل قوى الشر يهودا ومسلمين.

ولليهود سببا اخر للخلاف مع ترامب ، وهو أن الرجل يؤمن تماما بوجوب سيطرة الجنس الابيض على الحكم في امريكا بعدما افقدتهم “سياسة التجنيس والهجرة والمعايير الديمقراطية” السيطرة على مفاصل الحكم هناك ، بينما اليهود لا ينتمون للجنس الابيض ، وهم ايضا يؤمنون بانهم الافضل لكونهم “شعب الله المختار” كما يزعمون.

لذلك رأي اليهود أن اكتمال نصر ترامب وتمكنه من احداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة في امريكا وفي العالم لن تصب في النهاية لصالحهم.

 

الساسة الامريكيون ومعركة النهاية

 

والحقيقة ان هناك الكثير من الساسة الأمريكيون ينتهجون نهج ترامب ، وبحسب كتاب “النبوءة والسياسة” للكاتبة الأمريكية جريس هالسيل فإن النبوءات التوراتية تحولت في امريكا إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية وكلهم يعتقدون قرب وقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح.

وفي هذا المعنى تحدث الرئيس الأمريكي ريجان عام 1980م في مقابلة متلفزة أجريت معه مع الاعلامي المسيحي المتدين جيم بيكر قائلا: “إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون”.

وفي تصريح آخر له: ان هذا الجيل بالتحديد هو الذي سيرى هرمجدون.

أما الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش فقد نقلت عنه مجلة دير شبيجل الألمانية عام 1988 قوله “منذ ذلك الوقت أصبح بوش واحداً من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح وهذا ما دعاه إلى القول: بأن المسيح هو أهم الفلاسفة السياسيين في جميع الأزمنة لأنه ساعدني على التوقف عن شرب الخمر”.

ويتضمن كتاب “لو كررت ذلك على مسامعى فلن أصدقه” لمؤلفه الصحفى الفرنسى “جان كلود موريس” أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكى “جورج بوش الابن” والرئيس الفرنسى السابق “جاك شيراك”، والتى كان يجريها الأول لإقناع الثانى بالمشاركة فى الحرب التى شنها على العراق عام 2003، بذريعة القضاء على “يأجوج ومأجوج”.

ويقول مؤلف الكتاب ان بوش الابن كان من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وكان مهووساً منذ نعومة أظفاره بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس فى المعتقدات الروحية المريبة، وفى مقدمتها (التوراة)، ويجنح بخياله الكهنوتى المضطرب فى فضاءات التنبؤات المستقبلية المستمدة من المعابد اليهودية المتطرفة.

وفي عام 1991 واثناء الحرب على العراق نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الحاخام «مناحيم سيزمون»، الزعيم الروحى لحركة حياد اليهودية، مفاده بأن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح “اليهودي” المنتظر.

وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدرفي قبرص عام 1990 يقول:توجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في امريكا وكل دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد دولة إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين.

وهناك في الحقيقة العديد من التصريحات التي يدلي بها مسئولون أمريكيون وغربيون تكشف عن سيطرة هذه العقيدة على سياستهم الخارجية والداخلية

اقرأ المقال كاملا على موقع رقيم

 

........................................................

سيد أمين يكتب : "صاحبة الجلالة".. من تحرير الوطن لتحرير الكراسي

نشر المقال لأول مرة في عربي 21

بعضهم لجأ لاستئجار مقهى وأحيانا اضطر للعمل فيه، أو استأجر محلا ليبيع فيه البقالة أو الخدمات المكتبية أو مهمات الكمبيوتر، وبعضهم افتتح مطعما يبيع فيه الفول والطعمية، وأفقرهم من قام بتمويل "عربة فول" من تلك العربات التي تنتشر في كل مدن مصر وأحضر أقارب له للعمل عليها، ومنهم من اقترض من البنوك ليحصل على سيارة يديرها كسيارة أجرة.

وهناك من هم من ذوي الأطيان - وهي تقاس بالقراريط في الغالب - عاد إلى مسقط رأسه في ريف مصر وراح يربي الماعز والخرفان، ويزرع ويسقي وينافس الفلاح في صنعته.

هذه ليست ترديات أو حتى سرديات عن أحوال العمالة الموسمية  ولا عمال التراحيل، ولكننا بلا خجل نتحدث عن المهن البديلة التي يمتهنها قطاع لا بأس به من الصحفيين المصريين حاليا، والذين ينتظرون بفارغ الصبر الزيادة الحكومية الدورية لبدل التدريب والتكنولوجيا مع كل انتخابات للتجديد النصفي، والتي ستحل في 19 آذار/ مارس الجاري، وهو البدل الذي تحول إلى الراتب الوحيد لغالبية الجمعية العمومية للصحفيين مع زهادته وضآلته، ولا يزيد عما يقدر بنحو 120 دولارا.

كما أن قطاعا كبيرا من الصحفيين المصريين يعملون بصورة أو أخرى في مجال السمسرة وبيع الأراضي، وبعض النافذين منهم وهم قلة طبعا لجأوا إلى القيام بأعمال الوساطة وتخليص مصالح المستضعفين من الناس مقابل أجر أو عمولة، والأخطر من ذلك أن العاملين في قطاع الإعلانات وهم بالقطع الأيسر حالا والأوفر حظا بينهم - رغم أنه نشاط مجرم بنص لوائح عضوية نقابة الصحفيين - صاروا هم أغلب ملاك الصحف الجديدة وهم من يسيطرون على المجال، وبالطبع كل ذلك أثر سلبا على حياد الصحفي ومهنيته.

لذلك فقد الناس ثقتهم في هذا المجال تماما، وانحدرت صورة الصحفي النمطية في مخيلتهم لدرجة سحيقة تجعل بعضهم يربط بين الصحفي والنصاب، بعدما كان من أعلى عشر مهن مرتبة وحصانة ودخلا وإعمالا للمبادئ والمثل في البلاد، وللأسف قد ساعدت الدراما الرسمية التي تنتجها الدولة في ترسيخ هذا المفهوم في العديد من أعمالها.

وفي كثير من الأحيان هذه الصورة جعلت الناس يربطون بين الصحفي ومخبر الشرطة الذي يتخلى عن حياده؛ ويسخّر قلمه ليكتب ما تمليه عليه أجهزة الدولة أو ممثلوها ويكون شاهد زور جاهزا.

بدون أدنى مبالغة هذه عينة كاشفة عن أحوال الصحفيين المصريين ومصادرهم المالية التي تضج بها اعترافات بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأحاديث الجانبية بين بعضهم البعض، ما يؤكد انهيار هذا المجال في مصر، ولولا دخل زهيد تؤمنه نقابة الصحفيين لأعضائها شهريا تحت بند بدل التكنولوجيا والتدريب (2000 جنيه أو ما يعادل 125 دولارا)؛ لوجدنا الصحفيين المصريين يتسولون، فما بالك بمن لم يستطيعوا الانضمام لهذه النقابة بسبب قيود متعددة وهم أضعاف أعداد أعضائها.

 

أسباب أمنية

ساهم في حالة السقوط لقطاع الصحافة في مصر ما يعانيه الصحفيون من تكميم للأفواه وإغلاق للمنابر الإعلامية الجادة ومطاردة القائمين عليها، تأكيدا لذلك الشعور المتصاعد بالغبن والجور والإذلال جراء تلك القبضة الأمنية بالغة الضراوة عليهم، والتي حولت اشتغالهم بالمهنة إلى سُبة في جبينهم تعرضهم لمخاطر أمنية هائلة، لا سيما من يحملون منهم كاميرا توثق الأحداث أو تخصصوا في مجالات تتنافر مع نشاطات الحكومة.

وفيما يبدو أن هناك خيوطا جديدة تتكشف عن المؤامرة الكبيرة التي تحاك ضد هذه المهنة، كشفت عنها تصريحات أحد نواب البرلمان في مصر بضرورة تغيير قانون نقابة الصحفيين.

ولا جدال في أن التغيير المزعوم إما أنه سينسف أي دور للنقابة للسيطرة وإدارة العمل في المهنة ويجعل المهنة مشاعا كأرض خصبة للذباب الالكتروني، أو أنه سينزع عنها اختصاصاتها ومكتسباتها ومكتسبات الصحفيين، أو أنه سيحد من الانضمام إليها، لتقع النقابة ومعها المهنة بين خطري الإفراط أو الإغلاق.

وعمدت السلطات منذ ظهور حركات مناوئة للسلطة في العقدين الأول والثاني من القرن الحالي وانضمام أعداد كبيرة من الصحفيين لها، إلى دس العديد من عناصرها الأمنية ليكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين لصناعة توازن بين المؤيدين والمعارضين، وبالغت في الأمر حتى تحول عدد أعضائها في العقد الثاني بدلا من ستة آلاف عضو إلى ما يزيد عن 13 ألف عضو، بينما تقلصت الصحف والمواقع العاملة في المجال الصحفي إلى ربع ما كان عليه الأمر في العقد السابق له.

ونتج عن ذلك وجود الكثير من منتسبي نقابة الصحفيين المصريين لا يجيدون القراءة والكتابة.

كما توسعت السلطات في حجب المواقع الالكترونية لتصل لأكثر من 500 موقع، بدعاوى التحريض على مصر ودعم الإرهاب، والغريب أن بينها مواقع دولية شهيرة مثل bbc ورويترز.

 

أسباب اقتصادية

ونتج عن ذلك تراجع الكوادر الخبيرة والكفاءات وحملة الرسالة، ليتصدر بدلا منهم قليلو الخبرة والانتهازيون، وهو الذي انعكس بشكل واضح على تراجع مستويات التوزيع وعزوف القراء عن قراءة الصحف الورقية، لدرجة جعلت التسريبات المتداولة بين الصحفيين تكشف أن الصحيفة الكبيرة التي كانت توزع في اليوم الواحد أكثر من مليون نسخة صارت الآن توزع ما لا يزيد عن 15 ألف نسخة فقط؛ أغلبها اشتراكات حكومية، كما أن التسريبات تكشف أن هناك صحفا أخرى لا توزع يوميا أكثر من 300 نسخة.

ولا شك أن مزاحمة الفضاء الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لهذه الصحف كانت معول هدم كبير لها.

وما يدل على أن لسياسة التحرير العامل الأكبر في هذا الانهيار أن القراء انصرفوا عن متابعة مواقع الصحف القومية والخاصة الحليفة لها أيضا على الإنترنت، وصار السبب الأول لزيارتها معرفة توجهات وقرارات الدولة.

العمل بالسخرة

كثير من الصحف العاملة في مصر تستغل حاجة صحفييها للحصول على عضوية نقابة الصحفيين - الذي تقرنه لوائح النقابة بخطاب منها وفترة عمل تتجاوز العام وتوقيع صك التأمين الاجتماعي - فتقوم قبل ذلك بإجبارهم على العمل بالسخرة، كأن تجعلهم يعملون فيها لسنوات مقابل أجر زهيد لا يزيد أبدا عن ألف جنيه وقد يصل إلى 300 جنيه، وأحيانا تجعلهم يعملون دون أجر نهائيا.

ووصل الانحدار لدرجة أن يقوم أحدهم بدفع مبلغ كبير للصحيفة من أجل الحصول على خطاب التقدم لعضوية النقابة، فيما كانت هناك صحف يمثل لها ذلك مصدر دخلها الرئيس!!

وأخيرا، لك أن تتخيل أن نضال الصحفيين الذي كان يدافع عن تحرير الوطن بأسره قديما وتحسب له السلطة لهم ألف حساب؛ صار عاجزا عن تحرير كراسي النقابة التي تم جمعها والإغلاق عليها في مخازن الدور الخامس، أو يسعى لتحرير سلم النقابة (هايد بارك مصر سابقا) من السقالات.

هل تبقى للصحافة في هذه الأجواء.. رسالة؟!

...................................................

سيد أمين يكتب : تفسيرات روحية لحالة الأمة المزرية

مارس 30, 2021

يذهب بعض بسطاء السوريين إلى أن سبب تفشي القتل والموت في سوريا يعود لاستجابة ربانية لدعاء درج السوريون للتخاطب به بعضهم البعض، ويقولون أن لفظة "الله يقبرك" وتعني أن "تموت وتدفن في القبر" ، وانها هي من تسببت في كل شلالات الدم التي تساقطت في سوريا ،حتى وإن كان يتم التخاطب به بين الأهل والأصدقاء على سبيل الدعابة ودون قصد.

فيما يدعمهم أشقاؤهم من بسطاء المصريين ويؤكدون تصديقهم لهذه المدلولات والتأثير للكلمات العابرة لدرجة توجب عليهم الرد على من يقول شيئا سلبيا بعبارة "فال الله ولا فالك" وذلك لكبح التأثير السلبي لكلماته السيئة، ويقولون أن الدعاء بـ"خراب البيت" الذي يردده المصريون بشكل فيه شئ من الدعابة والتلقائية في أحاديثهم ، هو ما تسبب في أن تكون مصر هي من الدول الأعلى عالميا في منسوبات الطلاق بين الزوجين وتفتت الأسرة و"خراب البيوت"ـ ويختزلون الأمر برمته بعبارة "السم في اللسان".

ويؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما أخبر بأن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً،  فيما يقل الله في محكم كتابه "ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد".

الغريب أنه رغم كون مثل تلك التفسيرات عن تأثير الكلام تعتبر في شق كبير منها أشياء "لا معقولة" إلا أن علماء نفس غربيون راحوا يبحثون عن جانب علمي لها .

فقد نشرت مجلة "جورنال سايكولوجيكال ساينس" الامريكية بحثا عام 2008 توصل فيه باحثون نفسيون إلى أن هناك جانباً في المخ قد يكون مسئولا عن التجارب والكلمات المؤلمة التي يتعرض لها الإنسان وهو القشرة المخية التي تقوم بعمليات معقدة تشمل التفكير والإدراك واللغة وإن هذا الجزء من المخ يحسن قدرة الإنسان على التكيف مع الجماعات والثقافات كما أنه مسئول عن رد الفعل على الألم الذي له علاقة بالجماعة.

 

الدعاء على الظالمين

قديما وحتى وقت قريب – وربما لا زال – كانت النظم الحاكمة في العالم تجبر الأئمة في المساجد ، والقساوسة في الكنائس ، والرهبان في المعابد ، بالدعاء للحاكم أو الملك أو السلطان وبعض النافذين في الدولة بالسداد والنصر وتمام الصحة وطول العمر.

لذلك لم تعتري أمثال هؤلاء، وبعض المشتغلين في علوم اللاهوت والروحانيات والميتافيزيقا ، الدهشة كثيرا حينما عاقبت السلطات المصرية الداعية الإسلامي واسع الصيت محمد جبريل قبل أعوام بسبب دعائه على الظالمين رغم أنه تجنب الاقتراب من الحاكم أو الحكم أو المتنفذين في الدولة، لأنهم يعلمون تأثير هذا الدعاء القطعي، كما تندرنا جميعا حينما صدرت الأوامر شفاهة لأئمة المساجد تحرم عليهم الدعاء على الظلمة والظالمين ، فاختفى هذا الدعاء تماما من منابر مساجد الدولة ، واعتبرناها دليلا كافيا على من أمر.

وفي تصوري أن القرار جاء انسجاما لرؤية ميتافيزيقية خارقة للطبيعة مفادها أن إجماع الناس على الدعاء بأي شئ لابد أن يتم الاستجابة ، ولذلك فان الدعاء بطول العمر وجعلها كلمة مقترنة بأسماء الأمراء والملوك لا سيما في الخليج ، يوحى بوجود توصيات من خبراء في الميتافيزيقا ورجال الدين بذلك.

وربما يكون الأمر قد تجاوز ذلك للدرجة التي تجعل من أنه متى تحقق إجماع أو شبه إجماع بين الناس على وجود "بركة" أو استجابة أو فك كرب أو قضاء حاجة في "شجرة أو شيخ أو مكان أو في فعل معين" فان ذلك أيضا يتحقق بدرجة ما.

ولعل التفسير الذي يذهب إليه بعض المصريين حول سر المثل الشعبي "احنا دافنينه سوا" يشير إلى هذا المعني بشكل كبير.

حيث يقولون أن أخوين فقيرين كانا يمتلكان حمارا أطلقا عليه لقب "أبو الصبر" لشدة صبر على معاناته معهم ، وكان يمثل كل ثروتهما ، فلما مات حزنا عليه بشدة ودفناه وأقاما عليه خيمة ليبكيان تحتها ، ولما سألهما المارة قالوا أنهما يبكيان لموت "أبو الصبر"، فتعاطف معهم الناس وظلوا يشاركونهما البكاء ظنًا منهم أنه رجلا صالحا صاحب كرامات فأغدقا عليه بالقرابين ورووا عنه الكرامات لسنوات ، ولم يفتضح أمره إلا حينما اختلف الشقيقان حول قسمة تلك العطايا وأراد أحدهما أن يحوز أكثر من الآخر فاخذ يقسم بمقام "أبو الصبر" انه الأكثر اجتهادا وخدمة للمقام ، فنهره الأخر بين الناس قائلا "نسيت الحمار، داحنا دافنينه سوا".

هذا هو احد التفسيرات مع إنني لا أجزم بصحتها.

 

الفعل العكسي

ويقول بعض المنجمين ومفسري الرؤى والأحلام أن قصك لرؤياك لكارهيك تجعلها تنقلب عكسا عليك، فإذا حلمت بشر حاق بك وقصصته عليهم يذهب شره ، خاصة أنهم يؤكدون أن الرؤيا السيئة تقع في خلال ثلاثة أيام على الأكثر من حدوثها وبعد ذلك تفنى.

وهذا فيما يبدو هو السر الذي يجعل الفضائيات العربية لا سيما المصرية والمعروف بتمكن أجهزة المخابرات منها بشكل كامل تحفل في مطلع كل عام جديد بأخبار الرؤى والأحلام وقراءات الطالع والفلك والنجوم التي تتحدث عن المؤامرات ومحاولات الاغتيالات التي ستطال قادة بلدانهم ، وكأنهم يعلنونها على الملأ لتفشل.

فقد خلق الله الطريقين ، طريق المنطق وطريق اللا منطق، فعلم الإنسان المنطق بأن منحه العقل ، فسعى ونمى ، وفي أي مكان أو زمان يفعل المنطق ما تعجز عنه كل الألسنة واللغات في تسهيل التفاهم بين الناس وتوسيع أرضية المسلمات بينهم حتى صاروا يختلفون في كل شيء تقريبا ولكنهم يتفقون حوله ،ولذلك نجد الباغي الغاصب لاملاك غيره لا يقوم بالطعن في مسلمات المنطق حول قواعد التملك ولكنه يسعي إلى منطقة حجته في الاغتصاب وإسباغها سبغة العدل.

وعلم كائنات أخرى لا نعرفها اللامنطق وجعله طريقها فسعت ونمت أيضا، ولذلك فان كل ما يفتقد للمنطق يشار إليه بأنه قد مسه السحر فتغيرت خواصه وحواسه، ولو تفرغت لدقائق لتنظر حولك بقليل من التركيز حول ما هو منطقي وما هو سحري لاكتشفت الكثير.

 

وتبقى الحقيقة بأن كل ما قلناه من قبل قد يكون شعاع هارب من عالم اللامنطق نحاول أن نبحث له عن تفسير، وهو لا يفسر.

اقرأ المقال كاملا هنا على رقيم

..............................................

سيد أمين يكتب: ملاحظات على انقلاب تونس

ما حدث في تونس كان انقلابا ولكن بطريقة مبتكرة، فهو عسكري ولكن لم يظهر فيه العسكر علنا إلا تحت غطاء تنفيذ أوامر الرئيس المدني المنتخب، متناسون في ذلك أن البرلمان أيضا منتخب وهو ممثل الشعب مصدر السلطات، ولا يحق للرئيس حله ولا تجميده وأن الفيصل بين الجميع هو الدستور وقرار الرئيس يخرقه بشكل واضح.

وأيضا هو انقلاب مدعوم إقليميا مع أنه لم يظهر فيه الإقليم بأمواله وتحالفاتهم الدولية علنا حتى الآن على الأقل، لكن ظهر بإعلامه المزيف للحقائق، بل والمختلق للأكاذيب والذي يقوم بإضفاء الشعبية والبطولة على أعمال البلطجة والحرق والنهب وخرق القانون التي قام بها خارجون عن القانون ضد مقار حركة النهضة وأحزاب متحالفة سياسا معها.

المدهش أن من قام بالانقلاب على الدستور ومعايير ثورة الياسمين هناك، هو أستاذ قانون دستوري، وهو ثمرة من ثمار ثورة الياسمين.

الحصاد المر

هو انقلاب قديم تمت تسويته على نار هادئة حتى يكتسب زخما شعبيا قبل أن يخرج للعلن، وذلك من خلال تحميل حركة النهضة -التي تمتلك الأغلبية غير المطلقة في البرلمان- بمفردها إعلاميا كل أوزار المعاناة التي يعيشها المواطن التونسي وتعيشها من قبله البلاد، مع أنها لا هى ولا غيرها من أحزاب تونسية لها علاقة بخراب اقتصادي وشيك لبلد عاش لعقود نهبا للفساد والاستبداد وحكم الفرد، فضلا عن قلة موارده الاقتصادية.

ومع ذلك فشلت حركة النهضة وفشلت وسائلها الإعلامية في شرح الحقائق للناس تارة تحت أنها أمور معروفة بالضرورة، وتارة أخرى لاعتبارات سياسية لا ينبغي أن تخرج للعامة، وفي أحيان كثيرة بسبب كثافة الهجوم الإعلامي الكبير الموجه نحوها رأت أنه بالتزامها الصمت تخمد اشتعال النار.

وجراء ذلك ظلت تتناقص شعبية الحركة في الشارع التي بعدما احتلت وحدها نحو 40% من برلمان الثورة “المجلس الوطني التأسيسي التونسي عام 2011” أصبحت تمثل الآن نحو 25%منه فقط ، وهو ما كان يستلزم أن تقوم الحركة بدراسة أسباب هذا التناقص الكبير ووضع حد سريع لوقف تآكل شعبيتها.

هشام المشيشي

ومن عجيب العجائب، أن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي الذي حاز الغضب الأكبر من قبل المؤيدين لانقلاب قيس سعيد بسبب فشله في تحسين الاوضاع الاقتصادية للبلاد، كان في الأصل من اختيار الرئيس نفسه، وكان مستشارا قانونيا له، وعينه بنفسه وزيرا لوزارة سيادية مهمة كالداخلية، وفي المقابل كانت حركة النهضة من أبرز من اعترضوا على قيامه بتشكيل الحكومة قبل أن ترضخ لضغوط رئاسية لقبول حكومته في البرلمان.

ثم بعد ذلك تبدلت المواقف، ليصير الرئيس ضد المشيشي والنهضة معه مع حدوث متغير مهم للغاية وهو أن الشارع ضاق ذرعا بهذا الانسداد السياسي والفشل الطويل من الحكومات المتعاقبة.

وبالطبع وقوف النهضة مع المشيشي بعدما احترقت صورته شعبيا تسبب في مزيد من التشويه لها، ولم تجنِ جراء ذلك إلا الأشواك.

رغم أن المشيشي أيضا لم يكن أصلا صانعا للفشل في الازمة التونسية بل أنه جاء ورحل والازمة في أوج اشتعالها.

هيبة البرلمان

كما أن عجز البرلمان عن تشكيل حكومة مستقرة متوافق عليها طيلة السنوات الماضية لا تتحمل أوزاره الحركة ذات الأغلبية فقط، بل كتل اخرى كثيرة معها لم ترق إلى مستوى المسئولية وحولت البرلمان إلى ساحة لتحقيق أجندات خارجية ومناكفات خرجت في كثير من الأحيان على حدود اللياقة والأدب والعمل السياسي والتشريعي، وظهر من خلفها التمويل الخارجي.

ومن ضمن هؤلاء النموذج الذي تبنته النائبة بكتلة الدستورى الحر عبير موسي ابنة الدولة العميقة والتي تنتسب لأب كان يعمل في الأمن القومي التونسي، والتي حالت عدة مرات دون أن يلقي رئيس البرلمان كلمته كما حدث في  20 يوليو/تموز 2020 خلال افتتاح جلسة كانت مخصصة للإعلان عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد، وحملت موسي خلالها لافتات تطالب بطرده من المجلس بوصفه “إرهابي”، مرددة داخل المجلس شعارات عدائية بذيئة.

ولأن التسامح المفرط يشجع على التمادي، لم يمسها أحد بسوء على هذه الجرائم، ولذلك لم تتوقف هى عن ارتكاب ذات الجريمة، ما أخل بهيبة البرلمان كثيرا في الداخل والخارج، رغم أن كتلتها البرلمانية لا تشكل سوى 16 نائبا من إجمالي 217 نائبا يمثلون إجمالى عدد نوابه، تشارك النهضة فيهم بنحو 54 نائبا وبأكثر من ضعف هذا العدد كحلفاء من أحزاب أخرى.

استدعاء الجيش

ما يبدو من الصراع الذي يطفو على السطح الآن في تونس أنه لا يزال مدنيا مدنيا، وإن حسنت النوايا فإنه يمكن حله بالطرق الديمقراطية، والخوف كل الخوف أن يتمادى الرئيس في الزج بالجيش في هذا الصراع مستعملا صفته كقائد أعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، وقتها قد يقوم الجيش بالانقضاض على الجميع بما فيهم سعيد نفسه وثورة الياسمين التي أتت به وبالنهضة.

هذا الزج بدت ملامحه بقيام سعيد بإصدار أوامر للجيش بإغلاق البرلمان وبتهديده في الخطاب الأزمة بأن من يطلق رصاصة واحدة سوف يواجه بوابل من الرصاص، ما يعني أن هناك نية لاستدعاء القوة في الصراع السياسي، وأنه من الممكن أن يتحول لصراع دموي لتدخل تونس المدخل إلى دخلته دول عربية أخرى كثيرة.

ما يطمئن الكثيرين أن الجيش التونسي لم يتدخل كثيرا في السياسة وأنه لم يوجه سلاحه لشعبه.

ولكن إغراءات السلطة وذهب المتربصين قد يغري.

......................................................................

سيد أمين يكتب: تناقضات قيس سعيد

 أغسطس 28, 2021

حينما أعلن عن فوز قيس سعيّد بمنصب رئيس الجمهورية التونسية بنسبة 72% من أصوات الناخبين عمّت أجواء الفرحة العالم العربي ليس لفوزه فحسب -فهو ليس معروفا خارجيا بالقدر الكافي وربما داخليا حيث حصل فقط على 18.5% من إجمالى الأصوات في الجولة الأولى- ولكن لسقوط منافسه نبيل القروي ممثل الثورة المضادة.

وازدادت الفرحة حينما زفت الأخبار أنه أستاذ قانون دستوري ما يعني أنه سيكون رجلا عادلا وحاكما بالقانون والدستور لينهي للأبد عصر حكم الفرد الذي عانته تونس قبيل الثورة.

كما أشيع عنه توجهاته العروبية وسيسعى لإنهاء أيّ رواسب للحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، ثم جاءت طريقة خطابه باللغة العربية الفصحى لتدخله القلوب العربية من أوسع أبوابها، لأن ذلك يعد الدليل البيّن على فشل مشروع (فرنسة) تونس العربية.

لكن توالي الأحداث في تونس أثبت أن المظاهر خادعة، وأن الرئيس ينهض كل صباح على إصدار قرارات تصعيدية جديدة من شأنها تعميق الانقسام في البلاد والتي كان آخرها قراره بتمديد فترة تجميد عمل البرلمان لمدة شهر آخر، وسط مخاوف مشروعة من أن يقفز قفزة كبيرة ويحل حركة النهضة.

 

انقلاب على الدستور

لم يكن أحد يتخيل أن حراس الدستور في بلادنا هم أول من ينقلبون عليه، لكن هذا ما يحدث عادة في بلادنا، حيث تلقى الدستور التونسي أول طعنه له من فقيهه الرئيس قيس سعيّد الذي تجاهل نصوصه الواضحة الصريحة كما في المادة 80 الشهيرة، وراح يجمد عمل البرلمان المنتخب شعبيا دون وجه حق مع أن من حق البرلمان سحب الثقة منه وهذه أوضح اختصاصاته ولم يفعلها.

وقام الرئيس المدني المنتخب بالعودة للوراء حيث الدولة البوليسية التي أسسها زين العابدين، وأطلق يد القوى الأمنية في ترويع المعارضين والبرلمانيين المنتخبين وقوى المجتمع المدني والإعلاميين والصحفيين، ووصل الترويع لدرجة أن يتم الاعتداء على رئيس الوزراء نفسه حينها بالضرب لإجباره على الاستقالة.

مع ملاحظة أن القوى التي تمثلها حركة النهضة والقوى المتحالفة معها في البرلمان هى ذاتها القوى التي حشدت شعبيتها لإنجاح سعيّد في الانتخابات الرئاسية في مواجهة منافسه، فكيف يتم الرد عليها بخرق الدستور والتنكيل بالهيئة التشريعية؟

 

سيناريو جديد

كما أن المحاولات المتكررة التي يعلن فيها عن محاولة اغتيال سعيد صارت هى الأخرى مثارا للسخرية والتندر.

فبعد الفضيحة التي نجمت عن فشل تمثيلية الطرد المسموم الذي قالت مصادر رسمية بالقصر الرئاسي التونسي، في فبراير/ شباط الماضي، إنه وصل للرئيس وتسبب في أن أغمي عليه وفقد البصر، ونقل إعلام تونس الرسمي الخبر وتناقلته عنها على الفور فضائيات عديدة لتشنع على حركة النهضة، سرعان ما تم تكذيب الخبر رسميا أيضا بعدما اتضح أن الرئيس قيس سعيد  كان يستقبل في التوقيت نفسه ضيوفا من الخارج، وقالوا إن الرئيس بخير والطرد لم يتم فتحه أصلا وسيتم التحقيق في الواقعة!

ثم تجمد الخبر في الثلاجة لشهور عدة حتى خرج الرئيس قيس سعيد نفسه ليعلن عن تطوير جديد للتمثيلية الفاشلة ويعلن أن هناك جهات إسلامية تسعى لاغتياله دون أن يقدم دليلًا واحدًا على صحة كلامه وضلوع الإسلاميين فيها.

ثم سرعان ما ألقت السلطات القبض على رجل واحد تم اتهامه بهذه المحاولة وبحسب فضائيات “خليجية” قالت إنه “داعشي” قدم لتونس عن طريق ليبيا.

وخطورة الحدث تكمن في أنه ينقل المعركة السياسية إلى معركة عسكرية وبالطبع سيتفيد منه ذلك الطرف الأقوى.

 

قوى الثورة المضادة

لا أحد ينكر أن الإمارات التي التقى قيس سعيّد مؤخرا وزير خارجيتها هى الوكيل الرسمي لكل قوى الثورة المضادة في الوطن العربي ، وحينما نجد أن تلك الدولة تقدم، في يناير/كانون الثاني الماضى، منحة لتونس “نصف مليون جرعة لقاح كورونا ” ولم يعلن عنها شعبيا إلا بعد مرور أشهر عدة تثور تساؤلات كثيرة عن السر وراء هذا التكتم.

ثم جاءت الفضيحة عندما وجدنا أن الفنانين التونسيين الذين خرجوا ليشكروا الإمارات لهذه المنحة هم أنفسهم من غنوا لقرارات سعيّد الانقلابية، وبالربط بين الموقفين نعرف من الذي يدير الأحداث ويوجه نخب الثورة المضادة.

والأدهى أن من نشرت صحف أوربية عن قيامهم بارتكاب جريمة الاعتداء على رئيس وزراء تونس المُقال ليسوا عناصر أمن تونسيين، ولكن عناصر مخابرات ينتمون لدولة الإمارات العربية، ما يعنى أن تونس تسير بخطى سريعة على درب الثورة المضادة والتبعية الغربية وليس التحرر والاستقلال.

ولذلك فلا غرابة أن تجد الإعلام الإماراتي هو الداعم الأول لقرارات قيس سعيّد.

 

الموقف من فرنسا

وفي يونيو/حزيران 2020، اختار سعيّد فرنسا لتكون وجهته الأوربية الأولى عقب توليه مهام منصبه، ليرسخ بذلك استقرار العلاقات مع باريس، وهى الدولة التي زارها بعد ذلك مرات عدة.

ورغم أن قيس سعيّد كانت له قبل توليه منصبه شعارات قومية نحو معاداة الغرب إلا أن موقفه من قضية الاعتذار الفرنسي عن احتلال بلاده وما ارتكبته فيها من جرائم كان مثارا للغرابة، وحمل دفاعا عنه لا يجرؤ أن يتبناه أكثر الفرنسيين تطرفا ودفاعا عن ماضيها الاستعماري، حينما وصفه بأنه كان حماية فرنسية على تونس وليس احتلالا كما كان في الجزائر، بل وراح يستغرب المطالبات الشعبية والبرلمانية التونسية التي تدعوه لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن تلك الحقبة وتساءل عن جدوى مطالبتبها بالاعتذار بعد 60 عاما من الاستقلال.

والأغرب أن هذه التصريحات جاءت بعد مدة وجيزة من اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بارتكاب فرنسا لجرائم ضد الانسانية في الجزائر.

ولا أدري كيف تناسي سعيّد جرائم الحقبة الاستعمارية الفرنسية في تونس، وإن كان لا بد من تذكير فعليه أن يراجع قصائد أبي القاسم الشابي عن تلك الحقبة وهو شخص عاصرها ومطلع عليها لكونه كان ابن قاض تونسي كبير آنذاك، وهي أيضا القصائد التي اتخذت منها الثورة التونسية شعارات لها، تلك الثورة التي أتت به رئيسا لتونس.

وللأمانة حتى لا نحمل على الرجل فإن له موقفا مقبولا في هذا الشأن من مسألة الفرانكوفونية -منظمة الدول الناطقة بالفرنسية- حينما قرر أن يستضيف قمتها في جزيرة “جربة” ما تسبب في إثارة استياء فرنسا نظرا لكون المدينة صغيرة ولا تناسب الأبهة المفروض توافرها للملوك والرؤساء الذين سيحضرون القمة الخاصة بالإمبراطورية الفرنسية، مع أن الأكثر جرأة هو الانسحاب من عضوية تلك المنظمة لكون تونس دولة عربية.

في الحقيقة لو كان هناك لقب يجب أن يحمله سعيّد لكان.. رجل التناقضات!

تخطي الحجبhttps://ajm.me/8drnn2

للمزيدhttps://ajm.me/tcqypd

...............................................................

سيد أمين يكتب: الاعتداء على الهوية الثقافية

بينما كنت أتسوق مع صديق لي في “مجمع تجاري” في منطقة راقية شرق القاهرة، ذهبت إليها صدفة ولست من سكانها، لفت انتباهي أن أغلب المحال تكتب أسماءها بلغات اجنبية غالبا ما تكون الإنجليزية وأحيانا اخرى باللغة الفرنسية خاصة في المحال العاملة في مجالات العطور وحاجيات الجمال والأناقة للنساء.

وغابت اللغة العربية من أغلب اليافطات لدرجة أنني تراهنت مع صديقي عن أن يوجد لي محلا يرفع يافطات مكتوبة باللغة العربية، وحينما وجدها كانت الكلمة عربية وحروفها لاتينية.

وهي في الحقيقة ظاهرة ليست قاصرة على المناطق الراقية كما أشرت سابقا ولكنها تتفشى في كثير من المحال والعلامات التجارية في مصر كلها بما فيها المناطق الشعبية، وفي محال يرتادها أحيانا من لا يجيدون القراءة والكتابة أساسا.

ولذلك فالأمر مثير للسخرية، فالمحال والبضائع وإرشادات البيع والشراء مكتوبة بلغات أجنبية، بينما البائع والمشترى يتحدثان العربية، ويتبادلان الحديث عن مميزات البضائع ونقائصها باللغة العربية، وأحيانا البضاعة نفسها مصرية، فلماذا ذلك الجنوح للاغتراب؟

بعض التجار يعتقدون أن الأسماء الأجنبية تضيف لمحالهم الفخامة والعراقة واالعالمية، وتكسبهم ثقة الزبائن وتوحي لهم بجودة البضائع ما ينعكس عليهم بمزيد من المكاسب، والبعض الآخر يفعلها دون أن يعي ذلك، ولكنه التقليد الأعمى.

وفي اعتقادي أن الأصل في اللجوء للكتابة باللغات الأخرى هو فقط لخدمة الجاليات غير العربية التي تعيش في مصر، وهم لا يمكن أن يكونوا أكثر من 2% من عدد السكان، كما أن بعضهم يتحدثون ويقرأون أيضا العربية.

تجارب الأمم

أتذكر ما قصه قريب لي يعيش في كوريا الجنوبية من أن أهلها بطبيعتهم يأبون النطق أو الكتابة بأي لغة غير لغتهم إلا في الضرورة القصوى للتعامل مع الأغراب، وأنهم يعتبرون الكوري الذي يتحدث معهم باستخدام مفردات من لغات أخرى بمثابة نقيصة فيه مثيرة للخزي وليس للفخر كما هو الحال عندنا.

وقرأت أن فرنسا قامت القرن الفائت بفرض غرامة ألفي فرنك على كل من يستخدم كلمة أجنبية واحدة يوجد لها مقابل في اللغة الفرنسية، كما أحيت الصين عقب الاستقلال مباشرة لغتها القديمة حتى تبدأ بها نهضتها الحديثة الحالية، وفعلت ذلك أيرلندا أيضا التي ثارت على اللغة الإنجليزية وأحيت لغتها الأيرلندية.

ولنا في الكيان الصهيوني عبرة فحينما راح ينشئ دولته المشئومة لم يكتف فقط بتكديس السلاح وصناعة الأحلاف الدولية التي تحميه ، بل راح قبلها ينتشل اللغة العبرية من الانقراض ويجعلها لغته القومية ويفرض على شعبه تعلمها والحفاظ عليها ، وراح يسرق الأحياء والقرى والمدن العربية ويسميها بأسماء عبرية ، فإذا كان هذا ما يفعله السارق فكيف يفرط المالك فيما امتلك؟

وحتى في عالمنا العربي هناك أيضا تجربة رائدة في احترام اللغة العربية وتعريب الشوارع كما حدث في عراق صدام حسين، وسوريا التي كسرت أكذوبة أن العلوم الحديثة لا يمكن تدريسها بغير لغاتها الغربية وراحت تعرب العلوم في كل مراحله ومسمياته وأنجبت علماء نوابغ في كافة المجالات العلمية.

اعتداء غاشم

المؤلم في الظاهرة – التي تفشت بشكل كبير مؤخرا- أنها تمثل اعتداء غاشما على الهوية الثقافية المستقرة للشعب المصري، وتنتزعه انتزاعا من عالمه المعلوم إلى عوالم أخرى يجهلها وليس بحاجة لها.

قد يعتقد القارئ أنني أهول من أخطار تلك الظاهرة حينما أطالب بتشريعات تحد منها، وتلزم الشركات والمحال باختيار أسماء عربية لها، وتلزمها بأن تقوم بعمل لوحات العلامات التجارية والدعاية الخاصة بها بأشكال جمالية محددة ذات معايير موحدة، تحافظ من ناحية على الهوية الثقافية الخاصة بأغلب السكان، ومن ناحية أخرى تحقق المشهد الجمالي وتنمي الذوق العام.

مجمع اللغة العربية أدرك خطر الظاهرة متأخرا عام 2017 وأعدّ مشروع قانون لحماية اللغة العربية، يلزم المعلنين بأن تكون الإعلانات باللغة العربية، إضافة إلى تسمية الشوارع بأسماء عربية، كما أكد القانون تعريب تدريس العلوم في المدارس والجامعات، وأن يتم منع الحديث باللغات الأجنبية في الأعمال الدرامية والسينمائية والفنية، وضرورة أن تكون النقود والعملات المصرية والأوسمة وغيرها من الأوراق الرسمية للدولة مكتوبة باللغة العربية.

ولم يحدد المشروع سبل ضبط المخالفين ولاجهات الضبط أو تلك المناط بها مراقبة الأمر، ولم يلزم الشركات الخاصة بضرورة أن تتعامل باللغة العربية في مكاتباتها الداخلية أو مع عملائها.

ورغم أن مشروع القانون يعد وثبة كبيرة في الدفاع عن الهوية الثقافية المصرية، إلا أنه على الأرجح لم ير النور حتى الآن لسبب غير معلوم، أو أنه اقر تشريعيا وحبست إرادة تنفيذه في الأدراج!!

الأغرب أن جهات غير معلومة حشدت عام 2018 لمظاهرات محدودة أمام ديوان وزارة التربية والتعليم، صبيحة تصريحات تلفزيونية للوزير بتعريب المناهج للمرحلة الابتدائية بالمدارس “التجريبية”،  ولم يمض 48 ساعة حتى تراجع الوزير عن تصريحاته ليكون هو أسرع تراجع عن تصريحات  لمسؤول مصري، ما ألقى شكوكا حول مدى جدية إطلاقها.

يأتي ذلك رغم أن التظاهر بدون إذن مجرم قانونا وهناك من تظاهروا في نفس التوقيت لأسباب أخرى ما زالوا حتى الآن رهن الحبس الاحتياطي.

ولعلك حينما تعرف أن الدولة لم تشيد أي مدارس تعليم أساسي عربية تذكر منذ عام 2010 ، وانصب كل جهدها في إنشاء مدارس اللغات “التجريبية والخاصة” طيلة تلك الفترة. سيزول الاندهاش.

نحن على مشارف بيع الهوية!

................................................................

سيد أمين يكتب : صلاح سالم.. قصة أطول شارع وأشهر غرام

7/10/2021

أغلب المصريين لا يعرفون شيئا عن صلاح سالم إلا أنه اسم لأطول شارع يشق وسط القاهرة شرقا وغربا، مثله مثل تلك الرتب العسكرية المتناثرة هنا وهناك والتي تسمى بأسمائها معظم الشوارع والميادين والمنشآت في كل بر مصر.

وقلة يعرفون أنه جنرال عسكري ومع ذلك لا يعرفون في أي زمان كان ولا بطولته التي استحق بسببها أن يسمى هذا الطريق الطويل الحيوي باسمه.

صلاح سالم هو شقيق جمال سالم عضو مجلس قيادة “ثورة يوليو الأمريكية” ونائب رئيس الدولة، والذي ما إن تخرج في الكلية الحربية عام 1938 حتى تم ايفاده إلى “بريطانيا ثم أمريكا” بحجة العلاج ولإعداده على ما يبدو للمشاركة في مجموعة “الضباط الأحرار” لاتمام الانقلاب المنظور، وكان واحدا من أبرز رجالاته.

وقد قام جمال سالم بتقديم شقيقه الأصغر صلاح الذي تربى في السودان وتخرج في الكلية الحربية عام 1942 إلى مجموعة الضباط المختارين للمشاركة في معركة الفالوجا “حرب فلسطين عام 1948” من أجل تبييض صورتهم استعدادا للمهمة المرتقبة، وكانت هذه الواقعة هى بوابة السعد التي فتحت على جميع من شاركوا فيها أبواب السلطة فيما بعد، رغم أنهم لم يحققوا أي انتصار بل إنهم هزموا أو “تهازموا” وحوصروا لعدة أشهر ولم يتم تحريرهم إلا على يد لواء الإخوان المسلمين.

إعدام الملك

عُرف عن صلاح تحمسه لإعدام الملك، ثم عداؤه الشديد لرئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب لدرجة أنه راح يتهمه بالشذوذ، ويسبه ويهينه في كل مناسبة بتحريض من عبد الناصر، وصار دوره محصوراً في تصفية شعبية نجيب بأي شكل كان في الشارع استعدادا للانقلاب عليه.

وفي العدوان الثلاثي عام 1956، لم يكن صلاح ملما بكل تفاصيل اللعبة، فسارع بمطالبة عبد الناصر بأن يسلم نفسه للقوات البريطانية لإنهاء الحرب، وبالطبع عبد الناصر رفض، فذهب إلى السويس لدعم المقاومة الشعبية!

وقد أثقلت المناصب الكثيرة أكتاف الرجل في عمره القصير حيث توفي عند سن 41 عاما متأثرا بالفشل الكلوي، فقد تولى وزارة الإرشاد القومي وتم تعيينه كمبعوث لحل النزاعات الدولية، ورئاسة هيئة الاستعلامات وصحيفتي الشعب والجمهورية ومؤسسة دار التحرير، وللعبث فبدلا من أن يترقى كضابط لرتبة نقيب بالجيش عينوه نقيبا للصحفيين.

عرف عن “سالم” البذاءة وسلاطة اللسان على حد وصف عبد الناصر ومحمد نجيب على السواء له، وأن طموحه الشديد لتولي منصب رئاسة الجمهورية أقلق منه عبد الناصر فازاحه من أغلب مهامه، بحجة فشله في مفاوضات انفصال السودان، فيما يرى صلاح نصر وزير المخابرات أن صلاح سالم كان على يقين بأن واشنطن لها دخل في إسقاطه لاتصاله بالسوفيت.

قصة الأميرة فايزة

وعلى غرار قصة شقيقه جمال سالم مع سلوى، كانت من أشهر قصص صلاح هى تحرشه بالأميرة فايزة شقيقة الملك وزوجة الأمير محمد على رؤوف الذي كان يكبرها بخمسة وعشرين عاما، ومع تواتر المضايقات الأمنية بحثا عن ثروات العائلة لتأميمها، آثر السلامة وفر هاربا للخارج، فيما منعتها السلطات من السفر.

الروايات كثيرة منها ما يتحدث عن أن صلاح سالم كان يقود بنفسه تلك المضايقات ويعبث بمتعلقات الأميرة الشخصية أمام زوجها لإذلالها، وأنه سكن في أحد القصور “المؤممة” بالقرب من قصرها بجاردن سيتي لمحاصرتها والتضييق عليها لتستجيب لرغباته.

وعرف الجميع في الداخل والخارج بالواقعة حتى قامت صحف بريطانية بالنشر عنه، ما أغضب عبد الناصر بشدة منه وأمر برفع حظر السفر عنها.

فيما تؤكد روايات أخرى أن الأميرة شكت لصلاح سالم من تلك التصرفات ومع تعدد اللقاءات بينهما، وهي فاتنة الجمال وقع في غرامها، فاستغلت هي هذا الأمر لاستخدامه لتهريب مجوهرات العائلة في فجوات الكتب والمراجع التي تم نقلها للخارج.

وتضيف أن صلاح سالم طلب من عبد الناصر السماح لها للسفر لطلب الطلاق من زوجها ثم تعود ليتزوجها، ولكنها لما سافرت بالقطع لم تعد.

الطهر الثوري

اعترف الكاتب موسى صبري وهو مقرب من صلاح سالم في مذكراته بالوقائع لكنه راح يعزيها إلى الحب المتبادل بين الاثنين الذي بدأ مع معاقبته لضابط قام بالعبث في ملابس الأميرة الداخلية أثناء تفتيشه لمنزلها، فذهبت إليه لتشكره فنشأت بينهما صداقة.

ويقول صبري: تحولت الصداقة إلى حب عنيف، وكان صلاح سالم يذهب للقائها فى شاليه بمنطقة الهرم وهو يقود سيارة جيب عسكرية، وكان كل أعضاء مجلس قيادة الثورة يستخدمون هذه السيارات فى تنقلاتهم تعبيرا عن الطهر الثوري، وقال صلاح سالم إن عبد الناصر استمع منه بإنصات كامل ولم يعترض، وقال لي لا داعي يا صلاح أن تذهب فى سيارة جيب، ربما يراك أحد معها فى هذه السيارة وستكون فضيحة، خد سيارتى الأوستن الخاصة عندما تكون على موعد بها، وبالفعل هذا ما حدث، وكان يروى له تفاصيل كل لقاء بالتفصيل!

وتابع “ذات يوم فوجئ صلاح سالم بقرار منشور فى الصحف بمصادرة أملاك أسرة محمد على ولم يكن صلاح سالم يعرف شيئا عن هذا القرار. ولما فاتح جمال عبد الناصر فى ذلك كيف لا أعرف، أجابه عبد الناصر كنت أخشى أن تبلغ الأميرة فايزة بهذا القرار قبل صدوره”.

شارع صلاح سالم

عبد الناصر أزاح صلاح سالم من جميع مهامه وكاد ينسى الناس اسمه حتى مات متأثرا بالفشل الكلوي والسرطان وكان حينئذ عبد اللطيف البغدادي وزيرا للشئون البلدية والقروية يفتتح مشروعا اقتطعه من طريق المقطم فلما سمع بخبر الوفاة أطلق عليه طريق صلاح سالم، ولم يعرفوا بعد أنه سيصير بهذه الشهرة، وإلا أطلقوا اسم الزعيم عليه كما أطلقوا اسمه على مدينة ناصر ومنشأة ناصر.

مات سالم ولم يبق منه إلا سيرة تحرشه بالأميرة فايزة وأهم شارع في القاهرة

..............................................................

سيد أمين يكتب: عبد القدير خان.. عالم غير مصير أمته

ودّعت دولة باكستان الأحد الماضي 10 من اكتوبر/ تشرين الأول الدكتور عبد القدير خان الشهير بأبي القنبلة النووية الباكستانية.

يعد خان واحداً من أكثر الشخصيات العلمية المسلمة اثارة للاحترام والتقدير في العالم الإسلامي، ليس لنجاحه الباهر في انتاج القنبلة النووية الباكستانية لتكون أول قنبلة نووية اسلامية فحسب، بل أيضا لامتلاكه الطريقة العلمية التي اختزل بها الوقت الذي تستغرقه صناعتها إلى الربع تقريباً.

هذا الاختزال مكن باكستان من مفاجأة العالم بنجاحها في تصنيع قنبلة نووية وسط دهشة القوى الغربية التي اعتقدت أن المساعي الباكستانية لامتلاك سلاح ردع نووي يجابه القنابل النووية الهندية ما زالت في طورها الأول، وأنها يمكنها عرقلتها بوسائل متعددة كالحصار والانقلابات العسكرية خاصة مع طول فترة التصنيع التي تصل إلى عقدين من الزمان.

فضلا عن أن هذه المساندة العلمية التي قدمها خان حققت لباكستان نصرا استراتيجيا كبيراً في صراعها المحتدم مع الهند، ونسبت لها ثقلا عسكريا ودوليا في مواجهة هذه الجارة العملاقة التي سبقتها بإجراء أول تفجير نووي لها عام 1974 وتتميز بثروتها السكانية الهائلة البالغة مليارا ونصف المليار نسمة تقريبا.

لذلك فبعد التفجير الهندي مباشرة، قامت باكستان باللجوء إلى فرنسا لتطوير مفاعلها النووي الصغير الذي اشترته من كندا عام 1972 وقام علماء باكستانيون بتطويره، إلا أن فرنسا انسحبت بعد الضغوط الامريكية ما دفع رئبس الوزراء ذو الفقار على بوتو إلى تكليف عبد القدير خان بإدارة المشروع فأنجزه في ست سنوات فقط.

مسيرة خان

كعادة كل النوابغ في بلاد العالم الثالث، كان كلما تقدم لوظيفة يقابل بالرفض حتى بعد حصوله على درجة الماجستير بزعم قلة خبرته.

لكن كان للقدر كلام آخر حيث دفع ذلك الرفض عبد القدير خان ليكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ ويعود ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن من دون رد أيضا، إلى أن تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية العالمية ليشغل وظيفة كبير خبراء المعادن لديها فصار بنبوغه أحد أبرز علمائها.

وعقب الهزيمة الثقيلة لباكستان في حرب عام 1971 ثم قيام الهند بتفجيرها النووي 1974، رأي خان أنه حان الوقت الذي يقدم فيه خدماته لبلاده فأرسل إلى رئيس الوزراء الباكستاني رسالة يعرض فيها المساعدة فاستجاب لها الثاني بكل ترحاب.

يقول “أبو القنبلة النووية الباكستانية ” في مقال له إن: “أحد أهم عوامل نجاح برنامجنا النووي في زمن قياسي، كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك، كان الحفاظ على أمن الموقع سهلاً بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي.”

وقالت بي نظير بوتو – ابنة ذو الفقار علي بوتو- والتي أصبحت رئيسة للوزراء فيما بعد، إنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة المفاعل وإن والدها أخبرها أن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول العام 1977.

ويعود الفضل في ذلك الانجاز السريع لخبرة أبي القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.

تشويه عبدالقدير خان

ما إن أعلنت باكستان عن تفجيرها النووي الأول حتى ثارت حفيظة أمريكا وفرضت حصاراً اقتصاديا خانقاً عليها، خاصة أن رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون صدقوا على عدم تطوير باكستان لأسلحة نووية كشرط تشريعي يمنحهم حق تمويلهم المناهضين للسوفييت في أفغانستان عبر الاراضي الباكستانية.

فلما استتب الامر وتأكد أمر امتلاك باكستان للقنبلة النووية، وجهت سهام التشويه إلى خان نفسه فاتهمه بحث أجراه معهد كارينجي للسلام بسرقة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم من المنشأة الهولندية التي كان يعمل بها.

وهو قول مردود عليه بأن معجزة خان ليست في التكنولوجيا النووية نفسها، ولكن في الطريقة التي استخدمها لتسريع إنتاج القنبلة.

ثم اتهمته الولايات المتحدة بتبادل الأسرار النووية مع إيران وكوريا الشمالية وليبيا والعراق في التسعينيات وهي الاتهامات التي استخدمتها واشنطن لإقناع شركائها الغربيين بمؤازرتها في فرض العقوبات على باكستان.

وكانت أقسى المكائد التي تعرض لها خان تلك التي اتته من بني قومه حيث وضعه الديكتاتور الباكستاني الجنرال برويز مشرف عام 2001 رهن الإقامة الجبرية، على خلفية الاتهامات الأمريكية، فيما رد خان باتهام برويز مشرف بالعمل على تطبيق الأجندة الأمريكية في البلاد.

ومع تزايد الضغوط الخارجية على باكستان، أراد خان أن يجنبها الصدام مع أمريكا فظهر في الرابع من فبراير/شباط 2004 على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية إلى دول أخرى، نافيا أية مسؤولية لبلاده فيها، ومع التضامن الشعبي والاسلامي الكبير معه لم يكن أمام حاكم باكستان آنذاك إلا العفو عنه.

الغريب أك ن رئيس الوزراء ذو الفقار على بوتو صاحب قرار القنبلة النووية تعرض لانقلاب عسكري من قبل الجنرال ضياء الحق حيث سجن ثم تم إعدامه ووضعت ابنته أيضا رهن الإقامة الجبرية.

رحم االله عبد القدير خان الذي تعلم علما نافعا نفع به وطنه وأمته ودينه.

..............................................................

سيد أمين يكتب: ظاهرة “الحَوَل” القومي.. وصلت تونس!

فقد التيار القومي في الوطن العربي بريقه الذي كان عليه طيلة العقود الماضية لأسباب مخزية منها مؤازرته للنظم الاستبدادية أينما حلت أو تفشت، فضلا عن عدائه غير المبرر للتيار الإسلامي، وتقوقعه حول الشخص وليس الفكرة..

وتجاهل أنصاره في ذلك حقائق أكدتها التجربة: أن الاستبداد غالبا هو نتاج للتبعية للخارج وهو الأولى بالمحاربة لو كانوا حقا يسعون لاستقلال ووحدة القوم..

وأن “الإسلامي” ليس عدواً بل هو ابن الفصيل الأقرب إليهم فكرياً عملا بمبدأ أن الإسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة، وأن الإسلام هو النهج الرباني الأقدس الذي قدمه النبي العربي -عليه الصلاة والسلام- للعالم.

وعلى إثر ذلك “الحَوَل”، انحرف المشروع القومي على يد بعض منتسبيه من كونه مشروعاً تقدمياً وحدوياً جامعاً لأبناء الأمة بجميع توجهاتهم الفكرية والمعتقدية وحتى الاثنية إلى مشروع إقصائي استبدادي، منشغل بالبحث عن أدوات الهدم لا البناء، والتفريق لا التوحيد.

البعثي والناصري

هذا “الحَوَل” ساهم بشكل كبير في اندثار القاعدة الشعبية للتيار الناصري التي شهدتها الساحة العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي، لينتهي به المطاف إلى هلام وحالة صوتية بائسة فاقدة للمنطق تتمركز حول تعظيم شخص عبد الناصر وليس حول سبل رعاية ونهضة المجتمع..

خاصة أنهم لم يقدموا طرحا للقومية العربية ذي قيمة منفردة سوى خليطاً من الشعارات الاشتراكية التي تجاوزها الزمن مع عبثيات باءت بالفشل..

فيما نسف “الحول” مبكرا الولع المتوقع بفكر “البعث” بين الشباب العربي الطامح لتحقيق الوحدة العربية، وجعله حزبا محلا للشبهات والصفات المشينة حتى لو لم تكن فيه.

ولقد انتبه البعث في نسخته العراقية متأخرا لخطورة تحويل علاقات التكامل مع التيار الاسلامي إلى عداء، فطرح صدام حسين قبيل احتلال بغداد ما أسماها النزعة الايمانية لربط العروبة بالاسلام.

وبعد ذلك استكمل نائبه عزة الدوري هذا التحول باطلاقه “الطريقة النقشبندية” لتنظيم عمل المقاومة المسلحة العربية والاسلامية ضد الاحتلال الامريكي، وهي الحركة التي كانت مثالاً عملياً قوياً على وحدة شباب التيار القومي والإسلامي في ساحات التحرير.

وعلى النقيض تماما ، فإن تجربة الحزب في سوريا جعلت من مجرد ذكر اسم “البعث” يوحي للأذهان بإيحاءات تعد مرادفا للدم والظلم والطائفية والاستقواء بالأجنبي وطوابير اللاجئين والهاربين.

ولعل المؤسف حقا هنا أن نجد أن من احتمى بالطائفة والأجنبي وكان مضربا للأمثال في الفظاعة “ما زال باقيا على كرسي الحكم” على أنقاض شعبه، أما من توجه للإيمان والصمود في وجه الأجنبي وحظي بحب قطاع كبير من الشارع العربي فقد “رحل”.

الأحزاب الناشئة

ولما كان ذلك يحدث في  الأصول والنماذج الكبيرة من الأحزاب المنتمية للتيار القومي ، فإن الفروع لابد لها أن تسير على نفس الخطى من “الشف” والتقليد وتتقوقع في نفس الأهداف لتكرر في النهاية نفس الفشل.

وعلى سبيل المثال، سلك غالبية القوميين الحزبيين في تونس نفس الطريق الداعم للديكتاتوريات، فما أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد بالانقلاب على الديمقراطية حتى سمعنا على الفور ومن دون تريث صدى إشاداتهم بهذا الانقلاب يصم الآذان..

وراحوا يبررون إشادتهم بانقلاب سعيد على البرلمان بأنه لا يعبر عن رأي الشارع التونسي وأنه تم انتخابه بالرشى واستغلال حاجة الناخبين.

ورغم أنه تبربر كاذب وسخيف يهين الملايين من الناخبين التونسيين، إلا أنه أيضا مردود عليه بأنه إذا استجاب الشعب لهذه الرشى غير مغصوب ولا مجبر، ولا مخدوع أو مغيب وعيه، وراح يصوت لمن لا يريد، فالعيب هنا إذن في الشعب.

وتناسي هؤلاء كذلك أن شرعية الانتخاب التي يهاجمونها في أعضاء البرلمان هي نفسها من خولت السلطة للرئيس الذي يؤيدونه.

ومما لا شك فيه أن الذين فجروا ثورة الياسمين لا ينقصهم الوعي ولا الجرأة للتحدي والرفض، ولا يمكن أن يقبلوا بالعودة لزمن كانت تزور فيه إرادتهم، كما لا توجد آلية أخرى معروفة لقياس إرادة الشعب غير الانتخاب، ولا توجد غيرها لاختيار برلمان أو رئيس جديد.

حركة الشعب

كما أن اتهامات بطلان البرلمان لو صحت فستنسحب أيضا على البرلمانيين مؤيدي قرارات الرئيس، ليصبحوا هم من فاقدي الشرعية لأنهم سيكونون حينئذ قد فازوا بالرشاوى مثلهم مثل بقية زملائهم، ومن بين هؤلاء نواب كتلة حركة الشعب “القومية” الممثلة بنسبة 6,7% في البرلمان بـ 15 نائبا..

وهى الكتلة التي عرف عن أمينها العام “زهير المغزاوي” حبه الشديد للرئيس السوري بشار الأسد لدرجه أنه وصفه في مؤتمر بدمشق مؤخرا بأنه قائد عظيم، وأن الحرب التي يخوضها هي نفس الحرب التي تخوضها تونس الآن، وأن الشعب التونسي يؤيد بشار الأسد في حربه ضد الإرهاب!!

ويلاحظ هنا أن “المغزاوي” وثب بالصراع التونسي من طبيعته السياسية المعتادة بين الكتل المنتخبة ديمقراطيا إلي صراع عسكري، وكأنه يرحب بتكرار التجربة السورية المريرة في تونس.

كما أنه خول لنفسه التحدث باسم الشعب التونسي رغم أن كتلته البرلمانية لا تمثل في خيارات هذا الشعب التصويتية سوى 6% مقارنة بنحو 59% لحركتي النهضة والكرامة.

عموما فإن ما يبعث على الطمأنينة هو أن الجيش التونسي أكثر عقلانية واستقلالا من نظيره السوري، وأن هناك أصواتا قومية تونسية ما زالت تتمسك بالمسار الديمقراطي.

ويبقى السؤال: هل سيتخلص الفكر القومي من شوائبه أم سيواجه خطر الانقراض؟

................................................................

سيد أمين يكتب: الجزائر.. خطوة لخلع بقايا ثوب الاستعمار


حالة من الاحتفاء سادت بين النخب الثقافية العربية جراء قيام السلطات الجزائرية بإصدار قرار بتعميم صارم للتعامل باللغة العربية في جميع الدوائر الرسمية للبلاد.

ويتوافق هذا التعميم مع تصاعد أصوات النخب السياسية المعرّبة في الجزائر الداعية للتوجه نحو فضاء وتكتلات أخرى تمليها العروبة والإسلام.

أهمية القرار أنه يأتي بعد سجال كبير بين الرئيس تبون وخلفه الشعب الجزائري والعربي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول طبيعة وجود الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي، فضلا عن أنه جاء مغايرا لتوجه كثير من نظم الحكم العربية للاعتناء باللغة الإنجليزية على حساب العربية.

وأهمية القرار أنه يمثل ضربة جديدة للسياسة الفرنسية المعنية بالاستعمار الثقافي أتت من بلد يحتل فيه الناطقون بالفرنسية المرتبة الثانية بعد فرنسا.

موقف مبدئي

 

الموقف الجزائري الأخير هو امتداد لموقف مبدئي يسعي لاستكمال خلع الثوب الفرنسي الذي حاولت فرنسا إلباسه للجزائر جبراً عقب اجتياحه في القرن التاسع عشر، وهو الثوب الذي عبرت عشرات الثورات الشعبية العارمة -والتي قوبلت بالمذابح الوحشية- عن عمق الرفض الشعبي الجزائري لارتدائه.

وما يدلل على عمق الرفض أن تلك المذابح استمرت علي مدار 132 عاما، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد، وفي قول آخر 6 ملايين شهيد، ومع ذلك لم يتوقف الشعب الجزائري عن المقاومة حتى أجبر مستعمريه للاعتراف بحقه في تقرير المصير في النهاية.

كما أن القرار الجزائري الأخير ليس جديدا من نوعه، فهو يسير في إطار أحكام المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن اللغة العربية هى اللغة الوطنية والرسمية للبلاد، ويطابق أيضا القانون 05-91 الصادر في يناير1991 لنفس الغرض.

ويعززه رفض الجزائرعضوية المنظمة الفرانكوفونية (تجمع الدول الناطقة بالفرنسية) منذ المشاركة فيها في بيروت عام 2002، بينما قلصت مشاركاتها في كل القمم اللاحقة لدرجة “ضيف خاص”، ومن المتوقع أن تمتنع الجزائر عن المشاركة نهائيا في القمم القادمة في حال تصاعد السجال بين البلدين.

وهناك روافد شعبية تدعم عدم الانضواء تحت الرداء الفرنسي منها أن المثقفين الجزائريين يرون أن تلك المنظمة هى امتداد للمظلة الاستعمارية الفرنسية، والانضمام لها يعد تنكرا من الجزائريين اليوم لنضالات وتضحيات أسلافهم بالأمس.

ومن بين هؤلاء المثقفين وزير الثقافة الأسبق محي الدين عميمور الذي يرى أن ” منظمة الفرانكفونية تندرج في إطار الاستعمار الجديد، وفرنسا تستعمل الفرنسية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية بدون الاهتمام بمصالحنا”. وقال “لن نسمح للفرانكوفونية بأن تكون حصان طروادة داخل أسوار بنائنا السياسي والاقتصادي”.

 

ليست العربية فقط

لم تقف دوافع سياسية أو اقتصادية فقط وراء دعوات تمزيق الرداء الفرنسي للجزائر، بل هناك أيضا دوافع علمية منها ما كشفته وزارة التعليم العالي من أنها أجرت استبيانا اختار فيه 93% من المستجوبين تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية، فيما فجر عالم الرّياضيات الجزائري أبو بكر سعد الله في مقال له بعنوان “ماذا تبقى من الفرنسية في مجال البحث العلمي؟” نقاشا حادا حول إفلاس اللغة الفرنسية في المجال العلمي وصارت مهملة لدى الدّوائر الأكاديمية الغربية التي تعتمد اللغة الفرنسية في البحث العلمي..

وضرب سعد الله مثلا بجامعة “سودبيري” بكندا التي أجرت تخفيضاتٍ هائلة في النفقات بإزالة ما يقارب من نصف البرامج المقدَّمة باللغة الفرنسية، واستغنت عن الكثير من مدرّسي الفرنسية، مع انهيار أكبر جامعة كندية بسبب هشاشة اللغة الفرنسية التي تعتمدها.

لذلك قررت وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي اعتماد اللّغة الانجليزية في المدرسة العليا للذّكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات، في إطار إحلال الانجليزية محلّ الفرنسية في الأوساط العلمية، على اعتبار أن اللّغة الفرنسية لم يعُد لها مكانٌ في مجال البحث العلمي باعتراف الفرانكفونيين أنفسهم.

خاصة بعدما أصبحت معظم الدراسات العلمية والأعمال الثقافية والأدبية متوفرة في العالم بتلك اللغة، فيما تتمركز الجزائر في مؤخّرة الترتيب العالمي للدول الناطقة بها.

ويأتي القرار بعد اهتمام منظمة الكومنولث “الدول الناطقة بالانجليزية” بالجزائر كمجال خصب محتمل تزاحم فيه اللغة الانجليزية الفرنسية.

وفي كلا الحالتين سواء تم اعتماد العربية أو الإنجليزية، فإن الخاسر الوحيد بلا شك هو فرنسا ولغتها الفرنسية التي ستفقد نفوذها الثقافي العميق في هذا البلد.

 

السلاح الفعال

ومع تنامي نفوذ روسيا والصين وتركيا عالميا في العقود الثلاثة الأخيرة، صارت فرنسا أكثر حاجة لاستغلال أمثل لسلاحها الأكثر فعالية (اللغة الفرنسية) من أجل مواكبة هذا التطور ووقف تواضع نفوذها الخارجي.

بدأت هذا الاهتمام من داخل أراضيها، فأصدرت عام 1994 قوانين تجعل الفرنسية إلزامية في جميع أشكال البث التلفزيوني ما يعني دبلجة كل البرامج الناطقة بلغات أجنبية، وألزمت محطات الإذاعة تشغيل أغان فرنسية بما لا يقل عن 40% من محتوى البث، تلاها إصدار العديد من القوانين والقرارات واللوائح التي تجرم الحديث بغير الفرنسية.

وفي موقف له دلالاته، انسحب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لفترة قصيرة من جلسة في قمة للاتحاد الأوربي عام 2006 احتجاجا على مخاطبة رئاسة جماعة ضغط تابعة للاتحاد الأوربي زعماء التكتل باللغة الإنجليزية.

كما حث وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستير أبناء وطنه على الحد من استخدام مفردات اللغة الإنجليزية في كلامهم، رغم أن الرئيس الفرنسي نفسه كان يستخدم أحيانا بعض المصطلحات الإنجليزية في حديثه.

كل ذلك يكشف مدى عمق الضربة التي يمكن أن توجهها الجزائر لفرنسا في حال تنفيذ قرارها بشكل صارم، فيما يبقى الأمل الفرنسي الوحيد هو أن يتم تعليق التنفيذ كسابقة ليصبح كالعدم؟ وهل ستنجح جماعات الضغط الفرنسية؟

اقرأ المقال كاملا على روابط الجزيرة مباشر

لتخطي الحجب https://ajm.me/2nehjq

للمزيد https://ajm.me/skx6tu

.......................................................................

سيد أمين يكتب: لا أحمس جدّي.. ولا نفرتيتي جدّتي

أنا مصري أعيش في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد، ولا أشعر أبدًا بأن أحمس جدّي ولا نفرتيتي جدّتي، ولا أشعر بأن تلك القبور والمعالم لها أي قداسة في قلبي.

لكني -مع ذلك- أعتز بها أيضًا كما يعتز الأمريكي بتاريخ بلاده، وما تركه الهنود الحمر عليها من آثار، مع أنهم ليسوا أجدادًا له، وكما يعتز الإسباني ببقايا التاريخ العربي في الاندلس؛ مع أنهم ليسوا اجداده أيضًا، وكما يعتز الاتراك ببقايا آثار الدولة البيزنطية.

وأقر بأنني إذا نطقت اللغة الهيروغليفية، فلن أنطقها إلا على سبيل التندّر والمزاح، أو من قبيل المتوارثات، مثلها مثل مفردات كثيرة ذرتها علينا رياح تعدد الثقافات التي تزاحمت على هذا البلد، دون أن تؤثر على ثقافته النهائية، العروبة والإسلام.

إنها حركة التاريخ التي لا يريد البعض أن يؤمن بها لغرض في القلوب، فيتباكون بصوت عال، على أننا نعيش بهوية مزورة، ولغة ليست لغتنا، وثقافة ليست ثقافتنا.

وبغض النظر عن كذب هذا الادعاء، فالحقيقة أن من يدّعى ذلك هو أيضًا لا يمثّل الفراعنة، وليس ابنا لهم، ولكنه يريد الانتقام من الثقافة الحالية والتشويش عليها.

من يفعل ذلك يبتدع بدعة لم يأت بها أحد من قبل، ودون حاجة إليها، فلم نسمع -مثلًا- في الأمم الأخرى أن هناك من يسعى لإحياء البابلية أو الآشورية أو الفينيقية أو الأمورية أو غيرها.

وإذا تحنا الباب لإحياء الماضي في مصر، فإننا -حتمًا- يتوجب علينا إحياء الثقافات البطلمية واليونانية والرومانية والبيزنطية والصومالية والحبشية وحتى الهكسوسية، فهذه الحضارات تعاقبت على حكم مصر لآلاف السنين بشكل متصل، أكبر مما نعرفه عن الحضارة الفرعونية.

وبالطبع، ما ينطبق عليها جميعًا ينطبق أيضًا على الفتح العربي واللغة العربية، وهي حالة مستقرة منذ ما يقرب من 1400 سنة في هذا البلد.

الأمة المصرية

منذ عقود، تعلو بعض الأصوات وتصخب، ناهشة في هوية البلاد، وتسعى جاهدة لإحداث شرخ يفصل بين هذه الثقافة وهذا الوطن، ثم سرعان ما تخفت وتموت حينما لا تجد صدى الصوت الذي يطيل عمرها.

بدءًا من دعاية الأمة المصرية التى وجدت بيئة خصبة لها بعد اتفاقات كامب ديفيد، وما أحدثته من قطيعة عربية لنظام السادات، وصولًا إلى تلك الكتابات المتناثرة التي بدأت تعلو مجددًا في الصحف المصرية التي تحاول تعميق هذا الشرخ، وبث روح الصدع فيه.

فبعد معاهدة السلام، وجد السادات نفسه وحيدًا منبوذًا، فحاول الخروج من هذه العزلة، بتبرير ما حدث، وطرح اقتراح الأمة المصرية، وكان هدفه حينئذ سياسيًّا بحتًا، لا يهدف إلى نهش هوية البلاد المستقرة بشيء.

لكنه فوجئ -كما فوجئ الجميع- بقفز توفيق الحكيم قفزة كبيرة لنفي عروبة مصر، هنا ثارت ثائرة المثقفين من مختلف التيارات، وراحوا يفندون تلك المزاعم، ويقتلعونها في المهد.

ثم مرت البلاد بمحاولات، أحيانًا فردية وأخرى منظمة، تارة في صورة أحزاب أو جمعيات تدعو إلى الفرعونية، وتارة للتقليل من شأن اللغة العربية، فأنشأ بعضهم صحفًا مادتها الأساسية اللهجة العامية، بما فيها من انعدام للقواعد وتوافر السوقية والابتذال، بهدف تحقير لغة القرآن، لكن المجتمع لفظهم سريعًا وفشلت التجربة.

ومنذ أيام، وجدنا من يصف الفتح العربي لمصر بأنه كان احتلالًا، داعيًا إلى إحياء اللغة الهيروغليفية، تمامًا كما فعل الدكتور وسيم السيسي في مقال له بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

ونحن هنا لا نهاجم الرجل، فله الحق في التعبير عن رأيه كما يشاء، كما أن للأخرين الحق في انتقاد توجهه والرد عليه.

تمامًا كما ننتقد مزاعم زاهي حواس التي رددها في محاضرة لطلاب جامعة القاهرة عام 2019، وقال فيها “نحن نتكلم اللغة العربية لكننا لسنا عربًا، ونقول إننا في أفريقيا لكننا لسنا أفارقة، نحن شعب إلى الوقت الحالي له شكل خاص وطبيعة خاصة نابعة من 5 آلاف عام”.

 

العروبة ثقافة أو نسب

رغم وجود عشرات الملايين من المصريين الذين ما زالوا يحتفظون بتسلسل تاريخهم العربي وأنسابهم العربية، فإن الواقع يقول إن العروبة ليست انتسابًا لكنها ثقافة، فكل من دان بالإسلام وتثقف بثقافته وتحدّث بلغة قرآنه في تعاملاته اليومية، هو في الواقع عربي.

ونقول كما قال الزعيم الوطني مكرم عبيد الذي كان يحفظ القرآن رغم أنه مسيحي، فكان يردد دائمًا: أنا مسيحى دينًا ومسلم وطنًا.

…..

بلا شك ستفشل كل محاولات تغيير الهوية العربية لمصر، كما فشلت في أعتى الحقب الاستعمارية.

اقرأ المزيد

تخطي الحجبhttps://ajm.me/hja5dw

للمزيدhttps://ajm.me/4nfmh6

........................................................................

سيد أمين يكتب: العربية.. أهانها الأعراب وأكرمها الأغراب

 

في الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقد عبر الإنترنت من 13 إلى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ضمّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الخط العربي إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

ورغم أن الخبر يبدو سارًّا -وهو فعلًا كذلك- فإنه جاء متأخرًا كثيرًا، خاصة إذا قورن الأمر بلغات وخطوط أخرى اعتنت بها اليونسكو ولم تكن أكثر انتشارًا من اللغة العربية، التي يوجد نحو مليارَي شخص تقريبًا في العالم يتحدثون بها ولو في صلواتهم.

واللغة العربية تستحق أكثر من ذلك، فهي من فرط تداولها بين الناس، جرى اعتمادها عام 1973 ضمن ست لغات رسمية للأمم المتحدة، بجوار الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والصينية، بجانب أنها لغة رسمية معتمدة في نحو 20 منظمة دولية أخرى.

ومن حيث الأصل، فالعربية تندرج في عائلة اللغات السامية الوسطى، التي تضم الآرامية والأمهرية والكنعانية والعبرية والفينيقية والصهيدية.

 

عناية الأغراب
 

ورغم أن الاعتناء باللغة العربية بدأ يتلاشى في موطنها الأصلي، فإن هناك أممًا أخرى قدّرت قيمة تلك اللغة واعتنت بها، منها كوريا الجنوبية التي اختارتها لغة أجنبية ثانية في البلاد بعد الإنجليزية، وتقرّر اجتياز امتحان فيها شرطًا للالتحاق بالجامعة، مع أنها تدرس في 6 جامعات وطنية بالبلاد.

وكذلك فعلت فرنسا وبلجيكا التي بدأت اعتمادها في التعليم الثانوي والاعدادي ضمن لغات عدة أخرى.

وهكذا في بولندا، حيث خصصت جامعة كوبرنيكوس بمدينة تورون قسمًا خاصًّا باللغة العربية، يختص في تدريس الأدب والثقافة العربية.

وأظهر تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات الشرقية أن عدد طلاب اللغة العربية في البلاد ارتفع منذ العام 2001 بنسبة 250% عما كان عليه قبل ذلك الوقت.

وأكدت مجلة (Science) المهتمة بالبحوث العلمية أن العربية ستشغل المرتبة الثالثة بين اللغات الأكثر انتشارًا بحلول العام 2050، بعد الصينية والهندية، وقبل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وهي اللغات الأكثر انتشارًا الآن.

واشارت المجلة العالمية إلى اتساع شرائح الراغبين في تعلّم العربية، وانتقالها من المستشرقين والمترجمين إلى جميع الشرائح المجتمعية، مثل الصحفيين والحقوقيين والمحامين والأطباء وغيرهم، وأن السبب في ذلك يرجع إلى تزايد أعداد من يعلنون إسلامهم حول العالم.

وخصصت وزارة التعليم الأمريكية دعمًا ماليًّا سخيًّا لتدريسِ اللغات الأجنبية المهمة، وعلى رأسها اللغَة العربية، وقدّمت مِنحًا للراغبين بتعلّمها في مصر والأردن ولبنان وتونس، وصارت محطّ اهتمام العديد من الوزارات الأمريكية وليس فقط المراكز المتخصصة في الشرق الأوسط.

 

 تفوّق العربية

 

وتمتاز اللغة العربية عن سائر اللغات بأنها تحتوي على حروف غير موجودة في أي لغة أخرى، مثل حرف “الضاد” الذي سُمّيت باسمه لتميّزها به، بجانب أنها لغة القرآن الكريم أعظم الكتب التي يتناقلها البشر، ولا يجوز قراءته إلا بها.

كما تحتل اللغة العربية المركز الأول بين اللغات في عدد المفردات التي تبلغ نحو 12 مليونًا و303 آلاف كلمة من دون تكرار، أي أكثر من 20 ضعفًا لعدد كلمات اللغة الإنجليزية التي لا تتجاوز 600 ألف كلمة، في حين أن اللغة الألمانية بها 5 ملايين و300 ألف كلمة، والكورية مليون و100 ألف مليون كلمة، والفرنسية 150 ألف مفردة، و130 ألفًا للروسية، و122 ألفًا للصينية، وهذا المؤشر اللغوي يدل على ثراء تلك اللغة مقارنة بغيرها من اللغات.

ولك أن تتخيل أن العربية تمتلك بمفردها 16 ألف جذر لغوي، في حين أن اللغة اللاتينية التي تنبثق منها معظم لغات أوربا الشرقية تمتلك 700 جذر لغوي فقط.

وأن الحرف العربي يُكتب به العديد من لغات العالم، منها الفارسية والكردية والأردية والملايوية والتركية سابقًا.

 

قداسة العربية

‏ ناهيك عن القداسة التي أضافها القرآن إلى تلك اللغة، حيث كرّمها في مواقع عدّة، بقول الله تعالي: {بلسانٍ عربيٍّ مُبين}..{إنّا أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{إنّا جعلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{وكذلكَ أنزلناهُ حُكمًا عربيًّا}..{هذا لسانٌ عربيٌّ مُبين}..{وكذلكَ أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{قرآنًا عربيًّا غيرَ ذي عِوَج}..{كتابٌ فُصّلتْ آياتُهُ قرآنًا عربيًّا}..{هذا كتابٌ مُصدّقٌ لسانًا عربيًّا}.

وقال عنها رسول الله ﷺ: “أحبُّوا العربَ لثلاثٍ، لأنّي عربيٌّ، والقرآنُ عربيٌّ، وكلامُ أهلِ الجنّةِ عربيٌّ”.

وروى ابْنُ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ ﷺ قال: “فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ” (رواه البخاري).

وقد قال: “أَوَّل مَنْ فَتَقَ الله لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَة إِسْمَاعِيل” (حديث حسن سنده ابن حجر في الفتح وصححه الألباني).

كما ورد في أهميتها ما قاله عنها الفاروق عمر رضي الله عنه: “تعلَّموا العربية فإنها تُثبت العقل وتزيد في المروءة”، وما كتبه إلى أبي موسى: “أما بعد فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي” رواه ابن أبي شيبة وسعيد ابن منصور والبيهقي في الشعب.

وقال فيها الخليفة عبد الملك بن مروان: “أَصلِحُوا أَلسِنَتَكُم فَإنَّ المَرءَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ فَيستَعِيرُ الثَّوبَ والدَّابَةَ ولا يُمكِنُه أنْ يَستَعيرَ الِّلسانَ، وَجَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَتُهُ”.

……

والخلاصة أن لغتنا العظيمة هانت علينا، فهُنّا في ألسنة الناس.

تابع المقال على https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2021/12/31/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%87%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D9%83%D8%B1%D9%85%D9%87%D8%A7

الخميس، 30 ديسمبر 2021

سيد أمين يكتب:لا أحمس جدّي.. ولا نفرتيتي جدّتي

أنا مصري أعيش في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد، ولا أشعر أبدًا بأن أحمس جدّي ولا نفرتيتي جدّتي، ولا أشعر بأن تلك القبور والمعالم لها أي قداسة في قلبي.

لكني -مع ذلك- أعتز بها أيضًا كما يعتز الأمريكي بتاريخ بلاده، وما تركه الهنود الحمر عليها من آثار، مع أنهم ليسوا أجدادًا له، وكما يعتز الإسباني ببقايا التاريخ العربي في الاندلس؛ مع أنهم ليسوا اجداده أيضًا، وكما يعتز الاتراك ببقايا آثار الدولة البيزنطية.

وأقر بأنني إذا نطقت اللغة الهيروغليفية، فلن أنطقها إلا على سبيل التندّر والمزاح، أو من قبيل المتوارثات، مثلها مثل مفردات كثيرة ذرتها علينا رياح تعدد الثقافات التي تزاحمت على هذا البلد، دون أن تؤثر على ثقافته النهائية، العروبة والإسلام.

إنها حركة التاريخ التي لا يريد البعض أن يؤمن بها لغرض في القلوب، فيتباكون بصوت عال، على أننا نعيش بهوية مزورة، ولغة ليست لغتنا، وثقافة ليست ثقافتنا.

وبغض النظر عن كذب هذا الادعاء، فالحقيقة أن من يدّعى ذلك هو أيضًا لا يمثّل الفراعنة، وليس ابنا لهم، ولكنه يريد الانتقام من الثقافة الحالية والتشويش عليها.

من يفعل ذلك يبتدع بدعة لم يأت بها أحد من قبل، ودون حاجة إليها، فلم نسمع -مثلًا- في الأمم الأخرى أن هناك من يسعى لإحياء البابلية أو الآشورية أو الفينيقية أو الأمورية أو غيرها.

وإذا فتحنا الباب لإحياء الماضي في مصر، فإننا -حتمًا- يتوجب علينا إحياء الثقافات البطلمية واليونانية والرومانية والبيزنطية والصومالية والحبشية وحتى الهكسوسية، فهذه الحضارات تعاقبت على حكم مصر لآلاف السنين بشكل متصل، أكبر مما نعرفه عن الحضارة الفرعونية.

وبالطبع، ما ينطبق عليها جميعًا ينطبق أيضًا على الفتح العربي واللغة العربية، وهي حالة مستقرة منذ ما يقرب من 1400 سنة في هذا البلد.


الأمة المصرية

منذ عقود، تعلو بعض الأصوات وتصخب، ناهشة في هوية البلاد، وتسعى جاهدة لإحداث شرخ يفصل بين هذه الثقافة وهذا الوطن، ثم سرعان ما تخفت وتموت حينما لا تجد صدى الصوت الذي يطيل عمرها.

بدءًا من دعاية الأمة المصرية التى وجدت بيئة خصبة لها بعد اتفاقات كامب ديفيد، وما أحدثته من قطيعة عربية لنظام السادات، وصولًا إلى تلك الكتابات المتناثرة التي بدأت تعلو مجددًا في الصحف المصرية التي تحاول تعميق هذا الشرخ، وبث روح الصدع فيه.

فبعد معاهدة السلام، وجد السادات نفسه وحيدًا منبوذًا، فحاول الخروج من هذه العزلة، بتبرير ما حدث، وطرح اقتراح الأمة المصرية، وكان هدفه حينئذ سياسيًّا بحتًا، لا يهدف إلى نهش هوية البلاد المستقرة بشيء.

لكنه فوجئ -كما فوجئ الجميع- بقفز توفيق الحكيم قفزة كبيرة لنفي عروبة مصر، هنا ثارت ثائرة المثقفين من مختلف التيارات، وراحوا يفندون تلك المزاعم، ويقتلعونها في المهد.

ثم مرت البلاد بمحاولات، أحيانًا فردية وأخرى منظمة، تارة في صورة أحزاب أو جمعيات تدعو إلى الفرعونية، وتارة للتقليل من شأن اللغة العربية، فأنشأ بعضهم صحفًا مادتها الأساسية اللهجة العامية، بما فيها من انعدام للقواعد وتوافر السوقية والابتذال، بهدف تحقير لغة القرآن، لكن المجتمع لفظهم سريعًا وفشلت التجربة.

ومنذ أيام، وجدنا من يصف الفتح العربي لمصر بأنه كان احتلالًا، داعيًا إلى إحياء اللغة الهيروغليفية، تمامًا كما فعل الدكتور وسيم السيسي في مقال له بجريدة “المصري اليوم” بتاريخ 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

ونحن هنا لا نهاجم الرجل، فله الحق في التعبير عن رأيه كما يشاء، كما أن للأخرين الحق في انتقاد توجهه والرد عليه.

تمامًا كما ننتقد مزاعم زاهي حواس التي رددها في محاضرة لطلاب جامعة القاهرة عام 2019، وقال فيها “نحن نتكلم اللغة العربية لكننا لسنا عربًا، ونقول إننا في أفريقيا لكننا لسنا أفارقة، نحن شعب إلى الوقت الحالي له شكل خاص وطبيعة خاصة نابعة من 5 آلاف عام”.


العروبة ثقافة أو نسب

رغم وجود عشرات الملايين من المصريين الذين ما زالوا يحتفظون بتسلسل تاريخهم العربي وأنسابهم العربية، فإن الواقع يقول إن العروبة ليست انتسابًا لكنها ثقافة، فكل من دان بالإسلام وتثقف بثقافته وتحدّث بلغة قرآنه في تعاملاته اليومية، هو في الواقع عربي.

ونقول كما قال الزعيم الوطني مكرم عبيد الذي كان يحفظ القرآن رغم أنه مسيحي، فكان يردد دائمًا: أنا مسيحى دينًا ومسلم وطنًا.

…..

بلا شك ستفشل كل محاولات تغيير الهوية العربية لمصر، كما فشلت في أعتى الحقب الاستعمارية.

اقرأ المزيد
تخطي الحجب: https://ajm.me/hja5dw
للمزيد: https://ajm.me/4nfmh6

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

سيد أمين يكتب: الجزائر.. خطوة لخلع بقايا ثوب الاستعمار

حالة من الاحتفاء سادت بين النخب الثقافية العربية جراء قيام السلطات الجزائرية بإصدار قرار بتعميم صارم للتعامل باللغة العربية في جميع الدوائر الرسمية للبلاد.

ويتوافق هذا التعميم مع تصاعد أصوات النخب السياسية المعرّبة في الجزائر الداعية للتوجه نحو فضاء وتكتلات أخرى تمليها العروبة والإسلام.

أهمية القرار أنه يأتي بعد سجال كبير بين الرئيس تبون وخلفه الشعب الجزائري والعربي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول طبيعة وجود الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي، فضلا عن أنه جاء مغايرا لتوجه كثير من نظم الحكم العربية للاعتناء باللغة الإنجليزية على حساب العربية.

وأهمية القرار أنه يمثل ضربة جديدة للسياسة الفرنسية المعنية بالاستعمار الثقافي أتت من بلد يحتل فيه الناطقون بالفرنسية المرتبة الثانية بعد فرنسا.

موقف مبدئي


الموقف الجزائري الأخير هو امتداد لموقف مبدئي يسعي لاستكمال خلع الثوب الفرنسي الذي حاولت فرنسا إلباسه للجزائر جبراً عقب اجتياحه في القرن التاسع عشر، وهو الثوب الذي عبرت عشرات الثورات الشعبية العارمة -والتي قوبلت بالمذابح الوحشية- عن عمق الرفض الشعبي الجزائري لارتدائه.

وما يدلل على عمق الرفض أن تلك المذابح استمرت علي مدار 132 عاما، وراح ضحيتها مليون ونصف المليون شهيد، وفي قول آخر 6 ملايين شهيد، ومع ذلك لم يتوقف الشعب الجزائري عن المقاومة حتى أجبر مستعمريه للاعتراف بحقه في تقرير المصير في النهاية.

كما أن القرار الجزائري الأخير ليس جديدا من نوعه، فهو يسير في إطار أحكام المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن اللغة العربية هى اللغة الوطنية والرسمية للبلاد، ويطابق أيضا القانون 05-91 الصادر في يناير1991 لنفس الغرض.

ويعززه رفض الجزائرعضوية المنظمة الفرانكوفونية (تجمع الدول الناطقة بالفرنسية) منذ المشاركة فيها في بيروت عام 2002، بينما قلصت مشاركاتها في كل القمم اللاحقة لدرجة “ضيف خاص”، ومن المتوقع أن تمتنع الجزائر عن المشاركة نهائيا في القمم القادمة في حال تصاعد السجال بين البلدين.

وهناك روافد شعبية تدعم عدم الانضواء تحت الرداء الفرنسي منها أن المثقفين الجزائريين يرون أن تلك المنظمة هى امتداد للمظلة الاستعمارية الفرنسية، والانضمام لها يعد تنكرا من الجزائريين اليوم لنضالات وتضحيات أسلافهم بالأمس.

ومن بين هؤلاء المثقفين وزير الثقافة الأسبق محي الدين عميمور الذي يرى أن ” منظمة الفرانكفونية تندرج في إطار الاستعمار الجديد، وفرنسا تستعمل الفرنسية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية بدون الاهتمام بمصالحنا”. وقال “لن نسمح للفرانكوفونية بأن تكون حصان طروادة داخل أسوار بنائنا السياسي والاقتصادي”.


ليست العربية فقط

لم تقف دوافع سياسية أو اقتصادية فقط وراء دعوات تمزيق الرداء الفرنسي للجزائر، بل هناك أيضا دوافع علمية منها ما كشفته وزارة التعليم العالي من أنها أجرت استبيانا اختار فيه 93% من المستجوبين تدريس المواد العلمية باللغة الإنجليزية بدلا من الفرنسية، فيما فجر عالم الرّياضيات الجزائري أبو بكر سعد الله في مقال له بعنوان “ماذا تبقى من الفرنسية في مجال البحث العلمي؟” نقاشا حادا حول إفلاس اللغة الفرنسية في المجال العلمي وصارت مهملة لدى الدّوائر الأكاديمية الغربية التي تعتمد اللغة الفرنسية في البحث العلمي..

وضرب سعد الله مثلا بجامعة “سودبيري” بكندا التي أجرت تخفيضاتٍ هائلة في النفقات بإزالة ما يقارب من نصف البرامج المقدَّمة باللغة الفرنسية، واستغنت عن الكثير من مدرّسي الفرنسية، مع انهيار أكبر جامعة كندية بسبب هشاشة اللغة الفرنسية التي تعتمدها.

لذلك قررت وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي اعتماد اللّغة الانجليزية في المدرسة العليا للذّكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات، في إطار إحلال الانجليزية محلّ الفرنسية في الأوساط العلمية، على اعتبار أن اللّغة الفرنسية لم يعُد لها مكانٌ في مجال البحث العلمي باعتراف الفرانكفونيين أنفسهم.

خاصة بعدما أصبحت معظم الدراسات العلمية والأعمال الثقافية والأدبية متوفرة في العالم بتلك اللغة، فيما تتمركز الجزائر في مؤخّرة الترتيب العالمي للدول الناطقة بها.

ويأتي القرار بعد اهتمام منظمة الكومنولث “الدول الناطقة بالانجليزية” بالجزائر كمجال خصب محتمل تزاحم فيه اللغة الانجليزية الفرنسية.

وفي كلا الحالتين سواء تم اعتماد العربية أو الإنجليزية، فإن الخاسر الوحيد بلا شك هو فرنسا ولغتها الفرنسية التي ستفقد نفوذها الثقافي العميق في هذا البلد.


السلاح الفعال

ومع تنامي نفوذ روسيا والصين وتركيا عالميا في العقود الثلاثة الأخيرة، صارت فرنسا أكثر حاجة لاستغلال أمثل لسلاحها الأكثر فعالية (اللغة الفرنسية) من أجل مواكبة هذا التطور ووقف تواضع نفوذها الخارجي.

بدأت هذا الاهتمام من داخل أراضيها، فأصدرت عام 1994 قوانين تجعل الفرنسية إلزامية في جميع أشكال البث التلفزيوني ما يعني دبلجة كل البرامج الناطقة بلغات أجنبية، وألزمت محطات الإذاعة تشغيل أغان فرنسية بما لا يقل عن 40% من محتوى البث، تلاها إصدار العديد من القوانين والقرارات واللوائح التي تجرم الحديث بغير الفرنسية.

وفي موقف له دلالاته، انسحب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لفترة قصيرة من جلسة في قمة للاتحاد الأوربي عام 2006 احتجاجا على مخاطبة رئاسة جماعة ضغط تابعة للاتحاد الأوربي زعماء التكتل باللغة الإنجليزية.

كما حث وزير الثقافة الفرنسي فرانك ريستير أبناء وطنه على الحد من استخدام مفردات اللغة الإنجليزية في كلامهم، رغم أن الرئيس الفرنسي نفسه كان يستخدم أحيانا بعض المصطلحات الإنجليزية في حديثه.

كل ذلك يكشف مدى عمق الضربة التي يمكن أن توجهها الجزائر لفرنسا في حال تنفيذ قرارها بشكل صارم، فيما يبقى الأمل الفرنسي الوحيد هو أن يتم تعليق التنفيذ كسابقة ليصبح كالعدم؟ وهل ستنجح جماعات الضغط الفرنسية؟

اقرأ المقال كاملا على روابط الجزيرة مباشر

لتخطي الحجب https://ajm.me/2nehjq
للمزيد

الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

سيد أمين يكتب: ظاهرة “الحَوَل” القومي.. وصلت تونس!

فقد التيار القومي في الوطن العربي بريقه الذي كان عليه طيلة العقود الماضية لأسباب مخزية منها مؤازرته للنظم الاستبدادية أينما حلت أو تفشت، فضلا عن عدائه غير المبرر للتيار الإسلامي، وتقوقعه حول الشخص وليس الفكرة..
وتجاهل أنصاره في ذلك حقائق أكدتها التجربة: أن الاستبداد غالبا هو نتاج للتبعية للخارج وهو الأولى بالمحاربة لو كانوا حقا يسعون لاستقلال ووحدة القوم..
وأن “الإسلامي” ليس عدواً بل هو ابن الفصيل الأقرب إليهم فكرياً عملا بمبدأ أن الإسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة، وأن الإسلام هو النهج الرباني الأقدس الذي قدمه النبي العربي -عليه الصلاة والسلام- للعالم.
وعلى إثر ذلك “الحَوَل”، انحرف المشروع القومي على يد بعض منتسبيه من كونه مشروعاً تقدمياً وحدوياً جامعاً لأبناء الأمة بجميع توجهاتهم الفكرية والمعتقدية وحتى الاثنية إلى مشروع إقصائي استبدادي، منشغل بالبحث عن أدوات الهدم لا البناء، والتفريق لا التوحيد.

البعثي والناصري

هذا “الحَوَل” ساهم بشكل كبير في اندثار القاعدة الشعبية للتيار الناصري التي شهدتها الساحة العربية طوال النصف الثاني من القرن الماضي، لينتهي به المطاف إلى هلام وحالة صوتية بائسة فاقدة للمنطق تتمركز حول تعظيم شخص عبد الناصر وليس حول سبل رعاية ونهضة المجتمع..
خاصة أنهم لم يقدموا طرحا للقومية العربية ذي قيمة منفردة سوى خليطاً من الشعارات الاشتراكية التي تجاوزها الزمن مع عبثيات باءت بالفشل..
فيما نسف “الحول” مبكرا الولع المتوقع بفكر “البعث” بين الشباب العربي الطامح لتحقيق الوحدة العربية، وجعله حزبا محلا للشبهات والصفات المشينة حتى لو لم تكن فيه.
ولقد انتبه البعث في نسخته العراقية متأخرا لخطورة تحويل علاقات التكامل مع التيار الاسلامي إلى عداء، فطرح صدام حسين قبيل احتلال بغداد ما أسماها النزعة الايمانية لربط العروبة بالاسلام.
وبعد ذلك استكمل نائبه عزة الدوري هذا التحول باطلاقه “الطريقة النقشبندية” لتنظيم عمل المقاومة المسلحة العربية والاسلامية ضد الاحتلال الامريكي، وهي الحركة التي كانت مثالاً عملياً قوياً على وحدة شباب التيار القومي والإسلامي في ساحات التحرير.
وعلى النقيض تماما ، فإن تجربة الحزب في سوريا جعلت من مجرد ذكر اسم “البعث” يوحي للأذهان بإيحاءات تعد مرادفا للدم والظلم والطائفية والاستقواء بالأجنبي وطوابير اللاجئين والهاربين.
ولعل المؤسف حقا هنا أن نجد أن من احتمى بالطائفة والأجنبي وكان مضربا للأمثال في الفظاعة “ما زال باقيا على كرسي الحكم” على أنقاض شعبه، أما من توجه للإيمان والصمود في وجه الأجنبي وحظي بحب قطاع كبير من الشارع العربي فقد “رحل”.


الأحزاب الناشئة

ولما كان ذلك يحدث في الأصول والنماذج الكبيرة من الأحزاب المنتمية للتيار القومي ، فإن الفروع لابد لها أن تسير على نفس الخطى من “الشف” والتقليد وتتقوقع في نفس الأهداف لتكرر في النهاية نفس الفشل.
وعلى سبيل المثال، سلك غالبية القوميين الحزبيين في تونس نفس الطريق الداعم للديكتاتوريات، فما أن قام الرئيس التونسي قيس سعيد بالانقلاب على الديمقراطية حتى سمعنا على الفور ومن دون تريث صدى إشاداتهم بهذا الانقلاب يصم الآذان..
وراحوا يبررون إشادتهم بانقلاب سعيد على البرلمان بأنه لا يعبر عن رأي الشارع التونسي وأنه تم انتخابه بالرشى واستغلال حاجة الناخبين.
ورغم أنه تبربر كاذب وسخيف يهين الملايين من الناخبين التونسيين، إلا أنه أيضا مردود عليه بأنه إذا استجاب الشعب لهذه الرشى غير مغصوب ولا مجبر، ولا مخدوع أو مغيب وعيه، وراح يصوت لمن لا يريد، فالعيب هنا إذن في الشعب.
وتناسي هؤلاء كذلك أن شرعية الانتخاب التي يهاجمونها في أعضاء البرلمان هي نفسها من خولت السلطة للرئيس الذي يؤيدونه.
ومما لا شك فيه أن الذين فجروا ثورة الياسمين لا ينقصهم الوعي ولا الجرأة للتحدي والرفض، ولا يمكن أن يقبلوا بالعودة لزمن كانت تزور فيه إرادتهم، كما لا توجد آلية أخرى معروفة لقياس إرادة الشعب غير الانتخاب، ولا توجد غيرها لاختيار برلمان أو رئيس جديد.


حركة الشعب

كما أن اتهامات بطلان البرلمان لو صحت فستنسحب أيضا على البرلمانيين مؤيدي قرارات الرئيس، ليصبحوا هم من فاقدي الشرعية لأنهم سيكونون حينئذ قد فازوا بالرشاوى مثلهم مثل بقية زملائهم، ومن بين هؤلاء نواب كتلة حركة الشعب “القومية” الممثلة بنسبة 6,7% في البرلمان بـ 15 نائبا..
وهى الكتلة التي عرف عن أمينها العام “زهير المغزاوي” حبه الشديد للرئيس السوري بشار الأسد لدرجه أنه وصفه في مؤتمر بدمشق مؤخرا بأنه قائد عظيم، وأن الحرب التي يخوضها هي نفس الحرب التي تخوضها تونس الآن، وأن الشعب التونسي يؤيد بشار الأسد في حربه ضد الإرهاب!!
ويلاحظ هنا أن “المغزاوي” وثب بالصراع التونسي من طبيعته السياسية المعتادة بين الكتل المنتخبة ديمقراطيا إلي صراع عسكري، وكأنه يرحب بتكرار التجربة السورية المريرة في تونس.
كما أنه خول لنفسه التحدث باسم الشعب التونسي رغم أن كتلته البرلمانية لا تمثل في خيارات هذا الشعب التصويتية سوى 6% مقارنة بنحو 59% لحركتي النهضة والكرامة.
عموما فإن ما يبعث على الطمأنينة هو أن الجيش التونسي أكثر عقلانية واستقلالا من نظيره السوري، وأن هناك أصواتا قومية تونسية ما زالت تتمسك بالمسار الديمقراطي.
ويبقى السؤال: هل سيتخلص الفكر القومي من شوائبه أم سيواجه خطر الانقراض؟
لقراءة المقال انقر هنا:
https://ajm.me/29ab43
للمزيد
https://ajm.me/ymkc4m