الثلاثاء، 9 يناير 2024

سيد أمين يكتب: الحرب على الدحدوح

 

الزميل وائل الدحدوح وكريمته اليوم في مشهد مؤثر (الفرنسية)

7/1/2024

كأن إسرائيل أرادت أن تجعل من مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح نموذجًا مصغرًا لإجرامها وعدم اكتراثها لا بقوانين المجتمع الدولي ولا حتى بقوانين البشر، وكأنها حينما أعلنت حربها الوحشية على غزة كانت تقصده هو وأسرته، وكل مكان دبت فيه قدمه وله فيه ذكريات، وكذلك القناة الفضائية التي يعمل فيها.

فبعدما استهدفت صواريخها زوجته وابنه وابنته وحفيده وعددًا من أقاربه وجيرانه وأصدقائه منذ أشهر قليلة، عادت لتقتل من تبقى من أسرته حيًا فاستهدفت ابنه الصحفي حمزة ليرتقي شهيدًا هو الآخر.

أما وائل الدحدوح فغالب جراح روحه التي عاناها في “الفَقد” الأول على حملها الثقيل وظل رافعًا رأسه، وكأنه يغالب “فقدًا” آخر أكبر فداحة عانته أمته العربية والإسلامية من نقص في العزة والكرامة والنخوة، ليحسده بذلك الحاسدون على تلك البسالة التي لا يمكن أن تتوافر في بشر إلا في الأساطير.

جريمة قتل الصحفيين حمزة الدحدوح ورفيقه مصطفى ثريا ليست من جرائم القتل العشوائية التي دأبت إسرائيل على ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني طوال تاريخها فحسب، ولكنها على الأرجح هي حادثة متعمدة في محاولة لعقاب الأصوات الصادحة بالحقيقة التي تأتي في القلب منها قناة الجزيرة، ليرتفع عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل نحو 109 صحفيين في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

والمتابع لـ”قناة الجزيرة” في هذا العدوان وما سبقه من حروب سيكتشف منذ اللحظة الأولى أنها القناة العربية العالمية الوحيدة الأكثر فضحًا لجرائم الكيان الصهيوني، وأنها استطاعت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” كشف الحقيقة لمئات الملايين حول العالم، وبالتالي فإنها لهذا السبب صارت هي القناة التي يحرص الاحتلال دومًا على تحييدها، ومثلت حجر عثرة يمنع تحقيق طموحاته الدموية في الظلام.

تجربة شيرين أبو عاقلة

ولا شك أن الجريمة البشعة هي استمرار لسياسة تكميم الأفواه التي اتبعتها إسرائيل منذ عام 2000 وما قبلها، وكانت أبرز ملامحها اغتيالها عن عمد الراحلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة منتصف العام قبل الماضي، وهي الجريمة التي قلنا وقتها إنها متعمدة وتعطي إشارة لسوء نية بيتتها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني في هذه المنطقة، وكانت بحاجة لإخراس الأصوات وتغمية العيون الناقلة لحقيقة ما سترتكبه فيها من مجازر مستقبلًا.

وأثبتت الأحداث أنه عقب الجريمة مباشرة تصاعدت حدة الاقتحامات وأعمال الهدم والقتل طيلة العام عن سابقه بشكل ملحوظ، حيث كان عدد شهداء الضفة قرابة 100 شهيد عام 2021، ثم قفز هذا الرقم عام 2022 ليصل إلى 171 شهيدًا، وانتهى عام 2023 وما زال عدد الصحفيين الشهداء غير معروف، ولكن جهات رصد متنوعة تتوقع أن يقترب من رقم 200 في غزة والضفة.

فيما ابتدعت إسرائيل أسلوبًا آخر لتكميم الأفواه وترهيب ناقلي الحقيقة، وهو استهدافها أسر الصحفيين بالقتل والاعتقال، قاصدة بذلك تجنب الانتقادات الدولية التي تطلقها الجهات المختصة بالصحفيين على ما فيها من هشاشة وضعف.

فوق القانون

ومن المؤلم حقًا أن جرائم إسرائيل لا تحاسب عليها أبدًا، وكما مرت جريمة شيرين أبو عاقلة دون عقاب ستمر جريمة اغتيال أسرة الدحدوح ومعهم آلاف الشهداء من الأبرياء في غزة أيضًا، بعدما صار إفلات إسرائيل من العقاب أمرًا بديهيًا يعرفه الجميع، عرب وعجم.

ومع هذا الجنون الغربي الذي يصعد بالإسرائيلي لمرتبة ما فوق البشر، ويصدر له قوانين تجرم إنكار “الهولوكوست” الذي يقول إن اليهود تعرضوا له على يد هتلر، ويجرم معاداة “السامية” ويخص بها الصهاينة فقط مع أن العرب أيضًا من هذا الجنس نفسه بوصفهم أحفاد لسام بن نوح، إزاء كل ذلك فلن يكون غريبًا إذا قامت الدول الغربية بإصدار القوانين التي تسمو بالمواطن الإسرائيلي عن نظيره العربي في القيمة.

تضامن صحفي

يستطيع الصحفيون العرب إبداء فزعهم لما جرى لأسرة زميلهم وائل الدحدوح عبر تنظيم عديد المظاهرات والندوات بخصوص الجريمة، ومخاطبة الجهات الدولية والعاملة في الحقل الصحفي للعمل على معاقبة إسرائيل على جرائمها.

كما يستطيعون التناول المباشر في أعمالهم للصعوبات التي يواجهها الإعلاميون في غزة والضفة، والاستهدافات التي تلحق بهم وبأسرهم جراء مزاولة عملهم، وتشجيع العاملين في المواقع والصحف الغربية على الاحتجاج والإضراب عن العمل بها ما لم تتعامل إداراتها التحريرية مع تقاريرهم التي يقدمونها بشيء من الاحترام والموضوعية، وأن تتوخى مواقعهم نشر الحقيقة وليس ما تريد الإدارة أن تنشره في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي.

………..

أعانك الله أخي وائل الدحدوح، فحملك وحمل أمتنا ثقيل.

اقرأ المقال كاملا هنا على الجزيرة مباشر

bit.ly/3tP0916

السبت، 30 ديسمبر 2023

سيد أمين يكتب :الطرق الشعبية للدفاع عن اللغة العربية

 

29/12/2023

في صمت عدا من أخبار خجولة في موقع هنا أو هناك، مر على أمة الضاد في 18 ديسمبر الماضي اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي لولا أن أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 ضمن ست لغات فقط من بين آلاف اللغات في العالم كرمتهم المنظمة الدولية باحتفالات خاصة، واحتفلت بها مكاتبها في كل عام، ما تذكره حكام العرب ولا سعوا إليه، بل إنه لو خُيروا بين الاحتفال به والاحتفال بأي شيء آخر لاختاروا هذا الآخر مهما كان، وذلك لأنهم ببساطة هم من يعملون خلف الكواليس ضد هذه اللغة!

والمدهش أننا نجد أن من لا يتحدثون العربية هم من يدركون تماما أهميتها، ويدركون أنها ملكت ما لم تتملكه أي لغة في العالم، إذ يستخدمها -عدة مرات يوميا- ربع سكان الأرض حتى لو كان ذلك في أداء عبادات الإسلام.
نحن هنا لسنا بصدد تأكيد المؤكد عن عظمة هذا اللغة والمحفوظة إلى يوم القيامة بوعد رباني لكونها لغة القران الكريم، ولكننا فقط نحاول رصد عدد من الأساليب التي يمكننا فعلها كشعوب عربية تدافع عن إرثها الحضاري دعما لهذه اللغة ضد محاولات التذويب والتشويه والبعثرة.
ابدأ بنفسك
أولى تلك الأشياء أن نبدأ بأنفسنا ثم ندعو غيرنا لتغيير أسمائنا في جميع وسائل التواصل الاجتماعي إلى العربية، والهدف أن تكون هي لغة أسمائنا الرئيسية، ومنعا للتحجج بعدم قدرة غير العرب على قراءة حروفها، يمكننا كتابة الاسم الثانوي بأي لغة أخرى نريدها، كما يمكن أيضا كتابته في الصور الخلفية للصفحة.
ونستطيع أن نعبر عن هويتنا بكتابة يافطات محال أعمالنا بها، وأن نتفنن في خطوطها ومصطلحاتها لتبدو جذابة، فتمثل دعاية جيدة لهذه اللغة، وكذلك الأمر في ملصقات سياراتنا ومركباتنا، وفي كروت التعريف الشخصي، وأوراق الدعاية ويافطات الشوارع وغيرها الكثير من المعاملات الحياتية.
وفي المقابل يجب أن تُكافئ المحال والأعمال التي تفعل ذلك بالشراء منها والتعامل معها ما يشجع الآخرين من رواد الأعمال على العودة لدعم الهوية.
ولو كنت محاضرا أو شخصية يقتدي بها الآخرون فاحرص على ألا تتحدث إلا بها، وأن تحث الناس على الاعتناء بها وإظهار مدى أهميتها. وفند الشائعات التي تتحدث عن أنها لا تصلح للعلوم، وقل لهم إن معظم العلوم الغربية الحديثة بُنيت في الأصل على علوم باللغة االعربية، وأخبرهم أن كلا من سوريا والعراق (في عهد صدام حسين) قررا العربية، لغة للعلوم فتصدرت العراق بين دول العالم في الطب والعلوم والتعليم وغيرها.
يجب الحرص على ألا تكثر من استخدام مفردات أو مصطلحات من أي لغة أخرى في كل ما تنشره على صفحاتك عبر وسائل التواصل طالما كنت تعرف الكلمات العربية لها، واعلم أنك بذلك تقدم درسا تعليميا غير مباشر لغيرك ممن لم ينل قسطا معرفيا عن العربية، فربما تكون بذلك سببا في أن يقلدك شخص له عدد كبير من المتابعين فتعم الفائدة.
كن مهتما بتعليم ابنائك العربية حتى لو أجبرتك الحاجة إلى إلحاقهم بالمدارس التجريبية أو اللغات أوالدولية وغيرها، بسبب السوء المتعمد الذي أصبحت عليه مدارس اللغة العربية تعليميا وسلوكيا وأمنيا، حينئذ يصلح تعليم أبنائك العربية السليمة ولو في المنزل.
ويكفي أن تعلم أنه بتجاهلك للغتك العربية إنما أنت في الواقع تطعن الإسلام والقرآن، وأنت في الغالب لا تقصد، ولكن الأعداء المتربصين يقصدون، ويكفي أن تقف متأملا أمام رؤية المستشرق الإنجليزي ادوارد دينسن روس التي قال فيها: “اللغة العربية والحروف العربية، والإسلام والقرآن، كلها قواعد بناء واحدة، إن هدمت واحدة تداعى البناء كله”.
واعلم أنه يجب على الإنسان العربي المعتز بأصله وفصله، والمسلم المعتز بدينه أن يعتز بل ويبالغ في الاعتزاز بلغة القرآن الكريم، وأن يتساءل عما إذا كان قد وجد من قبل أي شخص من مشاهير الغرب أو الشرق أو حتى بسطائهم يكتب اسمه بغير لغته القومية؟ وهل وجد إنجليزيا أو صينيا مثلا يتحدث أو يكتب لمواطن آخر من بني جنسه بلغة غريبة عنه كلغتك مثلا؟
افخر بعربيتك التي اختارها الله لتكون لغة أقدس كتبه، وانقل فخرك لمتابعيك ومحبيك، فيقلدونك وينقلونه هم أيضا لمتابعيهم، ونمسح بذلك تلك الصورة النمطية التي روج لها الإعلام طوال عقود عن الأزهري التافه، والخواجة المثقف المتحضر.
يجب تشجيع العودة للفن الجميل الذي ما زال صداه يعتمل في الأفئدة حينما كانت أغاني الفصحى لأم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وغيرهم تلهب أفئدة المستمعين وجوارحهم، وتألق المتألقون في الشعر الفصيح كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي، وكان يُقاس قدر الناس بمدى إجادتهم للعربية.
تجربة العبرية
أدركت الصهيونية أهمية اللغة في تكوين الشخصية، فراحت تعيد لغتها المنقرضة من ركام التاريخ وسعت إلى إحيائها في كيانها المزعوم، فتناسى اليهودي القادم من روسيا لغته الروسية، والألماني ألمانيته، والإثيوبي إثيوبيته، واليوناني يونانيته، وراحوا جميعا -ومعهم آخرون- يتمترسون حول العبرية، حتى دبت فيها الحياة مجددا، وربحوا هم هذه الجولة.
ولم نجد منهم من يقول إنها ليست لغة العلوم ولا داعي حضاري للاهتمام بها، أو يقول إنها صعبة الفهم والقواعد ولن يستطيع تعلمها، ولا من يقول إن العالم لن يستطيع قراءة حروفها، ولا من يقول إنها ليست لغة وطنه الأصلي، مع أنها ليست مقدسة في توراتهم كما هي مقدسة في قرأننا.
هذا كان في اللغة العبرية التي تتشابه لحد كبير مع اللغة العربية في الحروف والقواعد النحوية وحتى في اتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار، ماتت وشبعت موتا ثم بُعثت فيها الروح، فكيف تقبل أنت أيها العربي وأيها المسلم إهانة لغتك وتشارك في إماتتها وهي محفوظة من الله بحفظ الذكر؟
اعتز بلغتك، تعتز الدنيا بك.

الأحد، 10 ديسمبر 2023

سيد أمين يكتب: أقلُّها الطوفان.. أسباب العدوان على غزة

يخطئ من يعتقد أن حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد غزة جاءت رد فعل غاضبًا على عملية طوفان الأقصى، أو حتى يندهش من تداعي الحكومات الغربية الهائل لتبريرها، بل ويخطئ أكثر من يتصور أن إسرائيل بمفردها تخوضها، بينما نرى الأموال والأسلحة والأساطيل الأمريكية، ونرى

سيد أمين يكتب: نحو تخليد هولوكوست غزة

4/12/2023

لا خلاف مطلقا على أن القضية الفلسطينية حصلت -رغم الألم- على حزمة إنجازات غير مسبوقة في الجولة الحالية من نضالها ضد الكيان الصهيوني، ولسنا بحاجة إلى تعداد هذه الإنجازات التي كان أهمها تمكنها من سبر أغوار العجز التي عانت منه بشدة منذ وجدت عام 1948 في الملفين الخاصين بالإعلام والقدرات العسكرية.
ولقد تسببت متغيرات إعلامية لم تكن موجودة في الجولات السابقة من النزاع؛ مثل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتوافر وسائل إعلام تقليدية عربية ودولية واسعة الانتشار عالميا لها سياسات إعلامية تتسم بالموضوعية

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

سيد أمين يكتب: لماذا لا يغادر العرب منظومة الغبن الدولي؟

لسنا بحاجة نحن العرب إلى اكتشاف أن النظام الدولي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية يحمل في طياته وصفة متكاملة للاستبداد؛ لأننا اكتشفناه منذ السنوات الأولى لانطلاقه

الخميس، 16 نوفمبر 2023

سيد أمين يكتب: مكاسب المقاومة العربية من الطوفان والعدوان


برغم كل هذا الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية في غزة الباسلة، وشلالات الدم التي أريقت، وتَكَشًّف الصورة الفجة للدعم الغربي الأعمى واللإنساني للمحتل الباغي، فإن هناك مكسبا جوهريا قد تحقق في موقعة طوفان الأقصى وما تلاها من أحداث، وهو أن الحاضنة