الجمعة 25 أغسطس 2017 17:21
لعل من أهم ما كشفت عنه دعوة الرئيس التونسي فيما يختص بالمواريث وزواج المسلمة من غير مسلم، أن ثورة السيسي الدينية لا تخص مصر فقط بل تأتى في إطار خطة دولية منسقة لعلمنة الحياة وتجريدها من الاعتقاد الديني في الوطن العربي كافة.
ويدعم هذا الاحتمال تلك التصريحات التي أطلقها سفير دولة الإمارات العربية مؤخرا في واشنطن يوسف العتيبة في مقابلة على قناة "بي بي إس" (PBS) الأمريكية أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات "علمانية مستقرة ومزدهرة" وأن ذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر.
وتلا ذلك اعلان السعودية عن إنشاء إقليم البحر الأحمر على عدة جزر سعودية بدعوى تنشيط السياحة والاستثمار والتي تمتاز الحياة فيها بأنها تتحرر من القيم والقوانين المطبقة على باقي الأراضي السعودية التي تجرم الزنا ومعاقرة الخمور، ثم إعلان السعودية عن قرب اصدار4 قرارات تتعلق بالنساء في المملكة.
ووسط هذا الدفق، وكما أيدت الإفتاء التونسية التعديلات الدستورية، قام الدكتور حاتم الشريف عضو مجلس شورى السعودية بكتابة مقال يهاجم فيه التيار السلفي والوهابي ويقول انه غير معصوم من الخطأ، داعيا – وهذا بيت القصيد - إلى تحديد علوم الشريعة بما يواكب العصر ومؤكدا أن برامج التدريس والمناهج، إضافة إلى وصايا تعليمية، بُنيت في الماضي على إرهاب فكري.
كما لا يمكننا أن نعتبر أن جهر سعوديات مؤخرا بارتداء ملابس لم تكن معهودة من قبل في المملكة بطبيعتها المحافظة بعيد عن هذه الأحداث.
العلمنة والإرهاب
ورغم أن المفترض من مصطلح "العلمنة" هي الدعوة لسيادة "العلم" في المجتمع فإن تفسير قوى التبعية العربية له خاصة في مصر تؤكد أن حاملي تلك الدعاوى لا ينشرون علما ولا ينوون، بدليل دعمهم لـ"العلاج بالكفتة" ودخول عصر صناعة "الأستيكة" وإنشاء "أكشاك الفتوى" وأحاديث "أهل الشر"، فضلا عن قتلهم وسجنهم للعلماء والباحثين، ولكنهم فقط ينحرون قداسة أي مقدس في النفوس، ويزيدون من ارتفاع جدار الغفلة والاستكانة للاستبداد عبر شغل الناس بثقافة الرموش والأثداء والشذوذ، ودعم أي تمرد على الدين والأعراف والتقاليد والتراث، في نفس الوقت الذي يحاربون فيه أية مقاومة للاستبداد والظلم ولا يتورعون عن وصم فاعليه بالإرهابيين.
ولأن إقناع الناس بالتخلي عن مقدساتها أمرا شديد الخطورة والصعوبة، كان لابد من تشويه تلك المقدسات ووصم كل من يدافع عنها بكل مشين.
فقد ساء استخدام لفظة "الإرهاب" من فرط المتاجرة بها من قبل الامبريالية والنظم الاستبدادية ، وحدود ومواصفات العمل الإرهابي وملامح الإرهابيين - إن كانت لهم ملامح -ودوافعهم والمعيارية التي تمكننا من تصنيف هذا القتل بالعمل الإرهابي دون غيره من أعمال قتل تجري كل يوم بل وكل ساعة على ظهر كوكبنا، كما أن هناك اختلافات معيارية في مفهوم الأمن فمشكلة القوى عادة هي أنه يري أن الأمن لا يتوقف حينما يغطى حدوده وسلامته فحسب، بل يمتد إلى إخضاع إرادات الآخرين، أما الضعيف فهو لا يملك حتى حماية أمنه وسلامته، بل إنه يستجدى أمنه من سارقيه الأقوياء،وهو يدرك تماما إنه حينما يحاول انتزاع أمنه انتزاعا من دون أن تكون له قوة كافية تؤمن له تلك العملية فإنه سيتحول إلى إرهابي.
لذلك وجب علينا اعتبار الضعيف ضحية وليس جانيا، بل إن من يصمتون على سلب إرادته هم شركاء في الجريمة ضده.
ولو تتبعنا من وصمتهم الدعاية المتغلبة بالإرهاب في كل تلك الحوادث التاريخية الفارقة لاكتشفنا أنهم لم يكونوا قط القتلة، بل كانوا في الغالب المقتولين ولا أحد سواهم، كما أننا نجد أن القاتل هو من ذهب إلى الضحية في عقر داره ليقتله ثم بعد ذلك يشوه تاريخه ونضاله وينسب إليه الإرهاب.
نحر المقدسات
وبنصل حاد - وعلى خلاف الذبح البطيء في السعودية- يجرى نحر أي "مقدس" في مصر، فإذا كان هناك "بلطجي" خارج على القانون ومحطم لقيم المجتمع، هنا ستقدمه الدراما المصرية الرسمية بصفته المواطن المثالي، وإذا كانت سيدة خائنة لعفتها وزوجها وامتلكت القدرة لتجهر بعشق "الرفيق" هنا بالقطع سيحتفي الإعلام بذلك ويصدر الواقعة في مجملها كحرية شخصية، أما لو أقامت سيدة علاقة محرمة لدرجة أن وضعت منها سفاحا هنا ينبغي تقديمها كضحية للمجتمع.
كما يموت أو يعاني الآلاف من الفقراء في مصر سنويا جراء الإهمال الطبي في المستشفيات لا سيما الحكومية، لكن وفاة راقصة جراء هذا الإهمال كان هو وحده كفيلا بأن يهب البرلمان - المفترض انه منتخب من كل الشعب بما فيه الفقراء – ليخصص جلسة لوضع قوانين تعالج هذه الأزمة وتكافح الظاهرة.
لذلك فلم يعد مثيرا للاندهاش ولو حتى بمصمصة الشفاه في مصر، أن تكون الأم المثالية راقصة، ومقدمة البرامج الدينية راقصة، وتلك التي كلفها السيسي برفع الوعي الديني عند المصريين شبه راقصة.
للمسلمين فقط!!
كل يوم يقدم نظام السيسي دلائل جديدة على أن تجديد الخطاب الديني الذي يدعو إليه في إطار ثورته الدينية يتميز بخصيصتين اثنتين، أولاهما أنه يقتصر فقط على الدين الإسلامي دون سواه من الأديان، حيث لم نسمع منه مثلا مطالبته بتجديد الخطاب الكنسي أو دعوة الكنيسة لإيجاد تفسيرات جديدة للإنجيل أو إهمال زعامات دينية بعينها، ولم نسمع منه أيضا مطالبات بتجديد الخطاب اليهودي، أو تجديد خطابات أي عقائد أخرى في العالم - يعرفها الكثيرون - ترى أن قتل الناس عملا يستحق رضا الرباني.
وثانيتهما أن ما يجري في مصر الآن يصب في نتيجة واحدة وهي القضاء على مظاهر الإسلام في مصر، كما قضى عليه من قبل في نفوس شعوب كثيرة قبل أن تهزم عسكريا كما حدث مثلا في الأندلس والفلبين وغيرهما.
ورغم أن الإسلام لا يمنح وصاية لمسلم على مسلم أو بشر على بشر، نظرا لخلوه من التقديس والكهنوت، فإن المتدينين المسلمين دون سواهم هم المتهمون الجاهزون بمنح ومنع صكوك الغفران.
لقد بات معلوما أن الإسلام والمسلمين الآن في خطر حقيقي لم يألفوه من قبل
لعل من أهم ما كشفت عنه دعوة الرئيس التونسي فيما يختص بالمواريث وزواج المسلمة من غير مسلم، أن ثورة السيسي الدينية لا تخص مصر فقط بل تأتى في إطار خطة دولية منسقة لعلمنة الحياة وتجريدها من الاعتقاد الديني في الوطن العربي كافة.
ويدعم هذا الاحتمال تلك التصريحات التي أطلقها سفير دولة الإمارات العربية مؤخرا في واشنطن يوسف العتيبة في مقابلة على قناة "بي بي إس" (PBS) الأمريكية أن ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات هو حكومات "علمانية مستقرة ومزدهرة" وأن ذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر.
وتلا ذلك اعلان السعودية عن إنشاء إقليم البحر الأحمر على عدة جزر سعودية بدعوى تنشيط السياحة والاستثمار والتي تمتاز الحياة فيها بأنها تتحرر من القيم والقوانين المطبقة على باقي الأراضي السعودية التي تجرم الزنا ومعاقرة الخمور، ثم إعلان السعودية عن قرب اصدار4 قرارات تتعلق بالنساء في المملكة.
ووسط هذا الدفق، وكما أيدت الإفتاء التونسية التعديلات الدستورية، قام الدكتور حاتم الشريف عضو مجلس شورى السعودية بكتابة مقال يهاجم فيه التيار السلفي والوهابي ويقول انه غير معصوم من الخطأ، داعيا – وهذا بيت القصيد - إلى تحديد علوم الشريعة بما يواكب العصر ومؤكدا أن برامج التدريس والمناهج، إضافة إلى وصايا تعليمية، بُنيت في الماضي على إرهاب فكري.
كما لا يمكننا أن نعتبر أن جهر سعوديات مؤخرا بارتداء ملابس لم تكن معهودة من قبل في المملكة بطبيعتها المحافظة بعيد عن هذه الأحداث.
العلمنة والإرهاب
ورغم أن المفترض من مصطلح "العلمنة" هي الدعوة لسيادة "العلم" في المجتمع فإن تفسير قوى التبعية العربية له خاصة في مصر تؤكد أن حاملي تلك الدعاوى لا ينشرون علما ولا ينوون، بدليل دعمهم لـ"العلاج بالكفتة" ودخول عصر صناعة "الأستيكة" وإنشاء "أكشاك الفتوى" وأحاديث "أهل الشر"، فضلا عن قتلهم وسجنهم للعلماء والباحثين، ولكنهم فقط ينحرون قداسة أي مقدس في النفوس، ويزيدون من ارتفاع جدار الغفلة والاستكانة للاستبداد عبر شغل الناس بثقافة الرموش والأثداء والشذوذ، ودعم أي تمرد على الدين والأعراف والتقاليد والتراث، في نفس الوقت الذي يحاربون فيه أية مقاومة للاستبداد والظلم ولا يتورعون عن وصم فاعليه بالإرهابيين.
ولأن إقناع الناس بالتخلي عن مقدساتها أمرا شديد الخطورة والصعوبة، كان لابد من تشويه تلك المقدسات ووصم كل من يدافع عنها بكل مشين.
فقد ساء استخدام لفظة "الإرهاب" من فرط المتاجرة بها من قبل الامبريالية والنظم الاستبدادية ، وحدود ومواصفات العمل الإرهابي وملامح الإرهابيين - إن كانت لهم ملامح -ودوافعهم والمعيارية التي تمكننا من تصنيف هذا القتل بالعمل الإرهابي دون غيره من أعمال قتل تجري كل يوم بل وكل ساعة على ظهر كوكبنا، كما أن هناك اختلافات معيارية في مفهوم الأمن فمشكلة القوى عادة هي أنه يري أن الأمن لا يتوقف حينما يغطى حدوده وسلامته فحسب، بل يمتد إلى إخضاع إرادات الآخرين، أما الضعيف فهو لا يملك حتى حماية أمنه وسلامته، بل إنه يستجدى أمنه من سارقيه الأقوياء،وهو يدرك تماما إنه حينما يحاول انتزاع أمنه انتزاعا من دون أن تكون له قوة كافية تؤمن له تلك العملية فإنه سيتحول إلى إرهابي.
لذلك وجب علينا اعتبار الضعيف ضحية وليس جانيا، بل إن من يصمتون على سلب إرادته هم شركاء في الجريمة ضده.
ولو تتبعنا من وصمتهم الدعاية المتغلبة بالإرهاب في كل تلك الحوادث التاريخية الفارقة لاكتشفنا أنهم لم يكونوا قط القتلة، بل كانوا في الغالب المقتولين ولا أحد سواهم، كما أننا نجد أن القاتل هو من ذهب إلى الضحية في عقر داره ليقتله ثم بعد ذلك يشوه تاريخه ونضاله وينسب إليه الإرهاب.
نحر المقدسات
وبنصل حاد - وعلى خلاف الذبح البطيء في السعودية- يجرى نحر أي "مقدس" في مصر، فإذا كان هناك "بلطجي" خارج على القانون ومحطم لقيم المجتمع، هنا ستقدمه الدراما المصرية الرسمية بصفته المواطن المثالي، وإذا كانت سيدة خائنة لعفتها وزوجها وامتلكت القدرة لتجهر بعشق "الرفيق" هنا بالقطع سيحتفي الإعلام بذلك ويصدر الواقعة في مجملها كحرية شخصية، أما لو أقامت سيدة علاقة محرمة لدرجة أن وضعت منها سفاحا هنا ينبغي تقديمها كضحية للمجتمع.
كما يموت أو يعاني الآلاف من الفقراء في مصر سنويا جراء الإهمال الطبي في المستشفيات لا سيما الحكومية، لكن وفاة راقصة جراء هذا الإهمال كان هو وحده كفيلا بأن يهب البرلمان - المفترض انه منتخب من كل الشعب بما فيه الفقراء – ليخصص جلسة لوضع قوانين تعالج هذه الأزمة وتكافح الظاهرة.
لذلك فلم يعد مثيرا للاندهاش ولو حتى بمصمصة الشفاه في مصر، أن تكون الأم المثالية راقصة، ومقدمة البرامج الدينية راقصة، وتلك التي كلفها السيسي برفع الوعي الديني عند المصريين شبه راقصة.
للمسلمين فقط!!
كل يوم يقدم نظام السيسي دلائل جديدة على أن تجديد الخطاب الديني الذي يدعو إليه في إطار ثورته الدينية يتميز بخصيصتين اثنتين، أولاهما أنه يقتصر فقط على الدين الإسلامي دون سواه من الأديان، حيث لم نسمع منه مثلا مطالبته بتجديد الخطاب الكنسي أو دعوة الكنيسة لإيجاد تفسيرات جديدة للإنجيل أو إهمال زعامات دينية بعينها، ولم نسمع منه أيضا مطالبات بتجديد الخطاب اليهودي، أو تجديد خطابات أي عقائد أخرى في العالم - يعرفها الكثيرون - ترى أن قتل الناس عملا يستحق رضا الرباني.
وثانيتهما أن ما يجري في مصر الآن يصب في نتيجة واحدة وهي القضاء على مظاهر الإسلام في مصر، كما قضى عليه من قبل في نفوس شعوب كثيرة قبل أن تهزم عسكريا كما حدث مثلا في الأندلس والفلبين وغيرهما.
ورغم أن الإسلام لا يمنح وصاية لمسلم على مسلم أو بشر على بشر، نظرا لخلوه من التقديس والكهنوت، فإن المتدينين المسلمين دون سواهم هم المتهمون الجاهزون بمنح ومنع صكوك الغفران.
لقد بات معلوما أن الإسلام والمسلمين الآن في خطر حقيقي لم يألفوه من قبل
اقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر هنــــــــــــــــــــا