حينما نقول إن إسرائيل هي كيان مارق يحظى برعاية غربية استثنائية، فنحن هنا نقر مسلمات سلّم بها العالم غربه وشرقه، فلا قرارات لجنائية دولية ولا عدل دولية ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن -رغم ضعفها وهزالها بل وهزلها لكونها تساوي بين الجاني والضحية- تسري عليها، وفيما يلي ركلة أخرى تصر المنظومات الدولية على تلقيها بصمت مخز ودون أي اعتراض أو ألم، وهي حول ما يتعلق بالإرهاب النووي.
فالرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم يقل يومًا إنه سيضرب تل أبيب أو واشنطن أو لندن بالقنابل النووية، ومع ذلك راحت العواصم الثلاث تجزم بحيازة بغداد أسلحة نووية وفرضت عليها حصارًا خانقًا شارك فيه أتباعهم في الغرب والشرق، وتواطأت وكالة الطاقة الذرية حتى انتهى الأمر بتدمير العراق واحتلاله واستشهاد مليوني مواطن منه، وبعد خراب مالطة -كما يقولون- كانت النهاية مجرد سطور عن وجود أخطاء استخباراتية.
ولم يقل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إنه سيدمر تلك العواصم بالقنابل النووية، ومع ذلك اتهموه بـ”محاولة” اقتناء معدات تستخدم لصناعات نووية، وقاموا بتعقب الرجل حتى قتلوه ودمروا معه ليبيا.
وها هي لجان التفتيش النووية تكرر المشهد العراقي ولكن مع إيران، لجنة ترحل وأخرى تأتي، وعقوبات تلي عقوبات، وتربص هنا وشراك هناك، ومع كل ذلك الحماس والنشاط نراهم ومنظومات العدالة العرجاء التي أنشأوها للسيطرة على العالم تصم آذانها دون سماع أصوات جهورية تأتي بشكل متكرر من مسؤولين كبار في الكيان الصهيوني وأمريكا عن إمكانية ضرب غزة بالقنابل النووية.
اعترافات رسمية
الدعوات الهمجية لم يقتصر إطلاقها على ألسنة وزراء في حكومة نتنياهو الإرهابية التي هي تمارس بالفعل إبادة جماعية تذاع على الهواء مباشرة في غزة، بل امتدت إلى العاصمة التي تنصّب نفسها كينبوع صاف للديمقراطية العالمية، حيث خرج من مجلس نوابها الذي هو زبدة كريمتها الديمقراطية من يدعو لارتكاب هذه الجريمة.
تلك التصريحات التي أطلقها ليندسي جرهام أحد كبار النواب النافذين في “الكونغرس” الأمريكي التي راح يذكرنا فيها متفاخرًا بجريمة أمريكا التاريخية في نجازاكي وهيروشيما، كان قد سبقه فيها وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو، واعتبر أن ذلك هو الحل الممكن اتباعه في حال استمرت المقاومة.
وواقعيًا مثل هذه التصريحات لا يقصد بها إرهاب “المقاومة الفلسطينية” البطلة فقط، ولكن على الأرجح المقصود بها إرهاب المحيط العربي والإسلامي الكبير الداعم لتلك المقاومة، وللنظم العربية والإسلامية المحيطة كافة.
وأول ما تشي به هذه التصريحات صراحة أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية بالفعل، لأن مطلقي التهديدات هنا أحدهم وزير في حكومة إسرائيلية يمسك بزمام أهم ملف تحاول إسرائيل تبني من خلاله شرعيتها في هذه الأرض، وبالتالي فهو لا بد أن يكون متمكنًا في منصبه ومطلعًا، والآخر هو أحد كبار الساسة الأمريكيين الداعمين لإسرائيل، وهو الآخر متمكن ومطلع، ولا يمكن لأحدهما أن يدلي بمثل تلك التصريحات دون الضوء الأخضر من الإدارتين الأمريكية والصهيونية.
وعلى كل فنحن لسنا بحاجة لتأكيد امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، فاعترافات مردخاي فعنونو أو “جون كروسمان” الخبير النووي الإسرائيلي الذي تحول إلى ناشط داع للسلام والتآخي بين الشعبين الفلسطيني والصهيوني اعترف صراحة بتفاصيل دقيقة حول ترسانة إسرائيل النووية للصحافة البريطانية عام 1986 قبل أن يخطفه الموساد الإسرائيلي، ويجري له محاكمات سرية تقضي بحبسه 18 عامًا قضى معظمها حبسًا انفراديًا قبل أن يفرج عنه وتحدد إقامته في 2004، ثم أعيد اعتقاله مرات أخرى بسبب تواصله مع وسائل إعلام أجنبية قبل اعتناقه المسيحية.
تلا ذلك اعتراف خطير من روبرت غيتس رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق في خطاب له في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2006 حينما أكد بأن إيران محاطة بجيران نوويين بما فيهم دولة إسرائيل، وعقبه تأكيد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 2008 وعام 2014 في مقابلات تلفزيونية بأن إسرائيل تمتلك قرابة 300 رأس نووي.
واجبات دولية
مثل هذه التصريحات والاعترافات يتوجب معها قيام وكالة الطاقة الذرية بفتح تحقيق حولها، ولو من قبيل ذر الرماد في العيون، وتطالب بإجراء تفتيشات في إسرائيل ولو وهمية تبرر ما فعلته هذه الوكالة في الآخرين، ولو رفضت إسرائيل هذه الإجراءات بذريعة عدم توقيعها على معاهدة الحد من الانتشار النووي، حينئذ كان يمكن للوكالة الذرية وللساسة الغربيين -إن صدقت النوايا- أن يتعاملوا مع إسرائيل بالمنطق نفسه الذي يتعاملون به مع كوريا الشمالية بوصفها دولة مارقة.
وينبغي أيضًا على المحكمة الجنائية فتح تحقيق في تلك التصريحات على اعتبار أنها تمثل جرائم ضد الإنسانية، فيما كان يجب على محكمة العدل الدولية اعتبارها شهادات قاطعة على توافر النية والقصد لارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.
وإزاء ذلك كله توجب على مجلس الأمن أن يتحرك وراء هذه المعلومات، ويقرر ما قرره مع العرب وإيران من قبل.
ماذا نفعل؟
بالقطع نحن حالمون أو غافلون أو بالأصح مستسلمون، فلم ولن يحدث أي شيء من هذا القبيل، لأن مؤسسات العدالة الدولية كلها هي في الواقع أدوات استعمارية أنشئت خصيصًا لخدمة رعاتها الذين هم الأكثر إجرامًا ودهسًا للقوانين الإنسانية في هذا العالم.
ولذلك وجب علينا نحن العرب أخذ زمام الأمور والانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من الانتشار النووي، بل والشروع في امتلاك الأسلحة النووية كقوة ردع ضد ترسانة إسرائيل النووية المقدرة بما بين 100 إلى 400 رأس نووي قادرة على تدمير وطننا العربي برمته.
أخشى أن يعتبر البعض ذلك كله دعوة للاستسلام وليس المقاومة، وإن فعلوا فلينظروا كيف ركّعت المقاومة البطلة هذا الوحش الهلامي؟ ويأخذوا منها العظة.
المصدر : الجزبرة مباشر
https://bit.ly/3RUK6rH
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق