الجمعة، 14 فبراير 2025

هكذا تحول الغرب من اضطهاد اليهود إلى تقديسهم - سيد أمين

 

مثَّل عام١٤٨٣ ميلاديا عاما فارقا في مكانة اليهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأثر تأثيرا كبيرا في مستقبل أجزاء كبيرة في العالم، لاسيما في الوطن العربي والإسلامي، لكونه العام الذي انتقل فيه الغرب المسيحي انتقالا مثيرا من اضطهاد اليهود واستعبادهم وإجبارهم على الدخول في المسيحية، إلى الولاء لهم لدرجة وصلت حدَّ تقديسهم.

وفي المقابل، هو أيضا العام الذي انتقل فيه مسلمو العالم من مكافحة الحملات الصليبية التي ما توقفت أبدا عن استهداف بلادهم وارتكاب أبشع المجازر بحقهم، إلى مكافحة الصهيونية التي مارست نفس هذا الدور بأقل كلفة يدفعها الغرب، وبوسيلة أكثر تزييفا لحقائق التاريخ وتبطينا لها.

قفازات الغرب الجديدة

يمكننا القول إن الغرب ارتدى قفازاته الجديدة حينما أسس مارتن لوثر حركة البروتستانت والتي تعني "المحتجون" والتي تطالب بإصلاح الكنيسة الكاثوليكية، وتضمنت تلك الإصلاحات إجراءات ثورية من شأنها إلغاء سلطة الكنيسة، بل وإلغاء الكنيسة ذاتها، وإعطاء دور أكبر للعهد القديم (التوراة) في تفسير المسيحية، بدلا من أن يكون العهد الجديد هو المفسر لها.

 وتضمن المذهب الجديد اعتقادا بأن عودة المسيح مرهونة بوجود دولة قوية لليهود في فلسطين، وإعادة بناء هيكل داود، وهي الرؤية المنبثقة من رؤية إنجيلية تتحدث عن وقوع معركة عظيمة سيتم فيها القضاء على كل من لم يؤمنوا بألوهية المسيح، بما فيهم اليهود أنفسهم، من ثم تبدأ بعدها البشرية الألفية السعيدة بعودة المسيح مجددا على الأرض.

ولقد تسببت قسوة سيطرة الكنيسة الغربية على الحياة العامة في أوروبا في تذمر قطاع عليها، ومن ثم التفافهم حول دعوة لوثر كينج التي وجدت ضالتها في الأراضي المكتشفة الجديدة، لاسيما أن الواصلين إليها اتسمت شخصياتهم بالتمرد بشكل عام على كل شيء، بما فيها السلطة الكنسية.

تطورات دموية

هذه التطورات أعطت الفرصة للماسونية لإيجاد الثغرات التي تتغلغل من خلالها لتحقيق أهدافها الخاصة، والماسونية كما نعلم هي حركة علمانية انتهازية استعمارية لا تؤمن بدين ولا إنسانية، رغم أنها تنكرت في رداء ديني مختلف على صحته، ظاهره يعني "البناؤون" الجدد للهيكل، وباطنه معني بالقضاء على روح الجماعة والمجتمع، وكافة معايير الإنسانية الأخلاقية، وتأجيج الصراعات والحروب ونشر الأمراض، وصولا للمليار الذهبي.

وبناء على ذلك رتبت الصهيونية خطتها على الاستفادة لأقصى مدى من هذا الوضع، بحيث إنها نجحت في تجنيب اليهود ويلات الاستبداد في الغرب، ووجهت قوته وغضبته نحو أعداء مشتركين، هم المسلمون والعرب، ليتحقق لها ما تعجز عن تحقيقه بمفردها، مع استمرار اعتقادها بأن النبوءات الغربية لن تتحقق أبدا، وإذا تحققت لن تكون إلا لعودة ملك داود، لا المسيح.

هذا الامتزاج لم يكن في الحقيقة بين اليهودية والمسيحية كدينين (أطلق الإسلام على أتباعهما وصف الكتابيين، تمييزا لهم عن بقية أتباع الديانات التي سمى أتباعها المشركين) ولكن كان بين حركتين متطرفتين انبثقتا منهما الصهيونية والماسونية، ووجدت كل واحدة منهما ضالتها في الأخرى لتحقق بها أهدافها الشريرة.

وإذا كانت الحرب الآن ضد المجتمعات الإسلامية، فهذا لأن الإسلام بتكوينه العقدي والفقهي استطاع الصمود أمام هذا الطوفان، وأخر نموه، رغم وقوعه الكامل تحت الاستعمار الغربي، فيما انسحقت أمامه من قبل المجتمعات الغربية بشكل كامل، فرأينا انتشار الإلحاد والشذوذ والتطرف والتعري، وتبرير إبادة المخالفين أو سبيهم واستعبادهم، رغم أن ذلك كله يخالف روح المسيحية جملة وتفصيلا.

المسيحية التقليدية

ولعل التاريخ القريب يشير الى أن المجتمعات الغربية قبل قرن أو قرنين من الآن كانت أكثر تمسكا بعقيدتها التقليدية، وكانت تنتشر فيها معاني الاحتشام والتدين بصورة قريبة من تلك التي نشاهدها اليوم في التجمعات المسيحية داخل مجتمعاتنا الإسلامية، لكن لأن تدمير المجتمعات هو أول خطوات التمكين للماسونية، فقد كان تدمير المجتمعات الغربية وسحبها بعيدا عن عقيدتها الدينية أينما كانت هو أول خطوات التمكن منها واقتيادها.

ولذلك فإن الصهيونية التي هي حليف مكين ومكير للماسونية ليستا شرا مطلقا على الإسلام فقط، بل إنهما شر مطلق على المسيحية ذاتها بنفس القدر.

كما أن انكشاف حقيقة فكرة الصهيونية الاستعلائية والاستئصالية والوحشية كما ظهرت عليها في غزة ولبنان دمر الهالة الروحية التي كانت تتسم بها اليهودية في الخلفيات الذهنية لقطاع كبير من سكان المعمورة، وألحق بها ضررا لا يمكن ترميمه.

حروب صليبية

بعد ما حدث من أعمال إبادة في غزة وتواطؤ غربي واضح مع إسرائيل، ازداد الاعتقاد أن تمكين الصهيونية بشكلها الإجرامي الحالي من فلسطين المسلمة هو امتداد جديد للحروب الصليبية.

وانكشف أن هدف الغرب في هذا الامتداد هو وضع العالم العربي (الذي هو لب العالم الإسلامي) في حالة انشغال دائم مع حرب الوكلاء، عسكريا وفكريا، وقد نجح نسبيا في ذلك، حيث تسبب في إضعاف قوته وأهدر وزنه بين الأمم.

وكانت أكبر الصفعات هي نجاح الصهيونية والماسونية عبر وسائل متعددة للنيل من بنية الإنسان المسلم الفكرية والسلوكية، فيما استطاعت السياسات الاستعمارية الغربية تغريبه داخل وطنه عبر تنصيب حكومات موالية لها.

......

الغرب يريد أن يسقينا من نفس كأس السم الذي تجرعه هو قبلنا طواعية.. ومع ذلك هو مندهش من رفضنا الشراب!

أقرأ المقال على مجلة المجتمع الكويتية

https://bit.ly/3Ey8CuF

الخميس، 13 فبراير 2025

حول الاعلام الداعم للمقاومة - سيد أمين

  

عقب الإعلان رسميا عن استشهاد رئيس أركان كتائب القسام الشهيد محمد الضيف ورفاقه سارعت العديد من الفضائيات إلى الاحتفاء ببطولاتهم، والإشادة بصبر وقوة إرادة أسرهم، وقامت بإجراء الحوارات معهم داخل بيوتهم بغزة في محاولة لتوضيح أنها بيوت متواضعة كمعظم بيوت أهل غزة، وأنها صارت مدمرة ومهدمة بعد الحرب، وذلك ردا على طنطنات كاذبة تطلقها بعض البرامج الإعلامية المشبوهة تزعم فيها أن قادة حماس  يرسلون ذويهم إلى خارج القطاع مع ثروات ضخمة تركوها لهم في البنوك، وقصور منيفة أسكنوهم فيها هناك كما كانوا يسكنون في عزة، وبقوا هم ليموت بسببهم الآلاف من شعب القطاع.

ومع أن تلك اللقاءات تعد أمرا محمودا يمنح المجاهدين فرصة جيدة للرد على شلال الافتراءات التي تطالهم، ويقدم العظة للمراقبين عن بسالة منبت هؤلاء الأبطال وصمودهم، فإن الأمر لا يخلو من خطر يجب الحذر منه، وهو أننا أمام عدو لا يفرق بين مقاتل ومدني، ومتى تسنّت له فرصة قتل أسر المقاومين وحتى أطفالهم فإنه لن يتوانى ثانية، لأنه لا يُعير الإنسانية وشرف القتال أي معيار وله سوابق لا تعد ولا تحصى في هذا الشأن.

ولا يفوتنا التحذير من أن الاستفزازات التي يطلقها بعض الإعلاميين العرب المشبوهين اتجاه أسر قادة المقاومة قد يكون الهدف منها دفع الإعلاميين الغيورين إلى الرد عليهم بمعلومات يستطيعون بها التسلل إلى صور أبنائهم وأماكن إقامتهم واستهدافهم فيما بعد بالقتل أو الأسر، خاصة أننا أمام عدو متجرد من الإنسانية وشرف الخصومة ومولع بالدم وارتكاب الفظائع، فهو يقتل ولا يبالي ما دام في مأمن من العقاب.

ولذلك فالكثير من البرامج والأطروحات والرؤى الإعلامية المسيطرة قد تكون أساسا جيدا لمعلومات استخبارية مهمة.

تجربة 2014

في العدوان الذي شنته إسرائيل عام 2014 على غزة وتوغلت قواتها خلاله بريا حتى محور صلاح الدين “نتساريم” في وسط القطاع، كان حينئذ لم يمر عام كامل على الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر من الحكم، وكانت هناك شكوك غربية وإسرائيلية بأن أسلحة تدفقت في فترة حكمه إلى القطاع من خلال الأنفاق، في هذا الوقت كانت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية تهاجم حماس بأنها لم تردّ بشكل فيه أي إيلام للقوات الغازية.

كان مضمون الخطاب الإعلامي وقتها يركز على نقطتين الأولى التهوين من قدرة المقاومة وصواريخها “الفشنك” -كما كانوا يصفونها- وأنها ما دامت لا تستطيع ردع إسرائيل فيجب عليها أن تستسلم لسلطة عباس وتسير خلف مسيرته السياسية “الانبطاحية”، أما النقطة الثانية فكانت تقوم على فكرة أن قادة حماس والجهاد لا يبتغون إلا السلطة والحكم والثروة على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، وأن كل ما يحدث بينهم وبين إسرائيل من حروب هو مجرد تمثيليات “طابخينها سويا”.

لم يدرك كثير من النابهين وقتها السبب الحقيقي وراء هذا الخطاب وكانوا يعتبرونه مجرد مكايدة إعلامية تمارس ضد هذه الحركات الإسلامية، التي يشيع عادة خطاب تخوينها وتبرير إقصائها واجتثاثها في وسائل الإعلام العربي الرسمية، لكن مع ذلك كانت المقاومة تدرك البعد الصحيح لتلك الحملات وهو استفزازها حتى تكشف مبكرا عن أنفاقها التي ربما كانت حينها في طور التدشين، وأنواع أسلحتها وعتادها العسكري الذي من الممكن أن يكون قد وصل لها، وذلك حتى تستطيع إسرائيل وأده في المهد.

لذلك لم تستفز حركات المقاومة بهذه الهرتلات الإعلامية لأنها تعرف غايتها، واستمرت في ممارسة عملية الخداع الاستراتيجي حتى ظهرت قوتها بالصورة البطولية المفاجئة للجميع التي رأيناها عليها في حرب طوفان الأقصى.

قواعد أمنية

من بديهيات الإجراءات الأمنية في وطننا العربي وربما في العالم الثالث كله أن أبناء الرؤساء والملوك وكبار المسؤولين مشمولون دائما بحماية أمنية جيدة ومع ذلك لا يسمح بنشر تفاصيل حياتهم ولا صورهم وخاصة أماكن وجودهم أبدا، رغم أن هذه البلدان غير محتلة والسلطة فيها متمكنة ومسيطرة، ولا تواجه عدوا مجرما كإسرائيل، فضلا عن أنه لا يجرؤ أحد على أن ينظر إلى تلك الشخصيات بسوء أو حتى بعين يفهم منها قلة التقدير والاحترام.

وإذا كان الحال كذلك هنا فما بالنا بالخطر المحدق بهم هناك إذ إسرائيل اعتادت قتل كل من تطاله يدها صغيرا أو كبيرا، وعسسها يبحثون عن أي انتصار زائف يسوقونه بتهم ملفقة.

وقد حاولت إسرائيل إسباغ الصفة القانونية على جرائمها بحق أسر المقاومين؛ فسنّت قانونا يسمح بأسر وترحيل أسر المقاومين والمساومة بهم، هذا هو القانون المعلن أما القانون المنفذ على الأرض فهو قتل الأسرة ذاتها ثم صناعة التبرير بعد ذلك.

حفظ الله المقاومين الفلسطينيين الأبطال وأسرهم، وبارك الله في الإعلام المناصر للحقيقة.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4gS0rah