عقب الإعلان رسميا عن استشهاد رئيس أركان كتائب القسام الشهيد محمد الضيف ورفاقه سارعت العديد من الفضائيات إلى الاحتفاء ببطولاتهم، والإشادة بصبر وقوة إرادة أسرهم، وقامت بإجراء الحوارات معهم داخل بيوتهم بغزة في محاولة لتوضيح أنها بيوت متواضعة كمعظم بيوت أهل غزة، وأنها صارت مدمرة ومهدمة بعد الحرب، وذلك ردا على طنطنات كاذبة تطلقها بعض البرامج الإعلامية المشبوهة تزعم فيها أن قادة حماس يرسلون ذويهم إلى خارج القطاع مع ثروات ضخمة تركوها لهم في البنوك، وقصور منيفة أسكنوهم فيها هناك كما كانوا يسكنون في عزة، وبقوا هم ليموت بسببهم الآلاف من شعب القطاع.
ومع أن تلك اللقاءات تعد أمرا محمودا يمنح المجاهدين فرصة جيدة للرد على شلال الافتراءات التي تطالهم، ويقدم العظة للمراقبين عن بسالة منبت هؤلاء الأبطال وصمودهم، فإن الأمر لا يخلو من خطر يجب الحذر منه، وهو أننا أمام عدو لا يفرق بين مقاتل ومدني، ومتى تسنّت له فرصة قتل أسر المقاومين وحتى أطفالهم فإنه لن يتوانى ثانية، لأنه لا يُعير الإنسانية وشرف القتال أي معيار وله سوابق لا تعد ولا تحصى في هذا الشأن.
ولا يفوتنا التحذير من أن الاستفزازات التي يطلقها بعض الإعلاميين العرب المشبوهين اتجاه أسر قادة المقاومة قد يكون الهدف منها دفع الإعلاميين الغيورين إلى الرد عليهم بمعلومات يستطيعون بها التسلل إلى صور أبنائهم وأماكن إقامتهم واستهدافهم فيما بعد بالقتل أو الأسر، خاصة أننا أمام عدو متجرد من الإنسانية وشرف الخصومة ومولع بالدم وارتكاب الفظائع، فهو يقتل ولا يبالي ما دام في مأمن من العقاب.
ولذلك فالكثير من البرامج والأطروحات والرؤى الإعلامية المسيطرة قد تكون أساسا جيدا لمعلومات استخبارية مهمة.
تجربة 2014
في العدوان الذي شنته إسرائيل عام 2014 على غزة وتوغلت قواتها خلاله بريا حتى محور صلاح الدين “نتساريم” في وسط القطاع، كان حينئذ لم يمر عام كامل على الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر من الحكم، وكانت هناك شكوك غربية وإسرائيلية بأن أسلحة تدفقت في فترة حكمه إلى القطاع من خلال الأنفاق، في هذا الوقت كانت العديد من وسائل الإعلام الغربية والعربية تهاجم حماس بأنها لم تردّ بشكل فيه أي إيلام للقوات الغازية.
كان مضمون الخطاب الإعلامي وقتها يركز على نقطتين الأولى التهوين من قدرة المقاومة وصواريخها “الفشنك” -كما كانوا يصفونها- وأنها ما دامت لا تستطيع ردع إسرائيل فيجب عليها أن تستسلم لسلطة عباس وتسير خلف مسيرته السياسية “الانبطاحية”، أما النقطة الثانية فكانت تقوم على فكرة أن قادة حماس والجهاد لا يبتغون إلا السلطة والحكم والثروة على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، وأن كل ما يحدث بينهم وبين إسرائيل من حروب هو مجرد تمثيليات “طابخينها سويا”.
لم يدرك كثير من النابهين وقتها السبب الحقيقي وراء هذا الخطاب وكانوا يعتبرونه مجرد مكايدة إعلامية تمارس ضد هذه الحركات الإسلامية، التي يشيع عادة خطاب تخوينها وتبرير إقصائها واجتثاثها في وسائل الإعلام العربي الرسمية، لكن مع ذلك كانت المقاومة تدرك البعد الصحيح لتلك الحملات وهو استفزازها حتى تكشف مبكرا عن أنفاقها التي ربما كانت حينها في طور التدشين، وأنواع أسلحتها وعتادها العسكري الذي من الممكن أن يكون قد وصل لها، وذلك حتى تستطيع إسرائيل وأده في المهد.
لذلك لم تستفز حركات المقاومة بهذه الهرتلات الإعلامية لأنها تعرف غايتها، واستمرت في ممارسة عملية الخداع الاستراتيجي حتى ظهرت قوتها بالصورة البطولية المفاجئة للجميع التي رأيناها عليها في حرب طوفان الأقصى.
قواعد أمنية
من بديهيات الإجراءات الأمنية في وطننا العربي وربما في العالم الثالث كله أن أبناء الرؤساء والملوك وكبار المسؤولين مشمولون دائما بحماية أمنية جيدة ومع ذلك لا يسمح بنشر تفاصيل حياتهم ولا صورهم وخاصة أماكن وجودهم أبدا، رغم أن هذه البلدان غير محتلة والسلطة فيها متمكنة ومسيطرة، ولا تواجه عدوا مجرما كإسرائيل، فضلا عن أنه لا يجرؤ أحد على أن ينظر إلى تلك الشخصيات بسوء أو حتى بعين يفهم منها قلة التقدير والاحترام.
وإذا كان الحال كذلك هنا فما بالنا بالخطر المحدق بهم هناك إذ إسرائيل اعتادت قتل كل من تطاله يدها صغيرا أو كبيرا، وعسسها يبحثون عن أي انتصار زائف يسوقونه بتهم ملفقة.
وقد حاولت إسرائيل إسباغ الصفة القانونية على جرائمها بحق أسر المقاومين؛ فسنّت قانونا يسمح بأسر وترحيل أسر المقاومين والمساومة بهم، هذا هو القانون المعلن أما القانون المنفذ على الأرض فهو قتل الأسرة ذاتها ثم صناعة التبرير بعد ذلك.
…
حفظ الله المقاومين الفلسطينيين الأبطال وأسرهم، وبارك الله في الإعلام المناصر للحقيقة.
https://bit.ly/4gS0rah
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق