مع كل ارتفاع في إخفاق أو نجاح أو نبرة تحدٍّ يبديها ما يعرف بدول الممانعة ضد الصلف الصهيوني، يتزايد بشكل تلقائي حضور الحسابات المنتقدة والمهاجمة لهذه الدول على مواقع التواصل، يهاجمون نجاحها إذا نجحت ويحملونها المسؤولية عن كل إخفاق، حدث ذلك في الرد الإيراني في مايو/أيار الماضي، وفي اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أراضيها، وحتى في عملية الأربعين التي أطلقها حزب الله مؤخرا ردا على اغتيال إسرائيل القيادي الكبير في الحزب الشهيد فؤاد شكر، التي يصفونها بأنها هزلية، رغم أنه لا أحد غير هذا الحزب يقاوم من الخارج منذ عشرة أشهر متواصلة.
فحينما حدثت واقعة اغتيال هنية، لجأت تلك الحسابات المشبوهة التي اعتادت أن تظل خاملة لفترات وتنشط بشكل متزامن إلى تقاسم الأدوار، فمنها من هاجم إيران بوصفها “خانت” المقاومة الفلسطينية ودبرت أو ساعدت أو أغفلت تأمين الشهيد الكبير، ومنها من راح يهاجم الشهيد مطلقا عليه وسومات شهيد الفنادق ووصمه بالاتجار بادعاء المقاومة، ومنها من هاجم حماس متهما إياها بالتسبب في كل المشهد الذي يحدث في غزة.
مع أنك لو بحثت في المنشورات القديمة لتلك الحسابات؛ لوجدت الواحد منها أدى جميع تلك الأدوار مجتمعة، فهاجم إيران لأنها لا تدعم المقاومة الفلسطينية، وهاجم المقاومة الفلسطينية لأنها قبلت دعم ايران، وهاجمها من قبل بأنها لا تقاوم، كما يهاجمها الآن لكونها تقاوم، ويعمل جاهدا طوال الوقت لاستثارة روح المذهبية والفرقة، في حين لا يتوقف نزيف جنائز المسلمين سنتهم وشيعتهم من دون تفريق على خطوط التماس مع العدو.
ولعلنا لا نحتاج إلى بذل أي جهد للتيقن بأن من يشملهم الهجوم هم أنفسهم بل ووحدهم من يحملون لواء المقاومة ضد إسرائيل، وأن المهاجمين يسعون خلف غرض خبيث يهدف لفتق الالتئام العزيز الذي خاطه طوفان الأقصى، وانتقلت بعده المقاومة العربية من وحدة الساحات إلى وحدة الحواضن الشعبية، وكان ذلك من أعظم انتصاراتها على الإطلاق.
منطق بلا منطق
ولأن منطق هذا الحسابات الخبيثة هو منطق فاقد للمنطق أصلًا، فهو لا ينطلي إلا على سفهاء القوم والمنزوعي العقول، فلا مصلحة إطلاقا لإيران في أن يصيب ضيوفها السوء ولا سيما إذا كانوا شركاء الخندق والعدو والهدف والمصير الواحد، وكانت إهانتها هي الهدف الرئيسي للعدو من المساس بالرجل في أراضيها، أكثر من مكاسبه من التخلص من قيادي سياسي في حركة يعاديها، يعلم يقينا أن الحركة ستنصب بديلا عنه في ساعات.
أما من هاجموا الرجل بوصفه شهيد الفنادق فهو في الواقع قول لا يؤيده أي دليل، سوى كون الشهيد سياسيا ولسان حال حركة مقاومة محاصرة تناصبها العديد من أجهزة مخابرات الغرب والشرق العداء، ويلتقي بالعديد من المسؤولين في العالم للتعبير عن مواقف الحركة والشعب الفلسطيني، وهو بحاجة إلى تأمين أكبر، فضلا عن أنه قد استشهد 60 فردا من عائلته بينهم أولاده وأحفاده وأشقاؤه وأصدقاؤه وجيرانه، وليس بعد ذلك بينة تكذب هذا الادعاء.
وبخصوص هؤلاء الذين يهاجمون الحركة لكونها قاومت وتسببت فيما يحدث في غزة الآن، فيكفي أن نعرف أنهم هم أنفسهم من كانوا يهاجمونها في أوقات السكينة والاستعداد بزعم أنها لا تقاوم وترفض التضحية بالكراسي والمناصب.
وحدة الذباب الإلكتروني
وكما يحاربون المقاومة العربية كافة، تستطيع أن تلمس فيهم وحدتهم على ذات الأهداف رغم تنوع أقطارهم وهو ما تتبينه من تنوع أساليبهم ومنطلقاتهم الدعائية، كما أنهم يلدّون في العداء لكل من تعاديهم إسرائيل، ولا ينتقدونها إلا بخجل إن أُجبروا على ذلك.
واللافت فيهم تناغمهم التام مع نظم حكم مرتمية كليا في جوف الدفء الكاذب لأحضان الكيان الصهيوني، ومع ذلك لا يجرؤون على انتقادها ولو بحرف واحد مما يطلقونه ضد الأيادي المثابرة الكريمة التي امتدت لمسح العار الكبير الذي سيسجله التاريخ لمتخاذلي تلك الحقبة.
وفاتهم وهم الذين لا يعنيهم في الأساس لا الإسلام ولا مذاهبه، أن ما يجمع بين سنتنا وشيعتنا أكبر بعشرات المرات مما يفرق بينهم، وأن الاختلافات يأتي أغلبها في القشور التي لا تمس صلب العقيدة، بخلاف وحدة المظلومية، ووحدة الهدف والثقافة والنسب، وبالمطلق فإن الإسلام أباح التحالف مع الكافر في وقت الحرب ضد العدو الكافر المشترك.
وحدة المقاومة
وفي المقابل تجذرت في يقين قادة المقاومة العربية البطلة خطورة الانجرار وراء أزمات الذباب الإلكتروني المصطنعة، والإيمان بأنه لا مجال لانتصار أمة الإسلام من دون توحيد جبهاتها، وهو ما دفع الجماعة الإسلامية التي كانت ضمن تحالف “14 آذار” المعارض لحزب الله في لبنان إلى أن تخطو خطوات واسعة للاقتراب منه، مشكلة معه “جبهة مساندة غزة”، وقد تعددت لقاءات أمينها العام الدكتور محمد طقوش بأمين حزب الله السيد حسن نصر الله.
وكانت صلاة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على جنازة الشهيد إسماعيل هنية وخلفه الآلاف من المشيعين “الشيعة”، وإطلاق اسم الفقيد على أهم شوارع طهران، إعلانًا صريحًا لفشل كافة محاولات فتق الالتئام بين جبهات المقاومة الإسلامية وحواضنها الشعبية، وأن العودة إلى التعصبات الطائفية سياسة عفى عليها الزمن.
لقد كان الواقفون على الثغور أكثر نضجا وحكمة ومسؤولية من الجالسين الذين يواصلون التنظير أمام الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي حينما بادروا إلى توحيد الساحات، ولسان حالهم يقول إن الغرب المسيحي بمذاهبه الشاسعة الاختلاف، نحَّوْا اختلافاتهم جانبا واتفقوا جميعا على هزيمة المقاومة، لا لشيء إلا لطبيعتها الإسلامية، ولم يفرقوا حينئذ بين سنة وشيعة، ألا يحق لنا أن نتّحد نحن أيضا؟
المصدر : الجزبرة مباشر
اقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر
https://bit.ly/4g7OC0o