الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل خذل الروس والصينيون العرب؟ سيد أمين

 


مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة ولبنان شهرها الرابع عشر، يسود الأوساط السياسية العربية اعتقاد جازم بأن روسيا والصين خذلتا العرب، وأنه لا يمكن الاعتماد عليهما حليفتين لهم.

ولعل الأنظمة الرسمية سبقت الهيئات الشعبية في الإيمان بهذا الاعتقاد، مما جعلها تبكر بالانصراف عن خطب ود موسكو أو
بيجين، وتسلك طريق التبعية ​طوعا وكرها لأمريكا، وتتكيف مع مواقفها المتعسفة والجائرة ضد من مرقوا عن حظيرتها، ولو كانت تلك الأنظمة رأت في القطبين الناشئين رغبة وجدية لحماية حلفائهما، ودفع ثمن تلك الريادة، لربما وجدنا من تلك الأنظمة -حتى تلك الأكثر جنوحا للاستظلال بالمظلة الأمريكية- سعيا بصورة أو بأخرى لمد يدها لمن ينتشلها من هذا المستنقع الاستعماري المنحاز كليا ضد الشعوب العربية وقضاياها.

والمشكلة أن أمريكا التي تحمي عادة من يستظل بمظلتها في العالم، وتسعى لرفع مستوى رفاهية شعبها الاستهلاكية كما حدث في كوريا الجنوبية، نجدها في منطقتنا العربية تحوّل حمايتها من حماية الشعب إلى حماية النظام الحاكم، مما شجعه على الاستبداد بشعبه وتركيعه وتجويعه لقبول إجراءاته ورغباته التي هي في الأصل إجراءاتها ورغباتها.

ورغم أن هذه الإجراءات حولت الأنظمة إلى أعداء حقيقيين لشعوبها، وأخضعت وجودها بدرجة كبيرة لقوة العصا التي تستخدمها وليس لحكم الصندوق، فإن تلك الأنظمة الهشة غير المستندة على قاعدة شعبية لم تجد مفرا من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، وجعلها السند، وذلك نظرا لعدم وجود بديل حقيقي أقل تعسفا يمكن الارتكان إليه وقت إظهار الأمريكيين عيونهم الحمراء.

وبدا لها أن الانتقال الصريح من المعسكر الأمريكي إلى المعسكر الروسي والصيني هي مقامرة فاشلة عاقبتها الندم، لأن أقصى دعم يمكن أن يقدّماه لها حينئذ هي عبارات الشجب والتنديد، وفي أحيان أخرى سيجدونهما يقايضان بهم أمريكا من أجل مكاسب اقتصادية أو حماية مراكز نفوذ أخرى في رقعة شطرنج العالم.

تجارب مريرة

وهناك تجارب سابقة مريرة مر بها العرب حينما راحوا يركنون ظهورهم على حوائط موسكو وبيجين في مجابهة أمريكا وحلفائها فوجدوا أنفسهم فرائس سهلة، كما حدث مع صدام العراق وقذافي ليبيا، وبشير السودان الذي سافر إلى موسكو قبل أشهر من إطاحة الجيش به عسى أن يجد لديها الدعم اللازم لوقف التدخل الغربي في بلاده عبر الدعم الاستخباري أو العسكري، لكن فيما يبدو كانت هذه الزيارة وبالا عليه ودافعا لأمريكا إلى زيادة الضغط لسرعة الإطاحة به وسط تخاذل روسي واضح.

ومن المؤسف أن المرة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا لإنقاذ حليف لها في الوطن العربي كان لإنقاذ بشار الأسد من غضبة شعبية قد تكون شرارتها مصنعة غربيا، إلا أن تدخلها العنيف أسهم في تحويل المؤامرة الغربية إلى ثورة مدعومة شعبيا، ثم اقتتال طائفي، بدلا من أن تبحث عن حل وسط يوحد جميع القوى المتصارعة ويرضي مصالحها.

هذا التدخل الروسي العنيف لم يؤد إلى نتائج عكسية فحسب، بل إنه أيضا قضى على كون سوريا قوة إقليمية مقابل الإبقاء على حاكمها الذي لا يحكم إلا أجزاء منها، وترتع الميليشيات المتناحرة والقوات الغربية في الأجزاء الأخرى، وهو ما تشابه في نتيجته النهائية مع السياسة الأمريكية في المنطقة، الخاصة بدعم الحكومات وتحويل وظيفتها إلى مجرد سجان للشعوب.

ومن الحماقة حقا أن تستهدف روسيا فئات نافرة من الحظيرة الأمريكية مثل التيارات الإسلامية والقومية رغم أنهما من الفئات التي تقف مع حلفائها في الخندق نفسه كتيار ممانعة، وكان يجب عليها استقطابهم والتقريب بينهم وبين السلطة، وهو الخطأ الذي أضعف بالإجمال قوة التيار.

الحرب الكاشفة

وكما كشفت حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان الكثير من الدمن التي تعشش في النظام الدولي والعربي، كشفت أيضا أن التعويل على الروس والصينيين في الدعم الفعال لحلفائهما هو أيضا مجرد وهم.

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والعديد من الدول الغربية لم تألُ جهدا في دعم إسرائيل بأحدث تقنيات الموت والدمار المتوفرة في ترساناتها العسكرية، فضلا عن الدعم الدبلوماسي غير المحدود الذي فضّل أن يضحي بهيبة مؤسسات العدالة الدولية للحيلولة دون أن تمس إسرائيل بسوء، نجد في المقابل روسيا والصين تشاهد​ان إسرائيل تنكل بلبنان بعدما نكلت بغزة دون أن يجرؤ أي منهما على مجرد التلويح بأنه قد يدعم المقاومة ولو بطلقات خرطوش.

يقال في المثل الشعبي “الغاوي ينقّط بطاقيته”، وإذا كانت روسيا والصين ترغبان في دور بارز في قيادة هذا الكوكب ومنافسة أمريكا، فعليهما دفع الثمن “عربون الفتونة”.

وها هي الفرصة قد جاءت.

اقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4fLZLU8

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

الكوريون وصلوا.. أخطار الحرب النووية تتفاقم - سيد أمين

رغم خفوت ضجيج الإعلام وانصرافه عنها قليلًا بسبب تصدُّر حرب الإبادة في غزة ولبنان المشهد، فإنه في كل يوم يمر دون إتمام أي من طرفي الصراع في أوكرانيا الحسم للمعركة، تبقى احتمالات اشتعال حربية عالمية ثالثة قائمة، مع تزايد القناعة بأنه لا روسيا ولا أمريكا -بوصفهما الخصمين الحقيقيين الفاعلين هناك- سيقبل أي منهما بالانكسار مهما كان الثمن، مما تزداد معه أخطار توسُّع الحرب وصولًا إلى الأسلحة النووية.

والواقع أن المشهد الأوكراني يتضمن كل مهيئات هذه الحرب، إذ تتصارع الأحلاف الدولية الغربية والشرقية فيها، وتتداخل كل أجهزة الاستخبارات، كما تتدفق مئات الأطنان من الأسلحة إليها، والمسلحون يفدون إلى طرفيها من كل حدب وصوب، بينما يزداد رويدًا رويدًا خطر الانفجار في جميع مناطق التماس الأخرى بين المعسكرين الشرقي الموالي لروسيا والغربي الموالي لأمريكا، ولعل الأحداث في الشرق الأوسط والعدوان الصهيوني على العراق وسوريا ولبنان واليمن -وهي كتل تدور في الفلك الايراني الحليف لروسيا- قد تعمل محفزًا مساعدًا لاشتعال هذه الحرب بوصفها مناطق نفوذ، وإن كانت بمفردها لا تقوم بهذا الدور.

ويعزز المخاوف ورود تقارير عن وصول قوات كورية شمالية قوامها 3 آلاف مقاتل إلى روسيا للمشاركة في الحرب، مع توقعات بأن يصل عددهم إلى 10 آلاف مقاتل في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ثم جاءت تصريحات وزيرة خارجية كوريا الشمالية تشوي سونغ هوي أثناء اجتماعها مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، الجمعة الماضية في موسكو، لتفتح باب الحديث جديًّا عن أخطار متوقعة لضربة نووية، إذ أكدت تواصل مساعي بلادها لتعزيز قدراتها النووية تحسبًا لضربة نووية انتقامية، في إشارة إلى ما سمَّته مكائد أمريكا المتنامية، وقالت إن بلادها تطور أسلحتها النووية الهجومية و”الجوابية”.

ونقلت رسالة زعيم بلادها كيم جونغ أون التي أكد فيها نصًّا أن “التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يتحول الآن إلى تحالف عسكري ذي مكوّن نووي”.

وعلى الأرض تنامت في الآونة الأخيرة وتيرة الاحتكاكات بين نظامَي شبه الجزيرة الكورية، التي شملت تفجير الطرق والسكك الحديدية الرابطة بين البلدين، مع تقوية التحصينات العسكرية الحدودية، وتزايدت حدة إطلاقات النار على جانبيها حيث أطلقت سيول مسيَّرات نحو بيونغ يانغ تحمل منشورات تتضمن التهديد والوعيد، قابلتها الأخيرة بإطلاق مناطيد تحمل القمامة.

هذا بخلاف تنامي التوتر بين واشنطن وبيجين فيما يخص تايوان التي تَعُدها الصين جزءًا من أراضيها، وكثيرًا ما قامت طائراتها باقتحام مجالها الجوي، في حين نشرت مؤخرًا 20 طائرة مقاتلة في دوريات حولها بعد حديث عن صفقة أسلحة أمريكية يُنتظر تصديق الكونغرس عليها بقيمة 1.16 مليار دولار تشمل أنظمة مضادة للطائرات وصواريخ، وصفقة أخرى بقيمة 828 مليونًا تضم أنظمة رادار متطورة.

ولعل مثل هذا الصدام سيعطي الصين دافعًا إلى سرعة الانخراط في التحالف مع روسيا، رغم سياستها الثابتة بعدم الانجرار في أحلاف راسخة، لما يمثله ذلك من صدام واسع مع أمريكا والغرب يهدد مصالحها الاقتصادية في العالم.

وإذا كان التكتل الغربي المساند لواشنطن واضح المعالم، فإن الراصد يستطيع أن يرى بوضوح أيضًا المساعي الروسية الحثيثة لبناء تكتل قوي، قد يضم أيضًا كوبا وفيتنام والعديد من الدول الإفريقية والإسلامية الخارجة توًّا من الهيمنة الغربية.

مواصفات الصراع النووي

وإذا اشتعلت تلك الحرب المباشرة بين أقطاب العالم النووية، فحينئذ سينحصر الأمل على اقتصارها على الأسلحة التقليدية، وهو أمل لا محل له من الإعراب، لأن الهدف الأساسي من امتلاك الدول للأسلحة النووية هو الفوز بأي حرب وليس فقط تجنب الهزيمة فيها.

وسيقتصر آنذاك التنافس على من سيكون صاحب الضربة الأولى، ومدى قدرته على امتصاص الضربة المضادة إن حدثت، لأن صاحب الضربة الأولى سيكون فعليًّا قد هزم الخصم، بشرط استهداف المنطقة الصحيحة التي تشل العدو تمامًا وتمنع قدرته على الرد.

فضلًا عن مدى امتلاك هذا المبادر الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية لمسافات بعيدة بسرعة متناهية قبل أن تسقطها مضادات الخصم في غير الموقع المقصود، وكذلك مدى امتلاكه التقنيات التي تكشف له مراكز قوة العدو بدقة لكي يتم استهدافها.

ولقد وفرت التقنيات العسكرية الحديثة حلولًا جذرية لمعضلات المسافة والزمن والدقة، عبر اختراع الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ الحرارية والذاتية التوجيه.

ولعلنا نتذكر أن معضلة بُعد المسافة دفعت الاتحاد السوفيتي قديمًا إلى شراء جزء من الزمن عبر استئجار قواعد عسكرية في دولة كوبا القريبة من الشواطئ الأمريكية وإمدادها بصواريخ ذات رؤوس نووية، والأمر نفسه فعلته واشنطن في دول أوروبية عدة قريبة من الحدود الروسية، وهو ما أطلق ما يُعرف بالحرب الباردة.

الحرب النووية

جُل المخاوف تنحصر في أن روسيا وأمريكا وحلفاءهما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لتوجيه ضربات نووية ناجحة، فضلًا عن امتلاكهما معًا مساحات أراضٍ واسعة تطل على بحار ومحيطات كبيرة، وهو الأمر الذي سيتيح لأي منهما أيضًا امتصاص الضربة النووية الأولى، ويمكّنهما من توجيه المزيد من الضربات، بما يطيل أمد الحرب.

ورغم أن الساسة في الدولتين العظميين يؤكدون أنه لا مجال لحرب نووية، فإن هناك من يرى أن مثل تلك التصريحات تكتيكات عسكرية فقط، هدفها تخدير الخصم وتحقيق عنصر المباغتة، إذا جد الجد.

أما دول التماس بين روسيا وأوروبا خاصة بولندا وفنلندا ودول البلطيق الثلاث إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، فقد تكون أول ضحايا خروج الصراع العسكري من حدود الحرب التقليدية.

هذه خريطة للصراع الدولي في أوكرانيا إذا خرج عن حدوده التقليدية الحالية نحو حرب عالمية ثالثة، واحتمالات قفزة واسعة ليتحول إلى حرب نووية، وإن كان الأمل معقودًا على أن يكون كل ما يحدث مجرد حرب نفسية أو كما يصفها اللفظ العامي “تهويش”.

اقرأ المقال هنا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3ABC9C0

الأربعاء، 30 أكتوبر 2024

وجه آخر لإرهاب الرجل الأنيق - سيد أمين

 

لم يعد هناك حاجة للاسترسال في سرد تفاصيل كثيرة عن النفاق الغربي الرسمي الذي يمثل الإرهاب في صورته الأكثر تدميرا وتخريبا، والذي كانت خطورته حتى وقت قريب تكمن في تخفيه وامتطائه جواد الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم أن إنسانه ليس أبدا كإنساننا، وحقوقه عندهم ليست كحقوقه عندنا.

ولقد كان لتأييد الغرب المطلق الرسمي والمستتر للإبادة في غزة الفضل في نزع ورقة التوت المهترئة التي كان يتعلل بها المتعللون، فظهر جليا أنه بدعمهم السياسي تتعطل إدانة إسرائيل دوليا ولذلك استمرت في غيها، وبأسلحتهم واستخباراتهم أبادت الأبرياء، وبأموالهم استأجرت المرتزقة وبنت المستعمرات، وظهرت الخلاصة في أنها ما هي إلا مجرد منفذ لسياستهم الإرهابية القذرة، قذارة تلك التي نفذوها من قبل في الحقبة الاستعمارية وفي الحربين العالميتين الكبيرتين.

لكن مع ذلك فهذا ليس وجه الإرهاب الوحيد للغرب، فهناك حقائق كثيرة أخرى مختلفة تجب الإشارة إليها حول التوحش الغربي عامة والأمريكي والإسرائيلي خاصة، منها أن من أحرق اليهود هم الغرب ومع ذلك أجبروا العرب على دفع الفاتورة، وأن الغرب وليس الشرق هو من غزا ونهب ثروات شعوب العالم حتى إنه حول البشر فيه إلى بضاعة تباع وتشترى، وهو من خاض الحروب الأكثر بشاعة في التاريخ بعد هجمات المغول والصليبيين، ويكفي القول إنه قتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية وحدهما قرابة 5% من عدد سكان العالم جلهم من شعوب ليست أصلا طرفا في هذه الحرب، ولكن وضعها المتعاركون عنوة في أتون الحرب ليجنبوها شعوبهم.

أما أمريكا فضحاياها عادة ما يكونون بالملايين، بدءا من ضحايا قنابلها الذرية في اليابان، إلى مليون ونصف مليون قتيل في فيتنام، ومليوني شهيد في العراق حسب إحصائيات منظمات حقوقية فرنسية، ومليون و700 ألف حسب “هيئة إحصاء القتلى العراقيين”، التي دونت فقط من وصلت جثثهم إلى المشارح المعتمدة، وقرابة 176 ألف شخص في أفغانستان بحسب دراسة أجرتها جامعة براون الألمانية،و هذه مجرد عينة صغيرة لأربعة نماذج فقط من سجل متخم لضحايا كثر لانتهاك أمريكا لحقوق الإنسان.


إرهاب غير مباشر

ما سبق كان مجرد وجه للإرهاب المباشر، وبقي الحديث عن الإرهاب غير المباشر الذي يتلخص في أن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت في علاقاتها مع دول العالم العربي سياسات انتهازية، استطاعت من خلالها تحقيق النجاح الكافي لجعلها صاحب القرار الأهم في هذا الركن من العالم طوال العقود التسعة الماضية، ضاربة بإرادة شعوبه عرض الحائط، وذلك باعتراف قادة عرب بارزين منهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي لم يخجل من أن يعلن صراحة أن 99% من أوراق اللعبة في المنطقة العربية بيد أمريكا.

وتتلخص تلك السياسات في تمكنها عبر وسائل عدة معلنة وغير معلنة من التغلغل عميقا في شؤون الدول الداخلية، وإيصال أنصارها فيها إلى أعلى السلطة، مع تدفق دعمها لهم بكافة الطرق العينية والسياسية واللوجستية.

ومع ذلك فإن باب دعمها ذلك ليس مفتوحا على مصراعيه كما هو الحال مع “إسرائيل”، ولكنه يكفي في حده الأدنى منع هذه النظم من السقوط من جانب، ومنعها من أن تتشبع لدرجة تمكنها من الاستغناء عن هذا الدعم مستقبلا من جانب آخر.

ورغم نجاعة تلك السياسة فإنها تقوم بعمل جنوني آخر متمثل في صناعة أو دعم بدائل لهؤلاء الحلفاء وتقديمهم كمعارضة ديمقراطية لهم، قاصدة استيفاء الديكور الخاص بوجود معارضة لكل نظام كما هو الحال في كل النظم التي تدعي الديمقراطية، وكذلك ترويع الحلفاء بقوة ضغط إضافية سعيا وراء مكاسب أكبر، ولتقول إن يدها في البلاد ذات حول وطول، وفي أحيان أخرى تتصرف كذلك فقط لخدمة الحلفاء الأصليين وإظهارهم أمام شعوبهم كحكومات مستقلة تتعرض لمؤامرات خارجية من قبل معارضة غير وطنية.

ولعل الاستعمال الأهم من ذلك كله الاستعاضة بهم عن المعارضة الحقيقية “غير المرغوب فيها” التي سيتم إقصاؤها باتهامات فضفاضة كالإرهاب والتطرف والعمالة للخارج، وكذلك استخدامهم للحيلولة دون وصول مثل هؤلاء المغضوب عليهم لأي سبب غير متوقع كثورة شعبية أو انقلاب عسكري.

تدمير نموذجي

تلك السياسات هي درجة من درجات الإرهاب بما تتضمنه من تخريب الحياة السياسية للأمم، وهو تخريب يتقدمه ويعقبه تخريب أوسع نطاقا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحتى الروحية، وذلك لأنه ببساطة إذا فسد الراعي ووصل السلطة بالاحتيال والدعم الخارجي فسدت معه الرعية وتحولت علاقاتها البينية إلى غابة.

وفيما يبدو أن ما فعله النفوذ الأمريكي والغربي في البناء السياسي للدول العربية، قلدته النظم ذاتها في معارضتها، فأقصت الإسلامي المتمسك بأيديولوجيته ودعمت أحزابا إسلامية هلامية بلا فكر ولا شعبية، وأقصت القومي الذي يرى أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ودعمت أحزابا قومية برنامجها قائم فقط على عداء التيار الإسلامي، وفعلت ذلك مع الاشتراكي المدافع عن حق الفقير والمناضل لتغول الرأسمالية، ودعمت ذلك الذي برنامجه قائم على سحق التيار الإسلامي والقومي.

والأخطر أنها سحقت واقعيا جميع أنواع المعارضة بكل أطيافها، فصارت جميعها مصنعة في معامل السلطة وأجهزتها الأمنية، ويدار هذا وذاك من السفارات الغربية.

هذا وجه آخر أكثر خطورة للإرهاب، لأنه يدمر ولاء ونماء الأمم برمتها، ويقلب حالها فيجعل من شعوبها الأعداء ومن أعدائها الأصدقاء.

هذا هو إرهاب الرجل الأنيق.

إقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/3YKkjVN

الخميس، 24 أكتوبر 2024

ملامح الورطة التاريخية الجديدة لليهود - سيد أمين

قد تتضمن سياسات الأرض المحروقة والإبادة الجماعية والاغتيالات التي ينفذها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان انتصارا مرحليا يغذي شبق الدم المريض به، ولكنها أيضا حملت في طياتها خطرا استراتيجيا غير مسبوق على كل يهود العالم الذين ظلوا لقرون طويلة يعيشون تحت حماية العالم الاسلامي ورعايته، ثم ورطت الصهيونية اليهود عامة في مقابلة هذا الاحسان بالبربرية.

ومع هدوء رحى الحرب تبدأ الانتكاسة الحقيقية، في الوقت الذي يظن فيه الصهاينة تمكنهم من تحقيق النصر المطلق، ستمثل هذه الإبادة المعين الذي لا ينضب لقرون قادمة لإثارة كل حنق ضد اليهود “عامة”، سواء من قبل المسلمين أو من غيرهم، ويدفع له اليهود المعتدلين مع الصهاينة المجرمين أثمانا فادحة في أوقات السلم، أكثر مما دفعوه في أوقات الحرب، قد تفضي إلى زوال دولتهم بوصفها موطن الداء.

وكما يتذكر اليهود في العالم الانتكاسات الكبرى التي تعرضوا لها على يد نبوخذ نصر والسبي البابلي، والخروج من مصر على علي يد فرعونها، والهولوكوست النازي، واستدروا عطف العالم بها لسنوات، ستتذكر الأجيال القادمة من المسلمين -وهم ليسوا بحاجة لحماية أو دعم من غيرهم- ما فعله الصهاينة بأهل غزة ولبنان، تماما كتذكرهم مذابح الحروب الصليبية والمغولية والحملات الاستعمارية الغربية، والتي جميعها مع ضخامة قوتها ووحشيتها قضت واندثرت في حين بقي في الأرض أصحابها الحقيقيون.

ولعل جوهر الهزيمة الاستراتيجية المستقبلية التي ورطت الصهيونية اليهود فيها يأتي بأن الضحايا وأحفادهم قد لا يفرقون بين اليهودية والصهيونية، لا سيما أن الدولة التي ارتكبت تلك الفظائع هي ذاتها من أعلنت نفسها رسميا بوصفها دولة لليهود في العالم، وبالتالي فإن هذه الفظائع ستؤول مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية إليهم حتى لو كان كثير منهم يدينونها ويرفضونها.

فضلا عن أن هذه الفظائع قدمت برهانا عمليا موثقا للعالم على أنها تمثل نتاجا حضاريا لـ “الثقافة” المتوحشة التي يؤمنون بها والتي طبقوها وقدموها للعالم وتراثه الحضاري متى امتلكوا أدوات القوة والتمكين، وبالتالي فلا معنى للتشدق بالمظلومية مجددا، ولا أن اسرائيل واحة الديمقراطية في خضم من الديكتاتوريات العفنة.

بل أن الورطة تجاوزت الكيان نفسه ولحقت بكل داعميها أمريكا وبريطانيا وألمانيا الذين اضطروا للسقوط معها في ذات المستنقع ظنا منهم أنهم يمكنهم انتشالها.

العود الأبدي

ومن الوهم أن يعتقد الصهاينة أنهم سيظلون هكذا على الدوام في حالة تفوق عسكري، وأنهم يمثلون محور الكون والابن المدلل لقطبه الأوحد، فالإرهاصات التي تلوح في الأفق تؤكد أن العالم يقترب من تغييرات عميقة، تغير أقطابه، فيتغير معه الأبناء المدللون.

وهناك نظريات تنظر لحتمية ودورية التغيير سواء في مجال الجغرافيا السياسية أو تطور المجتمعات أو في حركة التاريخ مثل نظرية “العود الأبدي”، وهي النظريات القائلة بأن الدول مثلها مثل أي كائن حي تقوى وتضعف، وتشب وتشيب، وأنها تولد وتموت.

وكما تمر الدول بدورات متعاقبة من القوة والضعف، وتغير المسميات والحكومات، تبقى الشعوب التي نبتت من جوف الأرض ثابتة بجذورها العميقة، ولا ينطبق الأمر أبدا على شعب إسرائيل لكونه نبتا استثنائيا حملته السفن والطائرات من أصقاع الأرض، فتمدد سريعا فوق أرض لا جذور له فيها، وبالتالي لن يقدر على مقاومة الرياح حتى العابر منها دون دعم خارجي مجهد ومكلف ومستمر، ولسنا بحاجة للتأكيد بأن دوام الحال من المحال.

وبالتالي فإن بقاء هذا الكيان مرتبط أساسا بعبء ثقيل عليه وعلى منشئيه، يتمثل في وجوب العمل ليل نهار، سرا وجهرا من أجل إخماد صحوة ملياري مسلم يشكلون ربع سكان هذا العالم.

والمنطق يقول إنهم قد ينجحون في خداع العالم بعض الوقت، لكن من المحال نجاحهم في ذلك كل الوقت.

الزوال الحتمي

قد تنجح إسرائيل وجماعات الضغط المرتبطة بها وداعموها الغربيون في تأخير نهضة العالم الإسلامي والعربي لفترات من الزمان، ولهم في ذلك أساليب كثيرة، ولكن طبقا لنظريات “العود الأبدي” لابد أن يكرر التاريخ نفسه، وقتها ستتبدل المواقع بين السجين والسجان،  والقوي والضعيف، وحينها سيكون قد تحرر المسلمون والعرب من قيود الهيمنة  الغربية التي ستكون قد انكسرت لأسباب قد لا تتعلق بهم وحدهم- وذلك لأن المسلمين ليسوا وحدهم من يعيشون في هذا الكوكب- ولكن تتعلق بظهور قوى عالمية جديدة قد يكون المسلمون من ضمنها، بالتالي تصبح إسرائيل حينئذ عارية تماما من كافة أدوات الحماية، ما يسمح للضحية أن ينتقم من الجلاد.

مسألة زوال دولة إسرائيل هي مسألة محسومة عقديا، ليس لدى المسلمين وحدهم بل حتى لدى اليهود أنفسهم، وهو ما جعل حركات دينية يهودية أهمها حركة “الناطوري كارتا” تعتبر ظهورها علامة شؤم على اليهود في العالم وخطر وجودي يتهددهم.

المصدر : الجزبرة مباشر

https://bit.ly/4dXJJob

الخميس، 19 سبتمبر 2024

معركة البيجر.. منظومة حزب الله في وضع الانكشاف! - سيد أمين

فوجئ اللبنانيون بالجريمة النكراء التي حدثت بانفجارات في الآلاف من أجهزة الاستدعاء اللاسلكية الشهيرة بـ”البيجر” بشكل متزامن في وجه مستخدميها مما تسبب في استشهاد عدد من الأشخاص وإصابة الآلاف حالة بعضهم خطرة، وإثر ذلك توجهت الأنظار في لبنان وخارجها نحو بيت الدسائس والمؤامرات “تل أبيب” بالضلوع في الجريمة.

والحقيقة أن لإسرائيل تاريخًا طويلًا في تنفيذ الاغتيالات من خلال تلغيم وتفجير الهواتف، وكان أشهر من اغتالتهم بهذه الطريقة الشهيد القسامي المهندس يحيى عياش، إلا أن الفارق هذه المرة أن المؤامرة نُفذت ضد كثيرين منهم لا علاقة لهم بكتائب المقاومة.

تساؤلات مهمة

الواقعة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول كيفية تمكن إسرائيل من تلغيم تلك الأجهزة وبهذه الأعداد الكبيرة؟ وكيف كان يستخدمها أصحابها قبل ذلك دون اكتشاف أمرها؟

أما التساؤل الأخطر فهو أنه إذا كانت إسرائيل قد استطاعت تلغيم تلك الأجهزة وتفجيرها، فإن هذا يعني بالضرورة تمكنها من فك شفراتها ورسائلها، مما يضع منظومة حزب الله العسكرية التي يقال إنها الأكثر استخدامًا لهذه الأجهزة في اتصالاتها الداخلية في وضع الانكشاف أمام إسرائيل جزئيًّا أو كليًّا، ما يوجب على الحزب إعادة هيكلة منظومته الأمنية، وأخذ الحيطة والحذر الواجبَين.

والحيطة هنا لا ينبغي أن تشمل المواقع والمنظومات العسكرية والأمنية فقط، ولكن أيضًا الأشخاص المصابين لأن انكشافهم سيحفز المنظومة التجسسية الصهيونية على تعقبهم كقادة ميدانيين محتملين في حزب الله والمقاومة، حتى لو لم يكونوا كذلك، وبالتالي تستهدفهم وتستهدف ذويهم بالاغتيالات.

كما أن هناك استنتاجًا آخر يبدو بديهيًّا، وهو أنه لا يمكن أن تكون تلك الأجهزة “غير المتطورة” قد وصلت إلى أيدي المقاومة بهذه الأعداد دون وجود مندسين على درجة كبيرة من الثقة لديها روجوا لها، برفقة سلسلة من الفسدة والخونة أو حتى قل المهملين والمتساهلين الذين اعتمدوا صلاحيتها.

ولا ينبغي الاكتفاء بالتفسير الذي قدمته صحيفة نيويورك بوست بأن إسرائيل استطاعت التلاعب في شحنة هذه الأجهزة المقدرة بثلاثة آلاف جهاز أثناء استيراد حزب الله لها من تايوان قبل خمسة أشهر، ونجحت في زراعة متفجرات صغيرة زنة 50 غرامًا قرب بطارية كل جهاز فيها.

مع أخذنا في الاعتبار أن الكثير من الهواتف النقالة تنفجر بطارياتها لأسباب تقنية، وتسبب أضرارًا مشابهة لما سببته انفجارات “البيجر” دون أن يكون بداخلها متفجرات صغيرة، مع وجوب الحذر من أن يكون الحديث عن تلغيمها هو محاولة لصرف الأنظار عن وجود تقنية معيَّنة يتم من خلالها تفجير بطاريات الهواتف، وهي الوسيلة التي لو ثبت وجودها لتمكن حزب الله من الوصول إليها والرد على إسرائيل باستخدامها.

البيجر.. ميزات وعيوب

والبيجر لمن لا يعلم هو هذا الجهاز الذي مثّل نقلة نوعية في الاتصالات قبل ظهور الهواتف النقالة، وكان لا يستخدمه سوى كبار رجال الأعمال والسياسيين ورجال الأمن، حيث كان يتيح إعلام الشخص الذي جرى الاتصال به بالأرقام التي حاولت الاتصال به أثناء تنقله مما يمكنه من العودة إلى الاتصال بها من هاتفه الثابت.

ولقد انتهى استخدام هذه التقنية التي تعمل بإشارات “راديو” عام 1994 حينما اكتسحتها تقنية الهواتف النقالة التي مثلت قفزة بعيدة المدى في هذا المجال.

هذه الأجهزة مزوَّدة بمرسلات مدمجة تتيح للمستخدم تأكيد تسلُّم الرسائل والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة.

وخطورة البيجر الذي جرى تطويره وإعادة طرحه كوسيلة تراسل برسائل نصية، حيث يتم تسلُّم الرسالة وتأكيد تسلُّمها والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة، أنه مثله مثل الهاتف النقال يمكن من خلاله التعرف على موقع حامله، أو موقع الهاتف الذي حاول الاتصال به، وأن الاتصال به من هاتف ثابت كما كان يحدث قديمًا سيكشف موقعه، مما يعرّض أصحابه للخطر في حالات التعقب والحرب.

في حين أن ميزة التراسل النصي التي جرى تطويرها بالجهاز، واعتماده نظام إشارات الراديو المجانية جعلته مناسبًا للتواصل في المناطق النائية والصعبة التي لا تتوافر فيها خدمة الإنترنت، وهي أيضًا الميزة التي جعلته مقبولًا لدى الجماهير في لبنان الذين يعانون انقطاع الإنترنت والكهرباء لفترات طويلة.

 قفزة جديدة

بهذه العملية غيرت إسرائيل قواعد الاشتباك المعمول بها مع حزب الله منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكشفت عن سلاح قتل جديد من أسلحتها المبتكرة التي تتفنن فيها بقتل الأطفال والنساء، وهو السلاح الذي ما كان لها أن تمتلكه لولا استعانتها بالتقنيات الأمريكية المتطورة في مجال الاتصالات، ولذلك يجب على المقاومة أن تفكر بالطريقة ذاتها وتلجأ إلى كل الوسائل الحربية غير المنظورة.

…..

هناك قناعة بأنه كما استفادت إسرائيل من الواقعة وأرضت غرورها، استفاد حزب الله أيضًا منها، فظهر له أحد مواطن ضعفه وهو الآن بلا شك يقوّمه.

إقرأ المقال على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4e4f2yD