الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

سيد أمين يكتب : الرسائل المبكرة للثورة المضادة


على الرغم من أن لدى النظم الغربية قناعة تامة بأن المنطقة العربية لا يصلح معها نظم الحكم الديمقراطية، وأن الديمقراطية ستؤدى حتما إلى صعود الإسلاميين بشكل عام وكبير، ويليهم القوميون الوحدويون، وأنه لا يمكن السيطرة عليها إلا عبر حكام عسكريين أو شموليين موالين لها، على الرغم من ذلك كله، إلا أنها قَبِلَت بثورة يناير على مضض، تلبية لمطالبات حقوقية داخلية لديها تطالبها بدعم مطالب الشعوب.
هنا سارعت الثورة المضادة التي انطلقت مع قرار "تخلي" حسني مبارك في 11 فبراير 2011 عن الحكم إلى تعزيز التأييد الغربي لها عبر إثارة مخاوفه من المسار الشعبي والديمقراطي الذي قد تسبّبه لهم تلك الثورة عبر رسائل مخادعة انطلقت حينها، لم يقرأها ثوار كثيرون بعد، وهو ما عزّز القناعة الغربية القديمة بالحاجة إلى تكسير كل القيم الأخلاقية الغربية والعودة لدعم النظم السلطوية.
وراحت "الثورة المضادة" تستغل أجواء الحريات التي منحتها "الثورة" للشباب المكبوت، من أجل التنكر في زي الثوار والإعلاء من مطالبات تشكل خطوطا حمراء على النظام الدولي القائم، سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو حدود النظام الذي تم رسمه في سايكس بيكو وما تلاها من خرائط ومن نظم حكم. 
نتذكّر معا بعضا من معالم تلك الرسائل، كي لا تدفن طي النسيان، فلقد أرسلت الثورة المضادة في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول2011 رسائل عاجلة إلى إسرائيل، وداعميها عبر الدعوة للحشد من أجل فتح الحدود لتحرير فلسطين، وقيام عناصر تبدو ذات سمت إسلامي لتتبناها، ويتم تسليط الأضواء حول وقوف الوازع الديني وداعميه وراء تلك الدعوات والحشود.
ثم ازداد الأمر تأزيما، حينما تم توجيه الحشد إلى مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وما أعقبه من اقتحامهم مبناها بمنتهي السهولة واليسر، ثم سحب إسرائيل سفيرها من القاهرة.
هذه رسائل وجهتها الثورة المضادة لتحفيز الغرب بدعمها ضد من يعرضون اتفاقية السلام للخطر، ليس ذلك فحسب، بل يهددون بإلقاء إسرائيل في البحر إذا فتحت لهم الحدود!
وتجاوب الغرب مع تلك الرسائل بسرعة، مضحيا بالديمقراطية التي يتشدق بدعمها وراح يساند الثورة المضادة، رغم أن الإسلاميين الذين وجهوا الدعوات بالحشد، هم من أعضاء حزب النور الموالي لسلطة الثورة المضادة كما اتضح لاحقا، فيما قاطعها صراحة الإخوان المسلمون وحزب الوفد. وتحوم حول تلك الأحداث شبهة التواطؤ الإسرائيلي مع الثورة المضادة في افتعالها، خاصة أن إسرائيل كانت أصلا تنوى تغيير سفارتها في القاهرة إلى مكان أكثر تأمينا وقامت بتفريغ المقر من محتوياته.
كما أرسلت الثورة المضادة أيضا رسائل إلي السعودية، تحذرها من أن تتدحرج كرة النار لتصل إليها، وذلك بغية استجلاب المال الخليجي، وحثها على إبداء دعم مالي كثير للانقضاض على الثورة أولا، وإغراء الغرب ماديا في مقابل الصمت ثانيا، واستنفار الشخصيات والجماعات المرتبطة بها في مصر لشق التيار الإسلامي داخليا أو المباعدة بينه وبين التيارات الأخرى ثالثا، وأيضا توريط الإخوان وتحميلهم أوزار كل تطرف رابعا.
وكانت أبرز تلك الرسائل هي ما جري في أحداث حصار نشطاء للسفارة السعودية في القاهرة، وقنصليتها في السويس في إبريل/ نيسان 2012 على خلفية اعتقالها الناشط المصري، أحمد الجيزاوي، وحبسه وجلده بزعم إهانة الملك وتهريب مخدرات.
وعلى الرغم من أن مؤتمر دعم سورية عقده مرسي لإغاثة الشعب السوري الذي يجري ذبحه على يد نظام استبداده وحلفائه الروس، إلا أن الثورة المضادة تعاملت مع المؤتمر بوصفه تجييش سني طائفي في مواجهة الشيعة وإيران على خلاف الحقيقة. 
كما أرسلت الثورة المضادة رسائل إلى الحكومات والأحزاب والنافذين في جميع البلدان العربية والإسلامية، مفادها أن أي مسار غير إقصائي للتيار الإسلامي في الأساس يعني اكتساحهم للمجالس النيابية "شعب وشورى ونقابات ورئاسة" وتشكيل الحكومات، وبالتالي حرمانكم من سلطاتكم ونفوذكم وثرواتكم وستتم محاسبتكم. وقد ساهم في تعزيز تلك المخاوف الاكتساح الذي حققه الإسلاميون في جميع الانتخابات الديمقراطية التي جرت بعد الثورة، وهو على الأرجح أول مقياس حقيقي لشعبية تلك التيارات وتركته الثورة المضادة يظهر على حقيقته لتخويف نخب حكم تلك الجوار.
هذه كانت رسائل واضحة أطلقتها الثورة المضادة في حينها وما كان ينقصها حينها إلا قراءة الثوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق