الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

سيد امين يكتب: نظام السيسي وسد النهضة ..تواطؤ أم مغالبة؟


هاجت الدنيا وماجت من التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آخر مؤتمر انتخابي له قبيل بدء الانتخابات الرئاسية حول حق مصر في قصف “سد النهضة” ما لم تجلس إثيوبيا معها للاتفاق على صيغة ترضي جميع الأطراف.
البعض اعتبرها ضوءً أخضر للنظام في مصر في قصف السد بالصواريخ، والبعض اعتبرها محاولة من ترامب لتكرار تجربة استدراج مصر للحرب ضد إثيوبيا على غرار ما فعلته أمريكا سابقا في مسألة الإيحاء للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بحق بلاده في غزو الكويت!!
والبعض رآها تحريضا على إثيوبيا وإهانة للنظام المصري الذي اتخذ مواقف غير حادة في تعامله مع هذه الكارثة، رغم التصعيد الكلامي الذي يبديه المسئولون الإثيوبيون، وذلك بسبب تنامي علاقة مصر سواء أو إثيوبيا بالصين وروسيا، أو أن ترامب قصد من تصريحاته حفظ ماء الوجه أمام منتقديه الأمريكيين الذين رأوا أن واشنطن أعدت الوجبة ولكن أكلتها منهم بكين.
والبعض ذهب إلى منحى أبعد أنها تكذيب غير مباشر لما يتردد من أن بناء السد تم باتفاقات سرية بين دولتي المصب وإثيوبيا وبرعاية أمريكية تحت إدارة ترامب.
وعلى كل حال، فليس سرا أبدا أننا اعتدنا أن المايسترو الأمريكي هو من يحرك كل قضايانا صغرت أم كبرت، وأن جميع أطراف اللعبة المعنية بالسد غير راغبة في العزف النشاز دون إرادته، وحتى إن رغبت فهي غير قادرة.

نظرية المؤامرة


وبالتالي فلو سلمنا بهذا، فيمكننا ببساطة اعتبار رفع السودان من قائمة العقوبات الأمريكية، وقفزة البرهان الكبيرة نحو التطبيع مع إسرائيل، وما تلاها من الاهتمام الصهيوني بعلاج الناشطة المؤيدة للتطبيع “قدح الدم” قبل أن يعاجلها انتهاء الأجل، ودعم حميدتي للثورة المضادة في ليبيا، والتغلغل الإماراتي في اقتصاد السودان، دلائل كافية لذلك.
وفي الضلع الثاني من المربع الذي يضم السودان وإثيوبيا ومصر وإسرائيل، تأتي التصريحات الإثيوبية المتكررة صادمة ومستفزة، وتحمل استعلاءً لم يعهده المصريون من دولة أفريقية أو نامية أو عربية، جعل الكثيرين منهم يغيّرون نظرتهم “الذهنية” المتواضعة عن أديس أبابا.
وفي الضلع الثالث للمربع، كان رد الفعل المصري بائسا ومنسحقا لدرجة أنه نجح في نقل شعور الخوف إلى نفوس الناس، وأنه ليس بيدنا كمصريين سوى الرجاء والأمل بأن تتراجع إثيوبيا عن مواقفها خطوة وسنرضى نحن بأي قدر من التنازلات، وكأنه يقودنا للحظة يحدثنا فيها عن حكمة التعامل مع الأمر الواقع.
ولقد مرر الإعلام الرسمي المصري عبر محلليه مفاهيم من عينة أنه لا يمكن لمصر أن تضرب السد بالصواريخ لأن دولا كالصين وإسرائيل تحميه بمنظومات رادعة، وأن السودان التي كنا على ثقة بدعمها لنا تخلت عنا، وبالتالي فلا حدود مباشرة بيننا وبين إثيوبيا لنضربه، وأننا لو ضربناه فعلا فإن انهياره سيكون كارثة أيضا علينا.
وفي الضلع الرابع للمربع، نسمع من حين لأخر عزفا إسرائيليا رنانا وكأنه ينتظر الأمر من المايسترو بالانطلاق ليسيطر على كل السيمفونية.
فتارة نراه متألقا في السودان، وتارة نراه متألقا في إثيوبيا وخاصة في موضوع سد النهضة والترحاب الكبير بنتنياهو في البرلمان الإثيوبي وكلامه الصريح هناك بأن إسرائيل ستستفيد من مياه النيل.
وبما أننا نؤمن بأن الجميع يدين بالطاعة للعازف الأمريكي فلابد أن جميع المواقف معدة سلفا من أجل تبرير الاستسلام للأمر الواقع، وتوصيل المياه لإسرائيل كحل وحيد للأزمة.
والتبرير هنا لم يقصد به إقناع الشعب فقط، ولكن إقناع جهات داخلية ما لم تكن تصدق أن هناك عملا سريا كان يجري العمل فيه مسبقا له لنصل إلى هذا المشهد.
وخطورة انكشاف ذلك أنه سيقود بالضرورة لدعم التشكيك في حملات كثيرة تخوضها الدولة المصرية منها الحرب على الإرهاب، وتغيير الخطاب الديني، وتفريعة السويس، وصفقة القرن، وغيرها الكثير مما تقوله المعارضة.
وفي هذه الحالة قد يجمح خيال البعض حول أن ما تسرب عن تأجير مصر لقاعدة في جنوب السودان- إن صح الخبر الذي أذاعه التلفزيون الرسمي لجنوب السودان ونفته حكومته- بأنه لـ “ممارسة التهويش” ضد القواعد التركية في الصومال والسودان وجيبوتي، وليس ضرب سد إثيوبيا.

نظرية المغالبة


كل ما سبق يبقى مجرد تصور من محض خيال، وكثيرون ممن يرفضون نظرية المؤامرة يرفضونه، ويتصورون أن الأمر متعلق بإمكانيات المغالبة التي تحظى بها كل دولة، وان المصالح فقط هي من تتحكم والقوة تسيطر، وأنه لا مكر معد مسبقا ضد مصر.
ويزعمون أن إثيوبيا وإسرائيل وجدتا ضالتيهما في التعاون المشترك، وأن السودان ارتأت الانحياز للجانب الأقوى في المعادلة وهو من يملك البحيرة والماء وبالتالي الكهرباء ويصادق من يملك القوة العسكرية والنفوذ الدولي، وأن تعاونها معهما حقق لها نجاحا من أول وهلة برفع العقوبات عنها.
وقياسا بذلك -إن صدقت النوايا – فلنبحث سويا عن أهم أدوات القوة التي تمتلكها مصر والتي يمكن أن نعددها في الآتي:
-يتوسط سد النهضة الموقع الجغرافي لمواطن قبائل الأوروم التي ينتمي غالبيتها للإسلام حيث يبدون اعتراضا على بنائه بعد انتزاع الحكومة أراضيهم منهم، ويطالبون بالانفصال عبر جبهة تحرير إقليم أورومو.
فيما يشكو المسلمون الذين يتجاوز عددهم من 45% الى 56% من عدد السكان حسب بيانات مراكز بحثية، ونحو 34% حسب البيانات الرسمية من التهميش والاضطهاد، وللأزهر الشريف تأثير بالغ عليهم.
يمكن لمصر اللعب بتلك الورقة، كما يمكنها اللعب بورقة الكنيسة المصرية حيث يشكل المسيحيون الأرثوذوكس هناك نحو50% من سكان إثيوبيا “حسب الإحصاءات الرسمية”، وهم الفئة المتنفذة في البلاد، وذلك عبر ممارسة الكنيسة القبطية أدوات الضغط المتاحة لديها.
– إثيوبيا تعاني من عدم إطلالها بشكل مباشر على البحر ما اضطرها لاستئجار حصة من ميناء بور سودان البحري عام 2018 وحصة من ميناء جيبوتي الرئيسي تربطه بأديس أبابا بخط حديدي، فضلا عن امتلاكها “قاعدة عسكرية بدعم فرنسي” هناك، وكلتا الدولتين الشقيقتين السودان وجيبوتي يمكنهما الضغط بتلك الورقة.
ويمكن في هذا الإطار الضغط باستخدام ورقتي قناة السويس لمصر وباب المندب في اليمن وفرض رسوم إضافية على البضائع الإثيوبية أو التلويح بمنع عبورها.
– وتعاني إثيوبيا من حركات انفصالية متعددة خاصة في إقليم أوجادين الذي سلمته بريطانيا لها اقتطاعا من الصومال عام 1954 رغم انتمائه عرقيا ودينيا للصومال واليمن، ولا زال هذا الملف يحتاج لداعم لتحريكه.
– كما دعم العرب وخاصة السودان والصومال إريتريا في الحصول على الاستقلال من إثيوبيا في القرن الفائت، يمكن لمصر الآن دعمها في مواجهة الضغوط الإثيوبية التي تمارسها عليها منذ الانفصال.
– وكما تتاح الخيارات العسكرية في الضغط المصري، تتاح أيضا ورقة الاستثمارات ويمكن لمصر ممارسة الاستثمار لا سيما الزراعي والحيواني في هذا البلد ما يعود بالنفع على البلدين.
ولو صدقت هذه التصورات يمكننا حينئذ استخدام قاعدة جنوب السودان المزعومة لعمل عسكري ضد السد.
هذه “بعض” من أوراق الضغط المصرية والسودانية في كارثة مهولة بحجم سد إثيوبيا يمكن استخدامها إن سلمت النوايا.
لا مجال للصمت على من يسلب من النيل هبته.

لقراءة المقال كاملا هنا على المعهد العربي للدراسات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق