نشر في المرة الاولى على موقع عربي 21
مع ظهور وباء الكورونا بداية عام 2020، راح الكثيرون يرددون أن هناك لغزا في رقم عشرين، وأن كل عام يوافق الرقم عشرين من كل قرن يتفشى فيه وباء قاتل يفتك بمئات الآلاف من البشر، فما بالك لو كان الرقم يحتوي على ذات الرقم مرتين هذا العام!
أصحاب هذه الرؤية دللوا على ذلك بأنه في عام 1720 ضرب الطاعون مدنا أوروبية وخاصة في فرنسا مخلفا 100 ألف قتيل، وفي 1820 ضربت الكوليرا دول شرق آسيا وخاصة إندونيسيا والفلبين وقتلت
ما يقرب من 100 ألف آخرين، وفي 1920 ضربت الإنفلونزا الإسبانية العالم أجمع وخاصة إسبانيا وأوربا، فخلفت هذه المرة ما يقرب من 100 مليون قتيل.وزاد هؤلاء المندهشون بقولهم أن كل اعوام الرقم 20 في التاريخ الأقدم كانت كلها تحمل دلالات غامضة، فأعوام 1420 و1320 و1220 و820 و720 و620 و520 وما قبلها، كانت جميعا - بحسب موسوعة "ويكيبيديا - أعواما كبيسة، وبالقطع نعرف أن العوام يربطون بين الأعوام الكبيسة والنحس.
وأهلكت الأوبئة عبر التاريخ العديد من القوى العظمى؛ فقد ساهم الطاعون في تدهور اليونان القديمة، ولعبت الملاريا التي تفشت في جنوب أوروبا في القرن الخامس دوراً كبيرا في انحدار روما القديمة، وكان الناجون يعانون من نوبات حمى منتظمة لبقية حياتهم ما جعلهم غير قادرين على العمل بجد ما ساهم في تدهور الزراعة.
وفي بريطانيا أنهى الجدري عهد أسرة ستيوارت؛ ذات الأصول الأسكتلندية، حيث حكمت بريطانيا حتى عام 1714، كما دمر جيش نابليون في روسيا بسبب أوبئة "الحمى النمشية"، وهو مرض معد بسبب بكتيريا الكساح، و"الزحار" أو التهاب الأمعاء.
حقب التاريخ تتكرر
وللمتأمل في التاريخ سيكتشف بسهولة أن حقب التاريخ نفسها تتكرر أيضا، حيث يبدأ كل قرن بموجة من تفشي العدوانية يقوم بها القوي على الضعيف، ويستمر التوتر والخراب والاضطرابات الداخلية والخارجية في بداية كل قرن، ثم تحدث عملية استقرار نسبي ثم عملية تنمية ثم عملية انهيار جديدة.
بل إن الأحداث نفسها تتكرر أو تتشابه، تماما كما وصف الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيافيللي مراحل نمو الدول وانهيارها بقوله: "عندما وصلت الدول إلى أعلى درجات كمالها، سرعان ما بدأت بالانهيار. بنفس الطريقة، بعد أن قلصتها الفوضى وغرقت في حالتها المتناهية من الانحطاط، عاجزةً عن الانحدار أدنى من ذلك، تصعد مجدداً من رحم الحاجة، وهكذا، تنحدر تدريجياً من الخير إلى الشر وترتقي من الشر إلى الخير".
فمثلا شهدت بدايات القرن السابع عشر انتصار الصفويين على الدولة العثمانية، وحرب الثلاثين عاما في أوروبا والشهيرة بـ"الثورة البوهيمية"، والحرب العثمانية البولندية.
وشهدت بدايات القرن الثامن عشر العديد من الثورات منها الثورة الفرنسية والأمريكية، واندلاع حرب الشمال العظمى بين روسيا والدنمارك، والنرويج ضد السويد، وحرب إنجلتر ضد فرنسا المعروفة بحرب "الخلافة الإسبانية".
وشهدت بدايات القرن التاسع عشر ثورة العبيد في هايتي وانتقلت تلك الثورة الى الكثير من بقاع العالم الاستعماري، كما شهدت أتون الحملة الفرنسية على مصر وحملة فريزر على مصر، وتوغل الاستعمار البريطاني في العديد من بقاع الأرض، وصعود محمد علي وخوضه العديد من الحروب ضد الدولة العثمانية مدعوما من فرنسا.
وفي بدايات القرن العشرين حدثت الحرب الأولى التي غيّرت شكل العالم، واستبدلت الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية والمجرية والعثمانية بإمبراطوريات جديدة.
وشهدت بدايات القرن الحادي والعشرين عمليات الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، والعديد من الثورات في البلدان العربية.
لعبة التشابه
وإذا كانت للأرقام دلالات واسعة في التاريخ حملت البعض على اعتناق مفهوم التكرار التاريخي أو "العَود الأبدي" الذي كُتب عنه بصيغ مختلفة منذ القدم، ووضحت الملاحظة على المجتمع على يد المؤرخ اليوناني قبل الميلاد بوليبيوس، ونظَّر لها في القرن التاسع عشر كل من الشاعر الألماني مؤلف نشيد النازي الوطني، هاينرش هاينه، والفيلسوف الملحد فريدريك نيتشه، فإن المدهش حقا أن تتكرر نفس الأحداث أيضا في أزمنة أخرى ومع أشخاص آخرين، وكأن الحياة عملية ديناميكية متى توافرت لها أسباب معينة أنتجت نتائج معينة، فمثلا الأسباب التي أدت إلى الثورة البلشفية بداية القرن العشرين هي نفسها الأسباب التي أدت إلى انكسار تلك الثورة وزوال الاتحاد السوفييتي في نهاية ذلك القرن.
والتآمر الغربي وأتباعه العرب على الدولة العثمانية بداية القرن العشرين يشبه لحد كبير التآمر على الدولة التركية الأردوغانية في القرن الحادي والعشرين، من نفس الجهات والعناصر.
نعم التاريخ يتكرر ولا داعي للإطالة في سرد الأمثلة، ولكن ينبغي التنبيه على أن دراسته بصورته الحقيقية هي في الواقع دراسة متعمقة في المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق